المجموع : 4
هَجَرَ الصِبا وَأَنابَ وَهُوَ طَروبُ
هَجَرَ الصِبا وَأَنابَ وَهُوَ طَروبُ / وَلَقَد يَكونُ وَما يَكادُ يُنيبُ
دَرَجَت غَضارَتُهُ لِأَوَّلِ نَكبَةٍ / وَمَشى عَلى رَيقِ الشَبابِ مَشيبُ
قَذَفَت بِهِ الأَيّامُ بَينَ قَوارِعٍ / تَأتي بِهِنَّ حَوادِثٌ وَخُطوبُ
لِلَّهِ أَنتَ إِذِ الصِبا بِكَ مُولَعٌ / وَإِذِ الهَوى لَكَ جالِبٌ مَجلوبُ
حَلَّت حُباكَ صَبابَةٌ مَكتومَةٌ / نَطَقتَ بِها مِن مُقلَتَيكَ غُروبُ
هَلّا عَجَّلتَ عَلى الدُموعِ بِعَزمَةٍ / بَل لَم يَكُن لَكَ في العَزاءِ نَصيبُ
عَطَفَتهُ بَعدُ جِماحِهِ في سَلوَةٍ / ذِكَرٌ يُعَطِّفُها هَوىً مَغلوبُ
أَغضى الزَمانُ لَهُ عَلى عَينِ الرِضى / وَعَلَيهِ حارِسٌ وَرَقيبُ
حَتّى إِذا اِتَّسَقَت لَهُ أَوطارُهُ / طَفِقَت تُطَرِّقُها إِلَيهِ نُكوبُ
خُذ مِن شَبابِكَ لِلصِبا أَيّامَهُ / هَل تَستَطيعُ اللَهوَ حينَ تَشيبُ
يا أَيُّها الرَجُلُ المُثَمِّرُ مالَهُ / وَهُوَ المُسَلَّبُ عِرضُهُ المَسلوبُ
خَلِّ المَكارِمَ قَد كَفاكَ مِراسَها / سَعدانُها وَسَليلُهُ يَعقوبُ
ذاكَ الرَجاءُ المُستَجارُ بِجودِهِ / مِن نائِباتِ الدَهرِ حينَ تَنوبُ
كَالكَهلِ مُقتَبَلُ الشَبابِ يُزِيِّنُهُ / حِلمُ التَكَهُّلِ وَالشَبابُ أَريبُ
وَإِذا الزَمانُ عَدا عَلَيكَ كَفاكَهُ / مِن آلِ سَعدانٍ أَغَرُّ نَجيبُ
غَمرُ النَدى مَغشِيَةٌ حُجُراتُهُ / سَلِسُ العَطاءِ مُؤَمَّلٌ مَرهوبُ
يُعطيكَ مُقتَدِراً عَلى أَموالِهِ / لا كَالَّذي يُعطيكَ وَهوَ هَيوبُ
مِلءُ العُيونِ مُقَلِّصٌ لِنِجادِهِ / طَبِنٌ بِأَنحاءِ الأُمورِ طَبيبُ
مُتَقَسِّمٌ إِمّا لِبَذلِ عَطِيَّةٍ / أَو نَكبَةٍ يُدعى لَها فَيُجيبُ
مُتَفاوِتٌ في الرَأيِ مُختَلِطٌ بِهِ / في أَمرِهِ التَرغيبُ وَالتَرهيبُ
قَرمٌ لِهِمَّتِهِ إِذا سَكَنَ الحَشى / قَلَقٌ يُخالِسُهُ الكَرى وَوَجيبُ
يُمضي الأُمورَ المُشكِلاتِ عُيونَها / وَمَحَلُّ مُعتَلِجِ الضَميرِ رَحيبُ
ضَمَّت قَواصيَهُ إِلَيكَ عَزيمَةٌ / تَأتي وَراءَ الأَمرِ وَهوَ غَريبُ
يُمضي الأُمورَ بِعَزمِ رَأيٍ واحِدٍ / مُعَلّىً بِهِ التَبعيدُ وَالتَقريبُ
تُلقي العِيانَ إِلى الضَميرِ أَناتُهُ / حَتّى يَبوحَ بِسِرِّهِ التَجريبُ
شِكسٌ عَلى الآراءِ مُعتَدِلُ الهَوى / شَرِسٌ بِما غَلَبَ الرِجالُ غَلوبُ
وَكَأَنَّما ذَرَفَت عَلَيكَ بِجودِهِ / دِيَمٌ تَرَنَّمَ تَحتَها شُؤبوبُ
أَنِفٌ عَنِ الوَطَرِ الجَموحِ إِلى الخَنى / يَرمي الضَميرَ بِظَنِّهِ فَيُشيبُ
مِن آلِ سَعدانَ الَّذينَ بِجِدِّهِم / نِيلَ الحِفاظُ وَأُحكِم التَأديبُ
حَلّوا مِنَ المَعروفِ في قُلَلِ العُلى / تَسمو إِلَيهِم أَعيُنٌ وَقُلوبُ
عاوَدتُ يا يَعقوبُ مِنكَ صَنائِعاً / مَحمودَةً عَهدي بِهِنَّ قَريبُ
أَعطَيتَني حَتّى مَلَكتُ مَدى الغِنى / بِنَداكَ وَالراجيكَ لَيسَ يَخيبُ
وَوَعَدتَني فَقَفَرتَ وَعدَكَ بِالَّتي / لَم يَقفُها مَنٌّ وَلا تَثريبُ
عَجَباً لِطَيفِ خَيالِكِ المُتَجانِبِ
عَجَباً لِطَيفِ خَيالِكِ المُتَجانِبِ / وَلِقَلبِكِ المُستَعتِبِ المُتَغاضِبِ
ما لي بِهَجرِكِ وَالبِلادُ عَريضَةٌ / أَصبَحتُ قَد ضاقَت عَلَيَّ مَذاهِبي
أَبكي وَقَد ذَهَبَ الفُؤادُ وَإِنَّما / أَبكي لِفَقدِكِ لا لِفَقدِ الذاهِبِ
جَلَبَ السُهادَ لِمُقلَتي بَعدَ الكَرى / وَنَفى السُرورَ مَقالُ واشٍ كاذِبِ
أَقصَيتِني مِن بَعدِ ما جَرَّعتِني / كَأساً لِحُبِّكِ ما تَسوغُ لِشارِبِ
لَو كانَ ما بي مِثلَ ما بِكِ لَم أَبِت / نَدمانَ أَحزانٍ صَديقَ كَواكِبِ
شابَ الهَوى في القَلبِ وَاِحتَنَكَ الجَوى / أَسَفاً وَما شَمَلَ المَشيبُ ذَوائِبي
ثُوبي عَلَيَّ لِكَي أُنَفِّسَ كُربَةً / فَإِذا بَدا لَكِ في الذُنوبِ فَعاتِبي
ما لي رَأَيتُ خَيالَ طَيفِكِ مُعَرِّضاً / إِذ زارَني مُتَغاضِباً في جانِبِ
وَاللَهِ لَولا أَنَّ قَلبَكِ عاتِبٌ / ما كانَ طَيفُكِ في المَنامِ بِعاتِبِ
إِن كان ذَنبي أَنَّ حُبَّكِ شاغِلي / عَمَّن سِواكِ فَلَستُ عَنهُ بِتائِبِ
لَو رامَ قَلبي عَن هَواكِ تَصَبُّراً / ما كانَ لي طولَ الحَياةِ بِصاحِبِ
سَلَبَ الهَوى عَقلي وَقَلبي عَنوَةً / لَم يُبقِ مِنّي غَيرَ جِسمٍ شاحِبِ
إِنّي لَأَستُرُ عَبرَتي بِأَنامِلي / جُهدي لِتَخفى وَالبُكاءُ مُغالِبي
الحُبُّ سَمٌّ طَعمُهُ مُتَلَوِّنٌ / بِفُنونِهِ أَفنى دَواءَ طَبائِبِ
يا سِحرُ قَد جَرَّعتِني غُصَصَ الهَوى / كَدَّرتِ بِالهِجرانِ صَفوَ مَشارِبي
أَشعَبتِ قَلبي بِالهَوى وَصَدَعتِهِ / بِالهَجرِ مِنكِ فَما لَهُ مِن شاعِبِ
صَبراً عَلَيكِ فَما أَرى لي حيلَةً / إِلّا التَمسُّكَ بِالرَجاءِ الخائِبِ
سَأَموتُ مِن كَمدٍ وَتَبقى حاجَتي / فيما لَدَيكِ وَما لَها مِن طالِبِ
ها قَد هَلَكتُ وَمِتُّ مِن أَلَمِ الهَوى / قُوموا فَعَزّوا مَعشَري وَأَقارِبي
طَيفٌ يُعاتِبُني وَقَلبٌ مُغضَبٌ / نَفسي فِداءُ مُغاضِبي وَمُعاتِبي
سَأَجيبُ داعي الحُبِّ مُنقاداً لَهُ / إِن كانَ مَن أَحبَبتُ غَيرَ مُجاوِبي
إِنَّ المُحِبَّ لَناعِمٌ مِن حُبِّهِ / وَمُرَزَّأٌ فيهِ عَظيمُ مَصائِبِ
لا تَسأَلَنَّ عَنِ الهَوى إِلّا اِمرِءاً / خَبِراً بِطِعمَتِهِ طَويلَ تَجارِبِ
وَمُخَدَّراتٍ ناعِماتٍ خُرَّدٍ / مِثلِ الدُمى حورِ العُيونِ كَواعِبِ
مُتَنَكِّراتٍ زُرنَني مِن بَعدِ ما / هَدَتِ العُيونُ وَنامَ كُلُّ مُراقِبِ
لَقَبَنَّني أَسماءَ مِنها سَيِّدي / وَأَخي وَسالِبُ مَن أُحِبُّ وَسالِبي
وَسَفَرنَ عَن غُرَرِ الوُجوهِ كَأَنَّها / بِاللَيلِ مِصباحٌ بِبيعَةِ راهِبِ
حورٌ أَوانِسُ يَقتَنِصنَ بَأَسهُمٍ / مِن طَرفِهِنَّ إِذا نَظَرنَ صَوائِبِ
زَرَعَ الشَبابُ لَهُنَّ رُمّانَ الصِبا / في أَنحُرٍ قَد زُيِّنَت بِتَرائِبِ
أَبدَينَ لي ما بَينَ طَرفٍ ساحِرٍ / وَدَلالِ مَغنوجٍ وَشَكلٍ خالِبِ
وَحَديثِ سَحّارِ الحَديثِ كَأَنَّهُ / دُرٌّ تَحَدَّرَ مِن نِظامِ الثاقِبِ
فَقَطَفتُ رُمّانَ الصُدورِ لِلَذَّةٍ / وَلَمَستُ أَردافاً كَفِعلِ اللاعِبِ
وَتَزَعفَرَت شَفَتَي لِلَثمِ تَرائِبٍ / عَبَقَت بِها ريحُ العَبيرِ الغالِبِ
ما زِلتُ أُنصِفُهُنَّ مِنّي في الهَوى / حَتّى أَخَذنَ فَما تَرَكنَ أَطايِبي
أَحيَينَ لَيلَتَهُنَّ بي وَبِمَجلِسي / في قَصفِ قَيناتٍ وَعَزفِ ضَوارِبِ
حَتّى إِذا وَدَّعنَني أَهدَينَ لي / تَسليمَهُنَّ بِأَعيُنٍ وَحَواجِبِ
كَم مَنقَبٍ لي في الحِسانِ مُشَهَّرٍ / وَمَناقِبٍ مَحمودَةٍ وَمَناقِبِ
ما لَذَّةُ الدُنيا إِذا ما لَم تَكُن / فيها فَتى كَأسٍ صَريعَ حَبائِبِ
إِنَّ المَطيَّةَ لا يَلَذُّ رُكوبُها
إِنَّ المَطيَّةَ لا يَلَذُّ رُكوبُها / حَتّى تُذَلَّلَ بِالزِمامِ وَتُركَبا
وَالحِبُّ لَيسَ بِنافِعٍ أَربابَهُ / حَتّى يُفَصَّلَ في النِظامِ وَيُثقَبا
ما ضَرَّ مَن شُغِلَ الفُؤادُ بِبُخلِهِ
ما ضَرَّ مَن شُغِلَ الفُؤادُ بِبُخلِهِ / لَو كانَ عَلَّلني بِوَعدٍ كاذِبِ
صَبراً عَلَيكَ فَما أَرى لِيَ حيلَةً / إِلّا التَمَسُّكِ بِالرَجاءِ الخائِبِ
سَأَموتُ مِن كَمَدٍ وَتَبقى حاجَتي / فيما لَدَيكَ وَما لَها مِن طالِبِ