المجموع : 5
شَقَّتْ على الأرضِ السَّماءُ جُيوبَها
شَقَّتْ على الأرضِ السَّماءُ جُيوبَها / فالمَحْ سَناها أو تَنَسَّمْ طيبَها
أرضٌ مُدَبَّجَةٌ وظِلٌ وارِفٌ / وشَذىً بهِ مَلأَ النسيمُ رحيَبها
قد مدَّ طاووسُ الجمالِ جناحَهُ / فِيها فغطَّى غُصنَها وكَثيبَها
ماشِئْتَ من وَشْيٍ بها تَوْريدَها / تَوْريسَها تَفْضيضَها تَذْهيبَها
سَحبَ السَّحابُ بها فُضولَ ذُيوِله / فَوشَى أباطِحَها ولَمَّ شعُوبَها
فأتَتْ كما نَضَت العَروسُ نِقابَها / وجَلتْ عن الوَجْهِ الجميلِ شُروبها
وادٍ بهِ نَفضَ الربيعُ عِيابَهُ / وأرَى فُنونَ فُتونِه وضُروبَها
أضفَى عليه النَّورُ من أثْوابِهِ / خِلَعاً تُهذّب نَشرها تَهذيبَها
في عاتِقَيْهِ من المياهِ صَوارمٌ / يُبدي النَّسيمُ بمتْنِها تَشْطيبَها
فالدَّوحُ بينَ مُدَمْلَجٍ ومُخَلخَلٍ / عنها غَدا جَرْسُ الحُليّ نَسيبَها
لا غَرْوَ إنْ ضَحِكَتْ مَباسِمُ زَهرهِ / فالمُزنُ قد سَفَحت عَلَيْهِ غُروبَها
أو إن بَدا خَجلٌ بخدَّيْ وَرْدِهِ / فالدَّوحُ قد شقَّتْ عَليْهِ جُيوبَها
أو أنْ يُغنّي بُلبلٌ في ظِلِّها / طَرباً وقَد حاكَ البَديعُ نَسيبَها
ما مِثْلُ أيَّامِ الرَّبيعِ ونَهْبِها / عَيشٌ يَطيبُ فلا تُضِعْ مَنْهوبَها
واعطِفْ عَلى وجْهِ الزَّمانِ فَحَيِّهِ / بِتَحيَّةٍ تُنْسي ذُكاءَ غروبَها
واعدِل لِظلٍّ ألعسٍ فارشُفْ بهِ / كأسَ المُنى حتَّى تَطَعَّمَ طِيبَها
والمَحْ صحائفَ ذا الوجودِ بعيْنِ مَنْ / جَمعَ التفرُّقَ تَستَبِنْ مَكتوبَها
فَوراءَ هذا الحُسنِ حُسنٌ قَدْ غَدا / مَطلوبَ نفسِكَ لو دَرتْ مَطلوبَها
لولا اتِّقائي أن يُقالَ أخو صِبا / لَرَشَفْتُ من ثَغْرِ الأَقاحِ شَنيبَها
أو أنْ يباهِتَ في المَلامةِ عاذِلٌ / بسفاهِ حِلْمٍ لاعتنَقتُ قضيبَها
ورَفعتُ نَفْسي عن زِراية غادَةٍ / وجَعَلْتُ ذاكَ من الحِسانِ نَصيبَها
اللهُ يَكْفِي عاذِلي وَرَقيبَها
اللهُ يَكْفِي عاذِلي وَرَقيبَها / حَتَّى تُثيبَ عَلى الهَوى وأُثيْبَها
ما كانَ ضرَّ وقَدْ عَصيْتُ عَواذِلي / أنْ لَمْ تَكُنْ تَعْصِي كَذاكَ رَقيْبَها
وأنا الفَقِيْرُ إلى اخْتِلاسَةِ لَحْظَةٍ / مِنْها وتَقْتُلُ بالصُّدودِ كَئِيبَها
أمِنَ المُباح تَرَوْنَ في حُكمِ الهَوى / أنْ لا تَرَى عَيْنُ المُحِبِّ حَبِيْبَها
قَسَماً بِمَنْ تُحْدىَ الرِّكابُ لِبَيْتِهِ / فَتُبينُ من ألَمِ البِعادِ نَحِيْبَها
ما لِلنُّفوسِ سِوى الأحبَّةِ راحةٌ / دانُوا بنُعْمَى أم رَضُوا تَعذِيبَها
مَنْ لِي عَلى عَطَلي بِباهِرَةِ الحُلى / تُنْسي النجومَ الطَّالعاتِ غُروبَها
صَمتَتْ خَلاخِلُها وأنَّ وِشاحُها / وَكِلاهُما مِثْلي غَدا مَوْصُوبَها
تَلْوي عَلى لَدْنِ الغصونِ بُرودَها / وتَشُقُّ عن بَدْرِ الدُّجونِ جُيوبَها
لَمْياءُ تَبْسِمُ عن عُقودِ لآلىء / يا بَرْدَ كبدِي لو رَشَفْتُ شَنِيبَها
ما خِلْتُ أنَّ الرِّيقَ مِنْها خَمَرةٌ / حتَّى رَأيتُ بِخَدِّها أُلْهُوبَها
أو أنَّ عَرفَ الرَّوْضِ مِنْ أنفاسِها / حتَّى شَمَمْتُ عَلى الأزاهرِ طِيْبَها
أو أنَّ مُقلتَها تُغيرُ عَلى الوَرى / حتَّى غَدوتُ طَعِينَها وسَليبَها
ثُعَليَّةُ الألحاظِ أصْمَتْ مُهْجَتي / بِظُبا سِهامٍ لا عَدِمْتُ نُدوبَها
خَضَبَتْ أنامِلَها النَّواعِمَ من دَمي / عَمْداً وقَلَّدتِ الفؤادَ ذُنوبَها
يا ربِّ إنْ حالَتْ عَليَّ ولَمْ أحُل / عَنها فكُنْ يَوْمَ الحِسابِ حَسِيَبها
جاءَ الشِّتاءُ بِغَيْمِهِ مُتَحَجِّبا
جاءَ الشِّتاءُ بِغَيْمِهِ مُتَحَجِّبا / أهلاً بِسُلْطانِ الفُصُولِ ومَرْحَبا
أعْظِمْ بِهِ مَلِكاً عَلَيْهِ مَهابَةٌ / عَمَّتْ كتائِبُهُ الأباطِحَ والرُّبا
فَصْلٌ تَوزَّعَ كُلُّ فَصْلٍ فَضْلَهُ / فَنَما وآنقَ حُسْنُهُ أو أخْصَبا
فإذا الرَّبيعُ تَبَرَّجتْ أنوارُهُ / وتأرَّجَتْ أسحارُهُ وتَطَيَّبا
وجَلا حُلى الزَّهرِ النَّضِيرِ مُدَبَّجاً / ومُدَمْلَجاً ومُفَضَّضاً ومُذَهَّبا
فَتَرى انِفتاحَ الوَردِ خَدّاً أحمراً / وتَرَى ابتِسامَ الزَّهرِ ثَغْراً أشْنَبا
وهَفَتْ قُدودُ القُضْبِ هَفوةَ مُنْتَشٍ / لَمْا سَقاها الطَّلُّ ريّاً مُحْسِبا
وعَلَتْ عَلى شُمِّ الغُصونِ طُيورُها / تَشدوكَ سَجْعاً مُشْجيا أو مُطْرِبا
وتَسَرْبَلَ النَّهرُ المُطيفُ بِدِرْعِهِ / لَمّا انْبَرَتْ لقِراعِهِ خَيْلُ الصَّبا
والوُرْقُ تَشْدو والغَدِيرُ مُصَفِّقٌ / والقُضْبُ تَرْقُصُ والزَّمانُ استَعْتَبا
وأتى المَصِيفُ بإثْرِهِ مُتَقَيِّلاً / آثارَهُ في الفَضْلِ نَدْباً مُخْصِبا
فَكَسا الوجودَ ثِيابَ دفءٍ واغْتَدى / يُسْدي الهِباتِ مُشَرِّقاً ومُغَرِّبا
يُهْدِي مِنَ الثَّمراتِ كُلَّ طَرِيفَةٍ / ويُنيلُ مِنها كُلَّ شيءٍ يُجْتَبى
وأتى الخَرِيفُ بإثْرِ ذاكَ مُعاوِداً / حُسْنَ الرَّبيعِ وطِيبَهُ المُسْتعذَبا
فَوَشى ثِيابَ الرَّوضِ مِنْ أوراقِهِ / وَشْياً تَنوَّعَ صِبْغُهُ وتَنَسَّبا
وسَرَى النَّسيمُ مَعَ الصَّباحِ مُبَشِّراً / بِدُنوِّ إقْبالِ الشِّتاءِ مُرَحِّبا
وتَقَهْقَهَتْ وُطْفُ الغَمامِ بِرَعْدِها / لَمَّا تَبَيَّنَتِ البُروقَ تَطَرُّبا
وتَتابَعَتْ كُلُّ الفُصول بِنسْبَةٍ / حَتَّى تَكَمَّلَ حُسْنُها وتَرتَّبا
فَمِنَ الشِّتاءِ قِوامُ ذاكَ وحُسْنُهُ / وبِما أنال مِنَ الحَيا وبِما حَبا
كُلٌّ بِقَدْرِ مِثالِهِ مِنْ وَبْلهِ / أسْدَى وأبْدَى بَهْجَةً وتَهذَّبا
والحقُّ يَشهدُ أنَّ عَقْدَ نِظامِها / ومِلاكِها كانَ الغَمامَ الصَّيِّبا
عابَ العَواذِلُ من حَبِيبي سُمْرَةً
عابَ العَواذِلُ من حَبِيبي سُمْرَةً / كَلّا فِرَنْدُ السَّيفِ لَيْسَ بعائِبِهْ
لَمّا جَرَى ماءُ النَّعيمِ بِوَجْهِهِ / لاحَتْ بِصَفْحتِهِ ظِلالُ ذَوائِبِهْ
ومُعَطَّرِ الأنفاس يَبسِمُ دائِماً
ومُعَطَّرِ الأنفاس يَبسِمُ دائِماً / عن دُرِّ ثَغرٍ زانَهُ ترتيبُ
مَنْ لم يشاهِدْ منهُ عِقْد جواهرٍ / لم يَدْرِ ما التَّنقيحُ والتهذيبُ