القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد مُحرَّم الكل
المجموع : 3
ما للنفوس إلى العَمايةِ تجنحُ
ما للنفوس إلى العَمايةِ تجنحُ / أتظنُّ أنّ السيفَ عنها يَصفحُ
داويتَ بالحسنَى فلجَّ فسادُها / ولديك إن شِئْتَ الدواءُ الأصلحُ
الإذنُ جاءَ فقل لقومِكَ أقبلوا / بالبيضِ تَبرقُ والصّوافنِ تَضبحُ
أفيطمعُ الكُفّارُ ألا يُؤخذوا / بل غرّهم حِلمٌ يُمَدُّ ويُفسَحُ
أَمِنُوا نَكالكَ فاستبدَّ طُغاتُهم / أفكنتَ إذ تُزجِي الزواجرَ تَمزحُ
لا يستحون ولو تأذن ربهم / عرفوا اليقين وأوشكوا أن يستحوا
أملى لهم حتّى إذا بلغوا المدَى / ألْوَى بهم خَطبٌ يجلُّ ويَفدحُ
مِن ناقضٍ عَهداً ومن مُتمرّدٍ / يُمسِي على دِينِ الغُواةِ ويُصبِحُ
لمّا استقامَ الأمرُ لاحَ بشيرُها / غُرٌّ سوافِرُ من جَبينِكَ تُلمحُ
ظَمِئْتَ سيوفُكَ يا مُحمّدُ فَاسْقِها / من خيرِ ما تُسقَى السُّيوفُ وتُنضَحُ
فَجِّرْ يَنابيعَ الفُتوحِ فَرِيُّها / ما تَستبيحُ من البلادِ وتَفتحُ
الظلمُ أوردَها الغليلَ وإنَّهُ / لأشدُّ ما تَجِدُ السُّيوفُ وأبْرَحُ
اليومَ تُورِدُها الدّماءَ فترتوي / وتردُّها نَشَوى المُتونِ فتفرحُ
المشركونَ عَمُوا وأنتَ مُوكَّلٌ / بالشّركِ يُمحَى والعَمايَةِ تُمسَحُ
خُذهم ببأسِكَ لا تَرُعْكَ جُموعهُم / فَلأنتَ إن وزنوا الكتائِبَ أرجَحُ
ضَلّوا السَّبيلَ وفي يمينِكَ ساطعٌ / يَهدِي النفوسَ إلى التي هي أوضَحُ
هَفتِ العَشيرَةُ إذ نَهَضتَ تُريدها / والعِيرُ دائبةٌ تَشُطُّ وتنزَحُ
تَمشِي مَواقِرَ في غَواربِها العُلى / أموالُ مكّةَ فَهْيَ مِيلٌ جُنَّحُ
عُدْ باللواءِ وَقُلْ لِحمزةَ إنّهم / رَهْنٌ بِمُرْزِمَةٍ تَسُحُّ وتَدْلَحُ
تَهوِي غَداةَ الرَّوعِ في طُوفانِها / مُهجُ الفوارسِ والمنايا تَسبَحُ
هذا الفتى الفِهريُّ أقبلَ جامحاً / يغزو المدينةَ والمضلَّلُ يَجمحُ
ولَّى يَسوقُ السَّرْحَ لو لم تُولِهِ / سَعةً لضَاقَ به الفضاءُ الأفيحُ
دعه فإنّ له بمكةَ مشهداً / يُرضيكَ والشهداءُ حولكَ تُطرَحُ
ذَهَبَ ابنُ حربٍ في تجارةِ قومهِ / ولَسوفَ يَعْلَمُ من يَفوزُ ويَربحُ
نَسرٌ مضى مُتصيِّداً ووراءه / يومٌ تُصادُ به النُّسورُ وتُذبَحُ
بَيْنا يَحِيدُ عن السّهامِ أصابَهُ / نَبأٌ تُصابُ به السّهامُ فَتُجرَحُ
بَعثَ ابن عمروٍ ما لكم من قُوّةٍ / إنْ مالكُم أمسىَ يُلمُّ ويُكسَحُ
تَرِدونَ بَرْدَ الأمنِ والنّارُ التي / أنتم لها حَطبٌ تُشَبُّ وتُقدَحُ
إن كنتُ لم أُفصِحْ لخطبٍ هالَني / فسلوا بَعيري إنّه هو أفصَحُ
وخُذُوا النصيحَةَ عن قَميصِي إنّه / لأَجَلُّ من يَعِظُ النّيامَ ويَنصحُ
إنّي صَدقتكمُ البلاغَ لِتعلموا / وجبالُ مَكّةَ شُهّدٌ والأبطُحُ
جَفلتْ نفوسُ القومِ حتى ما لها / لُجُمٌ تَرُدُّ ولا مقاوِدُ تَكْبَحُ
وأبَى أبو لَهَبٍ مَخافةَ ما رأتْ / في النّومِ عاتكةٌ فما يتزحزحُ
وأرى أُميَّةَ لو تأخَّرَ حَيْنُهُ / لرآه عُقْبَةُ ثاوياً ما يبرَحُ
يَرميهِ بالهّذَرِ القبيحِ يَلومُهُ / وَيَسُومُهُ الخُلُقَ الذي هو أقبَحُ
غَشَّاهُ سَعدٌ رَوعةً ما بعدها / لِذَوي المخافةِ في السّلامةِ مَطمحُ
نَفروا يُريدونَ القِتالَ وغرَّهم / عَبثُ اللواتي في الهوادج تَنبحُ
غّنَّتْ بهجوِ المسلِمينَ وإنّها / لأَضلُّ من يَهجو الرجالَ ويمدحُ
الضّارباتُ على الدُّفوفِ فإن هُمُ / ضَربوا الطُّلى فالنّادباتُ النُّوَّحُ
تلك المآتم ما تزال ثقالها / تمشي الوئيد بها المطايا الطلَّحُ
أخذوا السّلاحَ وقد أغار لأخذهم / جُندٌ بآياتِ الكتابِ مُسلَّحُ
فيهم من الأنصارِ كلُّ مُشيَّعٍ / يَمضي إذا نَكصَ اليرَاعُ الزُّمَّحُ
كانوا على عهدٍ مضى فأتمّهُ / لإلهِهِمْ عهدٌ أبرُّ وأسمحُ
سَعدٌ يُهيبُ بهم وسعدٌ قائمٌ / تحت اللواءِ بسيفهِ يتوشَّحُ
ما أصدقَ المِقدادَ حين يَقولُها / حَرَّى وبعضُ القول نارٌ تَلْفَحُ
إنّا وراءكَ يا مُحَمَّدُ نَبتَغِي / ما اللّهُ يُعطِي المتَّقِينَ وَيَمنَحُ
لسنا بقومِ أخيكَ مُوسى إذ أبَوْا / إلا القُعودَ وسُبَّةً ما تُضرَحُ
هذا عليٌّ في اللّواءِ ومُصعبٌ / والنّصرُ في عِطْفَيْهما يَترنَّحُ
حَمَلا لِوَائَيْهِ فلو صدحَ الهُدى / في مَشهدٍ جَللٍ لأقبلَ يَصدحُ
هذا رسولُ اللّهِ مَن يكُ مُؤمناً / فإليهِ إنّ طريدَه لا يُفلِحُ
الموتُ في يدهِ وعند لوائِه / رِيحُ الجِنانِ لِمَنْ دَنا يَسْتَرْوِحُ
إن يَملكِ الماءَ العدوُّ فقد هَمَى / سَيْلٌ جرى شُؤبوبُهُ يتبطَّحُ
هِيَ دعوةُ الهادِي الأمينِ ونفحةٌ / ممَّن يَسوقُ الغيثَ فيما يَنفحُ
مَكَر الحُبَابُ بهم فغوّرَ ماءَهم / والمكْرُ في بعضِ المواطنِ أنجحُ
نبِّئ عُمَيْرُ سَراةَ قومِكَ إنّهم / زَعموا المزاعمَ والحقائِقُ أرْوَحُ
نبّئهمُ الخبرَ اليقينَ وصِفْ لهم / بَأْسَ الأُلى جَمعوا لهم وتبجَّحوا
وَاذْكُرْ سَمِيِّكَ إذ يقولُ محمَّدٌ / ارجعْ عُمَيْرُ فدمعُه يتسحَّحُ
أذن النبيُّ له فأشرقَ وجههُ / ولقد يُرى وهو الأحمُّ الأكفحُ
بَطلٌ من الفتيانِ يَحمِلُ في الوغى / ما يَحملُ البطلُ الضّليعُ فيرزحُ
قُلْ يا حَكيمُ فما بعُتْبَة رِيبةٌ / مولى العشيرةِ للمُهِمّ يُرشَّحُ
نَصحَ الرجالَ فَردَّهم عن نصحهِ / نَشوانُ يملأهُ الغرورُ فيطفحُ
رَبِّ اسْقهِ بيدِ النّبيِّ مَنِيَّةً / بعذابِكَ الأوفى تُشابُ وتُجدَحُ
إيهٍ أبا جهلٍ نُصِرتَ بفارسٍ / يَلقى المنيَّةَ منه أغلبُ شيَّحُ
أرداهُ حَمزةُ عِندَ حوضِ محمّدٍ / فانظر أتُقْدِمُ أم تَحيِدُ وَتَكفَحُ
رامَ الورود فما انثنى حتّى ارتوت / من حوضِ مُهجته المنايا القُمَّحُ
جدّ البلاءُ وهب إعصارُ الردى / يرمي بأبطال الوغى ويطوّحُ
نظر النبيُّ فضجَّ يدعو ربَّه / لا هُمَّ نصركَ إنّنا لك نكدحُ
تلك العصابةُ ما لدينك غيرها / إن شدّ عادٍ أو أغارَ مُجلِّحُ
لولا تُقيمُ بناءَهُ وتحوطُهُ / لعفا كما تعفو الطُّلُولُ وتَمصَحُ
لا هُمَّ إن تَهلكْ فما لك عابدٌ / يغدو على الغبراء أو يَتروَّحُ
جاشت حَمِيّتُه وقام خليلُهُ / دُونَ العريشِ يَذودُ عنه وَينضَحُ
وتَغولَّتْ صُوَرُ القتالِ فأقبلا / والأرضُ من حَوْلَيْهما تَترجَّحُ
في غَمرةٍ ضَمِنَ الحِفاظُ لِقاحَها / فالحربُ تَسدحُ بالكُماةِ وترْدَحُ
استَبْقِ نفسَك يا أبا بكرٍ وقِفْ / إن ضَجَّ من دمِك الزَّكيِّ مُصيِّحُ
أعرِضْ عن ابنك إنّ موتكَ لِلّذي / حمل الحياةَ إلى الشعوبِ لَمُتْرِحُ
صلّى عليهِ اللّهُ حين يقولُها / والحربُ تَعصِفُ والفوارسُ تَكلَحُ
اللّهُ لا وَلدٌ أحبُّ ولا أبٌ / منه فأين المُنتأَى والمنزحُ
أفما رأيتَ أبا عُبيدةَ ثائراً / وأبوه في يدهِ يُتَلُّ ويُسْطَحُ
بَطلٌ تخطَّر أم تخطّرَ مُصعَبٌ / صُلْبُ القرا ضَخمُ السَّنام مُكبَّحُ
أرأيتَ إذ هزمَ النبيُّ جُموعَهم / فكأنّما هَزمَ البغاثَ المَضْرَحُ
هي حِفنةٌ للمشركينَ من الحَصى / خَفَّ الوقورُ لها وطاشَ المِرْجَحُ
مِثلُ الثَّميلةِ من مُجاجةِ نافثٍ / وكأنّما هي صَيِّبٌ يَتبذَّحُ
اللّهُ أرسلَ في السّحابِ كتيبةً / تهفو كما هَفَتِ البروقُ اللُمَّحُ
تَهوِي مُجلجِلَةً تَلَهَّبُ أعينٌ / منها وتَقذِفُ بالعواصِف أجْنُحُ
للخيلِ حَمحمةٌ تُراعُ لهولها / صِيدُ الفوارسِ والعِتاقُ القُرَّحُ
حَيزومُ أقدِمْ إنّما هي كرّةٌ / عَجْلَى تُجاذبك العِنَانَ فتمرحُ
جِبريلُ يضربُ والملائكُ حوله / صَفٌّ تُرَضُّ به الصّفوفُ وتُرْضَحُ
تَلك الحصونُ المانعاتُ بمثلها / تُذْرَى المعاقلُ والحصونُ وتُذْرَحُ
للقومِ من أعناقِهم وبَنانِهم / نارٌ تُرِيكَ الدّاءَ كيف يُبرَّحُ
جفّتْ جُذورُ الجاهليةِ والتوَى / هذا النباتُ الناضرُ المُسترشِحُ
طفِقَ الثرى من حولها لمّا ارتوى / من ذَوْبِ مهجتها يجفُّ ويَبلحُ
ومن الدمِ المسفوحِ رِجسٌ مُوبِقٌ / ومُطهَّرٌ يَلِدُ الحياةَ وَيَلقَحُ
أودَى بِعتُبَةِ والوليدِ وشَيْبةٍ / وأميّةَ القدَرُ الذي لا يُدْرَح
وهَوى أبو جهلٍ ونَوفَلُ وارْعَوى / بعدَ اللَّجاج الفاحشُ المتوقِّح
لمّا رأى الغازي المُظَّفرُ رأسه / أهوى يُكبِّرُ ساجداً ويسبِّحُ
في جلدهِ من رجزِ ربّكَ آيةٌ / عَجَبٌ تُفسَّرُ للبيبِ وتُشْرَحُ
تلك السّطورُ السُّودُ ضَمَّ كتابُها / أبهى وأجملَ ما يَرى المُتصفِّحُ
إن لم يُغيَّبْ في جهنّمَ بعدها / فَلَمنْ سِواهُ في جهنّمَ يُضْرَحُ
أدركتَ حقَّك يا بِلال فَبُورِكتْ / يَدُكَ التي تركتْ أُميّةَ يُشبَحُ
وَافِ المطارَ ووالِ يا ابنَ رُواحةٍ / زَجَل الحمامِ إذا يطيرُ ويسجَحُ
هذا ابنُ حارثةٍ يَطوفُ مُبشّراً / بالنّصر يُخزِي الكافِرينَ ويفضَحُ
لمّا تردّدَ في البلادِ صَداكما / أمستْ قُلوبُ المسلِمينَ تُروَّحُ
فكأنَّ كُلّاً مُعرِسٌ وكأنَّما / منه ومِنك مُهنِّئٌ ومُرفِّحُ
قُلْ يا أبا سُفيانَ غيرَ مُلَوِّحٍ / فالنصرُ يَخطبُ والسّيوفُ تُصرِّحُ
بِيضٌ على بُلْقٍ تَساقَطُ حولها / سُودٌ مُذمَّمةٌ تُسافُ وتُرمَحُ
ذَهبوا وأخلَفَهُمْ رَجاءٌ زُلزِلُوا / فيهِ فزالَ كما يَزولُ الضَّحْضَحُ
أكذاكَ تَختلفُ الزُّروعُ فناضرٌ / ضَافِي الظّلالِ وذابلٌ يَتصوَّحُ
القومُ غَاظهم الصَّحيحُ فَزَيَّفُوا / ومن الأمورِ مُزَيَّفٌ ومُصحَّحُ
خَطأُ الزمانِ فَشا فَلُذْ بصوابِه / وَانْظُرْ كِتابَ الخلقِ كيف يُنقَّحُ
جاءَ الإمامُ العبقريُّ يُقيمُها / سُنَناً مُبيَّنةً لِمن يَستوضِحُ
طَغَتِ الدِماءُ وَفاضَتِ الأَرواحُ
طَغَتِ الدِماءُ وَفاضَتِ الأَرواحُ / وَطَمَت سُهولٌ بِالرَدى وَبِطاحُ
أَينَ الشَرائِعُ مِن شَريعَةِ ظالِمٍ / يُفني النُفوسَ وَما عَلَيهِ جُناحُ
مَشَتِ الجُنودُ إِلى الجُنودِ وَإِنَّما / مَشَتِ المَنونُ حَواصِداً تَجتاحُ
مُهَجٌ تَطيرُ بِها الحُتوفُ فَتَرتَمي / عَن أَنفُسٍ يودى بِها وَيُطاحُ
رَثَتِ المَذابِحُ لِلدِماءَ مُراقَةً / مِلءَ البِطاحِ وَما رَثى الذَبّاحُ
يَنهَلُّ صَيِّبُها فَيثني عَطفَهُ / مَرَحاً وَيَزخرُ سَيلُها فَيُراحُ
فاضَت حَوالَيهِ فَضُرِّجَ عَرشُهُ / مِنها وَخُضِّبَ تاجُهُ الوَضّاحُ
مَلِكٌ وَلا غَيرَ الجَماجِمِ حَولَهُ / سُورٌ وَلا غَيرَ الرِقابِ سِلاحُ
عَصفَ الجِلادُ بِها فَظَلَّ يُطيرُها / بيدٍ تَطيرُ بِها ظُبىً وَرِماحُ
بَغَتِ المُلوكُ عَلى الشُعوبِ وَغَرَّها / مِمَّن تَسوسُ تَجاوُزٌ وَسَماحُ
جَنَبوا الخَلائِقَ طَيِّعينَ وَرُبَّما / جَمَحَ الجَنيبُ فَطالَ مِنهُ جِماحُ
الظُلمُ مَفسَدَةُ النُفوسِ وَما لَها / غَيرُ التَرَفُّقِ في الأُمورِ صَلاحُ
تَشتَدُّ ما اِشتَدَّ العِصابُ فَإِن يَلِن / لانَ الأَبِيُّ وَأَقصَرُ الطَمّاحُ
إِن يسجنِ الظُلمُ النُفوسَ فَعِندَهُ / بابُ الفِكاكِ وَعِندَها المِفتاحُ
فيمَ التَناحُرُ وَالخَلائِقُ أُخوَةٌ / وَالعَيشُ حَقٌّ لِلجَميعِ مُباحُ
وَالدَهرُ سَمحٌ وَالحَياةُ خَصيبَةٌ / وَالرِزقُ جَمٌّ وَالبِلادُ فِساحُ
إِنّا وَإِن قَدُمَ المَدى لَبَنو أَبٍ / يُغدى بنا في شَأنِهِ وَيُراحُ
أَنَظَلُّ في الدُنيا يُفَرِّقُ بَينَنا / بغضٌ وَيَجمَعُنا وَغىً وَكِفاحُ
ما بالُنا نَشقى لِتَنعَمَ عُصبَةً / مَلَكتَ فَلا رِفقٌ وَلا إِسجاحُ
تَقسو وَتَزعُمُ أَنَّما هِيَ رَحمَةٌ / تُحيي النُفوسَ وَنِعمَةٌ تُمتاحُ
طَلَبَت مَوَدّاتِ القُلوبِ وَمِلؤُها / حُرَقٌ تَهيجُ حُقودُها وَجِراحُ
عِندَ الشُعوبِ مَآتِمٌ ما تَنقَضي / طولَ الحَياةِ وَعِندَها أَفراحُ
أَينَ المُلوكُ المَرتَجونَ لِغَمرَةٍ / تُجلى وَخَطبٍ يُعتَلى فَيُزاحُ
ذَهَبَ الرُعاةُ الصالِحونَ وَغالَهُم / قَدَرٌ لِإِفناءِ الشُعوبِ مُتاحُ
كانوا مَصابيحَ الرَشادِ إِذا دَجَت / ظُلَمُ الحَياةِ وَأَعوَزَ المِصباحُ
كانوا الغِياثَ إِذا تَنوبُ عَظيمَةٌ / وَتَهولُ بارِزَةُ النُيوبِ وَقاحُ
كانوا الأُساةَ إِذا تَحَطَّمَ مَنكِبٌ / وَاِنهاضَ مِن وَقعِ الخُطوبِ جَناحُ
يَجِدونَ ما يَجِدُ اللَهيفُ مِنَ الأَسى / وَلِرَبِّنا ناحَ الحَزينُ فَناحوا
ذهَبَوا فَما حَيّا المَمالِكَ بَعدَهُم / عَدلٌ وَلا أَحيا الشُعوبَ فَلاحُ
خَلَتِ القُرونُ وَنورُهُم مُتَبَلِّجٌ / وَمَضى الزَمانُ وَفِكرُهُم فَيّاحُ
الحَربُ هادِمَةُ الشُعوبِ وَإِنَّها / لِلشَرِّ بَينَ العالَمينَ لِقاحُ
تَخبو وَتَقتَدحُ الحُقودُ رَمادَها / كَالنارِ هاجَ كَمينَها المِقداحُ
صَدعٌ وَإِن طالَ المَدى مُتَفاقِمٌ / وَدَمٌ وَإن جَفَّ الثَرى نَضّاحُ
أَرَأَيتَ مَن ذَهَبَ الرَدى بِعَتادِها / فَإِذا العَتادُ تَفَجُّعٌ وَنُواحُ
وَإِذا الحَياةُ سَفينَةٌ لَعِبَت بِها / هوجُ الرِياحِ وَخانَها المَلّاحُ
في جَوفِ مُصطَخِبٍ كَأَنَّ عُبابَهُ / صُوَرٌ لِعادي المَوتِ أَو أَشباحُ
وَكَأَنَّما دُعِيَت نَزالِ فَأَجفَلَت / لِلحَربِ رابِيَةُ العَديدِ رِداحُ
أَشقى النَعيمُ حَياتها وَأَباحَها / خِدرٌ أَعَزُّ وَذائِدٌ جَحجاحُ
عَرَبِيَّةٌ أَوفى بِعِزَّةِ قَومِها / نَسَبٌ لَهُم في الكابِرينَ صُراحُ
البَأسُ مُلتَهِبٌ إِذا ما حورِبوا / وَإِذا اِستُنيلوا فَالنَدى دَلّاحُ
وَإِذا يُهابُ بِهِم إِلى أُكرومَةٍ / نَفَروا وَإِن سيموا الهَوانَ أَشاحوا
مَفجوعَةٌ وَلِعَت بِها أَحزانُها / وَمَحَت غَضارَةَ عَيشِها الأَتراحُ
كانَت إِذا دَرَجَ النَسيمُ بِسوحِها / دَرَجَت إِلَيه أَسِنَّةٌ وَصِفاحُ
وَتَصاهَلَت جُردٌ تَطيرُ إِلى الوَغى / وَكَأَنَّما طارَت بِهِنَّ رِياحُ
باتَت يُؤَرِّقُها تَضَوُّرُ صِبيَةٍ / أَخَذ الطَوى مِنهُم فَهُم أَطلاحُ
وَلَهَت أَتَطلُبُ أَم تَموتُ كَريمَةً / ما عابَها طَلَبٌ وَلا اِستِمناحُ
ضَنّت بِصِبيَتِها وَرَونَقِ وَجهِها / فَتَحَدَّرَت عَبَراتُها تَنساحُ
حَتّى إِذا أَخفى النُجومَ مَغارُها / وَمَحا الظَلامَ صَديعُهُ المُنصاحُ
بَكَرَت تَمُرُّ عَلى الخِيامِ حَيّيةً / عَجلى فَلا رَيثٌ وَلا إِلحاحُ
زالَ النَهارُ وَلَم تَنَل يَدَها يَدٌ / فَأَمَضَّ مُنقَلَبٌ وَساءَ رَواحُ
عادَت إِلى أَفراخِها فَإِذا بِهِم / صَرعى فَصاحَت تَستَجيرُ وَصاحوا
وَإِذا فَتاةٌ كَالرَبيعِ خَصيبَةٌ / وَفَتىً كَرَيعانِ الصِبى مِسماحُ
رَأياً هَموداً ما يُحِيرُ جَوابَها / إِلّا العُيونُ مُشيرَةً وَالراحُ
بَصَرا بِأَربَعَةٍ وَلَوَّحَ خامِسٌ / فَتَأَمَّلا فَبَدا الجَميعُ وَلاحوا
فَزِعا إِلى الحَيَّينِ ثَمَّتَ أَقبَلا / فَإِذا جُزورٌ جَمَّةٌ وَلِقاحُ
وَإذا إِماءٌ جِئنَ بَعدَ هُنَيهَةٍ / فَإِذا العِلابُ تَفيضُ وَالأَقداحُ
شَرِبوا الحَياةَ تَدُبُّ في أَجسامِهِم / فَمَشى دَمٌ فيها وَدَبّ مِراحُ
لَو ذاقَ أَهوالَ الحُروبِ جُناتُها / كَفَّ العَسوفُ وَأَمسَكَ السَفّاحُ
عالَجتُ أَدواءَ الشُعوبِ وَسُستُها / فإذا الدواء تودُّدٌ وصَفاحُ
وبلوتُ أسباب الحياة وقستُها / فَإِذا التَعاوُنُ قُوَّةٌ وَنَجاحُ
مَن لِلممالِكِ وَالشُعوبِ بِمَوئِلٍ / تَأوي النُفوسُ إِلَيهِ وَالأَرواحُ
وَمَتى يَرُدُّ الحائِرينَ إِلى الهُدى / نَهجٌ أَسَدُّ وَكَوكَبٌ لَمّاحُ
دَجَتِ العُصورُ فَما يَبينُ لِأَهلِها / نورُ الحَياةِ وَما يَحينُ صَباحُ
نَستَفدِحُ الأَنفاسَ تَحمِلُنا وَما / مِنّا لِعِبءِ شُرورِنا اِستِفداحُ
أَخلاقُنا جَرَبٌ وَنَحنُ صِحاحُ / وَقُلوبُنا خُرسٌ وَنَحنُ فِصاحُ
لَو عايَنَت صُوَرَ النُفوسِ عُيونُنا / لَم يَعدُها أَنَفٌ وَلا اِستِقباحُ
سَنَّ المُلوكُ لَنا طَرائِقَ ما بِها / لِلخَيرِ مُضطَرَبٌ وَلا مُنداحُ
وَإِذا المُلوكُ تَنَكَّبَت سُبُلَ الهُدى / غَوَتِ الهُداةُ وَضَلَّتِ النُصّاحُ
وَلَقَد تَبَيَّنتُ الأُمورَ مُجَرِّباً / فَإِذا الحَياةُ دُعابَةٌ وَمِزاحُ
قُلْ ما أردتَ فما عليك جُناحُ
قُلْ ما أردتَ فما عليك جُناحُ / أَسُدىً كذلك تذهبُ الأرواحُ
يا للضحايا الحاملاتِ جِراحَها / يُغدَى بها مَحمولةً ويُراحُ
فَتَك السّلاحُ بها حَوَاسِرَ ما لها / غيرُ النُّفوس الوالهاتِ سلاحُ
هتفتْ تُحيِّي مِصرَ في أتراحها / فَتُخرِّمَتْ وتوالت الأتراحُ
أودى رَصاصُ القاذفين بفتيةٍ / هُمْ بالنُّفوسِ لَدَى الفداءِ سماحُ
غَضِبوا لمِصرَ تُصابُ في آمالها / ولِحقِّها الغالي المَصُونِ يُباحُ
عَصفتْ بهم أيدي الرَّدى فكأنّما / عصفتْ بريحانِ الرّياضِ رِياحُ
يتساقطون مُهذَّبا فُمهذَّباً / غضَّ الشّبابِ جَبينُهُ وَضّاحُ
النُّور في دَمِه المُطهَّرِ مُشرِقٌ / والطِّيبُ مُنتشرُ الشَّذَى فوَّاحُ
يا للشبابِ جرَى على آمالهِ / قَدَرٌ من الموتِ الزُّؤام مُتاحُ
ذُخْرُ البلادِ أضاعه أبناؤُها / فمضى يُشِّيعهُ أسىً ونُواحُ
خطبٌ تَبيتُ له المدائنُ والقُرى / شتّى الجراحِ وما درَى الجرّاحُ
لا الليلُ ليلٌ مِن تَطَاوُلِ همِّها / للغائبين ولا الصَّباحُ صباحُ
تبكي على الفتيانِ في آنافِهم / شَمَمٌ وفيهم نَخوةٌ وطِماحُ
بِيضُ الصّحائفِ والمواقفِ ما بهم / خَوَرٌ ولاَ هُمْ بالنّفوسِ شِحاحُ
شهداءُ حربٍ ليس من أبطالها / مَنْ سِلْمُه حَربٌ لنا وكِفاحُ
يُوحي فتنطلق السِّهامُ وما رمى / أيدي الرُّماةِ سِهامُه والرّاحُ
مَلَكَ السّواعدَ والمناكبَ فهي في / يدِه سُيوفٌ للأذَى ورِماحُ
تلك الحلومُ النّازعاتُ إلى الهوى / ما للقضيَّةِ أو تثوبَ نجاحُ
يا قومُ جِدُّوا لا حياةَ لمن يرى / أنَّ الحياةَ مَجانةٌ ومِزاحُ
أنظلّ شتَّى والبلادُ أخيذةٌ / يُودَى بها من حولنا ويُطاحُ
أفما لكم إن قام شعبٌ ناهضٌ / إلا خلافٌ قائمٌ وصياحُ
فيم الخلافُ وقد تبيَّن أمرُكم / أَفتُنكرون الحقَّ وهو صُراحُ
مصرُ الحياةُ فما لمن لا يتّقي / فيها الأُبوَّةَ والبنينَ فلاحُ
داءُ الشعوب الفردُ ليس يُضيرُه / شعبٌ يُضامُ وأُمةٌ تُجتاحُ
ما عذرُ من يأبى الحياةَ لقومه / ويقول مُوتوا والنفوسُ صِحاحُ
الموتُ للمرضى الضّعافِ وهذه / مِصرُ الأبيّةُ قوّةٌ ومِراحُ
نهضت تَسُدُّ على المُغيرِ مجالَه / وتُريه سَدَّ الموتِ كيف يُزاحُ
لم يَثْنِها والظلمُ يَهدِرُ حولها / كالرّعدِ صَوْبٌ للردى سَحّاحُ
تمشي كما مَشَتِ العروسُ يَزينها / مِن ساطعِ الدَّم مِطرَفٌ ووشاحُ
أغلى اللآلئِ قيمةً ما ضمَّ من / تلك القذائفِ تاجُها اللمَّاحُ
نَشْوى ولا غيرَ النُّفوسِ مُراقةً / من حولها خمرٌ ولا أقداحُ
أَهِيَ المآتمُ في البلادِ مُقامةٌ / لِشبابِ مصرٍ أم هي الأفراحُ
ضَرَمُ الحميّةِ يُطفئ الضَرَمَ الذي / يَجدُ الحزينُ ويشتكي المُلتاحُ
أَتُهانُ مصرُ ونحن حول لوائها / الموتُ أكرمُ والقبورُ فِساحُ
مهلاً فلا الحجّاجُ في جَبَروته / يَهوِي بنا صبباً ولا السّفاحُ
إنّا انطلقنا صاعِدينَ لغايةٍ / للمجد مُنطلَقٌ بها وسَراحُ
ماذا يُرادُ بنا وأين حُلومُنا / فَسَدَ الزمانُ فما يُرام صلاحُ
أَيَظلُّ هُورُ على الكِنانةِ نَاعياً / فَيُقالُ غَنَّى البُلبلُ الصَّدّاحُ
أَنَروحُ صُمّاً والحوادثُ رُجَّفٌ / أَنظلُّ بُكماً والخُطوبُ فِصَاحُ
لَسْنَا مِن الضّأنِ الذّليلِ فَترتوي / مِنّا المُدَى ويُبِيدُنا الذّبَّاحُ
لا تَنعمُ الأَرواحُ في عَليائِها / إلا إذا شَقِيَتْ بها الأشباحُ
ما لِلسياسةِ لا المثالبُ عِندَها / سُودُ الوُجوهِ ولا الذُّنوبُ قِباحُ
عِرْضٌ يَشقُّ على الرُّماةِ وَراءَهُ / وَجهٌ يُبرِّحُ بالهُداةِ وَقاحُ
تَلِدُ المظالمَ ثُمَّ تَزعُمُ أنّها / لِلعدلِ بينَ العالَمينَ لَقاحُ
حُكمُ الشرّيعةِ من حَبائلِ مكرِها / والسُّورةُ الغَرّاءُ والإِصحاحُ
خَجلتْ مَسابِحُها وَتِلكَ مُسوحُها / كادت لِطولِ عَذابها تَنْصاحُ
زيدوا مَلائكةَ الحضارةِ إنّه / عَملٌ لَكم وَلِعصرِكم فَضّاحُ
أنتم مَصابيحُ الشُّعوبِ وهذه / دُنيا الظّلامِ أَنارها المِصباحُ
الشرّقُ أَبصرَ في الحياةِ سَبيلَهُ / ومَضَى فَنِعمَ العاملُ الكدَّاحُ
اللهُ أكبرُ من يُكذّبُ وعده / ويظنُّ أن الضيّقَِ لا ينداحُ
بابُ الحياةِ هدايةٌ من نُورهِ / وَلمَنْ يلوذُ بِبابهِ المِفتاحُ
ربِّ أهدنا واجمع قُوى زُعمائِنا / فلعلَّنا نُكفَى الأذى ونُراحُ
أَنظلُّ صرعَى والمصائبُ حولنا / سُودٌ رواكدُ ما لهنّ بَراحُ
حَسْبُ البلادِ سكوتُك المُتمادِي / أترى حراماً أن تقولَ بلادي
قُلْها مُحَبَّبَةَ الرَّنينِ شهيّةً / تمضِي فتبعث من رجاء الوادي
رقد الرّجاءُ كما رقدتَ وكنتما / إلفين ما خُلِقَا لغيرِ سُهادِ
مِصرُ التي كنتَ الحياةَ لشعبها / مَرْضَى الحياةِ قَليلةُ العُوّادِ
تدعوكَ والهةً وتنظرُ هل لها / من راحمٍ أو مُنقذٍ أو فادِ
أمست تَبوءُ بكلِّ خطبٍ مُنكَرٍ / وتنوءُ بالأغلالِ والأصفادِ
ما زالتِ الأهواءُ باستقلالها / حتّى استقلَّ بها المُغيرُ العادي
ويح الأُلى ضلّوا السبيل أمالهم / من ناصحٍ أو مُرشدٍ أو هادِ
هم خيّبوا أملَ البلادِ وعطّلوا / دينَ الجهادِ ولاتَ حينَ جهادِ
خدعوا السَّوادَ فراح يَنعقُ حولهم / فَرِحاً ويُمعِنُ في أذىً وفسادِ
عكفوا على أعراسهم وبلادُهم / في مأتمٍ من همّها وحِدادِ
تلك المعاهدةُ التي هتفوا بها / من ساجعٍ طَرِبِ الفُؤادِ وشادِ
أَوَ لم تكن للقومِ فتحاً آمنت / فيه السّيوفُ بقوّةِ الأَغمادِ
وطنٌ يُطيحُ به الكلامُ وأُمّةٌ / تهوِي مُمزَّقةً بغير جلادِ
كانوا العدوَّ فأصبحوا في ظلِّها / أَوْلىَ الشُّعوبِ بأُلفةٍ ووِدادِ
يحمون ما نحمِي ويرمون الأُلى / نرمِي من الأعداءِ والأضدادِ
لولا بَسالَتُهم وشِدَّةُ بأسِهِم / لم يبقَ منّا رائحٌ أو غادِ
زُورٌ يُردِّدُهُ الغَويُّ وباطلٌ / يشدو به من لا يعي ويُنادي
أرأيتَ أخسرَ صفقةً من جاهلٍ / يرجو الحياةَ على يد الجلّادِ
يا مَن وصفتَ لنا الحياةَ رشيدةً / ماذا ترى من حكمةٍ ورشادِ
الشّعبُ بعدكَ في يَبابٍ مُوحَشٍ / حَارَ الدليلُ به وضلَّ الحادي
سلكَ المحجّةَ حين كُنتَ دليلَهُ / ومضى لحاجتهِ بأطيبِ زادِ
الحقُّ معروفُ المعالم ساطعٌ / والنُّجْحُ وضّاحُ البشائرِ بادِ
نَسيَ الجلاءَ فما يمرُّ بخاطرٍ / منه ولا يهفو له بفؤادِ
ولقد يكون وفيه ساعةُ ذِكرهِ / روحُ الحزينِ ورِيُّ قلبِ الصّادي
وارحمتا لكَ ذُبْتَ من حَرِّ الجَوى / في حُبِّ مِصرَ ولم نَفُزْ بِمُرادِ
إنّا جُنودُك نبتِني لبلادِنا / مجداً من الأرواحِ والأجسادِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025