بَهَرَ الوُجُودَ بلؤلؤيِّ ضِيَائهِ
بَهَرَ الوُجُودَ بلؤلؤيِّ ضِيَائهِ / نَجْمٌ تألَّقَ في بَدِيع سَمائِه
لَبِسَ المَسَاءُ به غِلاَلةَ مُسْفِرٍ / حَتَّى كَأَنَّ الصُّبْحَ مِنْ أَسْمائه
وتَطَامَنَتْ زُهْرُ الكَواكِبِ هَيْبة / لِلْمُشْرِقِ الوَضَّاحِ في عَلْيائه
هَيْهاتَ أَيْنَ ضِياؤُها مِنْ ضَوْئِه / وسنَاؤُها مِنْ بُعْدِ أوْجِ سَنَائه
عَجَباً يَزيد ظُهورهُ بِعُلُوِّهِ / والنَّجْمُ يُعْرَفُ إِنْ عَلاَ بخَفائه
ما جَالَ في الآفاقِ أصْدقُ جَوْهراً / مِنْه وأَصْفَى مِنْ نَقي صَفائِه
يَلْقَاكَ نُورُ الْحَقِّ في لَمحَاتِه / ويَفِيضُ مَاءُ البِشْر مِنْ لأْلاَئِه
أَيْن النُّجُومُ جَلاَلُها ورُوَاؤُها / مِنْ عَبْقَرِيِّ جَلالِه ورُوَائه
نَجْمٌ أطَلَّ عَلَى الوُجُودِ فكَبَّرَتْ / زُمَرُ الوُجُودِ وهَلَّلتْ لِلِقَائه
وَرَنَتْ لَه الآمَالُ ظَمْأَى حُوَّماً / مَعْقُودةً أَبْصارُها برَجَائه
والنِّيلُ سَارَ يَجُرّ مِنْ أَذْيالِهِ / تِيهاً ويَمْرَحُ في مَدَى خُيَلاَئه
يَخْتَالُ ما بَيْن الرِّياضِ وكُلُّها / مِنْ نَسْجِ كَفَّيْه ومِنْ إِيحَائه
ويُفَتِّحُ الأَزْهارَ في أَكْمامِها / ويُنَبِّه القُمْرِيَّ مِنْ إِغْفَائه
يُصْغِي إِلَيْه يَهُزّ أَعْطَافَ الدُّجَى / ويُجَدِّدُ الآمَالَ سِحْرُ غِنَائِه
إِسْحَاقُ لم يُوهَبْ عُذوبةَ صَوْتِه / وعِنَانُ لم تُمْنَح جَمَالَ أَدَائه
أَيْن الصِّنَاعَةُ والفُنُونُ وما حَوَتْ / في جَنْب صُنْع اللّهِ في أَحْيَائه
النِّيلُ بالفَارُوقِ أَعْذبُ مَوْرِداً / ماءُ الْحَياةِ ثُمَالَةٌ مِنْ مَائه
علّمتَه صِدْقَ الوَفَاءِ فأَصْبَحتْ / تَتَحدَّث الدُّنْيا بصِدْق وَفَائه
ومَنَحْتَه خُلُقَ العَطَاءِ فَغَرَّدتْ / صَدَّاحَةُ الوَادِي بفَضْلِ عَطَائه
لمّا عَلَوتَ مَطَاهُ صَفَّقَ مَوجه / بِشْراً وأَسْكَتَ وَجْدَه برُغَائه
يَبْدو السَّفِينُ به كما تَبْدو المُنَى / لليَائِس الْحَيْران في ظَلْمائِه
أو كَالْحَيَاة تَدِبُّ في جِسْمِ امْرِىءٍ / أَفْنتْ شِكَايتُه فُنونَ إِسَائه
أَوْ كَالصَّبَاحِ لمُدْلِجٍ خَبَطَ الدُّجَى / فَطَوَاهُ وادِي التِّيه في أَحْشَائه
أَوْ كَالغَمَام رأَتْه أَزْهَارُ الرُّبَا / مِنْ بَعْدِ ما أَحْتَرقَتْ لطُولِ جَفَائه
أَوْ كابْتِسَامِ السَّعْدِ بَعْدَ قُطُوبِه / أَوْ كانْقِيَادِ الدَّهْرِ بَعْدَ إِبَائه
يَجْرِي السَّفِينُ وفَوْقَه الملِكُ الَّذِي / صَفِرتْ يدُ الأَيَّامِ مِنْ نُظَرائه
الدِّينُ والأَخلاقُ مِلءُ جَنانِه / وجَلالَةُ الأَمْلاكِ مِلءُ رِدَائه
يَهْتَزُّ في بُرْدِ الشَّبَابِ كَأنَّهُ / سَيْفٌ يُدِلّ بِمَائِه وَمَضَائِه
والنِّيلُ يَجْتازُ المُروجَ مُبشِّراً / فتُرددُ الأطْيَارُ مِنْ أَصْدائه
وخَمَائِلُ الوَادِي تَمُدُّ غُصُونَها / وتَوَدُّ لَوْ فَازَتْ بلَمْحِ ضِيائِه
قَالُوا لَهَا جَاءَ الغَمَامُ فأَقْبَلتْ / تَسْتَقْبِل الآمالَ في أَنْدَائه
والزَّهْرُ يَختَرِقُ الكِمَامَ لنَظْرةٍ / فَيرُدُّه للكِمِّ فَرْطُ حَيَائه
قَدْ كَانَ يُزْهَى في الرِّياضِ بحُسْنِه / فرَأَى بَهاءً فَوْقَ حُسْنِ بهَائه
ورَأَى نُصَاراً مِنْ شَبَابٍ يَنْحَني / أَزْهَى الغُصُون نَضَارةً بإِزَائه
سَعِدَ الصَّعِيدُ وأَهْلُه بزِيَارَةٍ / بَلَّتْ غَلِيلَ الشَّوْقِ في أَرْجَائه
سَالَتْ إِلَيْكَ به المَدَائنُ والقُرَى / والبَدْرُ يُغْرِي العَيْنَ باسْتِجْلاَئِهِ
سَدُّوا الشِّعَابَ وأَقْبَلَتْ أَرْسالُهم / كالزَّاخِرِ الهَدَّارِ في ضَوْضَائه
ما بَينَ حامِلِ قَلْبه بيَمِينِه / ومُثَوِّب هَزَّ الرُّبَا بدُعَائه
فانظُر إِلى الوَادي الفَسِيح فَهَلْ تَرَى / إِلاَّ قُلوباً في فَسِيح فَضائه
كُلٌّ دَعَاهُ الشَّوْقُ فانْتَهَبَ الْخُطَا / في نَظْرَةٍ تَشْفِيه مِنْ بُرَحَائه
وَطَلَعْتَ كالأَمِل الوَسِيمِ يَحُفُّه / نُورُ المَهابة في جَلالِ جَلائه
كالبَدْرِ في إِشْرَاقِه والرَّوْضِ في / إِزْهارِه والغَيْثِ في إِسْدَائه
في مَوْكِبٍ بهَرَ الزَّمَانَ فحُيِّرتْ / عَيْنَاهُ بينَ جَمَالِهِ وَسَرَائه
عَجَزَ المُؤَرِّخُ أَنْ يَرَى أًشْبَاهَه / فِيما طَوَاه الدَّهْرُ مِنْ أَنْبائِهِ
ما نالَه المَنْصُور في بَغْدادِه / يَوْماً ولا الأَمْلاكُ من خُلَفَائه
والنِّيلُ لم يَشْهدْ جَلاَلةَ حَفْلِه / في عَهْدِ خَفْرعهِ ولا مِينَائه
أَرَأَيْت آثارَ المُلوكِ وما بَنَوا / مِمَّا يَضِيقُ الْجنُّ عَنْ إِنْشَائه
وُلِدُوا وشَمْسُ الأُفْقِ في رَيعَانِها / والدَّهْرُ يَرْفُل في ثِيابِ صِبَائه
دَرَسُوا كِتَابَ الكَوْنِ أَوَّلَ طَبْعةٍ / ووَعَوْه مِنْ أَلفِ الوُجُود لِيَائه
وأَتْوا مِنَ الإِعْجَازِ ما تَرَكَ النُّهَى / حَيْرَى فَلمْ تَمْلِكْ سِوَى إِطْرَائه
ذَهَبُوا ولَمْ تَذْهَبْ صَحَائِفُ مَجْدِهِمْ / وطَواهُمُ المِقْدَارُ في أَطْوَائِهِ
المَجْدُ في الدُّنْيا سِجِلٌّ خَالِدٌ / تَتَعاقَبُ الأَجْيالُ مِنْ قُرَّائه
فارُوقُ أنْتَ مَناطُ آمَالِ الْحِمَى / وَسُلالَةُ الأَمْجَادِ مِنْ نُصرَائه
أَعْلَى أَبُوكَ بِنَاءَ مِصْرَ فزَاحَمتْ / زُهْرَ الكَواكِبِ رَاسِياتُ بِنَائه
وَأَرَى فُؤَاداً فِيكَ في قَسَماتِه / وَمَضَائِه وذَكَائِه وسَخَائِه
تَبْدُو أَيَادِي الغَيْثِ في زَهْرِ الرُّبَا / وَيَعِيشُ سِرُّ المَرْءِ في أَبْنَائه
أَشْرِقْ عَلَى الْوَادِي فَأَنْتَ حَياتُه / وعِمَادُ نَهْضَتِه ومَجْدُ لِوَائه
أَحْيَيْتَ دِينَ اللّهِ في محرَابه / شُكْراً عَلَى ما تَمَّ مِنْ نَعْمائه
وَوَقَفْتَ بَيْنَ يَدَيْه وِقْفَةَ خاشعٍ / يَرْجُو مَثُوبَتَه وحُسْنَ جَزَائِهِ
الدِّينُ طِبُّ النَّفْسِ مِنْ آلامِها / وهِدَايَةُ الْحَيْرَانِ في بَيْدَائه
ما أَجْمَلَ التَّوْفيقَ في شَرْخِ الصبَا / والعُمْرُ فَيَّاضُ السنَى بفَتائه
للّه مَوْلِدُكَ السَّعِيدُ ويَوْمُه / وتَسَابُقُ الآمَالِ في أَجْوَائه
يَومٌ به بَسَطَ السُّرُورُ شُعَاعَه / وأَعَار ثَوْبَ صَباحِه لِمَسَائه
يَوْمٌ أَغَرُّ كَأَنَّ صَفْوَ سَمَائِه / صَفْوُ النَّعِيمِ بِظِلِّه ورَخَائه
يَوْمٌ سَرَتْ فيه البَشَائِر حُوَّماً / تُفْضِي إِلى الدُّنْيَا بسِرُّ عَلاَئه
مَوْلاَي عَهْدُكَ في البِلادِ مُؤَزَّرٌ / باليُمْنِ فَاهْنَأْ في مَدِيدِ هَنَائه
قطفتْ به مِصْرٌ جَنَى اسْتِقْلاَلِهَا / وأظَلَّها المُمْتَدُّ مِنْ أفْيائِهِ
وأَطَاحَتْ القَيْدَ العَنيفَ وطَالَما / عاذَتْ بِرَبِّ النَّاس مِنْ إِيذَائه
والشُّكْرُ في السَّرَّاءِ يَعْظُمُ كُلَّما / ذَكَرَ الفَتَى ما مَرَّ مِنْ ضَرَّائه
مَولاَي عِشْ للمُلْكِ نَجْمَ سُعُودِه / وارْفَعْ لِواءَ المَجْدِ في أَنْحَائه
أنْتَ الذي تَحْيا المُنَى بحَياتِه / وتَسُودُ مِصْرُ وتَعْتَلي ببَقَائه