القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : السّيد حَيْدَر الحِلّي الكل
المجموع : 7
أبدينَ تُفَّاح الخدودِ
أبدينَ تُفَّاح الخدودِ / وَسترنَ رمَّانَ النهودِ
ونشرنَ ريحانَ الغدائرِ / فوق أغصانِ القُدودِ
وأتينَ يحملنَ الكؤوسَ / كأَنهنَّ ثغورُ غيدِ
من كلّ ضامية الوشاحِ / رويّة الخلخال رودِ
هيفاء لو طالبتها / بدمي فَوجنتُها شهيدي
لكنَّها عَطَفت عليَّ بصد / غِها سود الجعودِ
فمتى بسفك دمي تقرُّ / وصدغُها لامُ الجحودِ
من مائلاتٍ كالغصونِ / دعت بها النسماتُ ميدي
من مصبياتٍ للحليم / بطرف جازية وجيدِ
من قاسمات الدرّ ما / بين المضاحك والعُقودِ
أنت العميدُ وحبَّذا / بدمي النقا ولعُ العميدِ
فارشف عروساً من طِلًى / جُليت على وَردِ الخدودِ
جاءت إليك تزفُّها / عذراءُ كاعبةُ النهودِ
يا ما أسرَّكِ ليلةً / في الدهر كاملة السعودِ
فلنا صباحُكِ قد تجلَّى / مُسفراً عن يوم عيد
بيض لوتك من العذار / بشقر لاماتٍ وسودِ
بشرى العَلاء فَذي مطالع سعده
بشرى العَلاء فَذي مطالع سعده / ولدت هلالاً زاهراً في مجده
وحديقةُ المعروف هاهي أنبتت / غصناً سيثمر للعفاة برفده
ونشت بأُفق المكرمات سحابةٌ / من ذلك البحر المحيط لوفده
الآن ردَّ على الزمان شبابهُ / غضًّا فأصبح زاهياً في ردّه
وجلت له الدنيا غضارةَ بِشرها / عن مَنظر شغلَ الحسودَ بوجده
وحلا اصطباحُ الراحِ من يد أغيدٍ / في خدِّه تزهو شقائقُ ورده
تُجلى بكفّ رقيق حاشية الصِبا / متمايل الأعطافِ ناعمُ قدّه
يكسو الزجاجةَ خدُّه فيديرها / حمراءَ تحسب أنَّها من خدِّه
رقص الحبابُ على غناء نديمها / طرباً وودَّ يكون موضعَ عِقده
شهد الضميرُ بأنَّها من ريقه / مُزجت بأطيبَ لذَّةٍ من شهده
فاشرب فِدا الساقي عذولك واسقني / كأساً وَفى فيها الزمانُ بوعده
وانهض كما اقترح السرورُ مهنِّياً / بفتى به الوهابُ جاد لعبده
ميلاده الميمون بُورك مولداً / قد أصبح الإِقبال خادمَ سعده
تتوسّم العلياءُ وهو بحجرها / فيه مخائلَ من أبيه وجدِّه
جدٌّ له انتهت العُلى من هاشمٍ / وعلاءُ هاشم لا انتهاءَ لحدِّه
وكساه في عصر الشبيبة والصِّبا / والشهب تهوى أنها من وِلده
نضت الحميَّةُ منه سيفَ حفيظةٍ / ماءُ الحيا الرقراق ماء فرنده
لمَّا رأيت الشام يبعد قصده / عن ركب فيحاء العراق ووخده
أودعتُ تهنئتي إليه رسالةً / تُهدى على شحط المزارِ وبعده
ودعوت حاملها لأشرف منزلٍ / بالشام خذ عنِّي السلام وأدِّه
حيّ السعيدَ محمداً فيه وقُل / بُشرى بأشرف طالع في سعده
بأغرَّ يُنميه إلى عمرو العُلى / حَسَبٌ محمَّده عليُّ معدّه
حملته أُمُّ الفخر سيّدَ قومه / وأتت به والفضل ناسج بُرده
ولد سيرفع عن علاك بولده / ويشدُّ أزرك في بلوغ أشدّه
لو لم يكن فلكُ المجرَّةِ مهدَهُ / لم تطلع الشعرى العبورُ بمهده
قرَّت به عينُ الفخارِ لأنَّها / لم تكتحل أبداً برؤية نِدّه
فليهنين حمى السيادة إنَّه / قد أطلعت شبلاً عرينةُ أسده
وانشقَّ مسك ثرى النبوَّة فيه عن / ريحانة الهادي ووردةِ مجده
فاليوم كفّ لويّ عاد بنانها / فيها وسُلَّ حُسامها من غِمده
وتباشرت طيرُ السما كأنَّما / نُشر ابن هاشم للقِرى من لحده
وكأَنَّ كلّ الناس منطق واحدٍ / يشدو ليُهن الفخر مولدُ فرده
وبديعةٍ في الحسن قد أهديتها / جهد المقلِّ لمكثرٍ من حمده
خطبت له بلسان أشرف من بنى / في الكرخ بيتاً سقفه من مجده
بيت يظلّل بالنعيم إذا أوى / ضيفٌ إليه رآه جنَّة خلده
وإليكما غرَّاء بأرج عطفها / بنسيم غالية الثناء وندّه
نطقت بناديك العليّ وأرَّخت / ولد النهى للفضل أسعد ولده
لا زلتَ يا ربع الشباب حميدا
لا زلتَ يا ربع الشباب حميدا / باقٍ وإن خلقَ الزمانُ جديدا
ما أنتَ للعشاق إلاَّ جنَّةٌ / صحبوا بها العيشَ القديمَ رغيدا
أيام كانَ العيشُ غضاً ناعماً / والدهر مقتبل الشباب وليدا
والدار طيِّبة الثرى مما بها / يسحبنَ ربّات الخدور برودا
يستاف زائرُها ثراها عنبراً / فيكذِّبَن طرفاً يراه صعيدا
يعطو إلى عذبات فرع أراكةٍ / ظبيٌّ تفيأ ظلَّها الممدودا
غنجٌ يسلُّ من اللواحظ مرهفاً / يغدو عليه قتيله محسودا
هو مُنتضىً في الجفن إلاَّ أنه / بين الجوانح يغتدي مغمودا
أضحت ضرائبه القلوب تعدّ أد / ما هابه وهو الشقيُّ سعيدا
وشقيقُ خديه النقيُّ من الحيا / أضحى بعقرب صدغه مرصودا
يمسي سليماً يشتفي بالريق مَن / باللثم بات بقطفه معمودا
كم بتُّ معتنقاً له في ليلةٍ / بات العفاف بها عليَّ شهيدا
وكأنما في الأفق هالةُ بدرها / وبها الكواكب قد طلعنَ سعودا
نادٍ محمدُ حلَّ فيه وولده / بعلاه حفَّت ناشئاً ووليدا
هو دارةُ الشرف التي قد مهَّدتْ / أبد الزمان بعزِّهم تمهيدا
فرشوا بساحة أرضه القمرين وات / كأوا على زهر النجوم قعودا
متعاقدين على المكارم أحرزوا / شرفاً تماثل طارفاً وتليدا
وعليهمُ قطباً فقطباً دائرٌ / فلكُ الفخار أبوَّة وجدودا
كانوا قديماً والعلى صدفٌ لهم / دراً تناسق في الفخار نضيدا
وأبوهم البحرُ المحيط وقد بدوا / منه على جيد الزمان عقودا
هو لجَّة المعروف ما عرفتْ بنو ال / دنيا سواه منهلاً مورودا
وبقيةُ الأمجاد لم يُرَ غيره / خلفاً لهم فوق الثرى موجودا
مستظهراً بعناية من ربه / وقفتْ عليه العزَّ والتأييدا
متمحضٌ لله في أفعاله / بالغيب يخشى الخالق المعبودا
فكأنما الأعضاء منه أعينٌ / تذكي جهنَّمُ نصبهنَّ وقودا
لم تجترحْ ذنباً جوارحُ جسمه / بل كانَ عن خطط الذنوب بعيدا
فتراه مرتعدَ الفرائص رهبةً / لا باحتمال خطيئةٍ مجهودا
يمسي بنفسٍ لا تميلُ مع الهوى / لله يحيي ليله تهجيدا
وإذا تجلّى الليل أصبح باسطاً / للوفد كفاً ما تغبُّ الجودا
نسكٌ كما شاء الإلهُ وأنعمٌ / لم يحصها إلاَّ الإلهُ عديدا
يا من لو اقتسم الأنامُ صلاحه / ما سنَّ فيهم ذو الجلال حدودا
لله منجبةٌ ولدتَ بحجرها / كانَ التقى في حجرها مولودا
لا تغتذي بغذا الجنين نزاهةً / لكن غذيت الشكرَ والتحميدا
وبرزت والدنيا جميعاً مجهلٌ / علماً جلا منها الغواشي السودا
وغدتْ وكانت عاقراً أمُّ الندى / لمَّا تطرَّقها نداك ولودا
تنميك من سلف المعالي أسرةٌ / غلبوا على الشرف الكرام الصيدا
من كل معصوم البصيرة لم يزلْ / منه الرداءُ على التقى معقودا
لم يرتفعْ لك بيتُ مكرمةٍ لهم / إلاَّ وكان له أخوك عمودا
شهدتْ صفات أبي الأمين بأنه / فضُلَ البريَّة سيداً ومسودا
وأحله حيثُ استحقَّ من العلى / حسبٌ على الأحساب نال مزيدا
بذلَ السماحَ بذا الزمان وإنه / لأعزُّ من بيض الأنوق وجودا
وعلى حياض سماحه اختلف الورى / شرقاً وغرباً مصدراً وورودا
يزداد منهلُ عرفه فيضاً إذا / جفَّتْ ضروعُ الغاديات جمودا
ما إن غدا في العرف مبدأ غايةٍ / إلاَّ لها ابنُ أخيه كانَ معيدا
ليس الحيا الوسميُّ من جدوى محم / دٍ الرضا في المحلِ أنضر عودا
قد جاورتْ مغناهُ دجلة فاغتدى / بندى يديه ماؤها ممدودا
والبحر من يُمسي ويصبح جاره / لا بد أنْ يمتاح منه الجودا
جذلان يشرق للسماحة كلما / دفع الظلامُ له الركابَ وفودا
يسترشدون بنور أبلجَ إنْ خبا / ضوءُ النجوم يزد سناه وقودا
بأغرَّ يغلب وجهه شمس الضحى / بضيائه حتَّى تموت خمودا
ما المجد منتحلٌ لديه وإنما / ولدته أمُّ المكرمات مجيدا
قد حلَّقتْ فيه لأرفع رتبةٍ / هممٌ تناهتْ في العلوِّ صعودا
وحوتْ له النفسُ الكريمة سؤدداً / أمسى بناصية السهى معقودا
فإذا عقود المجد فُصِّل نظمُها / كانت مناقبه لهنَّ فريدا
هو شمس أفق المكرمات وبدرها ال / هادي لمن أمسى يجوب البيدا
ورث السماحة من خضمِّ سماحةٍ / فغدا بمجموع الفخار وحيدا
ذا الشبلُ من ذاك الهزبر وإنما / تلد الأسودُ الضاريات أسودا
يا من تعذَّر أن يحيط بوصفهم / نظمٌ ولو ملأ الزمان قصيدا
والجامعين المكرمات بوفرهم / مذ أكثروا في شمله التبديدا
ولهم بأندية العلاء إذا بدوا / تهوى الأعاظم ركَّعاً وسجودا
أهدتْ لجيد علاكم ابنةُ فكرتي / درر الثناء قلائداً وعقودا
جُليتْ محاسنها عليكم فاجتلوا / منها لمجدكم كعاباً رودا
هي نثرةٌ تضفوا على أحسابكم / زُغفٌ خلفتُ بنسجها داوودا
قد خلَّدت لكم الثناء وسؤلها / إنَّ الثناء لكم يدوم خلودا
فبقيتمُ في غبطةٍ من ربِّكم / لكنْ بقاءً لم يكن محدودا
نفسي بحبل ولاء أحمد أمسكتْ
نفسي بحبل ولاء أحمد أمسكتْ / مذ أحكمتْ بنياط قلبي عقدَه
أنّي وفرضُ مودتي هي فيهمُ / أجر الرسالة لستُ أنسى عهده
بل لم تزلْ كبدي تروِّح وجدَها / بنسيم ذكراه فتلقى برده
ماذا أقول على البعاد محرراً / من نعت شوقٍ فيه أشكو بعده
وجميع أقلامي يكلُّ لسانها / عن أنْ يحيط بوصفه فيحدُّه
لكن إذا سال الحبيب فؤاده / علمَ الذي عندي بما هو عنده
هو ذاك غرةُ جبهة الحسب الذي / لفخاره السامي أعدَّ معدَّه
من طينة الشرف التي من محضها / باري الأنام برى أباه وجدَّه
من معدن الكرم الإلهيِّ الذي / لا خلقَ إلاَّ وهو يشكو رفده
من بيت مختلف الملائكة الذي / للحق يهدي من تطلَّب رشده
من منبع الحكم الذي يرد النهى / منه ويصدر وهو يحمدُ ورده
من عترة الوحي الذين سما بهم / حسبٌ له التنزيلُ يرفع مجده
ممن بعطف علاهُم متضوِّعٌ / أرجُ الإمامة مهدياً لك ندَّه
ممن على أولى الزمان نداهم / غمروا به حرَّ الزمان وعبده
في كل عصرٍ منهم ابنُ نبوَّةٍ / جمع الإله به المحاسنَ وحده
فردٌ يسدُّ مسدَّ أرباب النهى / وجميعها ليستْ تسدُّ مسدَّه
واليوم هذا أحمدٌ في فضله / فاضربْ بذهنك أين تلقى ندَّه
جاءت رسالته إليَّ فقلتُ ما / كذب الفؤادُ بما رأى لي ودَّه
ونظرتُ في معراج رحلته التي / قد نال بالإسراء فيها قصده
إذ سار مقتعداً براق عزيمة / قد قرّبت من كل أفقٍ بعده
وأرتْه من آياته ما لا يَرى اب / نُ مفازةٍ لو كانَ أعملَ جهده
فأتى يقصُّ محاسن القصص التي / قد أبطلت هزل الكلام وجدَّه
أنباء فضلٍ هنَّ أوحى آيها / من غيب أسرار البلاغة عنده
أبغي الخطابَ له بوصفٍ جامعٍ / لهباته فيه أخاطب مجده
وأعود عما أبتغي متحيراً / ماذا أقول ولست أملك وجده
إذ عندي القاموس بعض هباته / فمتى سوى القاموس يشملُ رفده
وله لديَّ صنيعةٌ من معدن ال / جود الذي فرض المهيمنُ حمده
بيضاء صافية الحديدة قد حكتْ / بصفاء جوهرها لعيني ودَّه
وكأنَّ رونق ذلك الحسب الذي / ينهى إليه بها أشاع فرنده
مشحوذةً كلسانه فكأنه / فيها مكان الحدّ رُكّب حده
تروي حديث القطع عن ذي رونقٍ / فيه النبيُّ أبوه أتحف جدَّه
ما قطّ رأس يراعةٍ فيها فتىً / إلاَّ تذكَّر ذا الفقار وقدَّه
أظُبى الردى أنصلتي وهاك وريدي
أظُبى الردى أنصلتي وهاك وريدي / ذهب الزمانُ بعدَّتي وعديدي
نشبت سهام النائبات بمقلتي / فلحفظ ماذا أتقي عن جيدي
ماذا الذي يا دهرُ توعدني به / أوبعدُ عندكَ موضعٌ لمزيد
طرقتني الدنيا بأيّ ملَّةٍ / ذهبت عليَّ بطارفي وتليدي
ما خلت رحب الصدر حتَّى فاجأت / عنِّي يضيقُ وفيه رحب البيد
الآن أصبحَ للنوائب جانبي / غرضاً وشملُ قوايَ للتبديد
طلعت عليَّ الحادثات ثنيَّة / لا يُهتدى لرتاجها المسدود
وإليَّ قد طلعت ذرًى من شاهقٍ / لا ترتقى هضباته بصعود
فنزعن من كفَّي قائمَ أبيضٍ / أعددته للقا الخطوب السود
قد ملت نحو الصبر حين فقدته / فإذا المُصاب بصبريَ المفقود
أفهل أذودُ الحادثات بكفّي ال / جذاء أم بحساميَ المغمود
عجباً أمنتُ الدهرَ وهو مخاتلي / ورقدتُ والأيامُ غير رقود
وأنا الفداء لمن نشأتُ بظلِّه / والدهرُ يرمقني بعين حسود
لم أدرِ ما لفحُ الخطوب بحرّها / وهواجرُ الأيام ذات وقود
ما زلتُ وهو أحنى عليَّ من أبي / بألذِّ عيشٍ في حماه رغيد
حتَّى رماني في صبيحة نعيه / أرسى بداهيةٍ عليَّ كؤود
ففقدتُه فقدَ النواظر ضوءها / وعججتُ عجَّة مثقلٍ مجهود
ما لي وللأيام قوّض صرفُها / عنِّي عمادَ رواقي الممدود
عثرتْ فجاوزت الإِقالة عثرةٌ / وطئت بها أنفي وأنفَ الجود
ومضتْ بنخوة هاشمٍ وإبائها / فطوتهما والصبرَ في ملحود
حملت بكاهلها الأجبّ لفقده / ثقلَ المصاب وركنها المهدود
وشككت مذ تحت الضلوع قلوبُها / رجفت صبيحةَ يومها المشهود
أبه نعى الناعي لها عمرو العُلى / أم شيبة الحمد انطوى بصعيد
فكأنَّما أضلاعُ هاشم لم يكن / أبداً لها عهدٌ بقلبِ جليد
ما زال يوعدها الزمان بنكبةٍ / صمَّاءَ تأخذ من قوى الجلمود
حتَّى أطلَّ بوثبةٍ فتبيَّنت / ذاك الوعيدَ بيومها الموعود
لم تقضِ ثكل عميدها بمحرمٍ / إلاَّ وأردفها بثكل عميدِ
يبكي عليه الدينُ بالعين التي / بكت الحسينَ أباه خيرَ شهيد
إن يختلط رزءاهما فكلاهما / قصما قرَا الإِيمان والتوحيد
وأرى القريض وإن ملكتُ زمامه / وجريتُ في أمدٍ إليه بعيدِ
لم ترضَ عنه غيرَ ما قدَّرته / في مدح جدِّك طاهراً في الجيد
أمنت حشاشتُك الروائعُ لا تخف / جورَ الزمان عليَّ بالتنكيد
أعلمتِ طارقة الخطوب السودِ
أعلمتِ طارقة الخطوب السودِ / بحمى الوصيّ صرعتِ أيَّ عميدِ
ونزعتِ يا نزعتْ يداك بنانَها / من قبّة الإسلام أيَّ عمود
ونعم فهبكِ قرعتِه بمرَّنةٍ / صمّاء تأخذ من قوى الجلمود
أفطرتِ إلاَّ قلبَ حامية الهدى / وصدعتِ إلاَّ بيضة التوحيد
وبللتِ إلاَّ في مدامع عينه / ذاك الصعيدَ على أجل فقيد
الآن مات العلمُ واندرس التقى / وعفا السماحُ وطاح كفُّ الجود
فُجعتْ بنو الدنيا بزاد مقلّها / وبريِّ حائمة الرجا المطرود
وسرى فطبَّقها عليه مآتماً / ناعٍ تضيق به رحابُ البيد
صلّى الإلهُ عليك من مفقود / جلَّ المصاب به عن التحديد
شغلت رزيتُك الملائك فاغتدت / لك في هبوطٍ عن جوى وصعود
وكفاك قدراً أنَّ نعيَك في السما / خلطته بالتقديس والتحميد
وبرفعها ذاك السريرَ تقرَّبت / زلفى إلى خلاّقها المعبود
رفعت به الأخوين شخصَك والتقى / وتلته بالتسبيح والتمجيد
وبكاك دينُ الله بالعين التي / قصمت قوى الإيمان والتوحيد
ماذا يواري خطُّ قبركَ من حجىً / يزنُ الجبالَ ومن ندًى مورود
إن تمس مهجورَ الفناء فطالما / وقف الرجاءُ ببابكَ المقصود
أو إن تكن جمدت بنانُك بالردى / فعليك عينُ الجود غير جَمود
أو قلَّ من أيام عمرك عدّها / فكثيرُ بِرِّك ليس بالمعدود
تبكيك عينٌ كم مسحت دموعَها / ببرود فضلٍ لا بفضل برود
لم تبقَ بعدك للمطالب نجعةٌ / طُويَ الرجاءُ على حشا مكمود
هدم الردى بك ركنَ ملة أحمدٍ / ولطالما بك كانَ للتشييد
غسلت سوادَ عيونها بدموعها / فصبغن أردية الكرام الصيد
صبغت بها تلك الثيابَ فسوَّدت / وجهَ الزمان بذلك التسويد
ورأت بقية فخرها قد أدرجت / في برد شخصٍ بالفخار وحيد
كم رَدَّ غربَ الخصم وهو مركَّبٌ / منها بثغرة نحرها والجيد
ووقى بمهجته الكريمة قلبَها / من أسهم الأعداء كلَّ مبيد
فكأنها في صبرها دون الهدى / مع فرط رقَّتها مجنُّ حديد
بأبي الذي عقدوا عليه رداءَه / والخيرُ تحت ردائه المعقود
لبس الحياةَ فصان طاهرَ بردها / بصلاحه وعفافه المشهود
حتَّى استجدَّ سواه ثوباً للبلى / ومضى على كرمٍ نقيَّ العود
يا ثاوياً خلف الصعيد كفى جوىً / أنى دعوتكَ من وراء صعيد
لثراك أستسقي ثلاثَ سحائبٍ / متكافئاتٍ كلّها في الجودِ
فسحابة وطفاء منك تعلّمت / للأرض سقَى تهائم ونجود
وسحابة من جود كفِّكَ أنبتت / شكرَ العفاة بدرِّها المحمود
وسحابة من عبرتي ما أن ونت / إلاَّ وقالَ لها افتقادكَ جودي
هي بالزفير إليك ذاتُ بوارقٍ / ومن الحنين عليك ذاتُ رعود
فاذهب حميداً في الجنان مخلداً / فالعيشُ بعدك ليس لي بحميد
ولقد دعوت الدينَ بعدك دعوةً / يستكُّ منها سمعُ كلِّ حقود
لا تخشَ ضعفاً في الزمان وإن غدا / يرسو بداهيةٍ عليك كؤود
فبه لك المهديُّ أمنعُ قوَّةٍ / تأوي لركنٍ من علاه شديد
نسجت حميتُه عليك صنيعةً / لم تقضِ نثرتها يدا داود
فإذا دجا ليلُ الخطوب فلقته / من ضوء صبح جبينه بعمود
علمَ الهدى السَّامي الذي هو في كلا / حسبيه سادَ على الكرام الصيد
ومفيد فضلٍ لو أتى العصر الذي / فيه المفيدُ لقالَ أنتَ مفيدي
هو آيةُ الله التي قد أبطلت / في العالمين عنادَ كلِّ جحود
وأبو المصابيح التي شهبُ السما / رمقت مطالعَها بطرف حسود
لو فاخرت نهرَ المجرَّة في السما / غلبت بجعفر جودها المورود
ذاك الذي في الجود أرسل صالحاً / لكن لأهل الفضل لا لثمود
ومحمدٌ منه الحسينُ فعاذرٌ / إن قلتُ أرسل خاتماً في الجود
أقمار تمٍّ في بروج سما العُلى / شرفاً يضيءُ على الليالي السود
وأسودُ غيلٍ في المهابة لو حموا / مأوى الظباءِ لكانَ غيل أسود
وترى المكارمَ من مناقب فضلهم / تختالُ بين قلائدٍ وعقود
من كلِّ محتلب البنان رقيقها / في كلِّ جامدة الضروع صلود
ويقولُ للكفِّ الكريمة كلَّما / بدأت بعارفةٍ بدارِ أعيدي
يا عترةَ الوحي الذين توطَّدت / بهم دعائم ملَّة التوحيد
دمتم لنا والعزُّ فوق رواقكم / والفخر تحت رواقه الممدود
وبحسبكم علمُ الشريعة جعفرُ ال / إحسان عن عَلم الهُدى المفقودِ
والغرُّ من آل المكارم من سَموا / شرفاً بفضلِ طارفٍ وتليدِ
قد رُدَّ عقدُ الفخر في جيد العُلى / بأبي محمد وهو عقدُ الجيد
وأعاد يا دار الهُدى لك جدّه / فكأنَّه لم يُطوَ في ملحود
أحيا مآثرَه الحسان وزادها / لو كانَ فيها موضعٌ لمزيد
لو لم تبت أُمُّ السماح طروقة / لندى يديه لم تكن بولود
يا من وجوهُهم مصابحُ للهدى / وأكفُّهم في الجودِ سحبُ الجود
ماذا أقولُ معزِّياً بنشائدي / قطعت مهابتُكم لسان نشيدي
هذا كتابٌ أم حديقة روضةٍ
هذا كتابٌ أم حديقة روضةٍ / تتنزَّه الأحداقُ في أورادها
وتودُّ لو شرتْ العيونُ بياضهُ / وسوادَه ببياضها وسوادها
نظمت بع غرر الكلام مصاقعٌ / روحُ الفصاحة قام في أجسادها
غرراً بدت كالشهب إلاَّ أنَّها / بزغت بليلٍ من سوادِ مدادها
لو شنَّف الشادي الحَمام بها إذن / خلعت له الأطواق من أجيادها
يهوى فؤادُ المرء يغدو مسمعاً / ليحوز حظَّ السمع من إنشادها
لفظٌ أرقُّ من الصبا وفخامة / معناه قُدَّ من أطوادها
دعْ ما يزخرفه الربيعُ وإن زهتْ / أزهاره بين الربى ووهادها
وتصفَّح الروضَ الخميل فرغبةً / لثراه تنسي العينُ طيب رقادها
تحظى بكلِّ طريفةٍ من حسنها / غدت العقولُ العشر من روَّادها
ويعدُّ من آل الجميل مناقباً / تهوى النجومُ تكون من أعدادها

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025