القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ دَرّاج القَسْطَلّي الكل
المجموع : 6
أَنْضَيْتُ خَيْلِي فِي الهوى وَرِكَابِي
أَنْضَيْتُ خَيْلِي فِي الهوى وَرِكَابِي / وَعَمَرْتُ كَأْسَ صِباً بِكَأْسِ نِصابِ
وَعُنيتُ مُغْرىً بالغواني وَالصِّبا / وَاللَّهْوِ وَاللَذَّاتُ قَدْ تُغْرى بي
فِي غَمرَةٍ لا تنقضي نَشَواتُها / من صَرْفِ كأْسٍ أَوْ جُفونِ كَعَابِ
أَيَّامَ لا تَرْتَاعُ من صَرْفِ النَّوَى / أَمْناً ولا نُصْغِي لِنَعْبِ غُرَابِ
أَيَّامَ وَجْهُ الدهر نحوي مُشْرِقٌ / وَمحاسِنُ الدُّنيا بَغَيْرِ نِقَابِ
ولقد أَضاءَ الشَّيْبُ لي سنَنَ الهُدَى / فَثَنَى سِنِي دَدَني عَلَى الأَعْقَابِ
ورأَيتُ أَرْدِيَةَ النُّهَى منشورةً / تسعى بِجَدَّتها إِلَى أَتْرَابِي
وَرَأْيتُ دارَ اللَّهوِ أَقْوَى ربعُها / وَخَلَتْ معاهِدُها منَ الأَحبابِ
وَخَلَتْ بِيَ النَّكَبَاتُ ترمِي ناظِري / وخواطري بنوافِذِ النُّشَابِ
وَلَكَمْ أَصابتْنِي الخطوبُ بِشَكَّةٍ / تُعْيِي التجلُّدَ واحْتَسَبْتُ مُصابِي
حِفْظاً لِعلمٍ حاز صَدْرِي حفظه / أَلَّا أَخِيسَ بحُرْمَةِ الآدابِ
حَتَّى تركتُ الدهر وَهْوَ لِمَا بِهِ / صَبْراً وغادرني السقامُ لِمَا بي
وصرفتُ عن صرفِ الزمان ملامتي / وَكففت عن سَعْيِ الحسودِ عتابي
علماً بأَن الحِرْصَ لَيْسَ بزائدٍ / حَظّاً وَأَنَّ الدهرَ غيرُ مُحَابِ
هِممُ الفتى نُكْبٌ تُبَرِّح بالمُنى / أَبداً إِذَا عَمَّ القضاءُ الآبي
فقطعتُ يَا منصورُ نحوَكَ نَازِعاً / خُدَعَ المنى وعلائقَ الأَسبابِ
فرِضَاكَ تأْميلي وقربُكَ هِمَّتِي / ونداكَ مَحْيائِي وحمدُكَ دَابِي
وقد احتلَلْتُ لديكَ أَمْنَعَ مَعْقِلٍ / وَحَطَطْتُ رحلي فِي أَعَزِّ جَنَابِ
في ذِمَّةِ المَلِكِ الَّذِي آمالُنَا / من راحَتَيْهِ تَحْتَ صَوْبِ سحابِ
قَمَرٌ توسَّطَ من مناسِبِ يَعْرُبٍ / قِمَمَ السَّنَاءِ وَذِرْوَةَ الأَنْسابِ
صَدَقَتْ بِهِ فِي اللهِ عزمةُ مُخْلِصٍ / تركَت ذَمَاءَ الشِّرْكِ رَهْنَ ذَهَابِ
بِكَتَائِبٍ عَزَّتْ بِهَا سُبُلُ الهُدَى / ومَحَتْ رُسُومَ الكفرِ مَحْوَ كِتَابِ
غادَرْنَ أَرْضَهُمُ كَأَنَّ فضاءهَا / أَغوالُ قَفْرٍ أَوْ سُهُوبُ يَبَابِ
تَحْتَثُّ سالِكَها بغيرِ هدايةٍ / وتجيبُ سائلَها بغَيرِ جَوَابِ
يا أَيُّهَا المَلِكُ الَّذِي عَزَمَاتهُ / فِي الدِّينِ أَعظَمُ أَنْعُمِ الوَهَّابِ
وَصَلَ الإلهُ لديكَ عُمْراً يَقْتَضِي / أَمَدَ السنينَ وَمُدَّةَ الأحقابِ
ولك السرورُ مضاعِفاً أَيَّامَهُ / ولَكَ النعيمُ مُجدَّدَ الأَثْوابِ
وليَهْنِكَ الأَضحى الَّذِي أَضحى بِهِ / صُنْعُ الإِلهِ مُفَتَّحَ الأَبوابِ
واسْلَم لِسِبْطَيْك اللَّذِينِ تَمَلَّكَا / رِقَّ السناءِ تملُّكَ الأَرْبَابِ
السابِقِيْنِ إِلَى مَقَامَاتِ العُلاَ / ذا فِي الحروبِ وذاك فِي المِحْرَابِ
الحاجبُ الأَعلى الَّذِي زُهِيتْ بِهِ / رُتَبُ العُلا ومفاخرُ الأحسابِ
فَلَكَمْ تَدَانَى فِي مَكَرٍّ للوغى / كالشمس فِي كِسَفِ العَجَاجِ الهابي
وبِرَأْيِ عَيْنِي منه يومَ قُلُنْيَةٍ / منه شهابٌ خاطفٌ لشهابِ
سيفُ الإله وحزبُهُ المُفْنِي بِهِ / شِيَعَ الضَّلالِ وفِرْقَةَ الأَحزابِ
جَهِّزْ لَنَا فِي الأرض غزوةَ مُحْتَسِبْ
جَهِّزْ لَنَا فِي الأرض غزوةَ مُحْتَسِبْ / وانْدُبْ إليها من يُساعدُ وانْتَدِبْ
واحمِل عَلَى خيلِ الهوى شِيَمَ الصِّبا / واعقِد لجيشِ اللَّهو أَلوِيَةَ الطَّرَبْ
واهتِفْ بأجنادِ السرور وقُدْ بِهَا / نحوَ الرياضِ وأنت أَكرمُ مَنْ رَكِبْ
جيشاً تَكون طبولُهُ عِيْدَانَهُ / وقرونُهُ النَّاياتِ تُسْعِدُها القَصَبْ
واهزُزْ رِماحاً من تباشير المُنى / واسلُلْ سيوفاً من مُعَتَّقَةِ العِنَبْ
وانصِبْ مجانيقاً من النَّيَمِ الَّتِي / أَحجارُهُنَّ من الرَّواطِمِ وَالنَّخَبْ
لمعاقلٍ من سَوسَنٍ قَدْ شَيَّدَتْ / أَيدي الربيع بِنَاءها فَوْقَ القُضُبْ
شُرُفاتُها من فضَّةٍ وحُمَاتُهَا / حولَ الأَميرِ لهم سُيوفٌ من ذَهَبْ
مُتَرَقِّبينَ لأَمره وَقَدْ ارْتقى / خَلَلَ البناءِ ومَدَّ صَفْحَةَ مُرتقِبْ
كأَمير لُونَةَ قَدْ تطلَّعَ إِذْ دَنا / عبدُ الملِيكِ إِلَيْهِ فِي جَيشٍ لَجبْ
فلَئنْ غَنِمْتَ هناك أَمثالَ الدُّمى / فهُنا بيوتُ المِسكِ فاغنَمْ وانْتَهِبْ
تُحَفاً لشعبانٍ جلا لَكَ وَجْهَهُ / عِوَضاً مِنَ الوردِ الَّذِي أهدى رَجَبْ
فاقْبَلْ هدِيَّتَهُ فقد وافى بِهَا / قدراً إِلَى أَمد الصيام إذا وجبْ
واسْتَوفِ بهجتَها وطيبَ نسيمها / فإذا دَنا رمضانُ فاسْجُد واقترِبْ
وصلِ الجهادَ إِلَى الصِّيامِ بَعَزْمَةٍ / من ثائرٍ يُرْضي الإلهَ إِذَا غَضِبْ
فالنَّصْرُ مضمونٌ عَلَى برّ الهُدى / وعواقِبُ الرّاحَاتِ أثمارُ التَّعَبْ
وارفَعْ رغائِبَ مَا نَوَيْتَ إِلَى الَّذِي / ما زِلْتَ ترفعُها إِلَيْهِ فلم تَخِبْ
حتى تؤوبَ وَقَدْ نَظَمْتَ قلائداً / فَوْقَ المنابر لا تُغَيِّرُها الحِقَبْ
بجواهرٍ من فخر يومِك فِي العِدى / تبْأَى بِهَا فِي الدَّهْرِ تيجانُ العَرَبْ
فتح تكاد سطورُهُ من نورِها / تبدُو فتُقْرَأُ خلْفَ طَيَّاتِ الكُتُبْ
واقبَلْ هَدِيَّةَ عبدِكَ الراجي الَّذِي / أَهدى إليك الدُّرَّ من بحر الأدبْ
هل تَثنِيَنَّ غُرُوبَ دمع ساكِبِ
هل تَثنِيَنَّ غُرُوبَ دمع ساكِبِ / مَنْ شامَ بارِقَةَ الغمامِ الصَّائِبِ
أَبَتِ العزيمةُ من فؤادٍ جامِدٍ / أَنْ تستقيدَ لِماءِ جفنٍ ذائبِ
مَن تَرْمِهِ حَدَقُ المكارِمِ تُصْبِهِ / عن مُصبِياتِ أَحِبَّةٍ وَحَبائبِ
ففِراقُ رَبَّاتِ الخُدُورِ مُكفَّرٌ / بِلِقاءِ نجمِ المكرُماتِ الثَّاقِبِ
قالتْ وَقَدْ مَزَجَ الوداعُ مدامعاً / بمدامِعٍ وترائباً بترائِبِ
أَتَفَرُّقٌ حَتَّى بمنزلِ غُرْبَةٍ / كم نحنُ للأَيَّامِ نُهْبَةُ ناهِبِ
فِي كلِّ يومٍ مُنتوىً مُتباعِدٌ / يرمي حُشاشَةَ شملِنا المُتقارِبِ
وَثَنَتْ تُذَكِّرُ مُقرَباتِ سفائنٍ / عُذْنا بِهَا من مُقفِراتِ سباسِبِ
أَيامَ تؤْنِسُنا فَلاً وسواحِلٌ / عن آنساتِ مقاصِرٍ ومَلاعِبِ
نَعَبَ الغرابُ بِهَا فطارَ بأَهلِها / سِرْباً على مِثلِ الغرابِ النَّاعِبِ
خرِقُ الجَناحِ إِلَى الرِّياحِ مُضلَّلٌ / بشَمَائِلٍ لعِبتْ بِهِ وجنائبِ
يهوي بذي طِمْرَينِ مزَّقَ لبسَها / أَيدي لَوَاهِفَ للنفوس نوادِبِ
فِي غَوْلِ ذي لُجَجٍ لَبِسْنَ دياجياً / تركَ الحياةَ لنا كَأَمسِ الذَّاهِبِ
قاسيتُهُنَّ غوارباً كَغَياهبٍ / وَسريتُهُنَّ غياهباً كَغواربِ
نَجلُو ظلامَ اللِّيلِ قبلَ صباحِهِ / بلَظى زفيرٍ أَوْ برأْسٍ شائِبِ
يا هَذِهِ لله تِلْكَ حدائقاً / زهراتُهُنَّ مفارقي وذوائبي
مثلَ الرِّياضِ تفتَّحتْ أَكمامُها / عن مُحْكَماتِ بصائري وَتَجَارِبي
فذخَرْتُ للألبابِ كِفَّةَ حابلٍ / وَلأَشْطُرِ الأَيَّامِ كَفَّيْ حالِبِ
وَرَميْتُ آفاقَ العِراقِ بشُرَّدٍ / لَيْسَ العجائبُ عندها بعجائِبِ
من كل ساحِرةٍ كَأَنَّ روِيَّها / فِي أَلسُنِ الرَّاوينَ رِيقةُ كاعبِ
وَلَكَمْ وَصلتُ تنائِفاً بتنائِفٍ / حَتَّى وَصَلْتُ مشارِقاً بمَغارِبِ
فكأَنَّمَا قَفَّيتُ إِثْرَ بدائعي / فِي الأَرْضِ أَوْ ناوَيتُ شَأْوَ غرائبي
أَوْ رُمْتُ حظِّي فِي السماء وَقَدْ جرى / لمداهُ فِي فَلَكِ الفضاءِ الغائِبِ
وَلئِنْ دَجتْ لي الحادثاتُ فما أرى / نُورَ اليقينِ بطرفِ ظنٍّ كاذِبِ
صدقَتْنِيَ الأَنباءُ ضربةَ لازِمٍ / أن لَيْسَ همُّ الدهرِ ضربةَ لازِبِ
فشفيتُ فِي حُرِّ التجمُّلِ غُلَّتي / وقَضيتُ من حسنِ العزاءِ مآربي
وَحَرَسْتُ عِرضي بالتوكُّل من نأى / عنّي بجانِبِهِ نَأَيْتُ بجانبي
ولقد رأيتُ الجِدَّ لَيْسَ ببالغٍ / وَالعَجزَ لَيْسَ عن الصِّراطِ بناكِبِ
كم قَدْ سعدتُ بما تمنَّى حاسِدي / قدْراً وَخِبتُ بما تخيَّرَ صاحِبي
وَوَجدتُ طعمَ السُّمِّ فِي شهدِ الجَنى / وَأُجَاجَ شُرْبي فِي نمير مشَارِبي
ورَفلتُ فِي النِّعَمِ السوابغ مُلبِسي / أَثوابَها الدهرُ الَّذِي هوَ سالبي
يا رَبَّةَ الخِدْرِ اسْتَجِدِّي سَلْوةً / جَدَّ النَّجاءُ بهائمٍ بكِ لاعبِ
إِمَّا شجيتِ برحلتي فاستبشِري / بجميل ظنّي من جميلِ عواقبي
وَلئن جنيت عَلَيْكِ تَرْحَة راحِلٍ / فأَنا الزَّعيم لَهَا بفرْحَةِ آيب
هل أَبْصَرَتْ عيناكِ بدْراً طالِعاً / فِي الأُفقِ إِلّا من هلالٍ غاربِ
وَاللهُ من بعدِي عَلَيْكِ خليفتي / وخَليفةٌ هُديَتْ إِلَيْهِ مَذاهِبي
بَيْني وبَينكِ أَنْ يُلَبِّي دعوتي / داعي لَبيبٍ من مُناخِ ركائبي
وأُهِلَّ نحوَ فِنائِهِ وَعَطَائِهِ / فيُهِلَّ نحو وسائلي ورَغائبي
وَأُشِيم بَرْقَ يمينه وجبينِهِ / وَيشُمُّ ريحَ أَوَاصِري ومَطالبي
وَأَهُزُّهُ بشوافِعٍ من عامِرٍ / تُزْري بكلِّ قرابةٍ وَمَناسِبِ
فَهُناكَ جاءَتْكِ الخطوبُ خواضِعاً / وَمشى إليكِ الدهرُ مِشيَةَ تائِبِ
وأَنابَ سُلطانُ النوائِبِ وانْثنَت / ذُلَلاً وأعتبَ كلُّ مولىً عاتبِ
ملكٌ متى أَرْمِ الحوادِثَ باسمهِ / تقتُلْ أَفاعِيها سُمُومُ عقارِبي
الرَّافِعُ الأَعْلامَ فَوْقَ خوافِقٍ / والقائدُ الآسادَ فَوْقَ شَوازِبِ
مَلِكٌ تكرَّمَ عَنْ خلائِقِ غادِرٍ / فأثابهُ الرحمنُ قدرةَ غالِبِ
يقضي فَيُمْضي كُلَّ حقٍّ واجبٍ / إِلّا إِذَا أعطى ففوْقَ الواجِبِ
قُفلٌ عَلَى الإسلامِ ممنوعٌ لَهُ / عن قلبٍ كلّ مُعانِدٍ وَمُناصِبِ
لا يخلعُ الإِسلامُ حُلَّةَ آمِنٍ / منهُ وَلا الإِشراكُ رِبقَةَ هائِبِ
حَرَمُ الهُدى سُمُّ العِدى أُمنِيَّةٌ / لمُسالِمٍ وَمنِيَّةٌ لمُحارِبِ
وَقفٌ عَلَى عَلَمِ الثُّغُورِ مُقارِبٌ / لمباعِدٍ وَمُباعِدٌ لمُقاربِ
فَمُراقِبُ الإِسلامِ غَيْرُ مُراقبٍ / وَمُصاقِبُ الأَعداءِ غيرُ مُصاقِبِ
مُوفٍ بعَلياءِ الثُّغُورِ لِرَغْبةٍ / من راغِبٍ أَوْ رَهْبَةٍ منْ راهِبِ
تُضحي عطاياهُ تحِيَّةَ زائرٍ / وَتبيتُ روعتُهُ نَجِيَّةَ هارِبِ
يا من يُلاقي النَّازِلِين قِبابَهُ / بجبينِ مَوْهُوبٍ وَرَاحَةِ وَاهبِ
وإِذا التقى الجمعانِ أَوَّلُ طاعنٍ / وإِذا اسْتَحَرَّ الطَّعنُ أَوَّلُ ضاربِ
وَإِذا تَؤُوبُ الخيلُ آخِرُ نازِلٍ / وَإِذا دعا الداعي فأَوَّلُ راكِبِ
كَرُمَتْ أَيادِيكَ الَّتِي أَنشأْتَها / أترابَ كُلِّ مؤمِّلٍ أَوْ راغبِ
من كُلِّ بكْرٍ فِي يمينِكَ حُرَّةٍ / يرفُلْنَ بَيْنَ قلائدٍ وجَلاببِ
هذِي لأَوَّلِ خاطِبٍ وَلِدَاتُها / يهتِفنَ فِي الآفاقِ هلْ منْ خاطِبِ
وَيَجِلُّ قَدْرُكَ عن وِلادَةِ يافِث / أَوْ قَيصَرٍ أَوْ عن أَرُومِ صَقالِبِ
بَلْ أَنتَ بكْرُ غمامَةٍ من بارِقٍ / لَقِحَتْ بِهِ أَوْ صَعْدَةٍ من قاضِبِ
قَبِلَتكَ أَيْدِي هِمَّةٍ وَسِيادَةٍ / وَرَضَعْتَ دَرَّ مكارِمٍ وَمَواهِبِ
في عزِّ مَهدٍ مَا استَقَرَّ مكانُهُ / إِلّا بقربِ مَنابرٍ وَمَحارِبِ
وَفُطِمْتَ يوْمَ فُطِمتَ فِي رَهَجِ الوَغى / عند التفافِ كتائبٍ بكتائبِ
حَتَّى حَلَلْتَ من السماءِ مراتِباً / تركَت كَواكِبَها بغيرِ مَراتِبِ
فلَئِنْ طَلبتَ هُناكَ حقّاً صاعداً / فلأَنْتَ أَقرَبُ من وريدِ الطَّالِبِ
وَلئن وَهَبتَ لقد وَهبتَ مساعياً / أَصبحْنَ حَلْيَ مآثري وَمَناقِبي
شيَماً بِهَا حَلَّيْتُ غُرَّ قصائِدي / وجَعلْتُهُنَّ أَهِلَّةً لِكواكِبي
وَذَخَرْتُ للأَزْمانِ من حَسناتِهَا / مثْلَ القلائدِ فِي نحورِ كواعبِ
ولأَشفِيَنَّ بِهَا سَقامَ تَغَرُّبِي / ولآسُوَنَّ بِهَا جراحَ مَصائبي
ولأَجْعَلَنْ منها تمائِمَ خائفٍ / من طائِفٍ أَوْ مِنْ رجاءٍ خائبِ
ولأَتْرُكَنَّ ثناءها وجزاءها / قوتَ المُقيمِ غداً وزادَ الرَّاكبِ
وسرورَ محزونٍ وأُنْسَ مُغَرَّبٍ / وحُليَّ أَوْتارٍ وروضَةَ شاربِ
ولقد نَثَرْتُ عَلَيْكَ شَكلَكَ جَوْهَراً / لا مَا قمَشتُ وضمَّ حبلُ الحاطبِ
قُلْ للرَّبِيعِ اسْحَبْ مُلاءَ سحائِبِ
قُلْ للرَّبِيعِ اسْحَبْ مُلاءَ سحائِبِ / فَاجْرُرْ ذُيُولَكَ فِي مَجَرِّ ذَوائِبي
لا تُكْدِيَنَّ ومن ورائِكَ أَدْمُعِي / مَدَداً إِلَيْكَ بفَيْضِ دَمْعٍ ساكِبِ
وصبابَةٌ أَنفاسُها لَكَ أُسْوَةٌ / إِنْ ضاقَ ذَرْعُكَ بالغَمامِ الصَّائِبِ
وامزِجْ بِطيبِ تَحِيَّتِي غَدِقَ الحَيَا / فاجْعَلْهُ سَقْيَ أَحِبَّتِي وحَبائِبي
عهداً كَعَهْدِكَ من عِهادٍ طالما / كَسَتِ البُرُودَ معاهِدِي ومَلاعِبي
واجْنَحْ لِقُرْطُبَةٍ فَعانِقْ تُرْبَها / عَنِّي بِمِثْلِ جَوانِحي وتَرَائِبي
حَيْثُ اسْتَكانَتْ للعَفاءِ منازلي / وَهَوَتْ بأَفلاذِ الفؤادِ نَجَائِبي
ذُلُلاً تَعَسَّفْنَ الدُّجى بِأَذِلَّةٍ / ولواغِباً جُبْنَ الفَلا بِلَوَاغِبِ
وكواكِبٌ ناءَتْ بِقرْبَتِها النَّوى / فَقَضَتْ مدامِعُهَا بِنَوءِ الغارِبِ
من كُلِّ مَفْجُوعٍ بتَرْحَةِ راحِلٍ / لَمْ يُسْلِهِ طَمَعٌ بفَرْحَةِ آيبِ
كَذَبَتْهُ بارِقَةُ المُنى عن صادِقٍ / من ظَنِّهِ وصَدَقْتَهُ عن كاذبِ
ظُعُنٌ سَرَيْنَ الليلَ ضَرْبَةَ لازِمٍ / وسَرى إِليها الهَمُّ ضَرْبَةَ لازِبِ
جَمُدَتْ عَلَيْهِنَّ القُلوبُ فَأَسْبَلَتْ / فَوْقَ المحاجِرِ كُلَّ قَلْبٍ ذائِبِ
وتَخازَرتْ عنها العُيُونُ فأَبْرَزَتْ / عن أَعْيُنٍ بِدِمائِهِنَّ سَوَاكِبِ
وتَقَطَّعَتْ أَسبابُهُنَّ لِطِيَّةٍ / وَصَلَتْ بِهِنَّ سباسِباً بسباسِبِ
يَطْلُبْنَ شَأْوَ غرائبٍ ليَ كُلَّمَا / نَأَتِ البلادُ حَلَلْنَ غَيْرَ غَرَائِبِ
لَحِقَتْ بأَسْبابِ السَّمَاءِ فَأُعطِيَتْ / فِيهَا خُلُودَ أَهِلَّةٍ وكَواكِبِ
وَأَعَدَّتِ الأَزْمانُ مَاءَ شَبابِها / لِحُنُوِّ ظَهْرٍ أَوْ لِرَأْسٍ شائِبِ
وعَقَدْنَ بالأَبَدِ الأَبيدِ وإِنْ نَأَى / حِلْفَيْنِ حِلْفَ مُسَايِرٍ ومُعَاقِبِ
مَا بَلَّ بَحْرٌ صُوفَةً وتقاذَفَتْ / أَمْواجُهُ بشَمَائِلٍ وجَنَائِبِ
هَدَماً إِلَى هَدَمٍ وَحِفْظَ دَمٍ دَماً / حَدَبٌ بعَطْفِ مُشاكِهٍ ومُنَاسِبِ
زُهْرٌ طوالِعُها لِكُلِّ غَدٍ غَدٌ / وَجَزَاؤُها رَهْنٌ بأَمْسِ الذَّاهِبِ
تَشْدُو بِهَا خُضْرُ الحَمَامِ وَحَظُّها / عَنْقَاءُ رِيعَتْ بالغُرَابِ النَّاعِبِ
حَلَّيْتُها الأَرْضَ الَّتِي هِيَ فارِكِي / وكَسَوْتُها الدَّهْرَ الَّذِي هُوَ سالِبي
ومَلأْتُ مِنْهُنَّ العُقُولَ عَجَائِباً / ولَنَقْصُ حَظِّي مِن تَمامِ عَجَائِبِي
مَيْتُ الرَّغائِبِ والمَسِيحُ مُوَرِّثِي / إِحياءَ آثاري وخُلْدَ مَناقِبي
بِشَوارِدٍ فِي الأَرْضِ غيرِ أَوابِدٍ / وطوالِعٍ فِي الجَوِّ غَيْرِ غَوارِبِ
ولقد قَضَيْتُ من الصَّبابَةِ حَقَّها / فَقَضتْ من الأَمَلِ البَعيدِ مآرَِبي
قَنَّعْتُها الصَّبْرَ الجَميلَ فأَسْفَرَتْ / فِي آلِ يَحْيى عن جميلِ عواقِبِ
وشَدَدْتُ عَقْدَ خِتامِها فاسْتَفْتَحَتْ / بِمكارِمِ المنصورِ ضِيقَ مَذَاهِبِي
فَهَلَ اَنتَ يَا زَمَنَ الرَّبيعِ مُبَلِّغٌ / بالمَغْرِبَيْنِ أَحِبَّتِي وأَقارِبي
أَنَّ الربيعَ لَدَيَّ شِيمةُ قاطِنٍ / وحَيا الغمامِ عَلَيَّ دِيمَةُ دائِبِ
من بعدِ مَا غَمَّ الصَّباحُ لناظِرِي / واشْتفَّ مِنِّي البَحْرُ جَرْعَةَ شارِبِ
وأَنِسْتُ بالأَهوالِ حَتَّى لَمْ أُبَلْ / أَلِقاءُ أُسْدٍ أَمْ لِقاءُ ثَعالِبُ
كمْ أَنشَبَتْ فِيَّ الخطوبُ مخالِباً / حَتَّى انْثَنَتْ عنِّي بغيرِ مخالبِ
وشَفَيْتُ سُمَّ عَقارِبٍ بأَساوِدٍ / ودَفَعْتُ سُمَّ أَساوِدٍ بعقارِبِ
حتى نَزَفْنَ سُمومَهُنَّ فلَمْ يُرَع / من نافِثاتِ السُّمِّ ليلُ الحاطِبِ
وسُدِكْتُ بالغَمَرَاتِ حَتَّى بَلَّدَتْ / فَرَمَيْنَ حَبْلِي فَوْقَ ذِرْوَةِ غارِبِ
وتدارَكَتْنِي ذِمَّةٌ من يَعْرُبٍ / مَطَرَتْ عَليَّ ثِمارَ جَنَّةِ مأْرِبِ
فهناكَ أَنْصَلْتُ الأَسِنَّةَ وانْتَحى / سيفي بِهَا مَسْحاً بسُوقِ ركائِبي
ورفَعْتُ ناراً للعيونِ وقودُها / أَقْتابُ أَحْدَاجي وَوَقْرُ حقائِبي
نِعَمٌ تكاد تَرُدُّ أَيَّامَ الصِّبا / وتُعيدُ أَزْمانَ النَّعِيمِ الذَّاهِبِ
أَيَّامَ أَلْقى الصُّبْحَ تِرْبَ كواكبٍ / أَدَباً وأُحْيي اللَّيْلَ خِلْبَ كواعِبِ
والمَكْرُمَاتُ منازلي ومشاهِدِي / والمُقْرَباتُ مراكِبي ومَرَاقِبي
إِذْ أَنتَ يَا زَمَنَ الرَّبيعِ مُخَيِّمٌ / فِي ساحِلي ومُغَيِّمٌ من جانِبي
عَبِقُ الرَّوائِحِ من نَثِيرِ غدائِرِي / غَدِقُ السَّحائِبِ من فُضُولِ مشارِبي
وتَرُوحُ مُغْتَبِقاً شَمُولَ شمائِلي / وتعُودُ مُصْطَبِحاً ضَرِيبَ ضَرائِبي
تَغْدُو فَتَسْتَملِي بديعَ محاسِني / وترُوحُ تَسْتَقرِي نفيسَ غرائِبِي
وتبيتُ تنشُرُ فِي الأَباطِحِ والرُّبى / زَهْراً يُخَبِّرُ عنك أَنَّكَ كاتِبي
مِمَّا تَرِفُّ بِهِ رِياضُ حدائِقي / ويُفيضُ جَوْهَرَهُ عُبابُ غوارِبي
فَنَظَمْتُها فِي كُلِّ أُفْقٍ نازِحٍ / وبَعَثْتُها مَعَ كُلِّ نَجْمٍ ثاقِبِ
وَنَظَمْتُ يَا مَنصورُ ذكرَكَ وَسْطَها / نَظْمَ العُقُودِ عَلَى تَرَائِبِ كاعِبِ
ذِكْرٌ عَلَى الأَلبابِ أَكْرَمُ نازِلٍ / وَعَلَى فِجاجِ الأَرْضِ أَوْضَحُ راكِبِ
سُورٌ لِمَجْدِكَ رَفَّعَتْ آياتِها / أَعْلامُ آدابي وذِكْرُ مناقِبي
بفواتِحٍ من كُلِّ مَدْحٍ سائِرٍ / وخواتِمٍ من كُلِّ حَمْدٍ ذاهِبِ
فاسْتَشْرَفَ الثَّقَلانِ أَخْطَبَ شَاعِرٍ / وأَصَاخَتِ الدُّنيا لأَشْعَرِ خاطِبِ
فَخَطَبْتُ والعَوَّاءُ بَعْضُ منابِرِي / وأَمَمتُ والجوزَاءُ بعض محَاربي
وكَتَبْتُ منها لِلَّيالي مُصْحَفاً / تتلُوهُ أَلسِنَةُ الزَّمانِ الدَّائِبِ
حَتَّى تركتُ سَناءَ مُلْكِكَ حاضِراً / فِي كُلِّ أُفْقٍ عن بلادِكَ غائِبِ
وجَلَوْتُ للدُّنيا مثالَكَ فِي الوَغى / تختالُ بَيْنَ ذوابِلٍ وقَواضِبِ
وأَرَيْتُكَ الأُمَمَ الخُلُوفَ مَتَوَّجاً / بخوافِقٍ ومُكَلَّلاً بكتائِبِ
ورَفَعْتُ سِتْرَ الليلِ عنكَ لِغَابِرٍ / ومُقَدَّمٍ ومُباعِدٍ ومُقارِبِ
حَتَّى أَرَيْتَهُمُ السَّنا تَحْتَ الدُّجى / وخيالَ سَارٍ فِي مَخِيلَةِ سارِبِ
طَيَّارَ بارِقَةِ الوغى بمَقادِمٍ / كَقوادِمٍ ومَوَاكِبٍ كمناكِبِ
حَتَّى ابْنُ شَنْجٍ يَوْمَ أَمَّكَ خاضِعاً / تَسعى إِلَيْكَ بِهِ نَدَامَةُ تائِبِ
منْ بَعْدِ مَا رَازَ البلادَ فَلَمْ يَجِدْ / فِي الأَرْضِ عن مأْواكَ مَهْرَبَ هارِبِ
ورأَى الضَّلالَ عَلَيْكَ أَضْعَفَ ناصِرٍ / ورأى الفِرَارَ إِلَيْكَ أَيْمَنَ صاحِبِ
ودعاكَ مُعْتَرِفاً بِذِلَّةٍ مُذْنِبٍ / وأَتاكَ مُشْتَمِلاً بِلِبْسَةٍ راهِبِ
ولقد تراءَتْ فِي ذَرَاكَ مطالِعِي / حينَ اسْتَبَدَّ تَغَرُّبي بِمغارِبي
فَخَتَمْتَ طُولَ تَقَلُّبي بتَقَبُّلِي / وجزَيْتَ غُرَّ غرائِبِي برَغائِبِ
وأًجَرْتَني من كُلِّ خَطْبٍ طارِقٍ / حَتَّى مُناجَاةِ الرَّجاءِ الخائِبِ
ووجَدْتُ عند يَدَيْكَ سَدَّ مفاقِري / وسُلُوَّ أَحزانِي وبُرْءَ مصائِبِي
ولقد تَجَلَّى العيدُ عَنْكَ بِغُرَّةٍ / جَلّاءةٍ لِفَوَادِحٍ وغَياهِبِ
يتلُوكَ حاجِبُكَ الَّذِي أَنْجَبْتَهُ / كالشَّمْسِ إِذْ ضَرَبَتْ إليكَ بِحاجِبِ
في مَشهدٍ بِسَنا جبينِكَ مشرِقٍ / شَرِقٍ بآسادٍ وجُرْدِ سَلاهِبِ
غُرٍّ تَواعَدُ للطِّعَانِ صَواهِلٍ / تختالُ بَيْنَ مُخاطِبٍ ومُجاوِبِ
حَتَّى ارْتَقَيْتَ سريرَ مُلْكِكَ حَفَّهُ / نُورُ السرورِ جوانِباً بِجوانِبِ
ومدَدْتَ للتقبيلِ راحَةَ مُنعِمٍ / تَنْهَلُّ أَنْمُلُها بُحُورَ مَواهِبِ
وتكادُ تهتِفُ عَنكَ هل من راغِبٍ / أَوْ راهبٍ أَوْ خائفٍ أَوْ طالِبِ
فاسْلَم وكُنْ للأَرْضِ آخِرَ عامِرٍ / ولغالِبِ الأَعْدَاءِ أَوَّلَ غَالِبِ
أَوْجَفْتُ خَيْلِي فِي الهوى ورِكابي
أَوْجَفْتُ خَيْلِي فِي الهوى ورِكابي / وَقَذَفْتُ نَبْلي بالصِّبا وحِرَابي
وسَلَلْتُ فِي سُبُلِ الغِوايَةِ صارِماً / عَضْباً تَرَقْرَقَ فِيهِ مَاءُ شَبابِي
ورَفَعْتُ لِلشَّوْقِ المُبَرِّحِ رايَةً / خَفَّاقَةً بِهَوَائِجِ الأَطْرَابِ
ولَبِسْتُ لِلُّوَّامِ لأْمَةَ خالِعٍ / مَسْرُودَةً بِصَبابَةٍ وتَصابِ
وبَرَزْتُ لِلشَّكْوَى بِشِكَّةِ مُعْلَمٍ / نَكَصَ الملامُ بِهَا عَلَى الأَعقابِ
فاسْأَلْ كمِيَّ الوَجْدِ كيْفَ أَثَرْتُهُ / بِغُرُوبِ دَمْعٍ صائِبِ التَّسكابِ
واسْأَلْ جُنُودَ العَذْلِ كيْفَ لَقِيتُها / فِي جَحْفَلِ البُرَحاءِ والأَوْصابِ
ولَقَدْ كَرَرْتُ عَلَى الملامِ بِزَفْرَةٍ / ذَهَلَ العِتَابُ بِهَا عَنِ الإِعْتَابِ
حتى تركْتُ العاذِلِينَ لِما بِهِمْ / شَغْفاً بِحُبِّ التَّارِكيَّ لِما بِي
من كُلِّ مَمْنُوعِ اللِّقاءِ اغْتالَهُ / صَرْفُ النَّوى فَنأَى بِهِ وَدَنَا بي
في لَيْلَةٍ لُقِّيتُ من تِلْقائِهِ / دَعْوى مُجِيبٍ للمَزَارِ مُجابِ
سِرٌّ سَرى لِجَوانِحي فَسَرى بِهَا / وهَوىً هَوَيْتُ لطَوْعِهِ فَهَوى بِي
فكَسَوْتُ خَيْلَ الشَّوْقِ لَيْلَ مُخالِسٍ / مَا كاد يَشْعُرُ أَنَّهُ جِلْبابِي
وهَتَفْتُ فِي جُنْدِ الصَّبا فأَجَابَني / فِي كُلِّ صَبٍّ بالأَحِبَّةِ صَابِ
فَزَحَفْتُ والإِقْدَامُ يَحْمِلُ رَايَتِي / وخَوَاطِرُ الإِحْجَامِ تَحْتَ رِكابِي
وحَمائِلي تَهْفُو بِلُحْمَةٍ بارِقٍ / لولا الوفاءُ بِذِمَّتِي لَوَشى بي
وكِنَانَتي مَا شِئْتُ فِي إِكْنانِها / منْ مُلتَظى جَمْرٍ وحَرِّ شِهابِ
كُلٌّ يشاكِهُ مَا وَرَاءَ جوانِحِي / للشَّوْقِ من ضَرَمٍ ومن إِلْهَابِ
حَتَّى افْتَتَحْتُ عَنِ الأَحِبَّةِ مَعْقِلاً / وَعْر المسالِكِ مُبْهَم الأَبْوَابِ
ووقَفْتُ مَوْقِفَ عاشِقٍ حَلَّتْ لَهُ / فِيهِ غنيمةُ كاعِبٍ وكَعَابِ
بِحَدَائِقِ الحَدَقِ الَّتِي لاقَيْنَنِي / بأَحَدَّ من سيفي ومن نُشَّابِي
في تُرْبَةٍ جادَ النَّعِيمُ رِياضَها / فَتَفَتَّحَتْ بِنَوَاعِمٍ أَتْرَابِ
من كُلِّ مَغْنُومٍ لِقَلْبِيَ غانِمٍ / عِشْقاً ومَسْبيٍّ لِعَقْلِي سابِ
في جُنْحِ لَيْلٍ كالغُرَابِ أَطارَ لِي / عن مُلتَقى الأَحْبابِ كُلَّ غُرَابِ
وجَلا لِعَيْنيَ كُلَّ بَدْرٍ طالِعٍ / قَمِنٍ بِهَتْكِ حِجابِهِ وحِجابِي
جابَ الظَّلامَ فَلَمْ يَدَعْ من دَجْنِهِ / إِلّا غَدَائِرَ شَعْرِهِ المُنْجابِ
فَغَنِيتَ بَيْنَ ضِيائِهِ وظلامِهِ / مُغْرى الجفونِ بِطَرْفِهِ المُغْرى بِي
فإِذا كَتَبْتُ بناظِرِي في قَلبِهِ / أَخْفى فخطَّ بناظِرَيْهِ جَوَابِي
وإِذا سَقَاني من عُقارِ جُفُونِهِ / أَبْقى عليَّ فَشَجَّها بِرُضَابِ
وسُلافَةُ الأَعْنابِ تُشْعِلُ نارُها / تُهْدى إِلَيَّ بيانِعِ العُنَّابِ
فَسَكِرْتُ والأَيَّامُ تسلُبُ جِدَّتِي / والدَّهْرُ ينسِجُ لي ثِيابَ سِلابِي
سُكْرَيْنِ من خمْرَيْنِ كَانَ خُمارُها / فَقْدَ الشَّبابِ وفرْقَةَ الأَحبابِ
لِمَدىً تَنَاهى فِي الغِوَايَةِ فانْتَهى / فِينا إِلَى أَمَدٍ لَهُ وكِتَابِ
وهَوًى تقاصَرَ بالمُنى فأَطالَ بِي / هَمَّاً إِلَى قَلْبِي سَرى فَسَرى بي
في جاهِلِيَّةِ فِتْنَةٍ عُبِدَتْ بِهَا / دُونَ الإِلهِ مَضَلَّةُ الأَرْبابِ
تُسْتَقْسَمُ الأَزْلامُ فِي مُهَجَاتِنا / وتسيلُ أنْفُسُنا عَلَى الأَنْصابِ
غِيَراً من الأَيَّامِ أَصْبَحَ ماؤُها / غَوْراً وأُعْقِبَ صَفْوُها بِعِقابِ
وبوارِقاً للغَيِّ أُضْرِمَ نُورُها / ناراً وصابَ غَمَامُها بالصَّابِ
فلها فَقَدْتُ النَّفْسَ إِلّا قَدْرَ مَا / أَشْجى بِهِ لِحُلُولِ كُلِّ مُصابِ
وبها رَزَيْتُ الأَهْلَ إِلّا لابِساً / بُؤْساً يَزِيدُ بِهِ أَلِيمُ عَذَابِي
وبها رَفَعْتُ حِجابَ سِتْرِي عَنْ مَهاً / تَرَكَتْ شبا قلْبي بِغَيْرِ حِجابِ
وجَلَوْتُ فِي خَطْبِ الجَلاءِ عقائلاً / قَصَّرْتُ عَنْها هِمَّةَ الخُطَّابِ
سِرْبُ المُقاصِرِ والمَلاعِبِ صُنْتُهُ / فأَطَرْتُهُنَّ مع القَطَا الأَسْرابِ
ذُعِرَتْ بِحِسِّ الإِنْسِ تَحْتَ حِجالِها / واسْتَأْنَسَتْ بِضَرَاغِمٍ وذِئَابِ
وَنَزَتْ بِهِنَّ عن الآرائِكِ رَوْعَةٌ / مَهَدَتْ لَهُنَّ حُزُونَ كُلِّ يَبابِ
فَطَوَيْنَ آفاقَ البِلادِ لِطِيَّةٍ / تأْبى لَهَا الأَيَّامُ يَوْمَ إِيَابِ
وإِلَيْكَ يَا مَنْصُورُ حَطَّ رِحالَها / دَأْبُ السَّرى واليَعْمَلاتِ وَدَابِي
وبُحُورُ هَمٍّ كَمْ وَكَمْ دَاوَيْتُها / بِبحُورِ يَمٍّ أَوْ بُحُورِ سَرَابِ
وشبابُ لَيْلٍ طالَمَا بَلَّغْتُهُ / تَخْطِيطَ شَيْبٍ أَوْ نُصُولَ خِضَابِ
فَوَصَلْتَ يَا مَنْصُورُ مِنَّا غُرْبَةً / مَقْطُوعَةَ الأَنْسابِ والأَسْبابِ
ووَقَيْتَني رَيْبَ الخُطُوبِ بِمِنَّةٍ / جَلَتِ اليَقِينَ لِظَنِّيَ المُرْتابِ
وكَفَيْتَني لَوْمَ الزَّمَانِ بأَنْعُمٍ / كَفَتِ الزَّمَانَ ملامَتي وعِتابي
وشَمِلْتَني بشَمائِلٍ ذَكَّرْنَنِي / فِي طِيبِها طُوبى وحُسْنَ مآبِ
وأَقَمْتَ لي سُوقَ المكارِمِ مُغْلِياً / بِجَوَاهِرِ الإِبْداعِ والإِغْرابِ
ورِضَاكَ رَدَّ لِيَ الرِّضا فِي أَوْجُهٍ / من خُزْرِ أَيَّامٍ عَلَيَّ غِضابِ
وهُدَاكَ أَشْرَقَ لي ولَيْلِيَ مُظْلِمٌ / وسَناكَ أَبْرَقَ لي وَزَنْدِيَ كابِ
وَجَدَاكَ داوَاني وَدَائيَ مُعْضِلٌ / وذرَاكَ آوَانِي وَرَحْلِي نَابِ
فَحَلَلْتُ مِنْهُ خَيْرَ دارِ مُقامَةٍ / وَثَوَيْتُ مِنْهُ فِي أَعَزِّ جَنابِ
وأَسَمْتُ فِي أَزْكَى البِقاعِ صَوَافِني / وَضَرَبْتُ فِي أَعلى اليَفَاعِ قِبابي
وشَوَيْتُ للأَضْيافِ لَحْمَ رَكائِبي / فِي نارِ أَحْلاسِي وَفِي أَقْتابي
عِوَضاً مِنَ الْوَطَنِ الَّذِي أَصْبَحْتُ مِنْ / أَسْلابِهِ إِذْ كَانَ مِنْ أَسْلابي
ولَقَدْ جَبَرْتَ بِرَغْمِ دَهْرٍ ضامَني / مَا أَخْلَقَتْ عَصْرَاهُ مِنْ أَثْوَابِي
خِلَعاً رَفَعْتَ بِفَخْرِها وسَنائِها / مَا ضاعَ من قَدْرِي ومِنْ آدابِي
كُلٌّ ينادي فِي البَرِيَّةِ مُعْلِناً / هَذِي مواهِبُ مُنْذِر الوَهَّابِ
فَلأَهْدِيَنْ مِن طِيبِ ذِكْرِكَ فِي الوَرى / وَقْرَ الرِّكَابِ وذُخرَةَ الرُّكَّابِ
ولأَكْتُبَنْ منها عَلَى صُحُفِ العُلا / غُرَرَ الكِتابِ وغُرَّةَ الكُتَّابِ
ولأَجْلُوَنْ منها لأَبصارِ النُّهى / حُرَّ الخِطابِ وحُرَّةَ الخُطَّابِ
ولأَجْعَلَنَّ ثناءها وجَزاءها / أَبَدَ الأَبِيدِ وعاقِبَ الأَعْقابِ
ولأَتْرُكَنَّ خُلُودَها ونَشِيدَها / دِينَ العَصُورِ ومِلَّةَ الأَحْقابِ
حَتَّى يَعُودَ الدَّهرُ بِدْعَ شَرِيعَةٍ / بِعُلاكَ والأَيَّامُ أَهْلَ كِتابِ
وتَرَاكَ بَعْدَكَ أمَّةٌ لَمْ تَلْقَها / عَيْنَ اليَقِينِ وجَهْرَةَ الأَلْبابِ
حَتَّى يَرَوْا كَرَّاتِ خَيْلِكَ فِي الوغَى / لِوَحى طِعانٍ أَوْ وَحِيِّ ضِرَابِ
ويَرَوا سُيُوفَكَ فِي الجَمَاجِمِ والطُّلى / وسَنا جَبينِكَ فِي العَجَاجِ الهابي
ويَرَوْا إِلَى الأَقْرانِ مِنْكَ مُنازِلاً / إِقْدَامَ لَيْثٍ وانْقِضَاضَ عُقابِ
ويَرَوْكَ حِزْبُ اللهِ حِزْبُكَ والعِدى / بِسُيُوفِهِ مَفْلُولَةُ الأَحْزَابِ
هَذَا وكَمْ أَعْزَزْتَ فِي دِينِ الهُدى / من مِنْبَرٍ وحَمَيْتَ من مِحْرَابِ
ومعادِ عيدٍ عُدْتَ فِي إِغْبابِهِ / بِمكارِمٍ كَرُمَتْ عنِ الإِغْبابِ
فكَسَوْتَ فِيهِ الأَرْضَ سابِغَ حُلَّةٍ / نُسِجَتْ بأُسْدِ شَرىً ومَأْشَبِ غابِ
وسوابِقٍ رَدَّ الجِهادُ جِيادَها / قُبَّ البُطُونِ لَوَاحِقَ الأَقْرابِ
ولوامِعٍ أَشْرَعْتَهُنَّ فأَشْرَقَتْ / إِشراقَ مُلْكِكَ فِي سَنا الأحْسابِ
وخَوافِقٍ حَفَّتْ بوجهِكَ فاحْتَذَتْ / شَمْسَ النهارِ تَجَلَّلَتْ بسحابِ
حَتَّى انْتَهَيْتَ إِلَى المُصَلَّى لابساً / عِزَّ المليكِ ورِقَّةَ الأَوَّابِ
في مَنْظَرٍ عَجَبٍ وأَعْجَبُ شَأْنِهِ / مَا ذُمَّ من كِبرٍ ومن إِعْجابِ
وهُدىً لِمَنْ صَلَّى وضَحّى واتَّقى / وزَكَا فَكُنْتَ لَهُ أَجَلَّ ثوابِ
فاللهُ يَرْزُقُنا بقاءَكَ سالِماً / رِزْقاً نُوَفَّاهُ بغيرِ حِسابِ
وانْصُرْ وَمَنْ والاكَ حِلْفُ كَرَامَةٍ / واقْهَرْ ومَنْ عَادَاكَ رَهْنُ تَبابِ
أَهلاً بِمَنْ قَهَرَ الملوكَ وَمَرْحَبا
أَهلاً بِمَنْ قَهَرَ الملوكَ وَمَرْحَبا / وأَعَزِّ مَنْ حُلَّتْ لِرُؤْيَتِهِ الحُبى
وبحاجِبِ الشَّمْسِ الَّذِي حَجَبَ الأَسى / عنَّا وحاشَ لِجُودِهِ أَنْ تُحَجَبا
وَالمُسْتَطارِ لسَيْفِهِ فِرَقُ العِدى / فَرَقاً فكانَ هُوَ السَّنا وَهُمُ الْهَبا
مَلِكٌ نماهُ المُلْكُ يَتْبَعُ تُبَّعاً / فِيهِ ويُعرِبُ عَنْ مآثِرِ يَعْرُبا
قادَ الجنودَ مُكاثِراً بِرِماحِها / شُهُبَ الدُّجى وبأُسْدِها عَدَدَ الدَّبا
وسَما فَعادى بَيْنَ آفاقِ الْعدى / خَسَفَ الدَّبُورِ وكَرَّ يَعْتَامُ الصَّبا
بكَتائِبٍ تَرَكَتْ سَنا شَمْسِ الضُّحى / طَرْفاً سَجا للنَّوْمِ أَوْ بَرْقاً حَبا
تَبْني عَلَى الآفاقِ مِنْ جَعْدِ الثَّرى / فَلَكاً بِزُرْقِ السَّمْهَرِيّ مُكَوْكَبا
فِي هِمَّةٍ أَوْرَتْ زِنادَ وقَائِعٍ / غادَرْنَ رأْسَ الدَّهْرِ أَشْعَثَ أَشْيَبا
حَتَّى تَجَلَّى فِي عَجَاجَةِ أَوْبَةٍ / آبَتْ إِلَى الدُّنْيا بأَيَّامِ الصِّبا
من بَعْدِ مَا وَصَلَ الأَصائِلَ بالضُّحى / تَحْتَ العوالي مُسْئِداً وَمؤَوِّبا
حَتَّى تَوَهَّمَهُ الدُّجى بَدْرَ الدُّجى / يَسْرِي أَوِ ابْناً لِلْكَواكِبِ أَوْ أَبا
شَبَهاً بِهِ ناسَبْتَها مُتَعالِياً / ومُحَلِّقاً ومُشَرِّقاً ومُغَرِّبا
بِعَزَائِمٍ كَلَّفْتَها أَعلى العُلا / فتسابَقَتْ شَأْواً إِلَيْهِ مُغَرِّبا
مُسْتَحْيِيَاتٍ أَنْ يُعَرِّجَ لَحْظُها / لِقُبْولِ مَا أَدْنى الزمانُ وقَرَّبا
لا يَرْكَبُ المُلْكَ الذَّلُولَ رِكابُهُ / حَتَّى يُذِلَّ لَهُ الزمانَ المُصْعَبا
حَتَّى يَنالَ العِزَّ أَعْلى مُرْتَقَىً / ويفُوزَ بالآمالِ أَبْعَدَ مَطْلَبا
جاوَزْنَ بالخَيْلِ المَدى بَعْدَ المَدى / وأَطَلْنَ إِظْماءَ الأَسِنَّةِ والظُّبى
ما أَوْرَدَتْها من عُدَاتِكَ مَنْهَلاً / إِلّا ابْتَدَرْنَ أَمامَ ذَلِكَ مَشْرَبا
يطلُبْنَ فِي الأَفْلاكِ شاهِقَةَ العُلا / ويَدَعْنَ للأَوْعالِ شامِخَةَ الرُّبى
مُتَكَرِّماتٍ أَن يُناطِحَ كَبْكَباً / من كَانَ فِي فَلَكِ المعالِي كوْكبا
هَلْ مَنْ يُسامِيهِ وأَقْرَبُ مَا يُرى / مِنَّا إِذَا كَانَ الغَمامُ الصيِّبا
عُذْنا بِهِ مَنْ لا تَعَوَّذَ مَرْقَباً / مِنْهُ فأَصْبَحَ فِي ذَرَاهُ مَرْقَبا
فَابْشِرْ فما عَصَفَتْ رِياحُكَ حُسَّراً / فِيهِ ولا بَرَقَتْ سَحابُكَ خُلَّبا
وانظُرْ فإِنَّ عزيمَةً أَلقَحْتَها / بالنَّصْرِ قَدْ أَرْأَتْ بِفَتْحٍ مُقْرِبا
واعْلَمْ بأَنَّ أَسيرَ مُلْكِكَ مُوثَقاً / مَنْ لا يَرى فِي الأَرْضِ دُونَكَ مَهْرَبا
ولئِنْ حَمى منك الزَّمانُ مَكامِناً / فَبِهَا يَتُوبُ إِلَيْكَ مِمَّا أَذْنَبَا
وَغَداً يَجِيئُكَ مُنْشِداً مُتَذَمِّماً / لَيْسَ المُسِيءُ إِلَيْكَ عَبْداً أَعْتَبا
ولئِنْ دنا أَمَدٌ فلا عَزْمٌ رَنى / ولَئِنْ نبا قَدَرٌ فلا سَيْفٌ نَبا
واللهُ مُختارُ القَضاءِ وإِنْ أبى / فَعَسى لِخَيْرٍ مَا تَعَجَّلَ أَوْ أَبى
ولَكَمْ أَرَاكَ النَّصْرَ لَمْحاً باصِراً / ولَعَلَّ أَعْظَمَ منهُ فِيما غَيَّبا
رَبّاً بنصرِكَ عائداً ومُوَالِياً / ولِطُولِ عُمْرِكَ واهِباً مُسْتَوْهَبا
وكَفى بِمَنْ آوى إِلَيْكَ مُشَرَّداً / قَلِقَ الرَّكائِبِ فِي البِلادِ مُغَرَّبَا
حَتَّى يَرى البُؤْسى غُرَاباً أَعْصَماً / بَنَدَاكَ والضَّرَّاءَ عَنْقا مُغْرِبا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025