إِنَّ الحُمولَ غَداة غربة غرَّب
إِنَّ الحُمولَ غَداة غربة غرَّب / وَلَّت بِأَحسَن سافِر وَمنقبِ
فخلست مِنها لحظة فَكَأَنَّني / أَبصَرت لمعة كَوكب مُتَصَوِّب
وَلحظنني فَكَأَنَّما انفَرجَت لَنا / تِلكَ البَراقِع عَن جآذِر رَبرَبِ
ونثرنَ مِن صدفِ الجُفونِ لبيننا / درين بَينَ مضرَّس وَمُحَبَّبِ
دانين غُزلان الصريمة فالتَقى / في الرَوضِ غَير مربربٍ بمربربِ
وَإِذا ارتَقين إِلى عَوارِض تلعةٍ / بسمت بِدُرٍ مِن أَقاحٍ أَشنَبِ
ولثمن نَوّار الأَقاحي غدوة / بِأَلَذ في الأَفواهِ مِنه وَأَعذَبِ
وَالطَلُّ يُجري كُلَّ مقلة نرجسٍ / مِن فَوق خد شَقائقٍ لَك معجَبِ
أَبصَرَت ملعبها القديم فَدَلَّني / نشر العَبير الورد نَحو المَلعَبِ
فَوَقَفت فيها ذا لِسان أَعجَمٍ / عَن ذِكر ما أَلقى وَدَمعِ معربِ
أَبكي وَيَبكي من يَعنف في الهَوى / حَتّى أَؤَنِّب في البُكاء مُؤَنِّبي
وَدموعنا صَنفان دمع ساكِب / يَجري وآخر حائِر لَم يُسكَبِ
عَذُبَ المِطال لأَنَّهُ مِن عندها / وَلَو أَنَّهُ من غيرِها لَم يعذبِ
إِن يُخطِني كلف بِه فإلى جوىً / أَو يخطها بَينٌ فنَحو تَجَنُّبِ
إِنَّ الحجاز على تَنائي أَهله / ناهيكَ مِن بلَدٍ إِليَّ مُحَبَّبِ
فَسقاهُ مُنهَمِرُ الرَباب كَأَنَّهُ / يَد جَعفر بن محمد بن المَغربي
فَردٌ يرد شعاع وجهك ضوؤه / فَيظَل محتجباً وَإِن لَم يُحجبِ
هوَ نهبة للمعتفين فإِن بَدا / لك ماله وَأَطقت نَهباً فانهَبِ
سمح الخَلائِقِ حَظَّهُ / مَمّا حَواهُ دونَ حظ الأَجنَبي
فالجود مِن فَضلٍ لَدَيهِ مُشرِّق / أَبَداً وَمال في البِلادِ مغربِ
لَهِجَ اللِسانُ لِزائريه بِمَرحبٍ / إِنَّ النَدى عنوانه في مرحَبِ
قَد أَخصَبت هممي بِهِ وَلرُبَّما / أَنزَلَت طارِقها بِوادٍ مجدبِ
غربت خَلائقه وَأغرب واصِفٌ / فيهِ فأَغرَب مغرب في مغرب
وَكَأَنَّهُ في كُل معرَكَةٍ لَهُ / ليث لَهُ في فعلِهِ المتغضِّبِ
طابَت مَحائِدُهُ وَكابَ فَأَنَّما / تَزهى العُلى بالطَيِّبِ بن الطَيِّبِ
لَيسَ الدَخيل إِلى العُلى كمعرقٍ / ورث العُلى بأبٍ كَريمٍ عَن أَبِ
تَبدو أَبوته بغرة وجهِهِ / وَعَلى شَمائِلِهِ وَإِن لَم يُنسَبِ
يَفتَضُّ أَبكار المَعاني قائِلاً / أَو كاتِباً وَيديم هجر الثيبِ
متَيقظ أَخشى عَلَيهِ إِذا ارتأى / مِن رأيهِ المتوقد المُتَلَهِّبِ
لما كملت نطقت فيك بِمَنطِقٍ / حق فَلَم آثم ولَم أَتحَوَّبِ
حَتّى لَو أَنَّ الدَهر ظل مُصادِمي / لهددت منكبه الشديد بِمنكبي
في كَفه قلم يَنوبُ بِحَدِّهِ / عَن حد كل مثقَّفٍ وَمشطَّبِ
قلم أَقام وَلفظه مُتداوِلٌ / ما بَينَ مشرقِ شَمسَها وَالمغربِ
وَيَفضُّ ختم كِتابِهِ عن كُتبهِ / كالدُرِّ إِلّا أَنَّهُ لَم يثقَبِ
لِلَهُ آل المغربي فَأنَّهُم / كَنز الفَقير وَنجعة المتأدِّبِ
وَإِلَيهمُ لَو أَنصف الناس انتهت / شُعَبُ الفَصاحة وابتَدت في يَعربِ
أَهل الفَصاحة وَالصباحة وَالرجا / حة وَالسماحة وَالكَلام المعرَّبِ
شَهَروا بِفضلهم وَهَل يَخفى على / ذي ناظِرٍ شِيَةَ الصَباحِ الأَشهَبِ
لَو يَستَرون نفوسهم قال النَدى / لِشَواهِدِ العَلياء قَومي فاخطُبي
قَوم لَهُم صدر الدسوتِ إِذا هَمّوا / جَلَسوا وَإِن رَكبوا فصدر الموكَبِ
لَم تَخلُ أَرض مِنهُمُ مِن صَيبٍ / وَسماء مُجدٍ منهُمُ مِن كَوكَبِ
وَمهذَّبون مُهَذَّبون وَلَن تَرى / في النائِبات مُهَذِّباً كمهذَّبِ
كهف اللَهيفِ وَروض مرتاد النَدى / وَغِنى الفقير وَأوبة المتغَرِّبِ
وَأَبوا عبيد اللَهِ درةُ تاجِهِم / وَسوادُ ناظِرِهِم وَقلبُ المُقَنِبِ
وَلَو أَنَّ إِنساناً مِنَ الناس ادَّعى / لَهُم الفَضائل كُلَّها لَم يكذبِ
هُم حُلَّة المَجدِ القَديم وَجعفر / ما بينهم مثل الطرازِ المذهَّبِ
يا طالِب الرِزقِ الجَزيلَ ومن غَدا / في الناس راجي الفضلِ مِن مُتَطَلِّبِ
لا تطلبنَّ الرِزقَ إِلّا مِنهُموا / فَإِن استربت بِما أَقولُ فجرِّبِ
كَيفَ التأخُّر عَنهم وَلقاؤهم / مِن بَعدِ تَقوى اللَهِ أَنجَحُ مطلَبِ
فلأكسونَّهُم المَدائِحَ مِثلَ ما / قَد البَسوني مِن نَوالٍ مُقِثبِ
مَدحاً تُناشِدُهُ الشيوخُ إِذا خَلوا / طَرباً وَيُنشده الفَتى في المكتَبِ
داموا ودام العز يخدمُ جَدّهم / وَيسُدُّ عنهم كل خطب مُنكِبِ
ما لاحَ ضوء البَدرِ في أُفُقِ العُلى / وَبَدا الصَباحُ فَشَقَّ دِرعُ الغَيهَبِ