المجموع : 27
إنَّ الرَّبيع كَثيرةٌ أَوراده
إنَّ الرَّبيع كَثيرةٌ أَوراده / فاذا اِنقَضى لَم يَبقَ من أَورادِ
إن متُّ تحزن في العراق أَحبةٌ / حيناً وَتفرح في العراق أَعادي
لا تقبل الأجرام عدّا
لا تقبل الأجرام عدّا / كلا ولا الأَبعاد حدّا
العَقل يرجع خائباً / عنَها وإن لم يأل جهدا
يَرقى إليها مورياً / بالفكر في الظلماء زندا
مسترشداً بعلومه / فبها إذا ما ضل يُهدى
وَقَد استعدَّ وكل سا / ع يَستَعين بما استعدا
فَيسيح في لَيل به / زهر النجوم يقدن وقدا
وَيَجوز أجوازاً لَها / متعسفاً فَيَكاد يَردى
مَهما تَرقى صاعداً / أَلفى وَراء البعد بعدا
يَسمو وَيَذهَب موغلاً / فيصده الإعياء صدا
حَكَت المجرَّة صارِماً / وَحَكَت سحائبها فرندا
نَفسي تود وَكَيفَ أم / نع فيّ نَفسي أَن تودّا
لَو أَنَّها وجدت طَري / قاً منه للشعرى يؤدَّى
وَتصعدت فَتقلدت / من أنجم الجوزاء عقدا
وَبكفها لمست من ال / قرب السَماء اللازوردا
خادعت نَفسي حين لَم / أَر من خداع النفس بدا
إني إذا خالفتها / كانَت لي الخصم الألدا
يا نفس بعد الموت ذا / لك كائنٌ فإليك وعدا
وَالعَقل يَعلم من سيا / حته الَّتي أَولته مجدا
أن المجرة لَم تَكُن / إلا عوالم فقن عدّا
وَالسحب فيها أنجم / هن الشموس بعدن جدا
متحركات في السما / ء تخال أن لهنَّ قصدا
متنقلات في فسي / حِ فَضائها عكساً وَطردا
فَلَها مجاز في مجا / هلها تسير به وَمعدى
زرقاً وَحمراً زاهيا / تٍ في مجاريها وَرُبدا
متجاذِبات لَو تخل / لفَ واحدٌ عنها لأودى
وَهناك أجرام عَلى / كر الدهور جمدن بردا
سَتُعيد يَوماً ما حَرا / رتها القديمة أَو أَشدا
وَتمد ثانية أَشع / عتها إلى الأطراف مدا
إني لأحسب أن هَ / ذا الكون حيٌّ سوف يَردى
وَكَذاك أَحسب كل نج / مٍ جوهراً للكون فردا
والأرض بنت الشمس تَل / زم أُمَّها جرياً وَتحدى
وَتدور في أطرافها / مشدودة بالجذب شدا
فَتَطوف مثل فراشة / لاقَت بجنح اللَيل وقدا
وَبدور محورها تُوَج / جِه نحو نور الشمس خدا
لَولا دَليل الجذب ما / ملكت بهذا السعي رشدا
وَلأُبعدت عَن أمها / فمَضَت وَما ألفت مردا
بل تاه جامد جرمها / أَو صادفت في السير ضدا
وَيلي لَها إن صادمت / جرماً من الأجرام صلدا
فَهناك يهلك أَهلها / وَتَكون للإِنسان لحدا
لهفي على الشبان تخ / مد منهم الأنفاس خمدا
وعلى الحسان الكاعبا / ت عرضن كالرمان نهدا
والورد خداً والظبا / عيناً وخُوط البان قدا
تردى وأكبر في نفو / س العاشقين بذاك فقدا
فتموت سلمى في الشبا / ب وزينب وتموت سعدي
وعلى الرجال الذائدي / ن عن الرعية من تعدَّى
كُشفت بهم غماؤها / وأُحيل بؤس العيش رغدا
هم ألبسوا الأقوام إذ / فسدوا من الإصلاح بُردا
وبنوا بفضل الذَبِّ بي / ن الظلم والضعفاء سدا
مثل السيوف المصلتا / ت لهم تكون الأرض غِمدا
وعلى الفلاسفة الأُلى / كشفوا من الأسرار عدا
وعلى الرجال الماحصي / ن العلم تحقيقاً ونقدا
ويلي له من حادث / يستنفد الأعمار حصدا
إن لم يمت في يومهِ ال / إنسان فهو يموت بعدا
ما الموت إلا منهل / نأتَمُّهُ وفدا فوفدا
قد مرّ للمتنعمي / ن وطابَ للبؤساء وِردا
حمداً لك أللهم في ال / سرّاءِ والضراء حمدا
ماذا تكون الأرض بع / د صلائها أتعود تهدا
أَتُحِدُّ بعد خرابها ال / مظنون للعمران عهدا
أَلها إذا بلغت نها / ية دورها المسعود مبدا
إني لآمل أن تُعي / د قوى الحياة وتستردا
وتُعيش حيواناً بها / وتكون للانسان مهدا
وتعيد آباء كما / كانوا بها وتعيد وِلدا
الأرض بالإنسان تك / سب بهجةً وتنال سعدا
يا ارض لولا سعيه / لم تدركي يا أرض مجدا
هو ذلك السرُّ الذي / أفشاه مُبدعه وأبدى
لا تحتقره لكونه / في أصله قد كان قردا
فلقد تقدم في الكما / ل وبالفضائل قد تردّى
قَد قاسَ أعماق الفضاء فَلَم يجد
قَد قاسَ أعماق الفضاء فَلَم يجد / عقل الحَكيم نهاية الأَبعاد
بالعَقل لَيسَ الفَيلَسوف بمدرك / ما يطمئن له من الآباد
لما أَخذت أقيس أَبعاد السهى / طالَت عليَّ مراتب الأعداد
ما إِن أرى إلا فساداً قبله / كون وكوناً جاءَ بعد فَساد
ما الكَهرباء سوى الحَياة إذا اِنتَهَت / حركاتها ذهبَ الحَياة بداد
عَجَبي من الإنسان يهججَ آمِناً / وَالمَوت للإِنسان بالمرصاد
لا تَطمَئِن بكون لَيلك هادِئاً / فَلَسوف يأَتي السيل ملء الوادي
الشَمس قَد غربت فحيّ عَلى السرى / مستهدياً بالكَوكب الوقاد
وَيلي من الأيام إن جديدها / أَخنى عليَّ وَنالَ من اجلادي
لَم يجدني لَهفي عَلى شَعري الَّذي / بان البياض عليه بعد سواد
حسْنٌ وَقبح أَو رضىً وَبغاضةٌ / يا دَهر إنك جامع الأضداد
فتشت من بعد الحَريق مَكانه / فوجدت أَنقاضاً وَبعض رماد
يا أَرض إنك في زَمان واحد / مَرعى الظباء وَمربض الآساد
ما أَنتَ إلا للتَنازع حومة / وإِنِ الحَياة عليك غير جهاد
أَخذت تهذبني الخطوب ملمة / إن الخطوب لَها عليّ أَيادي
بادَت شعوب لا تريدُ
بادَت شعوب لا تريدُ / وإذا أرادَت لا تَبيدُ
لا النار توقف ما أرا / دته الشعوب وَلا الحَديدُ
العز في صدق العَزي / مَةِ وَالشعوب كَما تريدُ
ما إِن يثبط عزم شع / بٍ همَّ وعدٌ أَو وَعيدُ
وَالناس إِمّا سَادة / لهمُ الإِرادةُ أَو عَبيد
وَالناس شتى في معي / شتهم شقيٌّ أَو سَعيد
وَالناس أَيقاظ تحس / سُ بما هنالك أَو رقود
وكذاك أيام الحيا / ة فإنها بيضٌ وسود
إِنا بعصرٍ لا يَجو / ز لمن يَعيش به القعود
ما أوصل المتأخري / نَ عَن المَدى المشي الوَئيد
تلكم بلا ريبٍ نوا / ميس لها خَضَعَ الوجود
سنن الحَياة وَلَيس عَن / سنن الحَياة لنا محيد
الشعر أكبر موقظ / يدعو فتنتبه الهجود
كل الفنون تجددت / وَالشعر يعوزه الجَديد
ما قامَ حتىّ أَثقلت / هُ من قوافيه القيود
قد حدَّدوه للورى / وَالشعر لَيسَ له حدود
لا يَرتَقي شعب عَلى ال / أدب القَديم له جمود
ما ضرَّ سامعَها لَو اِخ / تلفت قوافيها القَصيد
من كانَ ينظم عَن شعو / رٍ صادقٍ فهو المُجيد
لا خير في شعر لِما / قد قيل صاحبُه معيد
وَالشعر يحيا نزره / وَالشعر أكثره يبيد
وَالشعر إن صدقت معا / نيه يكون لهُ الخلود
وَلَقَد يشيع بيومه / فكأَنَّه مثلٌ شرود
ما ضرّ حقاً بيِّناً / أَن لا يَكون له شهود
يَكبو فَيَلقى حتفه / شعرٌ كقائله بَليد
شعر برودته عَلى / برد الجَليد أَتَت تزيد
وإذا الجَليد رأى شعا / عاً كافياً ذابَ الجَليد
هَذا لعمري ما أَرا / ه في القَريض ولا أَحيد
قَد يَجعل الوصاف غي
قَد يَجعل الوصاف غي / بَ الشيء منك بمشهد
فَتَكاد تلمس ما يصو / وره لعينك باليَد
المَوت إذ وطن الأبيّ مهدَّد
المَوت إذ وطن الأبيّ مهدَّد / مجد يشايع أَو حياة تخلدُ
ما ماتَ في أَرض الجهاد محمد / بل عاش في أَرض الجهاد محمد
فَلَقَد أَتى عملاً غداة دنا العدى / يَمضي الزَمان وَذكره يتجدد
في مَوقف ما إِن تَرى إلا دماً / في الأرض يجري أَو دخاناً يصعد
أفديك من بطل هوى عَن طرفه / وَالسَيف في يده تشدّ به اليَد
شبت من الجيشين حرب نارها / تَشوي الوجوه فَلَم يرعك المشهد
إذ كانت الأعداء تسعر نارها / وَالنار منك قَريبة لا تبعد
وَلَقَد رسوت أَمام جحفلهم كَما / في صدر مجرى السيل يَرسو الجلمد
أَما الحِمام فَكانَ يبرز نابه / وَيُطيل من نظر إليك وَيرصد
حيث القَنابِل في مَيادين الوغى / نفدت وَعَزمك وافر لا ينفد
الناس حامدة ثبات محمَّد / وَالدين يحمد وَالمواطن تحمد
صاحوا الجهاد ضحىً فَلَبّى عالماً / أنَّ الجِهاد هُوَ الطَريق الأقصد
شبت فأَقسم بالبسالة أنه / بالرَغم عَن هرم به لا يقعد
ما زالَ في ظل الهلال مجاهداً / حتى أَصابَته بمنفلقٍ يد
فَبَكى عليه سيفُه وَجوادُه / وَبَكى عليه صلاحه وَالمسجد
لاقى الردى فوق الجواد كأَنَّما / متن الجواد إلى التَلاقي موعد
لِلَّه تلك النفس وَالخلق الَّذي / يَرضى وَذاكَ الخاطر المتوقد
ما كنت أَرجو أَن يَموت مرادُ
ما كنت أَرجو أَن يَموت مرادُ / حتى تنال حقوقها بغدادُ
إن الألى حملوا مراداً ضحوةً / دفَنوا مراداً في التراب وَعادوا
لَيسَ الَّذي قَد أتعبته حَياته / يأذى من الموتان فَهوَ رقاد
يَحيا الجماد إذا الشورط توفرت / وَالحي إن فقد الشروط جماد
اشتد حين سريت حندسُ لَيلَتي
اشتد حين سريت حندسُ لَيلَتي / حتى أَضعت بها سَبيل رشادي
يا لَيتَني قد كنت أَعرف جيداً / ماذا أَراد اللَه من إيجادي
منع الَّذين تسيطروا أَن يحسنوا / ثخنُ الوجوهِ وَغلظةُ الأكباد
مَهما تقدم في حضارته الفَتى / لَم يخل من همجية الأجداد
أَما العِراق فَما الفَتى بمكرم / فيه وَلَيسَ كشقوة الأمجاد
ملأوا صدور الصحْفِ حقدا
ملأوا صدور الصحْفِ حقدا / وَالحقد قد سموه نقدا
أَنىَّ اِلتفتُ أَرى أَما / مي من رجال السوء ضدا
أَلفيت قوماً يحقدو / ن عَلى الَّذي للفضل أَبدى
وَرأَيت ناساً يَحسدو / ن النجم أَن يزداد وقدا
وَوَجدت حدّاً لِلوَلا / ء وَلَم أَجد للبغض حدا
قالوا دَخيلٌ في القَري / ضِ فَما أَجاد وَلا أَجدّا
قالوا صَغير لا يعد / دُ من الفحول وَلَن يعدّا
قالوا إلى الاحسان من / هُ غيره في الشعر أَهدى
وَله جراءة فَيلَسو / ف يوسع الأديان جحدا
كَذبوا فاني شاعر / وأدين بالاسلام جَدّا
يَلغو اللسان بِباطِلٍ / وَالوَجه صلبٌ لَيسَ يندى
كَلِمٌ عنتني غير أن / ني لا أُحاوِل أَن أردا
لَم أَشك وَخزتها وإن / كانَت سهاماً أَو أشدّا
لَو ساعدتني صحتي / لاخترتُ عَن بغداد بعدا
من ذا يصدق أنني / في جنب دجلة صرت أَصدى
مالي أُقيم ببقعة / كانَت بها الأعداء لُدّا
يخشون سيري في البلا / د كأَنَّني سأَقود جندا
ما إن ذكرت عَلى بعا / دٍ مصرَ إلا ذبتُ وَجدا
يا مصر أَنت اليَوم وح / دَكِ ذلك البلد المفدّى
أَما الحَياة فَلا تُسا / وي أَن يَكون الحر عبدا
ما لي من الأموال شي / ءٌ كَي أَخاف عليه فقدا
وَعَلى القناعة وَحدها / حمداً لَك اللَهم حمدا
قَد كانَ في بَغداد لي / عيش وَكانَ العيش رغدا
الدَهر كان ينيلني / إسعافه ثم اِستردا
وَلكم قدحت مُحاولاً / ناراً فَما أَوريت زندا
إن قد فشلت فَسلوتي / هي أنني لَم آلُ جهدا
قاسيت عدواناً من ال / متغطرسين فكنت جلدا
وَصبرت أحمل حره / حتى اِستحال الحر بردا
إن الخطوب نزلن بي / فتركنني عظما وَجلدا
قَد ذقتُ صاباً في حَيا / تي بالعراق وَذقتُ شهدا
وَلقيت فيما قد لقي / تُ بموطني نحساً وَسعدا
وَرأَيت بعد المد جز / راً ثم بعد الجزر مدا
وَصعدت في جبل سما / وَهبطت ثم هبطت وَهدا
وَمحاول جحداً لمج / دي كَي يَنال بذاك مجدا
وَالجحد لَيسَ بضائر / مَجداً من الأدب اِستمدا
ما كانَ يدرك ظالع / شأو الضَليع وإن تصدى
وَالمَرء يظهر عجزه / فيما يَقول إذا تَحدى
يَعدو عَليَّ منابذاً / من كنت أرجو منه رفدا
قاس تخال فؤاده / حجراً من الأحجار صلدا
دافعت عن نَفسي وَلَم / أَرَ من دفاع النفس بدا
اذمم بسيف ذي مضا / ء لا يُفارق عوض غمدا
جعل السحاب مجللاً / بَيني وَبين النجم سدا
وَرأَيت في خلل السحا / ب وَقَد دَنا برقاً وَرَعدا
ما كانَ إذ أَرشدت قو / مي يستحب القوم رشدا
فَهُناك شعب كلما / أَيقظته يَزداد رقدا
وَهُناك أَيقاظ ترا / هم يغمضون العين عمدا
الشَعب لا يَدري أَهَ / ذا إن أَتى أَم ذاك أَجدى
وإذا تَردَّى فَهوَ يج / هل أي ثوب قد تَردَّى
إِنَّ الجهالة قد قَضَت / أَن يَستَكين فَلا مردّا
لا يَعرفون لجهلهم / خطر الخلاف وإن تبدى
أَما الوِفاق فإنما / هُوَ أَن يَكون الجمع فردا
ما ساد قوماً جاهل / بحقوقهم إلا اِستبدا
بَغداد كانَت في زَما / ن غابر للعلم مهدا
هَل للألى فقدوا السجا / يا ما يسدُّ لها مسدّا
وَعَلى الَّذي يَرجو السَعا / دة في المَعيشَة أَن يجدّا
لَولا المَساعي لَم ينل / أَحد من الأقوام مجدا
لا لَوم إن فشل المجا / هد بعد أَن لَم يأل جهدا
الحق ماتَ فبوَّؤ / ه بعد أَن حملوه لحدا
وَلَقَد وَضَعتم نابِهاً / وَرَفعتمُ من كان وغدا
يا قوم أَخطأتم بما / جئتم فأسخطتم معدّا
يا قوم قصرتم أَلَيْ / سَ هناك من حق يؤدى
من كانَ لا يَمشي عَلى / سنن الطَبيعة فَهو يردى
الغرب كان يُعدُّ أَمر رقيِّه
الغرب كان يُعدُّ أَمر رقيِّه / إذ لَم يكن للشرق من إِعداد
لَيسَ الَّذي يَمشي عَلى أَقدامه / مثل الَّذي يجري عَلى منطاد
القوم ما اِتحدوا ليقوى شأنهم / فيصد عنهم طامع أَو عادي
في كل وقت للجماعة قوة / ليست لدى التَحقيق للآحاد
تَتحاقد الأحزاب إلا أنها / في رزئها تَخلو من الأحقاد
ما كانَ جيش العزم يدبر خاسئاً / لَو كانَ جيش العزم ذا إمداد
يا قوم ما أَنتم لدفع ملمة / يوماً وَلا أَنتم لجلب سداد
فخذوا بأَيديكم مغازل في الضحى / ودعوا السيوف تقر في الأغماد
لا تَستَنيم إِلى الهدوء بِلادُ
لا تَستَنيم إِلى الهدوء بِلادُ / ما لَم يكن منها لها أجنادُ
هم للبلاد إذا اطمأنت شوكة / وَهم إذا ريعت هم الإنجاد
إن لم يدافع عَن حقوق بلادهم / أَهل فَما لهم البلاد بلاد
ما كالظُبَى سرجٌ تضيء نجومها / بيضاً إذا صبغ الحياة سواد
ذبوا عَن الأوطان يا أبناءها / لتسرَّ في أجداثها الأجداد
الأم عاتبة عَلى أَولادها / إن لم تذد عَن أمها الأولاد
الجَيش في أَيدي الحكومة قوة / وَالعامِلون به هم الأعضاد
علم الَّذي درس الحَياة كفاحص / إن الحَياة تنازع وَجهاد
لا بحر إلا تحته غواصة / تجري وَفوق سمائه منطاد
بك يا شباب سيبلغ الشعب المنى / وَلك المَدارِس في البلاد تشاد
وَلَقَد سَما بك للعروبة جانب / ضخم تخر لعزه الأطواد
يا علم أَنتَ الشمس فاشرق بازِغاً / لتضيء من أَنوارك الأبعاد
وَهُو العِراق يسوؤني أَن لا يُرى / متقدماً وَلأهله اِستعداد
لا ريب في أن العراق بأَهله / يَسمو إذا أَهل العِراق أرادوا
يفدى العراقَ إذا دَعا مستصرخاً / من أَهله الأرواحُ والأجساد
يغلي سروري كُلَّما فكرت في / مجد إِلى بغداد سوف يعاد
الشعر في بغداد ليس برائج
الشعر في بغداد ليس برائج / يا ضيعة الشعراء في بغداد
الشعر ينهض بالشعوب إلى العلى / فيما يولده من استعداد
الشعر فن كالسياسة بارع / قبضت أزمته يد القواد
لَيسَ الحَياة سوى سعاده
لَيسَ الحَياة سوى سعاده / ترجو الورى فيها الزياده
وَالسعي في تحسينها / للمؤمنين من العباده
ما الانتحار لمستطي / عٍ أَن يعيش سوى بلاده
إثم نصيب المرء من / هُ عكس منزلة الشهاده
ما إن يحاوله امرؤ / ذو مسكة وله إراده
إن التراب لمن ينا / م بحفرة بئس الوساده
لا يَنبَغي أن تنتهي / بالموت في الدنيا الزهاده
هَل للذي يحيا عَلى / حوبائه هذي السياده
ما إن تطوح في الحَيا / ة بنفسها حتى الجراده
المزهقون نفوسهم / لا يقدرون على الإعاده
ليسَ الفرار من التكا / فح للحياة من الجلاده
أَتعود بعد تصرم ونفادِ
أَتعود بعد تصرم ونفادِ / أيام بغدادٍ إلى بغدادِ
أَيام بغداد الَّتي في مرها / كانَت عوادى الدهر غير عوادي
اذ ليس بغداد كما تلفى ولا / حكام بغدادٍ ذوي اِستبداد
كانَت محطاً للعلوم وأهلها / وَقرارةً للمجد والأمجاد
اليَوم هاتيك العلوم جميعها / مدفونة بمقابر الأجداد
قد عاشَ دهراً في نعيم أَهلها / فإذا النَعيم وأَهلها لنفاد
أَيام مدَّ الأمن وارفَ ظله / فيها فكانَت جنة المرتاد
أَيام بغداد تضيء جميلة / فَتَلوح مثل الكوكب الوقاد
أيعاد ما فد مر من عُمرانها / أم ذلك العمران غير معاد
لا ترجع الرغبات نحو عِراصها / أو ترجعَ الأرواح للأجساد
فتقوم فيها بالسداد حكومة / وتزول عنها دولة الأوغاد
جاسوا المنازل مفسدين وأوقدوا / نارَ الإساءَة أيما إيقاد
إني أظنك لا ترى بمكانها / من بعد بضع سنين غير رماد
فهناك أَهل يجهلون حقوقهم / وَحكومة تعتو ودهر عادي
هم أَيدوا الحكام في تدميرها / فكأَنهم لَو يخجلون أَعادي
لجأت إليهم حين عزَّ نصيرها / ولقد يجاء إلى ذوي الأحقاد
قضت الفظاظة في طبائع أهلها / أن لا يكون فؤَادُهم كفؤادي
قد زال عن بغداد كل حلاوة / لكن كذاك لها قديم ودادي
فلها مع الجَنفَ الذي ألقى بها / ودٌّ بقلبي نال من أجلادي
بغداد تطلب ذِلتي وأُعزها / فانظر لبعد البون في الأضداد
وتريد موتي إذا أريد حياتها / شتان بين مرادها ومرادي
أَمدينةَ الإسلام يا دار السلا / م لمن أقام وكعبة القصاد
أني بكيتك بالدموع لأنها / مما تخفف حرقة الأكباد
ونظمت مرثية تخذت لها ذرى ال / مستنصرية موضع الإنشاد
إذ نهر دجلة أنت تجري ههنا / دهراً فتخرق جانبي بغداد
أَرأيت بغداداً كذا فيما مضى / بلداً عليهِ الذل حولك باد
بلد بهِ قدم التعسف راسخ / والجور فيهِ ثابت الأوتاد
بلد بهِ سوق الجهالة نافق / والعلم فيهِ متاعه لكساد
بلد تمسك أهلها من جهلهم / بعرى الضلال فما لهم من هاد
وانقاد للظلم الصريح ولم يكن / فيما مضى للظلم بالمنقاد
وقد استغاث بهم فلم يتحننوا / فكأن قلب القوم بعض جماد
وأراد بعض أولى الدراية منهم / نيل الرشاد ولات حين رشاد
ليس النجاة لأمة من أَسرها / مِمّا يتم بهمة الأفراد
يا نهر دجلة أن من حقي البكا / حتى أموت على ضياع بلادي
يا نهر دجلة أن عيني ماؤها / نزرٌ فليس يبيح نار فؤادي
يا نهر دجلة فاجر أنت مكانه / واسق المعاهد من ربي ووهاد
يا نهر دجلة أنت تقنى قوةً / إذ كنت منحدراً من الأطواد
يا نهر دجلة إنني لمؤمل / أن لا تضن عليَّ بالإسعاد
يا نهر دجلة أين بغداد التي / كانت لأهل الفضل أكبر ناد
لم حولك الأرض الوسيعة أقفرت / والماء منك هناك غير ثماد
يا نهر دجلة ما لبغداد غدت / بلداً لكل شناعة وفساد
لهفي على بغداد كيف تأخرت / في العلم بعد تقدم متمادي
لبس النهار بها على رغم المنى / بعد الليالي البيض لون سواد
وقد التقت فيها الجهالة والردى / فكأَنَّما كانا على ميعاد
نظرت إلى الأحرار من أَبنائها / نظر المريض بأوجه العوَّاد
كانت لعمري قبلُ مدرسة لمن / يبغي العلوم كثيرة الروّاد
كانت ملاذاً للطريد ومرجعاً / للمستفيد ومورداً للصادي
فد ان يا بغداد أن تبكي على / موت الذين لهم عليك أيادي
قد آن إذ نزلوا بأفنية الردى / أن تلبسي بغداد ثوب حداد
في ليلة سوداء لم
في ليلة سوداء لم / أبصر بها للنجم وقدا
أخذت تعد همومها / نفسي اللجوج عليَّ عدّا
إذ صورت لي نسوةً / بالرافدين يثرن وجدا
واِستنكرت ما قد أَصا / بَ من الأسى لَيلى وسعدى
وَتأَلمت لمصاب عا / تكة بزوجٍ قد تعدى
فَهمى هنالك دمعها / يجرى تؤآما ثم فردا
ويل لغانية لها / بعل من الجهل استبدا
قبلت به زوجاً وَلَم / تر من قبول الزوج بدا
جمّ الكراهة كلما / زادت دنواً زاد بعدا
أبدى غراماً ثم غي / ير ما لَها من قبلُ أبدى
جعلت ترى في عينه / برقاً وتسمعُ منه رعدا
إن الغرور لجاعل / بين النهى والحق سدا
يبني الرجال من اللحى / فخراً لأنفسهم ومجدا
غصبوا النساء حقوقهن / نَ فَلا تصان ولا تؤدَّى
القوم يا ابنة يعرب / من جهلهم وأدوك وأدا
ظلموك ظلماً ما رأَي / تُ له لعمر الحق حدا
لا تمسكي بالقوم إن / نَ القوم لا يرعون عهدا
حجبوك عن أبناء نو / عك حاسبينَ الغيَّ رشدا
سجنوك في بيت أري / دَ بضيقه ليَكون لحدا
لم يعدلوا إذ غادرو / ك صدىً بكهف الدار فردا
وَنسوا حقوقاً لا يَكو / ن بدونهنَّ العيش رغدا
الأمُّ لو رقيت لرب / بت عَن هدى للشعب وُلْدا
وإِذا النساء ردينَ في / شعب فإن الشعب يردى
زوجان كل منهما / لحليله قد كان ندا
من بعد ما عاشا معاً / ماذا جَرى حتى أَلدَّا
هدّا بناءهما وَما / أحراهما أن لا يهدا
الزوج كان هو الَّذي / يولي الرضى ثم استردا
وَعَلى جميع حقوقها / من بعد لذته تعدَّى
يأَتي الطلاق لغير ذن / بٍ ثم يحسب ذاك رشدا
لا شيء يمنع جاهلاً / ذا غلظة أن يستبدا
قد يرجع الإنسان قر / داً مثلما قد كانَ قردا
أحبب إلىَّ بمسرحٍ هو عالَمٌ
أحبب إلىَّ بمسرحٍ هو عالَمٌ / جَمَّ الحوادثِ يجمع الأضدادا
أما الشهودُ فوحدةٌ في حسهم / فكأنهم يتعاورون فؤادا
ويريك عاقبة الضلالةِ والهدى / ويصور الأنذال والأمجادا
زره تجد صور الحياة جليلةً / فتود حين تزول لو تتمادى
تر نعمةً موفورةً وبجنبها / تبصر شقاءً دائماً وجهادا
وترى أناساً يستمر ولاؤها / وترى أناساً بينها تتعادى
دنيا تطوف ذئابها بخرافها / وتعيث في تلك الخراف فسادا
يا من تجرد من عواطف قلبه / إني أعيذك أن تكون جمادا
الفَنُّ يُصلحُ كُلَّ مَن هُوَ فاسِدٌ / حَتّى الَّذي ظَنَّ الفَسادَ سَدادا
الفَنُّ في قَصَص يمثل أَهلَها / يُحيي الرَميمَ وَيبعث الأَجدادا
الفَنُّ لِلأَخلاقِ خَيرُ مُهَندِسٍ / يبني الوَلاءَ وَيَهدمُ الأَحقادا
طعنوك يا وطني المفدّى
طعنوك يا وطني المفدّى / في الصّدر حتى كدت تردى
والطاعنون بنوك أن / ت كسوتهم لحماً وجلداً
تلغى معاهدة واخرى تعقد
تلغى معاهدة واخرى تعقد / والشعب يستفتي لها ويهدد
والشعب يطري للجهلة خنجرا / في صدره عما قريب يغمد
وكأن يوم الغاصبين لحقهم / ليل وهذا الليل بحر مزبد
اما الزعيم فما تحرك ذائداً / عن حقهم منه اللسان ولا اليد
كنا نؤمل ان نراه منجدا / واذا الذي هو منجد لا ينجد
كسدت تجارة كل شيء عندهم / الا النفاق فانه لا يكسد
كل الذي فيهم قديم مخلق / الا العداء فانه يتجدد
الشعب بالقيد الثقيل مكبل / حتى يكاد اذا تحرك يقعد
للبعض كوخ واطئ ولبعضهم / صرح كما شاء النعيم ممرجد
هذا يضاجعه الرفاه وذاك في / سغب ينام وقد اقض المرقد
لو كان فرع الدوح اخضر ناعما / لنزا عليه العندليب يغرد
يا نفس ايام النهوض بعيدة / ولعل ايام التحرر ابعد
وفتى اروه الموت يكشر كالحا / فاصفر منه العارض المتورد
حظروا عليه ان يقول مصرحا / فكأنه السيف الجراز المغمد
يا قوم ان الحق ابيض ناصع / كالصبح فهو بنفسه متأيد
انا ان فرحت فكل لون ابيض / واذا يئست فكل لون اسود
وطلبت اسباب الغنى من بابه / فوجدت ان الباب دوني موصد
لا در در الجاهلين فانهم / يرمون بالالحاد من لا يلحد
ان كان من يبدي الحقيقة ملحداً / فليشهد الثقلان اني ملحد
طعنوك يا وطني المفدى
طعنوك يا وطني المفدى / في الصدر حتى كدت تردى
والطاعنون بنوك ان / ت كسوتهم لحماً وجلدا
ظلموك يا وطني ولم / يرع الألى ظلموك عهدا
حرموك حقا اشبعو / ه بعد ان عرفوه جحدا
كان الذي قد كنت تأ / مل عونه خصما الدا
واختار من قربتهم / الا قليلا عنك بعدا
ولك الذين رفعتهم / حفروا بجوف الارض لحدا
يبغون من دغل بهم / لك في حفير ضاق وأدا
هل كان قلب عقيدهم / حجراً من الاحجار صلدا
حق هناك وباطل / ولقد يلاقي الضد ضدا
اني ارى جزرا ويسمي / البعض هذا الجزر مدا
والشر خيرا من جمي / ع وجوهه والنحس سعدا
والقيد خلخالا لمن / يشقى به والغل عقدا
اما جبين القوم فهو من / الصفاقة ليس يندى
قد شاء ربك ان تطو / ل يد العتاة وان تشدّا
واقام حرص الجاه بي / ن الحق والابصار سدا
واذا اراد اللَه امراً / بالعباد فلا مردّا
هيهات قد دخل الذئا / ب حظيرة الخرفان ربدا
لو صين دستور البلا / د لما تعدّى من تعدّى
ولقد يسيء المرء في / اعماله خطأ وعمدا
وطني على بلواك كن / جلدا كما قد كنت جلدا
وعلى ظلامتك اصطبر / حتى تعود النار بردا
وتخفف ويلات الحيا / ة فان للارزاء حدا
لا تقشعر فانت لا / تنهار يا وطني المفدى
ما بال عيني لا ترى / في ليلها للنجم وقدا
أافلن ام قام العمى / بيني وبين النجم سدا
انفض عني صحبتي / وبقيت مثلى السيف فردا
كالسيف عريانا ولي / س بلابس الا فرندا
دافعت عن وطني ولم / ار من دفاع عنه بدا
ولقد وقفت بدجلة / ابكي مع الباكين مجدا
مجدا اثيلا قد هوى / ليلا بهاوية فاودى
يا دخل ماؤك طيب / لو كنت املك منه وردا
يروى الدخيل وانما ابنك / في جوار منك يصدى
ولقد مررت على الريا / ض فلم اجد فيهن وردا
وذكرت ايامي بها / واحبتي وذكرت عهدا
وبثثت للعهد الذي / كنا به سعداء وجدا
كانت رياضك ذات اف / نان ترف وكن ملدا
فيها العنادل نازيا / ت تملأ الاسماع غردا
والريح ترسل من شذا / ها زلفة وفدا فوفدا
ووردت ماءك صافياً / فشربت ذاك الماء صردا
وعلوت نشزا عند حو / ضك قائما وهبطت وهدا
اما النخيل ففي صفو / ف نسقت يحكين جندا
قد كان يومئذ مرا / ح في الصبابة لي ومغدى
ولقد مضى لي عندها / عيش وكان العيش رغدا
حتى المّ بي العقام / فهد مني الجسم هدا
يا دهر انت علي قد / اصدرت حكمك مستبدا
اني لاوثر في الحيا / ة على اقتناء المال حمدا
واريد عزا لا اخا / ف زواله واريد مجدا
واريد لاسمى بعد ان / ابلى بجوف الارض خلدا
ذكراً جميلا ان ردي / ت كآخرين فليس يردى
المال حسبي منه ما / يكفي لحاجي ان يسدا
ومصارع الأيام لا / يبغى من الأيام رفدا
لم يطمئن القوم في بغداد
لم يطمئن القوم في بغداد / إلا إلى الأغلال والأصفاد
استسلموا للهاضميهم بعدما / هاجوا هياج البحر ذي الازباد
فجنوا على الاجداد في اجداثهم / وجنوا على الابناء والاحفاد
وهناك من هو للاسى مستعبر / وهناك من هو للمسرة شاد
ماذا تقول لامة معكوسة / جعلت مآتمها من الاعياد
ما كان ظني يا ملاعب صبوتي / ان تذهب الآمال فيك بداد
حتى بدا لي والزمان معلم / ان الاحبة في العراق اعاد
ان الذين تسيطروا بخداعهم / ثبتوا بصدر الحكم كالاوتاد
اما حقوق الابرياء فانما / عصفت بهن زوابع الاحقاد
قد حال بين هضيمها وعظيمها / ما قد اقام الا فك من اسداد
قلت استبد بكم فريق طائش / منكم وما من قام بذياد
قالوا اذا تمت لنا صلواتنا / خمسا فما ضرر في الاستبداد
انا لقوم راحلون الى التي / نجزى بها والدين احسن زاد
الموت فيه راحة مضمونة / اما الحياة فليس غير جهاد
لا تستميل نفوسنا بطلائها / دنيا غرور كونها لفساد
فصرخت فيهم قائلا لا تكذبوا / فالدين يأمركم بالاستعداد
لو كانت الدنيا بمال تشترى / لبذلت فيها طارفي وتلادي
الشعب ادخل باختيار راسه / للطيش في شدق الهزبر العادي
فهلم ننج الفلك قد اشفى على / غرق بتقوى كان او الحاد
فالفلك في تيار بحر زاخر / والموج حول الفلك كالاطواد
يا قومنا احتفظوا بقوة عزمكم / فالموت للضعفاء بالمرصاد
يا قوم لستم للحياة بامة / انتم بواد والحياة بواد
يا قوم لا دنيا ولا دين لمن / رسفوا بدار الهون في الاقياد
واذا الشعوب تعاضدت في وحدة / كانت عوادي الدهر غير عواد
سيروا على ضوء النهى في ليلكم / فالعقل مثل الكوكب الوقاد
خير من الليل البهيم لمدلج / صبح يشاب بياضه بسواد
ولقد ارى ابن الضاد مغرى بالهوى / ماذا الذي اغراك يا ابن الضاد