القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : عبد الغَفّار الأَخْرس الكل
المجموع : 13
إنَّ الأَكارم والمكارم
إنَّ الأَكارم والمكارم / والأَفاضل والأَماجدْ
فقدت محمَّدها الأَمينَ / فيا لمفقود وفاقدْ
وخَلَتْ معاهدُ للتُّقى / وتعطَّلتْ تلك المساجد
وبكت عليه مدارسٌ / من بعده وخلتْ مساجد
قد كانَ أعظم حجَّةٍ / في الدِّين تُفْحِمُ كلَّ حاجد
ما في البريَّة كلِّها / أقوى وأعدل منه شاهد
بالله أُقسِمُ إنَّه / في ملَّة الإِسلام واحد
كانت موارد علمه / شِرَعاً شُرعن لكلِّ وارد
قد كانَ للدين القويم / إذا نظرت يداً وساعد
يا واعظاً بوجوده / عِظمةٌ تلين لها الجلامد
يا نائياً عن صحبه / هل أنت بعد النأي عائد
فلكم سددت على امرئٍ / بابَ المطالب والمقاصد
وأذَبْتَ دَمعاً كانَ لي / من قبل هذا اليوم جامد
أينَ الفرائدُ والشرائدُ / والعرائدُ والفوائدْ
ما كنت آمل أنَّني / أنعي على الأيام واجد
وألين بعد أحبَّتي / للحادثات من الشدائد
لا ساعدي فيه القويّ / ولا على زمني مساعد
ولقد سئمت من الحياة / بما أُشاهد أو أُكابد
لما فقدنا الصالحين / علمتُ أنَّ الدهر فاسد
انْظُر إلى الأَشراف كيف تسودُ
انْظُر إلى الأَشراف كيف تسودُ / وإلى أُباة الضَّيم كيف تريدُ
إذ يدَّعي بالملك من هو أهله / والحزم يقضي والسيوف شهود
يوم ثوى فيه ثويني في الثرى / يوم بسالم للبريَّة عيد
ما للذي عبد الصخور من الَّذي / عَبد الإِله ودينه التوحيد
قل للذي ذمَّ الإِمام بشعره / قد فاتك المطلوب والمقصود
ولقد عميت عن الهُدى فيمن له / نظرٌ بغايات الأُمور حديد
السَّيّد السند الرفيع مقامه / ومقامه الممدوح والمحمود
أنَّى تحقّر بالفهاهة سيِّداً / من حقّه التعظيم والتمجيد
سخط الحسود بما به من سالم / رضي الإِله الواحد المعبود
من لام سالم في أبيه فلومه / حُمْقٌ لعمري ما عليه مزيد
ما عَقَّ والِدَه ولا صدق الَّذي / نَسَبَ العقوقَ إليه وهو جحود
وافى ثويني في الفراشِ حمامُه / وأتى عليه يومُه الموعود
هذا قضاء الله جلَّ جلاله / لا والدٌ يبقى ولا مولود
رأي رأى فيه الإِصابة سالمٌ / بالله أُقسِمُ إنَّه لسديد
فلم يصحّ الاجتهاد بعلمه / في شأنه ولغيره التقليد
لما تيقَّظ عزمه من غفلةٍ / فيها عقول الجاهلين رقود
وأرابه أمرٌ يعمُّ وبالُه / وعلى عمان بما يسوء يعود
وَليَ الأُمور بنفسه فتصَرَّمَتْ / تلك الحوادث والخطوب السود
وأقرَّ هاتيك الممالك بعدما / كادت تمور بأهلها وتميد
ولقد حماها بالصوارم والقنا / فعمان غيل والرجال أُسُود
لا خير في ملك إذا لم يحمه / بأس يذوب له الحديد شديد
ترد الطغاة الحتف من صمصامه / هذا ومنهل جوده مورود
مه يا عذول مفنّداً من جهله / ماذا يفيد العذل والتفنيد
ولقد قضى نحباً أبُوه وقد مضى / ما لامرئٍ في الكائنات خلود
خير من المفقود عند وفاته / هذا الإِمام السالم الموجود
أبقى له الذكر الحميد فصيته / قد يخلق الأَعمار وهو جديد
سفهاً لهنديّ أراد بنصحه / غِشًّا وكلّ مقاله مردود
نظم القريض ليستميل قلوبنا / عنه وذاك من المريد بعيد
خَفِيَتْ على فهم البغيّ مقاصد / فيها وما عرف المرام بليد
متوعد الإِسلام من أعدائه / ما ضمنه التقريع والتهديد
ليكيد فيها المسلمين بخدعة / لا يعرف الشيطان كيف يكيد
ليست عمان ولا صحار ومسقط / هنداً ولا العرب الكرام هنود
لو تقرب الأَعداءُ منها لاصطلت / ناراً لها في الملحدين وقود
وإمام مسقط لا يروع جنابه / عند اللّقاء بوارق ووعود
قد بايعته على عمان رجاله / أكْرِمْ بهم فهمُ الرجال الصيد
ووراءه ملك الملوك جميعها / عبد العزيز وظلُّه الممدود
ملك يقوم بنصره فتمدّه / أنَّى يشاء عساكر وجنود
ووراء ذلك أُمَّة عربيَّة / الدِّين فيها والتقى والجود
من كانَ عبد الله من أنصاره / آل السعود فإنه لسعيد
والله خير الناصرين ولم يكن / إلاَّ لديه النصر والتأكيد
قَلبٌ يذوبُ عليك وَجْدا
قَلبٌ يذوبُ عليك وَجْدا / وحشًى تَوَقَّدُ منك وَقدا
وجفون صبٍّ لا تزال / بهذه العَبرات تَنْدى
من زفرةٍ تحت الضلوع / ومُقْلَةَ الرَّشأِ المفَدَّى
يا قامةَ الغصنِ الرطيبِ / قَد جاوزت في القتل حدَّا
ساعات بينك لا أزال / أعدُّها للهجر عدا
وأقولُ هل يدنو الوصالُ / وتنجز الآمال وعدا
ما لي مراحٌ من هواك / ولا لهذا الشوق مغدى
كم عازلٍ قد لامني / فسدَدتُ عنه السمع سدَّا
وعصيت عذَّالي عليك / وقلت للوّام بعدا
إنِّي لأَرعى عهدَ من / لم يرعَ لي في الحبِّ عهدا
يا ويحَ نفسي قد حفِظْتُ / وضيَّع الأَحبابُ وُدَّا
ولقد شَرَيتُ هواهم / بالرُّوح قبل اليوم نقدا
وفَقَدتُ صبري بعدهم / لا ذاقَ من أهواه فقدا
وأنا الفداءُ لمالكٍ / لم يرضني في الحبِّ عبدا
كالغصن قدًّا والبنفسج / عارِضاً والوردِ خدَّا
يا ظبيُ كم صَرَعت عي / ونُك قبلَنا في الدهر أُسْدا
ورَمَت فلم تُخْطِ الفؤاد / بسهم ذاك اللحظ عمدا
وسقام هاتيك الجفون / لقد عداني بل تعدَّى
ولقد ذكرتك والهموم / تمرُّ بي عكساً وطردا
واللَّيل يقدح شهبه / في فحمة الظلماء زندا
فقضت دموعي واجباً / في مثل ذكرك أنْ يُؤدَّى
أحييْتُهُ بك حَسْرَةً / وقَضَيتُه أرقاً وسُهدا
هزل اصطباري في جفاك / وعاد هزل الوجد جدا
وألانني الدهر المشومُ / وهدَّني بالبين هدَّا
لولاكَ كنتُ على الزَّمان / كما يريدُ الحزمُ صَلْدا
أمُعَذِّبي من غير ذنبٍ / صَبوةً وجوًى وصدَّا
أنتَ الَّذي أغويتني / حتَّى رأيت الغيَّ رشدا
وهواك أضناني فك / نتُ من الضنى عظماً وجلدا
أطْلَقْتَ دمعي بعدما / قيَّدتني بالوجد قيدا
وصَحِبتُ وجدي في هواك / فكان لي خصماً ألدَّا
تالله لا أجدُ المدامَ / لذيذةً والعيش رغدا
مذ قَوَّضَتْ عنِّي الظعون / وأزْمَعَتْ للبين سُعدى
فهناك أظفرُ بالمنى / وأفوزُ في جدواه قصدا
حلو الفكاهة لو تذاق / وَجَدْتُهَا خمراً وشهدا
وأَروحُ أزجرُ طائراً / في أسعدِ الأُمراء سَعْدا
ما في الرجال نظيرُه / فيهم لهذا القرم ندَّا
لا زالَ يُكْبِتُ حاسداً / في مجده ويغيظُ ضدَّا
فجوابه وثوابه / قد أعجبا أخذاً وردَّا
ومناقب مأثورة / نظمت بجيد الدهر عقدا
نَعِمَ العراقُ بماجدٍ / قد زادَه عزًّا ومجدا
بأجلّ من ولي الأُمور / وجادها حلاًّ وعقدا
بلغت به غاياتها / العليا ولم يبلغ أَشُدَّا
حَمَلَتْ يداه كالغمامة / للنَّدى برقاً ورعدا
فاستهدِهِ في كلِّ خيرٍ / إنَّه في الخير أهدى
وبذلك الخلق الحميد / وسِعتُه شكراً وحمدا
الجامعُ الفضلَ الَّذي / أمسى وأَصبَحَ فيه فردا
غَمَرَ العفاة بنائلٍ / منه إلى العافين يسدى
من راح يُسقى من نداه / فلا أظنُّ الدهر يصدى
وإذا تصدَّى للجميلِ / فَثِقْ به فيما تصدَّى
يا مَنْ يُحيل سمومَها / إنْ شاءَ بعد الحرِّ بردا
كم بشّر استبشاره / بالرفد قبل النيل رفدا
خُذها ولا الإِبل الشَّوارد / بالثناء عليك تحدى
وقوافياً سيَّرتُها / فمضَتْ تقدّ السَّير قدَّا
فاهنأ بعيدٍ لا يزال / كما تُؤمّل مستجدَّا
لا يحرمني منك حظٌّ / بالأُبوَّة قد تردَّى
ولقد أساءَ بما جنى / حتَّى امتليتُ عليه حقدا
أنَّى وكيف وهل أرى / في شرعه الإِنصاف وردا
من كانَ حُرّ زمانه / كانَ الزَّمان عليه وغدا
أنا في هَواكم مُطْلَقٌ ومُقَيَّدُ
أنا في هَواكم مُطْلَقٌ ومُقَيَّدُ / وبقُرْبكم أجدُ الحياةَ وأفْقِدُ
إنْ تعطفوا فهو المنى أو تهجروا / فحشىً تذوبُ ولوعةٌ تتوقد
يا دمعَ عينيّ المراق له دمي / ما لي على الزفرات غيرك مسعد
ولقد وجدت الوجد غير مفارقي / وفقدت صبري وهو مما يفقد
لا تسألوا عن حالِ صَبٍّ بَعْدَكُم / لا يومُه يومٌ ولا غَدهُ غَدُ
لا دَمْعُه يرقا ولا هذا الجوى / يَفنى ولا نار الجوانح تخمد
وأنا المريض بكم فهل من ممرض / غير الصبابة فلتعُدْني العوَّدُ
بنتم فما للمستهام على النوى / جَلَدٌ يقرّ بمثله المتجلد
هلاّ وقفتم يوم جدَّ رحيلكم / مقدارَ ما يتزود المُتَزَوِّد
أشكوكُم ما بي وإن لم تسمعوا / وأريكُم وَجدي وإنْ لم تشهدوا
ولَكمْ أقول لكُم وقد أبعدتم / يا مبعدون بحقكم لا تبعدوا
ساروا وما عطفوا عليَّ بلفتةٍ / ولربّما انعطف القوام الأملد
أتبعتُهم نظري فكان وراءهم / يقفو الأحِيَّة أغوَروا أو أنجدوا
يا أختَ مقتنصِ الغزال لقد رمى / قلبي بناظره الغزالُ الأغيدُ
ومن القدود كما علمت مثقف / ومن النواظر في الفؤاد مهند
لم أنسَ لا نسيت ليالينا الَّتي / كانَ السرور بعودها يتجدد
والربع مبتسم الأقاح تعجباً / منها وبانات النقا تتأوّد
لو أبْصَرَتْ عيناك جامِدَ كأسنا / لرأيت كيف يُذاب فيها العسجد
في روضةٍ سُقِيت أفاويق الحيا / فالبانُ يرقصُ والحَمام يغرّد
تُملي من الأوراق في ألحانها / ما ليس يُحْسِنُه هنالك مَعبد
يَحكي سَقيطُ الطلِّ في أرجائها / دُرَراً على أغصانها تَتَنَضَّد
يا دارنا سَحَبَتْ عليك ذيولها / وطفاءُ تُبرقُ ما سقتك وترعد
هل أنت راجعة كما شاء الهوى / والعيش أطيبُ ما يكون وأرغد
ذَهَبتْ بأيام الشباب وأعْرَضَتْ / عنِّي بجانبها الحسان الخرد
ويلُ أمّ نازلةِ المشيب فإنَّها / كادَت يَشيبُ لها الغراب الأسود
ذهب الشباب فما يقول مُعَنِّفٌ / في القلب منه حرارة لا تبرد
من بعدما طال المقام فأقصروا / عنِّي الملام فصوّبوا أم صعّدوا
ذهب الزمان بحلوه وبمرّه / ومضى المؤمَّل فيه والمستنجد
فانظر بعينك هل يروقُك منظر / بعد الذين تفرقوا وتبدّدوا
إنَّ الجميلَ وأهْلَه ومحلَّه / وأبو الجميل ابن الجميل محمد
حَدِّث ولا حرجٌ عليك فإنّما / خيرُ الكرام إلى أعلاه يسند
وأعِدْ حديثك واشف في ترداده / قلباً يَلَذُّ إليه حين يُرَدَّد
المسبغ النعماء ليس يشوبها / مَنُّ ولا فيما يؤمل موعد
هذا أبيُّ الضّيم وابنُ أباته / والبض تركع والجماجم تسجد
يُهِنِ القويّ بقوة من بأسه / وإلى الضعيف تحنن وتودد
تفري برأيك غير ما تفري الظبا / فالرأي منصلتٌ وسيفك مغمد
يعدُ الأماني من نداه بفوزها / ويريعُ منه الأخسدين تَوَعَّد
ممَّن إذا تُلِيَتْ عليه قصيدةٌ / صدق القصيد وفاز فيه المقصد
كم قرَّبت ليه فيه آمالي به / أملاً يَشُقُّ على سواه ويبعد
فرأيت من معرفة ما لا يرى / ووَجَدْت من معناه ما لا يوجد
وإذا أفادك جاهُه أو ماله / فهناك عِزٌّ يستفاد وسؤدد
شيدت معاليه وطال علاؤه / إنَّ المعالي كالبناء تشيّدُ
كم من يدٍ بيضاء أشكُرها له / في كلِّ آونةٍ وتَتْبَعُها يدُ
تسدى إليَّ وما نهضت بشكرها / نِعَمٌ تُعَدُّ ولم تزل تتعدد
ولكم وَرَدْتُ البحرَ من إحسانه / لا ماؤه ملحٌ ولا هو مزبد
فوردت أعذبَ فهلٍ من ماجد / لي مصدرٌ عن راحتيه ومورد
مستودع فيما يثيب مثابه / بخزائن الله الَّتي لا تنفد
أمزيلَ نحس الوافدين بسعده / شقيتْ بك الحساد فيما تسعد
حتَّى علمتُ ولم أكن بكَ جاهلاً / يا ثالثَ القمرين أنَّك مفرد
إنِّي رَبيبُ أبيك وابنُ جميله / والله يعلم والخلائق تشهد
لي نسبة فيكم وأية نسبة / منكم يقوم لها الفخار ويقعد
إنْ تولدوا من صلب أكرم والد / فكذلك الأخلاق قد تتولد
من محتد زاكي العناصر طيب / طابت عناصرهم وطاب المحتد
هم عوّدوا الناس الجميل وإنَّهم / تجري عوائدهم على ما عوّدوا
إنِّي لأعهد بعد فقد أبيهم / ما كنت منه قبل ذلك أعهد
قد كانَ عز المسلمين ومجدهم / وعياذهم وهو الأعزُّ الأمجد
ومخلّد الذكر الجميل إلى مدىً / يبقى وما في العالمين مخلَّد
تُتلى مناقبه ويذكر فضله / فيسر سامعها ويطرب منشد
كقلائد العقيان فيه محاسن / جيد الزمان بعقدها يتقلد
جاد الغمام على ثراه فإنَّه / لأبرُّ من صَوْب الغمام وأجْودُ
أعلمتَ أيَّ معالمٍ ومعاهدِ
أعلمتَ أيَّ معالمٍ ومعاهدِ / تذري عليها الدَّمع عبرة واجدِ
وقَفَ المشوق بها فشقَّ فؤاده / وأهاج ناراً ما لها من خامد
ولذلك الرّكب المناخ بها جوًى / لا يستقرُّ بها فؤاد الفاقد
من ناشد لي في المنازل مهجة / لو كانَ يجديها نشيد الناشد
وتردُّدُ الزفرات بين جوانحي / ممَّا يصُوب بمدمعي المتصاعد
أضناني الشَّوق المبرّح في الحشا / حتَّى خفيت من الضنى عن عابدي
ظعن الأُلى فتسابقت أظعانهم / تجتاب بين دكادكٍ وفدافد
قل للطعين من الهوى بقوامهم / ماذا لقيت من القوام المائد
إنِّي لأذكرهم على حَرِّ الظما / قد كدتُ أشرَقُ بالزُّلال البارد
منعوا طروق الطَّيف في سنة الكرى / هيهات يطرق ساهراً من راقد
بانوا فشيَّعَهُم فؤادٌ وامقٌ / وَرَجَعْتُ عنهم باصطبار بائد
جاهدت فيهم لوم كلّ مفند / لو أنَّ لي في الحبِّ أجرَ مجاهد
مه يا عذول فقد أطلتُ مقصراً / في واجدٍ تلحوه لا متواجد
يا دار حيَّاك الغمام بصيّبٍ / ينهلُّ بين بوارقٍ ورواعد
وسقى زمان اللَّهو فيك فإنَّه / زمنٌ مضى طرباً وليس بعائد
زمن لهوت به بكلِّ خريدة / لعِبَتْ محاسنها بلبّ العابد
دارت عليَّ الكأسُ في غسق الدجى / فشربتها ذهباً بماء جامد
وجرَيْت طلقاً في ميادين الهوى / لمصارع من غنية ومصائد
ولقد صَحَوْتُ من الشباب وسكره / ونظرت للدنيا بعَيْنَيْ زاهد
من راح تغريه مطالع نفسه / فيما يشان به فليس براشد
إنْ كادني الطمع المبيد بكيده / فلينظرنّ مخادعي ومكايدي
وإذا قسا الخطب الملمُّ فلا تلم / حاربْ زمانك ما استطعت وجالد
أعرضتُ عن بغداد إعراض امرئٍ / يرتاد ما يرضي مراد الرائد
من بعد ما غال الحمام أحِبَّتي / ولوى يدي بالنائبات وساعدي
حتَّى رأيت الخير يخصب ربعه / بأبي الخصيب ووجه عبد الواحد
بأجلّ من أفردته بفرائدي / وأجلّ من قَلَّدْتُه بقلائدي
وجهٌ عليه من الجمال أسِرَّةٌ / تبدو فتنبي عن جميل عوائد
في صُبح ذاك الوجْه سعد المشتري / وشهاب ذاك الوجه حدس عطارد
ابن المبارك لاسمه وسماته / ومبارك في النَّاس أكرم والد
سوق الأفاضل للفضائل كلها / في سوقه إنفاق شعر الكاسد
تفني أياديه الحطامَ تكرُّماً / فيفوز يومئذٍ بذكر خالد
تنهلُّ راحته بصيّبِ جودِه / عذب الموارد منهلٌ للوارد
لم تُبْقِ راحته وجود يمينه / من طارقٍ للمكرمات وتالد
لا زال في نعمائه وولائه / فرح الودود ورغم أنف الحاسد
لا تنكر الحسّاد من معروفه / شيئاً وليس لفضله من جاحد
وأغرَّ قد خفض الجناح لآمل / بَرٍّ رفعتُ إليه غُرَّ قصائدي
ومن السعادة أنْ أجيء بسابق / من برّه أسعى إليه وقائد
فأفوز منه بطلعة تجلو الدجى / وتضيء بالحسب الصميم الماجد
ولكم زودت موارداً من سيله / فحمدت فيه مصادري ومواردي
فإذا اعترفت من الكرام بفضله / جاءت مكارمه بألفي شاهد
شهد الرجال بفضله وبرأيه / بمواطن شتّى مضَتْ ومشاهد
يمضي معاديه ويخطو هابطاً / وترى مواليه بفخر صاعد
يا مَن يُغَرّ لجهله في حلمه / إيّاك من وَثَباتِ ليثٍ لابد
نقد الرجال رفيعهم ووضيعهم / والزيف يظهر عند نقد الناقد
بَعُدَتْ عن الفحشاء منه خلائق / بعد الصلاح من الزمان الفاسد
يوم النوال تراه أوَّلَ منعمٍ / ولدى الصلاة تراه وَّلَ ساجد
لو لامست صمَّ الجلامد كفُّه / لتفجَّرَت بالماء صمُّ جلامد
أطلقتُ ألسِنَة الثناءِ عليه في / شعر يقيِّدُ في علاه شواردي
قامت بخدمته السعادة عن رضىً / كم قائمٍ يسعى بخدمة قاعد
وفدت عليك مع الخلوص قصيدة / ولأنت أوَّل مكرم للوافد
لا غَرْوَ إنْ قَصَدَتْكَ ترغَب بالغِنى / أرأيت غيرك مقصداً للقاصد
فاقبل من الداعي إليك ثناءه / من شاكرٍ لك بالقريض وحامد
إنِّي رَفَعْتُ إليك ما قدّمته / لا زلت ترفع بالفخار قواعدي
عادَ الفؤادَ من الجَوى ما عادا
عادَ الفؤادَ من الجَوى ما عادا / أضحى يَذيلُ له الدُّموعَ ورادا
بل أنتِ قاتلةُ النفوس فربّما / يأبى قتيلك أن يكون مفادى
قولي لطيفك يا سُعادُ يزورني / إنْ سُمْتِ صبَّكِ جفوة وبعادا
هيهات أن يَصِلَ الخيال لمقلة / جَفَتِ الرقاد فما تَملُّ سهادا
ولكمْ أروحُ بِلَوعةٍ أغدو بها / ما راوَحَ القلبَ النسيمُ وغادى
خُذ يا هذيم إليك قلبي إنّه / ملأ الجوانح كلّها إيقادا
واسلُك بصحبك غير ما أنا سالك / فيه ومُلْقٍ للنياق قيادا
حذراً عليك من الصّريم فربّما / قَنَصَتْ لحاظ ظبائه الآسادا
تلك الأحبّة في الغميم ديارها / جاد الغمام ديارها وأجادا
من مثقلاتِ المُزن ألقى رحلَه / فيها وشقّ على الطلول مزادا
يستلّ منه البرقُ بيض سيوفه / منها وما كانت لها أغمادا
ما قادتِ الرّيح الجنوب زمامه / إلاَّ وطاوع أمرها وانقادا
وسقاك دفّاع الحيا من أربُع / لم أخشَ فيها للدّموع نفادا
وقفت بنا فيها المطيُّ فخلتُها / فَقَدتْ لها بالرّقمتين فؤادا
وأبَتْ براحاً عن طوامِس أرْسُمٍ / أضْحَتْ لها ولصَحبِها أقيادا
هل أنتِ ذاكرةٌ وهاج بك الجوى / مرعىً وماءً عندها مِبرادا
واهاً لعيشك بالغُوَير لقد مضى / ورأيتُ بعد نعميه أنكادا
ولقد رأيتُ الدار تُدمي أعيناً / غرقى ويحرق دمعها الأكبادا
فنحرتُ هذا الطرف في عرصاتها / فمدامعي مَثْنًى لها وفُرادى
وسقيتُها بالدمع حتَّى لو سقى / وبلُ الغمام رسومها ما زادا
يا وُرْقُ أين غرام قلبِك من شجٍ / جعل النُّواح لشجوه معتادا
أو تشبهين الصَّبّ عند نُواحه / ولقد بخِلت بمدمعيك وجادا
بلغ البكاء من الشجيّ مراده / منه وما بلغَ الشجيُّ مرادا
فمتى خمودُ النار بين جوانحي / والنّارُ آونةً تكون رمادا
ومسالمات الحادثات وأن أرى / زمني لأمري طائعاً منقادا
أنّى يسالمني الزمان وقد رأى / هِمَمي على حرب الزمان شدادا
وعداوة الأيام ليست تنقضي / والحُرُّ في هذا الزمان مُعادى
لولا جميل أبي الثناء وإنَّه / يولي الجميل ويكرم الوفّادا
قَلْقَلْتُ عن أرضِ العراق ركائبي / وسَكنْتُ غيرك يا بلاد بلادا
هو مورِدي ما لم أرِدْهُ من النّدى / لولاه لم أكُ صادراً وَرّادا
ومطوّقٌ جيدي بنائله الَّذي / ملك الرقاب وطوَّق الأجيادا
متفرّد بالفضل يعرف قدره / من يعرِف الأفراد والآحادا
إن قلت ما بالخافقين نظيره / أوْرَدْتُ فيما قلته أشهادا
هذي البلاد وهذه علماؤها / هل فاخرت بنظيره بغدادا
إن الشريعة أُلبست بجَنابه / تاجاً وألبسه التقى أبرادا
أجداده بَنَتِ العلاءِ وشيَّدَتْ / فبنى على ذاك البناء وشادا
وكأنَّما أقلامُ أنمُلِه غَدَتْ / زُرقاً على أهل العِناد حِدادا
وكأنَّما جُعِلَ الصَّباحُ لِخَطِّه / معنىً ومُسْوَدُّ الظلام مِدادا
نهدي إلى عين القلوب سطوره / نوراً يخال على البياض سوادا
لله فضلك في الوجود فإنَّه / تَركَ البريَّة كلّها حسادا
عزّ النظير لمثل فضلك بينهم / فليطلبوا لك في السما أندادا
لو أنصفوا شكروا مواهب ربّهم / إذ كنتَ للدين القويم عمادا
أحْيَيْتَ عِلْمَ الأنبياء وقد أرى / بوجود ذاتك رجعةً ومعادا
أفْنَيتَ دهرك في اكتساب فضائل / تفري الزمانَ وتُخلق الآبادا
ولأنتَ أجرى السابقين إلى مدىً / ولأنتَ أورى القادحين زنادا
لحِقَتْ مداك اللاحقون فقصَّرتْ / ولو أنها ركبتْ إليك جيادا
ولقد جَرَيْتَ على مذاكي همّة / لا تَسأم الإتهام والإنجادا
ها أنتَ في الإسلام أكبرُ آيةً / لله تمحو الغيَّ والإلحادا
فإذا نطقت فحجَّة مقبولة / أو قلتَ قلتَ من الكلام سدادا
ما أمَّ فضلَك مستفيدٌ في الورى / إلاَّ استفاد فضيلةً وأفادا
لولا ورودُ بحار علمك إذ طمت / لم تعرف الإصدار والإيرادا
ولكم زَرَعْتَ من الجميل مكارماً / لا ترتجي مما زرعت حصادا
ولك الجميل إذا قبلت مدائحاً / أنشدْتُها لكَ مُعلناً إنشادا
فليهنك العيدُ الجديد ولم تَزَلْ / أيّام دهرِك كلَّها أعيادا
لو كنتَ حاضر طرفِهِ وفؤادِهِ
لو كنتَ حاضر طرفِهِ وفؤادِهِ / أشْفَقْتَ من زَفَراتِهِ وسُهادِهِ
قد كانَ يرجو أن يلمّ ببرئِه / لو أنَّ طيفك كانَ من عوَّاده
عذَّبتَ طرفي بالسُّهاد ولم تبُت / إلاَّ وطرفك في لذيذ رقاده
ما لي أُعَذِّب في هواكَ حشاشتي / وأذودُ حرَّ القلب عن إبراده
وإذا أخَذْتَ بما يبوحُ به الجوَى / أخذ الجوى إذ ذاك في إيقاده
هذا الغرامُ وما مرادك بعده / ممَّا يحولُ جفاك دون مراده
من كنت أستصفي الحياةَ لقربه / أصْبَحْتُ أرتقبُ الرَّدى لبعاده
أطلقتُ بعدكم الدُّموع وإنْ أكنْ / فيكم أسيرَ الحبّ في أقياده
ولقدْ سَدَدْتُ عن العَذول مسامعي / ورأيتُ أنَّ الرَّأي غير سداده
يا مَن يلوم على الهوى أهل الهوى / كيف اقتناءُ الصَّبر بعد نفاذه
هل أنتَ يومَ البين من شهدائهِ / أم أنتَ يومَ الجزع من أشهاده
مَن ذا يُجيرك من لواحظ سربه / ويفكُّ قلبك من يدي صيَّاده
يا ربع بلّ لك الأوام متيَّمٌ / إنْ جَفَّ ناظره بماءِ فؤاده
حَكَمْت بما حكم الغرامُ بأهلِهِ / آرامُه فقَضَتْ على آساده
وكأَنَّما كانت لذائذنا بها / روضاً جَنَيْتُ الغضّ من أوراده
لم أنسَ عهدكِ يا أُميمة باللّوى / فسقى الغمام العهد صوب عهاده
أيَّام أصطبحُ المراشف عذبةً / ويفوزُ رائد لذَّةٍ بمراده
حيثُ الشَّبابُ قشيبةٌ أبراده / إذ كنتُ أرفلُ منه في أبراده
ومضرَّج الوَجَنات من دمِ عاشقٍ / يسطو بذابل أسْمَرٍ ميَّاده
عاطَيْتُهُ ممَّا يَمُجُّ لُعابُهُ / صَهْباء تكْشِفُ عن صميمِ فؤاده
يصفو بها عيشُ النَّديم كأَنَّما / أخَذَتْ عليه العهد من أنكاده
حتَّى إذا ألقى الظَّلام رداءه / واستلَّ سيف الصُّبح من أغماده
قلتُ اسمحنْ لي ما بخلت بزورةٍ / وهل المحبّ بها على ميعاده
لا ذاقَ ريقك بعد ذلك إنْ صحا / أو كانَ يعثر غيّه برشاده
فَسَدَتْ معاملة الحسان لمَفْرِقٍ / نَزَلَ البياضُ به مكان سواده
وثنى المشيب من الشَّباب عنانه / عن ودِّ زينبه وعشق سعاده
ونفاسة الصّمصام في إفرنده / لا في نفاسة غمده ونجاده
سالمت أيَّامي فقال لي العُلى / إنْ كانَ عاداك الزَّمان فعاده
ولقد يعزُّ على المعالي أنْ ترى / مثلي بهذا الدهر طوع قياده
صافيتُ أخلاقي الأَبيَّة دونه / فلينطو أبداً على أحقاده
وأنا القويُّ على شدائد بطشه / عاندته فرَغِمْتُ أنفَ عناده
وأراه يمكر بي ويحسَبُ أنَّه / يضطرُّني يوماً إلى أوغاده
هيهات قد تربَّت يداك فدون ما / قد رامَ هذا الدهر خرط قتاده
ولمنْ أراد من الأَكارم بغية / ألفى أبا سلمان فوقَ مراده
بأسٌ يذوب له الحديد ونائلٌ / كالعارض المنهلّ في إرفاده
النَّاس مغتنمون في إبراقه / طوراً ومحترزون من إرعاده
مستنزل الإِحسان صادق وعده / ومزلزل الأَركان في إيعاده
حسدت مناقبه الكواكبُ في العُلى / حتَّى رأيت البدر من حسَّاده
أمَّا العيال عليه فهي أماجد / والمجد لا ينفكُّ عن أمجاده
يتطفَّلون على موائد فضله / يتبرَّكون بمائه وبزاده
طرب الشَّمائل كلَّما استجديته / طرب الشّجاع لحربه وجلاده
ولربَّما أجرى اليراعَ فلاحَ لي / بيض الأَيادي من سواد مداده
لله أبلجُ من ذؤابة هاشمٍ / لا زالَ حزبُ الله من أجناده
عقل الحوادث أقْلَعَتْ لهياجها / فكأَنَّها مصفودة بصفاده
لمَ لا يُؤَمَّل للإِغاثة كلّها / من كانَ قطب الغوث من أجداده
لحق الكرام الأَوَّلين ولم يزل / في حَلْبَة النجباء سبق جواده
فكأنَّما انتقب الصَّباح إذا بدا / إقبالهُ منه على وفَّاده
لا تعجبوا لجمال آل محمَّد / نورُ النَّبيّ سرى إلى أولاده
بيتٌ قواعده قواعدُ يَذْبُلٍ / يَتَعَثَّرُ الحدثان في أوتاده
أطواد مجد في العُلى لم ينزلوا / إلاَّ على الشرُفات من أطواده
من كلِّ بحرٍ يستفاض نواله / يا فوزَ من قد راحَ من روَّاده
قد تستمدّ العارفون وإنَّما / استمدادها بالفيض من إمداده
يا أهل ذا البيت الرَّفيع عماده / وانحطَّت الملوان دون عماده
أروي لكم خبر الثناء وطالما / أَوْقَفْت راويه على إسناده
مستعبد الحرّ الكريم بفضله / لا حرَّ في الدُّنيا مع استعباده
شاركت أبناء الرجال بما حَوَتْ / يمناكَ بين طريفه وتلاده
وإذا تفرَّدَ في الزَّمان مهذّب / ألفيتكَ المعدودَ من أفراده
روضي ذوى ولوى الرَّجاء بعوده / فليجر منك الماء في أعواده
يفديك من ملكت يمينُك رقَّه / ورآك ملجأ قصدِهِ ومراده
منع الوصول إلى ذراك بعيده / لا زلت أنْتَ العيد في أعياده
والحظّ يصلد في يديَّ زناده / إنِّي أُعيذُك من صُلود زناده
يا مَن نَعِمْتُ به وأَيَّة نعمة / وسَعِدْتُ بين النَّاس في إسعاده
تاجرت في شعري إليك وإنَّما / نَفَقَ القريض لديك بعد كساده
ومن الكلام إذا نظرتَ جواهرٌ / يجبى إلى مَن كانَ من نقَّاده
فَتَنَ الأنام بطَرْفِه وبجيدِه
فَتَنَ الأنام بطَرْفِه وبجيدِه / وأبى الهوى إلاَّ تَلافَ عَميده
مُتَمنِّعٌ وَعدَ المشوقِ بزَورةٍ / يا ليته ممَّن يفي بوعوده
أنَّى أفوزُ بطارق من طيفه / ما دام هذا الطيف في تسهيده
رَشأٌ يصولُ بحدِّ صارم ناظر / وقَفَتْ أسودُ الغاب عند حدوده
فليَحْذَر الصَّمصام من لحظاته / والصَعدة السمراء من أملوده
تاالله ما يحيي المتيَّم وصله / إلاَّ مميت سلوّه بصدوده
شهدت محاسنه بجهل عذوله / وأقام حجّة حسنة بشهوده
ولكم عَصَيْتُ مفنِّداً في حبّه / ورأيتُ عكس الرأي في تفنيده
وأقول إذ نَبَتَ العذار بخدِّه / وَرَد الربيع فمرحباً بوروده
ولقد ظفِرْتُ به برغم عواذلي / وضمَمْتُه ولَثِمْتُ وَرْدَ خدوده
وشكوْتُه حَرَّ الفؤاد من الجوى / شوقاً إليه فجاد في تبريده
في مجلس عَبِقَت أرائج ندّه / وتنفَّسَتْ فيه مباخر عوده
واللَّيل يرفل باسوداد ردائه / والرَّوضِ يزهر باخضرار بروده
ويدير شمس الراح في غسق الدجى / قمرٌ تَطلَّع من بروج سعوده
والنَّجْمُ يرقبه بعين رقيبه / والبَدْر يلحظه بلحظ حسوده
والزّقُّ تصْرَعُه السُّقاة وربَّما / قَطَعتْ يدُ الندمان حبلَ وريده
حتَّى رأيتُ يَسْقُط فوقَنا / في نثر لؤلؤه ونظم عقوده
وتفتَّح النّوارُ في أكمامه / فكأنَّما النَّوار أوْجُهُ غيده
وإذا القيان تجاوَبَتْ بلُحونها / طَرب الحمامُ فَلَجَّ في تغريده
سَفَرَت محاسِنُ زهر روض زاهر / وتمايَلَتْ إذ ذاك هيف قدوده
والبان يركع فالنسيم إذا سرى / وصَلَ النسيمُ ركوعَه بسجوده
إن تَنْهَبوا اللّذّات قبل فواتها / وهَبَ الزمان شقيَّه لسعيده
ودعاكمُ داعي الصَّبوح وإنَّه / ليقوم سيفُ الصُّبح في تأييده
أوَ ما ترون الأقحوان وضحكَه / من حَضّ داعيكم ومن تأكيده
وشقائق النُّعمان كيفَ تَضَرَّجتْ / بدَمٍ فظنَّ الكرمُ من عنقوده
يا قومُ قد خُلِقَ السُّرورُ إذا انقضى / فخذوا بكأس الراح في تجديده
يومٌ به سلمان وافى مقبلاً / قد كانَ للمشتاق أكبرَ عيده
قَرَّتْ به عين المفارق طلعةً / قمْريَّة بحضوره وشهوده
في فقدِه فَقِدَ السرور وإنَّما / وُجِدَ السرور جميعُه بوجوده
وتَولَّدَ الفَرح المقيمُ لأهْلهِ / وأجادَ طيبَ العيش في توليده
فكأنَّه فَلَقُ الصَّباح إذا بدا / في رفع رايته وخفق بنوده
فالسعدُ والإقبالُ من خُدّامه / لا بل هما في الرقّ بعض عبيده
ظَفِرَتْ يدي منه بأكرم ماجدٍ / نظمت قوافي الشعر في تمجيده
ما زال مجتهداً بكلّ صنيعةٍ / يدعو الكريمُ بها إلى تقليده
المال ما مَلَكتْه راحةُ كفِّه / فَدَعَتْه شيمتُه إلى تبديده
تُغني مواهبه الحطام تكَرُّماً / نَشْراً لذكر ثنائه وحميده
إنِّي لأذكره وأُنْشدُ مَدْحَه / وأميلُ مَيْل الغصن عند نشيده
ومشيد أبْنِية المفاخر والعلى / تسمو بيوت المجد في تشييده
إنْ عَدَّتِ النَّاس الفخار فإنَّه / إنسانُ مقلته وبيت قصيده
الله أكرمَ آل بيتِ محمدٍ / حيث اصطفاهم من كرام عبيده
حازوا من الشرف الرفيع أبِيَّهُ / فهمُ ولاةُ طريفه وتليده
وإذا تَورَّثَ والدٌ منهمْ عُلىً / لا يورثُ العلياءَ غيرَ وليده
ما للبنين الغُرِّ من آبائه / أم أين للآباء مثل جدوده
نفسي الفداءُ له وقلَّ له الفدى / من كانَ للإحسان غارس عوده
الله يَعلمُ والبريَّةُ كلُّها / أنِّي أفوز بعزّه وبجوده
أقبلت إقبال السحاب تباشرت / زهر الرُّبا ببروقه ورعوده
قد غبتَ عن بغداد غَيْبَة حاضرٍ / في فكر صاحبه وقلب ودوده
وإذا طَلَعتْ على الأحبَّة بعدها / فمُوفَّقٌ كلُّ إلى مقصوده
يا من يَسُرُّ الأنجبين قدومُه / كسروره بضيوفه ووفوده
فلقد ركِبْتَ الوَعَر غير مقصَّرٍ / وقَطَعْتَ يومئذٍ فدافد بيده
ولقد تَعِبْتَ فخذ لنفسك راحةً / واطلق عنان الأُنس من تقييده
واسرح من اللَّذات في مُتَنَزَّهٍ / خَلَطَ الغرامُ ظِباءه بأسوده
كم قَدْ أَلينُ لمن قسا بصدودِهِ
كم قَدْ أَلينُ لمن قسا بصدودِهِ / حتَّى ظَنَنْتُ فؤادَه جلمودا
ولَكَمْ أَسَلْتَ من العُيون مدامعاً / وأَهَجْتَ من حَرِّ الغرام وقودا
كبدٌ تذوبُ وحسرةٌ لا تنقضي / ودموعُ طَرفٍ يأْلَفُ التسهيدا
أَنكرتَ معرفتي على عهد النوى / ومَنَحْتَني بَعدَ الوصال صدودا
أَخْلَقْتَ صبري بَعدَ بُعدك بالنوى / وكَسَوْتَني ثوبَ السّقام جديدا
لولا العيون النجل ما عرف النوى / من كانَ صبًّا في هواك عميدا
ولقد أرى نارَ الزَّفير ولا أرى / يوماً لنيران الفؤاد خمودا
فالموقرات بريّها وقطارها / والحاملات بوارقاً ورعودا
تهمي النَّدى وتريكَ كلّ عشيَّةٍ / سَحَبَتْ على زهر الرِّياض برودا
ما زلتُ أحْمدُ للمسير عواقباً / حتَّى حَلَلْتُ مقامك المحمودا
طالَعْتُ في وجه السَّعيد محمَّد / فرأَيْتُ طالع مجتديه سعيدا
قابَلْتُ أحداثَ النحوس بسَعْدِهِ / فأَعادَ هاتيك النحوس سعودا
وزَجَرْتُ طير السَّعد يهتُفُ باسمه / ورأيتُ منه الطَّالع المسعودا
أقْرَرتُ عينَ المجد فيك مدائحاً / وأغَظْتُ فيك معانداً وحسودا
وإذا نظرتَ إلى سناه ومجده / لنَظَرتَ من فلق الصَّباح عمودا
ما زالَ يولينا الجميل بفضله / كرماً يَسرُّ الآملين وجودا
وإذا استَمَحتُ به النَّوال وجدْتُه / غَيثاً يسِحُّ ومنهلاً مورودا
ولقد مدحتُ الماجدينَ فلا أرى / إلاَّ مديحاً مقنعاً ومفيدا
لا فارَقتْ عينايَ طَلْعَتَك الَّتي / مَدَّتْ علينا ظِلَّكَ الممدودا
سادات أبناء الزَّمان بأسرهم / وَرِثوا المكارمَ طارفاً وتليدا
تَفني مكارمُه الحطامَ ويَقْتَني / ذكراً يُخَلَّد في الثَّناء خلودا
فلَقَدْ رَقَيْتُ بها لأرفع رُتبةٍ / فبَلغت أسباب السَّماء صعودا
ويُريك إنْ ضلَّتْ عقولُ أُولي النهى / رأياً يريك به الصَّواب سديدا
أخَذوا بناصية المفاخر والعلى / وتسَنَّموها قُوَّماً وقعودا
وتَخالُهم عند العطاء غمائماً / وتَظنّهم يوم اللقاء أُسودا
إنِّي لأشكر من جميلك ما به / أكْبَتُّ من بعد الحسود حسودا
هذا الذكاء ولا مزيد على الَّذي / أبْصَرتُ منك لمن أراد مزيدا
أبَتِ المحاسنُ والمكارم في النَّدى / إلاَّ بقاءً بعدهم وخلودا
أخَذوا المذاهبَ في الجميل فلم نجِدْ / إلاَّ مُقَلِّدهم به تقليدا
قَلَّدْتَني نِعماً أنوءُ بحملِها / فنَظَمْتُ فيك قلائداً وعقودا
لا زِلْتَ لي عيداً أُشاهد عَوْده / حتَّى أُلاقي يوميَ الموعودا
بُشرى بمولد نجلِكُم من مَوْلِدِ
بُشرى بمولد نجلِكُم من مَوْلِدِ / من صُلْب أكرمِ ماجدٍ ومُمَجَّدِ
كالسيف أصْلِتَ نصلُه من غمده / فبدا نظيرَ الكوكب المتوقد
يحيي مناقَب من مَضى من أهلِهِ / من ناصرٍ حزب العلى ومؤيّد
العاطسين بأنف كلّ أبيّة / والمرعفين بها أُنوف الحُسَّد
والباسطين على العُفاة أيادياً / كم من يدٍ بيضاء تولى من يد
لا تنكرُ الأعداءُ معروفاً لهم / بمكارم لأكارمٍ لم تجحد
حَدِّثْ ولا حرجٌ عليك بذكرهم / وأعِدْ حديثَك ما استطعت وردّد
فليهنكم ولدٌ بدا في وجهه / سيماء سَعْدٍ في الزمان الأسعد
فالله يحفظه ويرفع قدره / ويديمه في طيب عيش أرغد
سُرَّتْ به النجباء وافتخرت به / لا زال في فخر عظيم السؤدد
قد جاءَ تاريخي وَقَرَّ عيونهم / بالناصر بن القاسم بن محمد
يا قدوةَ العُلماء يا من عِلْمُه
يا قدوةَ العُلماء يا من عِلْمُه / بحرٌ ومنهلٌ فضلِه مَوْرودُ
يهنيك مولانا بمنصبك الَّذي / فازَ الوليَّ به وخاب حسود
فلقد حباك الله بالفضل الَّذي / يسمو على رغم العدى ويسود
في حالَتي عِلْمٍ وبذل مكارم / فعلى كلا الحالين أَنْتَ مفيد
وحَبَتْك ألطاف الوزير علي الرضا / مَن ذكره في الخافقين حميد
ملكٌ فأمَّا حِلْمُه فموقّرٌ / ضافٍ وأمَّا بطشه فشديد
ولاّك إفتاءَ الأنام محبّذا / رأيٌ لعَمري إنَّه لسديد
إنَّ الشريعة فيك لابس تاجها / قرمٌ وحامِلٌ سيفها صنديد
وتنوف في كلّ العلوم فأرِّخوا / نَوَّفْتَ في الإفتاء يا محمود
قُطْبٌ تدورُ عليه أفلاك الهدى
قُطْبٌ تدورُ عليه أفلاك الهدى / من كانَ يَرتَضِعُ الهدى في مَهْدِه
عرشٌ به عِلْمُ الشريعة ثابتٌ / إذ قام كرسي العلوم بحدّه
وسماءُ عرفانٍ كأنَّ نجومها / طَلَعَتْ علينا من مطالع برده
ظَفِرَتْ يدُ الأيام منه بجوهر / قَد حَيَّر الألباب جوهر فرده
نادته أعلام الأنام وصدقهم / يبدو كما تبدو طوالع سعده
يا سيّداً من حيدرٍ ومحمْدٍ / مَنْ مثلُ والده الإمام وجدّه
جَدَّدْتَ فينا دينَ جدِّك فارتقت / أضواؤه لما قَدَحْتَ بزنده
فَرَويت من أخباره ورَوَيت من / آثاره وخلفتنا من بعده
قد كنتَ في يوم الكساء ضميمةً / مخبوءةً في ظهر أكرم ولده
ما زال يعبق منك نشر عبيره / حتَّى شَمِمْنا منك ريحة نده
الله يَعْلَمُ والأنام شهودُ
الله يَعْلَمُ والأنام شهودُ / أنَّ الَّذي فَقَد الورى لفريدُ
كانَ الإمام به الأئمة تقتدي / فَلَه الهدى ولغيره التقليد
ظلاًّ على الإسلام كانَ وجوده / حتَّى تقلّص ظِلُّه الممدود
فَلِفَقْده في كلِّ قلب لوعة / ولذكره في حمده ترديد
فزوال ذاك الطود بعد ثباته / ينبيك أنَّ الراسيات تبيد
هَيْهات يُرفَعُ للمدارس بعده / عَلَمٌ ويورقُ بالمكارم عود
سِمْط الفضائل والفواضل كلّها / نُثِرَتْ عليه من الدموع عقود
أسدٌ من الآساد يصرعه الرّدى / ومن الرِّجال بهائمٌ وأُسودُ
عجباً لمن ضاق الفضاءُ بعلمه / أنّى حَوَتْهُ من القبور لحود
وإذا الملائك بُشّرت بقدومه / فَعَلام تنتحب الرِّجال الصيد
لا جاز قَبرَك صَوبُ غادته الحيا / تسقي ثراك بصوبها وتزيد
وجُزيت خيراً بعدها عن أُمَّةٍ / علماؤها مما أفَدْتَ تفيد
فمقامك المحمودُ فوقَ مقامهم / وعلى الجميع لِواؤك المعقود
أظهَرْتَ بالآيات ما بظهورها / يُخفى النفاق ويُعلن التوحيد
وكشَفْتَ غامضَ ما تشابه فانجلَتْ / شُبَهٌ على وجه الحقيقة سود
يا أيُّها الثاوي بأكرم تُربَةٍ / تالله أَنْتَ الصارم المغمود
يا شدَّ ما دهم العراق بساعة / خشناء يُصدعُ عندها الجلمود
إذ حان حَينُ أبي الثناء وجاءه / بين الأكارم يومُه الموعود
ونعماه ناعيه وقال مؤَرِّخاً / قد مات ويك أبو الثنا محمود

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025