همٌّ سرى في أضلعي وسرى بي
همٌّ سرى في أضلعي وسرى بي / فالبرقُ سَوْطي والظلامُ ركابي
لأكَلِّفنَّ الليلَ عَزْماً طالعاً / في كلِّ مظلمةٍ طلوع شهاب
ولأعنينَّ الدهر أن يصمَ المنى / ولو انَّني أَنضبتُ ماء شبابي
بالهولِ أركبُهُ بكلِّ دُجُنَّةٍ / والسيرِ أُعملُهُ بكلِّ يباب
من مبلغُ الزهراء أَنِّيَ راتعٌ / منها بروضِ أزاهرِ الآداب
ومخبِّر البلقاء أنَّ خطيبها / ظَفِرتْ يدي من سجعه بخطاب
مهلاً أبا بكر فكلُّ مُسوَّمٍ / نازَعْتَهُ طَلَقَ الأعنَّةِ كابي
قسماً لَهَاتيكَ المحاسنُ أفصحت / بمثالب الشعراء والكتاب
يبني لك المجد المؤثَّلَ أخرسٌ / بَهَرَتْ فصاحتُهُ ذوي الألباب
قلم تمشَّى في طروسِكَ فانبرتْ / مثلَ الرياضِ وأيمِها المُنْساب
جاءت حلاها واضحاتٍ كلُّها / فكأنهن مباسم الأحباب
من كل محكمة كأن شذورها / حلي الترائب من دمىً أتراب
تركت حلاوةُ لفظها إذ نوزعتْ / أكوابُها كالصَّابِ لفظَ الصابي
تردُ العيونُ عيونَها في مُهْرَقٍ / رُقمتْ به وِردَ القطا الأسراب
فكأنما أُلِّفنَ من حدَقِ المها / أو من ثنيات لهن عذاب
أو من صفاء مودةٍ أدبيّةٍ / أَغْنَتْ غَنَاءَ تلاحُمِ الأنسابِ
لبَّيْكَ داعيَها وإني ضامنٌ / ألاّ تَزالَ وثيقةَ الأسباب
ناديتَ أسرعَ من يجيب لدعوةٍ / محمودةٍ فأجبتَ خيرَ مُجابِ
إن نشترك في الودِّ إنَّا والعلا / جرض لمشتركانِ في الأوصاب
إيهٍ دموعَكَ للفضائلِ أقلعتْ / والمجدُ صار إلى حصىً وتراب
ولتبكِ من جزعٍ فإنَّ بكاءَنا / لمصارعِ الأحلام والأحساب
أَفَلَتْ نجومُ العلم لا لتعاقبٍ / ومضت وفودُ الحلم لا لإياب
قد خِلْتُ والأيامُ تنتهبُ العلا / بنوائبٍ ما حدُّهنَّ بناب
وارحمتا للمجد أقوى رَبْعُهُ / من ماجدٍ محضِ النجارِ لباب
من ذي يدٍ حَبَتِ الزمانَ أيادياً / مُلِئَتْ بهنَّ حقائبُ الأحقاب
فضفاضُ درعِ الحمد مُشتملٌ بها / عفُّ الضمائر طاهرُ الأثواب
ولاَّجُ أبوابِ الأمورِ برأيهِ / طلاَّعُ أنجادٍ لها وهضاب
عِلقٌ أطال من الليالي فَقْدُهُ / فلبستُ ليلاً سابغَ الجلباب
متململاً أصِلُ الدموعَ بمثلها / صلةَ العِهادِ رَبابَها برباب
أردى شبيبته الرَّدى ومن المنى / لو يفتديها شرخُ كلِّ شباب
سلبَتْه دنياهُ ثيابَ حياتِهِ / فَلَتَعْصِبَنَّ عليه ثوبَ سِلاب
ولينكصنَّ الصبرُ بعد وفاته / من كلِّ مصطبرٍ على الأعقاب
أَنَّى خَبَتْ تلك العزائمُ ريثما / لم يخلُ من ضرَمٍ ومن إلهاب
أمست كنانةُ بعدهنَّ كِنانةً / مهجورةً صَفِرَتْ من النُشَّاب
وتضعضعت أركانها لِحُلاحِلٍ / قد كان منها في ذُرى الأَهضاب
وتكوَّرت شمسُ العَلاءِ وأُطْفِئَتْ / سُرُج العلومِ وأنوُرُ الآداب
واربدَّ وجهُ الحكم لمّا أن رأى / ذاك السَّنا متوارياً بحجاب
ولربَّ طَبٍّ بالزمان أهاب بي / وبه من الرزءِ المبرِّح ما بي
أأُخَيَّ إنَّ الدهرَ يَعجَبُ صَرفُه / من طول دأبكَ في البكاء ودابي
لا تصلح العبراتُ إلا لامرئٍ / لم يدرِ أنَّ العيشَ لمعُ سَرَاب
إنْ تبْكِهِ فمن الوفاءِ بكاؤُهُ / لكنْ ثوابُ الصبر خير ثواب
وقُصارُ أعيننا دموعٌ وكّفٌ / وقُصارُه طُوبى وحسن مآب