مِيلوا بنا نحوَ الحجونِ ونكّبوا
مِيلوا بنا نحوَ الحجونِ ونكّبوا / حيثُ الهوى منه فثمّ المَطلَبُ
أُمّوا بنا أُمَّ القُرى فلعلّنا / ندنو إلى لَيلى الغَداةَ ونقرُبُ
وَصِفوا لسُكّانِ الصّفا كدَري عسى / أن يُنصِفوا يوماً فيَصفو المشرَبُ
وذَروا القُلوبَ الواجباتِ برَبْعِه / تقضي الحُقوقَ الواجبات وتندُبُ
وقِفوا على الجمَراتِ نسألُ مَنْ بها / عمّن لها بصُدورِنا قد ألهَبوا
واِرْعوا الجوارِحَ أن تصيّدَها المَها / فمنَ العُيونِ لها شِراكٌ تُنصَبُ
وتجسّسوا قلبي فإنْ لم تظفَروا / فيهِ بها وأنا الضّمينُ فحَصِّبوا
واِنحوا يَمينَ منىً فثمَّ منَ المُنى / سرٌّ بأحشاءِ المَنونِ محجَّبُ
واِهْوُوا سُجوداً في ثَراهُ وصدّقوا الر / رُؤيا بنحرِكُمُ القلوبَ وقرّبوا
يا ساكني جمعٍ وحقِّ جميعكُم / لَهوايَ بين شِعابِكم متشعِّبُ
أظَنَنْتُم أنّي أمَلُّ عذابَكُم / وعذابكُم يحلو لديّ ويعذُبُ
وجّهْتُمُ تِلقاءَ مَدْيَنِ حبّكم / قلبي فأصبحَ خائِفاً يترقّبُ
وأخذتُموهُ في قِصاص خُدودِكم / وهو البَريُّ وطَرفُ عَيني المُذنِبُ
إنّي لأعجَبُ من كِلام ظِبائِكُم / وطلوعُ أنجُمِكم ضُحىً هو أعجَبُ
أستغربُ الأسنان تُنبتُ لؤلؤاً / وتصوّرُ الألفاظَ دُرّاً أغرَبُ
والقلبُ تحرُسُهُ مَعاصمُ ريمِكُم / ويزيدُ في نُطقِ الوشاحِ الرَبرَبُ
يبدو بحبّكُمُ الغزالُ مبرقعاً / ويميلُ غصنُ البان وهو معصَّبُ
أقمارُكم فوقَ الأهلّةِ طُلَّعٌ / وشُموسُكُمْ تحت الأكِلّة تَغرُبُ
صُنتُم ثُغورَ الحُسنِ عن جُندِ الهَوى / فحميتُموها في جُفونٍ تضربُ
للَّه مغنىً في الحِمى بخدورِه / يكفُلْنَ بيضاتِ النّعامِ الأعقُبُ
مغنىً تُشاهَدُ في مواقف حيّه ال / آسادُ تمرَحُ والجآذِرُ تلعبُ
نُزُلاً يُضيءُ كأنّ ملعَبَ سربِه / فلَكٌ بأقمارِ الظّلامِ مُكَوكَبُ
أفدي بُدورَ سَراةِ حيٍّ فوقَه / ضربوا القِبابَ على الشموسِ وطنّبوا
ونُجومَ حُسنٍ تحتمي بأهلّةٍ / أجرَتْ ضِياها في الشّبيبةِ أقضُبُ
ومعاشِرٍ فضلاتُ قصدِ رماحِهم / يومَ القِرى تكفيهِم أن يخطُبوا
نصبوا السّحابَ الصاعِقاتِ فقلّدوا / منها ومن فوقِ البُروقِ تنقّبوا
يا حبّذا عصرٌ مضى لا عَيبَ في / عُقباهُ إلّا أنّه لا يُعقبُ
أزكى وألطَفُ من رسائِل عاشقٍ / آصالُه وأرقُّ ممّا يُنسَبُ
فإلى مَ يمطُلُني الزّمانُ بعَوْدِه / هيهاتَ ليس بعائِدٍ ما يذهَبُ
وعْدُ الزّمانِ إذا تحقّق صِدْقُه / فعساهُ من فلَقِ الدُّجنّة أكذَبُ
عجباً لهذا الدّهرِ يغدُر بالفتى / ويَسوءُ نفسَ المرءِ وهْو محبَّبُ
لم يُرْوِ منتجِعاً رَشاشُ سحابةٍ / لولا نوالُ أبي الحُسينِ الصيّبُ
ملكٌ تَزينُ الدّهرَ حِليةُ فضلِه / ويفوزُ بالشّرفِ الرفيعِ المنصبُ
حرٌّ إذا نسبوا الكِرامَ يَفوحُ من / أنسابِه عبَقُ النّبيّ الأطيَبُ
نسبٌ لوَ اِنّ الفجرَ حاز ضياءَهُ / عاش الضُحى أبداً ومات الغَيهَبُ
أو في الدُجى عن نورِه كُشِفَ الغطا / قامت له الحِرباءُ ليلاً ترقُبُ
من آلِ حيدرَةَ الغطارفةِ الأُلى / فرضوا على الذِمَمِ النّوالَ وأوجَبوا
قومٌ همُ الأمطارُ إن فُقِدَ الحَيا / وهمُ الصّواعقُ في الورى إن حُوربوا
الناثرو عِقدَ الطُلى إن قوتِلوا / والناظِمو دُرَّ العُلا إن خُوطِبوا
بشرٌ تكوّن من ندىً وسماحةٍ / فلِذا جوانبُه تَلينُ وتصعُبُ
ليثٌ يهزُّ يَداهُ شُعلةَ صارِمٍ / ماءُ المَنونِ يكادُ منها يشربُ
نهرٌ من الفولاذ أصبح جارياً / منهُ الفرِندُ وشبّ منه المضرِبُ
عدلٌ له صفةُ الزّمانِ إذا قضى / بالسيف يخفِضُ من يَشاءُ وينصِبُ
يقضي بصرْفِ الجمعِ عادلُ رُمحِه / ولدَيه يَبني المجدَ ماضٍ مُعرَبُ
هذا وحيدُ العصر فاضلُه فإن / شكّكْتُمُ فاِبْلوا الأنام وجرّبوا
لا يُشكَرُ النادي ويعبَقُ طيبُه / إلّا إذا غنّى ثناهُ المُطرِبُ
بحرٌ إذا سُئِلَ النّوالَ فدُرُّه / يطفو ودُرُّ البحرِ فيه يَرسُبُ
تَقفوهُ من فتحِ العقابِ عِصابةٌ / ويحفّ فيه من الضّراغِم موكِبُ
غازٍ إذا في اللّيل صلّتْ قُضبُه / غنّى الحمامُ به وصاح الحُندَبُ
يفترّ مُبتسماً فيُصبحُ مالُه / يبكي ويرضى السيفُ لمّا يغضبُ
فطنٌ لفكرتِه بكلّ بديعةٍ / لفٌّ ونشْرٌ في الأمورِ مرتّبُ
يصفرُّ وجهُ التّبرِ خيفةَ بذلِه / فيكادُ جامدُه يسيلُ ويذهَبُ
لو كان شمساً لم يسعْهُ مشرقٌ / ولَضاقَ عن كتمِ الشُعاعِ المَغرِبُ
أو حازَ وجهُ الدّهْر أدنى بشْرِهِ / ما بان فيه من الخُطوبِ تقَطُّبُ
يا اِبْنَ الّذي في عِلمِه وحُسامِه / عُرِفَ الإله وبان فيه المذهبُ
لم تتّخذْ غيرَ المهنّدِ في الوغى / إلْفاً ولا غيرَ المثقَّفِ تَصحَبُ
ولَرُبَّ معترَكٍ كأنّ قَتامَهُ / والبيضُ تلمعُ فيه نورٌ أشيَبُ
تبكي بموقفِه الطُلى وفمُ الرّدى / بالضّربِ يبسِمُ منه ثغرٌ أشنَبُ
صامَتْ صوارمُه وصلّتْ قُضبُه / فالهامُ تسجدُ والمنايا تخطُبُ
كم فيه ألقى من غديرِ مُفاضةٍ / يبدو عليه من صَداها الطّحْلُبُ
أورَدْتَ فيه السيفَ وهْو حديدةٌ / وصدرْتَ وهْو من النّجيع مذهّبُ
وتركْتَ فيه من الرؤوس صوامِعاً / صلّى عليها القشْعَمُ المترهِّبُ
وركبْتَ تلحقُك النسورُ وإنّما / يسري وراها في حشاها المقنَبُ
للّه دَرُّك من فتىً لم تترُكَنْ / شيئاً من المجدِ المؤثّلِ يُطلَبُ
صيّرْتَ سيفَك يا عليُّ إلى العُلا / فركِبْتَ منه غضنْفَراً لا يُركَبُ
ما فوّق المِقدارُ سهماً صائِباً / فرمى به إلّا ورأيُكَ أصوَبُ
مولايَ سَمعاً من رقيقٍ مُخلصٍ / مدْحاً له الودُّ الصحيحُ يهذِّبُ
مدحاً غَدا هاروتُ عندَ نشيدِه / للسّحرِ من ألفاظِه يتكسّبُ
تَحكي فرائِدُه العُقودَ وإنّما / أبكارُها مكنونةٌ لا تُثقَبُ
فأجِلْ بها فِكراً ولا تغترَّ في / برقٍ سواهُ فإنّ ذلك خُلَّبُ
وتَهَنَّ بالعيد الّذي لولاكَ ما / عادَ الأنامُ فكرّروه ورحّبوا
وتوفَّ أجْرَ صيامِه وفِطارِه / قلبَ العِدا واِلْبَسْ عَلالاً يُسلَبُ