هل كانَ ضَمّخَ بالعبير الريحا
هل كانَ ضَمّخَ بالعبير الريحا / مُزْنٌ يُهّزُّ البرقُ فيه صَفيحا
تُهْدي تحِيّاتِ القُلوبِ وإنّما / تُهْدي بهنّ الوجْدَ والتّبريجا
شَرِقَتْ بماء الوَرْدِ بَلّلَ جَيْبَها / فَسَرَتْ تُرَقْرِقُ دُرّه المنْضوحا
أنفاسُ طِيبٍ بِتْنَ في درْعي وقد / باتَ الخيالُ وراءهُنّ طَليحا
بل ما لهذا البرق صِلاًّ مُطْرِقاً / ولأيّ شمْلِ الشائمين أُتيحا
يُدْني الصّباحَ بخَطْوهِ فعلام لا / يُدني الخَليطَ وقد أجَدّ نُزوحا
بِتْنا يُؤرّقُنا سَناه لَمُوحا / ويشُوقُنا غَرَدُ الحمامِ صَدُوحا
أمُسَهَّدَيْ ليلِ التِّمامِ تعالَيا / حتى نَقومَ بمأتمٍ فَنَنُوحَا
وذَرا جلابيباً تُشَقّ جيوبُها / حتى أُضَرّجَها دَماً مسْفُوحا
فلقد تجَهّمَني فِرَاقُ أحِبّتي / وغدا سَنِيحُ المُلْهِياتِ بَريحا
وبَعُدْتُ شَأوَ مطالبٍ وركائبٍ / حتى امتَطَيْتُ إلى الغمام الرّيحا
حَجّتْ بنا حرمَ الإمام نجائبٌ / تَرمي إليه بنا السُّهوبَ الفِيحا
فتَمسّحَتْ لِمَمٌ بهِ شُعْثٌ وقد / جِئْنا نُقبّل ركْنَه الممسوحا
أمّا الوفودُ بكُل مُطّلَعٍ فقدْ / سَرّحْتَ عُقْلَ مَطيّهمْ تَسريحا
هل لي إلى الفرْدوْسِ من إذنٍ وقَدْ / شارَفْتُ باباً دونَها مفتوحَا
في حيث لا الشَعراء مُفحَمَةٌ ولا / شأوُ المدائح يُدْرِك الممدوحا
مَلِكٌ أناخَ على الزّمان بكَلْكَلٍ / فأذَلّ صَعْباً في القِيادِ جَموحا
يُمضي المَنايا والعطايا وادعاً / تَعِبَتْ له عَزَمَاتُه وأُريحا
نَدعوهُ مُنْتَقِماً عزيزاً قَادِراً / غفّارَ مُوبقةِ الذّنوبِ صَفوحا
أجدُ السّماحَ دخيلَ أنْسابٍ ولا / ألْقاهُ إلا منْ يديْهِ صَريحا
وهو الغَمامُ يَصُوبُ منه حياتُنا / لا كالغمام المُسْتهلّ دَلوحا
نَعَشَ الجُدودَ فلو يُصافحُ هالكاً / ما وَسّدَتهُ يدُ المَنونِ ضَريحا
قُلْ للجبابرةِ المُلوكِ تَغَنّموا / سِلْماً كفى الحربَ العَوانَ لقوحا
بعيونكم رَهَجُ الجنودِ قوافلاً / بالأمسِ تنتعلُ الدّماءَ سُفوحا
أمّتْكَ بالأسْرى وفُودُ قبائلٍ / لا يَجتدينَكَ سَيْبَكَ الممنوحا
وَصَلوا أسىً بغليلِ تَذكارٍ كما / وصَل النّشاوَى بالغَبوق صَبوحا
لو يُعْرَضُونَ على الدُّجُنّة أنكرَتْ / ذاكَ الشحوبَ النُّكْرَ والتلويحا
ولقد نَصَحْتَهُمُ على عُدْوانهم / لكنّهم لا يَقْبلونَ نَصيحَا
حتى قَرَنْتَ الشمْلَ والتفريقَ في / عَرَصَاتهمْ والنّبْتَ والتّصْويحا
ونَصَرْتَ بالجيش اللُّهام وإنّما / أعْدَدْتَهُ قبل الفُتوح فتوحا
أُفْقٌ يمورُ الأفْقُ فيه عجاجةً / بحرٌ يموج البحرُ فيه سَبوحا
لو لم يَسِرْ في رَحْبِ عَزمِك آنفاً / لم يُلْفِ مُنخَرَقَ الخُبوتِ فسيحا
يُزْجيهِ أرْوَعُ لو يُدافَعُ باسمِهِ / عُلوِيُّ أفلاكِ السّماء أُزيحا
قادَ الخضارمةَ الملوكَ فوارساً / قد كان فارسَ جمْعها المشبوحا
فكأنّما مَلَكَ القضاءَ مُقدِّراً / في كُلِّ أَوبٍ وَالحِمامَ مُتيحا
وافى بِهَيبَةِ ذي الفقارِ كَأَنَّما / وَشّحْتَهُ بِنِجادِهِ تَوْشِيحا
حتى إذا غَمَرَ البحارَ كتائباً / لو يرتشفْنَ أُجاجَها لأميحا
زخَرَتْ غواشي الموت ناراً تلتظي / فأرَتْ عَدوّكَ زندَك المقدوحا
فكأنّما فَغَرَتْ إليهِ جَهَنّمٌ / منُهنّ أو كلَحَتْ إليه كُلوحا
وأُمَيّةٌ تُحفْي السّؤالَ وما لِمَنْ / أودى به الطُّوفانُ يذكرُ نُوحا
بُهِتُوا فهم يَتَوَهّمونَكَ بارِزاً / والتّاجَ مؤتلقاً عليك لَمُوحا
تتجاوبُ الدّنْيا عليهم مأتَماً / فكأنّمَا صَبّحْتَهُمْ تصبيحا
لَبِسوا معائبَهم ورُزْءَ فقيدِهم / كاللاّبساتِ على الحِدادِ مُسوحا
أنْفِذْ قضاءَ اللّهِ في أعدائهِ / لِتُراحَ من أوتارها وتُريحا
بالسّابقين الأوّلِينَ يؤمُّهُمْ / جبريلُ يَعتَنِقُ الكُماةَ مُشِيحا
فكأنّ جَدّكَ في فوارسِ هاشِمٍ / منهم بحيثُ يرى الحسينَ ذبيحا
أعَليكَ تختلِفُ المنَابِرُ بعدَما / جَنحتْ إليكَ المَشْرِقانِ جُنوحا
أمْ فِيكَ تخْتلِجُ الخلائقُ مِرْيَةً / كلاّ وقد وَضَحَ الصّباحُ وُضوحا
أُوتِيتَ فَضْلَ خِلافَةٍ كنُبُوّةٍ / ونَجِيَّ إلهامٍ كوَحْيٍ يُوحَى
أخَليفَةَ اللّهِ الرّضَى وسبيلَهُ / ومَنَارَهُ وكِتَابَهُ المشروحا
يا خيرَ مَن حجّتْ إليهِ مَطيّةٌ / يا خيرَ من أعطى الجزيلَ مَنوحا
ماذا نقولُ جَلَلْتَ عن أفهامنِا / حتى استَوَينْا أعْجَماً وفَصيحا
نَطَقَتْ بك السَّبْعُ المثاني ألسُناً / فكَفَيْنَنَا التعريض والتّصْريحا
تَسْعَى بنورِ اللّهِ بَينَ عِبادِهِ / لتُضيءَ بُرهاناً لهم وتلوحا
وَجَدَ العِيانُ سناك تحقيقاً ولم / تُحِطِ الظّنونُ بكُنهِهِ تصريحا
أخشاكَ تُنسي الشمسَ مطلعَها كما / أنسى الملائكَ ذكرُك التسبيحا
صورت من ملكوت ربك صورةً / وأمَدَّها عِلماً فكنْتَ الرّوحا
أقسمتُ لولا أن دُعيتَ خليفةً / لَدُعِيتَ من بعدِ المسيح مسيحا
شَهِدَتْ بمفخركَ السّمواتُ العُلى / وتنزّلَ القرآنُ فيك مديحا