وَافاك بالذنبِ العظيمِ المُذْنِبُ
وَافاك بالذنبِ العظيمِ المُذْنِبُ / خَجِلاً يُعَنِّفُ نفسَهُ ويُؤَنِّبُ
لم لا يشُوبُ دُمُوعَهُ بِدِمائِه / ذو شيبَةٍ عَوْرَاتُها مَا تُخْضَبُ
لَعِبَتْ به الدّنيا ولولا جَهْلُه / ما كان في الدنيا يخوضُ ويَلعبُ
لَزمَ التَّقَلُّبَ في مَعاصِي رَبِّهِ / إذْ باتَ في نَعْمائِهِ يَتَقَلَّبُ
يستغفِرُ اللَّهَ الذُّنوبَ وقلبُه / شرِهاً على أمْثالها يَتَوثَّبُ
يُغْرِي جَوَارِحَهُ عَلَى شَهَوَاتِهِ / فكأنَّهُ فيما استَبَاحَ مُكلِّبُ
أضْحَى بِمُعْتَرَكِ المَنايا لاهِياً / فكأنَّ مُعْتَرَك المنايا مَلْعَبُ
ضاقَتْ مذاهِبُه عليه فما لَه / إلَّا إلى حَرَمٍ بِطَيْبَةَ مَهْرَبُ
مُتَقَطِّعُ الأسبابِ مِنْ أعمالِهِ / لكنه بِرَجَائِه مُتَسَبِّبُ
وقَفَتْ بِجاهِ المصطفى آمالُه / فكأَنه بذنوبه يَتَقَرَّبُ
وَبَدا له أنَّ الوُقُوفَ بِبابِهِ / بابٌ لِغُفْرانِ الذُّنوبِ مُجَرَّبُ
صلَّى عليه اللَّهُ إنَّ مَطامِعي / في جُودِهِ قد غارَ منها أشعَبُ
لِم لا يغارُ وقد رآني دونَه / أدركْتُ مِنْ خَيْرِ الوَرَى ما أطلُبُ
ماذا أخافُ إذا وَقَفْتُ بِبابِهِ / وصَحائِفي سُودٌ ورأْسِيَ أشْيَبُ
والمصطَفى الماحي الذي يمحو الذي / يُحْصِي الرقيبُ على المُسيء وَيَكْتُبُ
بَشَرٌ سَعِيدٌ في النُّفُوسِ مُعَظَّمٌ / مِقْدارُه وإلى القلوبِ مُحَبَّبُ
بجمالِ صُورَتِهِ تَمَدَّحَ آدَمٌ / وبيَانِ مَنْطِقِه تَشَرّفَ يَعْرُبُ
مِصْباحُ كلِّ فضيلةٍ وإمامُها / وَلِفَضْلِهِ فَضْلُ الخَلائِقِ يُنْسَبُ
رِدْ واقْتَبِسْ مِنْ فَضْلِهِ فبِحارُه / ما تَنْتَهِي وشُموسُهُ ما تَغرُبُ
فلكلِّ سارِ مِنْ هُداهُ هِدايَةٌ / ولكلِّ عافٍ مِنْ نَداه مَشْرَبُ
وَلكلِّ عَيْنٍ منه بَدْرٌ طالع / ولكلِّ قلبٍ منه لَيْثٌ أَغْلَبُ
مَلأَ العوالِمَ عِلْمُهُ وثَنَاؤُهُ / فيه الوُجُودُ مُنَوَّرٌ ومُطَيَّبُ
وَهَبَ الإِلهُ لهُ الكمالَ وإنَّهُ / في غَيْرِهِ مِنْ جِنْسِ ما لا يُوهَبُ
كُشِفَ الغِطاءُ لهُ وقد أُسْرِي به / فعُلُومُهُ لا شيءَ عنها يَعزُبُ
وَلِقَابِ قَوْسَيْنِ انْتَهَى فمَحَلُّهُ / مِنْ قابِ قَوْسَيْنِ المَحَلُّ الأقْرَبُ
ودَنَا دُنُوّاً لا يُزَاحِمُ مَنْكِباً / فيه كما زَعَمَ المُكَيِّفُ مَنْكِبُ
فاتَ العبارَةَ والإِشارَةَ فضلُهُ / فعليكَ منه بما يُقالُ ويُكْتَبُ
صَدِّقْ بما حُدِّثْتُ عنه فَفي الوَرَى / بالغيْبِ عنه مُصَدِّقٌ وَمُكَذِّبُ
واسمَعْ مناقِبَ للحبيبِ فإنّها / فِي الحُسْنِ مِنْ عَنْقَاءَ مُغْرِبَ أغْرَبَ
مُتَمَكِّنُ الأخلاق إلّا أنّه / في الحُكمِ يَرْضَى للإلهِ وَيَغْضبُ
يَشْفِي الصُّدُورَ كلامُه فدواؤُه / طَوراً يَمُرُّ لها وطَوْراً يَعْذُبُ
فاطْرَبْ لتَسْبِيحِ الحَصَى في كَفِّهِ / فَمِنَ السَّماعِ لِذِكْرِهِ ما يُطرِبُ
والجِذْعُ حَنَّ لهُ وباتَ كمغْرَمٍ / قَلِقٍ بفَقْدِ حَبيبِه يَتَكَرَّبُ
وَسَعَتْ له الأحجارُ فهْيَ لأَمرِه / تأْتي إليه كما يشاءُ وتَذْهَبُ
واهْتَزَّ مِنْ فَرَحٍ ثَبِيرٌ تَحْتَهُ / وَمِنَ الجِبَالِ مُسَبِّحٌ ومُؤَوِّبُ
والنَّخْلُ أثْمَرَ غَرْسُه في عامِه / وَبَدَا مُعَنْدَمُ زَهْوِهِ والمَذْهَبُ
وَبَنانُهُ بالماءِ أَرْوَى عَسْكَرا / فكأنّه من دِيمَةٍ يَتَصَبَّبُ
والشَّاةُ إذْ عَطشَ الرَّعِيلُ سَقَتْهُمُ / وهمُ ثلاثُ مَئِينَ مما يَحْلُبُ
وشفَى جميعَ المُؤْلِمَاتِ بِريقِه / يا طِيبَ ما يَرْقي به ويُطَيِّبُ
وَمَشَى تُظلِّلُهُ الغَمامُ لِظلِّها / ذَيْلٌ عليه في الهواجر يُسْحَبُ
وَتَكَلَّمَ الأطفالُ والمَوْتَى لَهُ / بِعجائِبٍ فليَعجَب المُتعجِّبُ
والجَذْلُ مِنْ حَطَبٍ غَدا لِعُكاشَةٍ / سَيْفاً وليس السَّيفُ مما يُحْطَبُ
وعَسِيبُ نَخْلٍ صارَ عَضْباً صارِماً / يَوْمَ الوَغَى إذْ كلُّ عَيْنٍ تُقْلَبُ
وأضاءَ عُرْجُونٌ وَسَوْطٌ في الدُّجى / عَنْ أمرِهِ فكأنَّ كُلّاً كَوْكَبُ
وكأنَّ دعْوَتَهُ طليعَةُ قَوْلِ كُنْ / ما بَعْدَها إلا الإجابةَ مَوْكِبُ
تَحظَى بها أبناءُ مَنْ يدعو لَهُ / فكأنها وقْفٌ عَلَى مَنْ يُعْقِبُ
للناسِ فيها وابلٌ وصواعقٌ / نَفْسٌ بها تَحْيا ونَفسٌ تَعْطَبُ
والمَحْلُ إذْ عَمَّ البِلادَ بَلاؤُهُ / والريحُ يُشْمِلُ بالسَّمُومِ ويجنِبُ
واسْتَسْلَمَ الوَحْشُ المَرُوعُ لِصَيْدِهِ / جُوعاً وصرَّ مِنَ الحَرورِ الجُنْدُبُ
والذِّئْبُ مِنْ طولِ الطَّوَى يَبْكي عَلَى / رِمَمِ المَواشي وابنُ دايَة ينعَبُ
والناس قد ظنُّوا الظُّنُونَ كأنَّما / سَلَبَتْ قلوبَهم الرياحُ القُلَّبُ
لم تَبْكِ للأَرْضِ السماءُ به ولا / رَقَّتْ لِشائِمِها البروقُ الخلَّبُ
فَدَعَوْكَ مَخْبُوءاً لكلِّ كَرِيهةٍ / جَلَّتْ كما يُخْبا الحُسامُ ويُنْدبُ
فَرَفَعتَ عَشْرَاً مِنْ أنامِلَ داعياً / فانْهَلَّ أُسبوعاً سَحابٌ صَيبُ
فطَغَى عَلَى بُنْيانِ مكّةَ ماؤُهُ / أو كادَ يَنْبُتُ في البُيوتِ الطُّحْلُبُ
لَولا سألتَ اللَّهَ سُقيا رَحْمةٍ / ماتَتْ به الأحياءُ مما يَشربوا
فإذا البلادُ وكلُّ دارٍ رَوْضَةٌ / فيما يَرُوقُ وكلُّ وادٍ مُعْشِبُ
قد جئتُ أَسْتَسْقِي مكارِمَكَ التي / يَحْيا بها القَلْبُ المواتُ ويُخصِبُ
يا مَنْ يُرَجَّى فِي القيامةِ حيث لا / أُمٌّ تُرَجَّى للنّجَاةِ ولا أبُ
يا فارِجَ الكُرَبِ العِظامِ وَوَاهِبَ الْ / مِنَنِ الجِسامِ إليكَ منك المهرَبُ
هَبْ لِي مِنَ الغُفْرانِ رَبِّ سعادةً / ما تُسْتَعادُ ونِعمةً ما تُسْلَبُ
أيَضيقُ بِي أمرٌ وبابُ المصطفى / في الأرضِ أوسَعُ للعُفاةِ وَأرْحَبُ
لا تَقْنَطِي يا نفْسُ إِنَّ تَوَسُّلِي / بالمصطفى المختارِ ليسَ يُخَيَّبُ
أنَّى يَخِيبُ وقد تَعَطَّرَ مَشْرِقٌ / بمَدَائحي خيرَ الأنامِ ومَغْرِبُ
آلَ النبيِّ وَمن لهم بالمصطفى / مَجْدٌ على السَّبْعِ الطِّباقِ مُطَنِّبُ
حُزْتُمْ عظيماً مِنْ تُراثِ نُبُوَّةٍ / ما كان دونكُم لها مَنْ يَحجُبُ
اللَّهُ حَسْبُكُمُ وَحَسْبِي إنني / في كلِّ مُعْضِلَةٍ بِكُمْ أتَحَسَّبُ
يا سادتي حُبِّي لكم ما تَنْقَضِي / أعمارُهُ وَحِبالُه ما تُقْضَبُ
مِنْ مَعْشَرٍ نَزَلوا الفَلا فحصونُهُمْ / بِيدٌ بأطرافِ الرِّماحِ تُؤَشّبُ
ما فيهمُ لسنانِ عَيْبٍ مَطْعَنٌ / كَلَّا وَلا لحُسامِ رَيْبٍ مَضْرِبُ
وَعَلَى الخَصاصَةِ يُؤْثِرُونَ بزادِهِم / وَيَلَذُّ مِنْ كَرَمٍ لهم أنْ يَسْغَبوا
لا تَنْزِعُ اللُّوَّامُ أثْوَابَ النَّدَى / عنهم ويُخْصِبُ جُودُهم أنْ يُجْدِبوا
جُبِلُوا على سِحْرِ البَيان فجاءهم / حَقُّ البيانِ عَنِ الرِّسالةِ يُعْرِبُ
فاستسلَموا للعَجْزِ عنه وذو النُّهَى / تَأْبَى نُهاهُ قِتالَ مَنْ لا يُغْلَبُ
جاءتْ عجائبُهُم أمامَ عجائِبٍ / أُمُّ الزَّمانِ بِهِنَّ حُبْلَى مُقرِبُ
ما بالُ مَنْ غَضِبَ الإلهُ عليهم / حادوا عن الحقِّ المُبِينِ ونَكَّبُوا
كفَرَتْ عَلَى عِلمٍ بهم علماؤُهم / جَرِبَ الصَّحِيحُ وَلَمْ يَصِحَّ الأجربُ
هلَّا تَمَنَّى المَوْتَ منهمْ معشرٌ / جَحَدُوهُ فامْتَحَنوا الدَّواءَ وَجَرّبُوا
أفيُؤْمِنُون بِهِ وَمِمَّن جاءهم / بالبَيِّنَاتِ مُقَتَّلٌ وَمُصَلَّبُ
عَبَدُوا وموسى فيهمُ العجل الذي / ذُبِحوا بهِ ذَبحَ العجولِ وعُذِّبوا
وصبَوا إِلى الأَوثانِ بَعدَ وَفاتِهِ / وَالرُّسْلُ مِنْ أسَفٍ عليهم تَنْدُبُ
وَإذا القلوبُ قَسَتْ فليس يُلِينها / خِلُّ يَلُومُ ولا عَدُوٌّ يَعْتِبُ
وَأخو الضَّلالَةِ قالَ عيسى ربُّه / وَنَبِيُّهُ فأخو الضَّلالِ مُذَبْذَبُ
ويقول خالِقُه أبوهُ وإنَّه / رَبٌّ وإنسانٌ أَلا فَتَعجَّبوا
أبِهَذِهِ العَوراتِ جَاءَتْ كُتبُهُم / أمْ حَرَّفوا منها الصَّوابَ وَوَرَّبُوا
فاعوجَّ منها ما استقامَ طلوعُه / فكأنها بين النُّجُومِ العَقْرَبُ
عَجَباً لهمْ ما بَاهَلوه ولِم أبَتْ / أحْبارُ نَجرانَ الّذينَ تَرَهَّبُوا
ولقد تَحَدَّى بالبيانِ لقَومِهِ / وإليهمُ يُعزَى البيانُ ويُنسَبُ
فتَهَيَّبُوه وما أتَوْهُ بِسُورَةٍ / مِنْ مِثله وبيانُهُم يُتَهَيَّبُ
مَنْ لَمْ يُؤَهِّلْهُ الإلهُ لحَالةٍ / فاتَتْهُ وهْوَ لِنَيْلِها مُتَأَهِّبُ
عَجَباً لهم شَهِدُوا لهُ بأمانةٍ / حتى إذا أدَّى الأَمانة كَذَّبوا
وارتابَ فيه المشركون ولَمْ يَزَلْ / بالصِّدْقِ عند المشركينَ يُلَقَّبُ
جَحَدُوا النبيَّ وقد أتاهم بالهُدَى / لَولا القضاءُ سألتَهُمْ ما المُوجِبُ
للَّهِ يومُ خروجِه منْ مكةٍ / كخروجِ موسى خائفاً يَتَرَقَّبُ
والجِنُّ تُنْشِدُ وحْشَةً لِفِرَاقِهِ / شِعْراً تَفيضُ به الدُّموعُ وتُسْكَبُ
والغارُ قد شَنَّتْ عليه غارةً / أعْداؤُه حِرْصاً عليه وأجلبُوا
أرَأيتَ مَنْ يَجفو عليه قَوْمُه / تَحْنُو عليه العنكبوتُ وتحْدَبُ
إنْ يكفروا بكتابِهِ فكتابُهُ / فَلَكٌ يَدُورُ على الوُجُودِ مُكَوْكَبُ
قامت لنا وعليهمُ حُجَجٌ به / فَبَدا الصَّباحُ وجَنَّ منه الغَيْهَبُ
فتصادمَ الحَقُّ المُبينُ وإفكهُم / فإذا النُّفُوسُ عَلَى الرَّدَى تَتَشَعَّبُ
فدَعوْا نَزال فأَوْقَدَتْ نيرانَها / سُمْرُ القَنا وَالعادِيَاتُ الشُّزَّبُ
فإذَا بِدِينِ الكُفْرِ يَنْدُبُ فَقْدَهُ / ذرِّيَّةً تُسْبَى وَمالٌ يُنْهَبُ
غالَتْ بُغاثَهُمُ بُزَاةُ كَرِيهَةٍ / أظفارُها في كل صَيْدٍ تَنْشَبُ
حتى بكى عَمراً هِشامٌ في الثَّرَى / مِنْ ذِلَّةٍ وَنَعَى حُيَيّاً أَخْطَبُ
لا تُنْكِرُوا بُغْضِي عَدُوَّ المُصطفى / إني بِبُغْضِهِمُ لهُ أَتَحَبَّبُ
أقْسَمْتُ لا تَنْفَكُّ نارُ قَرِيحتي / أبداً عَلَى أعدائه تَتَلَهَّبُ
هذا وَنُطْقِي دائماً بِمَدِيحِهِ / أذكَى مِنَ الوَرْدِ الجَنِيِّ وَأطْيَبُ
أُهْدِي له طِيبَ الثَّنَاءِ وإنّه / لَيُحِبُّ أنْ يُهْدَى إليه الطَّيِّبُ
أُثْنِي عليه تَشَوُّقاً وتَعَبُّدَاً / لا أنّني لِصفاتِهِ أسْتَوْعِبُ
مُسْتَصْحِباً حُبِّي وإيماني لهُ / وكلاهُما مِنْ خَيْرِ ما يُستَصْحَبُ
أشْتَاقُ للحَرَمِ الشَّرِيفِ بِلَوْعَةٍ / في القلبِ تَحْدُو بي إلَيْهِ وَتَجْذِبُ
ما لي سِوَى ذِكْرَى لهُ في رِحْلَتِي / زَادٌ وَلا غَيرُ اشْتياقِي مَرْكَبُ
وَتَحِيَّة مني إليه يَرُدُّهَا / منه عليَّ مُسَلِّمٌ ومُرَحِّبُ
صلَّى عليه اللَّهُ إنَّ صلاتَهُ / فَرْضٌ عَلَى كلِّ الأنامِ مُرَتَّبُ
ما حنَّ مُشْتاقٌ إلى أوطانِهِ / مِثْلي ورَاحَ بِوَصْفِها يَتَشَبَّبُ