المجموع : 14
عَتَبَتْ سُعادُ ولم أكُنْ بالمُذنبِ
عَتَبَتْ سُعادُ ولم أكُنْ بالمُذنبِ / وعَرَفتُ عادَتها فلم أتَعتَّبِ
شِيَمُ الغواني إن تَدِلَّ إذا رأت / صبَّاً يَذِلُّ لها بقلبٍ طيِّبِ
أمَرَتْ لواحظُها الفَتَى فأطاعها / وَدَعَت فلبىَّ الشيخُ غيرَ مكذِبِّ
فَتَّانةُ العينينِ يَسكَرُ طَرْفُها / وأنا أُحَدُّ وها أنا لم أشرَبِ
سالَتْ ذوائِبُها ولاحَ جبينُها / فرأيتُ بدراً حلَّ بُرجَ العَقرَبِ
وتكلَّمتْ وتبسَّمَتْ لمَّا رأتْ / دمعي فتلكَ لآلئٌ لم تُثقَبِ
قد كُنتُ أطمَعُ في المَوَدَّةِ عِندَها / فإذا مَودَّتُها كبرْقٍ خُلَّبِ
ومَوَدَّةُ الحَسناءِ ضَيفٌ راحلٌ / مِيعادُهُ لثلاثةٍ أو أقرَبِ
ذُقتُ الصَّبابةَ في الشَبيبةِ أمرَداً / واليومَ شِبتُ فهل تليقُ بأشَيبِ
كلٌّ يعافُ العيبَ فيه فلو دَرَى / عيباً بهِ لم تَلقَ غيرَ مُهذَّبِ
ولقد عَرَكتُ الدَّهرَ أطلُبُ حِكمةً / فأفادَني والدَّهرُ خيرُ مؤدِّبِ
تُعطي التجاربُ حِكمةً لمجرِّبٍ / حَتَى تُرِّبي فوقَ تربيةِ الأبِ
ولقد تأمَّلتُ الزَمانَ وحُكمَهُ / فبُلِيتُ منهُ بعُجمةٍ لم تُعرَبِ
عارٌ عليَّ وشيخُنا المفتِي لهُ / رأيٌ يخلِّصُ بينَ بَكْرَ وتَغلبِ
هوَ كوكبٌ في الشرقِ يسطَعُ نُورُهُ / ويلوحُ فضلُ شُعاعِهِ في المَغربِ
يجلو الخُطوبَ وينجلي لكَ وَجهُهُ / فتَراهُ في الحالينِ أفضلَ كوكبِ
حَسَنُ الإصابةِ عِندَ كل مُلمَّةٍ / بادي البشاشةِ عندَ سُخطِ المغُضَبِ
مُتواضعٌ لجليسهِ من لُطفهِ / حتى كأنَّ جليسَهُ ذو المَنصبِ
رَيَّانُ من كأسِ الحقيقةِ لم يَدَعْ / إلا ثُمالَتَها التي لم تُطلَبِ
لم يَعشَقِ الدُنيا فلم يَجْزَعْ إذا / ولَّت وإنْ هيَ أقبَلَتْ لم يَطرَبِ
هانَ الزمانُ عليهِ لا مُتعَجِبٌ / مما يَرَى فيهِ وليسَ بمُعجَبِ
وَسِعَ العلومَ بجانبٍ من صَدرِهِ / رَحْبٍ وللعَمَلِ استَعَدَّ بأرحَبِ
أحصى من الكُتُبِ الذي كَتَبوا لنا / فيها وزادَ عليهِ ما لم يُكَتبِ
يجني فوائدَهُ الحكيمُ كغيرهِ / وتُفيدُ فَتْواهُ شُيوخَ المَذهبِ
يا مَن إذا اتَّسعَ القريضُ بذَكرِهِ / ضَغَطَ الأعاريضَ اقتحامُ الأضربِ
تزهو قوافينا لَدَيكَ سليمةً / ويُعابُ بالتقصيرِ قولُ المُطنِبِ
غَمَضَتْ صِفاتُكَ يا مُحمَّدُ دِقةً / فتحجَّبَتْ وبَرَزْتَ غيرَ محجَّبِ
إن كُنتَ تَبغِي من يَقومُ بحقِها / فاطلُبِ سِوايَ وقُل عذَرتُكَ فاذهَبِ
ماذا لَقيتُ من الحبيبِ وحُبِّهِ
ماذا لَقيتُ من الحبيبِ وحُبِّهِ / إلاَّ تَلاعُبَهُ بمُهجةِ صَبِّهِ
أغراهُ ذُلّي بالدَّلالِ وزادَهُ / عُجْباً فعلَّمني صِناعةَ عُجْبهِ
يا أيُّها الرَشأُ المُدِلُّ بعينهِ / لا تَفتِنِ الرَّجُلَ المُدِلَّ بقلبهِ
كَثُرتْ لَعَمْري في هَواكَ ذُنوبُهُ / لكنْ إليهِ كانَ أكثرُ ذَنْبهِ
من طالَ عن مَلَلِ الأحبَّةِ عَتْبُهُ / طالَ العِتابُ لنَفسهِ عن عَتْبهِ
داءٌ دخيلٌ ليسَ يُرجَى بُرْؤُهُ / لو أنَّ إسماعيلَ قامَ بطبِّهِ
من ذلكَ الشيخِ الرئيسِ ولفظِهِ / شيخٌ على الشيخِ الرئيسِ وكُتْبهِ
رَوَّى فخِلْنا عضْبَهُ من ذِهنهِ / ورَوى فخيِلَ لسانهُ من عَضْبهِ
هذا الحكيمُ الكاملُ الفرْدُ الذي / مُزِجَتْ بحكمتِهِ مَخافةُ ربِّهِ
لَزِمَ المدارِسَ في الدِّيارِ وذكرُهُ / قد سارَ في شرقِ الفضاءِ وغَرْبهِ
من دوحةِ الأتراكِ فَرْعٌ خِصْبهُ / يجري إلى فُرْس الزَّمانِ وعُرْبهِ
تُجنى فَوائِدُ قُربِهِ في بُعدِهِ / وتُخافُ وَحْشةُ بُعدِهِ في قُربِهِ
نَصَبَتْهُ دولةُ ذي السَريرِ فتَمَّمتْ / ألطافَها نحوَ العبادِ بنَصْبهِ
أحيَتْ مَواهبُها الأصِحَّةَ وابتَغَتْ / أنْ تَشمَلَ المَرْضَى فأحيْتهُم بهِ
يا أيُّها القلبُ الخَفوقُ بجانبي
يا أيُّها القلبُ الخَفوقُ بجانبي / قد صِرتَ وَيحْكَ حاضراً كالغائِبِ
الحَقْ بأهلِكَ في العِراقِ وخَلِّني / بالشأمِ في أهلي فلستَ بصاحبي
فَتَنَتكَ أفئِدةُ الرِّجالِ فلم تكن / مِمَّنْ أُصيبَ بأعيُنٍ وحواجبِ
عاطيتَ لكنْ لا بكأسِ مُنادمٍ / فَسكِرتَ لكِنْ لا بخَمرةِ شاربِ
ذُقتَ الهَوَى صِرْفاً وما كُلُّ الهَوَى / يَجِدُ الفتى فيهِ السبيلَ لعائبِ
حُبُّ الكريمِ كَرامةٌ لمُحِبِّهِ / ونَباهةُ المطلوبِ مجدُ الطالبِ
قد شاقَكَ العُمَرِيُّ قُطبُ زَمانهِ / مُتباعداً في صُورةِ المُتقاربِ
مُتَواترُ الآثارِ أردَفَ كُتْبَهُ / فأتَتْ كتزكيةِ الشُّهودِ لكاتبِ
هذا إمامٌ في الأئمَّةِ ذِكرُهُ / قد شاعَ بينَ مَشارقٍ ومَغاربِ
ولَئنْ تأخَّرَ في الزَّمانِ فإنَّهُ / عَقْدٌ يلي الآحادَ عندَ الحاسبِ
نَجْني الفرائدَ من بحارِ قريضِهِ / منظومةً من صُنعِ فِكرٍ ثاقبِ
من كلِّ قافيةٍ شَرُودٍ بيتُها / ضُربَتْ لهُ الأوتادُ بينَ ترائبِ
أثْنى جميلاً مَن تَعوَّدَ سَمْعَهُ / فيهِ ولكن بالخَليقِ الواجبِ
أثْنى بما هُوَ أهلُهُ فكأنَّما / أهدَى لنا من نفسِهِ بمناقبِ
شَرَفٌ لَبِستُ طِرازَهُ فاهتزَّني / عُجباً إلى ما فوقَ فوقِ مراتبي
فإذا ادَّعيتُ جعلتُ ذلكَ شاهدي / وإذا افتخرتُ جعلتُ ذلكَ ناسبي
يا جابرَ القلبِ الكسيرِ بلُطفهِ / ماذا تَرَى في أمرِ قلبٍ ذائبِ
ما زالَ يقُعِدُهُ الهَوَى ويُقيمهُ / كالفعلِ بينَ جوازمٍ ونواصبِ
أُردُدْ فُؤاداً لي أراك غَصَبتَهُ / مني فإنَّ الرَدَّ حُكمُ الغاصبِ
ما كانَ أسمَحَني به لكنَّهُ / وَقفُ العِراقِ فلا يَصِحُّ لِواهبِ
شَوْقي إلى من لم تَراهُ نواظري / في قُطرِ أرضٍ لم تَطأهُ ركائبي
أحببتُ زَوراءَ العِراقِ لأجلِهِ / ولأجلِها أطرافَ ذاكَ الجانبِ
حَقُّ المحبَّةِ للقُلوبِ فقد أرَى / حُبَّ الوُجوهِ عليهِ لَمْحةُ كاذبِ
وإذا تَعرَّضَ دُونَ عينٍ حاجبٌ / فهُناكَ قلبٌ لا يُرَدُّ بحاجبِ
أفديكَ يا مَن ليسَ لي في حُبّهِ / فضلٌ فذاكَ علَيَّ ضَربةُ لازبِ
أحسنتَ في قَولٍ وفِعلٍ بارعاً / وكِلاهُما للنَّفسِ أكبرُ جاذبِ
أنتَ الذي نالَ الكمالَ موفَّقاً / مَن رازقٍ من شاءَ غيرَ مُحاسبِ
فإذا نظمتَ فأنتَ أبلغُ شاعرٍ / وإذا نثرتَ فأنتَ أفصحُ خاطبِ
وإذا نظرتَ فعن شِهابٍ ثاقبٍ / وإذا فَكَرْتَ فعن حُسامٍ قاضبِ
وإذا جَرَتْ لكَ في الطُروسِ يَراعةٌ / فسوادُ وَشمٍ في مَعاصِمِ كاعبِ
هذِهْ رَسولٌ لي إليكَ وليتني / كُنتُ الرَسولَ لها بَمعْرِضِ نائبِ
شاميَّةٌ من آلِ عيسى أقبلَتْ / في ذِمَّةِ العُمَريِّ تحتَ مَضاربِ
عذراءُ يَثْنيها الحَياءُ مهَابةً / وتَقُودُها الأشواقُ قَوْدَ جنائبِ
نَزَعتْ إلى ماءِ الفُراتِ وما دَرَتْ / كم أغْرَقَتْ صَهَواتُهُ من راكبِ
تلكَ البقيَّةُ من ذخائرِ أعجَمٍ / تَلقَى البقيَّةَ من كِرامِ أعاربِ
من كل نابغةٍ يُفيضُ كأنَّما / نُشِرَ الفَرَزْدَقُ في تميمَ لغالبِ
ماذا يقومُ ولو تَطاوَلَ قاصرٌ / بِمَدىً تُقصِّرُ فيهِ جُرْدُ سَلاهبِ
فلكَ الجميلُ إذا عَذَرتَ وإن تَلُمْ / فلقد أصَبْتَ وما المَلُومُ بعاتبِ
من كانَ كاتبَ نُونِ هذا الحاجِبِ
من كانَ كاتبَ نُونِ هذا الحاجِبِ / هَيهاتَ لَيسَتْ من صِناعةِ كاتبِ
ومَنِ الذي خَضَبَ الخُدُودَ بحُمرةٍ / يا مَيُّ أم لَيسَتْ بصَبْغةِ خاضِبِ
بأبي التِّي من آلِ بَدرٍ وَجْهُهُا / ولِحاظُها من رَهْطِ آلِ مُحاربِ
تغزو كما تغزو الكُماةُ وإنَّما / تَدَعُ العِدَى وتُرِيدُ غزوَ الصَّاحبِ
قُلْ للَّتي نَهَبَتْ فُؤادَ مُحبِّها / بئِسَ الغنيمةُ نَهبُ قلبٍ ذَائبِ
نَهَبَتْ خُلاصةَ مالِها من بيتِها / نفسي فِداكِ فأينَ رِبحُ الناهِبِ
كم بينَ مَن يجفو الخَليِطَ وبينَ من / يصبو إلى حُبِّ البعيدِ الغائبِ
مَن كان يهوَى فلْيَكُنْ كَمُحمَّدٍ / يَهوَى ويُهوَى بالخليقِ الواجبِ
ذَاكَ الذي منهُ المَحَبَّةُ نحوَنا / قَطَعَتْ سَباسِبَ أُرِدفَتْ بسباسبِ
كلُّ الصِّحابِ نُريدُ تَجرِبةً لهم / وهوَ الغَنيُّ عنِ امتِحانِ تَجارِبِ
أهدَى إليَّ رسالةً آمَنتُ عنْ / ثِقَةٍ بها لما أتَتْ بعَجائِبِ
حَمَلَتْ على ضُعفٍ بها من صَبْوةٍ / ما ليسَ تَحمِلُهُ مُتونُ نجائبِ
عَرَبيةٌ جاءَت بلُطفِ حواضرٍ / من رِقَّةِ المَعْنى ولَفظِ أعاربِ
نَقَشَتْ سَواداً في البَياضِ كأنَّهُ / نَقشُ الغَوالي في وجوهِ كواعبِ
يامن دعا فأجاب قلبي طائعاً / لبَّيكَ من داعٍ عزيزِ الجانبِ
ذاكَ ابتِداءٌ مالَهُ من ناسخٍ / ولُ ارِتفاعٌ مالهُ من ناصِبِ
أنتَ الوفيُّ الصادقُ الحُبِّ الذي / يَبقَى على طولِ الزَّمانِ الكاذبِ
ولقَد تَوازَنتِ المحَبَّةُ بينَنا / كتَوازُنِ الأجزاءِ في المُتقاَربِ
حَمَّلْتَني من فضلِ جُودِكَ مِنَّةً / عَظُمَتْ ولكن ليس تُثقِلُ غاربي
مِنَنُ الكِرامِ على الرِّجالِ خفيفةٌ / إذ ليسَ من عَيبٍ بِهِنَّ لعائبِ
حَزَنُ القلوبِ على الغريبِ غريبُ
حَزَنُ القلوبِ على الغريبِ غريبُ / حتى تكادَ لهُ القلوبُ تذوبُ
والموتُ في نفسِ الحقيقةِ واحدٌ / لكن يُفرِّقُ بينهُ الأُسلوبُ
كلٌّ نراهُ على الطَّريقِ مسافراً / أبداً وما أحدٌ نراهُ يأُوبُ
يا سَفرةً بَعُدتْ مَسافةُ دارِها / عنَّا وأمَّا يومُها فقريبُ
عَجَباً لِمن يُمسي ويُصبحُ خائفاً / من مَوتهِ ولهُ الحياةُ تَطيبُ
طَفَحَت على بَصَرِ القلوبِ غِشاوةٌ / حتى تَساوى أحمقٌ ولبيبُ
يقضي الفَتى أيَّامَهُ في غفلةٍ / ويَلومُ كلَّ مُغَفَّلٍ ويَعيبُ
شَمِلَ الغُرورُ النَّاسَ حتى ضَلَّ مَن / يَهدي وذابَ من السَّقامِ طبيبُ
قُل للخطيبِ على الجُموعِ أفدَتَهم / نُصحاً ولكن مَن عليكَ خطيبُ
إن لم يكُن عَملُ الخطيبِ كقولهِ / فَمَنِ الذي يدعو بهِ فيُجيبُ
يا مَن نسمِّيهِ الحبيبَ وإنَّهُ / رَجُلٌ إلى كلِّ القلوبِ حبيبُ
قد غِبتَ عنَّا في التُّرابِ ولم يكُنْ / عهدُ الكواكبِ في التُّرابِ تغيبُ
أتُرَى تفوزُ الأُذنُ منك بمَسمعٍ / إن لم يكُن للعينِ منكَ نصيبُ
يا غُربةً طالت عليكَ بغُربةٍ / قد جُرَّ فوقَكَ ذيلُها المسحوبُ
فارقتَ رَبعاً كانَ يرجو عوْدةً / لم يدرِ أنَّ رجاءَهُ سيخيبُ
إن كنتَ قد سافرتَ غيرَ مُودِّعٍ / فقد اقتَفَتْكَ وشَيَّعتْكَ قُلوبُ
فعليكَ من لدُنِ المُهَيْمنِ رحمةٌ / يَسقي ضريحَكَ غيثُها المَسكوبُ
قد كنتَ تُرضِي اللهَ حَسْبَ كتابهِ / فَلَكَ الرِّضَى في لَوحِهِ مَكتوبُ
دَعْني فلستُ على الزَّمانِ بعاتبِ
دَعْني فلستُ على الزَّمانِ بعاتبِ / ليسَ الزَّمانُ كما علمتَ بصاحِبِ
وإذا وعدتَ النَّفسَ فيهِ براحةٍ / وعَدَتْكَ أن تُثنى بخَجْلةِ كاذبِ
كَثُرت نوائبُهُ عليَّ وإنَّما / ألفيتُ منهُ ملجأً للهاربِ
مولىً ظفرت بودِّه متباعداً / فرجوت منه وسيلةَ المتقارِبِ
وطَمِعتُ منهُ على البِعادِ بضَوئهِ / إذ تلكَ عادةُ كلِّ نجمٍ ثاقبِ
هو عِصمةُ الدَّاعي وغَوْثُ الملتجي / وكِفايةُ الرَّاجي وكَنزُ الطالبِ
في كفِهِّ البيضاءِ خمسُ أناملٍ / يدعونها في الأرضِ خمسَ سَحائِبِ
تُروي القريبَ من الجوانبِ حَولها / وتَسوقُ عارِضها لأبَعدِ جانِبِ
مولايَ إني قد دعوتكَ دَعوةً / بلسانِ قلبٍ لا لسانِ مُخاطبِ
نَقَشَ الرَّجاءُ على فُؤادي أسطُراً / أجلَى وأثبَتَ من مِدادِ الكاتِبِ
ما ضَرَّنا أن كُنتَ لست بحاضرٍ / فينا وفضلُ نَداكَ ليسَ بغائبِ
في قُبَّةِ الأفلاكِ بدرٌ واحدٌ / يكفي لضوءِ مَشارقٍ ومَغارِبِ
قُلِّدتَ سيفَ نِيابةٍ شرَّفتَهُ / حتى أريتَ النَّاسَ فضلَ النائِبِ
للسيفِ فضلٌ في المَضاءِ وإنَّما / لا يَقبَلُ الإنكارَ فضلُ الضَّارِبِ
ذَهَبَ الحبيبُ فيا حُشاشةُ ذُوبي
ذَهَبَ الحبيبُ فيا حُشاشةُ ذُوبي / أسَفاً عليهِ ويا دُموعُ أَجيبي
ربَّيتُهُ للبينِ حتَّى جاءَهُ / في جِنح ليلٍ خاطفاً كالذيبِ
يا أيُّها الأُمُّ الحزينةُ أجمِلي / صبراً فإنَّ الصَّبرَ خيرُ طبيبِ
لا تَخلَعي ثوبَ الحِدادِ ولازِمي / ندباً عليهِ يليقُ بالمندوبِ
هذا هُوَ الغُصنُ الرَّطيبُ أصابهُ / سهمُ القضاءِ فماتَ غيرَ رطيبِ
مَنْ للكِتابةِ والحِسابةِ بعدَهُ / ولصحِّةِ التَّدبيرِ والتدريبِ
لا أستحي أن قُلتُ قَلَّ نظيرُهُ / بينَ الرِّجالِ فلستُ غيرَ مُصِيبِ
والمرءُ يُطلِقُ في الكلامِ لسانَهُ / أن كانَ لا يَخشَى من التكذيبِ
إنّي وَقَفتُ على جَوانبِ قبرهِ / أسقي ثراهُ بمدمعي المصبوبِ
ولقد كتبتُ لهُ على صَفَحاتهِ / يا لَوْعتي مِن ذلكَ المكتوبِ
لَكَ يا ضريحُ كَرامةٌ ومحبَّةٌ / عندي لأنَّكَ قد حَوَيتَ حبيبي
يا حسنَها مِن رِحلةٍ تُغنيكَ عن
يا حسنَها مِن رِحلةٍ تُغنيكَ عن / تَعَبِ الرَّحيلِ وغُربةِ المتغرِّبِ
فيكونُ فِكرُكَ في البلادِ مُسافِراً / ويكونُ جسمُكَ ثابتاً لم يَذهبِ
للهِ منُشئِها اللبيبُ فإنَّهُ / شَرَحَ الصُّدورَ بشرحهِ المُستعذَبِ
يُعطيكَ مِرآةَ البلادِ جليَّةً / فَتَرى بها المحجوبَ غيرَ مُحجَّبِ
فكأنَّهُ نَقَلَ البِلادَ إليكَ أو / أنت انتقلتَ إلى بِلادِ المَغرِبِ
قبرٌ سقاهُ اللهُ غَيثَ كرامةٍ
قبرٌ سقاهُ اللهُ غَيثَ كرامةٍ / وروَى برحمتهِ جوانِبَ تُربهِ
مِن فوقهِ أيدي المؤرِّخِ سَطَّرتْ / الياسُ زَهَّارٌ برحمةِ ربِّهِ
قد شادَ هذا البُرجَ يوسُفُ عصرِهِ
قد شادَ هذا البُرجَ يوسُفُ عصرِهِ / من آلِ سَيُّورَ الأكارِمِ يُنسَبُ
قالت لَدَى البابِ المؤرِّخِ وَفْدُهُ / هذا لنا بُرجٌ وهذا كوكبُ
يا حُسنَ حَمَّامٍ سَمَا بنقائهِ
يا حُسنَ حَمَّامٍ سَمَا بنقائهِ / وهوائِهِ وبطيبِهِ وطُيُوبهِ
فيهِ سليمُ القلبِ يدعُو ربَّهُ / ويرومُ بالتاريخِ غَسْلَ ذُنوبِهِ
هذا ابنُ رزقِ اللهِ فارسُ قد مَضَى
هذا ابنُ رزقِ اللهِ فارسُ قد مَضَى / أجَلاً على تَقَوى الإلهِ وحُبِّهِ
قد كانَ حُسنُ سُلوكِهِ في ما مَضَى / أرِّخ بَشيراً بالرِّضى مِن رَبِّهِ
هذا فؤادُ الدَّولةِ السَّامي الذي
هذا فؤادُ الدَّولةِ السَّامي الذي / رُدِفَت مراتبُ مَجدهِ بمراتبِ
هُوَ أهلُ ذاكَ وفوقَ ذاكَ إلى مَدَى / ما ليسَ يستوفيهِ ضربُ الحاسبِ
كالبحرِ يحمِلُ كلَّ ما في الأرض مِن / سُفُنٍ ويفضُلُ منهُ أعظَمُ جانبِ
زادتْ مراتبُهُ ثلاثاً فوقَ ما / كانت عليهِ وذاكَ عينُ الواجبِ
كالشَّمسِ حلَّت مِن ذُرَى تأريخِها / أوجاً فصاحَبَها ثلاثُ كواكبِ
هذا ابنُ إبراهيمَ فِيعاني الذي
هذا ابنُ إبراهيمَ فِيعاني الذي / كانت كقلبِ أبيهِ صَفوةُ قلبِهِ
فُجِعَتْ به بيروتُ مَسقِطُ رأسهِ / وبَكَت عليهِ دِمَشقُ مَوقِعُ تُرْبهِ
قد حلَّ في هذا الضريحِ بجسمِهِ / والنَّفسُ في روضِ النّعيمِ وخِصبِهِ
فنقشتُ في اللوحِ المؤرَّخٍ راسِماً / سَكَبَتْ على أنطونَ رحمةُ رَبِّهِ