هل عند أنجمك الضواحك ما بي
هل عند أنجمك الضواحك ما بي / يا ليل إشراكي و صبح متابي
طهّرت آثامي البريئة في لظى / قبل كأحلام النّعيم عذاب
فأدر عليّ سلاف ريقك و اسقني / و اسق النّديم سلافة الأعناب
و إذا عتبت على لماك فربّما / سمح الحبيب برشفة الأعتاب
و سّدتك اليمنى لعلّي في غد / أرد الحساب و وجنتاك كتابي
و نعمت ألمح في جفونك رغبة / خجلى صريعة نشوة و دعاب
لا تغف تحلم بالنجوم فيرتمي / منها لرشف لماك ألف شهاب
لا تغف و أثم في هواك و لا تخف / نسكي أمانك في غد و ثوابي
هيهات وزرك لا أنوء بحمله / إن صحّ أمر قيامة و حساب
يا ربّ عفوك قد ثملت فخلّني / لغوايتي و تهتّكي و شرابي
و جنون أحلامي تثور عنيفة / حمراء بين معالم و قباب
سفكت دمي و ألحّ في إرضائها / فتعافه و تلحّ في إغضابي
أحلام جبّار السماوات العلى / نزلت عليّ و ضمّها جلبابي
خلقت ببيدائي الظميئة جنّة / ثرثارة الألوان و الأطياب
يأوي إلى رحماتها و حنانها / قلم الحكيم و منجل الحطّاب
فإذا الحياة على جلالة قدره / داري و هذا الأفق بعض رحابي
و إذا الكواكب من لدات طفولتي / و الكون و الأجيال من أصحابي
نزلت على فقري و أعوزها / القرى هذا دمي و لبانتي و شبابي
و ثمالة في الكأس أغفلها / الهوى لمصرّعين غطارف أنجاب
صرفا و أشفق من عنيف خمارها / ساقي الكؤوس فشجّها برضاب
ذاك البيان على مرارة كأسه / سكر العقول و فتنة الألباب
و تخاله قطع الرّياض تفتّحت / فيها الخمائل عن أغرّ عجاب
نشوى بأنداء الصباح يديرها / ساقي الرّبيع مزعفر الجلباب
و الحكمة الغرّاء في كلماته / : نور البيان و حلية الآداب
أفضى إلى الأخلاق و هي مصونة / أتراه يكتم سرّها و يحابي
مالي و للأخلاق يغمر سرّها / عنت الغبيّ و خدعة المتغابي
ألغدر في داود بعد مشيبه / و رعاية الأضياف من راحاب
ظمأى إلى القبل الأثيمة عذبة / كالبابليّ مريرة كالصّاب
قامت بأعباء الوفاء و لم تقم / فيه جلال الملك و الأحساب
و أبت لضيفيها الحبائل بعدما / وردا حبائل عريها الجذّاب ؟
مرحى لبائعة السرور و لا انطوت / ذكراك من نشوى الدّلال كعاب
أزرى بعفّتك الجمال و خلفه / سكران سكر هوى و سكر شباب
مرحى و إن عصر الشقاء سلافة / من وجنتيك أثيمة الأكواب
مرحى و في عينيك من صور الهوى / ما لا يعدّ و من رؤى الأحباب
محراب حسنك قد وقفت ببابه / و سجدت أعبد دمية المحراب
و لمحت فيه جلال حسنك راقدا / فوق الشفاه اللّعس و الأهداب
و سكرت من أحلامه بسلافة / عجب و من آهاته بملاب
جبت الظلام فلم أدع من دجنة / إلاّ غدائر شعرك المنجاب
و لقد تبيّنت الهوى لم يخفه / في مخدع الشهوات ألف نقاب
في ذمّة الذكرى بقايا ليلة / عريانة مجنونة الآراب ...
و يريغه عنّي النعيم فأنثني / لأراه في العبرات و الأوصاب
و سخرت بالأوهام عصر شبيبتي / و حسبت فيض الماء لمع سراب
فاليوم تخشع للخرافة حكمتي / و يطوف حول قبابها إعجابي
و أرى به طيف الحقيقة كامنا / خلف الحجاب ولات حين حجاب
قتلت هواي و حكمتي و تجاربي / فأنا الشّهيد و هذه أسلابي
حسناء تلتفع البرود قديمة / يا ليتها رضيت جديد إهابي
فاخشع لحالية الشباب و ربّما / شهدت و كان الدّهر في الغيّاب
تفنى لتقتبل الحياة نضيرة / سمجاء بعد تنازع و غلاب
عبدت و سبّت فهي منذ تبرّجت / للكون بين عبادة و سباب
مثل الحقيقة كالجمال و ربّما / متّت إليه بأقرب الأسباب
للمشرق الضاحي الأغرّ قلادة / من و للشفق المريض الخابي
الصبح مرموق الضياء منوّر / و الليل ريّان الملاحة سابي
سبحان من نثر الحقيقة حفنة / قدسيّة من حكمة و صواب
تذري الرّياح بها مدامع رحمة / بين العقائد أو سياط عذاب
فالمح نثير ضيائها فيما ترى / من دعوة و خرافة و كتاب
لولا التقى لرأيت بعض جلالها / جمالها برسالة ( الكذّاب)
يا سيّد الصرح الممردّ دونه / حجب المنون و قسوة الحجّاب
رفعته من جنّ السماء عصابة / فبدا أشمّ على أشمّ عقاب
العدل و التوحيد في ذرواته / و عبادة الأزلام و الأنصاب
بيت الحقيقة طاف في أركانه / ذلّ العبيد و عزّة الأرباب
و علت مع الأوراد في غلس الدّجى / أغنيّة للحبّ من زرياب
و تعانق البغضاء حول قبابه / يتألّقون شوارد الأحساب
و حنا اليقين على الجحودو ما حنا / إلا على الخلصاء و الأتراب
تتخايل الأسرار فيه و تختفي / معها طيوف السحر و الإغراب
و ترى على الشرفات أشباح الرؤى / تصغي و ينشدها إله الغاب
و تحسّ بالنغمات تعتنق الدجى / و تثير من وجد و من إطراب
نغم الخفاء تجاوبت أصداؤه / في موحش غمر الرّمال يباب
و إلهة الوادي تثور بعريها / وثبا للجّة نهره المنساب
فيضمّها عريانة مقرورة / نشوى بعنف غرامه الصخّاب
لو أنّ خدّيها إليك و ثغرها / لقطفت من ورد و من عنّاب
أشرق بلألاء اليقين و سرّه / فالأنبياء و آلهم في الباب
عيسى و رحمته و أحمد و الرؤى / و الوحي نور مفاوز و شعاب
و ربيب مصر تطوف حول جماله / ريب الغيور و خدعة المغتاب
يدعو أفانين الهوى فتجيبه / و دعا هواك فلم يفز بجواب
و الفاتحون من الملوك كأنّهم / عقبان جوّ أو قساور غاب
ألدرّة البيضاء دون جمالها / سود المنون بزخرة و عباب
حملوا اللألي و السلافة و المنى / و غرائب الألطاف و الأجلاب
و حملت أسمالي إليك و شافعي / لهوى فتاتك غربتي و عذابي
فاسخر بإدلالي عليك و قل لها / ما شأن هذا الأشعث الجوّاب