فعدت بقارعة الطريق تنوح
فعدت بقارعة الطريق تنوح / والطفل يجذب ردنها ويصيح
تبكي وقد ضحك الحريق بدارها / كالبرق يضحك في الدجى ويلوح
ضحِيَت وقد قلص الظلال فوجهها / للشمس في وجناته تلويح
جرّ الحريق على الديار ذيوله / فجري لذلك دمعها المسفوح
ولقد وقفت حيالها ومدامعي / تسخو سوى أن العزاء شحيح
فغدا يلقنني الأسى من عينها / لحظٌ برقراق الدموع سيوح
يا أيّما أجرى الغداة دموعها / بيت بجائحة الحريق مجوح
لا تهلكي جزعاً فإن بيوتناً / ما للملمّ بأهلها تسريح
أعليك أنت تضيق كل ديارنا / هذي وأكثرها ديارٌ فيح
فاقني عزاءك فالحياة وإن أرت / بعض السرور فكلّها تتريح
قف بالديار فقد أناخ بها البلى / وانظر فقد قرعت بهنّ السوح
نزل الحريق بها فشتَّت شملها / فغدت عراصاً وهي قبل صروح
بكر الشواظ بها ينضنِض ألسناً / من هول مطلعها تذوب الروح
نشر الهيب على البيوت ملاءة / حمراء تصفق جانبَيها الريح
فتعبّست منه السماء وأمطرت / ناراً وقد أخذ اللهيب يسيح
وعلا الدخان على البيوت سحائباً / برق المهالك بينهن لموح
أما الشرار فكان وبلاً منبتاً / نوباً برائحة الدمار تفوح
والشمس قد كسفت بجون دخانه / وبدت عليها سفعةٌ وكلوح
يا قوم ساء مصيركم فإلى متى / لا تسمعون لما يقول نصيح
هَلا أخذتم للخطوب عتادها / كي لا يكون لها بكم تبريح
هذا الحريق وكل يوم ناره / تغدو عليكم تارةً وتروح
فالنار ما برحت تفوه بألسن / ذرب وأن كلامها لفصيح
لمَ لم تعوا ما قلن قبل مكرّراً / أو ما كفاكم ذلك التصريح
نِمتم إلى نوب الزمان فإن أتت / قمتم كما يتململ المذبوح
وأهمّكم أدنى الأمور وفاتكم / نظر إلى الأمر القصيّ طموح
كم في الحوادث من نذير قد أتى / فيكم بأسرار الزمان يبوح
أما الحريقان اللذان تقدّما / فكلاهما شقّ لكم وسطيح
قد أنراكم بالخارب وأنبًآ / أن التراخي في الأمور قبيح
عجبي إلى تلك المصائب كيف قد / نسيت ولم تبرأ لهنّ جروح
سرعان ما تنسون عظم مصابكم / ولو أن شقّة منتهاه طروح
لا تستنيموا للزمان فأخذه / خلسٌ وقوس الحادثات ضروح