المجموع : 21
داءٌ ألَمَّ فَخِلْتُ فِيهِ شَفَائِي
داءٌ ألَمَّ فَخِلْتُ فِيهِ شَفَائِي / مِنْ صَبْوَتِي فَتَضَاعَفَتْ بُرَحَائِي
يَا لَلضَّعِيفَيْنِ اسْتَبَدَّا بِي وَمَا / فِي الظُّلْمِ مِثْلُ تَحَكُّمِ الضُّعَفَاءِ
قَلْبٌ أَذَابَتْهُ الصَّبَابَةُ وَالْجَوَى / وَغِلاَلَةٌ رَثَّتْ مِنِ الأَدْوَاءِ
وَالرُّوْحُ بيْنَهُمَا نَسِيمُ تَنَهُّدٍ / فِي حَالَيَ التَّصْوِيبِ وَ الصُّعَدَاءِ
وَالعَقْلُ كَالمِصْبَاحِ يَغْشَى نُورَهُ / كَدَرِي وَيُضْعِفُهُ نُضُوبُ دِمَائِي
هَذَا الَّذِي أَبْقَيْتِهِ يَا مُنْيَتِي / مِنْ أَضْلُعِي وَحَشَاشَتِي وَذَكَائِي
عُمْرَيْنِ فِيكِ أَضَعْتُ لَوْ أَنْصَفْتِنِي / لَمْ يَجْدُرَا بِتَأَسُّفِي وَبُكَائِي
عُمْرَ الْفَتَى الْفَانِي وَعُمْرَ مُخَلَّدٍ / بِبيَانِهِ لَوْلاَكِ في الأَحْيَاءِ
فغَدَوْتَ لَمْ أَنْعَمْ كَذِي جَهْلٍ وَلَمْ / أغْنَمْ كَذِي عَقْلٍ ضَمَانَ بَقَاءِ
يَا كَوْكَباً مَنْ يَهْتَدِي بِضِيائِهِ / يَهْدِيهِ طَالِعُ ضِلَّةٍ وَرِيَاءِ
يا مَوْرِداً يَسْقِي الوُرُودَ سَرَابُهُ / ظَمَأً إِلى أَنْ يَهْلِكُوا بِظَمَاءِ
يَا زَهْرَةً تُحْيِي رَوَاعِيَ حُسْنِهَا / وَتُمِيتُ نَاشِقَهَا بِلاَ إِرْعَاءِ
هَذا عِتَابُكِ غَيْرَ أَنِّيَ مُخْطِيءٌ / أَيُرَامُ سَعْدٌ فِي هَوَى حَسْنَاءِ
حَاشَاكِ بَلْ كُتِبَ الشَّقَاءُ عَلَى الْورَى / وَالْحُبُّ لَمْ يَبْرَحْ أَحَبَّ شَقَاءِ
نِعْمَ الضَّلاَلَةُ حَيْثُ تُؤْنِسُ مُقْلَتِي / أَنْوَارُ تِلْكَ الطَّلْعَةِ الزَّهْرَاءِ
نِعْمَ الشَّفَاءُ إِذَا رَوِيْتُ بِرشْفَةٍ / مَكْذُوبَةٍ مِنْ وَهْمِ ذَاكَ المَاء
نِعْمَ الْحَيَاةُ إذا قضَيْتُ بِنَشْقَةٍ / مِنْ طِيبِ تِلكَ الرَّوْضَةِ الغَنَّاءِ
إِنِّي أَقَمْتُ عَلى التَّعِلَّةِ بِالمُنَى / فِي غُرْبَةٍ قَالوا تَكُونُ دَوَائِي
إِنْ يَشْفِ هَذَا الْجِسْمَ طِيبُ هَوَائِهَا / أَيُلَطَّف النِّيرَانَ طِيبُ هَوَاءِ
أَوْ يُمْسِكِ الْحَوْبَاءَ حُسْنُ مُقَامَهَا / هَلْ مَسْكَةٌ فِي البُعْدِ للْحَوْبَاءِ
عَبَثٌ طَوَافِي فِي الْبِلاَدِ وَعِلَّةٌ / فِي عِلَّةٍ مَنْفَايَ لاِسْتشْفَاءِ
مُتَفَرِّدٌ بِصَبَابَتِي مُتَفَرِّد / بِكَآبَتِي مُتَفَرِّدٌ بَعَنَائِي
شاكٍ إِلى البَحْرِ اضْطَرابَ خَوَاطِرِي / فَيُجِيبُنِي بِرِيَاحِهِ الهَوْجَاءِ
ثاوٍ عَلَى صَخْرٍ أَصَمَّ وَلَيْتَ لِي / قَلْباً كَهَذِي الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ
يَنْتَابُهَا مَوْجٌ كَمَوْجِ مَكَارِهِي / وَيَفُتُّهَا كَالسُّقْمِ فِي أَعْضَائِي
وَالبَحْرُ خَفَّاقُ الْجَوَانِبِ ضَائِقٌ / كَمَداً كصَدْرِي سَاعَةَ الإِمْسَاءِ
تَغْشَى الْبَريَّةَ كُدْرَةٌ وَكَأَنَّهَا / صَعِدَتْ إِلى عَيْنَيَّ مِنْ أَحْشَائي
وَالأُفْقُ مُعْتَكِرٌ قَرِيحٌ جَفْنُهُ / يُغْضِي عَلَى الْغَمَرَاتِ وَالأَقْذَاءِ
يا لَلْغُرُوبِ وَمَا بِهِ مِنْ عِبْرَةٍ / للِمْسْتَهَامِ وَعِبْرَةٍ لِلرَّائي
أَوَلَيْسَ نَزْعاً لِلنَّهَارِ وَصَرْعَةً / لِلشَّمْسِ بَيْنَ مَآتِمِ الأَضْوَاءِ
أَوَلَيْسَ طَمْساً لِلْيَقِينِ وَمَبْعَثاً / للِشَّكِّ بَيْنَ غَلاَئِلِ الظَّلْمَاءِ
أَوَلَيْسَ مَحْواً لِلْوُجُودِ إِلى مَدىً / وَإبَادَةً لِمَعَالِمِ الأَشْيَاءِ
حَتَّى يَكُونَ النُّورُ تَجْدِيداً لَهَا / وَيَكونَ شِبْهَ الْبَعْثِ عَوْدُ ذُكَاءِ
وَلَقَدْ ذَكَرْتُكِ وَالنَّهَارُ مُوَدِّعٌ / وَالْقَلْبُ بَيْنَ مَهَابَةٍ وَرَجَاءِ
وَخَوَاطِرِي تَبْدُو تُجَاهَ نَوَاظِرِي / كَلْمَى كَدَامِيَةِ السَّحَابِ إزَائِي
وَالدَّمْعُ مِنْ جَفْنِي يَسِيلُ مُشَعْشَعاً / بِسَنَى الشُّعَاعِ الْغَارِبِ المُتَرَائِي
وَالشَّمْسُ فِي شَفَقٍ يَسِيلُ نُضَارُهُ / فَوْقَ الْعَقِيقِ عَلى ذُرىً سَوْدَاءِ
مَرَّتْ خِلاَلَ غَمَامَتَيْنِ تَحَدُّراً / وَتَقَطَّرَتْ كَالدَّمْعَةِ الحَمْرَاءِ
فَكَأَنَّ آخِرَ دَمْعَةٍ لِلْكَوْنِ قَدْ / مُزِجَتْ بِآخِرِ أَدْمُعِي لِرِثَائِي
وَكأَنَّنِي آنَسْتُ يَوْمِيَ زَائِلاً / فَرَأَيْتُ فِي المِرْآةِ كَيْفَ مَسَائي
قَبَسٌ بَدَا مِنْ جَانِبِ الصَّحْرَاءِ
قَبَسٌ بَدَا مِنْ جَانِبِ الصَّحْرَاءِ / هَلْ عَادَ عَهْدُ الْوَحْيِ فِي سِيناءِ
أَرْنُو إِلى الطُّورِ الأَشَمِّ فَأَجْتَلِي / إيماضَ بَرْقٍ وَاضِحَ الإِيمَاءِ
حَيْثُ الْغَمَامَةُ وَالْكَلِيمُ مَرَوَّعٌ / أَرْسَتْ وَقُوراً أَيَّمَا إِرْسَاءِ
دَكْنَاءُ مُثْقَلَةُ الْجَوَانِبِ رَهْبَةً / مَكْظُومَةُ النِّيرَانِ فِي الأَحْشَاءِ
حَتَّى تَكَلَّمَ رَبُّهَا فَتَمَزَّقَتْ / بَيْنَ الصَّوَاعِبِ فِي سَنىً وَسَنَاءِ
وَتَنَزَّلَتْ أَحْكَامُهُ فِي لَوْحِهَا / مَكْتُوبَةً آيَاتُهَا بِضِيَاءِ
أَتْرَى الْعِنَايَةَ بَعْدَ لأْيٍ هَيَّأَتْ / للشَّرْقِ مَنْجَاةً مِنَ الْغَمَّاءِ
فَأُتِيحَ فِي لَوْحِ الْوَصَايَا جَانِبٌ / خَالٍ لَمُؤْتَنَفِ مِنَ الإِيصَاءِ
وَتَخَلَّفَتْ بَيْنَ الرِّمَالِ مَظِنَّةٌ / لِتَفَجُّرٍ فِي الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ
قَدْ آنَ لِلْعَاشِينَ فِي ظَلْمَائِهِمْ / حِقْباً خُرُوجُهُمُ مِنَ الظَّلْمَاءِ
إِنَّي لِمَيْمُونُ النَّقِيبَةِ مُلْهَمٌ / إِبْرَاءُ زَمْنَاهُمْ وَرِيُّ ظِمَاءِ
إِنْ لَمْ يَقُدْهُمْ قَائِدٌ ذُو مِرَّةٍ / وَالبَأْسُ قَدْ يُنْجِي مِنَ البْأْسَاءِ
هَلْ مِنْ بَشِيرٍ أَوْ نَذِيرٍ قادِرٍ / مُتَبَيِّنٍ مِنْهُمْ مَكَانَ الدَّاءِ
يَهْدِيهُمُ سُبُلَ الرُّقِيِّ مُلاَئِماً / لِزَمانِهِمْ وَطَرائِقَ الْعَلْيَاء
أَلشَّاعِرِيَّةُ لاَ تَزَالُ كَعَهْدِها / بَعْدَ النُّبُوَّةِ مَهْبِطَ الإِيحَاءِ
وَالصَّوْتُ إِنْ تَدْعُ الْحَقِيقَةُ صَوْتُهَا / وَالنُّورُ نُورُ خَيَالِهَا الْوَضَّاء
يَا شَيْخَ سِينَاءَ الَّتي بُعِثَ الْهُدَى / مِنْ تِيهِهَا فِي آيَةٍ غَرَّاءِ
سَنَرَى وَأَنْتَ مُعَرِّبٌ عَنْ حَقِّهَا / كَيْفَ الموَاتُ يَفُوزُ بِالأَحْيَاءِ
هَذِي النِّيَابَةُ شَرَّفَتْكَ وَشَرَّفَتْ / بِكَ فِي الْبِلاَدِ مكَانَةَ الأُدَبَاءِ
قَأَهْنَأْ بِمَنْصِبِهَا الرَّفِيعِ وَإِنْ تَكُنْ / أَعْبَاؤُهَا مِنْ أَفْدَحِ الأَعْبَاءِ
حَسْبُ القَرِيضِ زِرَايَةً فَاثْأَرْ لَهُ / وَارْفَعْ بِنَاءَكَ فَوْقَ كُلِّ بِنَاءِ
وَأَرِ الأُلى جَارُوا عَلَى أَرْبَابِهِ / آفَاتِ تِلْكَ الخُطَّةِ العَوْجَاءِ
إِنَّ التَّوَاكُلَ وَالتَّخَاذُلَ وَالقِلَى / لأَقَلُّ مَا جَلَبَتْ مِنَ الأَرْزَاءِ
وَتَنَزُّلِ الأَقْوَامِ عَنْ أَخْطَارِهَا / وَتَعَسُّفِ الحُكِّامِ وَالكُبَرَاءِ
أَبْنَاءُ يَعْرُبَ فِي أَسىً مِنْ حِقْبَةٍ / شَقِيتَ بِهَا الآدابُ جِدَّ شَقَاءِ
جَنَفَ البُغَاةُ بِهَا عَلَى أَهْلِ النُّهَى / وَاسْتُعْبِدَ العُلَمَاءُ لِلْجُهَلاَءِ
وَتَخَيَّلَ السَّادَاتُ فِي أَقْوَامِهِمْ / شُعَرَاءَهَا ضَرْباً مِنَ الأُجرَاءِ
وَهُمُ الَّذِينَ تَنَاشَدُوا أَقْوَالَهُمْ / لِلْفَخْرِ آوِنَةً وَلِلتَّأْسَاءِ
وَبِفَضْلِهِمْ غُذِيَتْ غِرَاثُ عُقُولِهِمْ / مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ أَلَذَّ غِذَاءِ
وَبِنفحَةٍ مِنْهُمْ غَدَتْ أَسْمَاؤُهُمْ / مِنْ خَالِدَاتِ الذِّكْرِ فِي الأَسْمَاءِ
أصْلِحْ بِهِمْ رَأْيَ الأُولَى خَالُوهُمُ / آلاتِ تَهْنِئَةٍ لَهُمْ وَعَزَاءِ
وَلْتَشْهَدِ الأَوْطَانُ مَا حَسَنَاتُهُمْ / فِي المَنَصِبِ الْعَالِي وَفِي الإِثْرَاءِ
وَلْتَعْلَمِ الأَيَّامُ مَا هُوَ شأْنُهُمْ / فِي كُلِّ مَوْقِفِ عِزَّةٍ وَإِبَاءِ
يَا بَاعِثَ المَجْدِ الْقَدِيمِ بِشِعْرِه / وَمُجَدِّدَ الْعَرَبِيَّةِ الْعَربَاء
أَنْتَ الأَمِيرُ وَمَنْ يَكُنْهُ بِالْحِجَى / فَلَهُ بِهِ تِيهٌ عَلَى الأُمَرَاءِ
أَلْيَوْمَ عِيدُكَ وَهْوَ عِيدٌ شَامِلٌ / لِلضَّادِ فِي مُتَبَايَنِ الأَرْجَاءِ
فِي مِصْرَ يُنْشِدُ مِنْ بَنِيها مُنْشِدٌ / وَصَدَاهُ فِي الْبَحْرَيْنِ وَالزَّوْرَاءِ
عِيدٌ بِهِ اتَّحَدَتْ قُلُوبُ شُعُوبِهَا / وَلَقَدْ تَكُونُ كَثِيرَةُ الأَهْواءِ
كَمْ رِيمَ تَجْدِيدٌ لِغَابِرِ مَجْدِهَا / فَجَنَى عَلَيْهَ تَشَعُّبُ الآرَاءِ
مَا أَبْهَجَ الشَّمْسَ الَّتِي لاَحَتْ لَهَا / بَعْدَ الْقُنُوطِ وَطَالَعَتْ بِرجَاءِ
أَلشِّعْرُ أَدْنَى غَايَةً لَمْ يَسْتَطِعْ / إِدْنَاءَهَا عَزْمٌ وَحُسْنُ بَلاَءِ
مَا السِّحْرُ إِلاَّ شِعْرُ أَحْمَدَ مَالِكاً / مِنْهَا الْقِيَادَ بِلُطْفِ الاسْتِهْوَاءِ
قَدْ هَيَّأَتْ آيَاتُهُ لِوُفُودِهَا / فِي مِصْرَ عَنْ أُمَمٍ أَحَبَّ لِقَاءِ
لاَ يُوقِظَ الأَقْوَامَ إِلاَّ مُنْشِدٌ / غَردٌ يُنَبِّهُ نَائِمَ الأَصْدَاءِ
كَلاًّ وَلَيْسَ لَهَا فَخَارٌ خَالِصٌ / كَفَخَارِهَا بِنَوَابِغِ الشُّعَرَاءِ
يا مِصْرُ بَاهِي كُلَّ مِصْرٍ بِالأولَى / أَنْجَبْتِ مِنْ أَبْنَائِكِ الْعُظَمَاءِ
حَفَلُوا لأَحْمَدَ حَفْلَةً مَيْمُونَةً / لَمْ تَأْتِ في نَبَإٍ مِنَ الأَنْبَاءِ
مَا أَحْمَدٌ إلاَّ لِوَاءُ بِلاَدِهِ / فِي الشَّرْقِ يَخْفُقُ فَوْقَ كُلِّ لِوَاءِ
عَلَمٌ بِهِ الوَادِي أَنَافَ عَلَى ذُرىً / شُمِّ الْجِبَالِ بِذُرْوَةٍ شَمَّاءِ
بَسَمَتْ ذُؤَابَتُهُ وَمَا زَانَ الرُّبَى / فِي هَامَهَا كَالحِلْيَةِ الْبَيْضَاءِ
هَلْ فِي لِدَاتٍ أَبِي عَلِيٍّ نِدُّهُ / إِنْ يَصْدُرَا عَنْ هِمَّةٍ وَمَضَاءِ
أَوْ شَاعِرٍ كَأَبِي حُسَيْنٍ آخِذٍ / مِنْ كُلِّ حَالٍ مَأْخَذَ الْحُكَمَاءِ
فَهِمَ الحَيَاةَ عَلَى حَقِيقَةِ أَمْرِهَا / فأَحَبَّهَا مَوْفُورَةَ النَّعْمَاءِ
يَجْنِي دَوَانِيهَا وَلاَ يَثْنِيهِ مَا / دُونَ القَواصِي مِنْ شَدِيدِ عَنَاءِ
يقْضِي مُنَاهُ أَنَاقَةً فِي عيْشِهِ / وَيَفِيَ بِحَقِّ المَجْدِ أَيَّ وَفَاءِ
عَظُمَتْ مَوَاهِبُهُ وَأَحْرَزَ مَا اشْتَهَى / مِنْ فِطْنَةٍ خَلاَّبَةٍ وَذَكَاءِ
إِنْ تَلْقَهُ تَلْقَ النُّبُوغَ مُمَثَّلاً / فِي صُورَةِ لَمَّاحَةِ اللَّأْلاَءِ
طُبِعَتْ مِنَ الحُسْنِ العَتِيقِ بِطَابَعٍ / وَضَّاحِ آيَاتٍ بَدِيعِ رُوَاءِ
زَانَ الخَيَالُ جَمَالَهَا بِسِمَاتِهِ / وَأَعَارَهَا قَسَمَاتِهِ لِبَقَاءِ
واليَوْمَ إِذْ وَلَّى الصَّبَا لَمْ يَبْقَ مِنْ / أَثَرٍ عَلَيْهَا عَالِقٍ بَفَنَاءِ
لاَ شَيءَ أَرْوَعُ إِذْ تَكُونُ جَلِيسَهُ / مِنْ ذلِكَ الرَّجُلِ القَرِيبِ النَّائِي
أَبَداً يُقَلَّبُ نَاظِرَيْهِ وَفِيهِمَا / تَقْلِيبُ أَمْوَاجٍ مِنَ الأَضْوَاءِ
يرَنْو إِلى العَلْيا بِسَامي طَرْفِهِ / وَيُلاَحِظُ الدُّنْيَا بِلاَ إِزْرَاءِ
يُغْضِي سَمَاحاً عنْ كَثِيرٍ جَفْنُهُ / وَضَمِيرُهُ أَدْنَى إِلى الإِغْضَاءِ
فَإِذَا تُحَدِّثُهُ فَإِنَّ لَصَوْتَهَ / لَحْناً رَخِيمَ الْوَقْعِ في الْحَوْبَاءِ
فِي نُطْقِهِ الدُّرُّ النَفِيسُ وَإِنَّمَا / تَصْطَادُهُ الأَسْمَاعُ بِالإِصْغَاءِ
لَكِنَّ ذَاكَ الصَّوْتَ مِنْ خَفْضٍ بِهِ / يَسْمُو الْحِفَاظُ بِهِ إِلى الْجَوْزَاءِ
أَعْظِمْ بِشَوْقِي ذَائِداً عَنْ قَوْمِهِ / وَبِلاَدِهِ فِي الأَزْمَةِ النَّكْرَاءِ
لَتَكَادُ تَسْمَعُ مِنْ صَريرِ يَرَاعِهِ / زأْراً كَزَأْرِ الأُسْدِ فِي الْهَيْجَاءِ
وَتَرَى كَأّزْنِدَةٍ يَطِيرُ شَرَارُهَا / مُتَدَارِكاً فِي الأَحْرُفِ السَّوْدَاءِ
وَتُحِسُّ نَزْفَ حُشَاشَةٍ مَكْلُومَةٍ / بِمَقَاطِرِ الْياقُوتَةِ الحُمْرَاءِ
فِي كُلِّ فَنٍ مِنْ فُنُونِ قَرِيضِهِ / مَا زَالَ فَوْقَ مَطَامِعِ النُّظَرَاءِ
أَمَّا جَزَالَتُهُ فَغَايَةُ مَا انْتَهَتْ / شَرَفاً إِليْهِ جَزَالَةُ الفُصَحَاءِ
وَتَكَادُ رِقَّتُهُ تَسِيلُ بِلَفْظِهِ / فِي المُهْجَةِ الظَّمْأَى مَسِيلَ المَاءِ
لَوْلاَ الْجَديدُ مِنَ الْحَلَى فِي نَظْمِهِ / لَمْ تَعْزُهُ إِلاَّ إِلى الْقُدَمَاءِ
نَاهِيكَ بِالْوَشْيِ الأَنِيقِ وَقَدْ زَهَا / مَا شَاءَ فِي الدِّيبَاجَةِ الْحَسْنَاءِ
يَسْرِي نَسِمُ اللُّطْفِ فِي زِينَاتِهَا / مَسْرَى الصِّبَا فِي الرَّوْضَةِ الْغَنَّاءِ
هَتَكَتْ قَريحَتُهُ السُّجُوفَ وَأَقْبَلَتْ / تَسْبِي خَبَايَا النَّفْسِ كلَّ سِبَاءِ
فَإِذَا النَّوَاظِرُ بَيْنَ مُبْتَكرَاتِهِ / تُغْزَى بِكُلِّ حَيِية عَذْرَاءِ
فِي شدْوِهِ وَنُوَاحِهِ رَجْعٌ لِمَا / طَوِيَتْ عَلَيْهِ سَرَائِرُ الأَحْيَاءِ
هَلْ فِي السَّمَاعِ لِبَث آلامِ الْجَوَى / كَنُوَاحِهِ وَكَشَدْوِهِ بِغِنَاءِ
يشْجِي قَدِيمُ كَلاَمِهِ كَجَدِيدهِ / وَأَرَى الْقَدِيمَ يَزِيدُ فِي الإِشْجَاءِ
فَمِنَ الْكَلاَمِ مُعَتَّقٌ إِنْ ذُقْتَهُ / ألْفَيْتَهُ كَمُعَتَّقِ الصَّهْبَاءِ
مَلأَتْ شَوَارِدُهُ الْحَوَاضِرَ حِكْمَةً / وَغَزَتْ نُجُوعَ الْجَهْلِ فِي البَيْدَاءِ
وَتُرَى الدَّرَارِي فِي بُحُورِ عَرُوضَهِ / وَكَأّنَّهُنَّ دَنَتْ بِهِنَّ مَرَائِي
كَمْ فِي مَوَاقِفِهِ وَفِي نَزَعَاتِهِ / مِنْ مُرْقِصَاتِ الْفَنِّ وَالإِنْشَاءِ
كَمْ فِي سَوَانِحِهِ وَفِي خَطَرَاتِهِ / مِنْ مُعْجِزَاتِ الْخَلْقِ وَالإِبْدَاءِ
رَسَمَ النُّبُوغُ لَهُ بِمُخْتَلِفَاتِهَا / صُوَراً جَلاَئِلَ فِي عُيُون الرَّائِي
أَلمَمْتُ مِنْ شَوْقِي بِنَحُوٍ وَاحِدٍ / وَجَلاَلُهُ مُتَعَدِّدُ الأَنْحَاءِ
مَلأَتْ مَحَاسِنُهَا قُلُوبَ وَلاَتِهِ / وَتَثَبَّتَتْ فِي أَنْفْسِ الأَعْدَاءِ
لِلهِ شَوْقِي سَاجِياً أَوْ ثَائِراً / كَاللَّيْثِ وَالْبُرْكَانِ وَالدَّأْمَاءِ
لِلهِ شَوْقِي فِي طَرَائِقِ أَخْذِهِ / بِطَرَائِفِ الأَحْوَالِ وَالأَشْيَاءِ
فِي لَهْوِهِ وَسُرُورِهِ فِي زُهْوِهِ / وَغُرُورِهِ فِي الْبَثِّ وَالإِشْكَاءِ
فِي حُبِّهِ للِنِّيلِ وَهْوَ عِبَادَةٌ / للِرَازِقِ الْعُوَّادِ بِالآلاَءِ
فِي بِرِّهِ بِبِلاَدِهِ وَهِيَامِهِ / بِجَمَالِ تَلْكَ الْجَنَّةِ الْفَيْحَاءِ
فِي وَصْفَهِ النْعَمَ التِي خصت بِهَا / مِن حُسْنِ مُرْتَبُعٍ وَطِيبِ هَوَاءِ
فِي ذِكْرِهِ مُتَبَاهِياً آثَارَهَا / وَمَآثِرَ الأَجْدَادِ وَالآباءِ
فِي فَخْرِهِ بِنُهُوضِهَا حَيْثُ الرَّدَى / يَهْوِي بِهَامِ شَبَابِهَا النُّبَهَاءِ
فِي شُكْرِهِ لِلْمَانِعِينَ حِياَضَهَا / وَحُمَاةِ بَيْضَتِهَا مِنَ الشُّهَدَاءِ
فِي حَثَّهِ أَعْوَانَ وَحْدَتِهَا عَلَى / وُدٍّ يُؤَلِّفُ شَمْلَهُمْ وَإِخَاءِ
مَتَثَبِّتِينَ مِنَ الْبِنَاءِ برُكْنِهِ / لِتَمَاسُكِ الأَعْضَادِ وَالأَجْزَاءِ
فِي نُصْحِهِ بِالعِلْمِ وَهْوَ لأَهْلِهِ / حِرْزٌ مِنَ الإِيهَانِ وَالإِيهَاءِ
فِي وَصْفِهِ الآيَاتِ مِمَّا أبْدَعَتْ / أُممٌ يَقِظْنَ وَنَحْنُ فِي إِغْفَاءِ
وَصْفٌ تَفَنَّنَ فِيهِ يُغْرِي قَوْمَهُ / بِالأَخْذِ عَنْهَا أشْرَفَ الإِغْراءِ
لَمْ يُبْقِ مِنْ عَجَبٍ عُجَابٍ خَافِياً / فِي بَطْنِ أَرْضٍ أَوْ بِظَهْرِ سَمَاءِ
هَذَا إِلى مَا لاَ يُحِيطُ بِوَصْفِهِ / فِكْرِي وَدُونَ أَقَلَّهِ إِطْرَائِي
بَلَغتْ خِلاَلُ الْعَبْقَرِيَّةِ تِمَّهَا / فِيهِ وَجَازَتْ شَأْوَ كُلِّ ثَنَاءِ
فَإذَا عَيِيتُ وَلَمْ أَقُمْ بِحُقُوقِهَا / فَلَقَدْ يَقُومُ الْعُذْرُ بالإِبْلاءِ
مَاذَا عَلَى مُتَنَكِّبٍ عَنْ غَايَةٍ / وَالشَّوْطُ لِلأَنْدادِ والأَكْفَاءِ
أًعَلِمْتَ مَا مِنّي هَوَاهُ وَإِنَّهُ / لَنَسِيجُ عُمْرٍ صَدَاقَةٍ وَفِدَاءِ
أَيْ حَافِظَ الْعَهْدِ الَّذِي أَدْعُو وَمَا / أَخْشَى لَدَيْهِ أَنْ يَخِيبَ دُعَائِي
أَدْرِكْ أَخاكَ وَأَوْلِهِ نَصْراً بِمَا / يَنْبُو بِهِ إِلاَّكَ فِي الْبُلَغَاءِ
جل المَقَامُ وقَدْ كَبَتْ بِي هِمَّتي / فَأَقِلْ جَزَاكَ اللهُ خَيْرَ جَزَاءِ
يَأْبَى عَلَيْكَ النُّبْلُ إِلاَّ أَنْ تُرَى / فِي أَوَّلِ الْوَافِينَ لِلزُّمَلاَءِ
وَالشَّرْقُ عَالِي الرَّأْسِ مَوْفُوُرُ الرِّضَى / بِرِعَايَةِ النُّبَغَاءِ لِلنُّبَغَاءِ
يَا مَنْ صَفَا لِي وُدُّهُ وَصَفَا لَهُ / وُدِّي عَلَى السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ
فَأَعَزَّنِي يَوْمَ الْحِفَاظِ وَلاَؤُه / وَأَعَزَّهُ يَوْمَ الْحِفَاظِ وَلاَئِي
وَعَرَفْتُ فِي نَادِي الْبَيَانِ مَكَانَهُ / وَمَكَانُهُ الأَسْنَى بِغَيْرِ مِرَاءِ
يَهْنِيكَ هَذَا الْعِيدُ دُمْ مُسْتَقْبِلاً / أَمْثَالَهُ فِي صِحَّةِ وَصَفَاءِ
لُبْنَانُ فِي أَسْمَى المَعَانِي لَمْ يَزَلْ
لُبْنَانُ فِي أَسْمَى المَعَانِي لَمْ يَزَلْ / لأُولي القَرَائِحِ مَصْدَرَ الإِيحاءِ
جَبَلٌ أَنَافَ عَلَى الْجِبالِ بِمَجْدِهِ / وَأَنَافَ شَاعِرَهُ عَلَى الشُّعَرَاءِ
يَا أَكْرَمَ الإِخْوَانِ قَدْ أَعْجَزْتَنِي / عَنْ أَنْ أُجِيبَ بِمَا يَشَاءُ وَفَائِي
مَهْمَا أَجِدْ قَوْلِي فَلَيْسَ مُكَافِئاً / قَوْلاً سَمَوْتُ بِهِ عَلَى النّظَرَاءِ
تِلْكَ الدُّجُنَّةُ آذَنَتْ بِجَلاَءِ
تِلْكَ الدُّجُنَّةُ آذَنَتْ بِجَلاَءِ / وَبَدَا الصَّبَاحُ فَحَيِّ وَجْهَ ذُكَاءِ
أَلعَدْلُ يَجْلُوهَا مُقِلاًّ عَرشَهَا / وَالظُّلمُ يَعْثُرُ عَثْرَةَ الظَّلْمَاءِ
يَا أَيُّهَا اليَومُ العَظِيمُ تَحِيَّةً / فُكَّ الأَسَارَى بَعْدَ طُولِ عَناءِ
أَوْشَكْتُ فيكَ وَقَدْ نَسَيتُ شَكِيَّتِي / أَنْ أُوسِعَ الأَيَّامَ طِيبَ ثَنَاءِ
حَسْبَي اعتِذَارُكَ عَن مَسَاءَةِ مَا مَضَى / بِمَبَرَّةٍ مَوْفُورَةِ الآلاَءِ
أَلشَّمْسُ يَزدَادُ ائتِلاقاً نُورُهَا / بَعدَ اعْتَكارِ اللَّيْلَةِ اللَّيْلاَءِ
ويُضَاعِفُ السَّرَّاءَ فِي إِقْبَالِهَا / تَذْكَارُ مَا وَلَّى مِنَ الضَّرَّاءِ
لاَ كَانَتِ الحِجَجُ الَّتِي كَابَدْتُهَا / مِنْ بَدْءِ تِلكَ الغارةِ الشّعوَاءِ
ألحزنُ حيثُ أبيتُ ملءُ جوانحي / والنارُ مِلءُ جَوَانِبِ الغَبْرَاءِ
دَامِي الْحُشَاشَةِ لَمْ أَخَلْنِي صَابِراً / بَعْدَ الفِرَاقِ فَظَافِراً بِلِقَاءِ
مُنْهَدُّ أَرْكَانِ العَزِيمَةِ لَمْ أَكدْ / يَأْساً أُمَنِّي مُهْجَتِي بِشِفاءِ
حجَج بَلَوْتُ المَوْتَ حِينَ بَلَوْتُهَا / مُتَعَرِّضاً لِي فِي صُنُوفِ شَقَاءِ
لَكِنَّهَا وَالْحَمْدُ لِلهِ انقْضَتْ / وَتَكَشَّفَتْ كَتكشفِ الغَمَّاءِ
وَغَدَا الْخَلِيلُ مُهَنِّئاً وَمُهَنَّأً / بَعْدَ الأَسَى وتَعَذُّرِ التَّأْسَاءِ
جَذْلاَنَ كَالطِّفْلِ السَّعِيد بِعِيدِهِ / مُسْتَرْسِلاً فِي اللَّفْظِ وَالإِيمَاءِ
يَقْضِي وَذلِكَ نَذْرُهُ فِي يَوْمِهِ / حَاجَاتِ سَائِلِهِ بِلاَ إِبْطَاءِ
مَا كَانَ أَجْوَدَهُ عَلَى بُشَرَائِهِ / بِثَرَائِهِ لَوْ كَانَ رَبَّ ثَرَاءِ
عَادَ الْحَبِيبُ الْمُفْتَدَى مِنْ غُرْبَةٍ / أَعْلَتْ مَكَانَتَهُ عَنِ الْجَوْزَاءِ
إِنَّ الأَدِيبَ وَقَدْ سَمَا بِبَلاَئِهِ / غيْرُ الأَدِيبِ وَلَيْسَ رَبَّ بَلاَءِ
فِي بَرْشَلُونَةَ نَازِحٌ عَنْ قَوْمِهِ / وَدِيَارِهِ وَالأَهْلِ وَالقُرْبَاءِ
نَاءٍ وَلَوْ أَغْنَتْ مِنَ المُقَلِ النُّهى / مَا كَانَ عَنْهُمْ لَحْظَةً بِالنَّائِي
بالأَمْسِ فِيهِ العَينُ تَحسُدُ قَلْبَهَا / وَاليَومَ يَلتَقِيَانِ فِي نَعْمَاءِ
أَهلاً بِنَابِغَةِ البِلاَدِ وَمَرْحَباً / بِالعَبْقَرِيِّ الفَاقِدِ النُّظَرَاءِ
شَوقِي أَمِيرِ بِيانِهَا شَوقِي فَتَى / فِتيانِهَا فِي الوَقْفَةِ النَّكْرَاءِ
شَوقِي وَهَلْ بَعْدَ اسمِهِ شَرَفٌ إِذَا / شَرُفَتْ رِجَالُ النُّبْلِ بِالأَسْمَاءِ
وَافَى وَمَنْ لِلفَاتِحينَ بِمِثلِ مَا / لاَقَى مِنَ الإِعْظَام وَالإِعْلاَءِ
مِصْرٌ تُحَيِّيهِ بِدَمعٍ دَافِقٍ / فَرَحاً وَأَحْدَاقٍ إِلَيْهِ ظِمَاءِ
مِصْرٌ تُحَيِّيهِ بِقَلْبٍ وَاحِدٍ / مُوفٍ هَواهُ بِهِ عَلَى الأَهْوَاءِ
جَذْلَى بعَوْدِ ذَكِيِّهَا وَسَرِيِّهَا / جَذْلَى بِعَوْدِ كَمِيِّهَا الأَبَاءِ
حَامِي حَقِيقَتَهَا وَمُعْلِي صَوتَهَا / أَيَّامَ كَانَ الصَّوتُ لِلأَعْدَاءِ
أَلمُنْشِيءِ اللَّبِقِ الحَفِيلِ نَظيمُهُ / وَنَثِيرُهُ بِرَوَائِعِ الأَبْدَاءِ
أَلْبَالِغِ الخَطَرَ الَّذِي لَمْ يَعْلُهُ / خَطَرٌ بِلاَ زَهْوٍ وَلاَ خُيَلاَءِ
أَلصَّادِقِ السَّمْحِ السَّريرَةِ حَيْثُ لاَ / تَعْدُو الرِّيَاءَ مَظَاهِرُ السُّمَحَاءِ
أَلرَّاحِمِ المِسْكِينَ وَالْمَلْهُوفَ وَالْ / مَظْلُومَ حِينَ تَعَذُّرِ الرُّحَمَاءِ
عِلْماً بِأَنَّ الأَقْوِيَاءَ لِيَوْمِهِمْ / هُمْ فِي غَدَاةِ غَدٍ مِن الضُّعَفَاءِ
أَلطَّيِّبِ النَّفَّسِ الكَريمِ بِمَالِهِ / فِي ضِنَّةٍ مِنْ أَنْفُسِ الكُرَمَاءِ
أَلكَاظِمِ الغَيْظَ الْغَفُورَ تَفَضُّلاً / وَتَطَوُّلاً لِجِهَالَةِ الْجُهَلاَءِ
جِدِّ الْوَفِيِّ لِصَحْبِهِ وَلأَهْلِهِ / وَلِقَوْمِهِ إِنْ عَزَّ جِدُّ وَفَاءِ
أَلمفْتَدِي الْوَطَنَ الْعزِيزَ بِرُوحِهِ / هَلْ يَرْتَقِي وَطَنٌ بِغَيْرِ فِدَاءِ
مُتَصَدِّياً لِلْقُدْوَةِ المُثْلَىَ وَمَا / زَالَ السَّرَاةُ مَنَائِرَ الدَّهْنَاءِ
هَذِي ضُرُوبٌ مِنْ فَضَائِلِهِ الَّتِي / رَفَعَتْهُ فَوْقَ مَنَازِلِ الأُمَرَاءِ
جَمَعَتْ حَوَالَيْهِ القُلُوبَ وَأَطْلَقَتْ / بَعْدَ اعْتِقَالٍ أَلْسُنَ الْفُصَحَاءِ
مَا كَانَ لِلإِطْراءِ ذِكْرَى بَعْضَهَا / وَهْيَ الَّتِي تَسْمُو عَنِ الإِطْرَاءِ
قُلتُ اليَسِيرَ مِنَ الكَثِيرِ وَلَمْ أَزِدْ / شَيْئاً وَكَمْ فِي النَّفْسِ مِنْ أَشْيَاءِ
أَرْعَى اتِّضَاعَ أَخِي فَأُوجِزُ وَالَّذِي / يُرْضِي تَوَاضُعَهُ يَسُوءُ إِخائِي
إِنَّ البِلاَدَ أَبا عَلِيٍّ كَابَدَتْ / وَجْداً عَلَيْكَ حَرَارَةَ البُرَحَاءِ
وَزَكَا إِلَى مَحبُوبِهَا تَحْنَانُهَا / بِتَبَغُّضِ الأَحْدَاثِ وَالأَرْزَاءِ
لاَ بِدْعَ فِي إِبْدَائِهَا لَكَ حُبَّهَا / بِنِهَايَةِ الإِبَدَاعِ فِي الإِبْدَاءِ
فَالْمُنْجِبَاتُ مِنَ الدِّيَارِ بِطَبْعِهَا / أحَنَى عَلَى أَبْنَائِهَا العُظَمَاءِ
أَلقُطْرُ مُهْتَزُّ الجَوانِبِ غِبْطَةً / فِيمَا دَنَا وَنَأَى مِنَ الأَرْجَاءِ
رَوِيَ العِطَاشُ إِلى اللِّقَاءِ وَأَصبَحُوا / بَعْدَ الجَوَى فِي بَهْجَةٍ وَصَفَاءِ
وَبِجَانِبِ الفُسْطَاطِ حَيٌّ مُوْحِشٌ / هُوَ مَوْطِنُ المَوْتَى مِنَ الأَحْيَاءِ
فِيهِ فُؤادٌ لَم يَقَرَّ عَلَى الرَّدَى / لأَبَرِّ أُمٍّ عُوجِلَتْ بِقَضَاءِ
لاَحَ الرَّجَاءُ لَهَا بِأَنْ تَلْقَى ابنَهَا / وَقَضَتْ فَجَاءَ اليَأْسُ حِينَ رَجَاءِ
أَوْدَى بِهَا فَرْطُ السَّعَادَةِ عِنْدَمَا / شَامَتْ لِطَلْعَتِهِ بَشِيرَ ضِيَاءِ
لَكِنَّمَا عَوْدُ الْحَبِيبِ وَعِيدُهُ / رَدَّا إِلَيهَا الْحسَّ مِنْ إِغْفَاءِ
فَفُؤادُهُا يَقِظٌ لَهُ فَرَحٌ بِهِ / وَبِفَرْقَدَيْهِ مِنْ أَبَرِّ سَمَاءِ
يَرْعَى خُطَى حُفَدَائِهَا وَيُعِيذُهُمْ / فِي كُلِّ نُقْلَةِ خُطْوَةٍ بِدُعَاءِ
فِي رَحْمَةِ الرِّحْمَنِ قَرِّي وَاشْهَدِي / تَمْجِيدَ أَحْمَدَ فَهْوَ خَيْرُ عَزَاءِ
وَلأُمِّهِ الكُبْرَى وَأُمِّكَ قَبْلَهُ / خَلِّي وَلِيدَكِ وَارْقدِي بِهَنَاءِ
مصْرُ بشَوْقِي قَدْ أُقِرَّ مَكَانُهَا / فِي الذُّرْوَةِ الأَدَبِيَّةِ الْعَصْمَاءِ
هُوَ أَوْحَدُ الشَّرقَيْنِ مِنْ مُتَقَارِبٍ / مُتَكَلِّمٍ بِالضَّادِ أَوْ مُتَنَائِي
مَا زَالَ خَلاَّقاً لِكُلِّ خَرِيدَة / تُصْبِي الْحَلِيمَ بِرَوْعَةٍ وَبَهَاءِ
كَالبَحْرِ يُهْدِي كُلَّ يَوْمٍ دُرَّةَ / أَزْهَى سَنىً مِنْ أُخْتِهَا الْحَسْنَاءِ
قُلْ لِلْمُشَبِّهِ إِنْ يُشَبِّهْ أَحْمَداً / يَوْماً بَمَعْدُودٍ مِنَ الأُدَبَاءِ
مَنْ جَال مِن أَهلِ اليَرَاعِ مَجالَهُ / فِي كُلِّ مِضْمارٍ مِنَ الإِنْشَاءِ
مَنْ صَالَ فِي فَلَكِ الخَيَالِ مَصَالَهُ / فَأَتَي بِكُلِّ سَبِيَّةٍ عَذْرَاءِ
أَصَحِبْتَهُ وَالنجْمُ نُصْبَ عُيُونِهِ / وَالشَّأْوُ أَوْجَ القُبَّةِ الزَّرْقَاءِ
إِذا بَاتَ يَسْتَوحِي فَأَوْغَلَ صَاعِداً / حَتَّى أَلمَّ بِمَصْدَرِ الإِيحَاءِ
أَقَرَأْتَ فِي الطَّيَرَانِ آيَاتٍ لَهُ / يَجْدُرْنَ بِالتَّرتِيلِ وَالإِقْرَاءِ
فَرَأَيتَ أَبدَعَ مَا يُرَى مِنْ مَنْظَرٍ / عَالٍ وَلَمْ تَرْكَبْ مَطِيَّ هَوَاءِ
وَشَهِدتَ إِفشاءَ الطَّبيعَةِ سِرَّهَا / لِلعَقلِ بَعدَ الضَّنِّ بِالإِفْشَاءِ
أَشَفَيْتَ قَلْبَكَ مِن مَحَاسِنِ فَنِّهِ / فِي شُكْرِ مَا لِلنِّيلِ مِنْ آلاَءِ
يَا حُسْنَهُ شَكراً مِنِ ابنٍ مُخِلصٍ / لأَبٍ هُوَ المَفْدِيُّ بِالآبَاءِ
أَغْلَى عَلَى مَاءِ الَّلآلِيءِ صَافياً / مَا فَاضَ ثَمَّةَ مِنْ مَشُوبِ المَاءِ
أَتَهَادَتِ الأَهْرَامُ وَهْيَ طَرُوبَةٌ / لِمَديحِهِ تَهْتَزُّ كَالأَفْيَاءِ
فَعَذَرْتُ خَفَّتَهَا لِشِعْرٍ زَادَهَا / بِجَمَالِهِ البَاقِي جَمالَ بَقَاءِ
أَنَظَرْتَ كَيْفَ حَبَا الْهَيَاكِلَ وَالدُّمَى / بِحُلىً تُقَلِّدُهَا لِغَيْرِ فَنَاءِ
فكَأَنَّها بُعِثَتْ بِهِ أَرْوَاحُهَا / وَنَجَتْ بِقُوَّتِه مِنَ الإِقْوَاءِ
أَتَمَثَّلَتْ لَكَ مِصْرُ فِي تَصْوِيرهِ / بِضَفَافِهَا وَجِنَانِهَا الْفيْحَاءِ
وَبَدَا لِوَهْمِكَ مِنْ حُلِيِّ نَبَاتِهَا / أَثَرٌ بِوَشْيِ بَيَانِهِ مُتَرَائِي
أَسَمِعْتَ شَدْوَ الْبُلْبُلِ الصَّدَّاحِ فِي / أَيْكَاتِهَا وَمَنَاحَةَ الَوَرْقَاءِ
فَعَجِبْتَ أَنَّي صَاغَ مِنْ تِلْكَ اللُّغَى / كَلِمَاتِ إِنْشَادٍ وَلَفْظَ غِنَاءِ
للهِ يَا شَوْقِي بَدَائِعُكَ الَّتِي / لَوْ عُدِّدَتْ أَرْبَتْ عَلَى الإِحْصَاءِ
مَنْ قَالَ قَبْلَكَ فِي رِثَاءٍ نِقْسُهُ / يَجْرِي دَماً مَا قُلْتَ فِي الْحَمْرَاءِ
فِي أَرضِ أَنْدُلُسٍ وَفِي تَارِيخِهَا / وَغَرِيبِ مَا تُوحِي إِلى الغُرَبَاءِ
جَارَيْتَ نَفْسَكَ مُبْدِعاً فِيهَا وَفِي / آثَارِ مِصْرَ فَظَلْتَ أَوْصَفَ رَائِي
وَبَلَغْتَ شَأْوَ الْبُحْتُرِيِّ فَصَاحَةً / وَشَأَوْتَهُ مَعْنىً وَجَزْلَ أَدَاءِ
بَلْ كُنْتَ أَبْلَغَ إِذْ تَعَارِضُ وَصْفَهُ / وَتَفُوقُ بِالتَّمْثِيلِ وَالإِحْيَاءِ
يَا عِبْرَةَ الدُّنْيَا كَفَانا مَا مَضَى / مِنْ شأْنِ أَنْدُلُسٍ مَدىً لِبُكَاءِ
مَا كَان ذَنْبُ الْعُربِ مَا فَعَلُوا بِهَا / حَتَّى جَلَوْا عَنْهَا أَمَرَّ جَلاَءِ
خَرَجُوا وَهُمْ خُرْسُ الْخُطَى أَكْبَادُهُمْ / حَرَّى عَلَى غَرْنَاطَةَ الْغَنَّاءِ
أَلْفُلْكُ وَهْيَ الْعَرْشُ أَمْسِ لِمَجْدِهِمْ / حَمَلَتْ جَنَازَتَهُ عَلَى الدَّأْمَاءِ
أَوْجَزْتَ حِينَ بَلَغْتَ ذِكْرَى غِبِّهِمْ / إِيجَازَ لاَ عِيٍّ وَلاَ إِعْيَاءِ
بَعْضُ السُّكُوتِ يَفُوقُ كُلَّ بَلاَغةٍ / فِي أَنْفُسِ الفَهِمِينَ وَالأُرَبَاءِ
وَمِنَ التَّنَاهِي فِي الْفَصَاحَةِ تَرْكُهَا / وَالْوَقْتُ وَقْتُ الخُطْبَةِ الْخَرْسَاءِ
قَدْ سُقْتَهَا لِلشَّرْقِ دَرْساً حَافِلاً / بِمَوَاعِظِ الأَمْوَاتِ لِلأحْيَاءِ
هَلْ تُصْلِحُ الأَقْوَامَ إِلاَّ مُثْلَةٌ / فَدَحَتْ كَتِلْكَ المُثْلَةِ الشَّنْعَاءِ
يَا بُلْبُلَ الْبَلَدِ الأَمِينِ وَمُؤنِسَ الْ / لَيْلِ الْحَزِينِ بِمُطْرِبِ الأَصْدَاءِ
غَبرَتْ وَقَائِعُ لَمْ تَكُنْ مُسْتَنْشَداً / فِيهَا وَلاَ اسْمُكَ مَالِيءَ الأَنْبَاءِ
لَكِنْ بِوَحْيِكَ فَاهَ كُلُّ مُفَوَّهٍ / وَبِرَأْيِكَ اسْتَهْدَى أُولُو الآرَاءِ
هِيَ أُمَّةٌ أَلْقَيْتَ فِي تَوحِيدَهَا / أُسًّا فَقَامَ عَلْيِه خَيْرُ بِنَاءِ
وَبَذَرْتَ فِي أَخلاَقِهَا وَخِلاَلِهَا / أَزْكَى البُذُورِ فَآذَنَتْ بِنَمَاءِ
أَمَّا الرِّفَاقُ فَمَا عَهِدْتِ وَلاَؤُهُمْ / بَلْ زَادَهُمْ مَا سَاءَ حُسنَ وَلاَءِ
وشَبَابُ مِصْرَ يَروَنَ مِنْكَ لَهُمْ أَباً / ويَرَوْنَ مِنْكَ بِمَنزِلِ الأَبنَاءِ
مِنْ قَوْلِكَ الحُرِّ الجَرِيءِ تَعَلَّمُوا / نَبَرَاتِ تِلْكَ العِزَّةِ القَعْسَاءِ
لا فَضلَ إِلاَّ فَضلُهُم فِيمَا انْتَهَي / أَمُر البِلاَدِ بَعْدَ عَنَاءِ
كانوا هُمُو الأشْيَاخَ وَالفِتْيَانَ وَال / قُوَّادَ وَالأَجْنَادَ فِي البَأْساءِ
لَمْ يَثْنِهِم يَومَ الذِّيَادِ عَنِ الحِمَى / ضَنٌّ بِأَموَالٍ وَلاَ بِدِمَاءِ
أَبطَالُ تَفْدِيَةٍ لَقُوا جُهْدَ الأَذَى / فِي الحَقِّ وَامْتَنَعُوا مِنَ الإِيذَاءِ
سَلِمَتْ مَشيِئَتُهُم وَمَا فِيهمْ سِوَى / مُتَقَطِّعِي الأَوصَالِ وَالأَعضَاءِ
إِنَّ العَقِيدَةَ شِيمَةٌ عُلْوِيَّةٌ / تَصفُو عَلَى الأَكْدَارِ وَالأَقْذَاءِ
تَجْنِي مَفَاخِرَ مِن إِهَانَاتِ العِدَى / وَتُصِيبُ إِعزازاً مِنَ الإِزرَاءِ
بكْرٌ بِأَوجِ الحُسْنِ أَغَلى مَهْرَهَا / شَرَفٌ فَلَيْس غَلاَؤُهُ بِغَلاَءِ
أَيُضَنُّ عَنْهَا بِالنَّفِيسِ وَدُونَها / يَهَبُ الحُمَاةُ نُفُوسَهُمْ بِسَخاءِ
تِلْكَ القَوَافِي الشَّارِدَاتُ وَهذِهِ / آثَارُهَا فِي أَنفُسِ القُرَّاءِ
شَوْقِي إِخَالُكَ لَمْ تَقُلْهَا لاَهِياً / بِالنَّظمِ أَوْ مُتَبَاهِياً بِذَكَاءِ
حُبُّ الحِمَى أَمْلَى عَلَيْكَ ضُرُوبَهَا / متَأَنِّقاً مَا شَاءَ فِي الإِملاَءِ
أَعْظِمْ بِآياتِ الهَوَى إِذْ يَرْتَقِي / مُتجَرِّداً كَالجَوهَرِ الوضَّاءِ
فَيُطَهِّرُ الوِجْدَانَ مِنْ أَدْرَانِهِ / وَيَزِينُهُ بِسَواطِعِ الأًضوَاءِ
وَيُعِيدُ وَجْهَ الغَيْبِ غَيْرَ مُحَجَّبٍ / وَيَرَدُّ خَافِيةً بِغَيرِ خَفَاءِ
أَرْسَلْتَها كَلِماً بَعِيدَاتِ المَدَى / تَرْمِي مَرَامِيَهَا بِلاَ إِخْطَاءِ
بيْنَا بَدَتْ وَهْيَ الرُّجُومُ إِذ اغْتَدَتْ / وَهْيَ النُّجُومُ خَوَالِدَ اللَّأْلاَءِ
مَلأَتْ قُلُوبَ الْهائِبِينَ شَجَاعَةً / وَهَدَتْ بَصائِرَ خَابِطِي العَشْوَاءِ
مِنْ ذلِكَ الرُّوحِ الكَبِيرِ وَمَا بِهِ / يَزدَانُ نَظْمُكَ مِن سَنىً وَسَنَاءِ
أَعْدِدْ لِقَوْمِكَ وَالزَّمَانُ مُهَادِنٌ / مَا يَرتَقُونَ بِهِ ذُرَى العَليَاءِ
أَلْيَوْمَ يَوْمُكَ إِنَّ مِصرَ تَقَدَّمَتْ / لِمَآلِهَا بِكَرَامَةٍ وَإبَاءِ
فَصغِ الحُليَّ لَهَا وَتَوِّجْ رَأْسَهَا / إِذْ تَسْتَقِلُّ بِأَنْجُمٍ زَهْرَاءِ
يَا سَعْدَ هَذِي اللَّيْلَةِ الزَّهْرَاءِ
يَا سَعْدَ هَذِي اللَّيْلَةِ الزَّهْرَاءِ / جَدَّدْتِ عَهْدَ السَّعْدِ بِالْحَمْرَاءِ
جَدَّدْتِهِ فِي مِصْرَ فِي الدِّارِ الَّتي / كَانَتْ وَظَلَّتْ مُلْتَقَى الأُمَرَاءِ
فِي حَيْثُ أَعْلَى المَالِكِينَ مَكَانَةً / نَزَلُوا مَنَازِلَهُمْ مِنَ العَلْيَاءِ
فِي حَيْثُ إِسْمَاعِيلُ لاَحَ بِنُبْلِهِ / فَوْقَ السُّهَى لِضُيُوفِهِ النُّبَلاَءِ
هَلْ كَانَ إِسْمَاعِيلُ إلاَّ صُورَةً / شَرْقِيَّةً لِلعِزَّةِ الْقَعْسَاءِ
بِنَدَاهُ وَادِي النِّيلِ سَالَ وَبِالذِي / أسْدَاهُ طَالَ عَلَى الذُّرَى الشَّمَّاءِ
أُنْظُرْ إلى آثَارِهِ يُزْهَى بِهَا / قَطْرَاهُ فِي دَانِيهِمَا وَالنَّائِي
هَذِي الْجَزِيرَةُ مِنْ بَدَائِعِ خَلْقِهِ / بِغِيَاضِهَا وَرِيَاضِهَا الْفَيْحَاءِ
وبِنائِهَا الفَخْمِ الْبَدِيعِ نِظَامُهُ / مِنْ صُنْعِ ذَاكَ المُبْدِعِ البّنَّاءِ
لِلّهِ آيَاتُ الصِنَّاعَةِ فِي الدُّمَى / مَنْ شَارَكَ الرَّحْمَنَ فِي الإِحْيَاءِ
للهِ ناطِقةُ النُقُوشِ أَهكَذَا / تُعطَى الكَلامَ جَوَامِدُ الَأشيَاءِ
للهِ مِطْفَرَةٌ تُصَعِّدُ قَطْرَهَا / وَتَرُدُّهُ صَبَباً عَلَى الأَنْحَاءِ
تَجِدُ النُّجُومَ حِيَالَهَا ضَحَّاكَةً / بِشُعَاعِهَا بَكَّاءَةً بِالْمَاءِ
قَدْ أَخْلَفَتْ بِسُكُونِهَا وَصَفائِهَا / فِعْلَ النُّجُومِ مُثِيرَةِ الأَنْوَاءِ
هَلْ غَيْرُ هَذَا الصَّرْحِ زِينَ بِمِثْلٍِ مَا / فِيهِ لإِينَاسٍ وَحُسْنِ لِقَاءِ
وَقِرَى الْعُيُونِ مِنَ الطَّرَائِفِ وَالْحِلَى / غَيْرُ القِرىَ مِنْ مَشْرَبٍ وَغِذاءِ
يَا مَنْ لَهُ صَدْرُ المَقَامِ تَجِلَّةً / وَهْوَ النَّزِيلُ وَلَيْسَ كَالنُّزَلاَءِ
هَذِي هِيَ الدَّارُ الَّتِي قَلَّدْتَهَا / شَرَفاً بِهِ تَاهَتْ عَلَى الْجَوْزَاءِ
شَرَفٌ بِهِ النَّبَأُ البَعِيدُ دَوِيُّهُ / يَخْتَالُ مَعْتَزَّاً عَلَى الأًنْبَاءِ
وَلآلِ لُطِفِ اللهِ مِنهُ كَرَامَةٌ / سَتَظَلُّ فِي الأَحْفادِ وَالأَبْنَاءِ
إنِّي لِهذا الفَضلِ عَنْهُمْ شَاكِرٌ / وَالشُّكرُ فِي السَّادَاتِ خَيرُ وَفَاءِ
شكرٌ زَهَا شِعْرِي بِهِ مُتَهَلِّلاَ / كَتَهَلُّلِ النُّوَّارِ بِالأَنْدَاءِ
أَنَّى تَكُنْ لاَ غَروَ أنْ يُلْفَى الحِمى / وَبِهِ رَوَائِعُ مِنْ سَنىً وَسَنَاءِ
أَفَلَمْ تَكُنْ شِبْلَ الحُسِينِ وَرَأْيَهُ / وَفِرِنْدَهُ فِي السِّلْم وَالهَيْجَاءِ
مَلِكٌ بِهِ رَحِمُ النُّبُوءَةِ وَاشِجٌ / وَلَهُ جَلاَلُ الصِّيدِ فِي الخُلَفَاءِ
أَهْدَى العُرُوشَ إِلَى بَنِيهِ وَبَثَّهُمْ / فِي الشَّرْقِ بَثَّ الشَّمْسِ لِلأَضْواءِ
أًعْظِمْ بِعَبدِ اللهِ نَجلاً صَالِحاً / يَقفُو أَبَاهُ حِجىً وَحُسْنَ بَلاَءِ
فِيهِ النَّزَاهَةُ وَالنَّبَاهَةُ يَعْتَلِي / بِهِما عَلَى الأَنْدَادِ وَالنُّظَرَاءِ
جَمَعَ الوَدَاعَةَ وَالإِبَاءَ فَحَبَّذَا / هُوَ مِنْ أَمِيرِ وَدَاعَةٍ وَِإبَاءِ
خُلُقَانِ كُلُّهُمَا إِلَيْهِ قَدِ انْتَهَى / عَنْ أَكْرَمِ الأَجْدَادِ وَالآبَاءِ
وَلَهُ مُروُءَاتٌ تُجَابُ بِذِكْرِهَا / جَوْبَ الرِّياضِ مَجَادِبُ البَيْدَاءِ
وَلَهُ فَضَائِلُ إنْ تَحَدَّثَ عَارِفٌ / عَنْهَا عَرَتْهُ نَشْوَةُ الصَّهْبَاءِ
وَلَهُ وَقَائِعُ فِي البَسَالَةِ يَزْدَهِي / بِصِغارِهِنَّ أَكَابِرُ البُسَلاَءِ
وَلَهُ طَرَائِفُ فِي السَّمَاحَةِ نَقَّحَتْ / مَا أَخْطَأَتْهُ طَرَائِقُ السُّمَحَاءِ
فَهْوَ الحَبِيبُ إِلى الوُلاَةِ مُصَافِياً / وَهُوَ البَغِيضُ وَغَىً عَلَى الأَعْدَاءِ
لاَ زِلْتَ عَبْدَ اللهِ فِي هَامِ الْعُلَى / تَاجاً يَفِيضُ بِبَاهِرِ الَّلأْلاَءِ
لِلْمَجْدِ سِرٌّ فِيكَ نَاطَ بِهِ غَداً / وَغَداً يُحَقِّقُ فِيكَ خَيْرُ رَجَاءِ
كنَّا وَقَدْ أَزِفَ المَسَاءْ
كنَّا وَقَدْ أَزِفَ المَسَاءْ / نَمْشِي الهُوَيْنَا فِي الْخَلاَءْ
ثَمِلَيْنِ مِنْ خَمْرِ الْهَوِى / طَرِبَيْنِ مِنْ نَغَمِ االْهَوَاءْ
مَتَشَاكِيَيْنِ هُمُومَنَا / وَكَثِيرُهَا مَحْضُ اشْتِكَاءْ
حَتَّى إِذَا عُدْنَا عَلَى / صَوْتِ المُؤَذِّنِ بِالْعَشَاءْ
سِرْنَا بِجَانِبِ مَنْزِلٍ / مُتَطَامِنٍ وَاهِي الْبِنَاءْ
فَاسْتَوْقَفَتْنِي وَانْبَرَتْ / وَثْباً كَمَا تَثِبُ الظِّبَاءْ
حَتَّى تَوَارَتْ فِيهِ عَنِّ / ي فَانْتَظَرْتُ عَلَى اسْتِيَاءْ
وَارْتَبْتُ فِي الأَمْرِ الَّذِي / ذَهَبَتْ إِلَيْه فِي الْخَفَاءْ
فَتَبِعْتُهَا مُتَضَائِلاً / أَمْشِي وَيَثْنِينِي الْحَيَاءْ
فَرَأَيْتُ أُمّاً بَادِياً / فِي وَجْهِها أَثَرُ الْبُكَاءْ
وَرَأَيْتُ وُلْداً سَبْعَةً / صُبُراً عَجَافاً أشْقِيَاءْ
سُودَ المَلاَبِسِ كَالدُّجَى / حُمْرَ المَحَاجِرِ كَالدِّمَاءْ
وَكَأّنَّ لَيْلَى بَيْنَهُمْ / مَلَكٌ تَكَفَّل بِالعَزَاءْ
وَهَبَتْ فَأَجْزَلَتِ الْهِبا / تِ وَمِنْ أَيَادِيهَا الرَّجَاءْ
فَخَجِلْتُ مِمَّا رَابَنِي / مِنْهَا وَعْدْتُ إلى الْوَرَاءْ
وَبَسَمْتُ إِذْ رَجَعَتْ فَقُلْ / تُ كَذَا التِّلَطُّفُ فِي الْعَطَاءْ
فَتَنَصَّلتْ كَذِباً وَلَمْ / يَسْبِقْ لَهَا قَوْلُ افْتِرَاءْ
وَلَرُبَّمَا كَذَبَ الْجَوَا / دُ فَكَانَ أَصْدَقَ فِي السَّخَاءْ
فَأَجَبْتُهَا أَنِّي رَأَيْ / تُ وَلاَ تُكَذِّبُ عَيْنٌ رَاءْ
لاَ تَنْكِرِي فَضْلاً بَدَا / كَالصُّبْحِ نمَّ بِهِ الضِّيَاءْ
يُخْفِي الْكَرِيمُ مَكَانَهُ / فَتَرَاهُ أطْيَارُ السَّمَاءْ
ثُمَّ انْثَنَيْنَا رَاجِعَيْ / نِ وَمِلْءُ قَلْبَيْنَا صَفَاءْ
مُفَكِّهَيْنِ مِنَ الأَحَا / دِيثِ الْعِذَابِ بِمَا نَشَاءْ
فَإِذَا عُصَيْفِيرٌ هَوَى / مِنْ شُرْفَة بِيَدِ الْقَضَاءْ
عَارٍ صَغيرٌ وَاجِفٌ / لَمْ يَبْقَ مِنْهُ سِوَى الذَّمَاءْ
ظَمْآنُ يَطْلُبُ رِيَّهُ / جَوْعَانُ يَلْتَمِسُ الْغِذَاءْ
وَلَشَدَّ مَا سُرَّتْ بِهَ / ذَا الضَيْفِ لَيْلَى حِينَ جاءْ
فَرِحَتْ بِطِيبِ لِقَائِهِ / فَرَحَ المُفَارِقِ بِاللِّقَاءْ
وَاسْتَنْفَدَتْ لِبَقَائِهِ / حِيَلَ الْحَرِيصِ عَلَى الْبَقَاءْ
تَحْنُو عَلَيْهِ كَأُمِّهِ / وَتَضُمُّهُ ضَمَّ الإِخَاءْ
فَحَمِدْتُ مِنْهَا بِرَّهَا / بِالْبَائِسِينَ الأَشْقِيَاءْ
قَالَت وَهَلْ لَهْوٌ بِعُصْ / فُور جَدِيرٌ بِالثَّنَاءْ
فَأَجَبْتُهُا هِيَ آيَةٌ / للهِ فِيكِ بِلاَ مِرَاءْ
يُخْفِي الكَرِيمُ مَكَانَهُ / فَتَرَاهُ أَطْيَارُ السَّمَاءْ
وَفَدَ الرَّبِيعُ إِلَيْكِ قَبْلَ أَوَانِهِ
وَفَدَ الرَّبِيعُ إِلَيْكِ قَبْلَ أَوَانِهِ / يُهْدِي حِلَى جَنَّاتِهِ الْفَيْحَاءِ
مِنْ كُلِّ بَارِعَةِ الْجَمَالِ يُرَى بِهَا / شَبَهٌ لِبَعْضِ خِلاَلِكِ الحَسْنَاءِ
فِي النَّظْمِ أَوْ فِي النَّثْرِ مِنْ طَاقَاتِهَا / لُطْفُ البَيَانِ وَرَوْنَقُ الإِخْفَاءِ
نَمَّ البَدِيعُ بِحُسْنِهَا فَرَأَى النُّهَى / مِنْ فَنِّهَا مَا لَيْسَ بِالمُتَرَائِي
أَبْهِجْ بِإِكْلِيلِ الزَّفَافِ وَقَدْ جَلاَ / لِلْعَيْنِ كُلَّ أَثِيرَةٍ غَرَّاءِ
لَوْ شِئْتِ صِيغَ مِنَ الفَرِيدِ وَمَا وَفَى / لَكِنْ أَبَيْتِ وَكَانَ خَيْرَ إِبَاءِ
هَلْ فِي يَدِ الدِّهْقَانِ أَبْهَجُ زِينَةً / مِنْ زِينَةِ البُسْتَانِ لِلْعَذْرَاءِ
صَفَتِ السَّمَاءُ فَخَالَفَتْ مِنْ عَهْدِهَا / وَالفَصْلُ لِلأَمْطَارِ وَالأَنْوَاءِ
شَفَّافَةً يُبْدِي جَمِيلُ نَقَائِهَا / مَا فِي ضَمِيركِ مِنْ جَمِيلِ نَقَاءِ
جَادَتْ عَلَيْكِ بِشَمْسِهَا وَكَأَنَّهَا / لَكِ تَسْتَقِلُّ جَلاَلَةَ الإِهْدَاءِ
هَذِي مَلِيكَاتُ الَّلآلِيءِ أَقْبَلَتْ / تَفْتَرُّ عَنْ قِطَعٍ مِنَ اللأْلاَءِ
بَادٍ صَفَاءُ القَطْرِ فِي قَسِمَاتِهَا / وَتَنَافُسِ الأَلْوَانِ وَالأَضْوَاءِ
ظَلَّتْ تَكَوَّنُ فِي حَشَى أَصْدَافِهَا / كَتَكَوُّنِ الأَنْوَارِ فِي أَفْيَاءِ
وَقَضَتْ عُصُوراً سَيِّدَاتِ بِحَارِهَا / يُسْعَى لَهَا مِنْ أَبْعَدِ الأَنْحَاءِ
حَتَّى إِذَا حُمِلَتْ إِليْكَ سَبِيَّةً / مَجْلُوبَةً فِي جُمْلَةِ الآْلاَءِ
وَجَدَتْ عَزَاءً فِي رِحَابِكِ طَيِّباً / عَنْ عَزِّهَا المَاضِي وَأَيَّ عَزَاءِ
بِلِقَائِهَا حُسْناً يُضَاعِفُ مَا بِهَا / مِنْ رَوْنَقٍ وَنَفَاسَةٍ وَبَهَاءِ
وَجِوَارِهَا شِيَماً كَرَائِمَ صُنْتِهَا / فِي خِدْرِ عِصْمَتِهَا عَنِ الرُّقَبَاءِ
لاَ غَرْوَ أَنَّ المَاسَ أَكْرَمُ جَوْهَرٍ / خَبَأَتْهُ أَرْضٌ مِنْ كُنُوزِ سَمَاءِ
كَمْ فِي مَنَاجِمِهِ تَسَهَّدَ كَوْكَبٌ / مُتَوَاقِّداً كَأَخِيهِ فِي الظَّلْمَاءِ
يَشْتَاقُ أَنْ يَلْقَى الصَّبَاحَ وَلَوْ تَوَى / وَيُسَاءُ أَنْ يَبْقَى سِرَاجَ مَسَاءِ
حَتَّى حَلِيتِ بِهِ فَقَرَّ مُنَعَّماً / وَغَدَا تَحَرُّقُهُ تَوَهُّجَ مَاءِ
وَلَعَلَّ مُنْفَرِداً بِجِيدِكِ عَالِقاً / مُتَفَوِّقاً قَدْراً عَلَى النُّظَرَاءِ
دُعِيَ اليَتِيمُ مِنَ التَّوَحُّدِ فَادَّعَى / حَقًّا عَلَيْكِ لِكُلِّ حِلْفِ شَقَاءِ
وَمِنَ الكِيَاسَةِ وَهْوَ أَصْلَبُ جَوْهَرٍ / أَنْ رَقَّ رِقَّةَ أَدْمُعِ الْفُقَرَاءِ
فَأَصَابَ عِنْدَكِ وَالشَّفَاعَةُ لاسْمِهِ / حَظَّ اليَتيمِ وَفَازَ بِالإِيوَاءِ
مَا يَغْلُ مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ لِحِكْمَةٍ / جَلَّتْ غَلاَءَ المَاسِ فِي الأَشْيَاءِ
هُوَ بِالْمَتَانَةِ وَالسَّنَى مِرْآةُ مَا / بِكِ مِنْ وَفَاءٍ ثَابِتٍ وَذَكَاءِ
يَا مَعْدِنَ الذَّهَبِ الَّذِي فِي لَوْنِهِ / لِلشَّمْسِ مَسْحَةُ بَهْجَةٍ وَرُوَاءِ
يَا مُدْنِيَ الأَرَبِ البَعِيدِ مَنَالُهُ / وَلَقَدْ أَقُولُ مُنِيلُ كُلِّ رَجَاءِ
يَا مُرِخصاً مِنْ كُلِّ نَفْسٍ مَا غَلاَ / حَاشَا نُفُوسِ العِلْيَةِ النُّبَلاَءِ
إِنْ أَلَّهَتْكَ النَّاسُ كُنْ عَبْداً هُنَا / وَاخْضَعْ لِهذِي الشِّيمَةِ الشَّمَّاءِ
وَزِنَ الَّتِي دَفَعَتْ ضَلاَلَكَ بِالْهُدَى / وَسَوَادَ مَكْرِكَ بِاليَدِ البَيْضَاءِ
عَجباً أَرَى وَلَعَلَّ أَعْجَبَ مَا يُرَى / دُنْيَا الخَلاَئِقِ تَنْبَرِي لِفِدَاءِ
لماحَةً لِلْغَيْبِ شَاعِرَةً بِهِ / حَتَّى لَيَحْضُرُهَا الْخَفِيُّ النَّائِي
تِلْكَ الرَّوَاعِي كُلَّ أَخْضَرَ نَاعمٍ / مِنْ كُلِّ نَاعِمَةِ الْخُطَى مَلْسَاءِ
مَنْ بَثَّ فِيهَا وَهْيَ تَقْنِي قَزَّهَا / مِنْ بَذْلِهَا أَعَمَارَهَا بِسَخَاءِ
أَنَّ الَّذِي تَقْضِي شَهِيدَةَ نَسْجِهِ / لَكِ فِيهِ سَعْدٌ وَامْتِدَادُ بَقَاءِ
هَبَّتْ صَبِيَّاتُ المَزَارِعِ بُكْرَةً / يَخْطِرْنَ بَيْنَ السَّيْرِ وَالإِسْرَاءِ
مِنْ كُلِّ عَاصِيَةِ النُّهُودِ بِهَا تُقًى / مِطْوَاعَةِ الأَعْطَافِ ذَاتِ حَيَاءِ
نَادَى بِهَا الْبُشَرَاءُ حَيِّ عَلَى الْجَنَى / فَعَدَتْ تُلَبِّي دَعْوَةَ الْبُشَرَاءِ
وَالْقُطْنُ مُوفٍ ضَاحِكٌ بِبَياضِهِ / وَصَفَائِهِ مِنْ كُدْرَةِ الْغَبْرَاءِ
يَشْقُقْنَ مِثْلَ السِّتْرِ مِنْ جَنَبَاتِهِ / وَيَخُضْنَ شِبْهَ الْبَحْرِ في الأَثْنَاءِ
مُتَغَنِّيَاتٍ مِنْ أَهَازِيجِ الصِّبا / مَا شَاءَ وَحْيُ هَوَىً وَطِيبُ هَوَاءِ
يُنْشِدْنَ مِنْ وَصْفِ المَخِيلَةِ جَلْوَةً / لَعَرُوسِ شِعْرٍ زَيْنَةٍ هَيْفَاءِ
حُورِيَّةٍ عَيْنَاءَ أَبْهَى مَا يُرَى / فِي الْغِيدِ مِنْ حُورِيَّةٍ عَيْنَاءِ
وَفَرَ الإِلَهُ لَهَا الَعْطَاءَ فَلَمْ يَعُدْ / عَنْ بَابِهَا عَافٍ بِغَيْرِ عَطَاءِ
وَبِأَمْرِهَا تَعْرَى الْحُقُولُ فَتَنْثَنِي / أُمُّ الْعُرَاةِ بِمِيرَةٍ وَكِسَاءِ
تِلْكَ الَّتِي أَكْبَرْنَهَا وَنَعَتْنَهَا / بِأَحَاسِنِ الأَوْصَافِ وَالأَسْمَاءِ
كَانَتْ عَرُوسَ تَوَهُّمٍ فَتَحَقَّقَتْ / بِصِفَاتِهَا وَغَدَتْ مِنَ الأَحْيَاءِ
أَعَرَفْتَها فَلَقَدْ أَكُونُ بِمَسْمَعٍ / مِنْهَا أَقُولُ الشِّعْرَ وَهْيَ إِزَائِي
للهِ أًجْهِزَةُ الْحَدِيدِ مُدَارةً / تَأْتِي بِأَثْوابٍ زَهَتْ وَمُلاَءِ
عَجَبٌ ضَخَامَتُهَا وَدِقَّةُ صُنْعِهَا / كَمْ رِقَّةٍ معي غِلْظَةِ الأَعْضَاءِ
مَنْ كَانَ يَحْسِبُ أَنَّ عَنْتَرَةً يُرَى / مُتَفَوِّقاً ظَرْفاً عَلَى الشُّعَرَاءِ
قَالَ امْرُؤٌ مِنْ سَامِعِي ضَوْضَائِهَا / وَشُهُودِ تِلْكَ الْجَهْمَةِ السَّوْدَاءِ
إِنَّ ابْتِساماً لاَحَ مِنْهَا عِنْدَ مَا / جَاءَتْ بِهذِي الْحُلَّةِ البَيْضَاءِ
أَليَوْمَ عِيدٌ فِي تَقَاسُمِ حَظِّهِ / لِلْبَائِسِينَ رِضىً وَلِلسُّعَدَاءِ
مَا اسْطَاعَ فِيهِ الدَّهْرُ أَشْكَى كُلَّ ذِي / شَكْوَى وَهَادَنَ كُلَّ ذِي بُرَحَاءِ
عَمَّ السُّرُورُ وَتَمَّ حَتَّى لَمْ يَكَدْ / أَثَرٌ يُرَى لِتَفَرُّقِ الأَهْوَاءِ
كُلٌّ بِهِ مِنْ شَاهِدٍ أَوْ غَائِبِ / أَثْنَى عَلَيْكِ وَقَدْ ثَنَى بِدُعَاءِ
بِنتَ السَّلِيمِ وَجَلَّ مِنْ رَجُلٍ سَمَا / بِصَوَادِقِ العَزَمَاتِ وَالآرَاءِ
أَلفَخْرُ حَقُّ مَنِ الثُّرَيَّا أُمُّهَا / نَسَباً وَوَالِدُهَا أَخُو الْجَوَزَاءِ
مِنْ أُسْرةٍ هُمْ أَهْلُ كُلِّ مُروُءَةٍ / يَوْمَ الْحِفَاظِ وَأَهْلُ كُلِّ ثَنَاءِ
إِنْ عَالَنُوا لِتِجَارَةٍ فَلَطَالَمَا / بَذَلُوا النَّوَالَ الْجَمَّ رَهْنَ خَفَاءِ
بِتَرَفُّعِ عَنْ كُلِّ فَخْرٍ بَاطِلٍ / وَتَجَنُّبِ فِي البِرِّ لِلْغَوْغَاءِ
لِيَكُنْ لَكِ الْحَظُّ الَّذِي تَرْجِينَهُ / فَلَقَدْ ظَفِرْتِ بِأَكْرَمِ الأَكْفَاءِ
نَسْلِ الأَمَاجِدِ مِنْ أَمَاجِدِ قَدْ زَكَتْ / أَنْسَابُهُمْ فِي دَوْحَةِ العَلْيَاءِ
جَمَعَ الصِّحَابَ علَى هَوىً وَإِخَاءِ
جَمَعَ الصِّحَابَ علَى هَوىً وَإِخَاءِ / نَجْمَانِ مِنْ صَدْنَايَا وَالشَّهْبَاءِ
طَلَعَا بِأُفْقِ النِّيلِ وَانْجَلَيَا بِهِ / فِي هَالَةٍ مِنْ سُؤْدِدٍ وَعَلاَءِ
فَلَكُ الكَنَانَةِ وَهْوَ جَوْهَرَةُ الْعُلَى / يَجْلُو سَنَاهُ كَوَاكِبَ الأَحْيَاءِ
تَتَلَفَّتُ الدُّنْيَا إلى أَضْوَائِهَا / مَبْهُورَةً بِسَواطِعَ الأَضْوَاءِ
فَرَنَا إِلَيْهَا حَبرُ رَوُمَةَ وَانْثَنَى / يَهْدِي إلى النِجْمَينِ طِيبَ ثَنَاءِ
شَغَفَتْهُ آياتُ المآثِرِ منْهُمَا / فَجَزَى عَلَى الآلاءِ بالآلاءِ
وَدَعَا إِلى الرِّحْمَنِ فِي صَلَوَاتِهِ / يَا رَبِّ بَارِكْ دَارَةَ الكُرَمَاءِ
حَفْلٌ جَلاَهُ الفَرْقَدَانِ كَمَا جَلاَ / نَجْمُ المَجُوسِ مَغَارَةَ العَذْرَاءِ
جِئْنَا إِليَهِ وَفِي الوِطَابِ نَفَائِسٌ / عَلَوِيِّةٌ قَصُرَتْ عَلَى الأٌمَرَاءِ
المُرُّ فِيهَا وَاللُّبَانُ نَثِيرُنَا / وَالتِّبْرُ بَعْضُ خَوَاطِرِ الشُّعَرَاءِ
الشِّعْرُ سِفْرُ الْمَكْرُمَاتِ يَصُونُهَا / حِرْصاً وَيَنْقُلُهَا إِلى الأَبْنَاءِ
لَوْلاَهُ لَمْ تُعْرَفْ عَلَى طُولِ المَدَى / غِرَرُ وَلاَ رُهِنَتْ بِطُولِ بَقَاءِ
غَنَّتْ بَلاَبِلُهُ بِأَيْكَةِ نَدْوَةٍ / مُتَصَدِّرٌ فِيهَا أَبُو الآبَاءِ
النُّورُ فِي قَسَمَاتِهِ وَالحَقُّ فِي / كَلِمَاتِهِ وَالطُّهْرُ فِي الحَوَبَاءِ
مُتَهَجِّدٌ للهِ مُضْطَّلِعٌ عَلَى / وِقَرِ السِّنِينَ بِفَادِحِ الأَعْبَاءِ
مُسْتَمْطِرٌ لِلنَّاسِ رَحْمَةَ رَبِّهِ / مُتَشَفِّعٌ لَهُمُ مِنَ الأَخْطاءِ
وَإِذَا عَلَى العَرْشِ اسْتَوى فَكَأَنَّهُ / موسَى الكَليمُ عَلَى ذُرَى سيناءِ
بَسَطَ اليَدَ البَيْضَاءَ جَمَّلَهَا التُقَى / لِيزِينَ صَدْرُ ذَوِي يَدٍ بَيْضَاءِ
نَعْمَاءَ جَادَ بِهَا خَلِيفَةُ بُطْرُسَ / وَاللهُ فِيهَا الوَاهِبُ النُّعْمَاءِ
هذِي الرَّصِيعَةُ بَعْضُ مَا زَخَرَتْ بِهِ / كُتُبُ المَلاَئِكِ مِنْ سَنِيِّ جَزَاءِ
حَيِّ الرِّفَاقَ الأَكْرَمِينَ وَقُلْ لَهُمْ
حَيِّ الرِّفَاقَ الأَكْرَمِينَ وَقُلْ لَهُمْ / إِنَّا لَكُمْ فِي عِيدِكُمْ شُرَكَاءُ
مَا بَيْنَ مِصْرَ وَبَيْنَ لُبْنَانَ مَدَىً / نَاءٍ وَقَدْ أَدْنَى الْقُلُوبَ إِخاءُ
إِنَّ الَّذِي أَجْمَعْتُمُ إِكْرَامَهُ / لَمْ تَخْتِلفْ فِي حُبِّهِ الأَهْوَاءُ
فِي عِيدِهِ الْفِضِّيِّ زَمْرٌ تَنْجَلي / بِبَيَاضِهِ أَخْلاَقُهُ العَزَّاءُ
خَدَمَ المُوَاطِنَ خِدَمَةً لَمْ يَأْتِهَا / إِلاَّ الرُّعَاةُ الْجِلْسَةُ العُظَمَاءُ
وَبَنَى لأُمَّتِهِ فَخَاراً بَعْدَ أَن / كَادَتْ تَلُمُّ بِعِرْضِهَا الأَرْزَاءُ
مُسْتَنْصِراً إِيمانَهُ وَثَبَاتَهُ / وَخُلُوصَهُ إِنْ فَاتَهُ النُّصَرَاءُ
يَرْعَى مَدَارِسَهَا وَيَكْلأُ نِشْأَهَا / وَالنِّشْءُ لِلْعَهْدِ الجَدِيِدِ بِنَاءُ
وَيَعِمُّ كُلَّ مَبَرَّةٍ بِعِنَايَةٍ / مِنْهُ فَلَمْ يُخْصِصْ بِهَا الْفُقَرَاءُ
مُتُعَهِّداً أَبَداً رَعِيَّتَهُ فَلاَ / سَأْمٌ يُثَبِّطُهُ وَلاَ أَعْيَاءُ
زُهِيَتْ مَوَاعِظُهُ بِكُلِّ يَتِيمَةٍ / فِي كُلِّ دَاجِيَةٍ لَهَا لأْلاَءُ
إنْ أكْبَرَ الْعُلَمَاءُ حِكْمَتَهُ فَقَدْ / فُتِنَتْ بِحُسْنِ بَيَانِهَا الأُدَبَاءُ
تَقْوَى وَعَقْلٌ رَاجِحٌ وَطَوِيَّةٌ / لاَ تَلْتَوِي وَكِيَاسَةٌ وَذَكَاءُ
وَعَزِيَمَةٌ غَلاَّبَةٌ وَفَصَاحَةٌ / خَلاَّبَةٌ وَكَرَامَةٌ وَإِبَاءُ
هَذِي مَنَاقِبُهُ وَحَسْبِي ذِكْرُهَا / حَتَّى يُخَيِّلَ أَنَّهُ إِطْرَاءُ
إنْ لَمْ يَكُنْ شُكْرُ العَدَولِ جَزَاءَهَا / فَعَلاَمَ في الدُّنْيَا يَكُونُ جِزَاءُ
كَانُوا ثَمَانِيَةٌ مِنَ النُّدَمَاءِ
كَانُوا ثَمَانِيَةٌ مِنَ النُّدَمَاءِ / مُتَآلِفِينَ كَأَحْسَنِ الرُّفَقَاءِ
فِي مَجْلِسٍ حَجَبَ الشَّبَابُ بِأَمْرِهِمْ / أَبْوَابَهُ إِلاَّ عَلَى السَّرَّاءِ
مُتُحَدِّثينَ وَلاَ يَطِيبُ لِمِثْلِهِمْ / إِلاَّ حَدِيثُ الحُسْنِ وَالحَسْنَاءِ
حَتَّى إِذَا اعْتَكَرَ الظَّلامُ وَمُزِّقَتْ / أَحْشَاؤُهُ فَدَمِينَ بِالأَضْوَاءِ
وَتَثَاقَلَتْ أَشْبَاهُهمْ وتَخَفَّفَتْ / أَرْوَاحُهُمْ مِنْ نَشْوَةِ الصَّهْبَاءِ
أَصْغُوْا لِقَوْلِ فَتىً جَرِيءٍ مِنْهُمُ / غَضِّ الشَّبِيبَةِ جَامِحِ الأَهْوَاءِ
يَا أَيُهَا الإِخْوَانُ أَسْمَعُ نِسْوَةً / بِجِوَارِنَا فِي حَفْلَةٍ وَغِنَاءِ
فَهَلُمَّ نَحْتَلْ حِيلَةً فَيَجِئْنَنَا / لاَ خَيْرَ فِي أُنْسِ بِغَيْرِ نِسَاءِ
قَالُوا فَما هِيَ قَالَ أَرْقُدُ مُوهِماً / أَنِّي قَضَيْتُ مُعَاجَلاً بِقَضَاءِ
فَإذَا انْتَحَبْتُمْ جِئْنَكُمُ فَبَرَزْتُ مِنْ / كَفَنِي وَفُزْنَا بِاجْتِمَاعِ صَفَاءِ
فَنَعَاهُ نَاعٍ رَاعَهُنَّ فَجِئْنَ فِي / هَرَجٍ لِتَوْدِيعِ الفَقِيدِ النَّائِي
وَبَكَيْنَهُ حَتَّى إِذا أَدْرَكْنَ مَا / كَادُوا لَهُنَّ وَثَبْنَ وَثْبَ ظِبَاءِ
يَضحَكْنَ أَشْبَاهَ الشُّمُوسِ تَأَلَّقَتْ / عَقِبَ الحَيَا وَضَّاءَةَ الَّلأْلاَءِ
وَحَفَلنْ حَوْلَ سَرِيرِهِ يَنْهَرْنَهُ / لَكِنْ أحَطْنَ بِصَخْرَةٍ صَمَّاءِ
فَرَفَعْنَ عَنْهُ غَطَاءَهُ فَوَجَدْنَهُ / بِالمَيْتِ أَشْبَهَ مِنْهُ بِالأَحْيَاءِ
عَالَجْنَهُ جُهْدَ العِلاَجِ وَلَمْ يَكُنْ / شَيْءٌ لِيُوقِظَهُ مِنَ الإِغْمَاءِ
حَتَّى إِذَا دُعِيَ الطَّبِيبُ فَجَاءَهُمْ / رَاعَ القُلُوبَ بِنَفْيَ كُلِّ رَجَاءِ
فَتَبَدَّلَتْ أَفْرَاحُهُمْ فِي لَحْظَةٍ / بِمَنَاحَةٍ وَسُرُورُهُمْ بِبُكَاءِ
وَأَبَاتَهُمْ هَذَا المِزَاحُ مِنَ الرَّدَى / فِي شَرِّ مَا يُبْكِي مِنَ الأَرْزَاءِ
لُوْ عَاشَ صَاحِبُهُمْ لَعَاشَ رَهِينَةً / مِنْ بَعْدِهَا لِلهَجْعَةِ السَّوْدَاءِ
وَكَذَا الْحَقِيقَةُ جِدُّهَا وَمِزَاحُهَا / سِيَّانِ في الإِشْقَاءِ وَالإِفْنَاءِ
الْيَوْمَ يَوْمُ مَصَارِعِ الشُّهَدَاءِ
الْيَوْمَ يَوْمُ مَصَارِعِ الشُّهَدَاءِ / هَلْ في جَوَانِبِهِ رَشَاشُ دَمَاءِ
للهِ غُيَّابٌ حضُورٌ في النُّهَى / مَاتُوا فَبَاتُوا أَخْلَدَ الأَحْياءِ
أَبْطَالُ تَفْدِيَةٍ لَقُوا جُهْدَ الأَذَى / في اللهِ وَامْتَنَعُوا مِنَ الإِيذاءِ
بُعَدَاءُ صِيتُ مَا تَوَخَّوْا شُهْرَةً / لَكِنْ قَضَوْا فِي ذِلَّةٍ وَعَنَاءِ
لَبِثُوا عَلَى إِيمَانِهِمْ وَيَدُ الرَّدَى / تَهْوِي بِتِلْكَ الأَرْؤُسِ الشَّمَّاءِ
سَلِمَتْ مَشِيئَتُهُمْ وَمَا فِيهِمْ سِوَى / مُتَقَطِّعِي الأَوْصَالِ وَالأَعْضَاءِ
صَبَرُوا عَلَى جَبَرُوتِ عَاتٍ قَاهِرٍ / سَاءَ النُّهَى وَالدِّينَ كُلَّ مَسَاءِ
مَا كَانَ دِقْلِتْيَانَ إِلاَّ طَاغِياً / مَلَكَ الرِّقَابَ بِغِلْظَةٍ وَجَفَاءِ
لاَنَتْ لَهُ الصُّمُّ الصِّلاَدُ وَلَمْ تَلِنْ / شَيْئاً قُلُوبُ الصَّفْوَةِ الفُضَلاَءِ
حَاشَا الْحَقِيقَةِ كَمْ مِثَالٍ لا تَرَى / إِلاَّ الْبَقَايَا مِنْهُ عَيْنُ الْرَّائِي
ظَلَّتْ حَنَايَاهُ وَإنْ حُطِمَتْ عَلَى / مَا كَانَ فِيهَا مِنْ تُقىً وَرَجَاءِ
إِنَّ الْعَقِيدَةَ نِعْمَةٌ عُلْوِيَّةٌ / تَصْفُو عَلَى الْنِّقَمَاتِ وَالأَرْزَاءِ
تَجْنِي فَخَاراً مِنْ إِهَانَاتِ الْعِدَى / وَتُصِيبُ إِعْزَازاً مِنَ الإِزرَاءِ
بِكْرُ بِأًوجِ الْحُسْنِ غَالٍ مَهْرُهَا / لاَ تُشْتَرَى بِأَيَاسِرِ الأَشْيَاءِ
تُزْرَى النَّفَائِسُ دُونَهَا وَلَربَّمَا / بَذَلَ النُّفُوسَ حَمَاتُهَا بِسَخَاءِ
أَليَوْمَ بَدْءُ الْعَامِ عَامِ النِّيلِ فِي / إِقْبَالِهِ المُتَجَدِّدِ الَّلأْلاَءِ
مَا انْفَكَّ فِي أَقْسَامِهِ وفُصُولِهِ / شَرَعاً وَفي الأَوْضَاعِ وَالأسْمَاءِ
قَدْ أُحْكِمَتْ في كُلِّهِ أَجْزَاؤُهُ / فَبَدَا تَمَامُ الْكُلِّ بِالأَجْزَاءِ
عَجَبٌ لِقَوْمٍ لاَتَنِي آثَارُهُمْ / هِيَ أَعْظَمُ الآثَارِ في الْغَبْرَاءِ
قُصَّتْ حَوَاشِيهِمْ وَقُلِّصَ ظِلُّهُمْ / إِلاَّ كِفَاحَ بَقِيَّةٍ لِبَقَاءِ
وَعَفَتْ مَعَاهِدُ بَطشِهِمْ أَوْ أَوْشَكَتْ / وَهَوَتْ صُرُوحُ العِزَّةِ الْقَعْساءِ
إِلاَّ نِظَاماً فَصَّلُوهُ لِعَامِهِمْ / فَلَقَدْ أَقَامَ كَأَصْلِهِ المُتَنَائِي
كَمْ دَوْلَةٌ دَالَتْ بِمصْرَ وَحُكْمُهُ / مُتَوَارَثٌ عَنْ أَقْدَمِ الآباءِ
وَإذَا بَنَى الأَقْوَامَ فِكْراً صَالِحاً / فَالْفِكْرُ يَثْبُتُ بَعْدَ كُلِّ بِنَاءِ
أمهيئي هَذَا المقَامَ وَمُبْدِعِي / هَذَا النِّظَامَ لِحِكْمَةٍ غَرَّاءِ
إنْ أَرْجُ فَالإقْبَالُ مَا أَرْجُو لَكُمْ / وَإذَا دَعَوْتُ فَبِالرُّقِيِّ دُعَائِي
فُوْجِئتُ فِيكَ بِأَنْكَرِ الأَنْبَاءِ
فُوْجِئتُ فِيكَ بِأَنْكَرِ الأَنْبَاءِ / وفُجِعْتُ فِيكَ بِأَكْبَرِ الأَرْزَاءِ
للهِ صُبْحُكَ ما أَشَدَّ ظَلاَمَهُ / وَالضَّوْءُ فِيهِ بَاهِرُ اللأْلاَءِ
مَاذَا دَهَانِي فِيكَ يا إِلْفَ الصِّبَا / وَعَشِيرِيَ المَفْدِيَّ بِالعُشَرَاءِ
أَتَرَكْتَنِي بَعْدَ السُّرُورِ المُنْقَضِي / لِتَأَسُّفٍ لا يَنْقَضِي وَبُكَاءِ
ذَهَبَ النَّجِيبُ فلا نَجِيبَ إِذَا دَعَا / دَاعِي الوفاءِ وَكَانَ يَوْمَ وَفَاءِ
ذَهَبَ النديمُ فَلا نَدِيمَ إِذَا دَعَا / دَاعِي الصَّفَاءِ وَلاَتَ عَهْدَ صَفَاءِ
ذَهَبَ الفَتَى الحرُّ الضَّمِيرِ وَكَانَ مَنْ / يَرْقَى الذُّرَى لَو عاشَ عَيْشَ مِرَاءِ
ذَهَبَ الأَديبُ الأَلْمَعِيُّ وَإِنَّهُ / لَلأَلْمَعِيُّ الفَرْدُ في الأٌدَبَاءِ
ذَهَبَ الْذِي لَوْ شَاءَ نَظْمَ جُمَانِهِ / لَغَدَا المُشَارَ إِلَيْهِ فِي الشُعَرَاءِ
فَبِحُسْنِ أَيَّةِ شِيْمَةٍ طَاحَ الرَدَى / قَبْلَ الأَوَانِ وَنُورِ أَيِّ ذَكاءِ
آهاً مِنَ الدُنْيَا الغُرُورِ ويَا لَهَا / مِنْ طَيَّةٍ في صَفْوِهَا كَدْرَاءِ
مَضَتِ السِّنُونُ ثِقالُهَا كَخِفَافِهَا / وَتَقَلَّصَتْ كَتَقَلُّصِ الأَفْيَاءِ
أَيْنَ الأَمَانِيُّ أَلَّتِي كانتْ لنا / مَاذَا يُقِيمُ الرَّسْمَ فُوْقَ المَاءِ
هَذِي حياةٌ إِنْ تَطُلْ أَو لَمْ تَطُلْ / مَقْضِيَّةٌ كَتَنَفُّسِ الصُّعَدَاءِ
يَا أَيُّهَا النَّائِي تُشَيِّعُهُ النُّهَى / وَبِغَيرِ وُدِّ المَجْدِ أَنك نَاءِ
إِنْ تُمْضِ مَحْمُولاً على أَيْدِي الأَسَى / فَهْيَ الرِّكَابُ إلىَ أَحَبِّ بَقَاءِ
إِخوانُكَ البَاكُونَ حُولَكَ خُشَّعٌ / مِنْ هَوْلِ هَذِي البَغْتَةِ الدَّهْمَاءِ
هَيْهَاتَ أَنْ يَجِدُوا عَزَاءً صَادِقاً / وَحَبِيبُهُمْ أَمْسَى مِنَ الفُقَدَاءِ
أَمُفَارِقِيِهِ مِنْ أَعِزَّةِ آلِهِ / أَنَّي لَكُمْ وَلَنَا جميلَ عَزَاءِ
تَاللهِ ما أَدْرِي أَمَنْ مِنَّا قَضَى / أَمْ مَنْ أَقَامَ أَحقُّنَا بِرِثَاءِ
لِيَدُمْ مُنِيراً فَرْقَدَاهُ بُعْدَهُ / مُتَلأْلأً أَثْرَاهُ في الظَلْمَاءِ
ذَاكَ الهَوَى أَضْحَى لِقَلْبِي مَالِكا
ذَاكَ الهَوَى أَضْحَى لِقَلْبِي مَالِكا / وَلِكُلِّ جانِحَةٍ بِجِسْمِي مَالِئا
فَبِمُهْجَتِي ثَوَرَانُ بُرْكَانٍ جَوَى / وَبِظَاهِري شَخْصٌ تَراهُ هَادِئاً
الغَيْثُ جِدّاً في نِهَايَةِ أَمْرِهِ / مَا خِلْتُهُ إِحْدَى المَهَازِلِ بَادِئا
طَرَأَتْ عَليَّ صُرُوفُهُ مِنْ لَحْظَةٍ / في حِين أَحْسَبُنِي أَمَنْتُ لَطَارِئا
وَلَقَدْ َأَرَاهُ مَسْتَزِيداً شَقْوَتِي / لَوْ كَانَ لِي بَدَلُ الْمَحَبَّةِ شَانِئا
إنِّي لأَسْأَلُ بَارِئِي وَلَعَلَّهَا / أَوْلى ضِراعَاتِي أٌرَجِّي البَارئَا
أُمْنِيَتِي قُرْبِي لِشَمْسِي سَاعَةٌ / فَأَبِيدُ مُحْتَرِقاً وَلَكِنْ هَانِئَا
كَانَ الخَميسُ وَكُلَّ ظَني
كَانَ الخَميسُ وَكُلَّ ظَني / أَنَّنِي في الأَرْبَعَاءْ
فَحُرِمْتُ رَؤْيَةَ مَنْ أَوَدُّ / ورَاحَ ميَعادِي هَبَاءْ
عُذْراً أَخِي فَإِذَا قَبِلْتَ / وَأَنْتَ خَيْرُ الأَصْفِياءْ
لَمْ يُرْضِ نَفْسِي أَنَّهَا / قَدْ أخْطَأَتْ ذَاكَ الخَطَاءْ
هَلْ فَرْحَةٌ فِي العُمْرِ أَشْهَى / مِن لِقَاءِ الأَوْفِياءْ
عُوقِبْتُ عَنْ سَهْوِي وَقَدْ / يَقْسُو عِقَابُ الأَبْرِيَاءْ
عَذْرَاءُ لَوْ وُصِفَتْ مَعَاني حُسْنِها
عَذْرَاءُ لَوْ وُصِفَتْ مَعَاني حُسْنِها / لَتَكَاثَرَتْ في وَصْفِهَا الأَسْمَاءُ
كُلُّ النعُوتِ المُسْتَحَبَّةِّ نَعْتُهَا / بَيْنَ الأَوَانِسِ وَاسْمُهَا أَسْمَاءُ
نَثْنِي عَلَيْكِ وَهَلْ يُكَافِيءُ
نَثْنِي عَلَيْكِ وَهَلْ يُكَافِيءُ / بَعْضَ مِنَّتِكِ الثَّنَاءْ
أَعْيَتْ فِلَسْطِينَ الجّرَاحُ / وَمِنْ يَدَيْكِ أَتَى الدَّوَاءْ
وَمُحَمَّدُ ابنُكِ كَانَ أولَ / مُنْجِدٍ سَمِعَ الدُّعَاءْ
هَلاَّ اقْتَدَى بِكُمَا السَّراةُ / القَادِرُونَ الأَثْرِيَاءْ
جَادَ الأَمِيرُ بِصَيدِهِ
جَادَ الأَمِيرُ بِصَيدِهِ / فَدَعَتْ هَدِيَّتُهُ ثنَائِي
يَا طِيبَهُنَّ حَمَائِمَاً / عَلَّمَتْنِي حُسْنَ الوَفَاءِ
آوَيتُهُنَّ إلى الحَشَا / فَمَلأْنَ رَأْسِي بِالغِنَاءِ
سيمُونُ طَاسو نعمةٌ عَلَوِيَّةٌ
سيمُونُ طَاسو نعمةٌ عَلَوِيَّةٌ / مِمَّا بِهِ تَتَفَاخَرُ الآبَاءُ
فَإِذَا حَضَرْتَ عِمَادَهَا الأَسْنَى فَقُلْ / تَارِيخَ ثَالِثَةِ الشُّمُوسِ هَنَاءُ
في هُجْرَةٍ لاَ أُنْسَ فِيهَا
في هُجْرَةٍ لاَ أُنْسَ فِيهَا / لِلْغَرِيبِ وَلاَ صَفَاءْ
تَتَقَاذَفُ الآفَاقُ بِي / قَذْقَ العَوَاطِفِ لِلْهِبَاءْ
وَتُحيطُ بِي لُجَجُ الصَّرُوفِ / فَمِنْ بَلاَءٍ فِي بَلاَءْ
فوجئت فيك بأنكر الأنباء
فوجئت فيك بأنكر الأنباء / وفجعت فيك بأكبر الأرزاء
للَه صبحك ما أشد ظلامه / والضوء فيه باهر اللألاء
ماذا داهني فيك يا إلف الصبي / وعشيري المفدي بالشعراء
أتركتني بعد السرور المنقضي / لتأسف لا ينقضي وبكاء
ذهب النجيب فلا نجيب إذا دعا / داعي الوفاء وكان يوم وفاء
ذهب النديم فلا نديم إذا دعا / داعي الصفاء ولات عهد صفاء
ذهب الفتى الحر الصريح وكان من / يرقى الذرى لو عاش عيش مراء
ذهب الأديب الألمعي وأنه / للألمعي الفرد في الأدباء
ذهب الذي لو شاء نظم جمانه / لغدا المشار إليه في الشعراء
فبفضل آية شيمة طاح الردى / قبل الأوان ونور آي ذكاء
آهاً من الدنيا الغرور ويا لها / من طية في صفوها كدراء
مضت السنون ثقالها كخفافها / وتقلصت كتقلص الأفياء
أين الأماني التي كانت لنا / ماذا يقيم الرسم فوق الماء
هذي حياة إن تطل أو لم تطل / مقضية كتنفس الصعداء
يا أيها النائي تشيعه النهي / وبغير ود المجد إنك ناء
إن تمضي محمولاً على أيدي الأسى / فهي الركاب إلى أحب بقاء
إخوانك الباكون حولك خشعٌ / من هول هذي البغتة الدهماء
هيهات أن يجدوا عزاً صادقاً / وحبيبهم أمسى من الفقداء
ليدم لهم أخواك بعدك سلوةً / وينرهم أثراك في الغلماء
تاللَه ما أدرى أمن مناقضي / أم من أقام أحقنا برثاء