هَجَر العذولَ وراح طَوعَ غُواتِه
هَجَر العذولَ وراح طَوعَ غُواتِه / ورأى قبيحَ الغَىِّ منْ حَسناتِهِ
للحبِّ حَبةُ قلبِهِ فكأنّه / من ذاتِها وكأنها من ذاتِهِ
وغدا غَريمَ غرامِه من مُقْلَتَيْ / رَشَأٍ كمالُ الحُسْنِ بَعضُ صِفاته
يبدو على الورد الجَنِيِّ إذا بَدا / خجلٌ من التقصيرِ عن وَجَناته
والغصنُ يَقْلَق في الكثيب تَذَرِّيا / بيَسيرِ ما يَحْكِيه من حركاته
يمشي فيَلقَي خصرُه مِن رِدْفِه / مثلَ الذي ألقاه من إعناته
وكأنّ نَمْلَ عِذَاره قد خاف أن / يَسْعَى به فيزلّ عن مرآته
لا ترْعِ طَرْفَك خُضْرةً بَدَرتْ به / فمصَارعُ العُشَّاقِ بين نَباته
مثلُ الحُسامِ تروقُ خُضْرةُ جوهرٍ / في مَتْنِه والموتُ في جَنَباتِه
من لونِه ذهبٌ وأيُّ مَثوبةٍ / يَحْظَى بها لو خَصَّني بزَكاته
ولقد سَقاني من كؤوسِ غَرامِه / أَضعافَ ما اسْتعذبتُ من رَشفاتِه
وحياتِه قَسَما أُعظِّم قَدْرَها / وكَفاكَ أَنْ أَكُ مُقْسِما بحياته
لأُخالفَنَّ عَواذِلي في حُبِّه / ولأُسْخِطَنَّ الْخَلْقَ في مَرْضاته
ولأَقْنَعَنَّ من المُنَى بخيالهِ / زُورا يُمَنِّينى بخُلْفِ عُداته
لا تنكرنّ السحرَ فهْو بطَرْفِه / ودليلُه ما فيّ من نَفثاتِه
سقَمى يُثبِّت ما ادّعَتْه جفونهُ / سَلْني فإني من ثِقاتِ رُواته
يَفْنَى أسيرُ الحبِّ قبلَ فَنائِه / بسقامِه ويموتُ قبلَ مَماته
وعَذابُه عَذْبٌ ولكنْ لا تَفِى / لَذّاتُه بالنَّزْرِ من آفاته
قد كنتُ أَحْذَرُه ولكن غَرَّني / فأعادَني هَدفَا لنَيْلِ رُماته
وقضَى لفَيْضِ مَدامِعي بِسجامِه / ودوامِه وفراقِه وثَباته
فكأنه فيضُ النَّوالِ مقسَّماً / في الخَلْق من كَفَّىْ أبى بَركاته
جَمَعتْ تَفاريقَ الفضائِل نفسُه / فالوصفُ يَقْصُر عن مدى غاياتِه
في طبعِه عَصَبيةٌ مع نَخْوة / أبداً يفضلها على لذاته
الفضلُ بعضُ صِفاتِه والحمدُ بع / ضُ رُواته والجود بعض هِباته
والعزم من آلاتِه والحزم من / أدواته والشكر من أَقْواته
إنْ كان حاجتُك النجومَ تَنالُها / أو فوقَ ذاك من المكارم فَاتِه
وإذا سألتَ فنَمْ فهِمَّتُه بها / كالبَيْنِ بين جُفونه وسِناته
وانظرْه عند سؤالِه فلِوجههِ / خَفرٌ يشوب البِشْرَ في صَفحاته
ويودّ لو يبدو لحاجةِ سائلٍ / من قبل أنْ تُجْرَى على لَهَواته
أنا من أجال الدهرُ فيه صُروفَه / فاختصَّني بالصَّعْب من نكباته
وفَرَتْه أنيابُ النوائب واغتدتْ / فيه الحوادثُ من جميع جهاته
وتَحيَّف الحدثانُ قَصَّ جناحِه / لوُجُود غُرْبِته وفَقْدِ ثِقاته
فَلَجا إلى حَرَم ابنِ عثمانَ الذي / لَبَّت له الآمالُ من مِيقاته
فَقضَيتُ تَطْوافي بكَعْبِة جُوده / وسَعَيت ثم وقفْت في عَرَفاته
ودعوتُ هِمَّته هناك فلم يَخِب / ظني لمَا أبديتُ من دَعواته
ورجعتُ قد ظفرتْ يداي بجاهه / وبقُربه وبوُدّه وصِلاته
ولقيتُ ما سرَّ الصديقَ وساء من / عادَي فأَخْزاهُ عَقيبَ شَماته
لله أيُّ صنيعةٍ قُلِّدتُها / من فضِله المألوفِ من عاداته
فضلٌ أَنافَ على المعالي فَرْعُه / قَدْرا وطيبُ ثَناه من ثَمراته
لا زال خاطرُ ربِّ كلِّ فصاحةٍ / يُهْدى إلى عَلياك من حَسناته
فيُفيد أفرادَ الجواهرِ بهجةً / وتَطيب ريحُ المِسْك من نَفَحاته
مدحٌ تكرِّره الرواةُ ومُطرِبُ الأل / حانِ والحادِي لدى فَلَواته
وبقيتَ ما بقي الزمانُ مكرما / وثَناك مكتوبٌ على جَبَهاته