المجموع : 3
لمن الأسود عرينها أَشِبُ
لمن الأسود عرينها أَشِبُ / تحت البنود تظلها العُذُب
ولمن خيام لا تشد لها / بسوى أنابيب القنا طُنُب
حيث الصقور تقل أسد شرى / غلب الطُّلى عاداتها الغَلب
لا غرو تستخفي البدور إذا / رفعت لنا من دونه الحُجُب
للظاهر الغازي الذي شرفت / بزمانه الأزمان والحقب
يبدو فتطرق من مهابته / فكأنما هو عنك محتجب
فإذا تَجَلَّى نور طلعته / فاسجد لعلك منه تقترب
فَلَثَمَّ سِرِّ الله طاعته / نزلت بها الآيات والكتب
وثم ظل الله مفزعنا / في النائبات إليه والهرب
جَبَل القلوب على محبته / فبطبعهن إليه تنجذب
فلزومها أسباب طاعته / بين الإلَه وبينه سبب
فالفوز والزلفى لقاصده / ولحاسديه الويل والحَرَب
عجبي لذُبَّله وقد سقيت / ماء الطُّلى ومتونها سُلُب
ولبيضه وهي الذكور وما / برحت تحيض دماً وتختضب
عشقت رقاب عداته فوشى / بجسومها سقم هو السطب
فإذا جرى ذكر الوصال لها / كادت من الأغماد تنسكب
تبكي وتشكو حر لوعتها / فيجول فيها الماء واللهب
ما زال كل من مخافته / يمشي وحشو فؤاده الرعُب
حتى حسبت الريح خافقة / في الجو خوف سطاه تضطرب
ملك ثنا أفضاله حرم / حجت إليه العُجم والعرب
يستمطرون سناء نائله / فيجودهم منها حيا سكب
وفدوا ولو وجدوا لفاقتهم / شوك القتاد جنوه واحتطوا
ورجوا وأقصى سؤلهم دَعَة / ما بعدها نص ولا نصب
ومضوا وأدنى ما أفيض لهم / من راحتيه فوق ما حسبوا
بخلت وقد سمحت أنامله / منها البحار وغارت السحب
فوشى بِتِلْكَ الهيج حاسده / لما استمر بجهده الصخب
ولكم رحى حرب بعزمته / دارت وصارمه لها قُطب
إِن قوتلوا قَتَلوا وإن سئلوا / بذلوا وإن هم غولبوا غَلَبوا
أُسْدٌ ولكن ما لهم أَجَم / إلا الصوارم والقنا الأَشِب
تتفجر الأرزاق إن نزلوا / وتزلزل الآفاق إن ركبوا
في جحفل لجب لخشيته / في كل أرض جحفل لجب
يختال في غاباته أسدٌ / سَلَبَ الأسود وماله سلبوا
ذا الملك واضحة أدلته / لا ما روى قوم وما كتبوا
أعلى مبانيه أخو همم / ما فوق رتبة مجدها رتب
تكبو الدوائر دون مركزه / وتحط عن شهبائه الشهب
ولقد أقول لآمل وخدت / برجائه المهرية النجب
قطعته ظهر الفلا همم / جد السرى في جنبها لعب
لا يستقر قراره ثقة / إن الغنى بالسعي يكتسب
ضيعت نفسك والمطي وما / أغناك نشدانٌ ولا طلب
أبْعدْت مُنْتجِعاً سراب فلاً / والبحر دونك ورده كثب
أسوى ابن يوسف تبتغي ملكاً / يؤويك حين تنوبك النوب
شِمْ بالخيام بروق أنعمه / لا أَوحشت من نوئها حلب
ملك بشد الملك قام وما / حلت تمائمه ولا السخب
برواقه الممدود مشتمل / بتاجه المعقود معتصب
يا أيها الملك الذي عجزت / عن وصفه الأشعار والخطب
خذ في الذي تهوي ودع نفراً / صدق الأماني عندهم كذب
فلقد أَرَحْتَ ولم تعد يدا / قوماً بهم يستحسن التعب
فيقين فكرك لا يخالطه / فكر ولا تعتاده ريب
فالنصر مُرْتقِبٌ بحيث متى / ناديته والأمر مرتقب
لله حلمك أيما جبل / ما قيل يوماً هزه الغضب
أحييت ميت مقاصدي بندىً / لولاه ضم عظامي التُّرَب
وأجرتني والحادثات لها / من خَلْفِيَ التقريب والجنب
فعلام لا أثني عليك كما / أثنى على صوب الحيا العشب
فاسلم لنصرة دولة أبداً / تضفو عليك برودها القشب
أرحِ المَطِيَّ من الوجيف المنصب
أرحِ المَطِيَّ من الوجيف المنصب / في ظل ذا الشرف المنيف المنصب
وأنخ بأطراف الخيام ولا تُرَع / لأسود غابات القنا المتأشب
واهتف بحي على الفلاح إذا بدا / فلق الصباح تجده غير منكب
واغش المقر الظاهري فإنه / كنز الفقير وموطن المتغرب
فالشرب غير مصرد والسرب غير مش / رد والسعي غير مخيب
أَسِمِ المَطِيَّ فليس بعد رياضه / وحياضه من مرتع أو مشرب
وأقم فإن عطل الثرى من حليه / في خصب كل مشرق ومغرب
زر مانحاً في نوبة أو واضحاً / في كربة أو صافحاً عن مذنب
سلطان أهل الله كافي أرضها / كيد الخطوب وسطوة المتقلب
غازي بن يوسف خير من شقت له / جرداء جلباب العجاج الكرب
في حيث تلقى الدهر أعزل ماله / بطش وصارمه كليل المضرب
لو ضاقت الأرض الفضاء بأهلها / رحبت بأهلاً من نداه ومرحب
مبيض وجه الحمد محمر الظُّبا / بالضرب مخضر الجناب المُخْصب
متيقظ العزمات وهو مهوم / متبسم في الحادث المتقطب
يا بن الذي حطم الصليب بحطمة / مُلْد القنا في كل صُلب صُلَّب
من كان غير أبيك حين تناصرت / حمس الفرنج فصدهم عن يثرب
تالله ما كان النبي محمد / يرضى عن الإسلام لو لم يغضب
كم حط في حطين صدق جهاده / من عز كل متوج ومصعب
بر تنقل فيك بعد وفاته / فزكت وراثة طيب عن طيب
فلذاك عز لجار ملكك أن يرى / متخوفاً من حادث مترقب
ظل الفرنج وناك عنهم غاية / يقضى لهم لتسهل المتصعب
فأقمت والرأي المؤيد حائل / وثبتَّ والعزمات ذات توثب
وطفقت تنقض كل أمر أبرموا / فعنت أواخره لأول مضرب
ريعوا لبرق منك حدث ومضه / عن وابل من نوء سخط صيِّب
وَرَأُوا الجبال الشم ليست عصمة / من مد زاخر بحرك المغلولب
فمضوا يجنهم الظلام وما رأوا / من جُنَّة تنجيهم كالغيهب
مسك من الليل البهيم تنفست / بشراه عن كافور صبح أشهب
تركوا الحصون مخافة وكعاطب / من خوف بأسك هارب لم يعطب
وتلفتوا وكأنما قطع الدجى / غشيتهم بغبار هذا الموكب
فأبت مهابتك المعظم صيتها / عن حد كل مثقف ومشطب
فدع الذوابل وادعات والظُّبا / مغمودة واطعن بجدك واضرب
لو تبلغ الشمس المنيرة بعض ما / أوتيت من شرف العلا لم تغرب
فلأجهدن إلى علاك حوادثاً / ألقت بآمال إليك ومطلب
أغربت في رفدي كما أغربت في / حمدي فيا بشرى لسعي تقربي
فإليك محكمة تضوع نشرها / عن حول بصفات مجدك قلب
ثملت بها الألباب فهي سلافة / بسوى ثنائك كأسها لم يقطب
فاسلم لها ولربها ولأمة / تدعو لملكك بالثناء الأطيب
أضحى المحب من الغرام لما به
أضحى المحب من الغرام لما به / وشفاؤه نظر إلى أحبابِه
دنِف له كلفٌ بسكان الحمى / أوصى به ما شاء من أَوْصا بِه
لو شاء من سلب الكرى عن جفنه / وجفاه أهداه إلى أهدابه
ثمل القوام يكاد يقطر خجلة / من صفحتي خديه ماء شبابه
تجني العيون الورد من وجناته / غضّاً إذا ضَرَّجتها بعتابه
ولربّ ليلة موعد لبس الدجى / في جنحها ما طال من جلبابه
نازلتها بالأبلجين جبينه / وسلاف كأس يمينه وحبابه
حتى إذا ما السكر مال بعِطفه / وعرفت أية منة لشرابه
قبلته مترشفاً فعجبت من / شربي بدُر الثغر خمر رضابه
يا حسنها من ليلة كرمت ولو / حكمت على عمري برفع حسابه
ما زلت أصرع بالطّلى ذاك الطلى / في نفعها وأعفُّ عن أثوابه
حتى بدا فلق الصباح كأنه / صفحات موسى عند رفع حجابه
الشاذويّ مناقباً عبقت شذاً / أخفى سواد المسك بين عبابه
ذو مفخر جاز السماء وخيمت / فوق السماء مُطَنَّبات قبابه
دقت حقيقة منتهاه وإنما / هذي النجوم الزهر من أطنابه
لا تدرك الآمال غاية فخرها / إلا إذا حلّت بسفح هضابه
ملك إذا ما لجَّ في إجدائه / أعطى الأمان العام من إجدابه
سل حلمه إن فاض في كرم تَلُذْ / بالطَّوْدِ من آذيِّهِ وعبابه
وحذارِ إن جاشت غوارب يَمِّه / لا تغرقنك ماطرات سحابه
فالدهر مغتبط بدولة ملكه / نشوان ليس يفيق من إعجابه
بالحمر من أسيافه والخضر من / أكنافه والبيض من أنسابه
إنْ جاد فارجُ الغيث من إعطائه / أو جدَّ فاخشَ الليث في إعطابه
يزداد في ليل العجاج جبينه / نوراً إذا ما انجاب عن أنجابه
في حيث يسري النصر تحت ركابه / وكواسر العقبان فوق عِقابه
لا يطمعنك البشر في إغضائه / وحذار ثم حذار من إغضابه
فالغيث أعظم رحمة وأعمها / نفعاً ومنه السيل في إرهابه
ما أطرب الأفلاك في دورانها / لتزاحم الأملاك في أبوابه
دانوا لأبلج عاد ليّ مناقب / يجلو محيا الفخر تحت نقابه
فإذا أقامهم الحجاب أمامه / جعلوا شفيع الاذن لثم قرابه
دع ما يفخم في السماحة حاتماً / لا تخدعنَّك لامعات سرابه
كم بين من يهب الألوف وبين ذي / فقر يدل عليه نبح كلابه
وإذا الدجى أرخى ستور ظلاله / وتهيب السارون شقّ إهابه
عدت مناقبه العفاة وأدلجوا / واستوضحت بالزُّهر من أحسابه
يا ابن السرى هجر الكرى وخدت به / ذات البرى فارتاد نجح طلابه
اسمِ المنى في روض أنعمه تجد / ثمر الغنى عذب الجنى بجنابه
يا من تناحرت الخطوب فردّها / عني ودهري كاشرٌ عن نابه
أنا بعض من خففت ثقل همومه / وأعدت مثقلة ظهور ركابه
سوغتني طعم الحياة ولم أكن / لولاه أعرف شهده من صابه
وأغثتني بعد الغياث فلم يضع / كاسي مناقبكم حلى آدابه
وتداركتني عطفة شاهية / نكس الزمان بها على أعقابه
فلأَمْلأَنَّ الدهر منك قلائداً / تبقى جواهرها على أعقابه
مع أن قد جلت صفاتك واعتلت / عن مدح مختصر وعن إطنابه
فبقيت تحيي بالغنى رمم المنى / يا من أنار سعودها بإيابه