المجموع : 6
سَيفي عشقتُ كما عشقتُ الحاجبا
سَيفي عشقتُ كما عشقتُ الحاجبا / وخَبرتُ من هذا وذاكَ مضاربا
فعلمتُ أن السيفَ أهونُ وقعُهُ / من حاجبٍ غلبَ الشجاعَ الغالبا
فإذا فتحتُ القلبَ أُبصرُ حاجباً / وإذا فتحتُ الثوبَ أُبصرُ قاضبا
وأخو المروءَةِ والشهامةِ هكذا / يَقضي الحياةَ مُغازلاً ومُحاربا
طوراً يذودُ عن الديارِ وتارةً / بحسامهِ يَحمي الفتاةَ الكاعبا
المجدُ عندَ الأكرمينَ أخو الهوى / من لم يحبَّ قضى حَزيناً خائبا
واحسرتاه على فؤادٍ لم يكن / يوماً ليعرفَ وعدَ حبٍّ كاذبا
عبثَ الشقاءُ به وهل من راحةٍ / لِفتى تراهُ للفضائلِ صاحبا
نفسي تذوبُ على فتاةٍ ثغرُها / بردٌ أراه كلَّ يومٍ ذائبا
بسماتُهُ لقلوبنا كغمامةٍ / لزروعِنا المتموِّجاتِ كتائبا
وكما بزهرِ الرَّوضِ تلعبُ نفحةٌ / ما انفكَّ مبسمُها بقلبي لاعبا
ولقد لهَوتُ بعقدها فكأنني / نلتُ الثريَّا والشهابَ الثاقبا
وَشَممتُ زنبقَ نحرها في خدرِها / فغدوتُ عن زهرِ الحديقةِ راغبا
ذيالِكَ النحرُ الذي قبَّلتُهُ / كنزُ السعادةِ لي وكنتُ الناهبا
لما مَدَدتُ يدي إليه كسارقٍ / زَحزَحتُ عن صبحِ اليقينِ غياهبا
وأعَدتُها وأعَدتُ أنفاسي إِلى / صَدري لأوقِفَ فيهِ قلبي الهاربا
لمّا وَرَدتُ الماءَ صارَ لهيبا
لمّا وَرَدتُ الماءَ صارَ لهيبا / وبحُبِّها أستَعذِبُ التّعذيبا
لم أنسَ ليلاً فيه حلَّت شَعرَها / فشَمَمتُهُ زهراً تضوَّعَ طِيبا
وفمي بفيها لاصقٌ وأضالعي / كادت تشقُّ ضلوعَها تقريبا
فرنت إليَّ وأغمَضت أجفانها / ففَتَحتُ قلبي للنّعيمِ رَحيبا
وهَوايَ أنساني البريَّةَ كلَّها / وجَوايَ ذوَّبَ مُهجتي تذويبا
وكأن أنفاسَ الخميلةِ حَولنا / سارت تُرَجِّعُ زَفرةً ونحيبا
أكذا نموتُ لكي نفوزَ بقبلةٍ / كانت على ظمأ الغرامِ لهيبا
الغانياتُ ضَحِكنَ من شُهَدائنا / وأرَينهُم يومَ الوصالِ عَصيبا
وزَعمنَ هزءاً أنهنَّ رَحَمنَهُم / ولهم جَعَلنَ من الخصورِ نصيبا
ذاك النصيبُ هو النحولُ وهكذا / نُعطي خَصيباً آخذين جَديبا
فورحمةِ العشّاقِ لستُ براجعٍ / حتى أرى عِنبَ الخدودِ زَبيبا
جُودي بوَصلٍ فالهوى غلّابُ
جُودي بوَصلٍ فالهوى غلّابُ / حتَّامَ قلبُك خافقٌ هيّابُ
الوقتُ يذهبُ يا مليحةُ مُسرِعاً / الوَقتُ لا بل عمرُنا الذهّاب
ما كان أجمَلَ روضةً أزهارُها / في وَجنَتيكِ وفي الفمِ الأطياب
فيها تناثرَ مثلَ عقدِكِ دَمعُنا / فتناثرَ النسرينُ والعنّاب
ما نلتُ إلا نظرةً أو بسمةً / قد يدَّعيها العاشقُ الكذاب
ما كان أجملَ سبحةً من صاحبِ
ما كان أجملَ سبحةً من صاحبِ / أبداً تُذكِّرُني مودَّةَ غائبِ
قد عطَّرتها راحتاهُ فعبَّقت / في راحتيَّ شذا بخورٍ ذائب
فإذا لهوتُ بها طربتُ وأشبَهت / أوتارَ عودٍ تحتَ أنملِ ضارب
حبّاتُها تُربي على مائة وفي / تطويلها طولٌ لعمرِ الواهب
فبها أعدُّ صبيحةً وعشيةً / حسناتِهِ فأفيهِ بعضَ الواجب
هي سبحةٌ سوداءُ يسرٌ حبّها / فاليسرُ مأمولٌ بفألِ اللاعب
شيبت بمرجانٍ ورُصِّعَ بَعضُها / نثرَ اللجينِ أشعّةً من ثاقب
فرأيتُ منها ليلةً قد أشرقت / بضياءِ شمعٍ أو بنورِ كواكب
حسَّنتُ نظمي من محاسنِ نظمِها / فاهتَجتُ لذَّةَ سامعٍ أو راقب
للقلبِ إن طالَ البعادُ تقرُّبُ
للقلبِ إن طالَ البعادُ تقرُّبُ / ولهُ إذا حالَ الودادُ تجنُّبُ
شبَّهتُ في سَفري قلوبَ أحبَّتي / والموجُ حَولي مُزبداً يتقلَّب
بِذُرَى جبالٍ في الصَّبيحةِ تنجلي / ومن السَّواحلِ سارَ يَدنو المركب
أمّا الحياةُ كما عَلِمتَ فصعبةٌ / والسَّعدُ من نيلِ الثُّريَّا أصعَب
سببُ الشَّقاوةِ حرصُنا وطموحُنا / إنَّ الشقاءَ مع الرجاءِ لطِّيب
لكن إذا طالَ الزمانُ ولم نجد / فرَجاً يُخَفِّفُ ما به نتَعذَّب
ورَأيتَ دمعكَ في قنوطِكَ جامداً / والماءَ من رَوضِ الشبيبةِ ينضب
وسمعتَ نعقةَ بومةٍ تحتَ الدُّجى / وشهدتَ نصلاً بالدماءِ يُخَضِّب
ودِّع هَواكَ ودَع مُناكَ مُسائلاً / أكذا النفوسُ بلا عزاءٍ تذهَبُ
قُل لي أقرَّحتَ الجفونَ تسهُّداً / وضرَبتَ قلباً في الهوى يتلَّهب
فسمعت فيه هاتفاً لك قائلاً / إن المنايا من مناك لأقرب
قُل لي أسامَرتَ الكواكبَ هاجساً / ودَعوتَ أشباحاً تئنُّ وتهرب
فرأيتها صفراً وحمراً تارةً / تبدو وطوراً بالسَّحائبِ تُحجَب
قُل لي أسرتَ عن الجمالِ مفتِّشاً / فرأيتَ في سوقٍ بغيّاً ترقُب
فدَنوتَ مفتوناً بحُسنِ خِضابها / وهَرَبتَ من أفعى تفحُّ وتلسب
قُل لي أسرتَ مع الرِّفاقِ لنزهةٍ / وغدوتَ تلهو في الرياض وتلعب
وشربت كأس الخمر مترعةً وقد / غنَّتكَ غانيةٌ فؤادَك تخلب
فغدوتَ نشوان المدامةِ والهوى / في الظلِّ من كاسٍ وعينٍ تشرَب
غرقان في لذَّات بابلَ ضاحكاً / مُتمايلاً لرنينِ عودٍ تطرَب
حتى إذا نفَث الشَّرابُ بُخارَهُ / أصبَحتَ تبكي كالصَّغيرِ وتنحب
وكأنَّ كفّاً في الظَّلامِ خَفيّةً / جاءت على جُدرانِ قلبكَ تكتُب
فدَعِ الأمانيَّ الكواذبَ وافتَكر / فلعلَّ صدرَك بالتفكُّر يرحب
وارغَب عن الدنيا الغرورِ وأهلِها / إن كان قلبُكَ بالفضيلةِ يَرغَب
واعبُس إذا أبصرت ثغراً باسماً / إنَّ الملاحةَ كالسَّعادَةِ تكذب
سَل عَن تبابعةٍ عظامٍ مأرِبا
سَل عَن تبابعةٍ عظامٍ مأرِبا / فهنالكَ السدُّ المحدِّثُ عن سَبا
مدنيةُ اليمنِ العجيبةُ أنتَجَت / مدنيةً في مصرَ كانت أعجبا
غمدانُ بينَ قصورهِ وحصونهِ / من أنجُمِ الإكليلِ يُطلِعُ كوكبا
وبقبَّةٍ نجرانُ تَعرفُ قسَّها / حيثُ ارتَدت صنعاءُ ثوباً مُذهَبا
إن الذي بعثَ النبيَّ محمداً / بعروبةِ القرآنِ شرَّفَ يعربا
آياتُه قد نُزِّلت عربيةً / فالله بالقرآنُ ينطقُ مُعربا
كلُّ اللغاتِ تذلُّ للُّغةِ التي / عزَّت وقد كانت أحبَّ وأعذَبا