هَلاّ وقفتَ على المكانِ المعشبِ
هَلاّ وقفتَ على المكانِ المعشبِ / بين الطويلعِ فاللِّوى من كَبْكَبِ
فنجادِ توضَح فالنضائدِ فالشَّظا / فرياضِ سَنْحةَ فالنَّقا من جَوْنَبِ
طال الثَّواء على منازلَ اقفرتْ / من بعدِ هندٍ والرَّبابِ وزَينبِ
أُدْمٌ حَللن بها وهنَّ أوانسٌ / كالعِينَ تَرعى في مسالكِ أُهضُبِ
يَضحكن من طربٍ بهنَّ تَبسُّماً / عن كلّ أبيضَ ذي غُروبٍ أشنبِ
حُورٌ مدامِعُها كأنّ ثغورَها / وَهْناً صوافي لؤلؤ لم تُثْقبِ
إنسٌ حللن بها نواعمَ كالدُّمى / من بين مُحصنة وبِكر خَرْعَبِ
لعساءَ واضحةِ الجبين أسيلةٍ / وعثِ المؤزّرِ جثلةِ المتنقَّبِ
كنّا وهنّ بنَضرةٍ وغَضارةٍ / في خفض عيش راغدٍ مستعذبِ
أيّامَ لي في بطن طَيْبَةَ مَنزلٌ / عن رَيبِ دهرٍ خائنٍ متقلّبِ
فعفا وصارَ إلى البلا بعد البِنا / وأزالَ ذلكَ صرفُ دهرٍ قُلّبِ
ولقد حلفتُ وقلتُ قولاً صادقاً / باللهِ لم آثَم ولم أتَريَّبِ
لمعاشرٍ غلبَ الشَّقاءُ عليهم / وهوىً أُمالَهُمُ لأَمرٍ مُتْعبِ
من حِمْيرٍ أهل السماحةِ والنَّدى / وقريشٍ الغُرِّ الكرامِ وتَغلبِ
أين التطرَّبُ بِالوَلاء وبِالهوى / أإلى الكواذبِ من بُروقِ الخلّبِ
أإلى أميّةَ أم إلى شيعِ التي / جاءت على الجمَل الخِدَبّ الشَوْقبِ
تَهوي من البلدِ الحرام فنبَّهت / بعد الهدوِّ كلابَ أهلِ الحوأبِ
يَحدو الزبيرُ بها وطلحةُ عسكراً / يا لَلرجالِ لرأيِ أُمِّ مُشْجِبِ
يا للرجال لرأي أُمِّ قادَها / ذئبانَ يكتنفانِها في أذؤبِ
ذئبان قادهما الشقا وقادها / للحَيْن فاقتحما بها في مَنْشَبِ
في ورطةٍ لَحَجا بها فتحمّلت / منها على قَتَب بإثمٍ مُحْقَبِ
أُمُّ تَدُبّ إلى ابنها وولِيّها / بالمؤذياتِ له دَبيبَ العقربِ
أمّا الزبيرُ فحاصَ حين بدتْ له / جأواءُ تُبرِقُ في الحديدِ الأَشهبِ
حتى إذا أمِنَ الحتوفَ وتحتَه / عاري النّواهقِ ذو نَجاء مُلْهِبِ
أثوى ابن جرموزٍ عميرٌ شِلَوه / في القاعِ مُنَعفِراً كشِلو التَوْلَبِ
واغتر طلحةَ عند مُختَلفِ القَنا / عبلُ الذراع شديدُ أصلِ المنكِبِ
فاختلّ حبةَ قلبهِ بمذلَّقِ / ريَّانَ من دم جوفهِ المتصبّبِ
في مارِقين من الجماعةِ فارقوا / بابَ الهدى وحيا الربيعِ المُخصِبِ
خيرَ البريةِ بعد أحمدَ من له / منِّي الهوى وإلى بنيةِ تطرُّبي
أمسى وأُصبح مِعصماً منّي له / يَهوي وحبلُ ولايةِ لم يُقْصَبِ
ونصيحةٌ خَلَص الصفاءُ له بها / منّي وشاهدُ نُصرةٍ لم يَعْزُبِ
رُدّت عليهِ الشمسُ لما فاته / وقتُ الصلاةِ وقد دنتْ للمغربِ
حتى تبلّج نورُها في وقتِها / للعصرِ ثم هوت هُوِيَّ الكَوْكبِ
وعليه قد حُبست ببابلَ مرّةً / أُخرى وما حُبست لخلقٍ مُغْرِبِ
إلاّ ليوشَع أو له من بعدِه / ولِرَدِّها تأويلُ أمرٍ معجبِ
ولقد سرى فيما يسيرُ بليلةٍ / بعد العشاءِ بكَربلا في موكبِ
حتى أتى متبتِّلاً في قائمٍ / ألقى قواعدَه بقاعٍ مُجْدِبٍ
تأتيه ليس بحيث تَلقى عامِراً / غيرَ الوحوش وغيرَ أصلعَ أشيبِ
في مُدمَجٍ زَلِقٍ أشمَّ كأنّه / حُلقومُ أبيضَ ضيّقٍ مستَصْعَبِ
فدنا فصاح به فأشرف مائلاً / كالنَّسرِ فوقَ شظيّة من مَرْقَبِ
هل قربَ قائمكَ الذي بُوِّئتَه / ماءٌ يصاب فقالَ ما من مَشْربِ
إلاّ بغايةِ فرسخيْن ومن لنا / بالماء بين نقاً وقِيّ سبسبِ
فثَنى الأعنّةَ نحو وَعْثٍ فاجتلى / مَلساءَ تُبرق كاللجينِ المُذْهَبِ
قال اقلبوها إنّكم إن تقلبوا / تُرْوَوا ولا تروَوْن إن لم تُقلب
فاعصَوْصَبوا في قَلعها فتمنَّعت / منهم تمنُّعَ صَعبةٍ لم تُرْكَبِ
حتى إذا أعيتهمُ أهوى لها / كفّاً متى تَردُ المُغالِبَ تَغْلِبُ
فكأنّها كُرةٌ بكفٍّ حَزَوّرٍ / عبلِ الذراع رِحابُها في مَلْعَبِ
فسقاهمُ من تحتِها متسلسِلاً / عَذباً يزيدُ على الأَلذِّ الأَعذبِ
حتى إذا شربوا جميعاً رَدَّها / ومضى فَخِلْتَ مكانَها لم يُقْرَبِ
أعني ابن فاطمةَ الوصيَّ ومن يَقُلْ / في فضلِه وفِعالِه لم يَكْذبِ
ليست ببالغةٍ عُشَيرَ عُشيرَ ما / قد كان أُعطيه مقالةُ مُطْنِبِ
صهرُ النبيِّ وجارُه في مسجدٍ / طُهْرٍ بِطَيبَة للرسولِ مُطَيَّبِ
سيّانِ فيه عليه غير مُذمَّمٍ / مَمشاه إن جُنُباً وإن لم يُجنبِ
وسرى بمكّةَ حين باتَ مبيتَه / ومضى بروعةِ خائفٍ مترقِّبِ
خيرُ البريةِ هارباً من شرّها / بالليلِ مكتتماً ولم يَسْتَصْحِبِ
باتوا وبتَ على الفراشِ ملفَّعاً / فيرونَ أنّ محمداً لم يَذْهَبِ
حتى إذا طلع الشميطُ كأنّه / في اللّيلِ صفحةُ خدِّ أدهمِ مُغْرِبِ
ثاروا لأخذ أخي الفراشِ فصادفتْ / غيرَ الذي طَلبت أكفُّ الخُيَّبِ
فوقاهُ بادرَة الحتوفِ بنفسه / حَذراً عليه من العدوِ المُجْلِبِ
حتى تغيّب عنهم في مدخل / صلّى الإلهُ عليهِ من مُتَغَيَّبِ
وجزاه خيرَ جزاءٍ مُرْسَلِ أمّة / أدَّى رسالَته ولم يَتَهيَّبِ
فتراجعوا لما رأوْه وعاينوا / أَسَدَ الإِله مجالِداً في مَنْهَبِ
قالوا اطلبوه فوجّهوا من راكبٍ / في مبتغاه وطالبٍ لم يَرْكَبِ
حتى إذا قصدوا لبابِ مغارِهِ / ألفَوْا عليهِ نسيجَ غَزلِ العَنْكَبِ
صنعَ الإلهُ لهُ فقال فريقُهم / ما في المغارِ لطالبٍ من مَطْلَبِ
مِيلوا وصدّهمُ المليكُ ومن يُرِدْ / عنهُ الدفاعَ مليكُهُ لا يَعْطبِ
حتى إذا أمِن العيونَ رَمَتْ به / خُوصُ الركابِ إلى مدينةِ يثربِ
فاحتل دارَ كرامةٍ في مَعشرٍ / آوَوْه في سِعةِ المحلِّ الأَرحبِ
وله بخيبَر إذ دعاه لرايةٍ / ردّت عليه هناكَ أكرمَ مَنْقَبِ
إذا جاء حاملُها فأقبل مُتعباً / يَهوي بها العَدَوِيُّ أو كالمتعبِ
يَهوي بها وفتى اليهودِ يَشُلُّه / كالثورِ ولّى من لواحقِ أكلبِ
غضب النبيُّ لها فأنّبه بها / ودعا أخا ثقة لكهلٍ مُنْجِبِ
رجلاً كلا طرفيه من سامٍ وما / حامٍ له بأبٍ ولا بأبي أبِ
من لا يفِرُّ ولا يُرى في نجدةِ / إلاّ وصارِمُه خضيبُ المضْرِبِ
فمشى بها قِبَلَ اليهودِ مصمِّما / يَرجو الشهادة لا كَمَشْيِ الأَنْكِبِ
تَهتزُّ في يمنى يَدَيْ متعرِّضٍ / للموتِ أروعَ في الكريهةِ مِحْرَبِ
في فيلقٍ فيه السوابغُ والقَنا / والبيضُ تلمعُ كالحريق المُلْهَبِ
والمشرفيّةُ في الأكفِّ كأنّها / لمعُ البروقِ بعارضٍ مُتَحَلِّبِ
وذوو البصائرِ فوق كلّ مقلّصٍ / نَهْد المراكِلِ ذي سَبيب سَلْهبِ
حتى إذا دنت الأسَّنةُ منهمُ / ورَمَوْا فنالَهمُ سِهام المِقْنَبِ
شدّوا عليه ليُرْجِلوه فردّهم / عنه باسمَر مستقيمِ الثعلبِ
ومضى فأقبلَ مرحّبٌ متذمِّراً / بالسيفِ يَخطر كالهِزَبْرِ المُغْضَبِ
فتخالسا مهجَ النفوسِ فاقلعا / عن جَري أحمرَ سبائلٍ من مَرْحَبِ
فهوى بمختَلَفِ القَنا متجدِّلاً / ودمُ الجبين بخدِّهِ المُتَتَرِّبِ
أجلى فوراسهُ وأجلى رَجلُه / عن مُقْعَص بدمائِه مُتْخَضِّبِ
فكأنّ زوَّره العواكفَ حولَهُ / من بين خامِعَةٍ ونَسرٍ أهْدَبِ
شعثٍ لَعافطةٍ دُعوا لوليمةٍ / أو ياسرون تَخالسوا في مَنْهَبِ
فاسأل فإِنّك سوف تُخبرُ عنهمُ / وعن ابن فاطمةَ الأغرِّ الأَغلبِ
وعن ابنِ عبدِ اللهِ عمرٍو قبلَهُ / وعن الوليدِ وعن أبيه الصَقْعَبِ
وبني قُرَيظة يومَ فرَّقَ جمعَهم / من هاربين وما هلمْ من مَهْرَبِ
وموائلين إلى أزلَّ ممنّعٍ / راسي القواعدِ مشمخَرٍّ حَوْشَبِ
ردَّ الخيولَ عليهمُ فتحصَّنوا / من بعد أرعنَ جَحفلٍ متحزِّبِ
إنّ الضّباع متى تُحسَّ بنبأةٍ / من صوت أشوسَ تَقشعرَّ وتَهربِ
فدُعوا ليمضي حكمُ أحمدَ فيهمُ / حكمَ العزيزِ على الذليل المذنبِ
فَرَضوا بآخرَ كان أقربَ منهمُ / داراً فمتّوا بالجِوارِ الأقربِ
قالوا الجوارُ الكريم بمنزلٍ / يَجري لديه كنسبةٍ المتنسِّبِ
فقضى بما رضي الإلهُ لهمْ به / بالحربِ والقتلِ الملحّ المُخْرِبِ
قتل الكهولَ وكلّ أمردَ منهم / وسِبى عقائلَ بدَّنا كالرَبْرَبِ
وقضى عَقارَهمُ لكل مهاجرٍ / دون الألى نَصروا ولم يَتَهيَّبِ
وبخمَّ إذ قال الإلهُ بعَزمةٍ / قُمْ يا محمدُ بالولايةِ فاخطُبِ
وانصُب أبا حسنٍ لقومك إنّه / هادٍ وما بلّغتَ إن لم تَنْصُبِ
فدعاهُ ثم دعاهمُ فأقامهُ / لهمُ فبينَ مصدِّقِ ومُكَذِّبِ
جعل الولايةَ بعدَه لمهذَّبٍ / ما كان يَجعلها لغيرِ مهذَّبِ
وله مناقبُ لا تُرام متى يُرِدْ / ساعٍ تَناوُلَ بعضِها بِتَذبذبِ
إنّا ندينُ بحبِّ آلِ محمد / دِيناً ومن يُحيهم يستوجبِ
منّا المودّة والوَلاءُ ومن يرد / بدلاً بآلِ محمد لا يُحببِ
ومتى يَمُتْ يردِ الجحيمَ ولا يَرِدْ / حوضَ الرسول وإن يَرِدْه يُضْرَبِ
ضربَ المحاذرِ أن تَعُرَّ رِكابُه / بالسوطِ سالفةَ البعيرِ الأجربِ
وكأنّ قلبي حين يَذْكُر أحمداً / ووصيَ أحمدَ نيطَ من ذي مِخلبِ
بِذُرى القوادمِ من جَناحٍ مُصَعِّدِ / في الجوّ أو بِذُرى جَناحِ مُصَوِّبِ
حتى يكادَ من النزاع إليهما / يَفري الحجابَ عن الضلوعِ الصُلَّبِ
هبةٌ وما يَهبُ الإلهُ لعبدِه / يَزدد ومهما لا يَهبْ لا يُوهَبِ
يَمحو ويُثبتُ ما يشاءُ وعندَه / علمُ الكتابِ وعلمُ ما لم يُكتْبِ