مَن مُبلغ المنصور عن بغداد
مَن مُبلغ المنصور عن بغداد / خَبَراً تَفيض لمثله العَبَرات
أمست تُناديه وتَندبُ أربُعاً / طَمَست رسوم جمالها الهَبَوات
وتقول يا لأَبي الخلائف لو ترى / أركان مجدي وهي مُنهدِمات
لغدوت تُنكِرني وتبرحِ قائلاً / بتعجب ما هذه الخَربات
أين البروج بنيتهنّ مشِيدة / أين القصور عَلت بها الشُرُفات
أين الجنان بحيث تجري تحتها ال / أنهار يانعة بها الثمرات
أترى أبو الأمناء يعلم بعده / بغدادَ كيف تَروعها النكبات
لا دجلة يا للرزية دجلة / بعد الرشيد ولا الفرات فرات
كان الفرات يُمدّ دجلةَ ماؤه / بجداول تُسقَى بها الجنات
إذ بين دجلة والفرات مصانع / تفترّ عن شنب بها السنوات
يا نهر عيسى أين منك موارد / عذُبت وأين رياضك الخضلات
ماذا دهى نهرَ الرُفَيل من البلى / حيث المجاري منهُ مندرسات
إذ قصر عيسى كان عند مصبّه / وعليه منه أطلّت الغُرُفات
أم أين بركة زلزل وزُلالها الس / لسال تسرح حوله الظَبيَات
يا نهر طابَقَ لاعدمتك منَهلاً / أين الصَراة تحُفّها الروضات
أم أين كرخايا تمد مياهُه / نهر الدَجاج فتكثر الغَلاّت
أم أين نهر الملك حين سلسلت / فيه المياه وهن مُطَردات
قد كان تُزدَرَع الحبوب بأرضه / فتَسِحّ فيه بفَيضها البركات
أم أين نهر بطاطيا تأتيه من / نهر الدُجَيل مياهه المُجْراة
وله فروع أصلهن لشارع ال / كبش المجاري منه مُنتهيات
تنمو الزروع بسَقيِه فغِلاله / كل العراق ببعضها يقتات
لهفي على نهر المعُلّي إذ غدت / لا تستبين جنانه النضرات
نهر هو الفِردَوس تدخل منه في / قصر الخلافة شعبة وقناة
كالسيف مُنصَلِتاً تُضاحِك وجهَه ال / أنوارُ وهي عليه مُلتَمِعات
إذ نهر بِينٍ عند كَلْواذى به / مُلْد الغصون تَهزّها النسمات
وبقربه من نهر بُوقٍ دارة / تَنْفي الهموم مروجها الخَضِرات
يا قصر باب التبر كنت مُقَرَّناً / والنَفيُ يَصدُر منك والاثبات
أيامَ تُطلعك العدالةُ شمسَها / وتَرِفّ فوقَك للهدى رايات
أيام تُبصرك الحضارة في العلا / بدراً عليك من الثنا هالات
أيام تُنشدك العلوم نشيدها / فتَعود منك على العلوم صِلات
أيام تقصدكَ الأفاضل بالرجا / فتَفيض منك لهم جَداً وهِبات
أيام يأتيك الشكِيّ بأمره / فيروح عنك وما لديه شَكاة
تَمضي الشهور عليك وهي أنيسةٌ / وتَمُرّ باسمةً بك الساعات
ماذا دهاك من الهوان فأصبحت / آثار عزّك وهي مُنطَمِسات
قد ضيّعت بغداد سابق عزّها / وغدت تَجيش بصدرها الحسرات
كم قد سقاها السَيل من أنهارها / ضُرّاً وهنّ منافع وحياة
واليوم قلت بجانبيها أرخوا / دَفَق السُيول فماجت الأزمات