المجموع : 5
أسَفاً لمن قد ماتَ قبلَ مَماتِهِ
أسَفاً لمن قد ماتَ قبلَ مَماتِهِ / لا بل لَعَمْري مات قبلَ حياتِهِ
لم يَدْرِ طَعْمَ العَيشِ مُنتبِهاً لهُ / كالحَيِّ حَتَّى ذاقَ طَعْمَ وَفاتِهِ
هذا غُلامٌ كالكُهولِ فكيفَ لو / بَلغَ الشَبابَ وخاضَ في فَلوَاتِهِ
ما زالَ يَنَحتُ ذِهنُهُ من قَلبِهِ / حَتَّى بَراهُ فكانَ شَرَّ عُدَاتِهِ
نَهْنِه دمُوعَكَ يا أبهاُ فقد جَرَى / ما قد جَرَى ومَضَى على عِلاّتِهِ
أشقَى الوَرَى عَيناً وأضيَعُ مَدمعاً / مَن قد بَكَى للأمرِ بعد فَواتِهِ
قد كانَ قبلَ البَينِ أهلاً للبُكا / إذ لم يكُنُ أمَلٌ بطُولِ ثَباتِهِ
عَهدِي بهِ أنْ لا يعيِشَ نَظيرُهُ / فَحسِبتُهُ قد جَفَّ مُنذُ نَباتِهِ
إذ لم يَجِدْ في الناسِ أمثالاً لهُ / طَلَبَ الملائكَ فَهْيَ من طَغمَاتِهِ
ولقد رآهُ الدَّهرُ من آحادِهِ / فلِذاكَ لم يُدْخِلْهُ في عَشَراتِهِ
يا صاحبَ السَّبْعِ السِّنينَ ودُونِها / ماذا تَرَكتَ لشَيخِنا في ذاتِهِ
أنتَ الغريبُ كما نَرَاكَ وهكذا / شَمْلُ الغريبِ يكونُ قُرْبَ شتاتِه
قد ضاق جسمك عن مدى النَّفس التّي / ضغطت هياكِلها جميع جهاتهِ
فمَضت إلى الموعودِ من غاياتِها / ومَضَى إلى المعهودِ من غاياتِهِ
هذا الذي تَرَكَ الأبُ الأقصَى لنا / لكن كَحظِّ بَنيهِ حَظُّ بَناتِهِ
كأسٌ على الغِلمانِ يَعرِضُ تارةً / قبلَ الشُّيوخِ لُسوءِ رأيِ سُقاتِهِ
يا أيُّها القبرُ الذي استُودِعْتَهُ / أبشِرْ فما من قائلٍ لكَ هاتِهِ
إِعطِفْ عليهِ فأنتَ حَقاً أمُّهُ / وازجُرْ ثَراك مُؤَدِّباً حَشَراتِهِ
واحرصْ على ذاكَ اللِسانِ فإنَّهُ / قد كانَ يَسقِي الشَّهْدَ من كَلِماتِهِ
لَكَ أُمُّهُ رَبَّتْهُ فاشكُرْ فَضْلَها / واشكُرْ أباهُ فذاكَ من حَسنَاتِهِ
يا طالما سَهِرَتْ عليهِ فقُلْ لها / ها قد أمِنْتِ اليومَ من يَقَظاتِهِ
لا تَخلَعي ثوبَ السَّوادِ لأجلِهِ / ما دامَ تحتَ اللَحْدِ في ظُلُماتِهِ
لمّا رآكِ وقد دَعَوْتِ بفارسٍ / سَبَقَ الرِّجالَ وجَدَّ في خَطَواتِهِ
لا تُنكِري هذا القَضاءَ بمَوتِهِ / فلَقَدْ جَرَى فيهِ على عاداتِهِ
بَلغَ الكمالَ كطاعنٍ في سنِّهِ / فَيكونُ ذلكَ مُنتَهَى أوقاتِهِ
يا آلَ ثابِتَ بعدَ فقْدِ كريمِكم
يا آلَ ثابِتَ بعدَ فقْدِ كريمِكم / كُفُّوا البُكاءَ فكلُّ حيٍّ مائتُ
ولقد تحقَّقَ مِن مُؤرِّخِهِ الرَّجا / في حِجْرِ إبراهيمَ يوسُفُ ثابتُ
وَجَبَتْ زيارةُ تُربةٍ مبرورةٍ
وَجَبَتْ زيارةُ تُربةٍ مبرورةٍ / في طَيِّها شخصُ الكَرامةِ بائتُ
قد أثبَتَ التَّاريخُ فيها أنَّهُ / في منزلِ الأبرارِ يوسُفُ ثابِتُ
يا مَن أغارَ عليهِ ريحٌ أصفرٌ
يا مَن أغارَ عليهِ ريحٌ أصفرٌ / كمْ مِن غُصونٍ بالرِّياحِ تقصَّفتْ
حوَّلتَ وا أسفا بني فرحٍ إلى / حُزنٍ لهُ كلُّ القلوبِ تَلهَّفَتْ
يا نخلةً ذَهَبتْ بلا ثُمرٍ نَرى / كلُّ العِبادِ على صِباكَ تأسَّفَتْ
ونَراكَ في اللحدِ المؤرَّخِ شمعةً / وَرَدَ الهَوَى يوماً عليها فانطفَتْ
في حضنِ إبراهيمَ سارةُ أصبحت
في حضنِ إبراهيمَ سارةُ أصبحت / بكرٌ بصَدْرِ العامِ كان مَماتُها
محمودةُ الأوصافِ بُستانيَّةٌ / قد صارَ في روضِ الجِنانِ نَباتُها
لمّا استعدَّت للرَّحيلِ تهلَّلتْ / شوقاً إلى دارٍ يدومُ ثَباتُها
قالت مؤرِّخةً بحَسْبِ صَلاحِها / موتُ النُّفوسِ الصالحاتِ حَياتُها