المجموع : 5
صِلَةُ الْخَيَالِ عَلَى الْبِعَادِ لِقَاءُ
صِلَةُ الْخَيَالِ عَلَى الْبِعَادِ لِقَاءُ / لَوْ كانَ يَمْلِكُ عَيْنِيَ الإِغْفَاءُ
يا هاجِري مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ في الْهَوَى / مَهْلاً فَهَجْرُكَ والْمَنُونُ سَواءُ
أَغْرَيْتَ لَحْظَكَ بالْفُؤادِ فَشَفَّهُ / ومِنَ الْعُيُونِ عَلَى النُّفُوسِ بَلاءُ
هِيَ نَظْرَةٌ فامْنُنْ عَلَي بِأُخْتِها / فالْخَمْرُ مِنْ أَلَمِ الْخُمارِ شِفَاءُ
أَنا مِنْكَ مَطْوِيُّ الْفُؤادِ عَلَى جَوىً / لَوْلا الْدُّمُوعُ ذَكَتْ بِهِ الْحَوْبَاءُ
لا أَنْتَ تَرْحَمُنِي ولا نَارُ الْهَوَى / تَخْبُو وَلاَ للنَّفْسِ عَنْكَ عَزاءُ
فانْظُرْ إِلَيَّ تَجِدْ خَيَالَةَ صُورَةٍ / لم يَبْقَ فيها للحياةِ ذَمَاءُ
رَقَّتْ لِيَ الْوَرْقَاءُ في عَذَباتِها / وبَكَتْ عَلَيَّ بِدَمْعِهَا الأَنْدَاءُ
وَتَحَدَّثَتْ رُسُلُ النَّسِيمِ بلَوْعَتِي / فَلِكُلِّ غُصْنٍ نَحْوَها إِصْغَاءُ
كَلَفٌ تَنَاقَلَهُ الْحَمامُ عَنِ الصَّبَا / فصَبَتْ إِلَيْهِ الْغِيدُ والشُّعَراءُ
فَبِقَلْبِ كُلِّ فَتىً غَرامٌ كامِنٌ / وبِعِطْفِ كُلِّ مَلِيحَةٍ خُيَلاءُ
فَدَعِ التَّكَهُّنَ يا طَبِيبُ فإِنَّمَا / دائِي الْهَوَى ولِكُلِّ نَفْسٍ داءُ
أَلَمُ الصَّبَابَةِ لَذَّةٌ تَحْيَا بِها / نَفْسِي وَدَائِي لَوْ عَلِمْتَ دَواءُ
وبِمُهْجَتِي رَشَئِيَّةٌ مِنْ دُونِها / أُسُدٌ لَهَا قَصَبُ الرِّمَاحِ أَبَاءُ
هَيْفَاءُ مالَ بِهَا النَّعيمُ فَخَطْوُها / دُونَ الْقَطاةِ ونُطْقُها إِيمَاءُ
تَرْنُو بِأَحْوَرَ لَوْ تَمَكَّنَ لَحْظُهُ / مِنْ صَخْرَةٍ لَارْفَضَّ مِنها الماءُ
حَكَمَ الجَمالُ لها بِمَا تَخْتَارُهُ / فَتَحَكَّمَتْ في النَّاسِ كَيفَ تَشاءُ
غَضِبَتْ عَلَيَّ وَما جَنَيتُ وَرُبَّما / حَمَلَ الْمَشُوقُ الذَّنْبَ وَهوَ بَراءُ
طافَ الوُشاةُ بِها فَكانَ لِقَوْلِهِمْ / في مِسْمَعَيْها رَنَّةٌ وحُداءُ
لَوْلا النَّمِيمَةُ لم يَقَعْ بَيْنَ امْرِئٍ / وأَخِيهِ مِنْ بَعْدِ الْوِدادِ عِداءُ
أَشَقِيقَةَ الْقَمَرَيْنِ أَيُّ وَسِيلَةٍ / تُدْنِي إِلَيكِ فَلَيْس لِي شُفَعَاءُ
جُودِي عَلَيَّ ولَوْ بِوَعْدٍ كاذِبٍ / فالْوَعْدُ فيهِ تَعِلَّةٌ ورَجَاءُ
وَثِقِي بِكِتْمَانِ الْحَدِيثِ فإِنَّمَا / شَفَتاي خَتْمٌ والْفُؤادُ وِعاءُ
لا تَرْهَبِي قَوْلَ الْوُشاةِ فإِنَّهُمْ / قَدْ أَحْسَنُوا في الْقَوْلِ حِينَ أَساءُوا
زَعَمُوكِ شَمْسَاً لا تَلُوحُ بظُلْمَةٍ / ولِقَولِهِمْ عِنْدِي يَدٌ بَيْضاءُ
فَعَلامَ تَخْشَيْنَ الزِّيارَةَ بعدَما / أَمِنَ ازْدِيارَكِ في الدُّجَى الرُّقَباءُ
هِيَ زَلَّةٌ في الرأْيِ مِنْهُمْ أَعْقَبَتْ / نَفْعَاً كَذَلِكَ تَفْعَلُ الْجُهَلاءُ
كَيْدُ الْغَبِيِّ مَساءَةٌ لِضَمِيرِهِ / وَلِمَنْ يُحَاوِلُ كَيْدَهُ إِرْضَاءُ
والناسُ أَشْبَاهٌ ولَكِنْ فَرَّقَتْ / ما بَيْنَهُمْ في الرُّتْبَةِ الآراءُ
وَالنَّفْسُ إِنْ صَلَحَتْ زَكَتْ وَإِذَا خَلَتْ / مِنْ فِطْنَةٍ لَعِبَتْ بها الأَهْوَاءُ
لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الرِّجالِ تَفَاوُتٌ / ما كانَ فيهِمْ سادَةٌ ورِعاءُ
وَلَقَدْ بَلَوْتُ النّاسَ في أَطْوارِهِمْ / ومَلِلْتُ حتَّى مَلَّني الإِبْلاءُ
فَإِذا المَوَدَّةُ خَلَّةٌ مَكْذُوبَةٌ / بَيْنَ الْبَرِيَّةِ والوَفاءُ رِياءُ
كَيْفَ الْوثُوقُ بِذِمَّةٍ مِنْ صاحِبٍ / وَبِكُلِّ قَلْبٍ نُقْطَةٌ سَوْداءُ
لَوْ كَانَ فِي الدُّنْيَا وِدَادٌ صَادِقٌ / مَا حَالَ بَيْنَ الخُلَّتَيْنِ جَفاءُ
فانْفُضْ يَدَيْكَ مِنَ الزَّمانِ وأَهْلِهِ / فالسَّعْيُ في طَلَبِ الصَّديِقِ هَبَاءُ
عَبَّاسُ يا خَيْرَ المُلُوكِ عَدَالَةً
عَبَّاسُ يا خَيْرَ المُلُوكِ عَدَالَةً / وَأَجَلَّ مَنْ نَطَقَ امْرُؤٌ بِثَنَائِهِ
أَوْلَيْتَنِي مِنْكَ الرِّضَا وجَلَوْتَ لِي / وَجْهاً قَرَأْتُ البِشْرَ في أَثْنَائِهِ
فاسْلَمْ لِمُلْكٍ أَنْتَ بَدْرُ سَرِيرِهِ / وَعِمَادُ قُوَّتِهِ ونَصْرُ لِوائِهِ
يأَيُّها الصَّادِي إِلى نَيْلِ الْمُنَى / رِدْ بَحْرَ سُدَّتِهِ تَفُزْ بِوَلائِهِ
هُوَ ذَلِكَ الْمَلِكُ الَّذِي وَرِث الْعُلا / عَنْ نَفْسِهِ شَرَفا وعَن آبائِهِ
الْعَدْلُ مِنْ أَخْلاقِهِ والْعِلْمُ مِنْ / أَوْصافِهِ والْحِلْمُ مِنْ أَسْمَائِهِ
لا غَرْوَ أَنْ جَمَعَ المَحَامِدَ يافِعاً / وَسَمَا بِهِمَّتِهِ عَلَى نُظَرائِهِ
فالْعَينُ وَهْيَ صَغِيرَةٌ في حَجْمِها / تَسَعُ الفَضَاءَ بِأَرْضِهِ وسَمائِهِ
أَهِلالُ أَرْضٍ أَمْ هِلالُ سماءٍ
أَهِلالُ أَرْضٍ أَمْ هِلالُ سماءٍ / شَمِلَ الزَّمَانَ وأَهْلَهُ بِضِيَاءِ
بَدَرَتْ لَوامِعُ مِنْهُ شَقَّ وَمِيضُها / حُجُبَ الظَّلامِ فَمَاجَ في لأْلاَءِ
وَبَدَتْ أَسِرَّتُهُ فَكانَتْ غُرَّةً / لِلْمُلْكِ فَوْقَ أَسِرَّةِ الْجَوْزَاءِ
نُورٌ تَوَلَّدَ بَيْنَ بَدْرٍ طالِعٍ / في أَوْجِ عِزَّتِهِ وَشَمْسِ عَلاءِ
أَكْرِمْ بِطَلْعَتِهِ هِلالاً لَم يَزَلْ / يَعْنُو إِلَيْهِ هِلالُ كُلِّ لِواءِ
هُوَ مَوْلِدٌ عَمَّ الْكِنانَةَ نُورُهُ / فَتَباشَرَتْ بِالْيُمْنِ وَالسَّرّاءِ
لَبِسَتْ بِهِ الدُّنيا جَمالَ شَبابِها / وَتَبَرَّجَتْ كَالغادَةِ الحَسْناءِ
فَاهْنَأْ بِعَبدِ القادِرِ الشَّهْمِ الَّذي / وافاكَ يَرْفُلُ في سَناً وَسَناءِ
وَاسْعَدْ بِهِ وَأَخِيهِ يا ابْنَ مَحَمَّدٍ / في ظِلِّ مُلْكٍ وارِفِ الأَفْيَاءِ
وَلَسَوْفَ تَنْجُمُ أَنْجُمٌ عَلَوِيَّةٌ / تَجْلُو ظَلامَ الشَّكِّ بِالآراءِ
مِنها صُدُورُ مَحَافِلٍ وَجَحَافِلٍ / في يَومِ أَقْضِيَةٍ وَيَوْمِ لِقَاءِ
وَبَوارِقٌ تَنْهَلُّ فينَا بالنَّدَى / وصَواعِقٌ تَنْقَضُّ في الأَعداءِ
وَكَأَنَّنِي بِكَ بَيْنَهُمْ مُتَرَفِّعاً / كَالْبَدْرِ بَيْنَ كَواكِبِ الخَضْراءِ
فانْعَمْ بِعِزِّكَ يا ملِيكُ ولا تَزَلْ / تَحْوِي يَدَاكَ مَقالِدَ الْعَلْياء ِ
لا زِلْتَ مَعْمُور الفِناءِ مُهَنَّأً / في نِعْمَةٍ مَوْصُولَةٍ بِبَقاءِ
غادِ النَّدَى بِالْجِيزَةِ الفَيْحَاءِ
غادِ النَّدَى بِالْجِيزَةِ الفَيْحَاءِ / واحْدُ الصَّبُوحَ بِنَغْمَةِ الوَرْقَاءِ
والْمَحْ بِطَرْفِكَ ما وَحَتْهُ يَدُ الصَّبا / فَوْقَ الْغَدِيرِ تَجِدْ حُروفَ هِجاءِ
مِنْ كُلِّ حَرْفٍ فيهِ مَعْنَى صَبْوَةٍ / تَتْلُو بِهِ الوَرْقَاءُ لَحْنَ غِنَاءِ
مَيْدَانُ سَبْقٍ لِلْخَلاعَةِ أَشْرَقَتْ / فيهِ الْكُمَيْتُ بِغُرَّةٍ غَرَّاءِ
حَمْرَاءُ دارَ بها الْحَبابُ كأَنَّها / شَفَقٌ بَدَتْ فِيهِ نُجُومُ سَماءِ
هِيَ كالأَشِعَّةِ غَيْرَ أَنَّ ضِيَاءَها / مِنْ ذاتِها لا مِنْ ثُقُوبِ ضِياءِ
وإِذا رَجَعْتَ إِلى الْيَقِينِ فَإِنَّها / نارٌ تَحَلَّلَ جِسْمُها في ماءِ
تَجْرِي فَتَفْعَلُ بالْعُقُولِ كُؤُوسُها / ما تَفْعَلُ الأَلْحَاظُ بالأَحْشَاءِ
خَفِيَتْ عَلَى الأَحْقَابِ فَهِيَ ذَخِيرَةٌ / مِنْ عَهدِ آدَمَ أُودِعَتْ بِوِعاءِ
مَحَقَ الْفَنَاءُ وُجُودَها فَتَزَايَلَتْ / إِلاَّ نَسِيماً شَفَّ عَنْ حَوْباءِ
هِيَ جَمْرَةُ الفُرْسِ الَّتِي سَجَدَتْ لَهَا / أَملاكُها في سَالِفِ الآنَاءِ
فَانْهَضْ إِلَى شُرْبِ الصَّبُوحِ فَقَدْ بَدَا / شَيْبُ الصَّباحِ بِلِمَّةِ الظَّلْماءِ
وَتَرَنَّمَتْ في وَكْرِها سَحَرِيَّةٌ / تُغْنِي الْمَقَامَةَ عَنْ صَفِيرِ النَّاءِ
وَرْقاءُ تَسْجَعُ في سَماوَةِ أَيْكَةٍ / مَوْشِيَّةِ الْعَذَباتِ بِالأَنْدَاءِ
تَبْكِي الْهَدِيلَ وَما رَأَتْهُ فَيَا لَها / مِنْ ذُكْرَةٍ عَرَضَتْ بِغَيْرِ لِقاءِ
قَدْ أَشْبَهَتْنِي في الْهَوى لَكِنَّها / لَمْ تَحْكِني في لَوْعَتِي وَبُكائِي
مَالَ النَّسِيمُ بِهَا وَمَالَ بِيَ الأَسَى / شَتَّانَ بَيْنَ نَعِيمِها وَشَقائِي
أَنَا يَا حَمَامَةُ مِنْكِ أَعْلَمُ بِالْهَوى / فَدَعي الْحَنِينَ فَلَسْتِ مِنْ أَكْفائِي
إِنِّي امْرُؤٌ مَلَكَ الودادُ قِيَادَتِي / وَجَرَى عَلَى صِدْقِ الْعُهُودِ وَفائِي
لا أَسْتَرِيحُ إِلَى السُّلُوِّ وَلَوْ جَنَى / خِلِّي عَلَيَّ وَلا أَشِينُ وَلائِي
لا ذِمَّتِي رَهْنُ الْفِكَاكِ وَلا يَدِي / تُلْقِي أَزِمَّةَ عِفَّتِي وَحَبائِي
لَكِنَّنِي غَرَضٌ لأَسْهُمِ حاسِدٍ / وارِي الجَوانِحِ مِنْ لَهِيبِ عِدَائِي
مِنْ غَيْرِ ما ذَنْبٍ جَنَيْتُ وَإِنَّما / بُغْضُ الْفَضِيلَةِ شِيمَةُ الْجُهَلاءِ
تَعِست مُقارَنَةُ اللَّئِيمِ فَإِنَّها / شَرَقُ النُّفُوسِ وَمِحْنَةُ الْكُرَمَاءِ
أَنا في زَمانٍ غادِرٍ وَمَعَاشِرٍ / يَتَلَوَّنُونَ تَلَوُّنَ الْحِرْباءِ
أَعْداءُ غَيْبٍ لَيْسَ يَسْلَمُ صاحِبٌ / مِنْهُمْ وإِخْوَةُ مَحْضَرٍ وَرَخَاءِ
أَقْبِحْ بِهِمْ قَوْماً بَلَوْتُ إِخاءَهُمْ / فَبَلَوْتُ أَقْبَحَ ذِمَّةٍ وَإِخَاءِ
قَدْ أَصْبَحُوا للدَّهْرِ سُبَّةَ ناقِمٍ / فِي كُلِّ مَصْدَرِ مِحْنَةٍ وَبَلاءِ
وَأَشَدُّ مَا يَلْقَى الْفَتَى فِي دَهْرِهِ / فَقْدُ الْكِرَامِ وصُحْبَةُ اللُّؤَمَاءِ
شَقِيَ ابنُ آدَمَ في الزّمانِ بِعَقلِهِ / إِنَّ الْفَضِيلَةَ آفَةُ الْعُقَلاءِ
وَخَمِيلَةٍ بَكَرَتْ سَمَاوَةُ أَيْكِها
وَخَمِيلَةٍ بَكَرَتْ سَمَاوَةُ أَيْكِها / تَحْمِي الْهَجِيرَ عَنِ النُّفُوسِ وَتَدْرَأُ
تَسْتَنُّ فيها الرِّيحُ بَينَ مَنابِتٍ / خَضْراءَ يَغْشاها الْجَبَانُ فَيَجْرُؤُ
تَسْتَوقِفُ الأَبْصَارَ في غُدْرانِها / صُوَرٌ تَزُولُ مَعَ النَّسِيمِ وَتَطْرَأُ
يَنْسَى بها الْمَوْتُورُ ما في نَفْسِهِ / طَرَبَاً وَيَنزِلُها السَّقِيمُ فَيَبْرَأُ
فَالْوُرْقُ تَهْتِفُ وَالرَّبارِبُ تَرْتَعِي / وَالْعِينُ تَبْغَمُ وَالبَلابِلُ تَصْرَأُ
فَنَباتُها عَمّا يَعِيبُ مُنَزَّهٌ / وَهَواؤُهَا مِمّا يَشِينُ مُبَرَّأُ
شَجْرَاءُ تَسْلُكُها السَّمُومُ فَتَغْتَدِي / رَهْواً وَيَسْكُنُها الْهَجِيرُ فَيَمْرَأُ
فَتَحَ الرَّبِيعُ بِها مَدَارِسَ بَهْجَةٍ / لِلْعَينِ فِيها بَهْجَةٌ لا تَضْرَأُ
فَالرِّيحُ تكتبُ وَالْغَدِيرُ صَحِيفَةٌ / وَالسُحْبُ تَنْقُطُ وَالحَمائِمُ تَقْرَأُ
صُوَرٌ تَدُلُّ عَلَى حَكِيمٍ صانِعٍ / وَاللهُ يَخْلُقُ ما يَشَاءُ وَيَبْرَأُ