المجموع : 7
كلَّفتُ حَمْلَ تحيتي ريحَ الصَّبا
كلَّفتُ حَمْلَ تحيتي ريحَ الصَّبا / فكأنني حمَّلتُها بعضَ الرُبى
لا تَحمِلُ الريحُ الجبالَ ولَيتَني / كلفتُها حَمْلي فإنّي كالهَبا
بَعُدَ المزارُ فلا مزارَ وطالما / جَدَّ البِعادُ إذا رَجَوتُ تَقَرُّبا
دُونَ الأحبَّةِ بحرُ ماءٍ دُونَهُ / للدمعِ بحرُ دمٍ أبَى أنْ يُركبا
ولَقد مرَرتُ على الدِّيارِ فهاجَني / نَظَرٌ أطَلْتُ لهُ الوُقوفَ تَعَجُّبا
خاطَبتُها أرجو الجوابَ فإنها / قد مازَجَتْ مُهَجَ الرِجالِ تصَبُّبا
ما بالُ هذا الدَّهرِ دامَ على النَوى / وعلى الوِصالِ عَهِدتُهُ مُتَقلِّبا
هَيْهاتِ ما للِدهرِ عَهدٌ صادقٌ / فَتراهُ يُخلِفُ كاذباً ومُكَذّبا
غَلَبَ البلاءُ الصبرَ في غَزَواتهِ / وقدِ استَجاشَ من الصَبابةِ مَوْكبا
والصبرُ من هِممِ القلوبِ ولم يَدَعْ / خَطْبُ النَّوى للصبرِ قلباً طَيِّبا
قد أجمَدتْ نُوَبُ الزمانِ قريحتي / كَمَداً وأنْستْني الكَلامَ المُعرَبا
فنَسيتُ إنشاءَ الرسائل كاتباً / ونَسيتُ أني كاتبٌ مُنذُ الصِّبا
يا أيها الشُهُبُ التي قد أغرَبتْ / عنا تُرَى هل تَلزَمينَ المغرِبا
سيَّارةٌ لا تَثبُتينَ فما لنا / مُذ غِبْتِ لم نرَ منك يوماً كوكبا
لا بُدَّ من يومٍ يَجِدُّ لهُ بنا / رأيٌ ولو لَعِبتْ بنا أيدي سَبَا
هيهاتِ لم يَمُتِ الزَمانُ وإنما / قد نامَ ثمَّ يَهُبُّ معقودَ الحُبَى
سَلْ مَطلِعَ القَمَرينِ من كَبِدِ السَّما
سَلْ مَطلِعَ القَمَرينِ من كَبِدِ السَّما / عن مَطلِعِ القمرينِ من كَبدِ الحِمَى
وانْظُرْ تَرَى شمساً تُسَمَّى حيدَراً / تُدلي إلى بدرٍ يُسَمَّى مُلحِما
رَبعٌ كَستْه كلُّ غاديةٍ كما / تُكْسَى الوُفودُ بهِ طِرازاً مُعلَما
فيَكادُ يخطِرُ لو أصابَ لهُ يداً / ويكادُ ينطِقُ لو أصابَ لهُ فما
قل للأميرَينِ اللذينِ تَرَى بهِ / مِن قابِ قَوسَينِ السَّلامُ عليكما
هَيَّجْتُما شَجَنَ القريضِ فطابَ لي / وأطَلْتُما أمَدَ الثَّناءِ فأفحَما
في الناسِ من يَقِفُ القريضُ ببابِهِ / خَجِلاً ومن يَلقَى القريضَ مُسلِّما
والشِّعرُ كم بيتٍ يُساوي بَدْرةً / منهُ وبيتٍ لا يُساوي دِرهَما
قد كُنتُ أرجُو ما أرى من طَلْعةٍ / غَرَّاءَ كانَ رَجاؤها يُرْوي الظَما
حتى ظَفِرتُ بحَضرةٍ هيَ كَعْبةٌ / للوَفدِ في شَهرٍ أراهُ مُحَرَّما
نادٍ تَرَى الشَيخَ الرئيسَ بصَدرِهِ / وتَرى بجانبِهِ الإمامَ الأعظَما
هُوَ مجمعُ البحرينِ في عِلمٍ وفي / كَرَمٍ ولا حَرَجٌ فحَدّثْ عنهما
تَركَتْ لهُ هِمَمُ العُلَى مُتأخِّراً / في المجدِ ما فَرَضَتْ لهُ مُتقدِّما
شَرَفٌ تُلاقيهِ النُّجومُ ضئيلةً / تَرنُو إليهِ كما نُلاقي الأنجُما
ما زال يغنَمُ بالأسِنَّةِ رَهطُهُ / حتَّى غدت لهُمُ الأسِنّةُ مغنَما
إنّ المعاليَ في الزَّمانِ عرائسٌ / لا تَنجلي حتى تُخَضَّبَ بالدِّما
المَرْءُ في الدُنيا خَيالٌ قد سَرَى
المَرْءُ في الدُنيا خَيالٌ قد سَرَى / والعَيشُ مِثلُ الحُلم في سِنَةِ الكَرَى
والناسُ رَكْبٌ قد أناخَ بمَنزِلٍ / فبَنى على الطُّرُقِ المدائنَ والقُرَى
لا مَرحَباً إنْ جاءَتِ الدُّنيا ولا / أسَفاً إذا وَلَّتْ وما الدُّنيا تُرَى
هيَ كالسَّرابِ يَزيدُ مُهجةَ وارِدٍ / ظَمأً ويَملأُ مُقلتَيهِ مَنظَرا
غَرَّارةٌ يسبي الحكيمَ خِدَاعُها / مكراً ويُطغِي الفَيلَسُوفَ الأكبرا
لاحت لنا نارُ الحُباحِبِ في الدُّجَى / منها فخلنا أنَّها نارُ القِرَى
عِشْنا كأنَّا لم نَعِشْ ونموتُ عن / كَثَبٍ كأنّا لم نَكُنْ بينَ الوَرَى
ذَهَبَ الزَّمانُ ومَنْ طَواهُ مُقدَّماً / وكذاكَ يَذَهبُ مَن يَليهِ مُؤَخراً
نبكي ونَضحَكُ للمَنّيةِ والمُنَى / وكِلاهما عَبَثٌ يَدُورُ مُكرّرا
بِتْنا نُنادي حَيدَراً ويَحي وما / يُجدِي إذا بِتْنا نُنادِي حَيدَرا
هذا الأميرُ قَضَى فسالَتْ أكبُدٌ / ومَدامعٌ وجَرَى القَضاءُ بما جَرَى
لم تَحْمِهِ البِيضُ الصَوارِمُ والقَنا / والشُوسُ والجُرْدُ السَلاهِبُ والذُرَى
هذا الذي كنَّا نَعيِشُ بظِلِّهِ / قد صار تحتَ ظِلالِ رَمسٍ أقفَرا
هذا الذي ضبَطَ البِلادَ بكَفِّهِ / قد باتَ مغلولَ اليَدينِ مُعفَّرا
يا طالما أغنَى الفقيرَ بجُودِهِ / واليومَ صار أضَرَّ منهُ وأفقَرا
أمسَى وحيداً في جوانبِ حُفْرةٍ / مَن كان يَجمَعُ في حِماهُ عَسكَرا
مِنَّا السَّلامُ بكل تَكْرِمةٍ على / مَن لم يَمُدَّ إلى وَداعٍ خِنصِرا
قامت تُشيِّعُهُ الرِجالُ مُشخَّصاً / ومَضَتْ تُشيِّعُهُ القُلوبُ مُصوَّرا
أولى العِبادِ برَحمةٍ من لم يَكُنْ / عَرَفَ المَظَالِمَ في العِبادِ ولا دَرَى
وأحَقُّ بالإحسانِ مَن لم يُهمِل ال / مَعروفَ قَطُّ ولم يُباشِرْ مُنكرَا
بَكَتِ الأراملُ واليَتامَى حَسْرةً / لمَّا رأتْ قلبَ السَماحِ تَحسَّرا
وتَنهَّدَ المجدُ الذي ربَّاهُ من / صِغَرٍ فكانَ لهُ أباً ومُدبِّرا
سَلَبَ الزَّمانُ منَ الأفاضلِ دُرَّةً / لو كَلَّفوهُ بمِثلِها لَتَعذَّرا
ولرُبما نَفِدَ الزَّمانُ وذِكرُهُ / نُملي بهِ جُمَلاً ونَكتُبُ أسطُرا
قد كانَ عَوْفاً في الوَفاءِ ولم يَزَلْ / في الحِلمِ مَعْناً والسَماحةِ جَعْفَرا
وإذا تَفقدَّتَ المَحامِدَ كلَّها / ألفَيتَ كُلَّ الصَيدِ في جَوفِ الفَرا
كلٌّ يُبالغُ في المديحِ بِشعرِهِ / ويَظَلُّ مادِحُهُ الأمينُ مُقَصِّرا
ومَتَى طَلَبْنا رِيبةً في نفسِهِ / كانَتْ لنا عَنقاءُ مَغرِبَ أيسَرا
ذاكَ الذي لم يَتَّخِذْ لكُنوزِهِ / عَرَضاً من الدُّنيا فصادَفَ جَوْهَرا
حَقٌّ على الخُطَباءِ ذِكرُ صِفاتِهِ / مَثَلاً شَرُوداً حينَ تَعلُو المِنْبرا
بَحرٌ حَواهُ النَّعشُ فوقَ مناكبٍ / تَسعَى ولم نَعهَدْ كذاكَ الأبحُرا
وفَريدةٌ في الرَّمس قد دُفِنَتْ وكم / من معدنٍ تحتَ التُّراب تَستَّرا
وَيلاهُ مِن هذي الحياةِ فإنَّها / كالظِلِّ تحتَ الشَمسِ يَمشِي القَهْقَرى
إنَّ الحياةَ هيَ الشبابُ وإن تَزِدْ / نَقَصتْ كلفظٍ بالزيادةِ صُغِّرِا
نرجو من الدُّنيا الدَّوامَ ونَفسُها / كحُطامِها ممَّا يُباعُ ويُشترَى
دُوَلٌ وأجيالٌ تَمُرُّ وتَنقَضي / فيها وتَبقَى الكائِناتُ كما تَرَى
فسَقَتْ غَوَادِي الفَضلِ تُربةَ فاضِلٍ / ممَّن يُؤَرَّخُ كان غُوثاً للوَرَى
كُنَّا نُؤَرّخُ فضلَ مِنْحةِ كَفِّهِ / صِرنا نؤَرّخُ رمسهُ تحتَ الثَّرى
لا تجزَعي يا نفسِ من حُكم الرَّدَى
لا تجزَعي يا نفسِ من حُكم الرَّدَى / إن كانَ ما لا بُدَّ منهُ ولا فِدَى
لا خيرَ في هذي الحياةِ فإنّها / تَزدادُ سُوءاً كُلَّما طالَ المَدَى
سُحقاً لها من سَكرةٍ لا تَنجلِي / إلاّ وحادي البينِ فينا قد حَدا
حُلمٌ يُسَرُّ بهِ الفَتَى في نَومِهِ / جهلاً ويَضحكُ حينَ يَذكرُهُ غدا
هيهاتِ ليسَ مُهَّذبٌ بينَ الوَرَى / زاغ الحكيمُ ومَنْ بِحكمتهِ اقتَدَى
لا يَصرفُ الإنسانُ قيمةَ دِرهَمٍ / عَبَثاً ويَصرِفُ عُمرَهُ الغالي سُدَى
نَسعَى لنمتلِكَ الحُطامَ لغيرنا / من قومِنا ولَقد يكونُ منَ العِدَى
ومنَ العجائِب أن يقومَ خطيبُنا / يَهدِي العِبادَ بحيثُ ضَلَّ فما اهتَدَى
قد شابتِ الدُنيا وشابَ زَمانُها / مَعها وظَلَّ الموتُ فيها أمرَدا
سَيفٌ على طولِ المَدَى يَفرِي ولا / يَنبو ولا يَشكو الفُلولَ ولا الصَدا
والعيشُ بعدَ الموتِ في دارِ البَقا / لا قبلَهُ فالموتُ يُحسبُ مَولِدا
والموتُ يختار النَّفيسَ لنفسِهِ / مِنَّا كما نختارُ نحنُ فما اعتَدَى
قد نالَ مِنَّا دُرَّةً مكنونةً / كانت لبَهجتِها الدَراري حُسَّدا
كَنْزٌ ذَخرناهُ لنا فاغتالَهُ / لِصُّ المنيةِ خاطفاً مُتَمرِّدا
هذا شَقيقُ الرُّوح فَارَقَ في الحَشَا / بيتاً له قد صارَ شطراً مُفْردا
ليلي لوَحشتهِ طويلٌ أسودٌ / ولَوِ استَطَعتُ جعلتُ صحبي أسوَدا
أسفي على النَقَّاشِ نُخبةِ عصرِهِ / في كلِّ فنٍّ مُطلقاً ومُقيَّدا
أسفي على غُصنِ النَقا أسفي على / بدرِ الدُّجى أسَفي على بحرِ النَّدَى
نُوحي عليهِ يا حَماماتِ اللِوَى / مَعنَا وسَكِّتْنَ الهَزارَ إذا شَدا
وابكي عليه يا غماماتِ الضُّحَى / عنَّا فإنَّ الدَّمعَ منَّا اُستُنفِدا
نوحي عليه أيُّها الدَّارُ التِّي / كانتْ ببهَجتهِ تنادي مَعْبَدا
نُوحي عليهِ أيُّها الكُتُبُ التِّي / كانت أعزَّ جليسهِ حيثُ انتَدَى
تَسقِي ببيروتَ المدامعُ دارَهُ / وثَراهُ في تَرْسيسَ يَسقيهِ النَّدَى
خافت عليهِ أن يُبارحَ وَجْهها / فَتبطَّنتْهُ بقلبها مُتَوطِّدا
يا أيُّها الذَّهَبُ المُصفَّى جوهراً / مالي رأيتُكَ في الثَّرى مُتَرَمِّدا
ياأيها الحجرُ الكريمُ المُصطفى / مالي رأيتك صرت عظْماً أجردا
يا أيُّها السَّيفُ الصَّقيلُ المُنتضَى / مالي رأيتُكَ في تُرابٍ مُغمَدا
أرثيكَ ثُمَّ أراكَ تطلُبُ فوقَ ما / أرثي فأغتَرِمُ الرِّثاءَ مُجدَّدا
منا السَّلامُ عليكَ لكنْ يا تُرَى / هل مَن يُبلِّغُكَ السَّلامَ مُرَدَّدا
هل تسمَعُ الدَّاعي إليك مُلبِّياً / أم يستجيبُ صُراخَهُ رَجْعُ الصَّدَى
نبكي عليكَ ولو رأيتَ بُكاءَنا / لَبَكيتَ أنتَ لأجلِنا مُتنهِّدا
لم تترُكِ الأحزانُ قلباً سالماً / منَّا فكيف نُطيقُ أن نَتَجلَّدا
مارونُ خُذْ بيدي فإني ساقطٌ / إن كانَ أبقى الدَّهرُ منكَ لنا يدا
ما كانَ ضَرَّكَ لو سمحتَ بنَظْرةٍ / قبلَ الفِراقِ بها أكونُ مُزَوَّدا
هَلاّ بعثتَ مُبرِّداً أشواقنا / برِسالةٍ نُرْوي برُؤْيتها الصَّدَى
مالي رأيتُكَ لا تقومُ بمَوعِدٍ / ولقد عَهِدتُكَ ليس تُخلِفُ مَوعِدا
قد كنتُ أنتَظِرُ المُبشِّرَ باللِقا / فإذا بناعِيكَ المُبكِّر قد غَدا
يا وَيحَ قلبي هل تَعودُ إلى الحِمى / هيهاتِ ليس العَودُ عندكَ أحمَدا
مَن كان يبغي أن يراكَ فقُلْ لهُ / مهلاً فإنَّك في الطَّريقِ على هُدَى
إن كُنتَ عِفْتَ اليومَ جيرتَنا فقد / جاوَرتَ رَبَّكَ في عُلاهُ سَرْمَدا
أو غِبتَ عن نَظَرٍ فقد خلَّفتَ بالتْ / تَأْريخِ ذِكراً في القُلوبِ مُخلَّدا
نادى مُنادِي البيِنِ حيَّ على السُّرَى
نادى مُنادِي البيِنِ حيَّ على السُّرَى / فتَنَّبهوا يا غافلينَ مِنَ الكَرَى
سَفَرٌ طويلٌ شاسعٌ فتَزَوَّدوا / زاداً يُبلِّغُكمُ إلى وادي القُرى
هذَا هُوَ الحَقُّ اليَقينُ فما لكم / تَلهُونَ عنهُ كالحديثِ المُفتَرَى
كم ترقُدونَ وعينُهُ سَهرَانةٌ / ولَكَمْ تَراكُم مُقلتاهُ ولا يُرَى
يَخشَى الفَتَى من حيثُ يَدرِي نَكبةً / وتُصيبُهُ من حيثُ لم يكُ قد دَرَى
يَبغِي الفِرارَ من المَنيِّةِ جاهداً / وإلى المنيَّةِ كلَّ يومٍ قد جَرى
قُلْ للذي رامَ الفَخارَ بنفسِهِ / أنتَ الثَّرَى ومنَ الثَّرَى وإلى الثَّرَى
مَن يَفتخِرْ فبصالحِ العَمل الذي / كُنَّا نَعُدُّ لهُ الرَّئيسَ الأكبَرا
السَيِّدُ الحبرُ المُعظَّمُ شأنُهُ / ومَكانُهُ المرفوعُ في أعلَى الذُّرَى
العالِمُ العَلَمُ الإناءُ المُصطَفَى / والكاشفُ الخَطبَ الشَّديد إذا اعتَرَى
ذاك المُكلِّلُ تاجُ قَيصَرَ رأسَهُ / شَرَفاً وليسَ عليهِ دَولةُ قَيصَرا
ذاك الذي بيمينهِ قامَتْ عصَا / مُوسَى التِّي منها الجَمادُ تَفجَّرا
ذاكَ الذي شَقَّ القلوبَ فكادَ أنْ / يُجري منَ الأجفانِ بحراً أحمَرا
ذاكَ الذي أبكى هياكلَ بِيعةٍ / قد كانَ يُضحِكُها وأبكى المِنبَرا
ذو الهِمَّةِ العُليا التي أضحَى بها / فَرداً يَقودُ إلى النوائبِ عسكَرا
وخليفةُ الرُّسُلِ الذي هيهاتِ أن / يُؤَتى لهُ بخليفةٍ بينَ الوَرَى
المُهتدِي الهادي الأمينُ لشَعبِهِ / كالماءِ يجرِي طاهراً ومُطَهِّرَا
ذو الغَيرةِ العُظمَى التي اتَّقَدَتَ بهِ / مثلَ اللَظَى بينَ الهَشِيمِ تَسعَّرا
دَقَّت معَانيهِ ورَقَّ نسيمُها / وسَمَت على أوهامِنا أنْ تُحصَرا
فإذا طلَبناها فقد رُمْنا السُّهَى / وإذا ذَكرناها فَتقْنا العَنْبَرا
رُكنٌ هَوَى بدِيارِ مِصرَ فأوشَكَتْ / منهُ رُبى لُبنانَ أن تَتَفطَّرا
ضَجَّت بهِ الإسكنْدَريَّةُ هَيبةً / فكأنَّ فوقَ سريرهِ الإسكَنْدَرا
يا أيُّها الطُورُ الذي عَبِثَتْ بهِ / أيدي المَنُونِ فمالَ محلولَ العُرَى
غَدَرَت بك الأيَّامُ مظلوماً كما / تُدعى فألَقَتْ في التُّرابِ الجوهرا
يجري القَضاءُ بما أرادَ ولم يكن / مِمَّنْ يُراعِي ما نُريدُ إذا جرى
كأسٌ إذا فاتَ النديمَ مُقدَّماً / ذَكَرَ العُهودَ فلم يَفُتْهُ مُؤَخرّا
هذا فِراقُ الدَّهرِ لا نُحصِي لهُ / عَدَدَ السِنينَ ولا نَعُدُّ الأشُهرا
من أجلِهِ خُلِقَ الزَمانُ وأهلُهُ / وكِلاهُما يَمضي عليهِ كما تَرَى
أعَلِمْتِ ما بالقلبِ من نارِ الجَوَى
أعَلِمْتِ ما بالقلبِ من نارِ الجَوَى / يا ظَبْيةً بينَ المُحجَّرِ واللِوَى
وَرَدَ الهَوَى منكم عليَّ وهكذا / كانَ اشتِعالُ النَّارِ من ذاكَ الهَوَى
قالت تَميِلُ إلى السِّوى فأجَبتُها / أينَ السِّوَى ولَعلَّ في الدُّنيا سِوَى
لو كُنتُ أعلمُ عِندَ غَيركِ بُلْغةً / لكَرِهتُ أن أطوي حَشايَ على الطَوَى
وبمُهجتي شَوقٌ أقامَ كأنَّهُ / مَلِكٌ على عَرشِ الفُؤادِ قدِ استَوَى
أطعَمتُهُ قلبي الكليمَ فما اكتَفَى / وسقَيتُهُ دمعي السَّجيمَ فما ارتَوَى
قد كُنتُ أحسَبُهُ كضَيفٍ نازلٍ / فإذا أنا ضَيفٌ إليهِ قد أوى
ولَقَد سَمَحتُ لهُ بأنْ يكوِي الحَشا / فكَوَى ولكنْ ما رَضِي حتى شَوَى
ولرُبَّ طَيفٍ زارَني فوَجَدتُهُ / داءً عليَّ وكُنتُ أحسَبُهُ دَوا
وافى فحيَّا مُؤنِساً يُرِوي الظَّما / ومَضَى فوَدَّعَ جارحاً يُوهِي القُوَى
صارت تخافُ النَّومَ عيني بَعدَهُ / لا تَجزَعي ذَاكَ الكِتابُ قدِ انطَوَى
شَغَلَت فُؤادي عن مُغازَلةِ المَهَى / شِيمٌ لَوَت قلبي إليها فالتَوَى
للخِضْرِ أخلاقٌ يكادُ ثناؤُها / يَخَضرُّ منهُ كلُّ عُودٍ قدْ ذَوَى
طابت موارِدُها فَتُبِهجُ مَن رأى / وتَسُرُّ مَن سَمِعَ الحديثَ ومن رَوَى
قُلْ للّذي يزهو بمَكرْمُةٍ لهُ / هذا الذي كُلَّ المَكارمِ قد حَوَى
يَقضِي حُقوقَ الدِّينِ والدُّنيا معاً / في الجَهْرِ والنَجْوَى على حَدٍّ سَوا
هُوَ رُكنُ بيتِ الرَّعدِ وَهْوَ عَمُودُهُ / فيهِ الجَلالُ بجانبِ التَّقوَى ثَوَى
طُوِيَت على الإخلاصِ نيَّةُ قلبِهِ / ولِكُلِّ عبدٍ عندَ رَبِّكَ ما نَوَى
سادَ البلادَ فكان رَبَّ عَشيرةٍ / بينَ العَشائِرِ باتَ مرفوعَ اللِوا
أعيا المظَالمَ أنْ تَجُوزَ بِلادَهُ / يوماً ولو طَارَتْ إليها في الهوا
يا أيُّها الرَّعدُ الذي في الحربِ لو / وقَعَتْ صَواعِقُهُ على جَبَلٍ هَوَى
مَلأَ المَسامِعَ منكَ صِيتٌ قارعٌ / والرَّعدُ يَقرَعُ كلَّ سَمْعٍ إذ دَوَى
لا يستطيعُ البُعدُ حَجْبَ جَمالِهِ / كالصُّبحِ ليسَ يَصُّدُ شُهرَتَهُ النَّوَى
يا مَعشَرَ الشُّعرَاءِ تلكَ صِفاتُهُ / ما ضَلَّ صاحبكُم بِهِنَّ وما غَوَى
إنّي نَطَقتُ بما رأيتُ وبعضُهُ / مِمَّا سَمِعتُ فما نَطَقتُ عَنِ الهَوَى
قل للوزيرِ إذا وَقفْتَ ببابهِ
قل للوزيرِ إذا وَقفْتَ ببابهِ / ناسبتَ بينَ مُحمَّدٍ والمُصطَفَى
أرجعتَ طرْفكَ في الرِّجالِ مكرِّراً / حتى اصطفيتَ اليومَ أصدَقَ مَنْ وَفَى
لقدِ اصطفيتَ مُهذَّباً لو أنَّهُ / وُلِّي على مُلكِ ابنِ داودٍ كَفَى
يُغنيكَ عن حَمْلِ القَنا بيَراعهِ / وبرأيهِ عن أن تَسُلَّ الأسيُفا
مُتَيقِّظٌ للدَّهرِ ينظرُ ما بدا / منهُ ولا يَخَفى عليهِ ما اختَفى
وإذا اشتكتْ دُنياهُ حادِثَ عِلَّةٍ / فيمينُهُ البِيضاءُ ضامنةُ الشِّفَا
يا أيُّها الشَّهمُ الذي مِعرَاجُهُ / لا يُرتَقَى وطريُقهُ لا يُقتَفَى
تُملي علينا من صِفاتِكَ اسطُراً / عند المديحِ إذا كتبنا أحرُفا
خُذها إليكَ رسالةً أرجو لها / عَفوَ الكِرامِ وإنَّ مِثْلَكَ مَن عَفا
راحت تُهنِّي المُصطَفى لكرامةٍ / وأنا أُهنِّئْها بوَجهِ المُصطفَى