المجموع : 3
روحي المقيمُ لديكِ أم شبَحي
روحي المقيمُ لديكِ أم شبَحي / لعبتْ برأسي نشوةُ الفرحِ
يا حانةَ الأرواحِ ما صنعتْ / بالروح فيكِ صبابةُ القدحِ
ما للسماءِ أديمُها لهَبٌ / الفجرُ إنَّ الفجرَ لم يَلُحِ
ولمَ البحيرةُ مثلما سُجِرتْ / أو فُجِّرتْ من عرقِ منذَبحِ
نارٌ تطيرُ وموكبٌ صَخِب / منْ كل ساهي اللَّحظِ منسرحِ
لولا ابتسامةُ جارتي وفمٌ / يدنو إليَّ بصدرِ منشَرحِ
لحسبتها روما تمورُ لظىً / في قهقهاتِ السَّاخرِ الوقحِ
زهوٌ تملَّكني فأذهلني / ومن الذهولِ طرائفُ المُلحِ
أأنا الغريبُ هنا وملءُ يدي / أعطافُ هذا الأغيدِ المرِحِ
خفَقتْ على وجهي غدائرُها / فجذبتها بذراعِ مجترحِ
لم أدر وهيَ تُديرُ لي قَدحي / من أين مغتبقي ومصطبحي
وشدا المغنِّي فاحتشدتُ لها / كم للغناءِ لديَّ من مِنَحِ
عَرَضَتْ بفاكهة محرَّمةٍ / وعرضتُ لم أنطِقْ ولم أبُحِ
يا رَبِّ صُنعُكَ كلُّه فتنٌ / أين الفرارُ وكيف مُطَّرحي
هذي الروائعُ أنت خالقُها / ما بين مُنجرِدٍ ومتَّشحِ
تاييسُ لم تعبَثْ براهبها / لكنَّهُ أشفى على البُرَحِ
ما بين أسرارٍ مُغلَّقةٍ / وطروقِ بابٍ غيرِ منفتحِ
عرض الجمالُ له فأكبَره / ورآكَ فيهِ فجُنَّ من فَرحِ
أترى معاقبتي على قدَرٍ / لولاك لم يُكتَبْ ولم يُتَحِ
إنِّي عبدتُك في جَنى شفةٍ / ويدٍ ووجه مشرق الوضحِ
ولو استطعتُ جعلتُ مِسبحتي / ثَمَرَ النهودِ وجلَّ في السُّبَحِ
هبَّ الكميُّ على النفير الصَّادح
هبَّ الكميُّ على النفير الصَّادح / مهلاً فديتُكَ ما الصباحُ بواضحِ
أيُّ الملاحم بين أبطال الوغى / فجِئَتكَ بالشوق الملحِّ البارحِ
فقضيتَ ليلكَ لا هدوءَ ولا كرىً / ووثبتَ في غسَقِ الظلام الجانِحِ
والشرقُ من خلف الجبالِ غمامةٌ / حمْراءُ تُرعَشُ في وميضٍ لامحِ
سَلَّتْ حرابَ البرق فوق سمائه / هوجاءُ تُنذر بالقضاءِ الجائحِ
هي صيحةُ الوطن الجريح وأمةٍ / هانت على سيفِ المغير الطامحِ
قَرَنَتْ بحظكَ حظَّها فتماسكتْ / ترعَى خُطاكَ على رُبىً وأباطحِ
في موكب الفادين مجد أُميَّة / بجوانح مشبوبة وجَوَارحِ
لو قِسْتهم بعدوِّهم وسلاحِهِ / أيقنتَ أنهمو فريسةُ جارحِ
الخائضونَ الفَجر بحر مصارع / السابحون على السَّعير اللافحِ
الناهضون على السيوف وتحتَها / شتَّى جَماجم في التراب طرائحِ
الرابضون على الحصونِ خرائباً / مُهَجاً تضرّم في حُطام صفائحِ
صرعى ولو فتَّشْتَ عن أجسادهم / أَلفيتَ ما أَلفيتَ غير جرائحِ
يا ميسلون شهدتِ أي روايةٍ / دمويةٍ ورأيت أيَّ مذابحِ
ووقفتِ مُثخَنَةَ الجراح بحومةٍ / ماجتْ بباغ في دمائكِ سابحِ
تتأملين دمشقَ يا لهوانها / ذاتُ الجلالة تحت سيف الفاتِحِ
جرَّت حَديد قيودها وتقدَّمتْ / شمَّاءَ من جلَّادها المتصايحِ
نسيَتْ أليم عذابها وتذكرتْ / في ميسلون دم الشهيد النازِحِ
من هبَّ في غسق الظلام يحوطها / بذراع مقتتلٍ وصدرِ مُكافِحِ
وتسمَّعتْ صوتاً فكان هتافُهُ / يا للحبيبِ من المحبِّ البائحِ
أُمَّاهُ خانتني المقادر فاغفري / قدَري وإن قلَّ الفداءُ فسامحي
فيحاءُ إن نصَّتْ حواليكِ القرى / أعلامَها وازَّينت بمصابحِ
وتواكب الفُرسان فيك وأقبلوا / بالغار بين عَصائبٍ ووشائحِ
وشدا الرعاةُ الملهمون وأغرقوا / أبهاءَ ليلكِ في خِضَمّ مفارحِ
أقبلتُ بين صفوفهم مُتَقَرِّباً / بأزاهري مترنماً بمدائحي
حيث الشهيدُ رنا لمطلع فجره / ورأى الغمائمَ في الفضاءِ الفاسح
وتَلفَّتتْ لكِ روحُهُ فتمثّلتْ / وجهَ البطولة في أرق ملامحِ
حيث الربى في ميسلون كأنما / تهفو إليهِ بزهرها المُتفاوحِ
وكأنما غسَلتْه بغداديةٌ / بدموع مَلْكٍ في ثَراكِ مراوِحِ
أسعى إِليه بكل ما جمعتْ يدي / وبكل ما ضُمّتْ عليه جوانحي
وهو الجدير بأن أُحَييَ باسمِهِ / في الشرق كلَّ مناضل ومنافحِ
من كلِّ حُرٍّ نافضٍ مما اقتنى / يَده ووهَّابِ الحشاشةِ مانحِ
أو كلِّ فادٍ بالحياة عشيرَهُ / لا القولِ في خُدَع الخيال السانِحِ
قُلْ للدعاة المحسنينَ ظَنونَهم / بالغرب ماذا في السَّراب لماتحِ
لا تُغرينّكمو وعودُ محالف / يطأ الممالك بادِّعاءِ مصالحِ
تمضي السنون وأنتمو من وعده / تَتَقلبون على ظهور أراجحِ
واللّه لو حسر القناعَ لراعكم / قَبرٌ أُعدَّ لكم وخَنْجَرُ ذابحِ
من كلّ مصاص الدماءِ مُنَوِّمٍ / يُدْعَى بمنقذِ أمةٍ ومُصالحِ
يا يوسف العظمات غرسُكَ لم يضِع / وجَناهُ أخلدُ من نتاج قرائحِ
قمْ لحظةً وانظرْ دمشق وقل لها / عاد الكمِيُّ مع النفير الصادحِ
ودعاك يا بنتَ العروبةِ فانهضي / واستقبلي الفجرَ الجديدَ وصافحي
مالوا بمصباح البيان صباحا
مالوا بمصباح البيان صباحا / ومشوا به في الذاهبين رواحا
ومضوا به إلا شعاعاً لم يزل / في الأرض مؤتلق السنى وضاحا
تهفو النجوم إلى سناه وتغتدي / نشوى كأن من الأشعة راحا
وعلى جوانب أرضها وسمائها / شفق تقلّده السماء وشاحا
هذا شعاع العبقرية لم يزل / يولي الحياة طلاقة وسماحا
قدر الخلود له وبارك أفقه / رب أراد به هدى وصلاحا
أجرى البيان على لسان نبيه / غدقا من السحر المبين قراحا
وحبابه الشعراء من ألحانه / فشدوا بألسنة الطيور فصاحا
لما مشى في الأرض فجر صخرها / ماء ونضرها ربى وبطاحا
وأنار في شرف السماء نجومها / فتلون من آياته الألواحا
فكأنما الدنيا ضحلا وكأنما / في كل داجية نرى مصباحا
قل لابن هانئ لا ذوت لك كرمة / فقد الربيع هزارها الصداحا
قد كنت في أمس نزيل رحابها / فنزلت أشرف ما أبلغ ساحا
ألقى وأسمع عبقريا ملهما / طلق المحيا ماجدا مسماحا
يولي النفوس بشاشة وينيلها / أدبا ويسقيها الوداد صراحا
أنست زمانا بالبيان وأهله / حتى تبدل أنسها أتراحا
وقفت بي الدنيا على جنباتها / فرأيت حزنا واستمعت نواحا
وشهدت ظل الموت فوق ظلالها / يغشى الربى ويجلل الأدواحا
وجمت وكانت الموت فوق ظلالها / تستقبل الإمساء والإصباحا
وذو ت أزاهرها ونفر طيرها / ينزو ويقطر أدمعا وجراحا
يبكي من الصدر الورود لجدول / كم عب من دفاقه وامتاحا
لما نعيت لها تزايل حسنها / وصغا الربيع بوجهه وأشاحا
سيان بعدك يابن هانئ دهرها / يسري نسيما أم يهب رياحا
قم وابك للشعر النبوغ وقل له / أمضى زمان النابغين وراحا
واهتف بصومعة البيان فقد خلا / عهد الرسالة بالقريض وطاحا
ولى بسر العبقرية شاعر / اللّه هيأه لنا وأتاحا
لم تسعد الفصحى بمثل يراعه / يوما ولا لقي الخيال جناحا
شعر حوى الدنيا ونسق حسنها / صورا ومثلها منى وطماحا
ويزيح عن ماضي العصور ستارها / فترى بها الغادين والرواحا
هو مثل هذا الطير في صدحاته / والزهر لطفا والعبير نفاحا
وأراه كالبحر الخضم عبابه / يعيى مداه الخائض السباحا
ويظنه الملاح طوع شراعه / فيرد عن غمراته الملاحا
يهدي إذا هدأ الثرى أصدافه / وإذا تمرد دره اللماحا
وأراه حين يرق عاطر نسمة / وإذا قسا فالعاصف المجتاحا
شعر يشف عن الحياة وداعة / ويؤج منها ثورة وكفاحا
ويبين من غضب النفوس وصفوها / مثل الحياة كآبة ومراحا
ويفيض من نبع القلوب فآنة / ماء وآنا جاحما لفاحا
والشعر مرآة الحياة ولم يزل / يجلو الرؤى ويصور الأشباحا
والشعر من أدب النفوس ولن ترى / من دونه هديا ولا إصلاحا
ولقد تذوقت الحياة فلم أجد / كالشعر ريا للنفوس وراحا
قل للكنانة عن رمائك أقصري / فلقد فقدت الرامي النضاحا
صياد أسراب الجمال إذا رنا / جاءته ما عرفت لديه جماحا
يدني القصي من الشوارد لفظه / ويروض منها النافر الممراحا
من كل معنى بالروائع حافل / يجلى كما تجلى الشموس صباحا
وقصيدة كالروض باكره الحيا / فاهتز ريحانا ورف أقاحا
من للطبيعة يستزيد جمالها / غررا كآيات الكتاب وضاحا
ذهب الذي غنى خمائل روضها / حتى مددن إلى النسيم الراحا
المرقص الزاهرت فوق غصونها / والمستخف عبيرها الفواحا
والمسعد الأيكات منه بملهم / كانت به الجنات قبل شحاحا
أوحى له المرح الوجود فصاغه / شدوا بأسرار القلوب وباحا
سبحان من أهدى الخيال يراعه / وهدى له الإبداع والإسجاحا
فتسمعوه فلم يزل من شعره / شاد يهزّ بسحره الأرواحا
يا نازحا عنا نزلت بعالم / تلقى الأحبة فيه والنزاحا
فاحلل بجنات الخلود ورو من / عين النعيم فؤادك الملتاحا
واملأ من الزهر المنور والجنى / كفيك واطرح عبئك الفداحا
سترى الرسول على معطر روحها / يهدي إليك ببابها المفتاحا
يسعى بحسان إليك وأنتما / وضحان من فجر النبوة لاحا
يختال في بردية من بردة / حاك القريض خيوطها أمداحا
يستاف من ميلاده شوقية / الله كان لمسكها النفاحا
فاشرح هواك له وبث لواعجا / كانت لهن دموعك الشراحا
أبلغ إلى صبري التحية والهوى / عنا وحي جبينه الوضاحا
وامسح دموعك عن أسرة حافظ / فلقد لقيت بقربه الأفراحا
وتساق أقداح المسرة معهما / فلكم ملأت بدمعك الأقداحا
واذكر على الأرض الشقية رفقة / باتوا عليك يقلبون الراحا
في عالم ما زال في غلوائه / ومنى على رث الحطام تلاحى
أشرق بوجهك في غياهب ليله / يخلع دجاه إذا جبينك لاحا
وأضىء على شط الحياة منارة / واطلع بكل دجية مصباحا
ونم الغداة وحسب روحك أن ثرى / من نور مجدك هذه الأوضاحا