مازلتُ في طَوري أُخاطبُ ذاتي
مازلتُ في طَوري أُخاطبُ ذاتي / من غير ماطَورٍ ولا ميِقات
حتى تَفَقّهْتُ الخطابَ كأنّهُ / قد كانَ يُسْمَعُ منْ جميع جهاني
آنَستُ نارَ الأُنس من وادي طُوى / سرَّي فَضَاءَتْ بالهدى ظُلُماتي
قَسَماً بنون الكون والقَلَم الذي / قد خَطَّ في لوح البقاء صفاتي
وَبمَنْ بَقيتُ على الفناء لحُبه / حتى غدا موتي عَليْه حياتي
إنّي رأيَتُ به وجودي في الورى / عَدمي وآلامي به لَذَّاتي
عَن كُلِّ شيءٍ قَدْ خَفيتَ وإنَني / لأراكَ في الأشياء بالآيات
حَسْبي وصالُكَ فَهْوَ أوَّلُ بُغيتي / أملاً وأخرُ مُنتهى طَلباتي
إنَّ النزوعَ إلى لقائكَ حجَةٌ / يَرمي فؤادَ الصّبِّ بالجمرات
حَجي بجُثماني إليكَ بحجَتَي / بالأين إذ لا أينَ منكَ لآتي
وَمُنايَ أنتَ إذا أَقامَ على منى / قوم ومَعرفَتي ذُرى عَرَفات
وَلَبَيْتُ قَلْبٍ أنت ساكنُ خلبه / لأحقُّ بالتّطواف والعمرات
لَسْتُ المروَّعَ بالجحيم ولا الذي / يبغي جناناً غَضّة الثَمرات
تَرْكُ الشّهيِّ لما يُحَبُّ دوامُه / شَرَه وَحرص في اقتنا الشّهوات
والخوفُ من شيءٍ سواكَ تَشَاغل / بسواكَ في عُمُري وَبَعْدَ مماتي
بل بُغيتي صلَتي بحَضْرَتكَ اللتي / جَلّتْ عن الحركات والسَكَنَات
وَتَخلُّصي من آلتي لأنالَ ما / لا يَنبغي بتناوُل الآلات
وَتَمَتُّعي بجَمالكَ الفَرد الذي / هو غايةُ الحُسن البديع الذاتي
حَسَنٌ على الأكوان منهُ بهجةٌ / معشوقة للنّاس من لمحاتي
روحُ البريّة نَفْحَةٌ من روحه / نَسَمَتْ فأحيَتْ مَيِّتَ النّسمات
لم أدعُ هزّاً للعطاء ولم أزدْ / علماً بحالي حالةَ الأزمات
إنْ كانَ علْمُكَ حاضراً ذاتاً وما / توليه فيّاضاً على الأشتات
لكنْ أُوَطدُ للتّلَقّي مُهْجَةً / قَلقَت بما أُبديه من دَعَواتي
ولأَنتَ أقرَبُ حينَ أدعو مُخلصاً / في الخطب من ريقي إلى لهواتي
فَلكَ الثّناءُ السّرْمَديَ مؤبّداً / لم يحُصه مُتَكلم بصفت