المجموع : 3
يا ربّ مجلس لذّةٍ شاهَدتُها
يا ربّ مجلس لذّةٍ شاهَدتُها / كَرْهاً وجُنْحُ الليلِ مدّ جناحَا
جَمَعَ الشبابُ به بنيهِ وبينهم / شيخٌ غَدا شيبٌ عليه وراحا
وكأنّه في كلّ داجي شعرةٍ / في الرأسِ منهُ مُوقِدٌ مِصباحا
أمسَيتُ مَفطوماً عَنِ الكَأسِ الَّتي / يتراضعُ الندمَاءُ منها راحا
إلّا شميماً كان هَمّاً سُكْرُهُ / وغناؤهُ في مسمعي نياحا
جُرْنا على زمنِ الصبا الزَاهي الَّذي / عزَلَ الهمومَ ومَلّكَ الأفراحا
أبناءُ عصرٍ فَتّقُوا من بَينهم / مِسْكَ الشّبيبَةِ بالمُدامِ ففاحا
جَعَلوا حُداءَهُمُ السَماعَ وأَوجَفوا / بدلَ القَلائِصِ بينَهم أَقداحا
وَكَأنّما نَبَضَتْ لهم أَفواهُهُم / بِالشُربِ مِن أَجسامِها أَرواحا
حَتّى إذا اصطَبَحوا فررتُ فلم يجِد / للشيبِ بَينَهمُ الصباحُ صَباحا
ما لي أُكافحُ قِرْنَ كأسٍ جالَ في / مَيدانِ نشوَته وجال كِفاحا
ومجدَّلٌ شاكي السّلاحِ من الصِّبا / من لم يُبَقّ له المشيبُ سِلاحا
ومُهنّدٍ عَجَنَ الحَديد لقينه
ومُهنّدٍ عَجَنَ الحَديد لقينه / في الطّبع نيرانٌ مُلِئْنَ رياحَا
رُوحٌ إذا أخرَجْتَهُ من جسمه / دخَلَ الجسُومَ فأخرَجَ الأرواحا
وكأنّهُ قَفْرٌ لعينكَ موحشٌ / أبَداً تَمُرّ ببابه ضحضاحا
وكأنّما جنٌّ تُرِيكَ تخيُّلاً / فيه الحسانَ من الوجوه قباحا
وكأنّ كلّ ذُبابَةٍ غرقَتْ به / رَفَعَتْ مكانَ الأثْرِ منهُ جَنَاحا
ما للوشاةِ غَدَوا عليّ وراحوا
ما للوشاةِ غَدَوا عليّ وراحوا / أعليّ في حُبِّ الحسانِ جُنَاحُ
وبمهجتي عُرُبٌ كأنّ قدودها / قُضُبٌ تقومُ بميلهنّ رياحُ
مهتزَّةٌ بقواتلِ الثَّمَرِ التي / أسماؤها الرُّمَّانُ والتُّفَّاحُ
غيدٌ زَرَيْنَ على القطا في مشيها / فلهنّ ساحاتُ القلوب بطاح
من كلّ مُصْبِيَةٍ بِضِدّيْ حسنها / فالفَرْعُ ليلٌ والجبينُ صباحُ
تفتَرّ عن بَرَدٍ فراشفُ دُرِّهِ / يَحلو له شَهْدٌ وتُسْكِرُ راحُ
لا تقتبسْ من نور وجنتها سناً / إنّ الفراشةَ حَتفُها المصباحُ
نُجْلُ العيونِ جراحها نُجْلٌ أما / تصفُ الأسنّةَ في الطعين جراحُ
يا وَيْحَ قتلى العاشقين وإنْ هُمُ / شهدوا حروباً ما لهنّ جراحُ
أوَ ما علمتَ بأنّ فُتّاكَ الهوى / حُورٌ تكافحُ بالعيون مِلاحُ
من كلّ خودٍ كالغزالةِ قِرْنُها / أسَدٌ أُذِلّ وإنّها لَرَداحُ
فالرّمحُ قدٌّ والخداعُ تَدَلّلٌ / والسيفُ لحظ والنجادُ وشاحُ
ودماءُ أهل العشق في وجَنَاتها / فكأنّ قتلاهم عليها طاحوا
وسبيَّةٍ بصوارمٍ من عسجدٍ / قد صافَحَتْ منها العلوجَ صفاحُ
حمراءَ يُسْلي شربُها وبشربها / تُنْسَى الهموم وتُذْكَرُ الأفراحُ
رَجَحَتْ يدي منها بحَمْلِ زجاجةٍ / خَفّتْ بها خَودٌ إِليّ رَجَاحُ
وكأنّ للياقوتِ ماءً مزبداً / فالدرُّ فيه بكأسها سَبّاحُ
ومجوَّفٌ لم تُحْنَ أضلُعُهُ على / قلبٍ وقلبُك نحوه مُرْتاحُ
نَبَضَتْ دقاقُ عروقهِ فكأَنَّها / في النّقْرِ ألْسِنَةٌ عليه فصاحُ
مَسّتْهُ للإصلاحِ أنمُلُ قَيْنَةٍ / فقضى بإفسادٍ له إصلاحُ
وَفَدَ السرورُ على النفوس بشَدْوها / وتمايلتْ طَرَباً بنا الأقداحُ
وكأنّما ذِكْرُ ابن يحيى بيننا / مِسْكٌ تَضَوّعَ عَرْفُهُ النفّاحُ
مَلِكٌ رَعَى الدنْيا رعايةَ حازمٍ / وأظلّ دينَ اللَّه منه جَناحُ
متأصّلٌ في الملك ذو فخر له / حسَبٌ زكا في الأكرمين صراحُ
وَسِعَ البسيطةَ عَدْلُهُ وتضاعفَتْ / عَن طولهِ الآمالُ وهي فساحُ
ذو همّةٍ عُلْوِيّةٍ عَلَوِيّةٍ / فَلها على هممِ الملوكِ طماحُ
وإشارة باللحظ يخدم أمْرَهَا / زمنٌ له سلم به وكفاحُ
يَقِظٌ إذا التبستْ أمورُ زمانه / فلرأيه في لَبْسها إيضاحُ
فكأنّما يبدو له متبرّجاً / ما يحجب الإمساءُ والإصباحُ
راضَ الزمانَ فلم يزلْ منه أخا / ذُلٍّ وقدماً كان فيه جماحُ
ورَمَى العدى بضراغمٍ أظفارُهَا / ونيوبُها الأسيافُ والأرماحُ
نَصَحتْ له الدنْيا فلا غشٌّ لها / وسَخَتْ به الأيّامُ وهيَ شحاحُ
من ذا يجاودُ منه كفّاً كفُّهُ / والبحر في معروفِهِ ضَحضاحُ
زهد الغناةُ من الغنى في جودِهِ / ولراحتَيه بِبَذله إِلحاحُ
كم قيل بَرّحَ في العطاءِ بمالِهِ / فأجَبْتُ هل للطبعِ عَنهُ بَرَاحُ
ذِمْرٌ تروحُ شموسُه وبدورُهُ / وبروجُها من معتَفيهِ الراحُ
وإِذا بَنو الآمالِ أَخْسرَ وُسْعُهُمْ / أَضحى لهُمْ في القَصدِ مِنهُ جناحُ
ولَئِن مَحا الإعدامَ صَوْبُ يمينهِ / فالجدبُ يمحوه الحيا السيّاحُ
شَهْمٌ إذا ما الحربُ أضحَت حائلاً / أَمسى لها بذُكورهِ إِلقاحُ
تطوى على سُودِ الحتوفِ بِعَزْمِهِ / ملمومةٌ ملءُ الفضاءِ رِداحُ
أَفلا تُبيدُ مِنَ العِدى أَرواحَهُمْ / ولها غُدُوٌّ نَحْوَهُمْ ورواحُ
متناوِلٌ قُمُحَ الكماة بأسمرٍ / لِدَمِ الأُسود سنانُه سَفّاحُ
وكأنّ طعنته وِجَارٌ واسِعٌ / فلثعلبِ الخطِّيِّ فيه ضُبَاحُ
وكأنّما حَبّ القلوب لرُمحِهِ / جِزْعٌ يُنَظَّمُ فيه وهو نِصَاحُ
في مأزقٍ ضنكٍ سماءُ عَجاجِهِ / تعلو وأرضُ حِمامِهِ تَنْداحُ
أنتم منَ الأَملاكِ أرواحُ العُلى / شَرَفاً وغيركُمُ لها أشباحُ
هذا عليٌّ وهو بَدْرُ مهابةٍ / كَلِفٌ به بصرُ العُلى اللمَّاحُ
هذا الّذي نَصَرَ الهدى بِسيوفِهِ / ورماحِهِ فَحِماهُ ليسَ يُباحُ
هذا الَّذي فازتْ بما فوْقَ المنى / من جوده للمعتَفينَ قِداحُ
مَنْ حُبّهُ النهجُ القويمُ إلى الهدى / فصلاحُ مبغِضِهِ الشقِيِّ صلاحُ
من صَوْنُهُ قُفْلٌ لكلّ مدينةٍ / فإذا عَصَتْهُ فسَيفهُ المِفتاحُ
يا صارمَ الدِّين الّذي في حَدّهِ / مَوْتٌ يُبيد به عِداه ذُباحُ
طَوَّقْتَني مِنَناً فَرُحْتُ كأنَّني / بالمَدْح قُمْريٌّ له إفصاحُ
وسَقَيتَني من صَوْبِ مزنك فوْق ما / يَرْوَى به قلبُ الثرى الملتاحُ
ففداك مَنْ للمالِ أسْرٌ عنده / إذْ لم يزَلْ للمال منك سراحُ
وبقيتَ للأعياد عيداً مبهجاً / ما لاجَ في الليل البهيم صَبَاحُ