القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ الأَبّار الكل
المجموع : 8
مَا لِلْهَوى إلا الرُّصافَةَ مأرَبُ
مَا لِلْهَوى إلا الرُّصافَةَ مأرَبُ / بَعدَ الغَدير فكيفَ يصْفو مشرَبُ
كانا مراداً للنّعيم وَمَوْرِداً / إذْ كُنْت بَيْنَهُما أجيءُ وأذهَبُ
والإلْف لِلْميعادِ بي مُتَرَقّبٌ / والدّهر بالإسْعادِ لي مُتَقَرِّبُ
وَتلاعَبت أيدي النوى بِهما وَبي / حتى انقضى لَعِبٌ وأقْفَر مَلْعبُ
وللّهِ أسْحَارٌ بها وأصائلٌ / كانتْ تُفَضّضُ صبْغَةً وَتُذَهّبُ
وكأنّ كافوراً ومِسكاً لَيْلُها / ونهارُها ممّا يَروق وَيُعْجِبُ
يزداد حُسْناً صبحُها بِرُوائِها / ويكادُ يُشْرقُ من سناها الغَيْهَبُ
تلكَ المَغاني لا حُجِبنَ كأهلِها / عَني فَوَجْدي سافِرٌ لا يُحجَّبُ
وَلعَمْرُ ما أنْفَقْت مِن عُمري بِها / وجَنيْت مِن ثَمَراتِ عَيش يَعْذُبُ
وَلأَغلِبَنّ عَلى السلوّ صَبابتي / والشّوْقُ في كُل المواطن أغْلبُ
ولأندُبَن بها الشّباب وشَرْخَه / إنّ الشباب أحَقُّ فَانٍ يُنْدَبُ
ساحاتُ حُسْنٍ طَرّزَتْ أوقَاتَها / ساعاتُ أنسٍ رَدُّها مُسْتَصْعَبُ
وأجرُّ أذْيال الهَوَادَة والهوى / يَقْتَادُني دَلُّ الحِسَان فَأُصْحبُ
كم جِئْتُ بينَ خَمائلٍ وجَداول / مِنها أصعّد في المُنى وأصوِّبُ
ومُغازلاً فَتَيَاتها في فِتْية / ما منهمُ إلا أغَرُّ مُهَذّبُ
بينَ الأباطحِ والرُّبى مُتَصَرّفٌ / ومَع الصّبابة والصّبَا مُتَقَلّبُ
خَلَعوا على زَهْرِ الرّياضِ حُلاهُم / فَغدا بهم خَيْريُّها يتأدَّبُ
نَسَبَتْه للكرم الصريح شَمائِلٌ / أدَبيّةٌ عنها يَنِمُّ وَيُنْسَبُ
فَمَعَ الصّباح تبتُّلٌ وتَقَلّصٌ / ومع الظلام تبذُّلٌ وتَسحّبُ
كانتْ مآنسَ بل نفائسَ أصبحْت / مَسْلوبَةً وكذا النّفَائسُ تُسلبُ
أين المذانِبَ لا تزال تأسُّفا / تَجري عليها من دُموعيَ مذنبُ
من كُلّ بسّام الحَبابِ كأنّه / ثغرُ الحَبيبِ وريقهُ المُسْتَعذَبُ
كالنّصلِ إلا أنّه لا يُتَّقى / كالصّلِّ إلا أنّه لا يُرْهَبُ
تَقتادُنا أقْدامُنا وجِيادنا / لجنابهِ وهوَ النّضيرُ المُعشِبُ
لَهَجاً بِدُولاب تَرَقّى نهره / فَلَكا ولكنْ مَا ارْتَقاهُ كَوْكَبُ
نَصَبَتْهُ فَوْقَ النّهْر أيْدٍ قَدّرت / ترويحَه الأرْواح سَاعَةَ يُنْصَبُ
فَكَأنّه وهو الطّليقُ مقيّد / وكأنه وهوَ الحبيسُ مُسيَّبُ
للماءِ فيهِ تصعُّدٌ وتحَدُّرٌ / كالمُزنِ يَسْتَسْقي البحار ويسكُبُ
يُعْلي ويُخْفِضُ رنَّتَيْهِ كَما شدا / غَرِدٌ وتابعَ في زئيرٍ أغْلَبُ
شَاقَتْهُ ألحانُ القِيان وشاقها / فيبوحُ من كَلَفٍ بهِنّ ويطْربُ
أبَداً على وِرد ولَيْسَ بقانِعٍ / من غُلّة في صدرِهِ تَتَلّهبُ
كالعاشِقِ الحَرّان يرتَشفُ اللّمى / خَمرا ولا يرويه ريقٌ أشْنَبُ
هَامَتْ بهِ الأحْداق لمّا نادَمت / منهُ الحَدائقُ ساقِيا لا يشربُ
هَلْ تُرْجعُ الأيّامُ عَصْرَ شييبة / مازلتُ فيها بالحسانِ أشَبّبُ
حيثُ النسيم بما يَمُرّ عليهِ من / حقّ الرّياضِ مُضمّخٌ وَمُطَيّبُ
أيّام يُرْسَل من شبابيَ أدْهَمٌ / أرنٌ ويُشكِلُ من مَشيبيَ أشهَبُ
أمّا الرُّصافة فهيَ سَمْتي لا الحِمى / ولِوى الصريمُ ولا العُذَيبُ وغُرّبُ
ربَّى الهوى منها مكانٌ طيّب / وَلَد السُّرور به زَمانٌ مُنْجِبُ
تاللّهِ ما أنْصَفْتُ أهْلَ مَوَدّتي / شرّقت أشرَق بِالبِعاد وغرّبوا
وأعيذُهُم إذْ لَمْ يُلقِنا جَانِبٌ / مِنْ أن تَطولَ قَطيعَةٌ وتجنُّبُ
فعلام ضَنُّوا بالتّحيّة رغبَة / عنّي كأنّي عَن هواهُمُ أرغَبُ
هَذا فُؤادي قَد تَصَدّع بعدهُم / من يَرْأبُ القَلبَ الصديع ويشعبُ
ولَقد تَغُرُّنيَ المُنى فأطِيعُها / سَفَهاً وبَارقَةُ الأماني خُلّبُ
وأخفُّ ما حُمّلتُ من عِبْءِ الهوى / أنْ أسْتريحَ إلى مَطامع تُتْعبُ
يا منْزلاً كانَ الحِفاظُ يُجِلُّهُ / والجودُ بالضِّيفَانِ فيهِ يُرَحّبُ
أَهوى حلولَك ثُم يسلبُني الهوى / أنّ العَدُوّ بِجانبَيْك مطنِّبُ
أصْبَحْتُ فيك مُعَذَّلاً ومُعذَّبا / وكذا المُحِبُّ مُعَذَّلٌ ومعذَّبُ
يا حَبّذا بِحَديقَةٍ دُولابُ
يا حَبّذا بِحَديقَةٍ دُولابُ / سَكَنَتْ إلى حَرَكَاتِهِ الألبَابُ
غَنّى وَلَمْ يَطْرَبْ وَسَقَّى وهو لم / يَشْرَبْ ومِنْهُ اللّحْنُ والأكْوَابُ
لَو يَدّعي لُطْف الهَواء أو الهَوى / ما كُنْتَ في تَصْديقِهِ تَرْتَابُ
لِلْعُود محْتدُه وَمِلْءُ ضُلوعه / لإغاثَة الشّجَر اللّهيف رَبَابُ
وكَأنّه مِمّا تَرَنّم مَاجِنٌ / وكأنّه ممّا بَكى أوّابُ
وكَأنّه بِنُثَارهِ وَمَدارِه / فَلَكٌ كواكِبُهُ لَها أذنابُ
أهْلاً بِهِنّ أهِلَّةً وكَواكبا
أهْلاً بِهِنّ أهِلَّةً وكَواكبا / زَحَفت هِلالٌ دونَهنّ مواكِبا
تَخدي الركائِبُ والسّلاهِبُ حَوْلَهَا / تُرْدي كأسْطارِ الكِتابِ كتائبا
فالمَوْتُ بينَ أوانِسٍ وفَوارِسٍ / جاروا عَليّ أعادِياً وحَبائِبا
هُنّ الظّباءُ العاطِياتُ سوالِفاً / وهُمُ الأسودُ الضّارِياتُ مَخالِبا
جَعَلوا الدّماءَ خَلوقهُم وخِضَابهُم / مُسْتأصِلينَ مُسالماً ومُحارِبا
أنهاكَ لا تَغْشَ المَضاربَ خِيفَةً / من أعْيُن تَهَبُ الصّفاحَ مضَارِبا
لَم تَرْمِ إلا أقْصَدَتْ لحَظَاتُها / فَجَرى دَمُ الصّبّ المُتَيّم صائِبا
يا مَن لقَلبٍ ذائبٍ من غادَةٍ / كالصُّبحِ تسْحبُ لِلظّلام ذَوائِبا
وَحْشِيّةٌ في فَازَة بِمَفازَةٍ / يَنزو الجنانُ الوَحشُ مِنها راهِبا
خَيلاً وَشَوساً مِن حِفاظ صادِق / تَلقَى عِراباً قَبلَها وأعارِبا
حُمرُ القِبابِ على اليبابِ هيَ المُنى / وكَفَى بهِنّ أمانياً وَمآرِبا
لو لَمْ تُظلّل بالرّماحِ عَواسِلاً / دونِي وَتَكلأ بالصّفاحِ قواضِبا
فَلَكم طريرِ الحَدّ يخفُرُ طُرّةً / ولَكم أصمِّ الكعْبِ يكفلُ كاعِبا
دَعني أجِد شَوْقاً إلَى مَخضوبَةٍ / أطرافُها بِدَمي الطّرِيِّ خَواضِبا
مَنْ راح بالبِيضِ النّواعمِ هائِماً / لم يَغدُ للسُّمرِ الذّوابِل هائِبا
والصَبُّ مَن خاضَ الأسِنّة والظُّبى / نَحوَ الظّباء مُطاعِناً ومُضارِبا
إنْ لا يُسَلْ عنّي فكلُّ جوارِحي / جُرْحٌ رَغيبٌ بتُّ فيهِ راغِبا
قَد صَيّرَتني العامِريّة عامِراً / ألْقى الأسِنّةَ كيفَ شِئْتُ مُلاعِبا
أمّا الهَوى فأخو الوَغى لَم أسْتَرحْ / مَن ذا لذاكَ مُراوِحاً ومُناوِبا
فكأنَّ عهْداً من وليّ العهدِ لي / أنْ تُسْفِرَ الغَمراتُ عنّيَ غَالبا
مَلِكٌ أنَاف علَى الملوكِ مَحامِداً / ومَحَاتِداً ومَناسِباً ومَناصِبا
تَنْمِيه آباءٌ كِرامٌ لِلعُلى / كَثروا النجوم مَقانِبا ومَناقِبا
بَيْت الإمارةِ بيتُه وبِحَسْبِه / حَسباً يشقُّ عَلى الثّواقِبِ ثاقِبا
يَحلو له طَعم الكَريهَةِ سَلْسَلا / وهِيَ الأجاجُ مَشارِعاً ومَشارِبا
أمدُّ ما تَلقى طَلاقَتُهُ مَدىً / في اليومِ أنّ ضُحاه يَطْلعُ شاحِبا
مازالَ في ذاتِ الإلَهِ مُشمّرا / ولِذَيل فَيْلقِه العرَمْرَم ساحِبا
يَغشى الخِطار إلَى الخَطيرِ من العُلى / قبْلَ الصَلادِم لِلعَزائِم راكِبا
مُتَبَسِّما يُزْجِي سَحائِبَ عِثْيَرٍ / تَنْهلّ منهُنّ الدّماء سَواكِبا
وتَروقُ فيها كالبَروقِ مناصِلٌ / لا ترتَجي مِنها الجَماجِمُ حاجِبا
قَد راعَ أجواز المَهالِك حاطِبا / واحْتازَ أبْكارَ المَمالِك خاطِبا
أمْنِيّةٌ لَبّتْ لُهَاه راضِيا / وَمَنِيّةٌ صَدّت ظُبَاه غاضِبا
لم يَبْدُ في أفقِ الهِدايَة طالِعاً / إلا تَوارَى ذو الغِوايَة غارِبا
عَجَباً لِماء حَديدِه ألِف الوَغى / ناراً فولّد ذا وَذاك عجائِبا
لِيُطَهّر الآفاقِ من ذَنْبِ العدى / حَمَل الصوارِم في الغُمودِ مذانِبا
وكأنّما عَزَمَاتُه وعِداتُه / عُصُف الشّمال وقَد لقِينَ سَحائِبا
يُمناهُ مِثل المزن ترْسلُ وابِلاً / غَدقاً وترْسل في الكَريهَةِ حاصِبا
إنْ جَدّ راع الضارِيات غَواضِبا / أو جاد غاظ الطامِيات غَوارِبا
بيْنَ القَسَاوِر والكَساوِر زَحْفُه / مِمّا اصْطَفاهُ أخامِساً وسَلاهِبا
ما همّ بالمَلِكِ الهُمام ففاتهُ / ولَو اغْتَدى للنَيّرات مُصاقِبا
وَلهُ سَجايا في السّماحِ غَريبَة / مَلأت أكُفّ العَالَمينَ رَغائِبا
صَدّق بِكُلّ عَجيبة إلا بأن / يَنْفَضّ عَنْها ذو رَجاء خائِبا
مَنْ نالَ من تلك الأنامل نائِلاً / لَمْ يَشْكُ مِنْ نُوب الليالي نائِبا
أمِن الأنام به فعاد مَراقِداً / لِجُنُوبِهمْ ما كانَ قَبْلُ مَراقِبا
إنّ المُلوك بَني أبي حَفْصٍ أبَوْا / بِأبِيهِمُ إلا السماءَ مَرَاتِبا
أبْقاهُمُ لِلْمُتّقين هديَةً / كالشّمسِ تُعْقِبُ أقْمُراً وَكَواكِبا
وَعَلى أبي يَحْيى الْتَقَت أنْوارُهُ / فَتَمَزّقتْ عَنْها الخُطُوب غياهِبا
للّهِ درُّ عِصَابَة قدسِيّةٍ / لا يَرْتَضون سِوى النجوم عَصائِبا
باهى الزّمانُ بِهم سَرَاةَ مُلوكه / وزرَى عَلَيْهم عَاتِباً أو عَائِبا
يا ابْنَ الإمامِ المُرْتَضى هُنئْتَها / شِيَماً وَرثتَ ضُروبَها وَضَرَائِبا
وَإِمَارَةً قُلدْتَها فاسْتَخْدَمَتْ / سَعْدَ السعودِ فَواتِحاً وَعَواقِبا
وَلَقَدْ وَرَدْتَ علَى الأيَامِنِ قَادِماً / وصَدَرْت وضّاحَ المَيَامِن آيِبا
فانْهَضْ لتَدْبيرِ الأمورِ مُصاحِباً / لا زالَ أمْرُكَ للظهورِ مُصاحِبا
وَاطْلع بِأفْق النّاصِريّة باهِراً / يَأفُلْ أمَامَكَ كُلُّ باغٍ هَارِبا
يا حَضْرَةَ التّوْحِيدِ زانَكَ حاضِراً / ثُمّ استَقَلّ يَسُدّ ثَغْرَك غَائِبا
والأسْد قَدْ تَنْزاحُ عن غاباتِها / لِتُعزّ أطْرافاً لَها وجَوَانِبا
والبيض لوْلا هجْرُها أغْمادها / ما واصَلَتْ بَرْيَ الرِّقابِ ضَوارِبا
هِيَ خِدْمَةٌ أدّيْت حَقّاً لازِماً / مِنْ وَصْفِها وقَضَيْت فَرْضاً واجِبا
ولَعَلّ فِكراً جال في تَهذيبِها / لَفْظاً وَمَعْنىً لا يُسَمّى حَاطِبا
ما قُلْتُ إلا ما فعلتُم طيّباً / بِشَذى عُلاك مشارِقاً ومغارِبا
وإذا النهى أملتْ عُلاكَ مَدائِحا / فَمِنَ السّعادَة أن أكونَ الكاتِبا
عَذلُوهُ في تَشْبِيبِهِ ونَسيبِه
عَذلُوهُ في تَشْبِيبِهِ ونَسيبِه / من ذا يُطيقُ تَنَاسِياً لحَبيبِهِ
ومَضَوْا عَلى تَأنيبِهِ وبِحَسْبِهِم / تأبِينُه مَحياهُ في تأنيبِهِ
أو ليسَ من خَضَب البياض مموها / كَصَريعِ مُشْتَجر القَنا وخضيبِهِ
ركدت صَبا عَصْر الصّبا وهُبوبُها / وهَفا النَسيم لِنَوحه وهبوبِهِ
تاللّهِ ما جَوْرُ الفَتى من كَوْرِهِ / وَكَفاهُ وَهْنُ قراهُ في تَجريبِهِ
والْعُمْرُ ليس قَشيبُه كَدَريسِه / كاليوم لَيْسَ شُروقُهُ كغُروبِهِ
من شارف الخَمسينَ ضَيّقَ عُذْرَهُ / تَعْدَادُهُ في الشّيبِ عَن تَشبيبِهِ
لَكِنها حَدَقُ المَهَا خَبَأت لَهُ / مِنْ سِحْرها ما جَدّ في تَحبيبِهِ
فالقَلبُ محتَملٌ صِلاءَ شُجونِهِ / والجِسْم مُشْتَمِلٌ مُلاء شُحوبِهِ
واهاً لَه حَسِبُوا المَشيبَ يَصُدُّهُ / عَنْ ذكر أيّامِ الحِمَى وكَثيبِهِ
وإذا العَميدُ نَضا رداءَ شَبابِهِ / أغراهُ بِالتّهْيام لِبْسُ مَشيبِهِ
هَيهات يَصْحو أو يفيقُ مِنَ الهَوى / مُسْتَعْذِبُ البُرَحاء في تَعذيبِهِ
يا حَبَّذا نَجدٌ وسَالِفُ عَهْدِهِ / فيهِ استَفَدنا طيبَها من طِيبِهِ
ومَجالُنا مِن رَوْضهِ بغَديرِهِ / في ظِلّ مائِسِ دَوْحِهِ وَرطيبِهِ
وصَباً تَحَمّلُ من تضَوّعِ رَندِه / وعَرَارِهِ ما زادَ في وَصبي بِهِ
لَم يَلْبثِ المَكروهُ فيها أنْ نَأى / لمّا دَنا المَحبوبُ دونَ رَقيبِهِ
هِبة الزمانِ قَضى بِها دَيْن المُنى / لو لم يَعُدْ مِنْ بَعد عن موهوبِهِ
شتّان بَينَ مُجَرِّر لِذُيولِهِ / طَرَباً وبَيْنَ مُمَزّقٍ لِجُيوبِهِ
ومِنَ العَجائِبِ أن يَتمّ تَمَتُّعٌ / لأخي هَوى بأَنيقِهِ وعَجيبِهِ
كانَت مَتَاعاً لَوْ يَدومُ وإنّما / ضَحِكُ الزمانِ ذريعَةٌ لِقُطوبِهِ
ولئِنْ تَقضّت لَيسَ يَنسَى عَهْدَها / كَلِفٌ بَسيطُ الحُبّ في تَركيبِهِ
مِنْ دونِ سَلْوتِها نَوازِعُ لَوْعَةٍ / قَرَّ الفؤادُ بها فُوْيقَ وجِيبِهِ
رَحُبَتْ حَياتي عندَ يَحيى المُرْتَضى / في رَحْبِ نائلِهِ وفي تَرحيبِهِ
مَلِكٌ أقامَ الحَقّ عندَ قُعودِهِ / وأَعادَ فَيْضَ الجُودِ بَعد نُضوبِهِ
حَسّت خلافَتُهُ الخلافَ وصيّرت / مِنْ حِزْبِه مَنْ لَجّ في تحزيبِهِ
وكذاكَ من لَحِظ العَواقِبَ لُبُّه / حَذِر العِقاب فكفّ عن تأليبِهِ
لاَ يَسْلُبُ الجَبّارَ بَيْضَةَ مُلكِهِ / إلا إذَا هوَ حاد عَن أسْلوبِهِ
تَتَقمّنُ الأقْدارُ خادِمةً لَهُ / سَرّاءه في سِلْمِهِ وحُروبِهِ
وعَلى مَيامِنِهِ الكَوافِلِ بِالمُنى / تأمِينُ ظَبْي القَفْر عَدْوةَ ذيبِهِ
وافَى الزمانُ بهِ إماماً عادِلاً / والجَوْرُ قَد عَمّ الوَرى بِضُروبِهِ
وَخليفَةً في الأرضِ لكِن بَيْتَه / فَوْق السماء يُمَدُّ في تَطْنِيبِهِ
يَرْمِي فيُصمي قاصِياتِ مَرامِهِ / مِن رَأيهِ بِسَديدِهِ ومُصيبِهِ
خَلَعَتْ مَناسِبُه الكَريمَةُ عِتْقَها / وزكاءَها حتى عَلى يَعْبُوبِهِ
فإِذا امتَطاهُ سَما النُّجومَ بِجيدِه / وشَأى الرياح بِحَضْره ووثوبِهِ
لو أنَّ لِلأملاكِ فَضْلَ نِصابِهِ / مَلَكوا مِن الأمداحِ مِثْل نَصيبِهِ
تَخريبُ بَيْتِ المالِ عادَةُ جُودِه / وحَصَانَةُ العَلياءِ في تَخْريبِهِ
ضَمِنَتْ لَهَاهُ ضَرَائِبٌ حَفْصِيّةٌ / قَد أعْدَمَتْ فِيهَا وُجودَ ضَريبِهِ
إنَّ الهُدى لمّا شَكا لِضَنىً بِهِ / ما شَكّ في إبْلالِه بِطَبِيبِهِ
جَرّ الجُيوشَ مُصَمّماً في رَفْعِه / مِلْءَ الملا هَضَبَاتِهِ وَسُهوبِهِ
وجَنَى جَنِيّ النّصْرِ في تَشريقِه / مِنْ غَدْر خَاذلهِ وفي تَغْريبِهِ
لَمْ يُبْقِ مِنْ شُعبِ الضلالَة شُعْبَةً / بالصَّيدِ من أحيائِه وَشُعُوبِهِ
مُتَبسّماً ورِماحُهُ تَبْكِي دَماً / في اليَوْمِ تُحْجَبُ شَمْسُه بِكُعوبِهِ
حَيثُ المُهنَّدُ مُسمعٌ بِصليلِهِ / والمَوْتُ ساقٍ للكُماةِ بِكوبِهِ
تِلْك الخِلافَة في يَديْهِ وعَهْدُها / لِسليلِه رَبّ النّدى ورَبِيبِهِ
ثَبَتَتْ معاقِدُها علَى تَأريبِهِ / وَرَسَت قَواعِدُها على ترْبيبِهِ
هُنِّئْتَ يَا بَدْرَ الكَمَالِ أهِلّة
هُنِّئْتَ يَا بَدْرَ الكَمَالِ أهِلّة / طَلَعَتْ بِأسْعَد حَالَةٍ وَمَآبِ
اثْنَانِ ثُمّ ابْنَان مِنْكَ تَفَرَّعَا / في أطْهرِ الأحْسَابِ والأنْسَابِ
وَهلالُ هَذا الشّهْرِ ثَالِثُها الذي / أبْدَى شهَاباً مِنْهُمَا لِشهَابِ
لا زَالت الأيّامُ وَاهِبَةَ المُنى / مِنْ مُنْتَدَاك لِمفضَلٍ وَهّابِ
عِشْنا لِمَوت إمامِنا
عِشْنا لِمَوت إمامِنا / أيْن الوفاءُ لقَد ذَهَبْ
ما بالُنا لم نَفْدِهِ / ونُفُوسُنا مِمّا وَهَبْ
للّهِ نَهْرٌ كالْحُباب
للّهِ نَهْرٌ كالْحُباب / تَرْقيشُه سامي الحَبابِ
يصفُ السّماء صفاؤه / فحصاهُ ليسَ بذِي احتِجابِ
وَكأنّما هُو رقّةً / من خَالِص الوَرق المُذابِ
غَازَلْتُ في شَطّيْهِ أبْ / كارَ المُنى عَصْر الشَبابِ
والظلّ يَبْدو فَوْقَه / كالخالِ في خدِّ الكَعابِ
لا بَل أدارَ عليهِ خَو / فَ الشَّمسِ منه كالنِّقابِ
مِثل المَجرّة جرَّ في / ها ذَيْلَه جوْنُ السَحابِ
أمدُ الحياة إلى انقضا
أمدُ الحياة إلى انقضا / ءِ لا محالة وانقضاب
والعمر ومضة بارقٍ / والموت حتمٌ في الرقاب
يا ضاحكاً متهاتفاً / هلّا أخذت في الانتحاب
بغتُ المهالك لا يغِ / بّ فكن لهنّ على ارتقاب
إنّ الجديد إلى بلىً / وكذا المشيدُ إلى خراب
سيّان شادنُ مكنسٍ / عند الحمام وليث غاب
والمقرفاتُ وما كذَ / بتُك لا حقاتٌ بالعراب

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025