المجموع : 5
سَقياً لمَثناةِ الحجاز وطيبها
سَقياً لمَثناةِ الحجاز وطيبها / ولسوحِ رَوضَتِها وَسفح كثيبها
وَظِلالِ دوحٍ في شَريعتها الَّتي / تَنسابُ بين مَسيلها ومَسيبِها
وَرياضِ بَحرتها الَّتي فاقَت عَلى / كلِّ الرِياض بحسنِها وَبطيبها
يَنفي الوَبا عن مائِها وهوائِها / وَترابِها ما صَحَّ من تَركيبها
لِلَّه عقوتُها الَّتي نالَت بِها / نَفسي من اللَذّات كُلَّ نصيبها
كَم بِتُّ فيها ساحباً ذيلَ الصِبا / أَختالُ بين رَبابِها ورَبيبها
وَيكفُّني حلمُ الحِجا حتّى إِذا / دَبَّت حُميّا الكأسِ بعض دَبيبها
مزَّقتُ جلبابَ الوَقار بصبوَةٍ / ما زالَ دَهري مُعجَباً بعجيبها
واهاً لَها مِن لَيلَةٍ لم يأَلُ لَو / نُ سُلافها الذَهبيّ في تذهيبِها
كَم شنَّفت كأَساً بدُرِّ حَبابها / بل كم شفت نفساً بِقُرب حبيبها
يا ساقيَ الراح الشهيَّة هاتِها / وأَرح براحَتها فؤادَ كئيبها
قرِّب كؤوسَك لا نأَيتَ فَلا غِنىً / إِن رمتَ بُعدَ الهَمِّ من تقريبها
أَدِم اِصطِباحاً واغتِباقاً شربَها / فالأُنسُ مَوقوفٌ على شَرِّيبها
صِفها بأَحسنِ وصفِها ونُعوتها / واِختَر لها الأَلقابَ في تَلقيبها
حَمراءُ تسطعُ في الكؤوس كأَنَّها / ياقوتَةٌ ذابَت بكفِّ مُذيبها
صَرفت همومَ الشاربين بِصِرفها / واِفترَّ ثَغرُ الكأس من تَقطيبها
لو لَم يكن في الرَوض مغرسُ كرمها / ما رجَّعت ورقاءُ في تَطريبها
دعتِ العقولَ إِلى الذُهول فَلَم يفز / بجوامعِ اللذّات غَيرُ مُجيبها
وَمليحةٍ قد أَشبَهت شَمسَ الضُحى / في الحُسنِ عندَ طلوعها ومَغيبها
تَبدو فتختطِفُ العيونَ مضيئةً / بِشروقها وَتَغيبُ في غِربيبها
شبَّت فَشَبَّت في الحشا نارُ الأَسى / فقصرتُ أَشعاري على تشبيبها
ناسبتُها وَنَسَبتُ في شِعري بها / فاِعجب لحُسن نَسيبها لنَسيبها
ومنَ العجائب أَنَّ جمرةَ خدِّها / تَذكو فيشكو القَلبُ حرَّ لهيبها
ما زالَ منذُ فقدتها وَصَبي بها / يَقضي بصبِّ مدامعي وصَبيبها
ما ساغَ موردُ وَصلها لي ساعةً / الّا أَغصَّتني بعين رَقيبِها
باللَّه ربِّكم اِسمَعوا أَشرَح لكمِ / في الحُبِّ أَحوالي على تَرتيبها
أَبصَرتُها فعشقتُها فطلبتُها / فمُنِعتُها فَقَضيتُ من كلفي بها
يا عاذِلي ما رمتَ راحةَ مُهجتي / مِن وجدها بل زدتَ في تعذيبها
لا تكثرن نُصحي فتلكَ نصائحٌ / يَكفيكَ صدقُ هوايَ في تكذيبها
ما هُنَّ غَيرُ وساوسٍ تهذي بها / عندي وإن بالغتَ في تَهذيبها
هَيهات يَسلو بالمَلامة مغرَمٌ / يَزدادُ فَرطُ هواهُ من تأنيبها
وَيَرى السلوَّ مصيبةً من بعدما / رشقته نبلُ لحاظِها بمصيبها
ما زِلتُ أَنتخبُ القَريضَ لوصفها / وَلمدح مُنتخَب العُلى ونجيبها
مُولي المَعارِف والعوارفِ والنَدى / وَعريفِ ساداتِ الهُدى وَنَقيبها
إِن عُدَّت الأَنسابُ فهو نسيبُها / وَحسيبُها المَشهور واِبنُ حسيبها
حازَ الفخارَ بِنسبةٍ نبويَّةٍ / هي في غنىً عن بُردها وقضيبها
وَروى مُعنعنَ مجده بروايةٍ / جَلَّت عن ابن قَرينها وقَريبها
ندبٌ إِذا اِفتُرِعَت منابرُ مِدحةٍ / كانَت مناقبه لسانَ خَطيبها
وَإِذا المَجالسُ بالصدور تَزاحمَت / فَحسينُها الحسنيُّ صَدرُ رَحيبها
هو كَعبةُ الفَضلِ الَّتي يَهوي لَها / من أُمَّة الفُضلاءِ قَلبُ مُنيبها
ذَلَّت وأَذعَنتِ الأباةُ لمجدِهِ / إِذعانَ هائبها لبأس مهيبها
يا أَيُّها الشَهمُ الَّذي سَبقَ الوَرى / بِبَعيدِ غاياتِ العُلى وَقَريبها
جُزتَ السَماءَ بمُرتَقىً قد قصَّرت / عن أَن تَنالَ عُلاه كفُّ خَضيبها
وَحويتَ إِبّانَ الشَباب مَفاخراً / لم يحوِها شيبٌ أَوانَ مَشيبها
لِلَّه دَرُّكَ من جَواد ماجِدٍ / ضحِكت به الآمالُ بعد نَحيبها
وإِليكها غَرّاءَ تستلبُ النُهى / بأَوانسِ الأَلفاظِ دونَ غَريبها
وافتكَ تشرحُ شوقَ نَفسي عندما / حنَّت إلى لُقياكَ حَنَّة نيبِها
قايس بها الأَشعارَ في حُسنٍ تجد / شعرَ المحبِّ يَفوقُ شِعرَ حَبيبِها
واِسلم ودُم في نعمةٍ طولَ المدى / تَختالُ من أَبرادِها بقَشيبها
ما رنَّحت ريحُ الصبا زهرَ الرُبى / أَو غرَّدت وَرقاءُ فوقَ قضيبها
أَرأَيتَ بين المأزِمين كواعبا
أَرأَيتَ بين المأزِمين كواعبا / أَسفرنَ أَقماراً ولُحنَ كواكِبا
رنَّحنَ من أَعطافِهنَّ ذوابلاً / وَنَضَونَ من أَجفانهنَّ قواضِبا
وَغَدونَ يَمنحنَ العيونَ مواهِباً / حُسناً ويَسبينَ القُلوبَ نواهِبا
ما رحنَ في كِلَل الجَلال غوارِباً / حتّى أرينَ من الجَمال غَرائِبا
من كُلِّ واضحةِ الجَبين كأَنَّها / قَمَرٌ يُنيرُ مِن الفُروع غياهبا
تَختالُ من مَرح الشَبيبةِ والصِبا / فَتُعيدُ فَودَ أَخي الشَبيبةِ شائِبا
فاقَت عَلى أَترابِها لَمّا جَلَت / تَحتَ العُقود مَع النُهودِ ترائبا
لا تَعجَبوا لتهتُّكي فيها وقد / أَبدَت من الحُسن البَديع عَجائبا
تَرنو لواحظُها فَيفري طرفُها / عَن حَدِّه المسنونِ قَلبي الواجِبا
فحَذارِ من تِلكَ اللِحاظِ فإنَّها / أَمضى من البيض الرِقاق مَضاربا
ما زالَ دَمعُ العين منّي صائِبا / وَجداً وَسَهمُ العينِ منها صائبا
وَصَبا بِها قَلبي فَراقَ لَهُ الهوى / عَذباً وَلَم يَرَه عَذاباً واصِبا
وتزيدُني ظمأً مَواردُ حُبِّها / وَلَقَد وردتُ من الغَرام مَشارِبا
لَم أَصحُ قطُّ وَكَيفَ يَصحو في الهَوى / مَن راحَ مِن راحِ المحبَّة شارِبا
لَم تَرضَ لي أَنّي أَهيمُ بحُسنِها / حتّى هَجَرتُ أَحبَّةً وَحَبائِبا
أَدنو فيُقصيني جَفاها راهِباً / منها وتُدنيني الصَبابَةُ راغِبا
يا صاحبي إِن كنتَ غيرَ مُلائمي / فَدَع المَلامَة لي عِدمتُكَ صاحِبا
لي مَذهَبٌ فيما أَراهُ وقد أَرى / لِلناسِ فيما يَعشَقون مذاهِبا
قسماً بصدقِ هوايَ وهو أَليَّةٌ / يُلفى لدَيها كُلُّ واشٍ كاذِبا
لَو أَنَّني أَفنَيتُ فيها مُهجَتي / وَقَضَيتُ نَحبي ما قَضيتُ الواجِبا
قَد حالَ ما بيني وَبَينَ مآربي
قَد حالَ ما بيني وَبَينَ مآربي / سُخطي تحمُّلَ منَّةٍ من واهِبِ
لَو كُنتُ أَرضى بالخضوع لمطلبٍ / ما اِستصعَبت يَوماً عليَّ مطالبي
خيَّرتُ نَفسي بَينَ عزِّ المكتفي / بِأَقلِّ ما يَكفي وَذُلِّ الراغبِ
فتخيَّرت عزَّ القَنوع وأَنشدَت / دَعني فَلَيسَ الذلُّ ضَربةَ لازِبِ
لا فَرقَ ما بَينَ المَنيَّة والمُنى / إِن نالَ من عِرضي لِسانُ الثالبِ
إنّي لأَسغبُ والمَطاعِمُ جمَّةٌ / حذراً وخوفاً من مقالةِ عائِبِ
أَصدى ولا أَرِدُ الزُلالَ المُشتَهى / ما لَم ترُق مِمّا يَشينُ مَشاربي
وَعلى اِحتمالي للفَوادِح أَنَّني / ليروعُني هَجرُ الحَبيب العاتبِ
وَيشوقُني ذِكرُ الصَبابة والصِبا / وَيَروقُني حُسنُ الرداح الكاعِبِ
لا تَملكُ الأَعداءُ فضلَ مقادَتي / وَيقودُني ما شاءَ ودُّ الصاحِبِ
إِنّي لأَعذُبُ في مذاقِ أَحبَّتي / وَعدايَ منّي في عَذابٍ واصبِ
وَمَتى يَظُنُّ بي الصَديقُ تملُّقاً / لَم يَلقَني إلّا بظنٍّ كاذِبِ
وإذا رأى منّي الحضورَ لرغبةٍ / أَولَيتُهُ ودَّ الصديق الغائبِ
سيّان عندي مَن أَحَبَّ ومَن قَلى / إِن غضَّ طَرفاً عَن رِعاية جانبي
جرَّبتُ أَبناءَ الزَمان فَلَم أَجِد / من لم تُفدني الزُهدَ فيه تَجاربي
يا أَيُّها المولى الَّذي
يا أَيُّها المولى الَّذي / أَضحى بِمَجدٍ مُستَطابِ
ما كان ردّي للكتاب / وحقِّ فضلكَ وَالكتابِ
إلّا لعلمكَ أنَّه / قِشرٌ وسُمّيَ باللُبابِ
فاِصفَح بفضلك عَن فَتىً / قَد ضَلَّ في لَيلِ الشَبابِ
وَالشيخُ أولى من عَفا / عن ذَنبِ غِرٍّ في التَصابي
أَفديه من رَشأ تَبدّى واِختَفى
أَفديه من رَشأ تَبدّى واِختَفى / كالبَدرِ عند طُلوعه ومغيبهِ
يَجفو وَيهجرُ مُعرضاً متدلِّلاً / وَيصدُّ معتذراً بخوفِ رقيبهِ
نَفسي الفِداءُ له فقد حَسُن الهوى / فيه وطابَ بحسنه وبطيبهِ
ما شاءَ فَليصنَع فَقَلبيَ طوعُهُ / ودَع العذولَ يلجُّ في تأَنيبهِ