المجموع : 7
أبدينَ تُفَّاح الخدودِ
أبدينَ تُفَّاح الخدودِ / وَسترنَ رمَّانَ النهودِ
ونشرنَ ريحانَ الغدائرِ / فوق أغصانِ القُدودِ
وأتينَ يحملنَ الكؤوسَ / كأَنهنَّ ثغورُ غيدِ
من كلّ ضامية الوشاحِ / رويّة الخلخال رودِ
هيفاء لو طالبتها / بدمي فَوجنتُها شهيدي
لكنَّها عَطَفت عليَّ بصد / غِها سود الجعودِ
فمتى بسفك دمي تقرُّ / وصدغُها لامُ الجحودِ
من مائلاتٍ كالغصونِ / دعت بها النسماتُ ميدي
من مصبياتٍ للحليم / بطرف جازية وجيدِ
من قاسمات الدرّ ما / بين المضاحك والعُقودِ
أنت العميدُ وحبَّذا / بدمي النقا ولعُ العميدِ
فارشف عروساً من طِلًى / جُليت على وَردِ الخدودِ
جاءت إليك تزفُّها / عذراءُ كاعبةُ النهودِ
يا ما أسرَّكِ ليلةً / في الدهر كاملة السعودِ
فلنا صباحُكِ قد تجلَّى / مُسفراً عن يوم عيد
بيض لوتك من العذار / بشقر لاماتٍ وسودِ
بشرى العَلاء فَذي مطالع سعده
بشرى العَلاء فَذي مطالع سعده / ولدت هلالاً زاهراً في مجده
وحديقةُ المعروف هاهي أنبتت / غصناً سيثمر للعفاة برفده
ونشت بأُفق المكرمات سحابةٌ / من ذلك البحر المحيط لوفده
الآن ردَّ على الزمان شبابهُ / غضًّا فأصبح زاهياً في ردّه
وجلت له الدنيا غضارةَ بِشرها / عن مَنظر شغلَ الحسودَ بوجده
وحلا اصطباحُ الراحِ من يد أغيدٍ / في خدِّه تزهو شقائقُ ورده
تُجلى بكفّ رقيق حاشية الصِبا / متمايل الأعطافِ ناعمُ قدّه
يكسو الزجاجةَ خدُّه فيديرها / حمراءَ تحسب أنَّها من خدِّه
رقص الحبابُ على غناء نديمها / طرباً وودَّ يكون موضعَ عِقده
شهد الضميرُ بأنَّها من ريقه / مُزجت بأطيبَ لذَّةٍ من شهده
فاشرب فِدا الساقي عذولك واسقني / كأساً وَفى فيها الزمانُ بوعده
وانهض كما اقترح السرورُ مهنِّياً / بفتى به الوهابُ جاد لعبده
ميلاده الميمون بُورك مولداً / قد أصبح الإِقبال خادمَ سعده
تتوسّم العلياءُ وهو بحجرها / فيه مخائلَ من أبيه وجدِّه
جدٌّ له انتهت العُلى من هاشمٍ / وعلاءُ هاشم لا انتهاءَ لحدِّه
وكساه في عصر الشبيبة والصِّبا / والشهب تهوى أنها من وِلده
نضت الحميَّةُ منه سيفَ حفيظةٍ / ماءُ الحيا الرقراق ماء فرنده
لمَّا رأيت الشام يبعد قصده / عن ركب فيحاء العراق ووخده
أودعتُ تهنئتي إليه رسالةً / تُهدى على شحط المزارِ وبعده
ودعوت حاملها لأشرف منزلٍ / بالشام خذ عنِّي السلام وأدِّه
حيّ السعيدَ محمداً فيه وقُل / بُشرى بأشرف طالع في سعده
بأغرَّ يُنميه إلى عمرو العُلى / حَسَبٌ محمَّده عليُّ معدّه
حملته أُمُّ الفخر سيّدَ قومه / وأتت به والفضل ناسج بُرده
ولد سيرفع عن علاك بولده / ويشدُّ أزرك في بلوغ أشدّه
لو لم يكن فلكُ المجرَّةِ مهدَهُ / لم تطلع الشعرى العبورُ بمهده
قرَّت به عينُ الفخارِ لأنَّها / لم تكتحل أبداً برؤية نِدّه
فليهنين حمى السيادة إنَّه / قد أطلعت شبلاً عرينةُ أسده
وانشقَّ مسك ثرى النبوَّة فيه عن / ريحانة الهادي ووردةِ مجده
فاليوم كفّ لويّ عاد بنانها / فيها وسُلَّ حُسامها من غِمده
وتباشرت طيرُ السما كأنَّما / نُشر ابن هاشم للقِرى من لحده
وكأَنَّ كلّ الناس منطق واحدٍ / يشدو ليُهن الفخر مولدُ فرده
وبديعةٍ في الحسن قد أهديتها / جهد المقلِّ لمكثرٍ من حمده
خطبت له بلسان أشرف من بنى / في الكرخ بيتاً سقفه من مجده
بيت يظلّل بالنعيم إذا أوى / ضيفٌ إليه رآه جنَّة خلده
وإليكما غرَّاء بأرج عطفها / بنسيم غالية الثناء وندّه
نطقت بناديك العليّ وأرَّخت / ولد النهى للفضل أسعد ولده
لا زلتَ يا ربع الشباب حميدا
لا زلتَ يا ربع الشباب حميدا / باقٍ وإن خلقَ الزمانُ جديدا
ما أنتَ للعشاق إلاَّ جنَّةٌ / صحبوا بها العيشَ القديمَ رغيدا
أيام كانَ العيشُ غضاً ناعماً / والدهر مقتبل الشباب وليدا
والدار طيِّبة الثرى مما بها / يسحبنَ ربّات الخدور برودا
يستاف زائرُها ثراها عنبراً / فيكذِّبَن طرفاً يراه صعيدا
يعطو إلى عذبات فرع أراكةٍ / ظبيٌّ تفيأ ظلَّها الممدودا
غنجٌ يسلُّ من اللواحظ مرهفاً / يغدو عليه قتيله محسودا
هو مُنتضىً في الجفن إلاَّ أنه / بين الجوانح يغتدي مغمودا
أضحت ضرائبه القلوب تعدّ أد / ما هابه وهو الشقيُّ سعيدا
وشقيقُ خديه النقيُّ من الحيا / أضحى بعقرب صدغه مرصودا
يمسي سليماً يشتفي بالريق مَن / باللثم بات بقطفه معمودا
كم بتُّ معتنقاً له في ليلةٍ / بات العفاف بها عليَّ شهيدا
وكأنما في الأفق هالةُ بدرها / وبها الكواكب قد طلعنَ سعودا
نادٍ محمدُ حلَّ فيه وولده / بعلاه حفَّت ناشئاً ووليدا
هو دارةُ الشرف التي قد مهَّدتْ / أبد الزمان بعزِّهم تمهيدا
فرشوا بساحة أرضه القمرين وات / كأوا على زهر النجوم قعودا
متعاقدين على المكارم أحرزوا / شرفاً تماثل طارفاً وتليدا
وعليهمُ قطباً فقطباً دائرٌ / فلكُ الفخار أبوَّة وجدودا
كانوا قديماً والعلى صدفٌ لهم / دراً تناسق في الفخار نضيدا
وأبوهم البحرُ المحيط وقد بدوا / منه على جيد الزمان عقودا
هو لجَّة المعروف ما عرفتْ بنو ال / دنيا سواه منهلاً مورودا
وبقيةُ الأمجاد لم يُرَ غيره / خلفاً لهم فوق الثرى موجودا
مستظهراً بعناية من ربه / وقفتْ عليه العزَّ والتأييدا
متمحضٌ لله في أفعاله / بالغيب يخشى الخالق المعبودا
فكأنما الأعضاء منه أعينٌ / تذكي جهنَّمُ نصبهنَّ وقودا
لم تجترحْ ذنباً جوارحُ جسمه / بل كانَ عن خطط الذنوب بعيدا
فتراه مرتعدَ الفرائص رهبةً / لا باحتمال خطيئةٍ مجهودا
يمسي بنفسٍ لا تميلُ مع الهوى / لله يحيي ليله تهجيدا
وإذا تجلّى الليل أصبح باسطاً / للوفد كفاً ما تغبُّ الجودا
نسكٌ كما شاء الإلهُ وأنعمٌ / لم يحصها إلاَّ الإلهُ عديدا
يا من لو اقتسم الأنامُ صلاحه / ما سنَّ فيهم ذو الجلال حدودا
لله منجبةٌ ولدتَ بحجرها / كانَ التقى في حجرها مولودا
لا تغتذي بغذا الجنين نزاهةً / لكن غذيت الشكرَ والتحميدا
وبرزت والدنيا جميعاً مجهلٌ / علماً جلا منها الغواشي السودا
وغدتْ وكانت عاقراً أمُّ الندى / لمَّا تطرَّقها نداك ولودا
تنميك من سلف المعالي أسرةٌ / غلبوا على الشرف الكرام الصيدا
من كل معصوم البصيرة لم يزلْ / منه الرداءُ على التقى معقودا
لم يرتفعْ لك بيتُ مكرمةٍ لهم / إلاَّ وكان له أخوك عمودا
شهدتْ صفات أبي الأمين بأنه / فضُلَ البريَّة سيداً ومسودا
وأحله حيثُ استحقَّ من العلى / حسبٌ على الأحساب نال مزيدا
بذلَ السماحَ بذا الزمان وإنه / لأعزُّ من بيض الأنوق وجودا
وعلى حياض سماحه اختلف الورى / شرقاً وغرباً مصدراً وورودا
يزداد منهلُ عرفه فيضاً إذا / جفَّتْ ضروعُ الغاديات جمودا
ما إن غدا في العرف مبدأ غايةٍ / إلاَّ لها ابنُ أخيه كانَ معيدا
ليس الحيا الوسميُّ من جدوى محم / دٍ الرضا في المحلِ أنضر عودا
قد جاورتْ مغناهُ دجلة فاغتدى / بندى يديه ماؤها ممدودا
والبحر من يُمسي ويصبح جاره / لا بد أنْ يمتاح منه الجودا
جذلان يشرق للسماحة كلما / دفع الظلامُ له الركابَ وفودا
يسترشدون بنور أبلجَ إنْ خبا / ضوءُ النجوم يزد سناه وقودا
بأغرَّ يغلب وجهه شمس الضحى / بضيائه حتَّى تموت خمودا
ما المجد منتحلٌ لديه وإنما / ولدته أمُّ المكرمات مجيدا
قد حلَّقتْ فيه لأرفع رتبةٍ / هممٌ تناهتْ في العلوِّ صعودا
وحوتْ له النفسُ الكريمة سؤدداً / أمسى بناصية السهى معقودا
فإذا عقود المجد فُصِّل نظمُها / كانت مناقبه لهنَّ فريدا
هو شمس أفق المكرمات وبدرها ال / هادي لمن أمسى يجوب البيدا
ورث السماحة من خضمِّ سماحةٍ / فغدا بمجموع الفخار وحيدا
ذا الشبلُ من ذاك الهزبر وإنما / تلد الأسودُ الضاريات أسودا
يا من تعذَّر أن يحيط بوصفهم / نظمٌ ولو ملأ الزمان قصيدا
والجامعين المكرمات بوفرهم / مذ أكثروا في شمله التبديدا
ولهم بأندية العلاء إذا بدوا / تهوى الأعاظم ركَّعاً وسجودا
أهدتْ لجيد علاكم ابنةُ فكرتي / درر الثناء قلائداً وعقودا
جُليتْ محاسنها عليكم فاجتلوا / منها لمجدكم كعاباً رودا
هي نثرةٌ تضفوا على أحسابكم / زُغفٌ خلفتُ بنسجها داوودا
قد خلَّدت لكم الثناء وسؤلها / إنَّ الثناء لكم يدوم خلودا
فبقيتمُ في غبطةٍ من ربِّكم / لكنْ بقاءً لم يكن محدودا
نفسي بحبل ولاء أحمد أمسكتْ
نفسي بحبل ولاء أحمد أمسكتْ / مذ أحكمتْ بنياط قلبي عقدَه
أنّي وفرضُ مودتي هي فيهمُ / أجر الرسالة لستُ أنسى عهده
بل لم تزلْ كبدي تروِّح وجدَها / بنسيم ذكراه فتلقى برده
ماذا أقول على البعاد محرراً / من نعت شوقٍ فيه أشكو بعده
وجميع أقلامي يكلُّ لسانها / عن أنْ يحيط بوصفه فيحدُّه
لكن إذا سال الحبيب فؤاده / علمَ الذي عندي بما هو عنده
هو ذاك غرةُ جبهة الحسب الذي / لفخاره السامي أعدَّ معدَّه
من طينة الشرف التي من محضها / باري الأنام برى أباه وجدَّه
من معدن الكرم الإلهيِّ الذي / لا خلقَ إلاَّ وهو يشكو رفده
من بيت مختلف الملائكة الذي / للحق يهدي من تطلَّب رشده
من منبع الحكم الذي يرد النهى / منه ويصدر وهو يحمدُ ورده
من عترة الوحي الذين سما بهم / حسبٌ له التنزيلُ يرفع مجده
ممن بعطف علاهُم متضوِّعٌ / أرجُ الإمامة مهدياً لك ندَّه
ممن على أولى الزمان نداهم / غمروا به حرَّ الزمان وعبده
في كل عصرٍ منهم ابنُ نبوَّةٍ / جمع الإله به المحاسنَ وحده
فردٌ يسدُّ مسدَّ أرباب النهى / وجميعها ليستْ تسدُّ مسدَّه
واليوم هذا أحمدٌ في فضله / فاضربْ بذهنك أين تلقى ندَّه
جاءت رسالته إليَّ فقلتُ ما / كذب الفؤادُ بما رأى لي ودَّه
ونظرتُ في معراج رحلته التي / قد نال بالإسراء فيها قصده
إذ سار مقتعداً براق عزيمة / قد قرّبت من كل أفقٍ بعده
وأرتْه من آياته ما لا يَرى اب / نُ مفازةٍ لو كانَ أعملَ جهده
فأتى يقصُّ محاسن القصص التي / قد أبطلت هزل الكلام وجدَّه
أنباء فضلٍ هنَّ أوحى آيها / من غيب أسرار البلاغة عنده
أبغي الخطابَ له بوصفٍ جامعٍ / لهباته فيه أخاطب مجده
وأعود عما أبتغي متحيراً / ماذا أقول ولست أملك وجده
إذ عندي القاموس بعض هباته / فمتى سوى القاموس يشملُ رفده
وله لديَّ صنيعةٌ من معدن ال / جود الذي فرض المهيمنُ حمده
بيضاء صافية الحديدة قد حكتْ / بصفاء جوهرها لعيني ودَّه
وكأنَّ رونق ذلك الحسب الذي / ينهى إليه بها أشاع فرنده
مشحوذةً كلسانه فكأنه / فيها مكان الحدّ رُكّب حده
تروي حديث القطع عن ذي رونقٍ / فيه النبيُّ أبوه أتحف جدَّه
ما قطّ رأس يراعةٍ فيها فتىً / إلاَّ تذكَّر ذا الفقار وقدَّه
أظُبى الردى أنصلتي وهاك وريدي
أظُبى الردى أنصلتي وهاك وريدي / ذهب الزمانُ بعدَّتي وعديدي
نشبت سهام النائبات بمقلتي / فلحفظ ماذا أتقي عن جيدي
ماذا الذي يا دهرُ توعدني به / أوبعدُ عندكَ موضعٌ لمزيد
طرقتني الدنيا بأيّ ملَّةٍ / ذهبت عليَّ بطارفي وتليدي
ما خلت رحب الصدر حتَّى فاجأت / عنِّي يضيقُ وفيه رحب البيد
الآن أصبحَ للنوائب جانبي / غرضاً وشملُ قوايَ للتبديد
طلعت عليَّ الحادثات ثنيَّة / لا يُهتدى لرتاجها المسدود
وإليَّ قد طلعت ذرًى من شاهقٍ / لا ترتقى هضباته بصعود
فنزعن من كفَّي قائمَ أبيضٍ / أعددته للقا الخطوب السود
قد ملت نحو الصبر حين فقدته / فإذا المُصاب بصبريَ المفقود
أفهل أذودُ الحادثات بكفّي ال / جذاء أم بحساميَ المغمود
عجباً أمنتُ الدهرَ وهو مخاتلي / ورقدتُ والأيامُ غير رقود
وأنا الفداء لمن نشأتُ بظلِّه / والدهرُ يرمقني بعين حسود
لم أدرِ ما لفحُ الخطوب بحرّها / وهواجرُ الأيام ذات وقود
ما زلتُ وهو أحنى عليَّ من أبي / بألذِّ عيشٍ في حماه رغيد
حتَّى رماني في صبيحة نعيه / أرسى بداهيةٍ عليَّ كؤود
ففقدتُه فقدَ النواظر ضوءها / وعججتُ عجَّة مثقلٍ مجهود
ما لي وللأيام قوّض صرفُها / عنِّي عمادَ رواقي الممدود
عثرتْ فجاوزت الإِقالة عثرةٌ / وطئت بها أنفي وأنفَ الجود
ومضتْ بنخوة هاشمٍ وإبائها / فطوتهما والصبرَ في ملحود
حملت بكاهلها الأجبّ لفقده / ثقلَ المصاب وركنها المهدود
وشككت مذ تحت الضلوع قلوبُها / رجفت صبيحةَ يومها المشهود
أبه نعى الناعي لها عمرو العُلى / أم شيبة الحمد انطوى بصعيد
فكأنَّما أضلاعُ هاشم لم يكن / أبداً لها عهدٌ بقلبِ جليد
ما زال يوعدها الزمان بنكبةٍ / صمَّاءَ تأخذ من قوى الجلمود
حتَّى أطلَّ بوثبةٍ فتبيَّنت / ذاك الوعيدَ بيومها الموعود
لم تقضِ ثكل عميدها بمحرمٍ / إلاَّ وأردفها بثكل عميدِ
يبكي عليه الدينُ بالعين التي / بكت الحسينَ أباه خيرَ شهيد
إن يختلط رزءاهما فكلاهما / قصما قرَا الإِيمان والتوحيد
وأرى القريض وإن ملكتُ زمامه / وجريتُ في أمدٍ إليه بعيدِ
لم ترضَ عنه غيرَ ما قدَّرته / في مدح جدِّك طاهراً في الجيد
أمنت حشاشتُك الروائعُ لا تخف / جورَ الزمان عليَّ بالتنكيد
أعلمتِ طارقة الخطوب السودِ
أعلمتِ طارقة الخطوب السودِ / بحمى الوصيّ صرعتِ أيَّ عميدِ
ونزعتِ يا نزعتْ يداك بنانَها / من قبّة الإسلام أيَّ عمود
ونعم فهبكِ قرعتِه بمرَّنةٍ / صمّاء تأخذ من قوى الجلمود
أفطرتِ إلاَّ قلبَ حامية الهدى / وصدعتِ إلاَّ بيضة التوحيد
وبللتِ إلاَّ في مدامع عينه / ذاك الصعيدَ على أجل فقيد
الآن مات العلمُ واندرس التقى / وعفا السماحُ وطاح كفُّ الجود
فُجعتْ بنو الدنيا بزاد مقلّها / وبريِّ حائمة الرجا المطرود
وسرى فطبَّقها عليه مآتماً / ناعٍ تضيق به رحابُ البيد
صلّى الإلهُ عليك من مفقود / جلَّ المصاب به عن التحديد
شغلت رزيتُك الملائك فاغتدت / لك في هبوطٍ عن جوى وصعود
وكفاك قدراً أنَّ نعيَك في السما / خلطته بالتقديس والتحميد
وبرفعها ذاك السريرَ تقرَّبت / زلفى إلى خلاّقها المعبود
رفعت به الأخوين شخصَك والتقى / وتلته بالتسبيح والتمجيد
وبكاك دينُ الله بالعين التي / قصمت قوى الإيمان والتوحيد
ماذا يواري خطُّ قبركَ من حجىً / يزنُ الجبالَ ومن ندًى مورود
إن تمس مهجورَ الفناء فطالما / وقف الرجاءُ ببابكَ المقصود
أو إن تكن جمدت بنانُك بالردى / فعليك عينُ الجود غير جَمود
أو قلَّ من أيام عمرك عدّها / فكثيرُ بِرِّك ليس بالمعدود
تبكيك عينٌ كم مسحت دموعَها / ببرود فضلٍ لا بفضل برود
لم تبقَ بعدك للمطالب نجعةٌ / طُويَ الرجاءُ على حشا مكمود
هدم الردى بك ركنَ ملة أحمدٍ / ولطالما بك كانَ للتشييد
غسلت سوادَ عيونها بدموعها / فصبغن أردية الكرام الصيد
صبغت بها تلك الثيابَ فسوَّدت / وجهَ الزمان بذلك التسويد
ورأت بقية فخرها قد أدرجت / في برد شخصٍ بالفخار وحيد
كم رَدَّ غربَ الخصم وهو مركَّبٌ / منها بثغرة نحرها والجيد
ووقى بمهجته الكريمة قلبَها / من أسهم الأعداء كلَّ مبيد
فكأنها في صبرها دون الهدى / مع فرط رقَّتها مجنُّ حديد
بأبي الذي عقدوا عليه رداءَه / والخيرُ تحت ردائه المعقود
لبس الحياةَ فصان طاهرَ بردها / بصلاحه وعفافه المشهود
حتَّى استجدَّ سواه ثوباً للبلى / ومضى على كرمٍ نقيَّ العود
يا ثاوياً خلف الصعيد كفى جوىً / أنى دعوتكَ من وراء صعيد
لثراك أستسقي ثلاثَ سحائبٍ / متكافئاتٍ كلّها في الجودِ
فسحابة وطفاء منك تعلّمت / للأرض سقَى تهائم ونجود
وسحابة من جود كفِّكَ أنبتت / شكرَ العفاة بدرِّها المحمود
وسحابة من عبرتي ما أن ونت / إلاَّ وقالَ لها افتقادكَ جودي
هي بالزفير إليك ذاتُ بوارقٍ / ومن الحنين عليك ذاتُ رعود
فاذهب حميداً في الجنان مخلداً / فالعيشُ بعدك ليس لي بحميد
ولقد دعوت الدينَ بعدك دعوةً / يستكُّ منها سمعُ كلِّ حقود
لا تخشَ ضعفاً في الزمان وإن غدا / يرسو بداهيةٍ عليك كؤود
فبه لك المهديُّ أمنعُ قوَّةٍ / تأوي لركنٍ من علاه شديد
نسجت حميتُه عليك صنيعةً / لم تقضِ نثرتها يدا داود
فإذا دجا ليلُ الخطوب فلقته / من ضوء صبح جبينه بعمود
علمَ الهدى السَّامي الذي هو في كلا / حسبيه سادَ على الكرام الصيد
ومفيد فضلٍ لو أتى العصر الذي / فيه المفيدُ لقالَ أنتَ مفيدي
هو آيةُ الله التي قد أبطلت / في العالمين عنادَ كلِّ جحود
وأبو المصابيح التي شهبُ السما / رمقت مطالعَها بطرف حسود
لو فاخرت نهرَ المجرَّة في السما / غلبت بجعفر جودها المورود
ذاك الذي في الجود أرسل صالحاً / لكن لأهل الفضل لا لثمود
ومحمدٌ منه الحسينُ فعاذرٌ / إن قلتُ أرسل خاتماً في الجود
أقمار تمٍّ في بروج سما العُلى / شرفاً يضيءُ على الليالي السود
وأسودُ غيلٍ في المهابة لو حموا / مأوى الظباءِ لكانَ غيل أسود
وترى المكارمَ من مناقب فضلهم / تختالُ بين قلائدٍ وعقود
من كلِّ محتلب البنان رقيقها / في كلِّ جامدة الضروع صلود
ويقولُ للكفِّ الكريمة كلَّما / بدأت بعارفةٍ بدارِ أعيدي
يا عترةَ الوحي الذين توطَّدت / بهم دعائم ملَّة التوحيد
دمتم لنا والعزُّ فوق رواقكم / والفخر تحت رواقه الممدود
وبحسبكم علمُ الشريعة جعفرُ ال / إحسان عن عَلم الهُدى المفقودِ
والغرُّ من آل المكارم من سَموا / شرفاً بفضلِ طارفٍ وتليدِ
قد رُدَّ عقدُ الفخر في جيد العُلى / بأبي محمد وهو عقدُ الجيد
وأعاد يا دار الهُدى لك جدّه / فكأنَّه لم يُطوَ في ملحود
أحيا مآثرَه الحسان وزادها / لو كانَ فيها موضعٌ لمزيد
لو لم تبت أُمُّ السماح طروقة / لندى يديه لم تكن بولود
يا من وجوهُهم مصابحُ للهدى / وأكفُّهم في الجودِ سحبُ الجود
ماذا أقولُ معزِّياً بنشائدي / قطعت مهابتُكم لسان نشيدي
هذا كتابٌ أم حديقة روضةٍ
هذا كتابٌ أم حديقة روضةٍ / تتنزَّه الأحداقُ في أورادها
وتودُّ لو شرتْ العيونُ بياضهُ / وسوادَه ببياضها وسوادها
نظمت بع غرر الكلام مصاقعٌ / روحُ الفصاحة قام في أجسادها
غرراً بدت كالشهب إلاَّ أنَّها / بزغت بليلٍ من سوادِ مدادها
لو شنَّف الشادي الحَمام بها إذن / خلعت له الأطواق من أجيادها
يهوى فؤادُ المرء يغدو مسمعاً / ليحوز حظَّ السمع من إنشادها
لفظٌ أرقُّ من الصبا وفخامة / معناه قُدَّ من أطوادها
دعْ ما يزخرفه الربيعُ وإن زهتْ / أزهاره بين الربى ووهادها
وتصفَّح الروضَ الخميل فرغبةً / لثراه تنسي العينُ طيب رقادها
تحظى بكلِّ طريفةٍ من حسنها / غدت العقولُ العشر من روَّادها
ويعدُّ من آل الجميل مناقباً / تهوى النجومُ تكون من أعدادها