القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : محمد مهدي الجواهري الكل
المجموع : 12
أرجُ الشبابِ وخمرُه المسكوبُ
أرجُ الشبابِ وخمرُه المسكوبُ / لَيفوحُ من أردانِكُمْ ويطيبُ
ومنَ الربيعِ نضارةٌ بوجوهكم / تَنْدىَ ومن شهدِ الحياةِ ضَريبُ
ومنَ الفُتوّةِ سَلْسَلٌ متحدرٌ / مما يفيضُ يكادُ يُترَعُ كوبُ
وَلأنتُمُ إن غاب نجمٌ يُقتدى / أو حُمَّ خَطبٌ حالِكٌ غِرْبيب
وتأزمت كُرَبٌ وضاقت خطّةٌ / واستوحشتْ طرقٌ لنا ودُروب
سُرُجٌ تنير الخابطين وأنْجُمٌ / نغدو على أضوائها وَنَؤُوب
تتجهّمُ الدُّنيا ويعبسُ باسمٌ / منها ويعتوِرُ الحياةَ قُطُوب
حتى إذا ابتسمَ الشبابُ تذَوَّبَتْ / كالغيمِ في الصّحوِ الجميلِ يذوب
يا عاكفينَ على الدُّروس كأنَّهُم / غُلْبُ الصُّقورِ من الظَماء تلوب
والعازفين عن اللذائذِ همُّهمْ / جَرَسٌ يُدقُّ ومِنبرٌ وخطيب
تركوا مواعيدَ الحِسانِ وعندَهُم / بين المقاعدِ مَوْعدٌ مَضروب
أشهى من الوجهِ الجميلِ إليهمُ / وجهُ الكتابِ وَوُدُّهُ المخطوب
إن العراقَ بلا نصيرٍ منكم / وبلا مُجيرٍ مُقفِرٌ وجديب
عاشت سواعدُكُم فهن ضوامنٌ / أن يُسْتَرَدَّ من الحقوقِ سليب
وَزَكتْ عواطِفُكُمْ فأَيةُ ثروةٍ / منها نكافيءُ مُخلِصاً ونُثيب
وَلأْنتُمُ أنْتُمْ وليس سواكمُ / أملُ البلادِ وذُخْرُها المطلوب
وَلأْنتُمُ إذ لا ضمائرَ تُرْتَجَى / للرافدَيْن ضمائرٌ وقلوب
ولأنتُمُ إن شوّشتْ صفحاتِنا / مما أُجِدَّ نقائصٌ وذُنوب
الطّاهرونَ كأنهمْ ماءُ السّما / لم يَلْتَصِقْ دَرَنٌّ بِهِمْ وعيوب
إنّا وقد جُزْنا المَدَى وتقاربتْ / آجالُنا وأمضّنا التجريب
وتحالفتْ أطوارُنا وتمازَجَتْ / ونبا بنا التَقريعُ والتأنيب
وتخاذَلَتْ خُطواتُنا من فَرْط ما / جَدَّ السُّرى والشدُّ والتقريب
لنَراكُمُ المثلَ العليَّ لأمّةٍ / ترمي إلى أهدافها وتُصيب
هي أُمّةٌ لم تحتضن آمالها / وغداً إلى أحضانِكُمْ ستؤوب
وغداً يُكفَّرُ والدٌ عما جنى / ظلماً على يدِ إبنه ويتوب
فتماسكوا فغدٌ قريبٌ فَجْرُهُ / منكم وكلُّ مُؤمَّلٍ لَقَريب
وِتَطلّعوا يُنِرِ الطريقَ أمامَكم / قَبَسٌ يشعُّ منارهُ مَشبوب
وتحالفوا أنْ لا يُفّرِقَ بينكم / غاوٍ .ولا يَنْدسَّ فيكُمْ ذيب
وتذكّروا المستعمرينَ فانَّهُمْ / سَوْطٌ على هذي البلادِ وحُوب
فتفهمّوا إنَّ العراق بخيره / وثرائه لطَغامِهِمْ منهوب
وتميزوا فهناك وجهٌ سافرٌ / منهمْ وآخرُ بالخنا محجوب
وسويّة في خِزيّةٍ مستعمرٌ / أو مَنْ يُقيمُ مقامَه ويُنيب
إياكُمُ أنْ تُخدعوا بنجاحكم / فيما هو المقروءُ والمكتوب
أو تَحْسَبوُا أن الطريقَ كعهدِكم / بين الصفوفِ " معبّدٌ " ورحيب
ان الحياة سيبلوَنَّ جهادَكم / منها نجاحٌ مرهِقٌ ورسوب
ومُسَهَّدينَ جزاهُمُ عن ليلِهِمْ / اللهُ والتعليمُ والتدريب
أضناهُمُ تعبٌ وخيرُ مجاهدٍ / مُضنى يُعَبِّئُ أمّةً " متعوب "
أأُخيَّ " عبودٌ " ولستَ بمُعوِزٍ / مدحاً ولكنَّ الجُحودَ مَعيب
إن كان مسَّك و الحسينَ كلالةٌ / أو كان نالكما عناً ولُغُوب
فلأنتما والشاعرون سويةٌ / كالشمع يَهدي غيرَه ويذوب
أُلاء غرسُكما فهل مِنْ غارسٍ / يزكو كهذا غرسُه ويَطيب
وهلِ الخلودُ ألَذُّ مما أنتما / فيه وأمرُ الخالدينَ عجيب
لا يحسبون وجودَهم ووجودُهم / قبلَ الوجودِ وفوقه محسوب
أهلاً بكُمْ رمزَ الشباب ومرحبا
أهلاً بكُمْ رمزَ الشباب ومرحبا / المُطلعين من " الفُتوة " كوكبا
الحاملينَ من " النضال " لواءه / والناهجِينَ به الطريقَ الألحبا
والناشرينَ من الأخوة مذهباً / هو خيرُ ما ارتَضتِ الشرائع مذهبا
يا من أُعينَ " قديمنُا " بقديمهم / و " حديُثنا " بحديثهم فتأشَّبا
وتَسلْسَلَ التاريخُ فيما بيننا / متقاسمينَ " أمَّره " و " الأعذبا "
إنا وانتُمْ – والتوجُع واحد - / لَيَزيدُنا المستعمرون تقرُّبا
لَيَزيدنا الألمُ الدفينُ تماسكاً / ليزيدُنا صَهرُ الخطوبِ تَصَلُّبا
أطْبِقْ دُجى أطْبِقْ ضَبابُ
أطْبِقْ دُجى أطْبِقْ ضَبابُ / أطْبقْ جَهاماً يا سَحابُ
أطبق دخانُ من الضمير / مُحَرَّقاً أطبق عَذاب
أطبق دَمارُ على حُماةِ / دمارِهم أطبق تَباب
أطبق جَزاءُ على بُناةِ / قُبورِهم أطبق عِقاب
أطبق نعيبُ يُجِبْ صداكَ / البُومُ أطبق يا خَراب
أطبق على مُتَبلِّدينَ / شكا خُمولَهمُ الذُّباب
لم يَعرِفوا لونَ السماءِ / لِفَرْطِ ما انحنَت الرقاب
ولفرطِ ما دِيسَتْ رؤوسهمُ / كما دِيسَ التراب
أطبق على المِعزى يُرادُ / بها على الجوعِ احتِلاب
أطبق على هذي المُسوخ / تَعافُ عيشتَها الكلاب
في كلّ جارحةٍ يلوحُ / لجارحٍ ظُفرٌ وناب
يجري الصدِيدُ مِن الهوانِ / كأنه مِسكٌ مُلاب
أطبق على الدِيدانِ / ملَّتها فَيافيكَ الرِّحاب
أطبق على هذي الوجوه / كأنها صُوَرٌ كِذاب
المُخرَساتُ بها الغُضونُ / فلا سؤالَ ولا جواب
بُلهاً تدورُ بها العيونُ / كأنَّ صحصَحَها سَراب
ملَّ الفؤادُ من الضمير / وضجَّ بالرُّوح الإِهاب
أطبقْ على مُتفرقّينَ / يَزيدُ فُرْقَتَهم مُصاب
يتبجَّحونَ بأنّ إخوتَهم / يحُلُّ بهم عَذاب
ندِموا بأنْ طلبوا أقلَّ / حقوقهم يوماً فتابوا
وتأوَّبوا للذلِّ يأكل رُوحَهم / نِعْمَ المآب!
أطبق على هذي الكرُوشِ / يَمُطُّها شَحْمٌ مُذاب
مِن حولِها بقرٌ يَخورُ / وحولَه غَرثى سِغاب
أطبق إلى أنْ ينتهي / للخاطبينَ بكَ احتِطاب
أطبق على مُتنَفِّجينَ / كما تَنفَّجت العِياب
مستنوقِينَ ويزأرونَ / كأنهم أُسْدٌ غِلاب
يَزهوهمُ عَسَلٌ ويُلهيهم / عن العلياءِ صاب
يَمشي مِن الأمجاد / خَلْفَهُمُ بميسَرةٍ رِكاب
فاذا التقت حَلَقُ البِطانِ / وجدَّتِ النُوبُ الصِّعاب
خفَقَت ظِلالُهم وماعوا / مِن نُعومَتِهم فذابوا
ونَجَوا بأنفُسِهمْ وراحت / طُعمَةَ النارِ الصحاب
أطبق دُجى لا يَنْبَلِجْ / صُبْحٌ ولا يَخْفِقْ شِهاب
أطبق فتحتَ سماكَ / خَلقٌ في بصائرهِ مُصاب
لا ينفتحْ – خوفاً عليه - ! / مِن العمى للنور باب
أطبق إلى يومِ النشور / ويومَ يكتملُ النصاب
أطبق دُجى حتَّى يقئَ خُمولَ / أهلِ الغاب غاب
أطيق دُجى : حتى يَمَلَّ / من السوادِ بهِ الغُراب
أطيق دُجى : حتى يُحَلِّقَ / في سماواتٍ عُقاب
غضبانَ أنْ لم تحمِ أعشاشاً / لها طير غِضاب
أطبق دُجى : يَسْرَحْ / بظلّك ناعماً عار وعاب
من لونك الداجي رِياءٌ / وارتياعٌ وارتياب
يا عِصمةَ الجاني ويا / سرحاً تلوذُ به الذئاب
يا مَن مشتْ بدمائها / فيه الخناجرُ والحِراب
يا مَن يضِجُّ من الشرورِ / الماخراتِ به العُباب
يا مَن تَضيقُ من الهوام / الزاحفاتِ به الشعاب
كُن سِتْرَ مُجرمِةٍ تهاوَتْ / عن جريمتِها الثباب
أطبق : فأين تفِرُّ إنْ / تُسفرْ وينحدرِ النِقاب؟!
هذي الغَباوات الكريمةُ ! / والجمودُ المُستطاب !
هذا النفاقُ تَرُبهُ / صُحُفٌ ويُسْمِنُه كِتاب!
أطبق دُجى حتى تجولَ / كأنها خيلٌ عراب
هذي المعرَّات الهِجانُ / لها لظُلمتِك انتساب
أطبق : فأنتَ لهذه السوءاتِ / - عاريةً – حجاب
أطبق : فأنت لهذه الأنيابِ / - مُشحذةً – قراب
أطبق : فأنت لهذه الآثامِ / شامخةً - شباب
أطبق : فأنت لصِبغةٍ منها إذا / نصَلَتْ خِضاب
كُنْ سِتْرَها لا يَنبلِجْ / صُبحٌ ولا يَخْفِقْ شهاب
أطبق دُجى : أطبق ضَباب / أطبق جَهاماً يا سحاب ُ
أَلْقَتْ مراسِيَها الخُطوبُ
أَلْقَتْ مراسِيَها الخُطوبُ / وتَبَسَّمَ الزمنُ القَطوبُ
وانجاب عن صُبحٍ رضىٍّ / ذلك اللّيلُ الغَضوب
وادّال مِنْ صَدَأِ الحديد / على الثرّى أرَجٌ وطِيب
ومشى ربيعٌ للسَّلام / بِه تفتّحتِ القلوب
وتطامن الألمُ الحبيسُ / وأفرخَ الأملُ الرحيب
فجرٌ صدوق ربَّ حربٍ / رِبْحُها فجرٌ كذوب
الآنَ يَقْبَعُ في مهانَتِهِ / لتنتفضَ الشّعوب
وَحْشٌ تقلمتِ المخالبُ / منه واختفتِ النُّيُوب
مشتِ القصيدة للقصيدَةِ / يصرعُ الكَسِلَ الدؤوب
وتلّمس الدّرنَ الحكيمُ / وشخَّصَ الداءَ الطبيب
وتلاقتِ الأجيالُ في / جيلٍ هو النَّغَمُ الرتيب
جيلٌ توضحت المعالمُ / مِنْهُ وانجلتِ الغُيوب
وجرتْ على خير المقاييس / المحاسنُ والعيوب
فالمستظامُ " المستغَلُّ هو / الحسيب هو النسيب
والمستقيمُ هو المحكَّمُ / والصريحُ هو اللبيب
والمنطوي كبتاً يشد على / الضميرِ هو المريب
ومنزّهُ الآراءِ عن / تأويلِهِنّ هو الصليب
والمكتوي بلواذع الألم / العميقِ هو الأديب
ربّىَ القرونَ بكلّ حْجرٍ / طّيبٍ نِعمَ الربيب
شابتْ مفارقُهمُّ وأزمَنَ / لا يهِمُّ ولا يَشيب
ايام " رسطاليس " كانَ / بُعَيْدَ مولدِهِ يهيب
والسمُّ إذ " سقراطُ " يَجْرَعُهُ / ويحلِفُ لا يتوب
إذ قال للملأ العظيمِ / وكأسُهُ فيها شبوب:
" إني أكولٌ للحِمام / على مرارتِهِ شَروب"
أهلاً فانّكِ لا تُخيفين / العقيدةَ يا شَعُوب
وخيال " أفلاطون " والجُمْهور / والحكمُ الأريب
ما عابه أن ضيم فيه / " الرقُ " وامتُهِنَ " الجليب "
إن العقولَ تكاملٌ / من يُخطِ ينفعْ من يُصيِب
وتبارت الأجيال تنجح / بالرسالة أو تخيب
عصرٌ خصيبٌ بالكفاحِ / وآخرٌ منهُ جديب
شرِقٌ بأعوادِ المشانِقِ / أو بمذبحةٍ خصيب
يجري النعيمُ به وتَزْدحِمُ / العظائِمُ والكُروب
بازاء وَجْهٍ ناضرٍ / ألفٌ تلوحُّه السُّهوب
ومواكبُ الأحرار في / صَخَبِ الطُّغاةِ لها دبيب
وعواصفُ الظلم الفطيع / لها رُكودٌ أو هبوب
ومَعينُ فكرٍ في مَعينِ / دمٍ يَصُبّ ولأنضوب
ومشرّدون على المبادئ / حُقِّروا فيها وعِيبوا
سُدَّتْ مسالِكُهُمْ فما / ضاقتْ بمذهبِهمْ ثقوب
ضمنَ النعيمَ إنابةٌ / وأبى التحّررُ أن يُنيبوا
يتلقّفُ الأضواء نَجْمٌ / شعَّ من نجمٍ يَغيب
" فأبو العلاء " على نواميسٍ / مهرّأةٍ كئيب
ويهين " فولتير " النظام / وبالمشرع يستريب
وتعهد " الاوباشَ " – زولا - / فانجلى " الوحشُ " النجيب
فإذا به غير المواربِ / حين يَكُثُرُ من يروب
وإذا به وهو الكريب / يُثيرُ نَخْوَتَهُ الكريب
وإذا بأشتاتِ الطُيوبِ / يَلُمُّها هذا الجنيب
هذا المُهان لأنّهُ / من نِعمةٍ خاوٍ سليب
ولأنَّ مشربَه حثالاتٌ / ومطعَمَهُ جشيب
ولأنّه ذو مِعصم / لم يُزْهِهِ الحلقُ الذهيب
ولأنه في الأكثرينَ / الجائعينَ له ضروب
ولأنه بين " الصدورِ " / المجرمينَ هو الكُعوب!!
جيل تعاوَره الطلوعُ / - بما يُبشِّرُ – والغروب
يطفو ويحُجُبهُ – إلى / أمدٍ – من البغي الرسوب
حتى تلقَّفَهُ " لنينُ " / وصنْوُهُ البطلُ المَهيب
والعاكفون عليه أمّاتٌ / وشبانٌ وشيب
فإذا به عبلُ السواعدِ / لا يزاحِمُهُ ضريب
تعنوا له الجّلى ويقصُر / عنده اليومُ العصيب
بالشعب تدعَمُهُ الجيوشُ / وتدعمُ الجيُشَ الشُّعوب
والرايةُ " الحمراءُ " تحتَ / ظلالِها تمشى القلوب
قالوا " السلام " فراح يستبقُ / البعيدَ به القريب
ودَعْوا فخف مجاوبٌ / وثوى صريعٌ لا يجيب
وتوثب العاني وأعوزَ / مُثخناً فيه الوثوب
طرح الأسيرُ قيودَهُ / وهفا لموطنِه الغريب
وتعطّرتْ بشذا اللقاءِ / ونفحةِ اللُّقيْا دُروب
في كلِّ بيتٍ بسمةٌ / كدراءُ أو دَمعٌ مشوب
غلب ابتسامَ الآيبين / بكاؤهم من لا يؤوب
رفَّت على أعشاشها / أرواحُ هائمةٍ تلوب
ذُعرٌ تخطفها الفراق / ومسَّهاً منه لغوب
ومشى . من " القبر " الرهيب / خيالُ مُحَترِبٍ يجوب
غطّى معالَمهُ شجاً / وتوحّشٌ ودمٌ صبيب
أصغى فَألْهَبَ سمعَه / من " هامة " الجدَثِ النعيب
وتمطتِ الأنقْاضُ عن / وجهٍ يؤمِّلُهُ حبيب
عن ساعدٍ ألوى على / جيدٍ كما اختلف الصّليب
وفمٍ مَراشِفُه للثم / أليفِها شوقا تذوب
وضمائرُ " الأجداث ِ" تشكو / ما جنى البشَرُ العجيب
ورمائمُ الأنقاضِ مما / استوعبت فيها شحوب
والنار تحلف من حصيد / لهيبها ذُعِرَ اللهيب
والحوتُ يَضْمَنُ رزقَه / بحرٌ بها فيه خصيب
للوحشِ مأدبةٌ عليها / ما يَلَذُّ وما يَطيب
وكواسر العِقبانِ يزهيها / من الجثث النصيب
ماذا تريد : حواصل / ملأى ومنقارٌ خضيب
والدود يسأل مقلةً / تدمى وجمجمة تخوب
هذي المطاعم : أيُّ طاهٍ / شاءها ؟ أهي الحروب؟
من مُبْلِغُ الثّاوينَ تُعوِلُ / عندهم ريحٌ جَنوب
والمفردَين عليهم / من كلِّ والفةٍ رقيب
والطفلُ يسأل من أبيه / أهكذا يَلِجُ المشيب؟
والكاعبُ الحسناءُ جفَّ / بنحرِها نَفَسٌ رطيب
واستنزَفَ الحِلْمَ الرغيبَ / بصدرها جُرحٌ رغيب
إنَّ الرياشَ المستجدّ / لكُمْ تَنُمُّ به الطيوب
والبيتَ يُنعشه رنينُ العودِ / والطفلُ اللَعوب
والدهرُ لم يبرح عليه من / الّصبا ثوبٌ قشيب
والأرض يُرقصها الشروقُ / كما عهدتم والغروب
وعلى الربيعِ غضارة / وعلى الأراكَةِ عندليب
والشمس يستُرُ وجهَها / بالغيم يُمْسِكُ أوْ يصوب
والخافقاتُ العاطفاتُ / بكم يُعِذَبُها الوجيب
ألقتْ مراسِيها الخطوب / وتبسمَّ الزمن القَطوب
ما حطَّمتْ جَلَدي يدُ النُوَبِ
ما حطَّمتْ جَلَدي يدُ النُوَبِ / لكنْ تَحَطَّمتِ النوائبُ بي
قل للخطوبِ إليكِ فابتعدي / ألمَستِ بي ضَعفْاً لتقترِبي
هتفت لي الأهوال تطلُبني / فبرزتُ حراً غيرَ منتقِب
أنا صخرةٌ ما إن تخوِّفُني / هذي الرياحُ الهوجُ بالصَخَب
إن الليالي حاوَلَت ضَرعَي / فوجدْنَني مُتعسَّرَ الحَلَب
وحَمِدْنَ غَرْبَ شَكيمةٍ عَسرَتْ / عن أن تُنال بعُنف مغتصِب
ومهدِّدي بالشرِّ يُنذرني / إن لم أُطِعْه بسوءِ مُنقلَب
أخْجَلتُه بالضِحك أحسَبهُ / كمُخوِّفٍ للنَبع بالغَرَب
قلتُ اطَّلِعْ فلقد ترىَ عَجَباً / فيه فقالَ وأعجَبَ العَجَب
إني أرىَ قلباً يدورُ على / جَيش كموجِ البحر مُضطرِب
ومُناشِدي نَسَباً أمُتُّ به / لم يدرِ ما حَسَبي وما نَسَبي
عندي من الأمواتِ مفخرةٌ / شمّاء مُريبةٌ على الطَلَب
لكن أنِفتُ بأنْ يعيدَ فمي / للناس عهدَ الفَخر بالعَصَب
حسبي تجاريبٌ مَهَرتُ بها / وإلى البلايا السودِ مُنتسَبي
وبذي وتلك كِفايتي شَرَفاً / يُرضِي العُلا ويَسُرَّ قبرَ أبي
هذا التعنُّتُ في تَبصُّرِه / متوقّداً كتوقُّ اللَهَب
إذ لا يلائمُ مَعدِني بَشَرٌ / ما لم يكُنْ من معدِنٍ صُلُب
الفَضلُ فيه لمَلْبَسٍ خَشِنِ / عُوِّدتُه ولمَطعَم جَشِب
ولوالدٍ وُرِّثْتُ من دَمِه / محضَ الإباء وسورةَ الغَضَب
عندي من الجَبَروت أصدقُه / أُبديه للمتُجبِّرِ الكَذِب
لا أبتغي خصمي أُناشده / عَفْواً ولو أطوي على سَغَب
حربٌ لذي صَلَف . وذو أدب / سهلُ القِياد لكلِّ ذي أدَب
ولقد أرى في مدح مُنتَقِصي / لرغيدِ عيش أحسَنَ السَبَب
ليُحِلَّني من بَعد مَسغَبةٍ / في ذي زُروع مُعشِبِ خَصِب
فتلوحُ لي نَفسْي تهدِّدُني / أشباحُها بالويلِ والحَرب
فأعودُ أدراجي أرى سَعَةً / وعِمارةً في عُشِّيَ الخَرب
إني بلَوتُ الدهرَ أعذَبَه / وأمَرَّ ه الروَح والنَصَب
فوجدتُني أدْنى إلى ضَجَر / لكليهما وأحبَّ للوَصَب
ما بَينَ جنبَّي اللذينِ هُما / قَفَصُ الهموم ومَجمَع الكُرَب
قلب يَدُقُّ إلى العَنا طرَباً / ويحن مشتاقاً الى التَعَب
وأخٍ تلائمُني مشاربُه / وطباعُه في الجدِّ واللَعِب
انكَرتُ ضَعفاً في شكيمتِه / ومرونةً تدعو إلى الرِيَب
فطرَحْتُه أخشَى على شَمَمي / عَدوى ليانٍ منهُ مُكتَسَب
ودفنتُه لا القَلبُ يُنشده / أسفاً ولا دَمْعي بمنسَكِب
يبكي عليكَ وكلُّهُ أوصابُ
يبكي عليكَ وكلُّهُ أوصابُ / شَعبٌ يمثِّلُ حزنَه النُواب
غطَّت على سُود الليالي ليلةٌ / وعلى المصائبِ كلِّهِنَّ مُصاب
المجلِسُ المفجوعُ رُوِّع أهلُهُ / وبكتْكَ أروقةٌ له وقِباب
قد جلَّلتْه وجلَّلتهُمْ رَهبةٌ / فهل البلادُ يسودُها إِرهاب
كادت تحِنُّ لفقدِ وجهِك ساحةٌ / فيه ويُسألُ عن دخولِك باب
عبءٌ على الأوطانِ ذكرى ليلةٍ / عن مثلِ مَصرع " مُحسنٍ " تَنجاب
عن مصرعٍ في المجلِسَين لأجلهِ / وهما البلادُ بأسرِها إِضراب
بالدمع يَسألُ عن غيابك سائلٌ / في المجلسَين وبالدموعِ يُجاب
هذي الثمانونَ التي هي جُلُ ما ارتضَتِ / البلادُ وضمَّتِ الاحزاب
مُتجلببونَ سكِينةً وكآبة / ومن السواد عليهم جِلباب
متشنجون يخالَهم من راءهُم / للحزن – أنَهمُ عليه غِضاب
ناجي لسانَ النثر قمْ واخطُب بهم / وأعِنْ لسان الشعر يا ميرابو
هَدِّأْْ بنطقِك رَوعَهم قد أوشكت / للحُزنِ ان تتمزقَ الأعصاب
ولقد أقولُ لرافعين أصابعاً / ليست تُحِسُّ كأنَّها أحطاب
رهنَ الاشارة تختفي أو تعتَلي / وينالُ منها السَلْبُ والإيجاب
ماذا نَوَيتمْ سادتي : هل أنتُمُ / بعد الرئيس – كعهده – أخشاب
هل تنهضونَ إذا استُثيرتْ نخوةٌ / أو تجمُدون كأنكم انصاب
هل أنتُمُ – ان جدَّ أمرٌ ينبغي / توحيدَ شملِكُمُ به – أحزاب
يا أيها " النوابُ " حسبُكُمُ عُلا / قولي لكم يا أيها " النواب "
روحُ الرئيس ترفٌ فوقَ رؤسِكم / ارَعوا لها ما تقتضي الآداب
سترى حضوراً غائبينَ بفكرهم / سترى الذين بلا أعتذارٍ غابوا
سترى الذين له أساءوا تُهمة / وإلى البلاد جميِعها هل تابوا
سيقولُ ان خَبُثَت نواياً منكُمُ / اخشَوا رفاقي أنْ يحِلَّ عذاب
لتكنْ محاكمةُ الخصومِِ بريئةً / في قاعِكم وليحسُنِ استجواب
تأبى المروءةُ ان يُقدَّسَ خائنٌ / أو أن يطولَ على البريءِ حساب
من أجل أن ترعَوا مبادئَ " مُحسنٍ " / لتَكنْ أمامَكُمُ له أثواب
متضرّجاتٌ بالدماء زكيةٌ / فيهنَّ للجرحِ البليغِ خطاب
فيهنَّ من تلك " الرَّصاصة " فَتحْةٌ / هي للتفادِي ان وَعَيتُمْ باب
ليكُنْ أمامَكُمُ كتابٌ صارخٌ / فيه ثوابٌ يُرتَجى وعِقاب
فيه الوصيةُ : سوف َتحنوا رأسَها / عَجَباً بها الأجيالُ والأحقاب
أوحى " الزعيمُ " إلى الجزيرةِ كلَّها / أنْ ليسَ يُدركُ بالكلام طِلاب
يا هذهِ الأممُ الضِعافُ تَروّ ياً / لا تنهضي صُعُداً وأنت زِغاب
لا تقطعي سبباً ولا تتهَّوري / نزقاً إذا لم تكمُلِ الأسباب
لا تقرَبي ظُفرَ القويِّ ونابَه / ان لم يكنْ ظُفْرٌ لديك وناب
وإذا عتبتِ على القويِ فلا يكنْ / إلا بأطرافِ الحرابِ عتاب
فاذا تركَتِ له الخيارَ فانه / أشهى إليه أن يكونَ خراب
هذا القصيدُ " أبا عليٍ " كلُّه / حزنٌ وكل سطوره أوصاب
ثق أنَّ أبياتي لسانُ عواطفي / ثقْ أنَّ قلبي بينَهن مُذاب
الحزن يملؤُها أسىً ومهابةً / ويُمدُّها بالروح منه شباب
منسابةً لطفاً وبين سطورها / حزناً عليك مدامعي تنساب
ماذا عسى تََقوىَ على تمثيله / بمصابِك الشعراءُ والكتاب
ضُمّوا القلوبَ إلى القلوبِ دوامياً / ستكونُ أحسنَ ما يكونُ كتاب
أُممٌ تَجِدُّ ونَلعبُ
أُممٌ تَجِدُّ ونَلعبُ / ويُعذَّبون ونَطرَبُ
المَشرِقُ الواعي يَخُط / مَصيرهُ والمَغرب
فهُنا دمٌ يَتعهَّد الـ / جيلَ الجديدَ فَيُسكب
وهنا كِفاحٌ – في سبيلِ / تحرُّرٍ – وتوثّب
وهنا جماهيرٌ يخُبُّ / بها زعيمٌ أغلَب
ونعيشُ نحنُ كما يعيشُ / على الضفافِ الطُحْلُب
مُتطفِّلينَ على الوجودِ / نعومُ فيه ونَرْسُب
مُتذبذِبينَ وشرُّ ما / قتلَ الطُموحَ تَذبذب
نُوحي التطَيرَ كالغُرابِ / إلى النفوس وَتْعَب
ونبُثُّ رُعباً في الصفوفِ / بما ندُسُّ ونكذِب
نَدعو إلى المستعمرينَ / لسوِطهم نَتَحبَّب
نَهوى تَقَربَهم وفيه / حتفُنا يتقرّب
متخاذلينَ كما يشاءُ / تعنّتٌ وتعصّب
إنَّ العراقَ بما نُحَشِّدُ / ضِدَّه ونؤلَّب
بيتٌ على يدِ أهلهِ / مِمَّا جَنَوا يَتخرَّب
إنَّ الحياةَ طريقُها / وعرٌ بعيدٌ مُجدِب
عرَقُ الجبينِ على / الدماء فويَقها يتصببَّ
ومِنَ الجماجم ما يَعيقُ / الواهنينَ ويُرْهِب
يَمشي عليها الآبِنُ / يُنجِزُ ما تَرَسَّمهُ الأب
ولكَم تخلَّفَ مَعشرٌ / عنها وشُرِّدَ مَوكب
ووراءها الواحاتُ طابَ / مراحُها والمَشرَب
ونُريدُ نحنُ لها طَريقاً / منهجاً لا يُنْصِب
الجَاهُ ينْعَمُ تحتَ / ظِلِّ جِهادِنا والمنَصِب
قُلْ للشبابِ تحفَّزوا / وتيقَّظوا وتألَّبوا
وتأهِّبوا للطارئاتِ / فانَّها تَتأهَّب
سيَجِدُّ ما سيطولُ / إعجابٌ به وتعجّب
سيزولُ ما كنَّا / نقولُ مُشرِّقٌ ومُغرِّب
ستكونُ رابطةَ الشعوبِ / مبغَّضٌ ومُحَبَّب
سِيروا ولا تستوحشوا / ورِدُوا ولا تَتَهيَّّبوا
لا تَظمأوا إن الحياةَ / مَعينُها لا يَنْضُب
سِيروا خِفافاً نَفْسُكمْ / وصَفاؤها والمذهب
لا تُثقلوها بالعويصِ / وبالغريبِ فتتعَبوا
وتَلَمَّسوا أُفقاً تلبَّدَ / غَيَمُهُ وترقَّبوا
يَنْهّضْ لكُمْ شَبحٌ / بمسفوحِ الدماءِ مُخَضَّب
غضِرُ الصِبا وكأنَّه / مِمَّا تغبَّرَ أشيب
ذو عارضتَينِ فمؤنسٌ / جَذِلٌ . وآخر مُرعِب
يَرنو إلى أمسٍ فيعبِسُ / عندهَ . ويُقطِّب
ويلوحُ فجرُ غدٍ فيركُض / نحوه ويُرحَّب
يأوي إليهِ مُعمَّر / ويخافُ منه مُخرّب
مخضَ الحياةَ فلم يُفُتْهُ / مُصرَّحٌ ومُرَوَّب
وانزاحَ عنْ عينيهِ ما / يُطوى عليه مُغَيَّب
فاستلهِموهُ فخيرُ من / رَسَمَ الطريقَ مُجرِّب
لا تجمُدوا إنّ الطبيعةَ / حُرَّةٌ تتقلَّب
كونوا كرقراقٍ بِمَدرجةِ / الحَصى يتسَرَّب
نأتي الصخورُ طريقَه / فيجوزُهنَّ ويَذهب
وخُذوا وُجوهَ السانحاتِ / منَ الظروفِ فقلِّبوا
فاذا استوَتْ فتَقحََّّموا / وإذا التوَتْ فتَنكبَّوا
وإذا وجدتُم جذوةً / فضعوا الفتيلَ وألهِبوا
مُدُّوا بأيديِكم إلى / هذا الخليطِ فشذِّبوا
وتناولوا جَمراتِكم / آناً وآناً فاحصِبوا
لا تَحذَروا أن تُغْضِبوا / مَن سرَّهُ أنْ تُغضَبوا
كُونوا كعاصفةٍ تُطَّوحُ / بالرمالِ وتَلعب
وتطلَّبوا بالحتفِ مَن / لحتُوفِكُمْ يتَطلَّب
لا يُؤيسَنَّكُمُ مُقلُّ / عَديدكم أنْ تَغْلِبوا
إنْ لم يكنْ سببٌ يَمُدُّ / خُطاكُمُ فتسبَّبوا
لا تَنْفروا إن الحياةَ / إليكمُ تتقرَّب
لكمُ الغدُ الداني القُطوفِ / وصَفْوُهُ المُستَعْذَب
إنّ النضالَ مُهِمَّةٌ / يَعيا بها المُتَرهِّب
سَيرى الذينَ تدَّثروا / وتزمَّلوا وتَجَلْببوا
وتحدثَّوا نَزْراً كمِعْزاةٍ / بجدب تُحلب
وتَنادَروا هَمْساً كما / ناغَى " جنيدبَ " جُنْدُب
خطواتُهمْ وشِفاهُهم / ورْوسُهم تَترتَّب
نَسَقاً كما الآجُرُّ صَفَّفَهُ / صَناعُ مُدَرَّب
إنّ الحياةَ سريعة / وجريئة لا تُغْلَب
تَرمي بأثقالِ السنينَ / وراءها وتُعَقِّب
وتدوسُ مَن لا يستطيعُ / لَحاقها وتؤدِّب
مجَّدْتُ فيكَ مَشاعِراً ومَواهبا
مجَّدْتُ فيكَ مَشاعِراً ومَواهبا / وقضيْتُ فَرضاً للنوابغِ واجِبا
بالمُبدعينَ " الخالقينَ " تنوَّرَتْ / شتَّى عوالمَ كُنَّ قبلُ خرائبا
شرفاً " عميدَ الدارِ " عليا رُتبةٍ / بُوِّئْتَها في الخالدين مراتبا
جازَتْكَ عَن تَعَبِ الفؤادِ فلم يكن / تعبُ الدماغ يَهُمُّ شهماً ناصبا
أعْطَتْكَها كفٌّ تضمُّ نقائصاً / تعيا العقولُ بحلِّها . وغرائبا
مُدَّتْ لرفعِ الأنضلينَ مَكانةً / وهوتْ لصفعِ الأعدلينَ مَطالبا !
ومضَتْ تُحرِّرُ ألفَ ألفِ مقالةٍ / في كيفَ يحترمونَ جيلاً واثبا
في حين تُرهِقُ بالتعنّتِ شاعراً / يَهدي مَواطنَهُ وتُزِهق كاتبا
" التَيْمِسيّونَ ! " الَّذين تناهبوا / هذي البلاد حبائباً وأقاربا
والمغدِقونَ على " البياضِ " نعيمَهُمْ / حَضْنَ الطيورِ الرائماتِ زواغبا
يَستصرخونَ على الشّعُوب لُصوصَها / في حينَ يَحتجزونَ لِصّاً ساربا
ويُجَنِّبونَ الكلب وَخزةَ واخزٍ / ويجَهِّزُونَ على الجُموعِ معاطِبا
أُلاءِ " هاشمُ " مَنْ أروكَ بساعةٍ / يصحو الضميرُ بها ! ضميراً ثائبا
فاحمَدْهُمُ أن قد أقاموا جانباً / واذمُمْهُمُ أن قد أمالوا جانبا
وتحرَّسَّنْ أنْ يقتضوكَ ثوابَها ! / وتوقَّ هذا " الصيرفيَّ " الحاسبا
لله درُّكَ أيُّ آسٍ مْنقذٍ / يُزجي إلى الداءِ الدواءَ كتائبا
سبعونَ عاماً جُلتَ في جَنَباتها / تبكي حريباً أو تُسامرُ واصبا
متحدَّياً حُكمَ الطباعَ ! ودافعاً / غَضَبَ السَّماءِ وللقضاءِ مُغالِبا!
تتلمَّسُ " النَّبَضاتِ " تجري إثرّها / خلَجاتُ وجهِكَ راغباً أو راهبا
ومُشارِفٍ ! نَسَجَ الهَلاكُ ثيابَهُ / ألْبْستَهُ ثوبَ الحياةِ مُجاذبا
ومكابدٍ كَرْبَ المماتِ شركتَهُ / - إذْ لم تَحِدْ منجىً – عناءاً كارِبا
ومحشَرجِ وقفَ الحِمامُ ببابهِ / فدفعتَهُ عنه فزُحزِحَ خائبا
كم رُحْتَ تُطلِعُ من نجومٍ تختفي / فينا وكم أعْلَيْتَ نجماً ثاقبا
هذا الشَّبابُ ومِن سَناكَ رفيفُهُ / مجدُ البلادِ بهِ يرفُّ ذوائبا
هذا الغِراسُ – وملُْ عينِكَ قرّةٌ / أنَّا قطفنا مِن جَناهُ أطايبا
هذا المَعينُ وقد أسلتَ نَميرَهُ / وجهُ الحياةِ به سيُصبْحُ عاشبا
هذي الاكُفُّ على الصدورِ نوازِلاً / مثلُ الغيوثِ على الزُّروغِ سواكبا
أوقفتَ للصَّرعى نهاراً دائبا / وسهِرْتَ ليلاً " نابِغيّاً " ناصبا
وحضَنْتَ هاتيكَ الأسِرَّةَ فوقَها / أُسْدٌ مُضَرَّجَةٌ تلوبُ لواغِبا
أرَجٌ من الذكرى يلفَّكَ عِطْرُهُ / ويَزيدُ جانبكَ المُوطَّد جانبا
ولأنتَ صُنْتَ الدارَ يومَ أباحها / باغٍ يُنازلُ في الكريهةِ طالبا
الْغَيُّ يُنْجِدُ بالرَصاصُ مُزَمْجِراً / والرّشدَ يَنجِدُ بالحجارةِ حاصبا
وَلأنتَ أثخَنْتَ الفؤادَ من الأسى / للمثُخَنينَ مِن الجراحِ تعاقُبا
أعراسُ مملكةٍ تُزَفُّ لمجدِها / غُررُ الشَّبابِ إلى التُرابِ كواكبا
الحْاضنينَ جِراحَهَمْ وكأنَّهمْ / يتَحَضَّنونَ خرائداً وكواعبا
والصابرينَ الواهبينَ نُفوسَهُمْ / والمُخجِلينَ بها الكريمَ الواهبا
غُرَفُ الجنانِ تضوَعَتْ جنَباتُها / بصديدِ هاتيكَ الجراح لواهبا
وبحَشْرجاتِ الذاهبينَ مُثيرةً / للقادمينَ مواكباً فمواكبا
غادي الحيا تلك القبورَ وإنْ غدت / بالنَّاضحاتِ من الدّماءِ عواشبا
وتعهَّد الكَفَنَ الخصيبَ بمثلهِ / وطنٌ سيَبْعَثُ كلَّ يومٍ خاضبا
بغدادُ كانَ المجدُ عندَكِ قَيْنَةً / تلهو وعُوداً يَستحثُّ الضَّاربا
وزِقاقَ خَمْرٍ تستَجِدُّ مَساحبا / وهَشيمَ رَيْحانِ يُذَرَّى جانبا
والجسرُ تمنحُهُ العيونُ من المَها / في الناسِبينَ وشائجاً ومناسِبا
الحَمدُ للتأريخِ حينَ تحوَّلَتْ / تلكَ المَرافِهُ فاستَحَلْنَ مَتاعبا
الشِّعْرُ أصبحَ وهو لُعْبةُ لاعبٍ / إنْ لمَ يَسِلْ ضَرَماً وجَمْراً لاهبا
والكأسُ عادتْ كأسَ موتٍ ينتشي / زاهي الشبابِ بها ويمسحُ شاربا!
والجسرُ يفخرُ أنَّ فوقَ أديمهِ / جثثَ الضَّحايا قد تَرَكْنَ مساحبا!
وعلى بريقِ الموتُ رُحْنَ سوافراً / بيضٌ كواعبُ يندفعنَ عصائبا
حدِّثْ عميدَ الدارِ كيفِ تبدَّلَت / بُؤَراً قِبابٌ كُنَّ أمسِ مَحارِبا
كيف أستحالَ المجدُ عاراً يتَّقَى / والمكرُماتُ من الرّجالِ مَعايبا
ولم استباحَ " الوغدُ " حُرمةَ من سَقى / هذي الديارَ دماً زكِيّاً سارِبا
إيهٍ " عميدَ الدار " كلُّ لئيمةٍ / لابُدَّ – واجدةٌ لئيماً صاحبا
ولكلِّ " فاحشةِ " المَتاع دَميمةٍ / سُوقٌ تُتيحُ لها دَميماً راغبا
ولقد رأى المستعمِرونَ فرائساً / منَّا وألفَوْا كلبَ صيدٍ سائبا!
فتعهَّدوهُ فراحَ طوعَ بَنانِهمْ / يَبْرُونَ أنياباً له ومَخالبا
أعَرَفتَ مملكةً يُباحُ " شهيدُها " / للخائنينَ الخادمينَ أجانبا
مستأجَرِينَ يُخرِّبونَ دِيارَهُمْ / ويُكافئونَ على الخرابِ رواتبا
مُتَنمّرينَ يُنَصّبونَ صُدورهُمْ / مِثْلَ السّباعِ ضَراوةً وتَكالُباً
حتى إذا جَدَّتْ وغىً وتضرَّمَتْ / نارٌ تلُفُّ أباعِداً وأقارِبا
لَزِموا جُحورَهُمُ وطارَ حليمُهُمْ / ذُعْراً وبُدِّلَتِ الأسودُ أرانبا
إيهٍ " عميدَ الدار " ! شكوى صاحبٍ / طفَحَتْ لواعجُهُ فناجى صاحبا
خُبِّرْتُ أنَّكَ لستَ تبرحُ سائلاً / عنّي تُناشدُ ذاهباً أو آيِبا
وتقولُ كيفَ يَظَلُّ " نجم " ساطعٌ / ملءُ العيونِ عن المحافل غائبا
الآنَ أُنبيكَ اليقينَ كما جلا / وضَحُ " الصَّباح " عن العيون غياهبا
فلقد سَكَتُّ مخاطِباً إذ لم أجِدْ / مَن يستحقُ صدى الشكاةِ مُخاطَباً
أُنبيكَ عن شرِّ الطّغامِ مَفاجراً / ومَفاخراً ومساعياً ومكاسبا
الشَّاربينَ دمَ الشَّبابِ لأنَّهُ / لو نالَ من دَمِهِمْ لكانَ الشَّاربا
والحاقدينَ على البلادِ لأنَّها / حقَرَتْهم حَقْرَ السَّليبِ السَّالبا
ولأنَّها أبداً تدوسُ أفاعياً / منهمْ تَمُجُ سمومَها وعقاربا
شَلَّتْ يدُ المستعمرينَ وفرضُها / هذي العُلوقَ على الدّماءِ ضرائبا
ألقى إليهمْ وِزْرَهُ فتحمَّلوا / أثقالَهُ حَمْلَ " الثيّابِ " مشاجبا
واذابَهُمْ في " المُوبقاتِ " فأصبحوا / منها فُجوراً في فجورٍ ذائباً
يتَمَهَّلُ الباغي عواقبَ بَغْيِهِ / وتراهُمُ يَستعجلونَ عواقبا
حتى كأنَّ مصايراً محتومةً / سُوداً تُنيلُهُمُ مُنىً ورَغائبا
قد قلتُ لِلشَّاكينَ أنَّ " عصابةً " / غصَبَتْ حقوقَ الأكثرينَ تَلاعُبا:
ليتَ " المواليَ " يغصبونَ بأمرِهِمْ / بل ليتَهم يترَسَّمونَ " الغاصبا "
فيُهادِنون شهامةً ورجولةً / ويُحاربونَ " عقائداً " ! ومذاهبا
أُنيبكَ عن شرِّ الطّغام نكايةً / بالمؤثرينَ ضميرَهمْ والواجبا
لقَدِ ابتُلُوا بي صاعقاً مُتَلهِّباً / وَقَد ابتُلِيتُ بهمْ جَهاماً كاذبا
حشَدوا عليَّ المُغرِياتِ مُسيلةً / صغراً لُعابُ الأرذلينَ رغائبا
بالكأسِ يَقْرَعُها نديمٌ مالثاً / بالوعدِ منها الحافَتَيْنَ وقاطبا
وبتلكُمُ الخَلَواتِ تُمْسَخُ عندَها / تُلْعُ الرِّقابِ من الظّباءِ ثعالبا!!
وبأنْ أروحَ ضحىً وزيراً مثلَما / أصبحتُ عن أمْرٍ بليلٍ نائبا
ظنّاً بأنَّ يدي تُمَدُّ لتشتري / سقطَ المَّتاع وأنْ أبيعَ مواهبا
وبأنْ يروحَ وراءَ ظهريَ موطنٌ / أسمنتُ نحراً عندهَ وترائبا
حتى إذا عجَموا قناةً مُرَّةً / شوكاءَ تُدمي مَن أتاها حاطبا
واستيأسوُا منها ومن مُتخشِّبٍ / عَنتَاً كصِلِّ الرّملِ يَنْفُخ غاضبا
حُرّس يُحاسِبُ نفسَهُ أنْ تَرْعَوي / حتَّى يروحَ لمنْ سواه محاسِبا
ويحوزَ مدحَ الأكثرينَ مَفاخراً / ويحوزَ ذمَّ الأكثرينَ مثالبا !!
حتى إذا الجُنْديُّ شدَّ حِزامَهُ / ورأى الفضيلةً أنْ يظْلَّ مُحاربا
حَشدوا عليه الجُوعَ يَنْشِبُ نابَهُ / في جلدِ " أرقطِ " لا يُبالي ناشبا !
وعلى شُبولِ اللَّيثِ خرقُ نعالِهم! / أزكى من المُترهِّلين حقائبا
يتساءلونَ أينزِلونَ بلادَهم ؟ / أمْ يقطعونَ فدافِداً وسباسبا؟
إنْ يعصِرِ المتحكِّمونَ دماءَهم / أو يغتدوا صُفْرَ الوجوه شواحبا
فالأرضُ تشهدُ أنَّها خُضِبَتْ دماً / منّي وكان أخو النعيم الخاضبا
ماذا يضرُّ الجوعُ ؟ مجدٌ شامخٌ / أنّي أظَلُّ مع الرعيَّة ساغبا
أنّي أظَلُّ مع الرعيَةِ مُرْهَقاً / أنّي أظَلُّ مع الرعيَّةِ لاغبا
يتبجَّحُونَ بأنَّ موجاً طاغياً / سَدُّوا عليهِ مَنافذاً ومَساربا
كَذِبوا فملءُ فمِ الزّمان قصائدي / أبداً تجوبُ مَشارقاً ومغاربا
تستَلُّ من أظفارِهم وتحطُّ من / أقدارِهمْ وتثلُّ مجداً كاذباً
أنا حتفُهم ألِجُ البيوتَ عليهم ُ / أُغري الوليدَ بشتمهمْ والحاجبا
خسئوا : فَلْمْ تَزَلِ الرّجولةُ حُرَّةً / تأبى لها غيرَ الأمائِلِ خاطبا
والأمثلونَ همُ السَّوادُ فديتُهمْ / بالأرذلينَ من الشُراةِ مَناصبا
بمُمَلِّكينَ الأجنبيَّ نفوسَهُمْ / ومُصَعِّدينَ على الجُموعِ مَناكبا
أعلِمتَ " هاشمُ " أيُّ وَقْدٍ جاحمٍ / هذا الأديمُ تَراهُ نِضواً شاحبا ؟
أنا ذا أمامَكَ ماثلاً متَجبِّراً / أطأ الطُغاة بشسعِ نعليَ عازبا
وأمُطُّ من شفتيَّ هُزءاً أنْ أرى / عُفْرَ الجباهِ على الحياةِ تكالُبا
أرثي لحالِ مزخرَفينَ حَمائلاً / في حينَ هُمْ مُتَكَهِّمونَ مَضاربا
للهِ درُّ أبٍ يراني شاخصاً / للهاجراتِ لحُرّش وَجْهيَ ناصبا
أتبرَّضُ الماء الزُّلالَ . وغُنيتي / كِسَرُ الرَّغيفِ مَطاعماً ومَشاربا
أوْصى الظِّلالَ الخافقاتِ نسائماً / ألاَّ تُبرِّدَ من شَذاتي لاهبا
ودعا ظلامَ اللَّيلِ أنْ يختطَّ لي / بينَ النجومِ اللامعاتِ مَضاربا
ونهى طُيوفَ المُغرياتِ عرائساً / عنْ أنْ يعودَ لها كرايَ ملاعبا
لستُ الذي يُعطي الزمانَ قيادَه / ويروحُ عن نهجٍ تنهَّجَ ناكبا
آليتُ أقْتَحمَ الطُغاةَ مُصَرِّحاً / إذ لم أُعَوَّدْ أنْ أكونَ الرّائبا
وغرَسْتُ رجلي في سعير عَذابِهِمْ / وثَبَتُّ حيثُ أرى الدعيَّ الهاربا
وتركتُ للمشتفِّ من أسآرِهِمْ / أن يستمنَّ على الضّروعِ الحالبا
ولبينَ بينَ منافقِ متربِّصٍ / رعيَ الظروف ! مُواكباً ومُجانبا
يلِغُ الدّماءَ مع الوحوشِ نهارَه / ويعودُ في اللِّيل ! التَّقيَّ الراهبا
وتُسِيلُ أطماعُ الحياةِ لُعابَهُ / وتُشِبُّ منه سنامَهُ والغارِبا
عاشَ الحياةَ يصيدُ في مُتكدِّرٍ / منها ويخبِطُ في دُجاها حاطبا
حتى إذا زوَتِ المطامِعُ وجهَها / عنه وقطَّبَتِ اللُبانةُ حاجبا
ألقى بقارعةِ الطريقِ رداءَه / يَهدي المُضِلِّينَ الطريقَ اللاحِبا
خطَّانِ ما افترقا فامَّا خطَّةٌ / يلقى الكميُّ بها الطُغاة مُناصبا
الجوعُ يَرْصُدها وإمَّا حِطَّةٌ / تجترُّ منها طاعِماً أو شاربا
لابُدَّ " هاشمُ " والزَّمانُ كما ترى / يُجري مع الصَّفْوِ الزُّلالِ شوائبا
والفجرُ ينصُرُ لا محالةَ " ديكَهُ " / ويُطيرُ من ليلٍ " غراباً " ناعبا !
والأرضُ تَعْمُرُ بالشّعوبِ . فلن ترى / بُوماً مَشوماً يَستطيبُ خرائبا
والحالِمونَ سيَفْقَهون إذا انجلَتْ / هذي الطّيوفُ خوادعاً وكواذباً
لابُدَّ عائدةٌ إلى عُشَّاقِها / تلكَ العهودُ وإنْ حُسِبنَ ذواهبا
يا قيسُ : يا لُطفَ الربيعِ
يا قيسُ : يا لُطفَ الربيعِ / ووقدَ رَونقه الشَبُوبِ
يا قيس : يا همسَ الحبيب يذوب / في سَمع الحبيب
يا قيس : يا هَزَج الرُعاة يَشيعُ / في الحقل الخَصيب
يا قيس : يا شَجْوَ " الهزار " / يُهيبُ بالغصن الرطيب
يا قيس : يا حُلُمَ " العذاري " / يزدَحِمْنَ على " القَليب "
يا قيس : يا ذَوْبَ " الغَضارة " / قُطِّرت بأرَقِّ كُوب
يا قيس : يا لَحْنَ الحياة / ونغمةَ الأمَلِ الرَتيب
يا قيس : يا لمحَ السَنا / يا قيسُ : يا نفْحَ الطُيُوب
يا قيس : هل تَدري بما / خلَّفتَ بعدَك من نُدوب
وبما غَمَرْتَ البيتَ من / فَيْض الصَّبابة والوَجيب
وبما جَلَبْتَ ل " ثاكلٍ " / حَرّى ومُحتَسِب حرَيب
الوالدانِ – عليك يا قيسُ / المدلَّلُ – في لُغُوب
يتعلَّلانِ بلَمح وجهِكَ / في الشُروق وفي الغُروب
ويغالِطانِ النَومَ عنك / بطَيِفك المَرحِ الطَروب
ويراجعانِ تَلاوُماً / نفْسَيهما صُنعَ المُريب
يتبادلانِ أساهُما / شَكوى الغريبِ إلى الغريب
يا قيسُ أُمُّك لا تزالُ / تعيشُ بالأمَل الكَذوب
تهفو لقَرْع الباب في الجِيئات / منكَ وفي الذهوب
وتظَلُّ تسألُ مَخْدَعاً / لك عن هجوعِك والهُبوب
يا قيسُ : يا رمزَ الشهادةِ / عُطِّرت بدَمٍ خَضيب
كرَّمتَ بالكَفَن المخضَّب / منك والخدِّ التَريب
وطناً بمثلك من بنيه / يَستجيرُ من الخُطوب
ويرُد أنصبةً أليهم / ما حَبوه من نَصيب
بالمجدِ تَخلعُه الحُقوبُ / عليهِمُ تلوَ الحقوب
والغار تَضفِرُهُ لهمْ / رَيانَ من طَفَح القلوب
يا قيسُ : يا قيسُ الملوِّح / في شبابك بالحُروب
الشعب يثأرُ من " رُماتِك " / في بعيدٍ أو قريب
ألُقيتَ عُقبى الجهدِ والأتعابِ
ألُقيتَ عُقبى الجهدِ والأتعابِ / ونزلت خيرَ مَحلِةٍ وجَناب
ورَحلْتَ خير مُودَّع عن موطنٍ / حاميتَ عنه وأُبتَ خيرَ إياب
ودفعتَ للدار الحصينةِ أمةً / وقَفَتْ سياستُها على الأبواب
ولأنتَ خيرُ لسان صدقٍ ناطقٍ / عنها إذا صَمَتَتْ وخيرَ كتاب
غابَ الاسود جِنيفُ سوفَ يَدوسُها / أسدٌ تقدِّرُه أسودُ الغاب
رحْبُ الفؤادِ غداً تُجِلُّ مكانَهُ / أربابُ أفئدةٍ هناك رِحاب
وهناك سوفَ تَرى النواظرُ مالئاً / كرسيَّهُ قُطباً من الأقطاب
ملءَ العيون سماتُ أصيدَ طافحٍ / عزماً وملءَ السمع فصلُ خِطاب
ومَلامحٌ مشبوبة هي وحدَها / وكَفى دليلُ نجابةِ الأعراب
لله درُّك من خبير بارعٍ / يَزِنُ الأمورَ بحكِمةٍ وصَواب
يُعَني بما تَلد الليالي حيطةً / ويُعِدُّ للأيام الفَ حساب
متمكِّنٌ مما يريد يَنالهُ / موفورُ جأشٍ هادئُ الأعصاب
يلتفُّ " كالدولاب " حول كوارثٍ / حَشَدت عليه تدورُ كالدولاب
وإذا الشعوبُ تفاخَرَت بدُهاتها / في فضِّ مشكلةٍ وحَلِّ صِعاب
جاء العراقَ مباهياً بسَمَيذَعٍ / بادي المَهَابة رائعٍ جَذّاب
يُرضيك طول أناتهِ فاذا التوَى / فهو القديرُ الفذُّ في الإغضاب
أملاعبَ الأرماح يومَ كريهةٍ / في السلمِ أنتِ ملاعبُ الألباب.
أعجبِتُ منكِ بهمةٍ ورويَّةٍ / وأقلُّ إعجابِ امريءٍ إعجابي
إن الذي سوّى دِماغَك خصَّة / من كل نادرةٍ بخير نِصاب
لبّاسُ أطوار يَرىَ لتقلُّبِ الايام / مُدَّخِراً سِفاطَ ثياب
يمشي إلى السر العميقِ بحيلةٍ / أخفى وألطَ من مَدَبَّ شراب
يبدو بجِلبابٍ فانْ لم تَرضَه / يَنْزَعْه مُنسلاً إلى جِلباب
قضت الظروفُ بما تُريد وغَُلِّبتْ / آراءُ مجتمِع القُوى غلاّب
وعرفتَ كيف تَرى السياسةَ خطةً / عربيةَ الأوصاف والألقاب
مشيَّتها عشراً وئيداً مشيها / باللطفِ آونةً وبالإرهاب
وكشَفتَ كلَّ صحيفة مستورةٍ / وتركتَها عُرْياً بغير نِقاب
وقتَلتَ أصناف الرجال درايةً / من مستقيمٍ في خطاهُ وكابي
ومُعارِضٍ خَدَمَ البلادَ لغايةٍ / شَرُفت وآخرَ خائنٍ كذاب
وكأنني بك إذ تقابلُ واحداً / منهم تريه غفلةَ المتغابي
فاذا ادّعىَ ما ليس فيه أتيَتَه / فيما تُريد بمَحضَرٍ وكِتاب
لم تبقَ لولا فرطُ عزمِك ريبةٌ / أن العراق يسير نحو تَباب
حتى وَقفْتَ به يمدُّ لهاتهُ / تَعَباً من الأثقال والأوصاب
لا أدَّعي أنْ قد أتمَّ نموَّه / من كان أمسِ بشكلِ طِفل حاب
فلَتِلك لبستْ بالبعيد منالُها / عن كلِّ شَعب طامحٍ وثّاب
لكن أقولُ اريتَهُ مستقبَلا / لا بالعَديم سَناً ولا الخلاّب
كالشُهد أوّلَ ما تذوَّقَه فمٌ / ما زالَ بين لُهاه طعمُ الصاب
فاليوم هاهو ذا بظلِّك يحتَمِي / مثلَ احتماءِ العَين بالأهداب
ان تشكُ ما قاسيتَ من إجهادةٍ / أو تَلقَ ما لاقيت من أتعاب
فلقد طَلَبَتَ منالَ أمرٍ لم يكُنْ / ليُنالَ إلا من رؤوس حِراب
اليومُ يومُ تَفاهمٍ بالرَغم مِن / أني أحِبُّ تَطاحُنَ الأحزاب
وسياسةٍ سلبيةٍ لو أثمَرَتْ / فيها نجحُ رغائبٍ وطِلاب
وخيانةٌ ان لا يقدِّرَ مخلِصٌ / تدعو سياستُهُ إلى الإِضراب
لكن إذا لم تَبقَ إلا مِيتة / أو أختُها فسياسةُ الإِيجاب
ما يأخذُ المصنوعُ حبلَ وريده / ما بينَ ظُفْْرِ عدوِّهِ والناب
أني هززتُكَ بالقوافي قاصداً / بكَ خدمةَ التاريخِ والآداب
لولا محيطٌ بِتُّ من نَزَعاته / وتضارب الآراءِ كالمرتاب
أطنَبتُ في غصَصٍ لديَّ كثيرةٍ / تبيانُها يدعو الى الإِطناب
لي حقُّ تمحيص الأمورِ كواحدٍ / من سائر الشعراء والكُتاب
فاذا أصبَتُ فخَصْلةٌ محمودةٌ / واذا زَلِلتُ فلستُ فاقدَ عاب
فلطالما حابَيتُ غير مصارحٍ / ولطالما صارحتُ غير مُحابي
ولكم سَكَتُ فلا مصارحةٌ ولا / تمويهةٌ وقبَعْتُ في أثوابي
أبغي المسائلَ محضةً ويعوُقني / عن ذلكم سببٌ من الأسباب
وبلاءُ كلِّ مفكِّرٍ حزبيةٌ / تُلقي على الآراء ألفَ حِجاب
وطني الغضيضُ إهابُهُ
وطني الغضيضُ إهابُهُ / أصبو له وأهابُهُ
خُضْر الحقولِ طَعامُه / والرافدان شَرابه
حَبُّ القلوبِ رِمالهُ / كُحْلُ العيون تُرابه
إن ساءَ مبدأُ موطني / فعَسىَ يَسَرُّ مآبه
لم يبقَ فيه بقيِّةٌ / ظُفْرُ الزمان ونابه
بيد الظروفِ دَنيَّةٌ / العوبةٌ أحزابه
وعلى رَحَى تفريقه / مطحونةٌ " أقطابه"
شعراؤُهُ متكالبونَ / ومثلهم كُتّابه
هيهاتَ ينهضُ موطنٌ / حُبُّ التقسمُّ دابه
سَحقَ الزمانُ رؤوسَه / فترأسَّتْ اذنابه
فاذا نَبَا دهرٌ به / فحُماتهُ نُهَّابه
تبغي السفورَ نساؤهُ / وعلى الرجال حِجابه
ضجَّت جُيوبُ الأجنبي به / وضجَّ " وطابه "
من طول ما امتلأتْ به / أكراشُه وعِيابه
وابنُ البلادِ على الكفاف / يطولُ فيه حِسابه
تبكي لنقص الساكنينَ / قصورهُ وقِبابه
ومن المذلّةِ حُمِّلتْ / مالا تُطيقُ رقابه
مضَّ العتابُ به وذو / الشكوى يُمِضُّ عِتابه
والشاعرُ الغَضبانُ اعذرُ / ما تكونُ غِضابه
الموجعاتُ حسانُهُ / والمُبكياتُ عِذابه
لو لم يُنفه بالقريض / أودِت بهِ أوصابه
قلبي وشِعري سالَ من / هذا وذاكَ مُذابه
حيِ الشبابَ تناهضُوا / فخر العراق شَبابه
بِهُمُ ازدهتْ نهضاته / وبهِمْ سَمَتْ آدابهُ
صُونوا القضيةَ اِنها / سِرٌّ وأنتُمْ بابه
أما السؤالُ " فقبرِصٌ / وأبو عَليَ " جَوابه
البَرُّ ضاقَ فسيحهُ / والبحرُ جاشَ عُبابه
يومَ استقَّلتْ بالمليكِ / ابي الملوك رِكابه
يا نازحاً عَودُ الكرامة / عودُهُ وإيابهُ
هذا كتابكَ والفتى / تاريخهُ وكتابه
اللهُ يعرِفُ ما أتيتَ / وبيتهُ وشِعابه
وأخو المتاعبِ لا يَضيع / سُدىً ولا أتعابه
سيّانِ شُهدُ الدهر عند / العاملين وصَابه
ولعزة الأوطان هان / على " الشهيد " مُصابه
أمر جليل بالتقاعس / لا تُراضُ صعابهُ
وبقدر مَسعى الطالبينَ / له يكونُ طِلابه
ما للفؤادِ وُعودهُ / طالَتْ فطالَ عَذابه
واذا تغالَبَ والرَجاءُ / فيأسُه غِلابه
والدهرُ يُنبيء أنَّ / أحزانَ الوَرَى أطرابُه
ظمآنةٌ لا تمتَلي / من عَبرةٍ أكوابهُ
وطني وفوق الذَنبِ / كان جزاؤه وعِقابه
بشَّرتُهم بِعمارهِ / اذ قيلَ تمَّ خَرابه
مُلْك أريدَ " دَمارُه" / فتعجَّلتْ أسبابه
قَلبُ السياسةِ لا ترِقُّ / على الضعيفِ صِلابه
مِثلُ الذي بكِ يا دمشق
مِثلُ الذي بكِ يا دمشق / من الأسى والحزنِ مابي
دمعي يَبين لك الجوى / والدمعُ عنوانُ الكتاب
زاهي الحمى نهبُ الخطوب / ومهجتي نهبُ المصاب
أرأيت مرتبعَ الشِّعاب / بها ومُصطافَ الهضاب
والنبتُ مخضلُّ الثَّرى / والرُّوضُ مخضرُّ الجْنَاب
والحسنُ تبسُطه الطبيعةُ / في السهولِ وفي الروابي
والشمسُ تبدو من خلال / الغيم خَوْداً في نقاب
فاذا انجلى هزَّتك روعةُ / نورها فوق القباب
والروضُ نشوانٌ سقاه الماءُ / كأساً من شراب
بَرَدَى كأنَّ برودَه / رشفاتث معسولِ الرُّضاب
تلك النَّضارةُ كُلُّها / كُسِيتْ جلابيبَ الخراب
ثوري دمشقُ فانَّما / نَيلُ الأماني في الطِّلاب
وخذي الوِفاق فانما / عُقبى الخلاف إلى تَباب
إن ْ تغضَبي لتليدِ مجدٍ / آذنوه باستلاب
ومنيعِ غابٍ طوقوهُ / بالبنادق والحِراب
ومعطاسٍ شُمٍّ أرادوا / عَرْكها بالإغتصاب
فلأنتِ رغم خلوِّ كفّك / من مُعَدّات الضراب
بالعاطفات الحانيات عليك / وافرةُ النصاب
ولأنتِ امنعُ بالنُّفوس / المستميتة مِن عُقاب
فتماسكي أو تُكرَهي / بالرغم منك على انسحاب
فَلَشرُّ ما عمِلَ امرؤ / عملٌ يُهَدَّدُ باقتضاب
سدّي عليهم ألف بابٍ / إن أطاقوا فتحَ باب
إن لم يكن حجرٌ يضرّ بهم / فكُومٌ من تراب
لا نُكرَ في الدنيا ولا / معروفَ إلا في الغلاب
شُبَّان سوريَّا الذين / تناوشوا قِمِمَ السَّحاب
والمبدلين برأيهم / في الليل عن قبس الشهاب
المالكي الأدب الصميم / ووارثي الشرفِ اللُباب
لكمُ العتابُ وإنَّما / عَتْب الشباب على الشّباب
سوريَّةٌ أم الضراغم أصبحت / مرعى الذِّئاب
مثلَ الوديع من الطيور / تعاورتهُ يدُ الكلاب
باتت بليلةِ ذي جروحٍ / مستفيضاتٍ رغاب
وسهِرتُم متضاربي النزعات / مختلفي الثياب
مَن كانَ حابى أن يقول / الحقَّ إني لا أُحابي
لا بُدَّ أن يأتي الزمانُ / على بلادي بانقلاب
ويرى الذين توطَّنوا / أنَّ الغنيمةَ في الاياب
ماذا يقول المالئو الأكراش / من هذي النهاب
إنْ دال تصريفُ الزمان / وآنَ تصفية الحساب
جاءوا لنا صُفْرَ العِياب / وقد مضَوا بُجْرَ العياب

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025