القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : علي محمود طه الكل
المجموع : 5
حيَّاك أرضاً وازدهاكِ سماءَ
حيَّاك أرضاً وازدهاكِ سماءَ / بحرٌ شدا صخراً وصفَّقَ ماءَ
يحبو شعابَكِ في الضحى قبلاته / ويرفُّ أنفاساً بهن مساءَ
متجدِّدَ الصبواتِ أودعَ حبَّهُ / شتى الأشعةِ فيكِ والأنداءَ
وَلِعٌ بتخطيطِ الرمال كأنه / عرَّافةٌ تستطلع الأنباءَ
ومصوّرٌ لبقُ الخيال يصوغُ من / فنِّ الجمالِ السِّحرَ والإغراءَ
نسق الشواطئ زينةً وأدقها / صوراً بريَّا صفحتيهِ تراءى
يجلو بريشته السماءَ وإنما / زادت بريشته السماءُ جلاءَ
لا الصبحُ أوضحُ من مطالعِهِ بِها / شمساً ولا أزهى سنىً وضياءَ
كلا ولا الليل المكوكبُ أفقُهُ / بأغرَّ بدراً أو أرقّ سماءَ
يا رُبَّ زاهيةِ الأصيلِ أحالها / أُفقاً أحمّ ولجَّةً حمراءَ
وكأنما طوتِ السماءَ ونشَّرَتْ / لهباً وفجَّرتِ الصخورَ دِماءَ
ولربَّ عاطرةِ النسيمِ عليلةٍ / طالعتُ فيها الليلةَ القمراءَ
رقصت بها الأمواجُ تحتَ شُعاعِها / وسرَتْ تجاذبُ للنسيم رداءَ
حتى إذا رانَ الكرى بجفونها / ألقت إليكِ بسمعها إصغاءَ
تتسمَّعُ النوتيَّ تحت شراعهِ / يشدو فيبدعُ في النشيدِ غِناءَ
هزَّت ليالي الصيفِ ساحرَ صوتهِ / فشجى الشواطئَ واستخفَّ الماءَ
وأثارَ أجنحةَ الطيورِ فحوَّمتْ / في الأفقِ حيرى تتبعُ الأصداءَ
صُورٌ فواتنُ يا شواطئُ صاغها / لكِ ذلكَ البحرُ الصناعُ رواءَ
فتنظّريهِ على شعابكِ مثلما / رجعَ الغريب إلى حماهُ وفاءَ
كم ظلّ يضربُ في صخورِكِ موجُهُ / مما أجَنَّ محبَّةً ووفاءَ
عذراً إذا عَيَّتْ بمنطقه اللُّغى / فهوَ العَيِيُّ المفحِم الفُصحاءَ
فخُذي الحديثَ عليه واستمعي لهُ / كم من جمادٍ حدَّثَ الأحياءَ
وسليهِ كيف طوى الليالي ساهداً / وبَلا الأحبَّةَ فيكِ والأعداءَ
كم ليلةٍ لك يا شواطئُ خاضَها / والهولُ يملأ حولكِ الأرجاءَ
والسفنُ مرهفةُ القلاعِ كأنما / تطأ السحابَ وتهبطُ الدأماءَ
حملتْ لمصرَ الفاتحينَ وطوّحتْ / بالنيل منهمْ جَحْفلاً ولواءَ
ولو استطاع لردَّ عنكِ بلاءَهم / وأطارَ كلَّ سفينةٍ أشلاءَ
أو كان يملك قدرةً حشَدَ الدُّجى / ونضا الرجومَ وجنَّد الأنواءَ
ودعا غواربَه الثقالَ فأقبلتَ / فرمى بها قدراً وردَّ قضاءَ
فاستعرضي سِيرَ الحياة وردِّدي / ما سرَّ من أنبائهنَّ وساءَ
وخُذي ليومكِ من قديمكِ أُهبةً / ومن الجديد تعِلَّةً ورجاءَ
إيهِ شواطئَ مصرَ والدنيا مُنىً / تهفو إليكِ بنا صباحَ مساءَ
ناجيتِ أحلامَ الربيعِ فأقبلتْ / وأشرتِ للصيف الوسيمِ فجاءَ
يحبوكِ من صفوِ الزمانِ وأنسه / ما شئتِ من مَرحِ الحياةِ وشاءَ
وغداً تضيءُ على جبينكِ لمحةٌ / طبعَ الخلودُ سماتها الغرّاءَ
وترفُّ منه على ثغورِك قبلةٌ / أصغى النسيم لها وغضَّ حياءَ
فاستقبلي الصيفَ الجميلَ وهيِّئي / للشعرِ فيكِ خميلةً غنّاءَ
وتسمّعي لحنَ الخيالِ وأفردي / لي فوق مائكِ صخرةً بيضاءَ
واستعرضي حورَ الجنانِ وأطلقي / لغة السماء وألهمي الشعراءَ
ماذا تركتَ بعالم الأحياء
ماذا تركتَ بعالم الأحياء / وأخذتَ من حبٍّ ومن بغضاءِ
لكَ بعد موتكَ ذكرياتٌ حيَّةٌ / جوَّابةُ الأشباحِ والأصداءِ
هتكت حجابَ الصمتِ عنكَ وربما / هتكتْ غشاءَ المقلةِ العمياءِ
فرأتْ مخايلَ وادعٍ متواضعٍ / في صورةٍ من رقَّةٍ وحياءِ
متطامنِ النظراتِ إلا أنها / نفَّاذةٌ لمكامن الأهواءِ
متفرِّساتٍ في سكينةِ قانصٍ / لم يخْلُ من حذرٍ وفرط دهاءِ
شيخٌ أطلَّ على الشتاء وقلبُه / متوقِّدٌ كالجمرةِ الحمراءِ
مرَّ الرفاقُ به فشيَّع ركبهم / وأقام فرداً في المكانِ النائي
وطوى الحياةَ كدوحةٍ شرقيةٍ / أمستْ غريبةَ تربةٍ وسماءِ
لبستْ جلال وحادِها وترفَّعتْ / بالصمت عن لغوٍ وعن ضوضاءِ
لم تنزل الأطيارُ فيءَ ظلالها / أو تَبْنِ عُشّاً أو تَحُمْ بغناءِ
حتى إذا عرّى الخريف غصونها / من وشي تلك الحلَّة الخضراءِ
عَبَرت بها صدَّاحةٌ في سجعها / لُغةُ الهوى ورطانةُ الغرباءِ
وارحمتا للنسر يخفُق قلبهُ / بصبابة القُمريّة البيضاءِ
هي لُمعةُ القَبَسِ الأخير وقد خبا / نجمُ المساءِ ورعشةُ الأضواءِ
وتوثُّبُ الروح الحبيس وقد شدا / ثَمِلاً بسحرِ الليلةِ القمراءِ
وحنايةُ الحسنِ الغريرِ إذا رمى / فشريقُ دمعٍ أو غريقُ دماءِ
ومهاجرٍ ضاقتْ به أوطانُه / وتأثَّرتْهُ مخاوفُ الطرداءِ
لم تثنه شيخوخةٌ مكدودةٌ / دون السِّفارِ ولا صقيعُ شتاءِ
متطلبٍ حقَّ الحياةِ لخافِقٍ / أمسى مهيضَ كرامةٍ وإباءِ
من كان في أمسٍ يسوسُ أمورَهم / ضنُّوا عليه بفرحةِ الطُّلقاءِ
يقضونَ باسمِ المال فيه كأنما / ضمِنُوا لمصرَ مصادرَ الإثراءِ
هلَّا قضوا لمقاصفٍ ومصارفٍ / مغفورةٍ منهومةِ الأحشاءِ
أكلتْ دمَ الفلَّاح ثم تكَفَّلَتْ / بحصادِ حنطتِهِ وجلدِ الشاءِ
حبٌّ بلوتَ به العذابَ ومثلهُ / مِقَتُ السياسةِ وهي شرُّ بَلاءِ
عَصَفَتْ بأحلامِ الرجالِ وسفهت / رأيَ اللبيبِ ومنطقَ الحكماءِ
كم فوق ساحِلها خُطىً مطموسةٌ / كانت سبيل هدايةٍ ورجاءِ
وسفينةٌ مهجورةٌ محطومةٌ / حَمَلتْ لها البشرى طيورُ الماءِ
أين اللواءُ وربُّهُ وجماعةٌ / كانوا طليعةَ موكبِ الشهداءِ
وأخو يراعٍ في الصفوفِ مدافعٌ / بيَديْ حواريٍّ وصدرِ فدائي
لم يُنْصَفوا حتى ببعض حجارةٍ / خرساءَ ماثلةٍ لعين الرائي
ومضوا فما وجدوا كفاءَ صنيعهِم / تمثالَ حبٍّ أو مثالَ وفاءِ
تأبى السياسةُ غيرَ لونِ طباعِها / وتريدُ غيرَ طبائعِ الأشياءِ
قالوا أحبَّ الإنكليزَ وزادهم / ودَّ الحميم وموثق القرناءِ
ها قد أتى اليوم الذي صاروا به / أوفى الدعاةِ وأكرمَ الحلفاءِ
بتنا نغاضب من يغاضبهم ولا / نأبى رعايتهم على الضَّراءِ
رأيٌ أُخِذْتَ به وليس بعائبٍ / ذمَمَ الرجالِ مآخذُ الآراءِ
لكن سكتَّ فقيلَ إنَّك عاجزٌ / عن ردِّ عادية ودفعِ بلاءِ
صَمْتٌ تحيَّرَ فيه كلُّ مُحدِّثٍ / والصمتُ بعضُ خلائق الكرماءِ
في عالمٍ يُنسي الحليمَ وقارَهُ / ويُري البنينَ عداوةَ الآباءِ
وتَرى التوائمَ فيه بينَ عشيَّةٍ / متنافراتِ طبيعةٍ ورواءِ
جهدُ الكرامِ به افترارُ مباسمٍ / وتكلُّفٌ في القولِ والإصغاءِ
صُوَرٌ عرفتَ لُبابَها ولحاءَها / فكأنما خُلِقَت بغير لحاءِ
قد كنتَ تُخلصُ لي الودادَ فهاكهُ / شعراً يصونُ مَودَّةَ الخلصاءِ
يجدُ الرجالُ به على حسناتِهم / مدحِي وعن هنواتِهم إغضائي
فاصعدْ لربِّكَ فهو أعدلُ حاكمٍ / وهو الكفيلُ برحمةٍ وجزاءِ
وتلَقَّ من حكمِ الزمانِ وعدلِهِ / ما شاءَ من نقدٍ ومن إطراءِ
أشباحُ جنٍّ فوق صدر الماءِ
أشباحُ جنٍّ فوق صدر الماءِ / تهْفُو بأجنحةٍ من الظلماءِ
أم تلكَ عُقْبانُ السماءِ وثَبْنَ من / قُننِ الجبالِ على الخضمِّ النائي
لا بل سفينٌ لُحْنَ تحت لواءِ / لمَن السفينُ تُرى وأيُّ لواءِ
ومَن الفَتى الجبَّارُ تحت شراعها / متربِّصاً بالموج والأنواءِ
يُعْلي بقبضته حمائلَ سيفهِ / ويَضُمُّ تحت الليل فضلَ رداءِ
ويُنيلُ ضوءَ النجم عاليَ جبهةٍ / من وسْمِ إفريقية السمراءِ
ذهَبٌ ببوتقة السَّنَى من ذوبهِ / مَسَحَتْ مُحيَّاهُ يدُ الصحراءِ
لونٌ جَلَتْ فيه الصحارَى سحرَها / تحت النجوم الغُرِّ والأنداءِ
وسماءِ بحرٍ ما تطامنَ موجُهُ / من قبلُ لابن الواحةِ العذراءِ
بحرٌ أساطيرُ الخيال شطوطُهُ / ومسابحُ الإلهامِ والإيحاءِ
ومدائنٌ سحْريَّةٌ شارفنَهُ / بنَخيلها وضفافها الخضراءِ
ومعابدٌ شمٌّ وآلهةٌ على / سُفُنٍ ذواهبَ بينهنَّ جوائي
أبطالُ يونانٍ على أمواجه / يطوون كل مفازة وفضاءِ
يتجاذبون الغارَ تحت سمائه / يتناشدونَ ملاحمَ الشعراءِ
مازال يرمي الرَّومَ وهو سليلهم / ويُديلُ من قرطاجة العصماءِ
حتى طَلَعْتَ بهِ فكنتَ حديثهُ / عجباً وأيُّ عجائبِ الأنباءِ
ويسائلونَ بِكَ البروقَ لوامعاً / والموجَ في الإزبادِ والإِرغاءِ
من عَلَّمَ البدويَّ نشرَ شراعها / وهَدَاهُ للإبحار والإرساءِ
أين القفارُ من البحارِ وأين من / جنِّ الجبالِ عرائسُ الدأماءِ
يا ابن القِبَاب الحُمرِ ويحك من رَمى / بِكَ فوق هذه اللجَّةِ الزرقاءِ
تغزو بعينيكَ الفضاءَ وخلفَهُ / أُفُقٌ من الأحلامِ والأضواءِ
جُزُرٌ مُنَوَّرَةُ الثغور كأنّها / قطراتُ ضوءٍ في حفافِ إناءِ
والشرقُ من بُعْدٍ حقيقةُ عالمٍ / والغربُ من قُرْبٍ خيالةُ رائي
ضحِكتْ بصفحته المُنى وتراقصتْ / أطيافُ هذي الجنَّةِ الخضراءِ
وَوَثَبْتَ فوق صخورها وتلمَّسَتْ / كفَّاكَ قلباً ثائرَ الأهواءِ
فكأنما لك في ذُرَاها مَوعِدٌ / ضَرَبَتْهُ أندلسيةٌ للقاءِ
ووقفتَ والفتيانُ حولكَ وانبرتْ / لكَ صيحةٌ مرهوبةُ الأصداءِ
هذي الجزيرةُ إنْ جهلتم أمرَها / أنتمْ بها رهطٌ منَ الغُرباءِ
البحرُ خلفي والعدوُ إزائي / ضاعَ الطريق إلى السفين ورائي
وتلفتوا فإذا الخضمُّ سحابةٌ / حمراءُ مُطبِقةٌ على الأرجاءِ
قد أحرقَ الرُّبانُ كلَّ سفينةٍ / من خلفه إلَّا شراعَ رجاءِ
ألقى عليه الفجرُ خَيطَ أشعّةٍ / بيضاءَ فوقَ الصخرة الشمَّاءِ
وأتى النهارُ وسار فيه طارقٌ / يبني لِمُلكِ الشرق أيَّ بناءِ
حتى إذا عَبرَتْ ليالٍ طوَّفَتْ / أحلامُه بالبحر ذاتَ مساءِ
يرعى على الأُفقِ المُرصَّع قريةً / أعظِمْ بها للغزو من ميناءِ
مَدَّ المساءُ لها على خُلجانها / ظِلاً فنامتْ فوق صدرِ الماءِ
قالتْ تُعاتبُني أراكَ مَنَعْتني
قالتْ تُعاتبُني أراكَ مَنَعْتني / من قطفِ هذي الوردة الصفراءِ
وبسحرِ هذا اللون كم غنَّيتَني / وهتفتَ بالشقراءِ والصهباءِ
قلتُ اغفري لي يا حبيبةُ نظرتي / إِني أعيدُ الحسنَ من أهوائي
أخشى ظنونَ الناس فيكِ وأتقي / سِمَةَ الضَّنى والغيرة الحمقاءِ
وأذود عَنْ عينيكِ ذكرى ليلةٍ / شابتْ ونجمٍ شاحبِ الأضواءِ
في لونِ خدَّيْكِ اقطِفِي ما شِئتِهِ / من زهرةٍ أو كوكبٍ وضّاءِ
قالتْ أتمنعني الذي أحببتُهُ / في نظرةٍ لكَ وادِّكارِ وفاءِ
في عرضِكَ الماضي ونبشِكَ ما ذوى / من ذكرياتِ شبيبةٍ هوجاءِ
وبسخرياتكَ بي وبسمتِكَ التي / تلقى بها المفضوحَ من إِغوائي
وشحوبِ وجهكَ إِن أرِقتَ صبابةً / حيرانَ بين قطيعةٍ ولقاءِ
يا فرحتي للبحرِ أرجعُ ثانياً
يا فرحتي للبحرِ أرجعُ ثانياً / متفرداً بعبابهِ وسائهِ
أقصى منايَ سفينة ممشوقة / وبزوغُ نجم أهتدي بضيائهِ
وصريرُ دفّتها وعَزفُ رياحهِ / وخفوقُ قلعٍ أبيضٍ في مائه
وأرى الضباب يرفُّ فوقَ جبينهِ / في شاهبٍ من لونهِ وروائهِ
يجلوه ألاق رماديّ السنى / متطلعٌ بالفجرِ خلفَ فضائهِ
يا فرحتي للبحر أرجعُ ثانياً / كيما ألبّي المدّ في طفراتهِ
هذا المزمجرُ لست أنكرُ صوتهُ / إنّ الوضوحَ يشيع في نبراتهِ
أقصى منايَ لديه يومٌ عاصفٌ / يهفو رقيق الغيم في سبحانهِ
ورشاشُ موجٍ مستطارٌ تحتهُ / زبدٌ يفور الرغو ملءَ كراتهِ
وضجيج زُمّج مائهِ متخبطا / بالموج وهو يثيرُ من صرخاتهِ
يا فرحتي للبحرِ أرجع ثانيا / جوّابَ آفاقٍ غريب مسالك
أطوي مسارح طيره ومسابحاً / للحوت عبرَ طريقيَ المتشابكِ
حيثُ الرياح كأنما وخزاتها / حدُّ المدى وشبا الحسام الفاتكِ
أقصى منايَ روايةٌ محبوكةٌ / من نسيجِ قرصانِ طروبٍ ضاحكِ
ولذيذُ أحلامٍ وقد طاب الكرى / وتزايلت صورٌ هناك تواركي

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025