المجموع : 3
ما للنفوس إلى العَمايةِ تجنحُ
ما للنفوس إلى العَمايةِ تجنحُ / أتظنُّ أنّ السيفَ عنها يَصفحُ
داويتَ بالحسنَى فلجَّ فسادُها / ولديك إن شِئْتَ الدواءُ الأصلحُ
الإذنُ جاءَ فقل لقومِكَ أقبلوا / بالبيضِ تَبرقُ والصّوافنِ تَضبحُ
أفيطمعُ الكُفّارُ ألا يُؤخذوا / بل غرّهم حِلمٌ يُمَدُّ ويُفسَحُ
أَمِنُوا نَكالكَ فاستبدَّ طُغاتُهم / أفكنتَ إذ تُزجِي الزواجرَ تَمزحُ
لا يستحون ولو تأذن ربهم / عرفوا اليقين وأوشكوا أن يستحوا
أملى لهم حتّى إذا بلغوا المدَى / ألْوَى بهم خَطبٌ يجلُّ ويَفدحُ
مِن ناقضٍ عَهداً ومن مُتمرّدٍ / يُمسِي على دِينِ الغُواةِ ويُصبِحُ
لمّا استقامَ الأمرُ لاحَ بشيرُها / غُرٌّ سوافِرُ من جَبينِكَ تُلمحُ
ظَمِئْتَ سيوفُكَ يا مُحمّدُ فَاسْقِها / من خيرِ ما تُسقَى السُّيوفُ وتُنضَحُ
فَجِّرْ يَنابيعَ الفُتوحِ فَرِيُّها / ما تَستبيحُ من البلادِ وتَفتحُ
الظلمُ أوردَها الغليلَ وإنَّهُ / لأشدُّ ما تَجِدُ السُّيوفُ وأبْرَحُ
اليومَ تُورِدُها الدّماءَ فترتوي / وتردُّها نَشَوى المُتونِ فتفرحُ
المشركونَ عَمُوا وأنتَ مُوكَّلٌ / بالشّركِ يُمحَى والعَمايَةِ تُمسَحُ
خُذهم ببأسِكَ لا تَرُعْكَ جُموعهُم / فَلأنتَ إن وزنوا الكتائِبَ أرجَحُ
ضَلّوا السَّبيلَ وفي يمينِكَ ساطعٌ / يَهدِي النفوسَ إلى التي هي أوضَحُ
هَفتِ العَشيرَةُ إذ نَهَضتَ تُريدها / والعِيرُ دائبةٌ تَشُطُّ وتنزَحُ
تَمشِي مَواقِرَ في غَواربِها العُلى / أموالُ مكّةَ فَهْيَ مِيلٌ جُنَّحُ
عُدْ باللواءِ وَقُلْ لِحمزةَ إنّهم / رَهْنٌ بِمُرْزِمَةٍ تَسُحُّ وتَدْلَحُ
تَهوِي غَداةَ الرَّوعِ في طُوفانِها / مُهجُ الفوارسِ والمنايا تَسبَحُ
هذا الفتى الفِهريُّ أقبلَ جامحاً / يغزو المدينةَ والمضلَّلُ يَجمحُ
ولَّى يَسوقُ السَّرْحَ لو لم تُولِهِ / سَعةً لضَاقَ به الفضاءُ الأفيحُ
دعه فإنّ له بمكةَ مشهداً / يُرضيكَ والشهداءُ حولكَ تُطرَحُ
ذَهَبَ ابنُ حربٍ في تجارةِ قومهِ / ولَسوفَ يَعْلَمُ من يَفوزُ ويَربحُ
نَسرٌ مضى مُتصيِّداً ووراءه / يومٌ تُصادُ به النُّسورُ وتُذبَحُ
بَيْنا يَحِيدُ عن السّهامِ أصابَهُ / نَبأٌ تُصابُ به السّهامُ فَتُجرَحُ
بَعثَ ابن عمروٍ ما لكم من قُوّةٍ / إنْ مالكُم أمسىَ يُلمُّ ويُكسَحُ
تَرِدونَ بَرْدَ الأمنِ والنّارُ التي / أنتم لها حَطبٌ تُشَبُّ وتُقدَحُ
إن كنتُ لم أُفصِحْ لخطبٍ هالَني / فسلوا بَعيري إنّه هو أفصَحُ
وخُذُوا النصيحَةَ عن قَميصِي إنّه / لأَجَلُّ من يَعِظُ النّيامَ ويَنصحُ
إنّي صَدقتكمُ البلاغَ لِتعلموا / وجبالُ مَكّةَ شُهّدٌ والأبطُحُ
جَفلتْ نفوسُ القومِ حتى ما لها / لُجُمٌ تَرُدُّ ولا مقاوِدُ تَكْبَحُ
وأبَى أبو لَهَبٍ مَخافةَ ما رأتْ / في النّومِ عاتكةٌ فما يتزحزحُ
وأرى أُميَّةَ لو تأخَّرَ حَيْنُهُ / لرآه عُقْبَةُ ثاوياً ما يبرَحُ
يَرميهِ بالهّذَرِ القبيحِ يَلومُهُ / وَيَسُومُهُ الخُلُقَ الذي هو أقبَحُ
غَشَّاهُ سَعدٌ رَوعةً ما بعدها / لِذَوي المخافةِ في السّلامةِ مَطمحُ
نَفروا يُريدونَ القِتالَ وغرَّهم / عَبثُ اللواتي في الهوادج تَنبحُ
غّنَّتْ بهجوِ المسلِمينَ وإنّها / لأَضلُّ من يَهجو الرجالَ ويمدحُ
الضّارباتُ على الدُّفوفِ فإن هُمُ / ضَربوا الطُّلى فالنّادباتُ النُّوَّحُ
تلك المآتم ما تزال ثقالها / تمشي الوئيد بها المطايا الطلَّحُ
أخذوا السّلاحَ وقد أغار لأخذهم / جُندٌ بآياتِ الكتابِ مُسلَّحُ
فيهم من الأنصارِ كلُّ مُشيَّعٍ / يَمضي إذا نَكصَ اليرَاعُ الزُّمَّحُ
كانوا على عهدٍ مضى فأتمّهُ / لإلهِهِمْ عهدٌ أبرُّ وأسمحُ
سَعدٌ يُهيبُ بهم وسعدٌ قائمٌ / تحت اللواءِ بسيفهِ يتوشَّحُ
ما أصدقَ المِقدادَ حين يَقولُها / حَرَّى وبعضُ القول نارٌ تَلْفَحُ
إنّا وراءكَ يا مُحَمَّدُ نَبتَغِي / ما اللّهُ يُعطِي المتَّقِينَ وَيَمنَحُ
لسنا بقومِ أخيكَ مُوسى إذ أبَوْا / إلا القُعودَ وسُبَّةً ما تُضرَحُ
هذا عليٌّ في اللّواءِ ومُصعبٌ / والنّصرُ في عِطْفَيْهما يَترنَّحُ
حَمَلا لِوَائَيْهِ فلو صدحَ الهُدى / في مَشهدٍ جَللٍ لأقبلَ يَصدحُ
هذا رسولُ اللّهِ مَن يكُ مُؤمناً / فإليهِ إنّ طريدَه لا يُفلِحُ
الموتُ في يدهِ وعند لوائِه / رِيحُ الجِنانِ لِمَنْ دَنا يَسْتَرْوِحُ
إن يَملكِ الماءَ العدوُّ فقد هَمَى / سَيْلٌ جرى شُؤبوبُهُ يتبطَّحُ
هِيَ دعوةُ الهادِي الأمينِ ونفحةٌ / ممَّن يَسوقُ الغيثَ فيما يَنفحُ
مَكَر الحُبَابُ بهم فغوّرَ ماءَهم / والمكْرُ في بعضِ المواطنِ أنجحُ
نبِّئ عُمَيْرُ سَراةَ قومِكَ إنّهم / زَعموا المزاعمَ والحقائِقُ أرْوَحُ
نبّئهمُ الخبرَ اليقينَ وصِفْ لهم / بَأْسَ الأُلى جَمعوا لهم وتبجَّحوا
وَاذْكُرْ سَمِيِّكَ إذ يقولُ محمَّدٌ / ارجعْ عُمَيْرُ فدمعُه يتسحَّحُ
أذن النبيُّ له فأشرقَ وجههُ / ولقد يُرى وهو الأحمُّ الأكفحُ
بَطلٌ من الفتيانِ يَحمِلُ في الوغى / ما يَحملُ البطلُ الضّليعُ فيرزحُ
قُلْ يا حَكيمُ فما بعُتْبَة رِيبةٌ / مولى العشيرةِ للمُهِمّ يُرشَّحُ
نَصحَ الرجالَ فَردَّهم عن نصحهِ / نَشوانُ يملأهُ الغرورُ فيطفحُ
رَبِّ اسْقهِ بيدِ النّبيِّ مَنِيَّةً / بعذابِكَ الأوفى تُشابُ وتُجدَحُ
إيهٍ أبا جهلٍ نُصِرتَ بفارسٍ / يَلقى المنيَّةَ منه أغلبُ شيَّحُ
أرداهُ حَمزةُ عِندَ حوضِ محمّدٍ / فانظر أتُقْدِمُ أم تَحيِدُ وَتَكفَحُ
رامَ الورود فما انثنى حتّى ارتوت / من حوضِ مُهجته المنايا القُمَّحُ
جدّ البلاءُ وهب إعصارُ الردى / يرمي بأبطال الوغى ويطوّحُ
نظر النبيُّ فضجَّ يدعو ربَّه / لا هُمَّ نصركَ إنّنا لك نكدحُ
تلك العصابةُ ما لدينك غيرها / إن شدّ عادٍ أو أغارَ مُجلِّحُ
لولا تُقيمُ بناءَهُ وتحوطُهُ / لعفا كما تعفو الطُّلُولُ وتَمصَحُ
لا هُمَّ إن تَهلكْ فما لك عابدٌ / يغدو على الغبراء أو يَتروَّحُ
جاشت حَمِيّتُه وقام خليلُهُ / دُونَ العريشِ يَذودُ عنه وَينضَحُ
وتَغولَّتْ صُوَرُ القتالِ فأقبلا / والأرضُ من حَوْلَيْهما تَترجَّحُ
في غَمرةٍ ضَمِنَ الحِفاظُ لِقاحَها / فالحربُ تَسدحُ بالكُماةِ وترْدَحُ
استَبْقِ نفسَك يا أبا بكرٍ وقِفْ / إن ضَجَّ من دمِك الزَّكيِّ مُصيِّحُ
أعرِضْ عن ابنك إنّ موتكَ لِلّذي / حمل الحياةَ إلى الشعوبِ لَمُتْرِحُ
صلّى عليهِ اللّهُ حين يقولُها / والحربُ تَعصِفُ والفوارسُ تَكلَحُ
اللّهُ لا وَلدٌ أحبُّ ولا أبٌ / منه فأين المُنتأَى والمنزحُ
أفما رأيتَ أبا عُبيدةَ ثائراً / وأبوه في يدهِ يُتَلُّ ويُسْطَحُ
بَطلٌ تخطَّر أم تخطّرَ مُصعَبٌ / صُلْبُ القرا ضَخمُ السَّنام مُكبَّحُ
أرأيتَ إذ هزمَ النبيُّ جُموعَهم / فكأنّما هَزمَ البغاثَ المَضْرَحُ
هي حِفنةٌ للمشركينَ من الحَصى / خَفَّ الوقورُ لها وطاشَ المِرْجَحُ
مِثلُ الثَّميلةِ من مُجاجةِ نافثٍ / وكأنّما هي صَيِّبٌ يَتبذَّحُ
اللّهُ أرسلَ في السّحابِ كتيبةً / تهفو كما هَفَتِ البروقُ اللُمَّحُ
تَهوِي مُجلجِلَةً تَلَهَّبُ أعينٌ / منها وتَقذِفُ بالعواصِف أجْنُحُ
للخيلِ حَمحمةٌ تُراعُ لهولها / صِيدُ الفوارسِ والعِتاقُ القُرَّحُ
حَيزومُ أقدِمْ إنّما هي كرّةٌ / عَجْلَى تُجاذبك العِنَانَ فتمرحُ
جِبريلُ يضربُ والملائكُ حوله / صَفٌّ تُرَضُّ به الصّفوفُ وتُرْضَحُ
تَلك الحصونُ المانعاتُ بمثلها / تُذْرَى المعاقلُ والحصونُ وتُذْرَحُ
للقومِ من أعناقِهم وبَنانِهم / نارٌ تُرِيكَ الدّاءَ كيف يُبرَّحُ
جفّتْ جُذورُ الجاهليةِ والتوَى / هذا النباتُ الناضرُ المُسترشِحُ
طفِقَ الثرى من حولها لمّا ارتوى / من ذَوْبِ مهجتها يجفُّ ويَبلحُ
ومن الدمِ المسفوحِ رِجسٌ مُوبِقٌ / ومُطهَّرٌ يَلِدُ الحياةَ وَيَلقَحُ
أودَى بِعتُبَةِ والوليدِ وشَيْبةٍ / وأميّةَ القدَرُ الذي لا يُدْرَح
وهَوى أبو جهلٍ ونَوفَلُ وارْعَوى / بعدَ اللَّجاج الفاحشُ المتوقِّح
لمّا رأى الغازي المُظَّفرُ رأسه / أهوى يُكبِّرُ ساجداً ويسبِّحُ
في جلدهِ من رجزِ ربّكَ آيةٌ / عَجَبٌ تُفسَّرُ للبيبِ وتُشْرَحُ
تلك السّطورُ السُّودُ ضَمَّ كتابُها / أبهى وأجملَ ما يَرى المُتصفِّحُ
إن لم يُغيَّبْ في جهنّمَ بعدها / فَلَمنْ سِواهُ في جهنّمَ يُضْرَحُ
أدركتَ حقَّك يا بِلال فَبُورِكتْ / يَدُكَ التي تركتْ أُميّةَ يُشبَحُ
وَافِ المطارَ ووالِ يا ابنَ رُواحةٍ / زَجَل الحمامِ إذا يطيرُ ويسجَحُ
هذا ابنُ حارثةٍ يَطوفُ مُبشّراً / بالنّصر يُخزِي الكافِرينَ ويفضَحُ
لمّا تردّدَ في البلادِ صَداكما / أمستْ قُلوبُ المسلِمينَ تُروَّحُ
فكأنَّ كُلّاً مُعرِسٌ وكأنَّما / منه ومِنك مُهنِّئٌ ومُرفِّحُ
قُلْ يا أبا سُفيانَ غيرَ مُلَوِّحٍ / فالنصرُ يَخطبُ والسّيوفُ تُصرِّحُ
بِيضٌ على بُلْقٍ تَساقَطُ حولها / سُودٌ مُذمَّمةٌ تُسافُ وتُرمَحُ
ذَهبوا وأخلَفَهُمْ رَجاءٌ زُلزِلُوا / فيهِ فزالَ كما يَزولُ الضَّحْضَحُ
أكذاكَ تَختلفُ الزُّروعُ فناضرٌ / ضَافِي الظّلالِ وذابلٌ يَتصوَّحُ
القومُ غَاظهم الصَّحيحُ فَزَيَّفُوا / ومن الأمورِ مُزَيَّفٌ ومُصحَّحُ
خَطأُ الزمانِ فَشا فَلُذْ بصوابِه / وَانْظُرْ كِتابَ الخلقِ كيف يُنقَّحُ
جاءَ الإمامُ العبقريُّ يُقيمُها / سُنَناً مُبيَّنةً لِمن يَستوضِحُ
طَغَتِ الدِماءُ وَفاضَتِ الأَرواحُ
طَغَتِ الدِماءُ وَفاضَتِ الأَرواحُ / وَطَمَت سُهولٌ بِالرَدى وَبِطاحُ
أَينَ الشَرائِعُ مِن شَريعَةِ ظالِمٍ / يُفني النُفوسَ وَما عَلَيهِ جُناحُ
مَشَتِ الجُنودُ إِلى الجُنودِ وَإِنَّما / مَشَتِ المَنونُ حَواصِداً تَجتاحُ
مُهَجٌ تَطيرُ بِها الحُتوفُ فَتَرتَمي / عَن أَنفُسٍ يودى بِها وَيُطاحُ
رَثَتِ المَذابِحُ لِلدِماءَ مُراقَةً / مِلءَ البِطاحِ وَما رَثى الذَبّاحُ
يَنهَلُّ صَيِّبُها فَيثني عَطفَهُ / مَرَحاً وَيَزخرُ سَيلُها فَيُراحُ
فاضَت حَوالَيهِ فَضُرِّجَ عَرشُهُ / مِنها وَخُضِّبَ تاجُهُ الوَضّاحُ
مَلِكٌ وَلا غَيرَ الجَماجِمِ حَولَهُ / سُورٌ وَلا غَيرَ الرِقابِ سِلاحُ
عَصفَ الجِلادُ بِها فَظَلَّ يُطيرُها / بيدٍ تَطيرُ بِها ظُبىً وَرِماحُ
بَغَتِ المُلوكُ عَلى الشُعوبِ وَغَرَّها / مِمَّن تَسوسُ تَجاوُزٌ وَسَماحُ
جَنَبوا الخَلائِقَ طَيِّعينَ وَرُبَّما / جَمَحَ الجَنيبُ فَطالَ مِنهُ جِماحُ
الظُلمُ مَفسَدَةُ النُفوسِ وَما لَها / غَيرُ التَرَفُّقِ في الأُمورِ صَلاحُ
تَشتَدُّ ما اِشتَدَّ العِصابُ فَإِن يَلِن / لانَ الأَبِيُّ وَأَقصَرُ الطَمّاحُ
إِن يسجنِ الظُلمُ النُفوسَ فَعِندَهُ / بابُ الفِكاكِ وَعِندَها المِفتاحُ
فيمَ التَناحُرُ وَالخَلائِقُ أُخوَةٌ / وَالعَيشُ حَقٌّ لِلجَميعِ مُباحُ
وَالدَهرُ سَمحٌ وَالحَياةُ خَصيبَةٌ / وَالرِزقُ جَمٌّ وَالبِلادُ فِساحُ
إِنّا وَإِن قَدُمَ المَدى لَبَنو أَبٍ / يُغدى بنا في شَأنِهِ وَيُراحُ
أَنَظَلُّ في الدُنيا يُفَرِّقُ بَينَنا / بغضٌ وَيَجمَعُنا وَغىً وَكِفاحُ
ما بالُنا نَشقى لِتَنعَمَ عُصبَةً / مَلَكتَ فَلا رِفقٌ وَلا إِسجاحُ
تَقسو وَتَزعُمُ أَنَّما هِيَ رَحمَةٌ / تُحيي النُفوسَ وَنِعمَةٌ تُمتاحُ
طَلَبَت مَوَدّاتِ القُلوبِ وَمِلؤُها / حُرَقٌ تَهيجُ حُقودُها وَجِراحُ
عِندَ الشُعوبِ مَآتِمٌ ما تَنقَضي / طولَ الحَياةِ وَعِندَها أَفراحُ
أَينَ المُلوكُ المَرتَجونَ لِغَمرَةٍ / تُجلى وَخَطبٍ يُعتَلى فَيُزاحُ
ذَهَبَ الرُعاةُ الصالِحونَ وَغالَهُم / قَدَرٌ لِإِفناءِ الشُعوبِ مُتاحُ
كانوا مَصابيحَ الرَشادِ إِذا دَجَت / ظُلَمُ الحَياةِ وَأَعوَزَ المِصباحُ
كانوا الغِياثَ إِذا تَنوبُ عَظيمَةٌ / وَتَهولُ بارِزَةُ النُيوبِ وَقاحُ
كانوا الأُساةَ إِذا تَحَطَّمَ مَنكِبٌ / وَاِنهاضَ مِن وَقعِ الخُطوبِ جَناحُ
يَجِدونَ ما يَجِدُ اللَهيفُ مِنَ الأَسى / وَلِرَبِّنا ناحَ الحَزينُ فَناحوا
ذهَبَوا فَما حَيّا المَمالِكَ بَعدَهُم / عَدلٌ وَلا أَحيا الشُعوبَ فَلاحُ
خَلَتِ القُرونُ وَنورُهُم مُتَبَلِّجٌ / وَمَضى الزَمانُ وَفِكرُهُم فَيّاحُ
الحَربُ هادِمَةُ الشُعوبِ وَإِنَّها / لِلشَرِّ بَينَ العالَمينَ لِقاحُ
تَخبو وَتَقتَدحُ الحُقودُ رَمادَها / كَالنارِ هاجَ كَمينَها المِقداحُ
صَدعٌ وَإِن طالَ المَدى مُتَفاقِمٌ / وَدَمٌ وَإن جَفَّ الثَرى نَضّاحُ
أَرَأَيتَ مَن ذَهَبَ الرَدى بِعَتادِها / فَإِذا العَتادُ تَفَجُّعٌ وَنُواحُ
وَإِذا الحَياةُ سَفينَةٌ لَعِبَت بِها / هوجُ الرِياحِ وَخانَها المَلّاحُ
في جَوفِ مُصطَخِبٍ كَأَنَّ عُبابَهُ / صُوَرٌ لِعادي المَوتِ أَو أَشباحُ
وَكَأَنَّما دُعِيَت نَزالِ فَأَجفَلَت / لِلحَربِ رابِيَةُ العَديدِ رِداحُ
أَشقى النَعيمُ حَياتها وَأَباحَها / خِدرٌ أَعَزُّ وَذائِدٌ جَحجاحُ
عَرَبِيَّةٌ أَوفى بِعِزَّةِ قَومِها / نَسَبٌ لَهُم في الكابِرينَ صُراحُ
البَأسُ مُلتَهِبٌ إِذا ما حورِبوا / وَإِذا اِستُنيلوا فَالنَدى دَلّاحُ
وَإِذا يُهابُ بِهِم إِلى أُكرومَةٍ / نَفَروا وَإِن سيموا الهَوانَ أَشاحوا
مَفجوعَةٌ وَلِعَت بِها أَحزانُها / وَمَحَت غَضارَةَ عَيشِها الأَتراحُ
كانَت إِذا دَرَجَ النَسيمُ بِسوحِها / دَرَجَت إِلَيه أَسِنَّةٌ وَصِفاحُ
وَتَصاهَلَت جُردٌ تَطيرُ إِلى الوَغى / وَكَأَنَّما طارَت بِهِنَّ رِياحُ
باتَت يُؤَرِّقُها تَضَوُّرُ صِبيَةٍ / أَخَذ الطَوى مِنهُم فَهُم أَطلاحُ
وَلَهَت أَتَطلُبُ أَم تَموتُ كَريمَةً / ما عابَها طَلَبٌ وَلا اِستِمناحُ
ضَنّت بِصِبيَتِها وَرَونَقِ وَجهِها / فَتَحَدَّرَت عَبَراتُها تَنساحُ
حَتّى إِذا أَخفى النُجومَ مَغارُها / وَمَحا الظَلامَ صَديعُهُ المُنصاحُ
بَكَرَت تَمُرُّ عَلى الخِيامِ حَيّيةً / عَجلى فَلا رَيثٌ وَلا إِلحاحُ
زالَ النَهارُ وَلَم تَنَل يَدَها يَدٌ / فَأَمَضَّ مُنقَلَبٌ وَساءَ رَواحُ
عادَت إِلى أَفراخِها فَإِذا بِهِم / صَرعى فَصاحَت تَستَجيرُ وَصاحوا
وَإِذا فَتاةٌ كَالرَبيعِ خَصيبَةٌ / وَفَتىً كَرَيعانِ الصِبى مِسماحُ
رَأياً هَموداً ما يُحِيرُ جَوابَها / إِلّا العُيونُ مُشيرَةً وَالراحُ
بَصَرا بِأَربَعَةٍ وَلَوَّحَ خامِسٌ / فَتَأَمَّلا فَبَدا الجَميعُ وَلاحوا
فَزِعا إِلى الحَيَّينِ ثَمَّتَ أَقبَلا / فَإِذا جُزورٌ جَمَّةٌ وَلِقاحُ
وَإذا إِماءٌ جِئنَ بَعدَ هُنَيهَةٍ / فَإِذا العِلابُ تَفيضُ وَالأَقداحُ
شَرِبوا الحَياةَ تَدُبُّ في أَجسامِهِم / فَمَشى دَمٌ فيها وَدَبّ مِراحُ
لَو ذاقَ أَهوالَ الحُروبِ جُناتُها / كَفَّ العَسوفُ وَأَمسَكَ السَفّاحُ
عالَجتُ أَدواءَ الشُعوبِ وَسُستُها / فإذا الدواء تودُّدٌ وصَفاحُ
وبلوتُ أسباب الحياة وقستُها / فَإِذا التَعاوُنُ قُوَّةٌ وَنَجاحُ
مَن لِلممالِكِ وَالشُعوبِ بِمَوئِلٍ / تَأوي النُفوسُ إِلَيهِ وَالأَرواحُ
وَمَتى يَرُدُّ الحائِرينَ إِلى الهُدى / نَهجٌ أَسَدُّ وَكَوكَبٌ لَمّاحُ
دَجَتِ العُصورُ فَما يَبينُ لِأَهلِها / نورُ الحَياةِ وَما يَحينُ صَباحُ
نَستَفدِحُ الأَنفاسَ تَحمِلُنا وَما / مِنّا لِعِبءِ شُرورِنا اِستِفداحُ
أَخلاقُنا جَرَبٌ وَنَحنُ صِحاحُ / وَقُلوبُنا خُرسٌ وَنَحنُ فِصاحُ
لَو عايَنَت صُوَرَ النُفوسِ عُيونُنا / لَم يَعدُها أَنَفٌ وَلا اِستِقباحُ
سَنَّ المُلوكُ لَنا طَرائِقَ ما بِها / لِلخَيرِ مُضطَرَبٌ وَلا مُنداحُ
وَإِذا المُلوكُ تَنَكَّبَت سُبُلَ الهُدى / غَوَتِ الهُداةُ وَضَلَّتِ النُصّاحُ
وَلَقَد تَبَيَّنتُ الأُمورَ مُجَرِّباً / فَإِذا الحَياةُ دُعابَةٌ وَمِزاحُ
قُلْ ما أردتَ فما عليك جُناحُ
قُلْ ما أردتَ فما عليك جُناحُ / أَسُدىً كذلك تذهبُ الأرواحُ
يا للضحايا الحاملاتِ جِراحَها / يُغدَى بها مَحمولةً ويُراحُ
فَتَك السّلاحُ بها حَوَاسِرَ ما لها / غيرُ النُّفوس الوالهاتِ سلاحُ
هتفتْ تُحيِّي مِصرَ في أتراحها / فَتُخرِّمَتْ وتوالت الأتراحُ
أودى رَصاصُ القاذفين بفتيةٍ / هُمْ بالنُّفوسِ لَدَى الفداءِ سماحُ
غَضِبوا لمِصرَ تُصابُ في آمالها / ولِحقِّها الغالي المَصُونِ يُباحُ
عَصفتْ بهم أيدي الرَّدى فكأنّما / عصفتْ بريحانِ الرّياضِ رِياحُ
يتساقطون مُهذَّبا فُمهذَّباً / غضَّ الشّبابِ جَبينُهُ وَضّاحُ
النُّور في دَمِه المُطهَّرِ مُشرِقٌ / والطِّيبُ مُنتشرُ الشَّذَى فوَّاحُ
يا للشبابِ جرَى على آمالهِ / قَدَرٌ من الموتِ الزُّؤام مُتاحُ
ذُخْرُ البلادِ أضاعه أبناؤُها / فمضى يُشِّيعهُ أسىً ونُواحُ
خطبٌ تَبيتُ له المدائنُ والقُرى / شتّى الجراحِ وما درَى الجرّاحُ
لا الليلُ ليلٌ مِن تَطَاوُلِ همِّها / للغائبين ولا الصَّباحُ صباحُ
تبكي على الفتيانِ في آنافِهم / شَمَمٌ وفيهم نَخوةٌ وطِماحُ
بِيضُ الصّحائفِ والمواقفِ ما بهم / خَوَرٌ ولاَ هُمْ بالنّفوسِ شِحاحُ
شهداءُ حربٍ ليس من أبطالها / مَنْ سِلْمُه حَربٌ لنا وكِفاحُ
يُوحي فتنطلق السِّهامُ وما رمى / أيدي الرُّماةِ سِهامُه والرّاحُ
مَلَكَ السّواعدَ والمناكبَ فهي في / يدِه سُيوفٌ للأذَى ورِماحُ
تلك الحلومُ النّازعاتُ إلى الهوى / ما للقضيَّةِ أو تثوبَ نجاحُ
يا قومُ جِدُّوا لا حياةَ لمن يرى / أنَّ الحياةَ مَجانةٌ ومِزاحُ
أنظلّ شتَّى والبلادُ أخيذةٌ / يُودَى بها من حولنا ويُطاحُ
أفما لكم إن قام شعبٌ ناهضٌ / إلا خلافٌ قائمٌ وصياحُ
فيم الخلافُ وقد تبيَّن أمرُكم / أَفتُنكرون الحقَّ وهو صُراحُ
مصرُ الحياةُ فما لمن لا يتّقي / فيها الأُبوَّةَ والبنينَ فلاحُ
داءُ الشعوب الفردُ ليس يُضيرُه / شعبٌ يُضامُ وأُمةٌ تُجتاحُ
ما عذرُ من يأبى الحياةَ لقومه / ويقول مُوتوا والنفوسُ صِحاحُ
الموتُ للمرضى الضّعافِ وهذه / مِصرُ الأبيّةُ قوّةٌ ومِراحُ
نهضت تَسُدُّ على المُغيرِ مجالَه / وتُريه سَدَّ الموتِ كيف يُزاحُ
لم يَثْنِها والظلمُ يَهدِرُ حولها / كالرّعدِ صَوْبٌ للردى سَحّاحُ
تمشي كما مَشَتِ العروسُ يَزينها / مِن ساطعِ الدَّم مِطرَفٌ ووشاحُ
أغلى اللآلئِ قيمةً ما ضمَّ من / تلك القذائفِ تاجُها اللمَّاحُ
نَشْوى ولا غيرَ النُّفوسِ مُراقةً / من حولها خمرٌ ولا أقداحُ
أَهِيَ المآتمُ في البلادِ مُقامةٌ / لِشبابِ مصرٍ أم هي الأفراحُ
ضَرَمُ الحميّةِ يُطفئ الضَرَمَ الذي / يَجدُ الحزينُ ويشتكي المُلتاحُ
أَتُهانُ مصرُ ونحن حول لوائها / الموتُ أكرمُ والقبورُ فِساحُ
مهلاً فلا الحجّاجُ في جَبَروته / يَهوِي بنا صبباً ولا السّفاحُ
إنّا انطلقنا صاعِدينَ لغايةٍ / للمجد مُنطلَقٌ بها وسَراحُ
ماذا يُرادُ بنا وأين حُلومُنا / فَسَدَ الزمانُ فما يُرام صلاحُ
أَيَظلُّ هُورُ على الكِنانةِ نَاعياً / فَيُقالُ غَنَّى البُلبلُ الصَّدّاحُ
أَنَروحُ صُمّاً والحوادثُ رُجَّفٌ / أَنظلُّ بُكماً والخُطوبُ فِصَاحُ
لَسْنَا مِن الضّأنِ الذّليلِ فَترتوي / مِنّا المُدَى ويُبِيدُنا الذّبَّاحُ
لا تَنعمُ الأَرواحُ في عَليائِها / إلا إذا شَقِيَتْ بها الأشباحُ
ما لِلسياسةِ لا المثالبُ عِندَها / سُودُ الوُجوهِ ولا الذُّنوبُ قِباحُ
عِرْضٌ يَشقُّ على الرُّماةِ وَراءَهُ / وَجهٌ يُبرِّحُ بالهُداةِ وَقاحُ
تَلِدُ المظالمَ ثُمَّ تَزعُمُ أنّها / لِلعدلِ بينَ العالَمينَ لَقاحُ
حُكمُ الشرّيعةِ من حَبائلِ مكرِها / والسُّورةُ الغَرّاءُ والإِصحاحُ
خَجلتْ مَسابِحُها وَتِلكَ مُسوحُها / كادت لِطولِ عَذابها تَنْصاحُ
زيدوا مَلائكةَ الحضارةِ إنّه / عَملٌ لَكم وَلِعصرِكم فَضّاحُ
أنتم مَصابيحُ الشُّعوبِ وهذه / دُنيا الظّلامِ أَنارها المِصباحُ
الشرّقُ أَبصرَ في الحياةِ سَبيلَهُ / ومَضَى فَنِعمَ العاملُ الكدَّاحُ
اللهُ أكبرُ من يُكذّبُ وعده / ويظنُّ أن الضيّقَِ لا ينداحُ
بابُ الحياةِ هدايةٌ من نُورهِ / وَلمَنْ يلوذُ بِبابهِ المِفتاحُ
ربِّ أهدنا واجمع قُوى زُعمائِنا / فلعلَّنا نُكفَى الأذى ونُراحُ
أَنظلُّ صرعَى والمصائبُ حولنا / سُودٌ رواكدُ ما لهنّ بَراحُ
حَسْبُ البلادِ سكوتُك المُتمادِي / أترى حراماً أن تقولَ بلادي
قُلْها مُحَبَّبَةَ الرَّنينِ شهيّةً / تمضِي فتبعث من رجاء الوادي
رقد الرّجاءُ كما رقدتَ وكنتما / إلفين ما خُلِقَا لغيرِ سُهادِ
مِصرُ التي كنتَ الحياةَ لشعبها / مَرْضَى الحياةِ قَليلةُ العُوّادِ
تدعوكَ والهةً وتنظرُ هل لها / من راحمٍ أو مُنقذٍ أو فادِ
أمست تَبوءُ بكلِّ خطبٍ مُنكَرٍ / وتنوءُ بالأغلالِ والأصفادِ
ما زالتِ الأهواءُ باستقلالها / حتّى استقلَّ بها المُغيرُ العادي
ويح الأُلى ضلّوا السبيل أمالهم / من ناصحٍ أو مُرشدٍ أو هادِ
هم خيّبوا أملَ البلادِ وعطّلوا / دينَ الجهادِ ولاتَ حينَ جهادِ
خدعوا السَّوادَ فراح يَنعقُ حولهم / فَرِحاً ويُمعِنُ في أذىً وفسادِ
عكفوا على أعراسهم وبلادُهم / في مأتمٍ من همّها وحِدادِ
تلك المعاهدةُ التي هتفوا بها / من ساجعٍ طَرِبِ الفُؤادِ وشادِ
أَوَ لم تكن للقومِ فتحاً آمنت / فيه السّيوفُ بقوّةِ الأَغمادِ
وطنٌ يُطيحُ به الكلامُ وأُمّةٌ / تهوِي مُمزَّقةً بغير جلادِ
كانوا العدوَّ فأصبحوا في ظلِّها / أَوْلىَ الشُّعوبِ بأُلفةٍ ووِدادِ
يحمون ما نحمِي ويرمون الأُلى / نرمِي من الأعداءِ والأضدادِ
لولا بَسالَتُهم وشِدَّةُ بأسِهِم / لم يبقَ منّا رائحٌ أو غادِ
زُورٌ يُردِّدُهُ الغَويُّ وباطلٌ / يشدو به من لا يعي ويُنادي
أرأيتَ أخسرَ صفقةً من جاهلٍ / يرجو الحياةَ على يد الجلّادِ
يا مَن وصفتَ لنا الحياةَ رشيدةً / ماذا ترى من حكمةٍ ورشادِ
الشّعبُ بعدكَ في يَبابٍ مُوحَشٍ / حَارَ الدليلُ به وضلَّ الحادي
سلكَ المحجّةَ حين كُنتَ دليلَهُ / ومضى لحاجتهِ بأطيبِ زادِ
الحقُّ معروفُ المعالم ساطعٌ / والنُّجْحُ وضّاحُ البشائرِ بادِ
نَسيَ الجلاءَ فما يمرُّ بخاطرٍ / منه ولا يهفو له بفؤادِ
ولقد يكون وفيه ساعةُ ذِكرهِ / روحُ الحزينِ ورِيُّ قلبِ الصّادي
وارحمتا لكَ ذُبْتَ من حَرِّ الجَوى / في حُبِّ مِصرَ ولم نَفُزْ بِمُرادِ
إنّا جُنودُك نبتِني لبلادِنا / مجداً من الأرواحِ والأجسادِ