المجموع : 13
إنَّ الأَكارم والمكارم
إنَّ الأَكارم والمكارم / والأَفاضل والأَماجدْ
فقدت محمَّدها الأَمينَ / فيا لمفقود وفاقدْ
وخَلَتْ معاهدُ للتُّقى / وتعطَّلتْ تلك المساجد
وبكت عليه مدارسٌ / من بعده وخلتْ مساجد
قد كانَ أعظم حجَّةٍ / في الدِّين تُفْحِمُ كلَّ حاجد
ما في البريَّة كلِّها / أقوى وأعدل منه شاهد
بالله أُقسِمُ إنَّه / في ملَّة الإِسلام واحد
كانت موارد علمه / شِرَعاً شُرعن لكلِّ وارد
قد كانَ للدين القويم / إذا نظرت يداً وساعد
يا واعظاً بوجوده / عِظمةٌ تلين لها الجلامد
يا نائياً عن صحبه / هل أنت بعد النأي عائد
فلكم سددت على امرئٍ / بابَ المطالب والمقاصد
وأذَبْتَ دَمعاً كانَ لي / من قبل هذا اليوم جامد
أينَ الفرائدُ والشرائدُ / والعرائدُ والفوائدْ
ما كنت آمل أنَّني / أنعي على الأيام واجد
وألين بعد أحبَّتي / للحادثات من الشدائد
لا ساعدي فيه القويّ / ولا على زمني مساعد
ولقد سئمت من الحياة / بما أُشاهد أو أُكابد
لما فقدنا الصالحين / علمتُ أنَّ الدهر فاسد
انْظُر إلى الأَشراف كيف تسودُ
انْظُر إلى الأَشراف كيف تسودُ / وإلى أُباة الضَّيم كيف تريدُ
إذ يدَّعي بالملك من هو أهله / والحزم يقضي والسيوف شهود
يوم ثوى فيه ثويني في الثرى / يوم بسالم للبريَّة عيد
ما للذي عبد الصخور من الَّذي / عَبد الإِله ودينه التوحيد
قل للذي ذمَّ الإِمام بشعره / قد فاتك المطلوب والمقصود
ولقد عميت عن الهُدى فيمن له / نظرٌ بغايات الأُمور حديد
السَّيّد السند الرفيع مقامه / ومقامه الممدوح والمحمود
أنَّى تحقّر بالفهاهة سيِّداً / من حقّه التعظيم والتمجيد
سخط الحسود بما به من سالم / رضي الإِله الواحد المعبود
من لام سالم في أبيه فلومه / حُمْقٌ لعمري ما عليه مزيد
ما عَقَّ والِدَه ولا صدق الَّذي / نَسَبَ العقوقَ إليه وهو جحود
وافى ثويني في الفراشِ حمامُه / وأتى عليه يومُه الموعود
هذا قضاء الله جلَّ جلاله / لا والدٌ يبقى ولا مولود
رأي رأى فيه الإِصابة سالمٌ / بالله أُقسِمُ إنَّه لسديد
فلم يصحّ الاجتهاد بعلمه / في شأنه ولغيره التقليد
لما تيقَّظ عزمه من غفلةٍ / فيها عقول الجاهلين رقود
وأرابه أمرٌ يعمُّ وبالُه / وعلى عمان بما يسوء يعود
وَليَ الأُمور بنفسه فتصَرَّمَتْ / تلك الحوادث والخطوب السود
وأقرَّ هاتيك الممالك بعدما / كادت تمور بأهلها وتميد
ولقد حماها بالصوارم والقنا / فعمان غيل والرجال أُسُود
لا خير في ملك إذا لم يحمه / بأس يذوب له الحديد شديد
ترد الطغاة الحتف من صمصامه / هذا ومنهل جوده مورود
مه يا عذول مفنّداً من جهله / ماذا يفيد العذل والتفنيد
ولقد قضى نحباً أبُوه وقد مضى / ما لامرئٍ في الكائنات خلود
خير من المفقود عند وفاته / هذا الإِمام السالم الموجود
أبقى له الذكر الحميد فصيته / قد يخلق الأَعمار وهو جديد
سفهاً لهنديّ أراد بنصحه / غِشًّا وكلّ مقاله مردود
نظم القريض ليستميل قلوبنا / عنه وذاك من المريد بعيد
خَفِيَتْ على فهم البغيّ مقاصد / فيها وما عرف المرام بليد
متوعد الإِسلام من أعدائه / ما ضمنه التقريع والتهديد
ليكيد فيها المسلمين بخدعة / لا يعرف الشيطان كيف يكيد
ليست عمان ولا صحار ومسقط / هنداً ولا العرب الكرام هنود
لو تقرب الأَعداءُ منها لاصطلت / ناراً لها في الملحدين وقود
وإمام مسقط لا يروع جنابه / عند اللّقاء بوارق ووعود
قد بايعته على عمان رجاله / أكْرِمْ بهم فهمُ الرجال الصيد
ووراءه ملك الملوك جميعها / عبد العزيز وظلُّه الممدود
ملك يقوم بنصره فتمدّه / أنَّى يشاء عساكر وجنود
ووراء ذلك أُمَّة عربيَّة / الدِّين فيها والتقى والجود
من كانَ عبد الله من أنصاره / آل السعود فإنه لسعيد
والله خير الناصرين ولم يكن / إلاَّ لديه النصر والتأكيد
قَلبٌ يذوبُ عليك وَجْدا
قَلبٌ يذوبُ عليك وَجْدا / وحشًى تَوَقَّدُ منك وَقدا
وجفون صبٍّ لا تزال / بهذه العَبرات تَنْدى
من زفرةٍ تحت الضلوع / ومُقْلَةَ الرَّشأِ المفَدَّى
يا قامةَ الغصنِ الرطيبِ / قَد جاوزت في القتل حدَّا
ساعات بينك لا أزال / أعدُّها للهجر عدا
وأقولُ هل يدنو الوصالُ / وتنجز الآمال وعدا
ما لي مراحٌ من هواك / ولا لهذا الشوق مغدى
كم عازلٍ قد لامني / فسدَدتُ عنه السمع سدَّا
وعصيت عذَّالي عليك / وقلت للوّام بعدا
إنِّي لأَرعى عهدَ من / لم يرعَ لي في الحبِّ عهدا
يا ويحَ نفسي قد حفِظْتُ / وضيَّع الأَحبابُ وُدَّا
ولقد شَرَيتُ هواهم / بالرُّوح قبل اليوم نقدا
وفَقَدتُ صبري بعدهم / لا ذاقَ من أهواه فقدا
وأنا الفداءُ لمالكٍ / لم يرضني في الحبِّ عبدا
كالغصن قدًّا والبنفسج / عارِضاً والوردِ خدَّا
يا ظبيُ كم صَرَعت عي / ونُك قبلَنا في الدهر أُسْدا
ورَمَت فلم تُخْطِ الفؤاد / بسهم ذاك اللحظ عمدا
وسقام هاتيك الجفون / لقد عداني بل تعدَّى
ولقد ذكرتك والهموم / تمرُّ بي عكساً وطردا
واللَّيل يقدح شهبه / في فحمة الظلماء زندا
فقضت دموعي واجباً / في مثل ذكرك أنْ يُؤدَّى
أحييْتُهُ بك حَسْرَةً / وقَضَيتُه أرقاً وسُهدا
هزل اصطباري في جفاك / وعاد هزل الوجد جدا
وألانني الدهر المشومُ / وهدَّني بالبين هدَّا
لولاكَ كنتُ على الزَّمان / كما يريدُ الحزمُ صَلْدا
أمُعَذِّبي من غير ذنبٍ / صَبوةً وجوًى وصدَّا
أنتَ الَّذي أغويتني / حتَّى رأيت الغيَّ رشدا
وهواك أضناني فك / نتُ من الضنى عظماً وجلدا
أطْلَقْتَ دمعي بعدما / قيَّدتني بالوجد قيدا
وصَحِبتُ وجدي في هواك / فكان لي خصماً ألدَّا
تالله لا أجدُ المدامَ / لذيذةً والعيش رغدا
مذ قَوَّضَتْ عنِّي الظعون / وأزْمَعَتْ للبين سُعدى
فهناك أظفرُ بالمنى / وأفوزُ في جدواه قصدا
حلو الفكاهة لو تذاق / وَجَدْتُهَا خمراً وشهدا
وأَروحُ أزجرُ طائراً / في أسعدِ الأُمراء سَعْدا
ما في الرجال نظيرُه / فيهم لهذا القرم ندَّا
لا زالَ يُكْبِتُ حاسداً / في مجده ويغيظُ ضدَّا
فجوابه وثوابه / قد أعجبا أخذاً وردَّا
ومناقب مأثورة / نظمت بجيد الدهر عقدا
نَعِمَ العراقُ بماجدٍ / قد زادَه عزًّا ومجدا
بأجلّ من ولي الأُمور / وجادها حلاًّ وعقدا
بلغت به غاياتها / العليا ولم يبلغ أَشُدَّا
حَمَلَتْ يداه كالغمامة / للنَّدى برقاً ورعدا
فاستهدِهِ في كلِّ خيرٍ / إنَّه في الخير أهدى
وبذلك الخلق الحميد / وسِعتُه شكراً وحمدا
الجامعُ الفضلَ الَّذي / أمسى وأَصبَحَ فيه فردا
غَمَرَ العفاة بنائلٍ / منه إلى العافين يسدى
من راح يُسقى من نداه / فلا أظنُّ الدهر يصدى
وإذا تصدَّى للجميلِ / فَثِقْ به فيما تصدَّى
يا مَنْ يُحيل سمومَها / إنْ شاءَ بعد الحرِّ بردا
كم بشّر استبشاره / بالرفد قبل النيل رفدا
خُذها ولا الإِبل الشَّوارد / بالثناء عليك تحدى
وقوافياً سيَّرتُها / فمضَتْ تقدّ السَّير قدَّا
فاهنأ بعيدٍ لا يزال / كما تُؤمّل مستجدَّا
لا يحرمني منك حظٌّ / بالأُبوَّة قد تردَّى
ولقد أساءَ بما جنى / حتَّى امتليتُ عليه حقدا
أنَّى وكيف وهل أرى / في شرعه الإِنصاف وردا
من كانَ حُرّ زمانه / كانَ الزَّمان عليه وغدا
أنا في هَواكم مُطْلَقٌ ومُقَيَّدُ
أنا في هَواكم مُطْلَقٌ ومُقَيَّدُ / وبقُرْبكم أجدُ الحياةَ وأفْقِدُ
إنْ تعطفوا فهو المنى أو تهجروا / فحشىً تذوبُ ولوعةٌ تتوقد
يا دمعَ عينيّ المراق له دمي / ما لي على الزفرات غيرك مسعد
ولقد وجدت الوجد غير مفارقي / وفقدت صبري وهو مما يفقد
لا تسألوا عن حالِ صَبٍّ بَعْدَكُم / لا يومُه يومٌ ولا غَدهُ غَدُ
لا دَمْعُه يرقا ولا هذا الجوى / يَفنى ولا نار الجوانح تخمد
وأنا المريض بكم فهل من ممرض / غير الصبابة فلتعُدْني العوَّدُ
بنتم فما للمستهام على النوى / جَلَدٌ يقرّ بمثله المتجلد
هلاّ وقفتم يوم جدَّ رحيلكم / مقدارَ ما يتزود المُتَزَوِّد
أشكوكُم ما بي وإن لم تسمعوا / وأريكُم وَجدي وإنْ لم تشهدوا
ولَكمْ أقول لكُم وقد أبعدتم / يا مبعدون بحقكم لا تبعدوا
ساروا وما عطفوا عليَّ بلفتةٍ / ولربّما انعطف القوام الأملد
أتبعتُهم نظري فكان وراءهم / يقفو الأحِيَّة أغوَروا أو أنجدوا
يا أختَ مقتنصِ الغزال لقد رمى / قلبي بناظره الغزالُ الأغيدُ
ومن القدود كما علمت مثقف / ومن النواظر في الفؤاد مهند
لم أنسَ لا نسيت ليالينا الَّتي / كانَ السرور بعودها يتجدد
والربع مبتسم الأقاح تعجباً / منها وبانات النقا تتأوّد
لو أبْصَرَتْ عيناك جامِدَ كأسنا / لرأيت كيف يُذاب فيها العسجد
في روضةٍ سُقِيت أفاويق الحيا / فالبانُ يرقصُ والحَمام يغرّد
تُملي من الأوراق في ألحانها / ما ليس يُحْسِنُه هنالك مَعبد
يَحكي سَقيطُ الطلِّ في أرجائها / دُرَراً على أغصانها تَتَنَضَّد
يا دارنا سَحَبَتْ عليك ذيولها / وطفاءُ تُبرقُ ما سقتك وترعد
هل أنت راجعة كما شاء الهوى / والعيش أطيبُ ما يكون وأرغد
ذَهَبتْ بأيام الشباب وأعْرَضَتْ / عنِّي بجانبها الحسان الخرد
ويلُ أمّ نازلةِ المشيب فإنَّها / كادَت يَشيبُ لها الغراب الأسود
ذهب الشباب فما يقول مُعَنِّفٌ / في القلب منه حرارة لا تبرد
من بعدما طال المقام فأقصروا / عنِّي الملام فصوّبوا أم صعّدوا
ذهب الزمان بحلوه وبمرّه / ومضى المؤمَّل فيه والمستنجد
فانظر بعينك هل يروقُك منظر / بعد الذين تفرقوا وتبدّدوا
إنَّ الجميلَ وأهْلَه ومحلَّه / وأبو الجميل ابن الجميل محمد
حَدِّث ولا حرجٌ عليك فإنّما / خيرُ الكرام إلى أعلاه يسند
وأعِدْ حديثك واشف في ترداده / قلباً يَلَذُّ إليه حين يُرَدَّد
المسبغ النعماء ليس يشوبها / مَنُّ ولا فيما يؤمل موعد
هذا أبيُّ الضّيم وابنُ أباته / والبض تركع والجماجم تسجد
يُهِنِ القويّ بقوة من بأسه / وإلى الضعيف تحنن وتودد
تفري برأيك غير ما تفري الظبا / فالرأي منصلتٌ وسيفك مغمد
يعدُ الأماني من نداه بفوزها / ويريعُ منه الأخسدين تَوَعَّد
ممَّن إذا تُلِيَتْ عليه قصيدةٌ / صدق القصيد وفاز فيه المقصد
كم قرَّبت ليه فيه آمالي به / أملاً يَشُقُّ على سواه ويبعد
فرأيت من معرفة ما لا يرى / ووَجَدْت من معناه ما لا يوجد
وإذا أفادك جاهُه أو ماله / فهناك عِزٌّ يستفاد وسؤدد
شيدت معاليه وطال علاؤه / إنَّ المعالي كالبناء تشيّدُ
كم من يدٍ بيضاء أشكُرها له / في كلِّ آونةٍ وتَتْبَعُها يدُ
تسدى إليَّ وما نهضت بشكرها / نِعَمٌ تُعَدُّ ولم تزل تتعدد
ولكم وَرَدْتُ البحرَ من إحسانه / لا ماؤه ملحٌ ولا هو مزبد
فوردت أعذبَ فهلٍ من ماجد / لي مصدرٌ عن راحتيه ومورد
مستودع فيما يثيب مثابه / بخزائن الله الَّتي لا تنفد
أمزيلَ نحس الوافدين بسعده / شقيتْ بك الحساد فيما تسعد
حتَّى علمتُ ولم أكن بكَ جاهلاً / يا ثالثَ القمرين أنَّك مفرد
إنِّي رَبيبُ أبيك وابنُ جميله / والله يعلم والخلائق تشهد
لي نسبة فيكم وأية نسبة / منكم يقوم لها الفخار ويقعد
إنْ تولدوا من صلب أكرم والد / فكذلك الأخلاق قد تتولد
من محتد زاكي العناصر طيب / طابت عناصرهم وطاب المحتد
هم عوّدوا الناس الجميل وإنَّهم / تجري عوائدهم على ما عوّدوا
إنِّي لأعهد بعد فقد أبيهم / ما كنت منه قبل ذلك أعهد
قد كانَ عز المسلمين ومجدهم / وعياذهم وهو الأعزُّ الأمجد
ومخلّد الذكر الجميل إلى مدىً / يبقى وما في العالمين مخلَّد
تُتلى مناقبه ويذكر فضله / فيسر سامعها ويطرب منشد
كقلائد العقيان فيه محاسن / جيد الزمان بعقدها يتقلد
جاد الغمام على ثراه فإنَّه / لأبرُّ من صَوْب الغمام وأجْودُ
أعلمتَ أيَّ معالمٍ ومعاهدِ
أعلمتَ أيَّ معالمٍ ومعاهدِ / تذري عليها الدَّمع عبرة واجدِ
وقَفَ المشوق بها فشقَّ فؤاده / وأهاج ناراً ما لها من خامد
ولذلك الرّكب المناخ بها جوًى / لا يستقرُّ بها فؤاد الفاقد
من ناشد لي في المنازل مهجة / لو كانَ يجديها نشيد الناشد
وتردُّدُ الزفرات بين جوانحي / ممَّا يصُوب بمدمعي المتصاعد
أضناني الشَّوق المبرّح في الحشا / حتَّى خفيت من الضنى عن عابدي
ظعن الأُلى فتسابقت أظعانهم / تجتاب بين دكادكٍ وفدافد
قل للطعين من الهوى بقوامهم / ماذا لقيت من القوام المائد
إنِّي لأذكرهم على حَرِّ الظما / قد كدتُ أشرَقُ بالزُّلال البارد
منعوا طروق الطَّيف في سنة الكرى / هيهات يطرق ساهراً من راقد
بانوا فشيَّعَهُم فؤادٌ وامقٌ / وَرَجَعْتُ عنهم باصطبار بائد
جاهدت فيهم لوم كلّ مفند / لو أنَّ لي في الحبِّ أجرَ مجاهد
مه يا عذول فقد أطلتُ مقصراً / في واجدٍ تلحوه لا متواجد
يا دار حيَّاك الغمام بصيّبٍ / ينهلُّ بين بوارقٍ ورواعد
وسقى زمان اللَّهو فيك فإنَّه / زمنٌ مضى طرباً وليس بعائد
زمن لهوت به بكلِّ خريدة / لعِبَتْ محاسنها بلبّ العابد
دارت عليَّ الكأسُ في غسق الدجى / فشربتها ذهباً بماء جامد
وجرَيْت طلقاً في ميادين الهوى / لمصارع من غنية ومصائد
ولقد صَحَوْتُ من الشباب وسكره / ونظرت للدنيا بعَيْنَيْ زاهد
من راح تغريه مطالع نفسه / فيما يشان به فليس براشد
إنْ كادني الطمع المبيد بكيده / فلينظرنّ مخادعي ومكايدي
وإذا قسا الخطب الملمُّ فلا تلم / حاربْ زمانك ما استطعت وجالد
أعرضتُ عن بغداد إعراض امرئٍ / يرتاد ما يرضي مراد الرائد
من بعد ما غال الحمام أحِبَّتي / ولوى يدي بالنائبات وساعدي
حتَّى رأيت الخير يخصب ربعه / بأبي الخصيب ووجه عبد الواحد
بأجلّ من أفردته بفرائدي / وأجلّ من قَلَّدْتُه بقلائدي
وجهٌ عليه من الجمال أسِرَّةٌ / تبدو فتنبي عن جميل عوائد
في صُبح ذاك الوجْه سعد المشتري / وشهاب ذاك الوجه حدس عطارد
ابن المبارك لاسمه وسماته / ومبارك في النَّاس أكرم والد
سوق الأفاضل للفضائل كلها / في سوقه إنفاق شعر الكاسد
تفني أياديه الحطامَ تكرُّماً / فيفوز يومئذٍ بذكر خالد
تنهلُّ راحته بصيّبِ جودِه / عذب الموارد منهلٌ للوارد
لم تُبْقِ راحته وجود يمينه / من طارقٍ للمكرمات وتالد
لا زال في نعمائه وولائه / فرح الودود ورغم أنف الحاسد
لا تنكر الحسّاد من معروفه / شيئاً وليس لفضله من جاحد
وأغرَّ قد خفض الجناح لآمل / بَرٍّ رفعتُ إليه غُرَّ قصائدي
ومن السعادة أنْ أجيء بسابق / من برّه أسعى إليه وقائد
فأفوز منه بطلعة تجلو الدجى / وتضيء بالحسب الصميم الماجد
ولكم زودت موارداً من سيله / فحمدت فيه مصادري ومواردي
فإذا اعترفت من الكرام بفضله / جاءت مكارمه بألفي شاهد
شهد الرجال بفضله وبرأيه / بمواطن شتّى مضَتْ ومشاهد
يمضي معاديه ويخطو هابطاً / وترى مواليه بفخر صاعد
يا مَن يُغَرّ لجهله في حلمه / إيّاك من وَثَباتِ ليثٍ لابد
نقد الرجال رفيعهم ووضيعهم / والزيف يظهر عند نقد الناقد
بَعُدَتْ عن الفحشاء منه خلائق / بعد الصلاح من الزمان الفاسد
يوم النوال تراه أوَّلَ منعمٍ / ولدى الصلاة تراه وَّلَ ساجد
لو لامست صمَّ الجلامد كفُّه / لتفجَّرَت بالماء صمُّ جلامد
أطلقتُ ألسِنَة الثناءِ عليه في / شعر يقيِّدُ في علاه شواردي
قامت بخدمته السعادة عن رضىً / كم قائمٍ يسعى بخدمة قاعد
وفدت عليك مع الخلوص قصيدة / ولأنت أوَّل مكرم للوافد
لا غَرْوَ إنْ قَصَدَتْكَ ترغَب بالغِنى / أرأيت غيرك مقصداً للقاصد
فاقبل من الداعي إليك ثناءه / من شاكرٍ لك بالقريض وحامد
إنِّي رَفَعْتُ إليك ما قدّمته / لا زلت ترفع بالفخار قواعدي
عادَ الفؤادَ من الجَوى ما عادا
عادَ الفؤادَ من الجَوى ما عادا / أضحى يَذيلُ له الدُّموعَ ورادا
بل أنتِ قاتلةُ النفوس فربّما / يأبى قتيلك أن يكون مفادى
قولي لطيفك يا سُعادُ يزورني / إنْ سُمْتِ صبَّكِ جفوة وبعادا
هيهات أن يَصِلَ الخيال لمقلة / جَفَتِ الرقاد فما تَملُّ سهادا
ولكمْ أروحُ بِلَوعةٍ أغدو بها / ما راوَحَ القلبَ النسيمُ وغادى
خُذ يا هذيم إليك قلبي إنّه / ملأ الجوانح كلّها إيقادا
واسلُك بصحبك غير ما أنا سالك / فيه ومُلْقٍ للنياق قيادا
حذراً عليك من الصّريم فربّما / قَنَصَتْ لحاظ ظبائه الآسادا
تلك الأحبّة في الغميم ديارها / جاد الغمام ديارها وأجادا
من مثقلاتِ المُزن ألقى رحلَه / فيها وشقّ على الطلول مزادا
يستلّ منه البرقُ بيض سيوفه / منها وما كانت لها أغمادا
ما قادتِ الرّيح الجنوب زمامه / إلاَّ وطاوع أمرها وانقادا
وسقاك دفّاع الحيا من أربُع / لم أخشَ فيها للدّموع نفادا
وقفت بنا فيها المطيُّ فخلتُها / فَقَدتْ لها بالرّقمتين فؤادا
وأبَتْ براحاً عن طوامِس أرْسُمٍ / أضْحَتْ لها ولصَحبِها أقيادا
هل أنتِ ذاكرةٌ وهاج بك الجوى / مرعىً وماءً عندها مِبرادا
واهاً لعيشك بالغُوَير لقد مضى / ورأيتُ بعد نعميه أنكادا
ولقد رأيتُ الدار تُدمي أعيناً / غرقى ويحرق دمعها الأكبادا
فنحرتُ هذا الطرف في عرصاتها / فمدامعي مَثْنًى لها وفُرادى
وسقيتُها بالدمع حتَّى لو سقى / وبلُ الغمام رسومها ما زادا
يا وُرْقُ أين غرام قلبِك من شجٍ / جعل النُّواح لشجوه معتادا
أو تشبهين الصَّبّ عند نُواحه / ولقد بخِلت بمدمعيك وجادا
بلغ البكاء من الشجيّ مراده / منه وما بلغَ الشجيُّ مرادا
فمتى خمودُ النار بين جوانحي / والنّارُ آونةً تكون رمادا
ومسالمات الحادثات وأن أرى / زمني لأمري طائعاً منقادا
أنّى يسالمني الزمان وقد رأى / هِمَمي على حرب الزمان شدادا
وعداوة الأيام ليست تنقضي / والحُرُّ في هذا الزمان مُعادى
لولا جميل أبي الثناء وإنَّه / يولي الجميل ويكرم الوفّادا
قَلْقَلْتُ عن أرضِ العراق ركائبي / وسَكنْتُ غيرك يا بلاد بلادا
هو مورِدي ما لم أرِدْهُ من النّدى / لولاه لم أكُ صادراً وَرّادا
ومطوّقٌ جيدي بنائله الَّذي / ملك الرقاب وطوَّق الأجيادا
متفرّد بالفضل يعرف قدره / من يعرِف الأفراد والآحادا
إن قلت ما بالخافقين نظيره / أوْرَدْتُ فيما قلته أشهادا
هذي البلاد وهذه علماؤها / هل فاخرت بنظيره بغدادا
إن الشريعة أُلبست بجَنابه / تاجاً وألبسه التقى أبرادا
أجداده بَنَتِ العلاءِ وشيَّدَتْ / فبنى على ذاك البناء وشادا
وكأنَّما أقلامُ أنمُلِه غَدَتْ / زُرقاً على أهل العِناد حِدادا
وكأنَّما جُعِلَ الصَّباحُ لِخَطِّه / معنىً ومُسْوَدُّ الظلام مِدادا
نهدي إلى عين القلوب سطوره / نوراً يخال على البياض سوادا
لله فضلك في الوجود فإنَّه / تَركَ البريَّة كلّها حسادا
عزّ النظير لمثل فضلك بينهم / فليطلبوا لك في السما أندادا
لو أنصفوا شكروا مواهب ربّهم / إذ كنتَ للدين القويم عمادا
أحْيَيْتَ عِلْمَ الأنبياء وقد أرى / بوجود ذاتك رجعةً ومعادا
أفْنَيتَ دهرك في اكتساب فضائل / تفري الزمانَ وتُخلق الآبادا
ولأنتَ أجرى السابقين إلى مدىً / ولأنتَ أورى القادحين زنادا
لحِقَتْ مداك اللاحقون فقصَّرتْ / ولو أنها ركبتْ إليك جيادا
ولقد جَرَيْتَ على مذاكي همّة / لا تَسأم الإتهام والإنجادا
ها أنتَ في الإسلام أكبرُ آيةً / لله تمحو الغيَّ والإلحادا
فإذا نطقت فحجَّة مقبولة / أو قلتَ قلتَ من الكلام سدادا
ما أمَّ فضلَك مستفيدٌ في الورى / إلاَّ استفاد فضيلةً وأفادا
لولا ورودُ بحار علمك إذ طمت / لم تعرف الإصدار والإيرادا
ولكم زَرَعْتَ من الجميل مكارماً / لا ترتجي مما زرعت حصادا
ولك الجميل إذا قبلت مدائحاً / أنشدْتُها لكَ مُعلناً إنشادا
فليهنك العيدُ الجديد ولم تَزَلْ / أيّام دهرِك كلَّها أعيادا
لو كنتَ حاضر طرفِهِ وفؤادِهِ
لو كنتَ حاضر طرفِهِ وفؤادِهِ / أشْفَقْتَ من زَفَراتِهِ وسُهادِهِ
قد كانَ يرجو أن يلمّ ببرئِه / لو أنَّ طيفك كانَ من عوَّاده
عذَّبتَ طرفي بالسُّهاد ولم تبُت / إلاَّ وطرفك في لذيذ رقاده
ما لي أُعَذِّب في هواكَ حشاشتي / وأذودُ حرَّ القلب عن إبراده
وإذا أخَذْتَ بما يبوحُ به الجوَى / أخذ الجوى إذ ذاك في إيقاده
هذا الغرامُ وما مرادك بعده / ممَّا يحولُ جفاك دون مراده
من كنت أستصفي الحياةَ لقربه / أصْبَحْتُ أرتقبُ الرَّدى لبعاده
أطلقتُ بعدكم الدُّموع وإنْ أكنْ / فيكم أسيرَ الحبّ في أقياده
ولقدْ سَدَدْتُ عن العَذول مسامعي / ورأيتُ أنَّ الرَّأي غير سداده
يا مَن يلوم على الهوى أهل الهوى / كيف اقتناءُ الصَّبر بعد نفاذه
هل أنتَ يومَ البين من شهدائهِ / أم أنتَ يومَ الجزع من أشهاده
مَن ذا يُجيرك من لواحظ سربه / ويفكُّ قلبك من يدي صيَّاده
يا ربع بلّ لك الأوام متيَّمٌ / إنْ جَفَّ ناظره بماءِ فؤاده
حَكَمْت بما حكم الغرامُ بأهلِهِ / آرامُه فقَضَتْ على آساده
وكأَنَّما كانت لذائذنا بها / روضاً جَنَيْتُ الغضّ من أوراده
لم أنسَ عهدكِ يا أُميمة باللّوى / فسقى الغمام العهد صوب عهاده
أيَّام أصطبحُ المراشف عذبةً / ويفوزُ رائد لذَّةٍ بمراده
حيثُ الشَّبابُ قشيبةٌ أبراده / إذ كنتُ أرفلُ منه في أبراده
ومضرَّج الوَجَنات من دمِ عاشقٍ / يسطو بذابل أسْمَرٍ ميَّاده
عاطَيْتُهُ ممَّا يَمُجُّ لُعابُهُ / صَهْباء تكْشِفُ عن صميمِ فؤاده
يصفو بها عيشُ النَّديم كأَنَّما / أخَذَتْ عليه العهد من أنكاده
حتَّى إذا ألقى الظَّلام رداءه / واستلَّ سيف الصُّبح من أغماده
قلتُ اسمحنْ لي ما بخلت بزورةٍ / وهل المحبّ بها على ميعاده
لا ذاقَ ريقك بعد ذلك إنْ صحا / أو كانَ يعثر غيّه برشاده
فَسَدَتْ معاملة الحسان لمَفْرِقٍ / نَزَلَ البياضُ به مكان سواده
وثنى المشيب من الشَّباب عنانه / عن ودِّ زينبه وعشق سعاده
ونفاسة الصّمصام في إفرنده / لا في نفاسة غمده ونجاده
سالمت أيَّامي فقال لي العُلى / إنْ كانَ عاداك الزَّمان فعاده
ولقد يعزُّ على المعالي أنْ ترى / مثلي بهذا الدهر طوع قياده
صافيتُ أخلاقي الأَبيَّة دونه / فلينطو أبداً على أحقاده
وأنا القويُّ على شدائد بطشه / عاندته فرَغِمْتُ أنفَ عناده
وأراه يمكر بي ويحسَبُ أنَّه / يضطرُّني يوماً إلى أوغاده
هيهات قد تربَّت يداك فدون ما / قد رامَ هذا الدهر خرط قتاده
ولمنْ أراد من الأَكارم بغية / ألفى أبا سلمان فوقَ مراده
بأسٌ يذوب له الحديد ونائلٌ / كالعارض المنهلّ في إرفاده
النَّاس مغتنمون في إبراقه / طوراً ومحترزون من إرعاده
مستنزل الإِحسان صادق وعده / ومزلزل الأَركان في إيعاده
حسدت مناقبه الكواكبُ في العُلى / حتَّى رأيت البدر من حسَّاده
أمَّا العيال عليه فهي أماجد / والمجد لا ينفكُّ عن أمجاده
يتطفَّلون على موائد فضله / يتبرَّكون بمائه وبزاده
طرب الشَّمائل كلَّما استجديته / طرب الشّجاع لحربه وجلاده
ولربَّما أجرى اليراعَ فلاحَ لي / بيض الأَيادي من سواد مداده
لله أبلجُ من ذؤابة هاشمٍ / لا زالَ حزبُ الله من أجناده
عقل الحوادث أقْلَعَتْ لهياجها / فكأَنَّها مصفودة بصفاده
لمَ لا يُؤَمَّل للإِغاثة كلّها / من كانَ قطب الغوث من أجداده
لحق الكرام الأَوَّلين ولم يزل / في حَلْبَة النجباء سبق جواده
فكأنَّما انتقب الصَّباح إذا بدا / إقبالهُ منه على وفَّاده
لا تعجبوا لجمال آل محمَّد / نورُ النَّبيّ سرى إلى أولاده
بيتٌ قواعده قواعدُ يَذْبُلٍ / يَتَعَثَّرُ الحدثان في أوتاده
أطواد مجد في العُلى لم ينزلوا / إلاَّ على الشرُفات من أطواده
من كلِّ بحرٍ يستفاض نواله / يا فوزَ من قد راحَ من روَّاده
قد تستمدّ العارفون وإنَّما / استمدادها بالفيض من إمداده
يا أهل ذا البيت الرَّفيع عماده / وانحطَّت الملوان دون عماده
أروي لكم خبر الثناء وطالما / أَوْقَفْت راويه على إسناده
مستعبد الحرّ الكريم بفضله / لا حرَّ في الدُّنيا مع استعباده
شاركت أبناء الرجال بما حَوَتْ / يمناكَ بين طريفه وتلاده
وإذا تفرَّدَ في الزَّمان مهذّب / ألفيتكَ المعدودَ من أفراده
روضي ذوى ولوى الرَّجاء بعوده / فليجر منك الماء في أعواده
يفديك من ملكت يمينُك رقَّه / ورآك ملجأ قصدِهِ ومراده
منع الوصول إلى ذراك بعيده / لا زلت أنْتَ العيد في أعياده
والحظّ يصلد في يديَّ زناده / إنِّي أُعيذُك من صُلود زناده
يا مَن نَعِمْتُ به وأَيَّة نعمة / وسَعِدْتُ بين النَّاس في إسعاده
تاجرت في شعري إليك وإنَّما / نَفَقَ القريض لديك بعد كساده
ومن الكلام إذا نظرتَ جواهرٌ / يجبى إلى مَن كانَ من نقَّاده
فَتَنَ الأنام بطَرْفِه وبجيدِه
فَتَنَ الأنام بطَرْفِه وبجيدِه / وأبى الهوى إلاَّ تَلافَ عَميده
مُتَمنِّعٌ وَعدَ المشوقِ بزَورةٍ / يا ليته ممَّن يفي بوعوده
أنَّى أفوزُ بطارق من طيفه / ما دام هذا الطيف في تسهيده
رَشأٌ يصولُ بحدِّ صارم ناظر / وقَفَتْ أسودُ الغاب عند حدوده
فليَحْذَر الصَّمصام من لحظاته / والصَعدة السمراء من أملوده
تاالله ما يحيي المتيَّم وصله / إلاَّ مميت سلوّه بصدوده
شهدت محاسنه بجهل عذوله / وأقام حجّة حسنة بشهوده
ولكم عَصَيْتُ مفنِّداً في حبّه / ورأيتُ عكس الرأي في تفنيده
وأقول إذ نَبَتَ العذار بخدِّه / وَرَد الربيع فمرحباً بوروده
ولقد ظفِرْتُ به برغم عواذلي / وضمَمْتُه ولَثِمْتُ وَرْدَ خدوده
وشكوْتُه حَرَّ الفؤاد من الجوى / شوقاً إليه فجاد في تبريده
في مجلس عَبِقَت أرائج ندّه / وتنفَّسَتْ فيه مباخر عوده
واللَّيل يرفل باسوداد ردائه / والرَّوضِ يزهر باخضرار بروده
ويدير شمس الراح في غسق الدجى / قمرٌ تَطلَّع من بروج سعوده
والنَّجْمُ يرقبه بعين رقيبه / والبَدْر يلحظه بلحظ حسوده
والزّقُّ تصْرَعُه السُّقاة وربَّما / قَطَعتْ يدُ الندمان حبلَ وريده
حتَّى رأيتُ يَسْقُط فوقَنا / في نثر لؤلؤه ونظم عقوده
وتفتَّح النّوارُ في أكمامه / فكأنَّما النَّوار أوْجُهُ غيده
وإذا القيان تجاوَبَتْ بلُحونها / طَرب الحمامُ فَلَجَّ في تغريده
سَفَرَت محاسِنُ زهر روض زاهر / وتمايَلَتْ إذ ذاك هيف قدوده
والبان يركع فالنسيم إذا سرى / وصَلَ النسيمُ ركوعَه بسجوده
إن تَنْهَبوا اللّذّات قبل فواتها / وهَبَ الزمان شقيَّه لسعيده
ودعاكمُ داعي الصَّبوح وإنَّه / ليقوم سيفُ الصُّبح في تأييده
أوَ ما ترون الأقحوان وضحكَه / من حَضّ داعيكم ومن تأكيده
وشقائق النُّعمان كيفَ تَضَرَّجتْ / بدَمٍ فظنَّ الكرمُ من عنقوده
يا قومُ قد خُلِقَ السُّرورُ إذا انقضى / فخذوا بكأس الراح في تجديده
يومٌ به سلمان وافى مقبلاً / قد كانَ للمشتاق أكبرَ عيده
قَرَّتْ به عين المفارق طلعةً / قمْريَّة بحضوره وشهوده
في فقدِه فَقِدَ السرور وإنَّما / وُجِدَ السرور جميعُه بوجوده
وتَولَّدَ الفَرح المقيمُ لأهْلهِ / وأجادَ طيبَ العيش في توليده
فكأنَّه فَلَقُ الصَّباح إذا بدا / في رفع رايته وخفق بنوده
فالسعدُ والإقبالُ من خُدّامه / لا بل هما في الرقّ بعض عبيده
ظَفِرَتْ يدي منه بأكرم ماجدٍ / نظمت قوافي الشعر في تمجيده
ما زال مجتهداً بكلّ صنيعةٍ / يدعو الكريمُ بها إلى تقليده
المال ما مَلَكتْه راحةُ كفِّه / فَدَعَتْه شيمتُه إلى تبديده
تُغني مواهبه الحطام تكَرُّماً / نَشْراً لذكر ثنائه وحميده
إنِّي لأذكره وأُنْشدُ مَدْحَه / وأميلُ مَيْل الغصن عند نشيده
ومشيد أبْنِية المفاخر والعلى / تسمو بيوت المجد في تشييده
إنْ عَدَّتِ النَّاس الفخار فإنَّه / إنسانُ مقلته وبيت قصيده
الله أكرمَ آل بيتِ محمدٍ / حيث اصطفاهم من كرام عبيده
حازوا من الشرف الرفيع أبِيَّهُ / فهمُ ولاةُ طريفه وتليده
وإذا تَورَّثَ والدٌ منهمْ عُلىً / لا يورثُ العلياءَ غيرَ وليده
ما للبنين الغُرِّ من آبائه / أم أين للآباء مثل جدوده
نفسي الفداءُ له وقلَّ له الفدى / من كانَ للإحسان غارس عوده
الله يَعلمُ والبريَّةُ كلُّها / أنِّي أفوز بعزّه وبجوده
أقبلت إقبال السحاب تباشرت / زهر الرُّبا ببروقه ورعوده
قد غبتَ عن بغداد غَيْبَة حاضرٍ / في فكر صاحبه وقلب ودوده
وإذا طَلَعتْ على الأحبَّة بعدها / فمُوفَّقٌ كلُّ إلى مقصوده
يا من يَسُرُّ الأنجبين قدومُه / كسروره بضيوفه ووفوده
فلقد ركِبْتَ الوَعَر غير مقصَّرٍ / وقَطَعْتَ يومئذٍ فدافد بيده
ولقد تَعِبْتَ فخذ لنفسك راحةً / واطلق عنان الأُنس من تقييده
واسرح من اللَّذات في مُتَنَزَّهٍ / خَلَطَ الغرامُ ظِباءه بأسوده
كم قَدْ أَلينُ لمن قسا بصدودِهِ
كم قَدْ أَلينُ لمن قسا بصدودِهِ / حتَّى ظَنَنْتُ فؤادَه جلمودا
ولَكَمْ أَسَلْتَ من العُيون مدامعاً / وأَهَجْتَ من حَرِّ الغرام وقودا
كبدٌ تذوبُ وحسرةٌ لا تنقضي / ودموعُ طَرفٍ يأْلَفُ التسهيدا
أَنكرتَ معرفتي على عهد النوى / ومَنَحْتَني بَعدَ الوصال صدودا
أَخْلَقْتَ صبري بَعدَ بُعدك بالنوى / وكَسَوْتَني ثوبَ السّقام جديدا
لولا العيون النجل ما عرف النوى / من كانَ صبًّا في هواك عميدا
ولقد أرى نارَ الزَّفير ولا أرى / يوماً لنيران الفؤاد خمودا
فالموقرات بريّها وقطارها / والحاملات بوارقاً ورعودا
تهمي النَّدى وتريكَ كلّ عشيَّةٍ / سَحَبَتْ على زهر الرِّياض برودا
ما زلتُ أحْمدُ للمسير عواقباً / حتَّى حَلَلْتُ مقامك المحمودا
طالَعْتُ في وجه السَّعيد محمَّد / فرأَيْتُ طالع مجتديه سعيدا
قابَلْتُ أحداثَ النحوس بسَعْدِهِ / فأَعادَ هاتيك النحوس سعودا
وزَجَرْتُ طير السَّعد يهتُفُ باسمه / ورأيتُ منه الطَّالع المسعودا
أقْرَرتُ عينَ المجد فيك مدائحاً / وأغَظْتُ فيك معانداً وحسودا
وإذا نظرتَ إلى سناه ومجده / لنَظَرتَ من فلق الصَّباح عمودا
ما زالَ يولينا الجميل بفضله / كرماً يَسرُّ الآملين وجودا
وإذا استَمَحتُ به النَّوال وجدْتُه / غَيثاً يسِحُّ ومنهلاً مورودا
ولقد مدحتُ الماجدينَ فلا أرى / إلاَّ مديحاً مقنعاً ومفيدا
لا فارَقتْ عينايَ طَلْعَتَك الَّتي / مَدَّتْ علينا ظِلَّكَ الممدودا
سادات أبناء الزَّمان بأسرهم / وَرِثوا المكارمَ طارفاً وتليدا
تَفني مكارمُه الحطامَ ويَقْتَني / ذكراً يُخَلَّد في الثَّناء خلودا
فلَقَدْ رَقَيْتُ بها لأرفع رُتبةٍ / فبَلغت أسباب السَّماء صعودا
ويُريك إنْ ضلَّتْ عقولُ أُولي النهى / رأياً يريك به الصَّواب سديدا
أخَذوا بناصية المفاخر والعلى / وتسَنَّموها قُوَّماً وقعودا
وتَخالُهم عند العطاء غمائماً / وتَظنّهم يوم اللقاء أُسودا
إنِّي لأشكر من جميلك ما به / أكْبَتُّ من بعد الحسود حسودا
هذا الذكاء ولا مزيد على الَّذي / أبْصَرتُ منك لمن أراد مزيدا
أبَتِ المحاسنُ والمكارم في النَّدى / إلاَّ بقاءً بعدهم وخلودا
أخَذوا المذاهبَ في الجميل فلم نجِدْ / إلاَّ مُقَلِّدهم به تقليدا
قَلَّدْتَني نِعماً أنوءُ بحملِها / فنَظَمْتُ فيك قلائداً وعقودا
لا زِلْتَ لي عيداً أُشاهد عَوْده / حتَّى أُلاقي يوميَ الموعودا
بُشرى بمولد نجلِكُم من مَوْلِدِ
بُشرى بمولد نجلِكُم من مَوْلِدِ / من صُلْب أكرمِ ماجدٍ ومُمَجَّدِ
كالسيف أصْلِتَ نصلُه من غمده / فبدا نظيرَ الكوكب المتوقد
يحيي مناقَب من مَضى من أهلِهِ / من ناصرٍ حزب العلى ومؤيّد
العاطسين بأنف كلّ أبيّة / والمرعفين بها أُنوف الحُسَّد
والباسطين على العُفاة أيادياً / كم من يدٍ بيضاء تولى من يد
لا تنكرُ الأعداءُ معروفاً لهم / بمكارم لأكارمٍ لم تجحد
حَدِّثْ ولا حرجٌ عليك بذكرهم / وأعِدْ حديثَك ما استطعت وردّد
فليهنكم ولدٌ بدا في وجهه / سيماء سَعْدٍ في الزمان الأسعد
فالله يحفظه ويرفع قدره / ويديمه في طيب عيش أرغد
سُرَّتْ به النجباء وافتخرت به / لا زال في فخر عظيم السؤدد
قد جاءَ تاريخي وَقَرَّ عيونهم / بالناصر بن القاسم بن محمد
يا قدوةَ العُلماء يا من عِلْمُه
يا قدوةَ العُلماء يا من عِلْمُه / بحرٌ ومنهلٌ فضلِه مَوْرودُ
يهنيك مولانا بمنصبك الَّذي / فازَ الوليَّ به وخاب حسود
فلقد حباك الله بالفضل الَّذي / يسمو على رغم العدى ويسود
في حالَتي عِلْمٍ وبذل مكارم / فعلى كلا الحالين أَنْتَ مفيد
وحَبَتْك ألطاف الوزير علي الرضا / مَن ذكره في الخافقين حميد
ملكٌ فأمَّا حِلْمُه فموقّرٌ / ضافٍ وأمَّا بطشه فشديد
ولاّك إفتاءَ الأنام محبّذا / رأيٌ لعَمري إنَّه لسديد
إنَّ الشريعة فيك لابس تاجها / قرمٌ وحامِلٌ سيفها صنديد
وتنوف في كلّ العلوم فأرِّخوا / نَوَّفْتَ في الإفتاء يا محمود
قُطْبٌ تدورُ عليه أفلاك الهدى
قُطْبٌ تدورُ عليه أفلاك الهدى / من كانَ يَرتَضِعُ الهدى في مَهْدِه
عرشٌ به عِلْمُ الشريعة ثابتٌ / إذ قام كرسي العلوم بحدّه
وسماءُ عرفانٍ كأنَّ نجومها / طَلَعَتْ علينا من مطالع برده
ظَفِرَتْ يدُ الأيام منه بجوهر / قَد حَيَّر الألباب جوهر فرده
نادته أعلام الأنام وصدقهم / يبدو كما تبدو طوالع سعده
يا سيّداً من حيدرٍ ومحمْدٍ / مَنْ مثلُ والده الإمام وجدّه
جَدَّدْتَ فينا دينَ جدِّك فارتقت / أضواؤه لما قَدَحْتَ بزنده
فَرَويت من أخباره ورَوَيت من / آثاره وخلفتنا من بعده
قد كنتَ في يوم الكساء ضميمةً / مخبوءةً في ظهر أكرم ولده
ما زال يعبق منك نشر عبيره / حتَّى شَمِمْنا منك ريحة نده
الله يَعْلَمُ والأنام شهودُ
الله يَعْلَمُ والأنام شهودُ / أنَّ الَّذي فَقَد الورى لفريدُ
كانَ الإمام به الأئمة تقتدي / فَلَه الهدى ولغيره التقليد
ظلاًّ على الإسلام كانَ وجوده / حتَّى تقلّص ظِلُّه الممدود
فَلِفَقْده في كلِّ قلب لوعة / ولذكره في حمده ترديد
فزوال ذاك الطود بعد ثباته / ينبيك أنَّ الراسيات تبيد
هَيْهات يُرفَعُ للمدارس بعده / عَلَمٌ ويورقُ بالمكارم عود
سِمْط الفضائل والفواضل كلّها / نُثِرَتْ عليه من الدموع عقود
أسدٌ من الآساد يصرعه الرّدى / ومن الرِّجال بهائمٌ وأُسودُ
عجباً لمن ضاق الفضاءُ بعلمه / أنّى حَوَتْهُ من القبور لحود
وإذا الملائك بُشّرت بقدومه / فَعَلام تنتحب الرِّجال الصيد
لا جاز قَبرَك صَوبُ غادته الحيا / تسقي ثراك بصوبها وتزيد
وجُزيت خيراً بعدها عن أُمَّةٍ / علماؤها مما أفَدْتَ تفيد
فمقامك المحمودُ فوقَ مقامهم / وعلى الجميع لِواؤك المعقود
أظهَرْتَ بالآيات ما بظهورها / يُخفى النفاق ويُعلن التوحيد
وكشَفْتَ غامضَ ما تشابه فانجلَتْ / شُبَهٌ على وجه الحقيقة سود
يا أيُّها الثاوي بأكرم تُربَةٍ / تالله أَنْتَ الصارم المغمود
يا شدَّ ما دهم العراق بساعة / خشناء يُصدعُ عندها الجلمود
إذ حان حَينُ أبي الثناء وجاءه / بين الأكارم يومُه الموعود
ونعماه ناعيه وقال مؤَرِّخاً / قد مات ويك أبو الثنا محمود