للّهِ منزلُها على الرّوحاءِ
للّهِ منزلُها على الرّوحاءِ / درّتْ عليهِ مراضِعُ الأنواءِ
وسقَتْ ثراهُ عُيونُ أربابِ الهوى / دمعاً يورّدُ وجنةَ البطحاءِ
واِستخرجَتْ أيدي الرّبيعِ كُنوزه / فحبَاهُ بالبيضاءِ والصّفراءِ
أكرِمْ به من منزلٍ أكنافُه / جمعَتْ أُسودَ شرىً وعينَ ظِباءِ
مغنىً إذا سفرَتْ وجوهُ حِسانِه / ليلاً يَطولُ تلفُّتُ الحِرباءِ
بهِجٌ يكلّفُكَ السّجودَ صَعيدُه / شوقاً للَثْمِ مباسِمِ الحصباءِ
حتّى توهّمْنا ملاعِبَ بيضِه / فتظنّها ليلاً بُروجَ سَماءِ
دارَتْ كهالاتِ البُدورِ حُصونُه / فهُما سَواءٌ في سنىً وسناءِ
تهوى الكواكبُ أن تَصوغَ سِوارَها / طوقاً لجيدِ مَهاتِه الجوزاءِ
ويودُّ ضوءُ الفجرِ يُصبحُ خيطُه / سِلكاً لعِقدِ فَتاتِه العَذراءِ
رُفِعَتْ على عُمُدِ الصّباحِ بُيوتُه / فحبالُهنّ ذوائِبُ الظّلْماءِ
قِطعٌ من اللّيلِ البهيمِ إلى الثّرى / هبطَتْ وفيها أنجُمُ الجوزاءِ
ليلاتُ قدرٍ كلَّ حُسنٍ أنزلَتْ / آياتُه فيها وكلَّ بَهاءِ
كم فيه من حِقْفٍ يَمورُ بمِئزَرٍ / وقضيبِ بان ينثَني بقباءِ
سَقياً لها من روضةٍ لم تَخلُ من / وِردَيْنِ وِرْدِ حَياً وورْدِ حَياءِ
لا صحّتِ النّسَماتُ فيه ولا صحَتْ / سَكْرى عُيونِ رجالِه ونِساءِ
يا صاحِ إن شارَفْتَ مكّةَ سالِماً / فاِعدِل يَمينَ منىً فثَمَّ مُنائي
واِسألْ بجانبِ طُورِه الغربيّ عنْ / قلبٍ غريبٍ ضاعَ من أحشائي
اطلُبهُ ثمّ تجدهُ في جمَراتِه / أبداً تعذّبُه مدى بُرَحائي
لا تعدلَنّ إلى سواهُ فمنزلُ الن / نجوى به ومعرَّسُ الأهواءِ
حرمٌ له حقٌّ لديّ وحُرمةٌ / وضعتْ له خدّي مكانَ حِذائي
ما حلّهُ دنِفٌ فأصبحَ مُحرِماً / إلّا أحلّ مقَمّصاً بضَناءِ
قرّبْ به قلبي فإن لم تلقَه / فاِنحر بهِ نومي وضحِّ عَزائي
واِمزُج لُجَينَ الدّمعِ في عرَصاتِه / بنُضارِ جاري العَبرةِ الحمراءِ
هو مرتعٌ للعاشقين ومصرعٌ / فليَسْقِ دمعُكَ روضةَ الشّهداءِ
كم فيه من بيتٍ تقفّى بالظُّبا / مضمونُه كالدُرّةِ البيضاءِ
تتوهّمُ الأطنابَ منه لِما تَرى / من ضوءِ دُميَنِه حِبالَ ذُكاءِ
أفدي بُدورَ دُجىً به قد زرّروا / ظُلَمَ السّتورِ على شُموسِ ضُحاءِ
ورُماةَ أحداقٍ سِهامُ فُتورِها / صاغَ السّقامُ لها نُصولَ بَلاءِ
وسَراةَ حيٍّ لم تزل تشتاقُهم / شوقَ العِطاشِ إلى زُلالِ الماءِ
بسوادِ قلبي من طريقةِ مُقلَتي / دخلوا ومنها أخرجوا حَوبائي
غُرٌّ حوَوا كلَّ الجمالِ كما حوَتْ / راحاتُ عبدِ اللَّه كلَّ سَخاءِ
بشرٌ يُريك لدى السّماحِ جَبينَهُ / بِشراً يُحاكي الزّهرَ غِبَّ سَماءِ
ولدٌ لأكرمِ والدٍ ورِثَ النّدى / والبأسَ عن آبائِه الكُرماءِ
أعني عليّاً صاحبَ الفضل الّذي / هو زينةُ الأيّام والآناءِ
السيّدَ الورعَ التقيَّ أخا النّدى / علمَ الهُدى علّامةَ العُلَماءِ
مولىً سعى مسعى أبيه إلى العُلا / فاِعتادَ بسْطَ يدٍ وقبضَ ثَناءِ
هو صدرُ أسمرِه وقبضةُ قوسِه / وعِذارُ أبيضِه لدى الهَيجاءِ
ويمينُ دولَتِه وآيةُ مُلكِه / ودليلُ نُصرتِه على الخُصَماءِ
غيثُ النّدى غوثُ الصّريخ إذا دَعا / قوت النّفوسِ وقوّةُ الضُعَفاءِ
يتعاقَبانِ على الدّوامِ تعاقُبَ ال / مَلَوَينِ بالسّرّاءِ والضّرّاءِ
تلقاهُ إمّا واهياً أو ضارِباً / فزمانُه يوما ندىً ووغاءِ
تَدري ذُكورُ البيض حين تسُلُّها / يدُه سينكِحُها طُلا الأعداءِ
والتِّبْرُ يعلَمُ إذ يحُلُّ وِثاقَه / أن لا يزالَ يَسيرُ في الأحياءِ
تهوى البُدورُ بأن تكونَ بمُلْكِه / بدَراً يفرِّقُها على الفقراءِ
وكذا اللّيالي البيضُ تهوى أنّها / تُمسي لديه وهْيَ سُودُ إماءِ
حسدَتْ مدائِحَهُ النّجومُ فأوشكَتْ / تهوي لتَسْكُنَ ألسُنَ الشّعراءِ
يجدُ اِزديارَ الوافدينَ ألذّ من / وصلِ الأحبّةِ بعدَ طولِ جَفاءِ
ويرى بأنّ البيضَ من بيضِ الدُمى / وصليلَها بالبيضِ رَجْعُ غِناءِ
لو أنّ هذا الدّهرَ أدركَ شيمةً / منه لبدّلَ غدرَهُ بوفاءِ
ذو راحةٍ نفخَ النّدى من روحها / في مَيّتِ الآمالِ روحَ رَجاءِ
مِشكاةُ نادي المجدِ كوكبُ أُفقِه / مِصباحُ ليلِ الكُربةِ الدّهماءِ
سرٌّ بذات أبيه كان محجَّباً / فبَدا به للّهِ في الإفشاءِ
ولَرُبَّ ملحمةٍ بنارِ جحيمِها / تغلي القُلوبُ مراجِلُ الشّحناءِ
نارٌ مقامعُها الحديدُ وإنّما / يجري الصّديدُ بها على الرُخَصاءِ
يَشفي الحُمامُ بها الحَميمَ فظلُّها / يحمومُ ليلِ مجاجةٍ دَكْناءِ
نزّاعةٌ لشوى الضّراغمِ ترتمي / شَرَراً حكَتْ قدْراً هِضابَ أجاءِ
نضجَتْ بمارِجِها النّجومُ فأكرمُ ال / بيضِ السّواغبِ في صفيفِ شِواءِ
وجرَتْ عليه من ظُباهُ جداولٌ / فخبَتْ وفاضتْ في دمِ الأشلاءِ
علمٌ تفرّدَ وهو أوسطُ إخوةٍ / شَرِكوهُ في شرفٍ وصِدْقِ إخاءِ
من كلِّ أبلجَ تستضيءُ بوجهه / وبرأيه في الليلةِ الظّلماءِ
مَنْ شِئْتَ منهم فهو رامٍ معرِضٌ / بالجزْمِ نصلاً أسهُمَ الآراءِ
جمَراتُ هيجاءٍ إذا ما سالَموا / كانوا جِناناً طيّباتِ جَناءِ
كُهَناءُ غَيبٍ يعلمونَ فراسةً / قبلَ الوُقوعِ حقائقَ الأشياءِ
زهْرٌ بوالدِهم إذا ما قِستَهُم / فهُمُ لآلي ذلك الدأماءِ
وجِبالُ حِلمٍ إن إليهِ نسَبْتَهم / فهمُ هِضابُ القدسِ حولَ حِراءِ
فإذا بَدا وبدَوْا علِمْتَ بأنّهم / قبَساتُ ساطِعِ ذلك اللألاءِ
للّهِ في تقسيمِ جوهرِ فردِه / حكَمٌ بدَتْ في هذه الأجزاءِ
ووَفَوْا فكانوا في محلِّ بنانِه / من راحتَيْهِ وأكمَلِ الأعضاءِ
فهمُ مواعِدُهُ وزينةُ مجدِه / وجَمالُ وجهِ الدولةِ الغرّاءِ
نُطَفٌ مطهّرةٌ أتَتْ من طاهِر / فصفَتْ من الأرجاسِ والأكداءِ
مولاي سَمعاً إنّ غُرّ مدائِحي / فيكُم لَتَشْهَدُ لي بصِدقِ ولائي
ولئن شكَكْتَ بما اِدّعيتُ من الوِلا / أوَ ليسَ هذا المدحُ نُصحَ ولاءِ
أوَ ما تَروني كلّما بصُدودِكُم / أحرقْتُمُ عودي يَطيبُ شَذائي
جارَتْنيَ الفُصَحاءُ نحو مَديحكُم / فتلَوْا وكُنتُ مُلجّأَ البُلَغاءِ
أنا غرْسُ والدِك الّذي ثمرَ الثّنا / منهُ جنَتْهُ لكم يدُ النّعْماءِ
أرضَعْتُكُم دَرَّ الفصاحةِ طيّباً / إذ كان طيّبُ روضِه مرعائي
يا مَنْ أصولُ على الزّمانِ ببأسِه / ويُجيبُ عند الحادثاتِ نِدائي
بخِتانِ نصرِ اللّه قرّتْ أعيُنُ الد / دُنيا وسُرّت مهجةُ العَلياءِ
والوقتُ راقَ ورقّ حتّى صفّقتْ / ورقُ الغصونِ على غِنا الوَرْقاءِ
فتهنّ بالولدِ السّعيدِ وخَتْنِه / واِرْشُفْ هَنيئاً شهدَةَ السّرّاءِ
ولدٌ به ما فيك من شرفٍ ومِن / فخرٍ ومن بأسٍ ومن إعطاءِ
في بيتِك المعمورِ منذُ ولادِه / نشأ السّرورُ به وكلُّ هناءِ
نجمٌ أتى من نيّرينِ كِلاهُما / وهَباهُ أيَّ سعادةٍ وضياءِ
خلعَ القِماطَ ففاز في خِلعِ العُلى / وسعى فأدركَ غايةَ العُقَلاءِ
للّه طينَتُه أكانَتْ نُقطةً / نقطَتْ ببسمِ اللّه تحت الباءِ
للّه خاتَمُك الّذي في نَقشه / كتبَ المصوّرُ أعظمَ الأسماءِ
ريحانةُ النّادي وشمعةُ أُنسِه / سُلوانةُ الجُلَساءِ والنُدَماءِ
اللّه يحرُسُه ويحرُسُكم معاً / من سائِر الأسواءِ والأرزاءِ
وعسى يُمدُّكم الإلهُ جميعَكم / بزيادةِ الأعمار والأبناءِ
ويُمِدُّ والدَكم ودولةَ مجدِكم / بدوامِ إقبالٍ وطولِ بَقاءِ