المجموع : 6
يا شاعِراً حُلوَ المَوَدَّةِ
يا شاعِراً حُلوَ المَوَدَّةِ / في الحُضور وَفي الغِيابِ
شَهدٌ وَلاؤُكَ وَالأَنامُ / وَلاؤهُم شَهدٌ وَصاب
أَنا إِن شَكَوتُ إِلَيكَ مِنـ / ـكَ وَسالَ في كُتُبي العِتاب
فَحِكايَتي كَحِكايَةِ الظَمآ / نِ في قَفرٍ يَباب
لَم يَروِهِ لَمعُ السَرابِ فَرا / حَ يَستَسقي السَحاب
فَهَمى فَكانَ الخَيرُ فيـ / ـهِ لِلأَباطِح وَالهِضابِ
مَسعودُ أَهوِن بِالمَشيـ / ـبِ فَما اِمَّحى إِلّا الخُضاب
ما ذا عَلَيكَ مِنَ الثُلوجِ / وَفي ضُلوعِكَ حَرُّ أَب
وَالكَأسُ أَجمَلُ في النَوا / ظِرِ إِذ يُرَصِّعُها الحَباب
إِن شابَ مِنكَ المَفرِقانِ / فَما أَظُنُّ القَلبَ شاب
لا تَزعَمَنَّ لَهُ المَتابَ / فَإِنَّ تَوبَتُهُ كِذاب
ما زالَ يَخفِقُ بِالهَوى / وَيَفيضُ بِالسِحرِ العُجاب
وَيُريكَ دُنيا لا تُحَدُّ وَ / مِن وَرائِكَ أَلفُ باب
دُنيا مِنَ اللَذات وَالأَف / راحِ في دُنيا عَذاب
وَيُريكَ جَنّاتِ الجَمالِ / وَأَنتَ في الطَلَلِ الخَراب
أَفتى القَوافي الشادِياتِ / كَأَنَّها أَطيارُ غاب
إِن قيلَ إِنَّكَ صِرتَ شَيخاً / قُل أَجَل شَيخُ الشَباب
أَتَرى إِذا العُنوانُ ضاعَ / يَضيعُ مَضمونُ الكِتاب
السَيفُ لَيسَ يُعيبُهُ مَشـ / ـيُ الخَلوقَةِ في القِراب
وَالخَمرُ خَمرٌ في إِنا / ءٍ مِن لُجَينٍ أَو تُراب
وَحَياةُ مِثلِكَ لَيسَ تَد / خُلُ في قِياسٍ أَو حِساب
فَغَدٌ زَمانَكَ مِثلُ أَمسٍ / وَإِن مَضى عَصرُ الشَباب
لا يُدرِكُ الهرِمُ النُجومَ / وَأَنتَ في الدُنيا شَهاب
وَإِذا يُعابُ عَلى المَشيبِ / فَتى فَمَن ذا لا يُعاب
أَو كانَ يَمدَحُ بِالسَوادِ / فَمَن تُرى مَدَحَ الغُراب
يا نَفحَةً مِن شاعِرٍ / أَرَجَ الكِتابُ بِها وَطاب
الفَجرُ أَهدى لِيَ السَنا / وَالرَوضُ لِيَ المَلاب
حَيِّ الشَآمَ مُهَنَّدا وَكِتابا
حَيِّ الشَآمَ مُهَنَّدا وَكِتابا / وَالغوطَةَ الخَضراء وَالمِحرابا
لَيسَت قِباباً ما رَأَيت وَإِنَّما / عَزمٌ تَمَرَّدَ فَاِستَطالَ قِبابا
فَاِلثُم بِروحِكَ أَرضَها تَلثُم عُصوراً / لِلعُلى سَكَنَت حَصى وَتُرابا
وَاِهبِط عَلى بَرَدى يُصَفِّقُ ضاحِكاً / يَستَعطِفُ التَلعات وَالأَعشابا
روحٌ أَطَلَّ مِنَ السَماءِ عَشِيَّةً / فَرَأى الجَمالَ هُنا فَحَنَّ فَذايا
وَصَفا وَشَفَّ فَأَوشَكَت ضِفّاتُهُ / تَنسابُ مِن وَجدٍ بِهِ مُنسابا
بَل أَدمُعٌ حورُ الجِنانِ ذَرَفنَها / شَوقا وَلَم تَملِك لَهُنَّ إِيابا
بَرَدى ذَكَرتُكَ لِلعَطاشى فَاِرتَوَوا / وَبَني النُهى فَتَرَشَّفوكَ رِضابا
مَرَّت بِكَ الأَدهارُ لَم تَخبِث وَلَم / تَفسُد وَكَم خَبَثَ الزَمان وَطابا
بِأَبي وَأُمّي في العَراءِ مُوَسَّدٌ / بَعَثَ الحَياةَ مَطامِعا وَرِغابا
لَمّا ثَوى في مَيسَلونَ تَرَنَّحَت / هَضَباتُها وَتَنَفَّسَت أَطيابا
وَأَتى النُجومَ حَديثُهُ فَتَهافَتَت / لِتَقومَ حُرّاساً لَهُ حُجّابا
ما كانَ يوسُفُ واحِداً بَل مَوكِباً / لِلنورِ غَلغَلَ في الشُموسِ فَغابا
هَذا الَّذي اِشتاقَ الكَرى تَحتَ الثَرى / كَي لا يَرى في جُلَّقِ الأَغرابا
وَإِذا نَبا العَيشُ الكَريمُ بِماجِدٍ / حُرٍّ رَأى المَوتَ الكَريمَ صَوابا
إِنّي لِأَزهى بِالفَتى وَأُحِبُّهُ / يَهوى الحَياةَ مَشَقَّة وَصِعابا
وَيُضَوِّعُ عِطراً كُلَّما شَدَّ الأَسى / بِيَدَيهِ يَعرُكُ قَلبَهُ الوَثّابا
وَيَسيلُ ماءً إِنحَواهُ فَدفَدٌ / وَإِذا طَواهُ اللَيلُ شَعَّ شَهابا
وَإِذا العَواصِفُ حَجَّبَت وَجهَ السَما / جَدَلَ العَواصِفَ لِلسَما أَسبابا
وَإِذا تَقَوَّضَ صَرحُ آمالٍ بَنى / أَمَلاً جَديداً مِن رَجاءٍ خابا
فَاِبنُ الكَواكِبِ كُلُّ أُفقٍ أُفقُهُ / وَاِبنُ الضَراغِمِ لَيسَ يَعدِمُ غابا
عَجَباً لِقَومي وَالعَدُوِّ بِبابِهِم / كَيفَ اِستَطابوا اللَهو وَالأَلعابا
وَتَخاذَلَت أَسيافُهُم عَن سَحقِهِ / في حينِ كانَ النَصرُ مِنهُم قابا
تَرَكوا الحُسامَ إِلى الكَلامِ تَعَلُّلاً / يا سَيفُ لَيتَكَ ما وَجَدتَ قِرابا
دُنياكَ يا وَطَنَ العُروبَةِ غابَةٌ / حَشَدَت عَلَيكَ أَراقِما وَذِئابا
فَاِلبِس لَها ماءَ الحَديدِ مَطارِقاً / وَاِجعَل لِسانَكَ مَخلِباً أَو نابا
لا شَرعَ في الغاباتِ إِلّا شَرعَها / فَدَعِ الكَلامَ شِكايَة وَعِتابا
هَذي هِيَ الدُنيا الَّتي أَحبَبتَها / وَسَقَيتَ غَيرَكَ حُبَّها أَكوابا
وَضَحِكتَ مَعَ أَحلامِها وَبَكَيتَ في / آلامِها وَجَرَعتَ مَعَها الصابا
وَأَضَلَّ روحُكَ في السُرى وَأَضَلَّها / ما خِلتَهُ ماءً فَكانَ سَرابا
وَنَظَرت وَالأَوصابُ تَنهَشُ قَلبَها / فَرَأَيتَ كُلَّ لَذاذَةٍ أَوصابا
شاءَ الظَلومُ خَرابَها فَإِذا الوَرى / لا يُبصِرونَ سِوى نُهاهُ خَرابا
دُنيا تَأَلَّقَ أَمسُها في يَومِها / فَاِستَجمَعَ الأَنساب وَالأَحسابا
وَسَرى سَناءُ الوَحيِ مِن آفاقِها / يَغشى العُصور وَيَغمِرُ الأَحقابا
الحَقُّ ما رَفَعَت بِهِ جُدرانُها / وَالخَيرُ ما زانَت بِهِ الأَبوابا
فَاِستِنطِقِ التاريخَ هَل في سِفرِهِ / مَجدٌ يُضاهي مَجدَها الخَلّابا
شابَت حَضارات وَدالَت وَاِنطَوَت / أُمَم وَمَجدُ أُمَيَّةٍ ما شابا
الأَمسُ كانَ لَها وَإِنَّ لَها غَدا / تَتَلَفَّتُ الدُنيا لَهُ إِعجابا
غَنَّيتَ مِن قَبلُ المَحولَة وَالعَرى / أَفَلا تُغَنّي الرَوضَةَ المِخصابا
عَطَفَت لَيالِيَها عَلَيكَ بَشاشَةً / فَاِنسَ اللَيالي غُربَة وَعَذابا
وَاِنشُر جَناحَكَ فَالفَضاءُ مُنَوِّرٌ / وَاِملَء كوأُسَكَ قَد وَجَدتَ شَرابا
فَلِشَدوِ مِثلَكَ كُوِّنَت وَلِمِثلِها / خَلَقَ الإِلَهُ البُلبُلَ المِطرابا
لَيتَ الرِياضَ تُعيرُني أَلوانَها / لِأَصوغَ مِنها لِلرَئيسِ خِطابا
وَأَقولُ إِنّي عاجِزٌ عَن شُكرِهِ / عَجزَ الأَنامِلِ أَن تَلُم عُبابا
أَشكو إِلى نَفسي العَياءَ فَتَشتَكي / مِثلي وَتَصمُتُ لا تَحيرُ جَوابا
فَلَقَد رَأَيتُ البَحرَ حينَ رَأَيتُهُ / فَوَقَفتُ مُضطَرِبَ الرُأى هَيّابا
أَعَميدَ سُرِيّا وَكاشِفَ ضَرِّها / خَلَقَت يَداكَ مِنَ الشُيوخِ شَبابا
وَبَلابِلٌ كانَت تَإِنُّ سَجينَةً / أَطلَقَتها عَلى أَطَرتَها أَسرابا
يا صاحِبَ الخَلقِ المُصَفّى كَالنَدى / لَو لَم تَكُن بَشَراً لَكُنتَ سَحابا
أَمَلُ الشَبيبَةِ في يَدَيكَ وَديعَةٌ / فَاِرفَع لَها الأَخلاق وَالآدابا
فَالجَهلُ أَنّى كانَ فَهوَ عُقوبَةٌ / وَالعِلمُ أَنّى كانَ كانَ ثَوابا
يا وَيحَ نَفسي كَم تُطارِدُني النَوى / وَتَهُدُّ مِنّي القَلب وَالأَعصابا
وَدَّعتُ خَلفَ البَحرِ أَمسُ أَحِبَّةً / وَغَداً أُوَدِّعُ هاهُنا أَحبابا
مِن أَينَ جِئتَ وَكَيفَ عُجتَ بِبابي
مِن أَينَ جِئتَ وَكَيفَ عُجتَ بِبابي / يا مَوكِبَ الأَجيالِ وَالأَحقابِ
أَمِنَ القُبورِ فَكَيفَ مَن حَلّوا بِها / أَهُناكَ ذو أَلَمٍ وَذو تَطرابِ
وَلَهُم صَباباتٌ لَنا أَم غودِروا / في بَلقَعٍ ما فيهِ غَيرُ خَرابِ
أَمرَرتَ بِالأَعشابِ في تِلكَ الرُبى / وَذَكَرتَ أَنَّكَ كُنتَ في الأَعشابِ
حَولَ الصُخورِ النائِماتِ عَلى الثَرى / وَعَلى حَواشي الجَدوَلِ المُنسابِ
وَعَلى ما تَصعَدُ كَالسَحابَةِ في الفَضا / وَإِلى التُرابِ مَصيرُ كُلِّ سَحابِ
لَمّا طَلَعتَ عَلى الشُعاعِ مُوَزِّعاً / مُتَرَجرِجاً كَخَواطِرِ المُرتابِ
وَذَهَبتَ في عَرضِ الفَضاءِ كَخَيمَةٍ / رُفِعَت بِلا عُمُد وَلا أَطنابِ
قالَ الصَحابُ لِيَ اِستَتِر وَتَراكَضوا / لِلذُعرِ يَعتَصِمونَ بِالأَبوابِ
وَهَبِ اِتَّقَيتُكَ بِالحِجابِ فَإِنَّني / لا بُدَّ خالِعَه وَأَنتَ حِجابي
كَم سارِحٍ في غابَةٍ عِندَ الضُحى / جاءَ المَساءُ فَكانَ بَعضَ الغابِ
وَمُصفِقٍ لِلخَمرِ في أَكوابِهِ / طَرَبا وَطَيفُ المَوتِ في الأَكوابِ
أَنا لَو رَأَيتُ بِكَ القَذى مَحضَ القَذى / لَسَتَرتُ وَجهي عَنكَ مِثلُ صِحابي
لَكِن شَهِدتُ شَبيبَة وَكُهولَةً / وَمُنىن وَأَحلاماً بِغَيرِ حِسابِ
وَالشارِبينَ بِكُلِّ كَأس وَالأُلى / عاشوا عَلى ظَمَإٍ لِكُلِّ شَرابِ
وَالضارِبينَ بِكُلِّ سَيفٍ في الوَغى / وَالخانِعينَ لِكُلِّ ذي قِرضابِ
وَالصارِفينَ العُمرَ في سوقِ الهَوى / وَالصارِفينَ العُمرَ في المِحرابِ
وَالغيدَ بَينَ جَميلَة وَدَميمَةٍ / وَالعاشِقَينِ الصَب وَالمُتَصابي
وَالعَبدَ في أَغلالِه وَحِبالِهِ / وَالمُلكَ في الديباج وَالأَطيابِ
وَآبوا جَميعاً في طَريقٍ واحِدٍ / الخاسِرَ المَسبِيِّ مِثلَ السابي
فَضَحِكتُ مِن حِرصي عَلى مَلِكِ الصِبا / وَعَجِبتُ كَيفَ مَضى عَلَيهِ شَبابي
وَوَقَعتَ أَنتَ عَلى تُرابِ ضاحِكٍ / لَمّا وَقَعتَ عَلَيَّ في جِلبابي
وَكَذاكَ أَشواقُ التُرابِ مَآلَها / وَلَئِن تَقادَمَ عَهدُها لِتُرابِ
يا نَفسُ هَذا مَنزِلُ الأَحبابِ
يا نَفسُ هَذا مَنزِلُ الأَحبابِ / فَاِنسَي عَذابَكِ في النَوى وَعَذابي
وَتَهَلَّلي كَالفَجرِ في هَذا الحِمى / وَتَأَلَّقي كَالخَمرِ في الأَكوابِ
وَلتَمسَحِ البُشرى دُموعَكِ مِثلَما / يَمحو الصَباحُ نَدىً عَنِ الأَعشابِ
وَاِستَرجِعي عَهدَ البَشاشَةِ وَالرِضى / فَالدَهرُ عادَ تَضاحُكاً وَتَصابي
أَنا بَينَ أَصحابي الَّذينَ أُحِبُّهُم / ما أَجمَلَ الدُنيا مَعَ الأَصحابِ
قَد كُنتُ مِثلَ الطائِرِ المَحبوسِ في / قَفَصٍ وَمِثلَ النَجمِ خَلفَ ضَبابِ
يَمتَدُّ في جُنحِ الظَلامِ تَأَوُّهي / وَيَطولُ في أُذنِ الزَمانِ عِتابي
وَأَهُزُّ أَقلامي فَتَرشَحُ حِدَّةً / وَأَسى وَيَندى بِالدُموعِ كِتابي
حَتّى لَقيتَكُمُ فَبِتُّ كَأَنَّني / لِمَسَرَّتي اِستَرجَعتُ عَصرَ شَبابي
لَيسَ التَعَبُّدُ أَن تَبيتَ عَلى الطَوى / وَتَروحَ في خِرَقٍ مِنَ الأَثوابِ
لَكِنَّهُ إِنقاظُ نَفسِ مُعَذَّبٍ / مِن رِبقَةِ الآلامِ وَالأَوصابِ
لَيسَ التَعَبُّدُ عُزلَةً وَتَنَسُّكاً / في الدَيرِ أَو في القَفرِ أَو في الغابِ
لَكِنَّهُ ضَبطُ الهَوى في عالَمٍ / فيهِ الغِوايَةُ جَمَّةُ الأَسبابِ
وَحَبائِلُ الشَيطانِ في جَنَباتِهِ / وَالمالُ فيهِ أَعظَمُ الأَربابِ
هَذا هُوَ الرَأيُ الصَوابُ وَغَيرُهُ / مَهما حَلا لِلناسِ غَيرُ صَوابِ
حُرٌّ وَمَذهَبُ كُلِّ حُرٍّ مَذهَبي
حُرٌّ وَمَذهَبُ كُلِّ حُرٍّ مَذهَبي / ما كُنتُ بِالغاوي وَلا المُتَعَصِّبِ
إِنّي لَأَغضَبُ لِلكَريمِ يَنوشُهُ / مَن دونَهُ وَأَلومُ مَن لَم يَغضَبِ
وَأُحِبُّ كُلَّ مُهَذَّبٍ وَلَو اَنَّهُ / خَصمي وَأَرحَمُ كُلَّ غَيرِ مُهَذَّبِ
يَأبى فُؤادي أَن يَميلَ إِلى الأَذى / حُبُّ الأَذِيَّةِ مِن طِباعِ العَقرَبِ
لي أَن أَرُدَّ مَساءَةً بِمَساءَةٍ / لَو أَنَّني أَرضى بِبَرقٍ خُلَّبِ
حَسبُ المُسيءِ شُعورُهُ وَمَقالُهُ / في سِرِّهِ يا لَيتَني لَم أُذنِبِ
أَنا لا تَغُشُّنِيَ الطَيالِسُ وَالحُلى / كَم في الطَيالِسِ مِن سَقيمٍ أَجرَبِ
عَيناكَ مِن أَثوابِهِ في جَنَّةٍ / وَيَداكَ مِن أَخلاقِهِ في سَبسَبِ
وَإِذا بَصَرتَ بِهِ بَصَرتَ بِأَشمَطٍ / وَإِذا تُحَدِّثُهُ تَكَشَّفَ عَن صَبي
إِنّي إِذا نَزَلَ البَلاءُ بِصاحِبي / دافَعتُ عَنهُ بِناجِذي وَبِمِخلَبي
وَشَدَدتُ ساعِدَهُ الضَعيفُ بِساعِدي / وَسَتَرتُ مَنكِبَهُ العَرِيَّ بِمَنكِبي
وَأَرى مَساوِءَهُ كَأَنِّيَ لا أَر / وَأَرى مَحاسِنَهُ وَإِن لَم تُكتَبِ
وَأَلومُ نَفسي قَبلَهُ إِن أَخطَأَت / وَإِذا أَساءَ إِلَيَّ لَم أَتَعَتَّبِ
مُتَقَرِّبٌ مِن صاحِبي فَإِذا مَشَت / في عَطفِهِ الغَلواءُ لَم أَتَقَرَّبِ
أَنا مِن ضَميري ساكِنٌ في مَعقِلٍ / أَنا مِن خِلالي سائِرٌ في مَوكِبِ
فَإِذا رَآني ذو الغَباوَةِ دونَهُ / فَكَما تَرى في المَاءِ ظِلَّ الكَوكَبِ
سَفَرَت فَقُلتُ لَها أَهَذا كَوكَبٌ
سَفَرَت فَقُلتُ لَها أَهَذا كَوكَبٌ / قالَت أَجَل بل أَينَ مِنّي الكَوكَبُ
وَتَبَسَّمَت فَرَأَيتُ رِئماً ضاحِكاً / عَن لُؤلُؤٍ لَكِنَّهُ لا يوهَبُ
وَتَمايَلَت فَالسَمهَرِيُّ مُصَمِّمٌ / وَرَنَت فَأَبصَرتُ السِهامَ تُصَوَّبُ
أَنشَبتُ أَلحاظي بِوَردِ خُدودِها / لَمّا رَأَيتُ لِحاظَها بي تَنشُبُ
قَد كَلَّمَت قَلبي وَلَم تَرفُق بِهِ / وَاللَحظُ لَو دَرَتِ المَليحَةُ مَخلَبُ
بَيضاءُ ناصِعَةٌ كَأَنَّ جَبينَها / صُبحٌ وَطُرَّتَها عَلَيهِ غَيهَبُ
يا طالَما اِكتَسَبَ الحَريرُ مَلاحَةً / مِنها وَيُكسِبُ غَيرَها ما يَكسَبُ
وَلَطالَما بَعضُ النِساءِ حَسَدنَها / وَلَطالَما حَسَدَ السَليمَ الأَجرَبُ
بَينَ الطِلاءِ وَبَينَهُنَّ قَرابَةٌ / مَشهورَةٌ عَنها الجَميلَةُ تَنكُبُ
إِنَّ المَلاحَةَ عِندَها عَرَبِيَّةٌ / وَجَمالُ هاتيكَ الدُمى مُستَعرَبُ
قُل لِلغَواني إِنَّها خُلِقَت كَذا / الحُسنُ لا يُشرى وَلا يُستَجلَبُ
فَإِذا بَلَغتُنَّ الجَمالَ تَطَرِّياً / فَاِعلَمنَ أَنَّ بَقاءَهُ مُستَصعَبُ
هَيهاتِ ما يُغني المِلاحَ الحُسنُ إِن / كانَت خَلائِقُهُنَّ لا تُستَعذَبُ
إِنّي بَلَوتُ الغانِياتِ فَلَم أَجِد / فيهِنَّ قَطُّ مَليحَةً لا تَكذِبُ
وَصَحِبتُهُنَّ فَما اِستَفَدتُ سِوى الأَسى / ما يُستَفادُ مِنَ الغَواني يُتعِبُ
وَخَبَرتُهُنَّ فَما لِبِكرٍ حُرمَةٌ / تَرعى وَأَغدَرُ مَن رَأَيتُ الثَيِّبُ
لا يَخدَعَنَّكَ ضَعفُهُنَّ فَإِنَّما / بِالضَعفِ أَهلَكَتِ الهَزيرَ الأَرنَبُ