المجموع : 7
يَرْمي فؤاديَ وَهْوَ في سَوادئهِ
يَرْمي فؤاديَ وَهْوَ في سَوادئهِ / أتُراهُ لا يخْشَى على حَوْبائه
ومنَ الجهالةِ وهْوَ يَرشُقُ نفسه / أنْ تَطْمعَ العشّاقُ في إبقائه
تاهَ الفؤادُ هوى وتاهَ تعَظُمّاً / فمتى إفاقةُ تائهٍ في تائه
رَشَأٌ يُريك إذا نَظْرتَ تَثنيِّاً / تُسْبى قلوبُ الخَلْقِ في أثنائه
عَلقَ القضيبُ معَ الكثيبِ بقدهِ / مُتجاذبَيْنِ لحُسنه وبَهائه
حتّى إذا بلَغا الخِصامَ تَراضيَا / للفَصْلِ بينهما بَعقْدِ قبَائه
ذُو غُرةٍ كالنّجمِ يلمَعُ نورُه / في ظلمةٍ أخْفَتْهُ من رُقبَائه
بيضاءُ لمّا آيسَتْ من وصْلِها / وبدَتْ بُدُوَّ البَدْرِ وَسْطَ سمَائه
أَترَعْتُ في حِجْري غديراً للبُكا / فعسى يلوحُ خيَالُها في مائه
ومُسّهدٌ حَلّ الصبًّاحُ بفرْعِهِ / من طُولِ ليلته ومن إعيائه
شُقّتَ جيوبُ جفونهِ عن ناظرٍ / من طيَفْهم خالٍ ومن إغفائه
مُتَطاوِلٌ أسفارُه مُتَوسِّدٌ / وَجَناتُه إحدى يَدَيْ وَجنْائه
طَوراً يُرَى زَوْرَ الجِبالِ وتارةً / يَرْمي العراقُ به إلى زَوْرائه
والدَّهرُ أتعَبُ أهِله مِن أهلِه / منْ حاول التّقويم من عوجائه
مالي وما للدّهر ما من مطلَبٍ / أُدنيه إلاَّ لجَّ في إقصائه
دَهرٌ لعَمرُك هَرَّمتْه كَبْرةٌ / حتْى غدا يَجْني على أبنائه
يُبدِى التَعجّبَ من كثير عَنائه / فيه اللّبيبُ ومن قليلِ غَنائه
مُتَقلّبٌ أيامَه تَجِدُ الفتى / حيرانَ بين صباحهِ ومَسائه
كدَرَتْ فليس يَبينُ آخرُ أمرها / وظُهورُ قَعْرِ الماء عند صَفائه
مَنْ لي بذي كرَمٍ أقرّطُ سَمْعَهُ / شَكوْى زمانٍ مَرَّ في غُلوَائه
إنّ الزمان إذا دهَى بصُروفه / شُكِيَتْ عَظائمُه إلى عُظَمائه
الدينُ والدُّنيا كُفيتَ مُهمّها / مهما جَلْوتَ ظلامَها بضيائه
ولأحمدَ بنِ علّي اجتمعَتْ عُلاً / لم تَجتمعْ من قَبله لسِوائه
فَرْدٌ بألفِ فضيلةٍ فيه فما / في العَصْرِ رّبُّ كفايةٍ بكِفائه
لا تنجِلي ظُلَمُ الخطوبِ عن الفتَى / إلاّ برؤيةِ وَجهْهِ وبرائه
مَلَك المُروءةَ دون أهلِ زمانه / مُلْكَ المَواتِ لمُبتْدِي إحيائه
ماضي العزيمةِ لا يُطاقُ سُؤالُه / أبدَ الزّمان لَسبقِه بَعَطائه
يُفْنِي ذخائَرَهُ ويبُقى ذكْرَه / إفناؤها نَهْجٌ إلى إبقائه
وإذا أمات المالَ أصبحَ وارثاً / من آمِلٍ أحياهُ حُسْنَ ثَنائه
ذُخْرانِ مَوْروثانِ قد بَقيا له / حَمْدٌ ومَجدٌ طال فَرْعُ بنائهِ
من ذاهبَيْنِ تَصرَّما فالحَمْدُ من / أموالهِ والمَجْدُ من آبائه
وأجَلُّ من آلائه عندَ الورّى / منه احتقارُ الغُرِّ من آلائه
فيظَلُّ يَحْبوُ مُستميحَ نَوالهِ / وكأنّما هو طالِبٌ من لحبائه
وترى له كرماً يغالط نفسه / ويصحف المسطور من أبنائه
يَحْبو ويَقْرأ أنه يَجنْى فَعن / دَ حِبائه يتَغْشاهُ فَضْلُ حيَائه
فَتَراهُ مُعْتَذِراً بغيرِ جنايةٍ / عُذْرَ الجُناةِ إلى أخي استِجْدائه
إنّي لأُفكِرُ كيف أنظمُ شُكْرهُ / فلقد تَملّكني كريمُ إِخائه
لكنْ أُؤمِّلُ أن يَظَلَّ على الورى / في أُفْقه المحسودِ من عَلْيائه
هو و الأعزّةُ من بَنيه دائماً / كالبَدْرِ وَسْطَ الشُهْبِ في ظَلمْائه
نَزلَ الأحبّةُ خِطّةَ الأعداءِ
نَزلَ الأحبّةُ خِطّةَ الأعداءِ / فغدا لقاءٌ منهمُ بلِقاءِ
كم طعنةٍ نَجْلاءَ تَعرِضُ بالحِمىَ / من دون نَظْرةِ مُقلةٍ نَجْلاء
يا مَعْهدَ الرَشأ الأغَنّ كعَهْدِنا / بالجْزعِ تحت البانةِ الغَنّاء
بك أصبَحتْ سَمْراءُ وهي منَ القنا / في ظلِّ كلِ طويلةٍ سَمْراء
هل تُبلِغانِ ليَ الغداةَ تحيّةً / تُهدَى على حَذَرٍ منَ الأحياء
إنْ تبلُغا شَرَفَ العُذَيبِ عشيةً / فَتيامناَ عنه إلى الوعساء
وقِفا لصائدةِ الرّجال بدَلّها / فَصفا جِنايةَ عينها الحوراء
وتَحدَّثا سِرّاً فحولَ قبابها / سُمرُ الرّماحِ يَمِلنَ للإصغاء
من كلِّ باكيةٍ دماً من دُونها / يومَ الطّعان بمُقلةٍ زرقاء
وسميعةٍ صوتَ الصّريخِ وإن غدَتْ / مَدعوَّةً بالصعدة الصمّاء
يا دُميةً من دونِ رَفعِ سُجوفها / خوْضُ الفتى بالخيلِ بحْرَ دِماء
خَوفي لإقصاءِ الرّقيبِ لوَ أنّني / أَجدُ الحبيبَ يَهُمُّ بالإدناء
لو ساعدَ الأحبابُ قلتُ تجلُّداً / أَهوِنْ عليّ برِقبةِ الأعداء
ولئن صدَدْتِ فلستُ أوّلَ خاطيءٍ / يَتوقَّعُ الإحسانَ من حسناء
هل تأذنين لمُغرمٍ في زَورةٍ / فلعلّها تَشفي من البُرحاء
فلقد ملكْتِ عنِ السُّلوِّ مقادتي / وحشوت من نارِ الجوى أحشائي
وصبَرْتُ عَشراً عنكِ مُذْ شَطَّ النّوى / والعِشْرُ أقصى غايةِ الإظماء
ولقد كَتَمتُ عنِ العَذول صَبابتي / لكنّ دَمْعيَ لَجَّ في الإفشاءِ
فلْيهنأِ الغَيرانَ أنّ صدودَها / مِمّا يُروّحُ مَعشراً وبكائي
قُولا لخائفةٍ علينا رِقْبةً / ووِشايةً من معشرٍ بُعَداء
دَمْعي وبُخْلُكِ يَسلُكانِ طريقةً / تُغْنِي عنِ الواشينَ والرُّقَباء
وبمَسْقِطِ العلَمَيْنِ من طُررِ الَّلوى / دِمَنٌ شكَوْنَ تَطاوُلَ الإقواء
كَررّتُ ألحاظي إلى عَرَصاتها / وذكَرتُ عهْدَ أولئك القُرناء
وسقَيْتُ صاديَ تُرْبِها بمَدامعٍ / تَنهلُّ مثْلَ الدِيمةِ الوطْفاء
والدّمعةُ البيضاءُ قَلّتْ عندَها / فمَطرتُها بالدّمْعةِ الحَمراء
فكَمِ التجَرُّعُ للتّحسُّرِ أن خلا / من ساكنيهِ مُنحنَى الجَرْعاء
صبْراً وإنْ رحَل الخليطُ فإنّما / ذُخِرَ العَزاءُ لساعة الأرزاء
واسألْ عِتاق العيسِ إن ثَوّرْتَها / سَيراً يمزّقُ بُردةَ البيداءِ
فعَسى المطايا أن يُجدِّدَ وخْدُها / لك سَلوةً بزيارةِ الزَّوراءِ
فوسَمتُ أغفالَ المهامةِ واطئاً / وجَناتِها بمناسمِ الوجنْاء
حتّى أُنيخَ بشّطِّ دجلةَ أَينُقى / والجَوُ في سمْكٍ من الظّلماء
والجسْرُ تَحسَبُه طِرازاً أسْوداً / قد لاح فوق مُلاءةٍ بيضاء
والّليلُ قد نَسخ الكواكبَ نُسخةً / للأرضِ غير سقيمةِ الأضواء
والأصل للخضراء فهْوَ بِكَفّها / وبهِ تُقابِلُ نُسخةَ الغَبراء
فكأنّما الفَلَك المُدار بمَشْقِها / أبدى كتابتَه لعَيْنِ الرائي
أًمسى وقد نسخَ السّماءَ جميعَها / من حِذْقِه في صَفحةٍ للماء
كي يَخْدُمَ المولَى المُعين لو ارتضَى / بالنسْخِ في ديوانِ الاستيفاء
ولو ارتَضاه خادماً لرأى له / ماذا يُضاعَفُ من سناً وسنَاء
مَن ظَلَّ بين يدْيهِ أدنى كاتبٍ / تَلْقاه واطىء هامةِ الجوزاء
مَن بلَّغ الأقلامَ فوق مدى القنا / للمُلْكِ يومَ تَطاعُنِ الآراءِ
مَن حَلَّ من درَجِ الكِفاية غايةً / أَعيا تَمَنّيها على الأكْفاء
بخلائقٍ خُلِقَتْ لإدْراك العُلا / وطَرائقٍ حَظيَتْ بكُلّ ثناء
ويدٍ تَشِحُّ بذرّةٍ إن حاسبَتْ / وببذرةٍ منها أقَلُّ سَخاء
إنْ لم ُيُسامِحْ ثَمّ فاطْلُبْ رِفْدَه / لِيُريك كيف سَماحةُ السَّمحاء
مَلِكٌ يَشُبُّ لبأَسِه ولجودِهِ / ناريْنِ في الإصباح والإمساء
قَسمتْ يَداه عُداتَه وعُفاتَه / قسمْينِ للإغْناء والإفناء
ذو هِمّةٍ تَلْقى معَالمَ دارِهِ / مَعمورةً أبداً من العُلماء
تتناثَرُ الدُّررُ الثّمينةُ وسْطَها / قُدّامَهُ بتَناظُرِ النُّظراء
وكأنّ بدراً في أسرّة وجْهِه / للنّاظرِين يُمدُّهم بضياء
تَتزعزع الأعطافُ منه هِزّةً / عند استماع تلاوِة القُرّاء
فمسائل الفقهاء مُنشَدةٌ على / آثارهنَّ مدائح الشُّعراء
هذي المكارمُ والمعالي الغُرُّ لا / شدو القيان وضجّة الندماء
لله مختص الملوك فلم تزل / تَختَصُّ هِمَّتُه بكُلِّ علاء
من دوحةٍ للمجدِ عاليةِ الذُّرا / يوم الفخارِ مديدةَ الأفياء
كلٌّ رأى كَسْبَ الثّراء غنيمةً / فأَبتْ يداه غير كَسْبِ ثنَاء
ولأحمدَ بنِ الفضلِ شيمةُ سُؤْددٍ / وقفَتْ عليه مَحامِد الفُضلاء
قد أصبح ابنَ الفضل فهْو يبرُّه / برَّ البنين لما جِدِ الآباء
ويَظَلُّ يكرِم مَن إليه يَنتحي / مِن زائريه كرامَةَ النُّسباء
فالفضلُ قَرَّتْ عَينُه بك يا ابنَه / إذ كنتَ من أبنائه النجباء
يا مُحسناً بيَدِ النّدى بين الورى / تَقليد جيدِ الهمّةِ العَلياء
للهِ درُّك من فتَىً علْياه في / وجهِ الزّمان كغُرّةِ الدَّهْماء
يا مَن إلى بيتٍ تَحُلُّ فناءه / يُمسى ويُصبح حَجُّ كُلِّ رجاء
أضحَى الرّجاءُ إلى ذُراك وجُوهه / مَصروفَةً من سائر الأرجاء
ومن العجائبِ أنَّ كَفَّك لم تزلْ / كالبحرِ يومَ الجُودِ فَرْطَ عطاء
والبحر أسماء له معروفة / والكَف لم تَكُ قطُّ في الأسماء
أمّا جَداكَ فمِن فِنائك قد سَرى / حتّى أتاني نازلاً بِفنائي
وأنا بأرضِي للمُقامِ مُخَيمٌ / وركائبي مَعقولةٌ بإزائي
فَبِكَمْ على صِلَةٍ أجيءُ وراءها / تُربِي إذا صلةٌ تَجِىء ورائي
والذِّكْرُ منك على المغيبِ مُفرِّحى / والمالُ أصغَرُ نائلِ الكُبَراء
فلأَشكُرنّكَ ما صنَعْتَ مُواصِلاً / شُكْرَ الرّياضِ صنائعَ الأنواء
ولأّحبُوّنّكَ من حِبائكَ جازياً / بسَماعِ كُلّ قصيدةٍ غَناء
غَنّى بها راوٍ وأغنى مُنِعمٌ / فاستُطرِبَتْ لِغنىً لها غَرّاء
أنا ألأمُ اللُّؤماء إن لم أجتهِدْ / في حُسْنِ مدحةِ أكرمِ الكرماء
يا بادِئاً بالمكرماتِ وفعْلُه / في العَوْدِ أكرَمُ منه في الإبداء
ما فوقَ يَومكَ في الجَلالِ لدى الوَرى / إلاّ الغَدُ المأمُولُ للعلياء
فاسلَمْ لأبناء الرّجاء سلامةً / مَوْصولةً بتَظاهُرِ النّعْماء
أرضَيْتَ بالنُّصْحِ الإمامَ وإنّما / يُرضِي الأئمّةَ طاعةُ النُّصَحاء
وبَلاكَ سلطانُ الأنامِ فما رأى / لك مُشْبِها يا أَعظَمَ الأُمَناء
ولئن غدوْتَ وأنت مالك دولةٍ / فلقد سَبقْتَ لها إلى الإحياءِ
المُلْك مَغْنىً أنت آهِلُ رَبْعهِ / لامَلَّ يوماً منك طُولُ ثَواء
والدّهرُ كالعِقْدِ المُفصَّلِ نَظمُه / نَسَقاً من البيضاءِ والسّوداءِ
فبَقيِتَ واسطةً له لتَزينَه / ولكَيْ تُحاكِيَه امتدادَ بَقاء
صدَرَ الرِّعاءُ وما سَقَيْتُ ظَمائي
صدَرَ الرِّعاءُ وما سَقَيْتُ ظَمائي / أفلا يَخورُ جَنانُ هذا الماءِ
يا ماءُ ها أنا عن فِنائك راحِلٌ / فلقد أطَلْتُ ولم يَنَلْكَ رِشائي
حتّى متى صَدَري وَوِرْدي واحدٌ / وإلامَ أشكو حُرقةَ الأحشاء
مِن جَمْعِ قَطْرِ حياً أراك مُصوَّراً / أفليس يُوجَد فيك قَطْرُ حَياء
تُروِى أخا نَهَلٍ وتَتركُ صادياً / أغديرُ رِيٍّ أم غَديرُ رِياء
إنّي أرَى يا ماءُ وجهَك صافياً / لكنّ نفسَك غيرُ ذاتِ صَفاء
ما الفضلُ فيك لشاربيكَ بمُعْوِزٍ / بل ليس عندَك حُرمةُ الفُضلاء
بَخِلَ الغمامُ عليك بُخْلَك ظالماً / وجفا ذُراك كما أَطلْتَ جَفائي
وإذا تَفروَزَتِ المياهُ بخُضْرةٍ / فَبقيِتَ غيرَ مُدبَّجِ الأرجاء
وإذا الرَّبيعُ كسا البلادَ بُرودَهُ / فتَجاوزَتْك نَسائجُ الأنواء
لأُنادِينَّ بسُوء فِعْلِك مُعلِناً / بالشّرقِ والغربِ القَصي ندائي
ولأنَظِمنَّ أَرقَّ منك لسامعٍ / كَلِماً وأحسَنَ في الكتابِ لراء
ولأمَلأنَّ الأرضَ أنَّ مَزاودي / أُصدِرنَ عنك وهُنّ غيرُ مِلاء
ولأُخْبِرنَّ الناسَ حتّى يعلم الدْ / داني القريبُ معَ البعيدِ النائي
ما كان ضَرَّكَ لو كسبْتَ مدائحي / بل ما انتِفاعُكِ باكتسابِ هجائي
من كُلِّ سائرةٍ بأفواه الورى / تَحدو مطايا الرّكبِ أَيَّ حُداء
أنا أشعَرُ الفُقهاء غيرَ مُدافَعٍ / في العَصْرِ أو أنا أَفقَهُ الشعراء
شِعْري إذا ما قلتُ يَرويه الورى / بالطّبْعِ لا بتَكلفِ الإلقاء
كالصّوتِ في ظُلَلِ الجبالِ إذا علا / للسّمْع هاجَ تجاوبَ الأصداء
هل في عتابِ الحادثاتِ غَناءُ
هل في عتابِ الحادثاتِ غَناءُ / أم هل لعيشٍ في الزمانِ صفاءُ
بَيْنا يُديرُ المرءُ كأسَ سُروره / كَرّتْ عليه ومِلْؤها أقذاء
فأبَى لنا إلاّ التَحَوُّلَ دائماً / أحوالُنا فكأنّها أفياء
ما إن يَزالُ يُشرِّقُ الإصباحُ في / نَهْجٍ بها ويُغَرِّبُ الإمساء
فاصحَبْ على الأَودِ الزّمانَ مُدارياً / فَطِلابُ تَقويمِ الزّمانِ عَناء
ملأَتْ لنا الأسماعَ داعيةُ الردى / وكأنّما أنا صَخْرةٌ صَمّاء
والموتُ للأقوامِ داعٍ مُسْمِعٌ / ما من عُمومِ ندائه استْثناء
والمرءُ في عِطفَيْهِ ينظُرُ نَخوةً / وإليه شزراً تنظر الأدواء
ومساحب الأذيال أجداث لنا / فَسَلُوا إذنْ ما هذهِ الخُيلاء
نَحدو مطايانا العِجالَ وخَلفَنا / أيضاً لسائقةِ المَنون حُداء
ونُنيخُ في البيداء نَعلَمُ أنّهُ / يوماً تَعوُدُ تُنيخُنا البيداء
لا بُدّ من ليلٍ يَمُرُّ على الفتى / لا تَنْجلي عن ضوئهِ الظّلْماء
أو من نهارٍ ليس خَلْفَ صباحِه / مِمّا يُعاجِلُه الحِمامُ مَساء
وكأنّما داعي المَنيّةِ قابِضٌ / كَبِدَ الحَنّيةِ رَمْيُه إصماء
والموتُ سِتْرٌ خَلْفَه من فِعْلنا / حَسناءُ تُرضِي المرءَ أو شَوهاء
بعدَ الفَناء بقاءٌ اعترفَتْ به / نَفْسي كما قبلَ الفَناءِ بقاء
ولقد خلا فِكْري بدَهْري عاذلاً / يَلْحاهُ كيف طغَتْ به الغُلواء
فأجابَ مُعتِذراً وقال مُخاطباً / ولسَمْعِ قلبي نحوَه إصغاء
إنّي ومَن سَمَك السّماءَ بقُدْرةٍ / واقتادَني قَدَرٌ لهُ وقَضاء
لَمُبرّأ من كُلّ ما اعتادَتْ له / نسباً إليّ لجهلها السفهاء
إن كنت سالب والداً له / فرجَعْتُ عنه ولي يَدٌ شَلاّء
وتَقطّعتْ أقرانُ عُمْري فانقضىَ / إن شئِتُ أن تَتَفرّقَ القُرناءُ
مَن قال قلبي ليس فيه رِقّةٌ / أو قال وَجْهي ليس فيه حَياء
فأنا الخصيمُ له بذاك غداً إذا / قامَتْ ليفصلَ بينها الخُصماء
أنا أشتهِي يا قومُ أن يُعطَى الغِنىَ / ذو النَقصِ فِيَّ ويُحْرَمَ الفُضلاء
أنا أرتضِي أن يُثْرَى اللُّومَاءُ في الدْ / دُنْيا ويَشكو الخِلّةَ الكُرماء
أنا مُلْصِقٌ للكَفِّ إمّا بالثّرى / أو بالثُّريّا إنْ أعانَ ثَراء
فِعْلاَي أخْذٌ فاجِعٌ وعَطيّةٌ / ويَدايَ هَدْمٌ فاحِشٌ وبِناء
لِيُساقَ من كلٍّ إليّ ملامةٌ / ويُساءَمن كُلٍّ عَلَيّ ثَناء
فاقْصُرْ ملامَك لي فما إنْ للفتى / بيدَيّ إسعادٌ ولا إشْقاء
أنا مثلُ قلبٍ فيه سِرٌّ مُودَعٌ / للهِ ما لِمَصونهِ إفْشاء
لا شَيءَ فِيَّ به تَعيبُ مَشيئتي / لكنْ مشئةُ مَن له الأشياء
ما الأمرُ فِيّ كما أشاءُ بحاةٍ / لا بل أَدورُ كما سِوايَ يَشاء
لو كان لي أَمْرٌ يُطاعُ وقُدْرةٌ / يوماً يُسَرُّ بها امْرؤ ويُساء
ما رُعْتُ صدْرَ الدّينِ قَطُّ برائع / ومن العِدا والحاسدينَ فِداء
كلاّ ولا لاقَيْتُه بمُلمّةٍ / من بَعْدِ أُخْرى والقلوبُ مِلاء
بل كنتُ واقيَ مَن عُلاه ومَجْدُه / لي دائماً مِمّنْ أذُمُّ وِقاء
أوَ ليس أصبحَ وحدَه ليَ غُرّةً / وجميعُ أهلي جِلْدَةٌ دَهماء
ما كان أكمَلَ فَرْحَتي لو أنّه / ما نالَ تلكَ الشُّعلة الإطفاء
لو أنّ هذا الهلالُ وقد بدا / للنّاظرين ليَستَتِمَّ نَماء
قد كانَ أزهرَ غابَ أُفُقِِ العُلا / فتبَادَرْت في إثْرِه زَهراء
جُرْحٌ على جُرْحٍ قريبٌ عَهْدُه / وكؤوسُ أشجانٍ حُثِثنَ وِلاء
وكأنّ ساقي الحُزْنِ أنكرَ فَضلةً / في الكأسِ أسْأَرَها له النُدَماء
فأدارَ ثانيةً علينا كأسَهُ / لتُنالَ تلك الجُرْعةُ الكَدْراء
والدّهرُ أنعُمهُ أُحادٌ إن أتَتْ / منه وأبؤسُه الشِّدادُ ثُناء
لا يَهنأِ الأعداءَ ما شَهِدوا وهل / لِعداكَ من خَطْبٍ عَداك هَناء
إن مَرًّ منك نَجيبُ مَجْدٍ راحلاً / فاسلَمْ لِتُخْلفَ بعدَه نُجَباء
ما ضَرّ أصلاً ثابتاً من دَوحةٍ / أنْ كان فرعٌ غَيّبتْهُ سَماء
أبدَتْ على يدِهِ الصعَادُ تأسُّفاً / فكأنَّ هَزّ مُتونِها صُعَداء
وأكبّتِ الأقلامُ تَبكي حَسْرةً / ولها عليه دَمعةٌ سَوداء
ولطَمْنَ بالغُرَرِ الجيادُ وُجوهَها / من حيثُ كان لَهُنّ فيه رَجاء
واعتَدَّ دينُ اللهِ عندَ نَعيّه / أنْ مَرَّفيه فَيْلقٌ شَهباء
أمُودِّعي طَوْعَ المنَونِ ومُودِعي / ناراً بها تَتَحَرَّقُ الأحشاء
أعزِزْ عليَّ بأن تُفارقَ فُرقةً / ما بعدها حتّى المَعادِ لِقاء
لادَرَّدَرُّ الموتِ ماذا ضَرَّهُ / لو كان عنك لطَرْفهِ اِغضاء
شَغفَتْ صفاتُكَ كُلَّ مُستَمعٍ لها / حتّى استَوى القُرَباءُ والبُعَداء
كم مقلةٍ نجلاءَ قد سفَحتْ دماً / فكأنّما هي طَعْنةٌ نَجلاء
كم أمّلَتْ يُمناكَ أنْ سَتُمِرُّها / دون الهُدى يَزَنيّةٌ سَمْراء
وصحيفةٌ فَيضاءٌ تَملأُ بَطْنَها / دُرّاً بها وصحيفةٌ بَيضاء
فشفَى غليلَ ثَراكَ كُلَّ صبيحةٍ / كنَدى أبيكَ سحابةٌ وَطفَاء
وأقام مَنكِبَ أرضٍ استَبْطنتَها / وعليه من وَشْيِ الرّياض رِداء
قد كان أَولْى مَن تَجنّبه الردى / لو حُوبِيَتْ في بَيتِه حَوباء
ولكان لو نَفع البُكا لَجَرى لنا / بَدَلَ الدُّموعِ من العيون دِماء
فتَعزَّ عنه وإن أمَضَّ مُضِيُّه / فإلى العَزاء تَردُّنا العَزّاء
ولئن تَقدَّم نحو ربِّك فارطاً / فالفارطون همُ لنا شُفَعاءُ
فَتصرُّمُ ابنِ ذُكاءَ خَطْبٌ هَيّنٌ / ما أشرقَتْ للعالمينَ ذُكاء
لا سِيّما ولك الشهّابُ المُنجلِي / عن وَجْههِ للأعيُنِ الظَلماء
وأخوهُ سَعْدٌ أكبرٌ وله إذا / أمسَى مُقارِنُ أصغرٍ لاْ لاء
فإذا بدا سَعْدانِ معْ بَدْرٍ كفَى / أن يَغْمُرَ الدُّنيا سناً وسَناء
إن أَجزعَ الأحبابَ وَشكُ رحيله / عنّا فلا تُسْرَرْ به الأعداء
قٌل للإمام ابنِ الإمامِ مَقالةً / حَقّاً لَعمرُك ليس فيه مِراء
بأبيكَ عَزّتْ أصفهانٌ مثْلما / شَرُفَتْ بَوْطءِ قُريشٍ البَطحاء
قد جاء جَيّاً والسُعودُ تَحُّفهُ / مُطِرتْ على عُلَمائها النَعماء
بأبيك ثمّ أخيك ثمّ بك أَبتتْ / للدّين فيه وأهلِها عَلْياء
أظهَرتُمُ في نَصرِ دينِ مُحَمّدٍ / ما ليس فيه على الأنام خَفاء
إن أَنكرتْ آثاركُم زُمَرُ العِدا / فَلكُم بها كُلُّ الورى شُهَداء
وجُحودُ مَن جَحَد الصباحَ إذا بدا / من بعدِ ما انتشرَتْ له الأضواء
ما دَلّ أنّ الصُبحَ ليس بطالعٍ / بل إنّ عيناً أنكَرْتَ عَمياء
خُذْها مُحَّبرةً تَخالُ بُيوتَها / حِبراً أجادَتْ صُنْعَها صَنْعاء
وَيقِلّ عن إهداءِ تَسليتي بها / لفتىً أغَرّ قصيدةٌ غَرّاء
ومِثالُ مَوعظتي لِمثلِكَ قَطْرةٌ / من ديمةٍ تُسقَى بها دَأماء
عيدانِ عيدُ مَسَرةٍ ومَساءةٍ / طَرَفان لا طافَتْ بك الأسواءُ
فأعِدَّ من صَبْرٍ وشُكْرٍ عُدّةً / فبمثْلِها تَتضاعَفُ الآلاء
كي تَرحلَ الضَّراءُ عنك إلى العِدا / وتُقيمَ خالصةً لك السّرّاء
لازلتَ تَبْقَى في ظلالِ سعادةٍ / فَبقاءُ مْثِلك للزّمان بَهاء
لا تَستَشِرني في مُحالٍ ظاهِرٍ
لا تَستَشِرني في مُحالٍ ظاهِرٍ / إنّ المُحالَ مَضِلّةُ الآراءِ
إنّ المُشاوِرَ في المُحالِ مِثالُه / كُمطالعِ المِرآةِ في الظّلْماء
يَرْعَى الرّجاءَ بنو أبيه فَبَينَه
يَرْعَى الرّجاءَ بنو أبيه فَبَينَه / أبداً وبينهمُ وَكِيدُ إِخاءِ
ولئن دَعونا من كرامتِه فلا / عجَبٌ ونحن له من الأبناء
أبنى الهُمام أبى الرّجاء بَقيِتُمُ / في دولةٍ محْسودةِ النَعْماء
حتّى تكونوا في ثلاث خصائصٍ / بينَ الورى من قِلّةِ النُظرَاء
مِثْلَ الثُريّا في اجتماع كواكبٍ / وَعُلوّ منزلةٍ وطُول بَقاء
وعُداتُكم مثلُ الثّرى فكَمِ المَدى / بين الثريّا والثّرى مُتَناء
لولا رجائي ثانياً للقائهِ
لولا رجائي ثانياً للقائهِ / ما كنتُ أحيا ساعةً في نائه
سَكَنٌ له أبداً فؤادي مَسْكَنٌ / ما مَلَّ يوماً فيه طُولَ ثوائه
ريمٌ إذا رِيم السُّلُوّ لمُغْرَمٍ / عن حُبّه أعيا عِلاجُ عَيائه
ومُقَرطَقٌ لو مَدَّ حلقةَ صُدْغهِ / من فَتْلها تَمّتْ لعَقْدِ قَبائه
غُصُنٌ إذا ما مادَ في مَيدانهِ / أسدٌ إذا ما هاجَ في هَيْجائه
في جَفْن ناظِره وجفْنِ حُسامهِ / سَيْفانِ مختلفانِ في أنحائه
فبواحدٍ يَسطو على أحبابهِ / وبواحِد يَسْطو على أعدائه
قَمَرٌ غدا روحي وراح مُفارِقي / والجسمُ بالرّوح امتساكُ بقائه
فَتَعَجُّبي أن عشتُ بعد فِراقه / وتَحسُّري أن متُّ قبل لِقائه
مالي وما للدهر ما من مطلبٍ / أُدنيه ألاّ لَجَّ في إقصائه
تُضحى وتُمسي حادثاتُ خُطوبِه / تَتْرى تُمِلُّ المرءَ من حَوبائه
كَدَرَتْ فليسَ يَبينُ آخرُ أمرِها / وظُهورُ قَعْرِ الماء عند صفائه
إلاّ رئيس الدّين إن أبدَى لنا / عن وجْههِ أو سيفِه أو رائه
فليكْشفَنَّ عنِ الورى غَمّاءها / أيُّ الثّلاثةِ كان من أضوائه
إنْ حَطّ ثِنْىَ لِثامِه أو هَزَّ حَدْ / دَ حُسامِهِ أو شَبَّ نارَ ذكائه
مَلِكٌ إذا عَمَّ البلاد بعدْلِه / عَمَر البلادَ بِبَأْسِه وسَخائه
إنَّ اللّياليَ أصبحَتْ بأساؤها / مَغْمورةً للخَلْقِِ في نَعْمائه
ما إن يُصيب الحُرَّ منها نازِلٌ / إلاّ ومنه نائلٌ بإزائه
ففَدى العُداةُ مِنَ الحِمامِ ورَيْبِه / وهمُ وإن رغمِوا أقلُّ فِدائه
مَنْ ليس يَثْنى طَبْعَه عن حِلْمه / سَعْيُ العِدا بَغياً على عَليْائه
أفليس أَشقَى النّاسِ مَن جاز المدى / في البَغْي حتّى خاب من إبقائه
يَغْترُّ حاسِدُهُ بأنْ أملَى له / والبأسُ كُلُّ البأسِ في إملائه
كم راقدٍ مَلَّ الجفونَ جَهالةً / ما دام ليلُ الشّكِ في ظَلْمائه
لا بُدَّ أنْ سَيعودُ صُبْحٌ ساطعٌ / فَيهُبُّ فيه المَرءُ من إغفائه
يومٌ يجازَى المَرءُ فيه وواجِبٌ / أن يُذكَرَ الإنسانُ يومَ جَزائه
هو عَفْوُه اعتَصِموا بحَبْلِ ذمامه / وعِقابُه اجتَنِبوا حُلولَ فَنائه
يُغْني ويُفْني فاطلُبوا إغناءه / وتَعوَّذوا باللهِ من إفنائه
سبب النجاة ولاؤه ورجاءه / فتمسكوا بولائه ورجائه
قُلْ للعُداةِ انْوُوا له ما شئِتُمُ / فلَكَم يقيهِ اللهُِ من إسوائه
أفبَعْدَ هذا للخلائقِ ريبة / في أنَّ سِرَّ اللهِ في إعلائه
هيهات إنَّ اللهَ يأبى نُوُره / أن تَعمَلَ الأفواهُ في إطفائه
اليومَ عاد السّعْدُ بعد مَغيبهِ / عنّا وبان الرشْدُ بعدَ خفَائه
وسعَى لهذا الملْكِ في تَجْديدِه / من بَعْدِ سَعْيِ الدَّهرِ في إبلائه
ذو غُرةٍ كالبَدْرِ عند طُلوعِه / بَهَر الورى بسَناه أو بسَنائه
لكنْ إذا نظَروا إليه تَبَيّنوا / أنْ ليس بَدْرُ الأفْقِ من نُظرائه
فكمَالُه أنْ ساس فوق كَمالِه / وعَلاؤه أنْ قاس فوق عَلائه
مَلِكٌ إشارةُ كَفّهِ أو طَرْفهِ / لنعيمِ شَطْرٍ للورى وشَقائه
ربُّ الكتابةِ والكتيبةِ صاحبٌ / تَسْرِي جيوشُ النّصرِ تحت لوائه
وإذا رأيت السّودَ من راياتهِم / سارتْ أمام البيضِ من آرائه
فتَرقّبِ الفَتْحَ القريبَ لمن غدا / بين الملوكِ وأنت من وزرائه
يا طالعاً سَعْدَ السّعودِ لناظري / من بَعدِ طُولِ سُهادِه وبكائه
لو لم أُرِدْ بصَري لِرؤيةِ وجْههِ / ما كنتُ ذا حرْصٍ على استِبقائه
لِمحَبَّتي نَظرِي إليك صيانَتي / بَصَرِي وإمساكي عنِ استبكائه
ما كنتُ أصنْعُ لو طلعْتَ بمُقلتي / والدَّمعُ أطفأ نارَها في مائه
يا كعبةً سارتْ إلى حُجاجِها / وكَفتْ مَسيرَ النَّضْوِ في بَيدائه
وأهلَّ زائرُها برَجْع دُعائه / من قبلِ جادِيهم برَجْع حُدائه
خذْها كعِقْدِ الدُّرِّ ثنى لثامه / والكوكب الدريِّ في لألائه
فلأ شكُرنَّ على دُنُوِّ الدراما / توليه من حظٍ ومن إسنانه
شُكْري أميرَ المؤمنين على النّوى / لمّا سقَى أرضي حَبِيُّ حِبائه
قرَّطتْهُ أنا والمهامِهُ بيننا / دُرّى وَقرَّطني كذا بعَطائه
وأجَلُّ من تقليدِه لنوالِه / ما كان من تقليدِه لقضائه
وقد استَنبْتُ ابني فوَّقع مُمضياً / والفَخْرُ كُلُّ الفخْرِ في إمضائه
فمَنِ المُخالِفُ للخليفةِ أمرَه / في عَوْدهِ يوما وفي إبدائه
ووُرودُ أمرٍ جاء من رَبِّ الوَرى / كوُرودِ أمرٍ جاء من خُلفائه
فأعدْ لنا نظرا فهمُك صائبٌ / لا يطمَعُ الجُهّالُ في إخطائه
وانظُرْ إلى استحسانِ واستقباح ما / سيُقالُ بعْدَ المرءِ من أنبائه
فتعّلمَ الأدبَ السَّموألُ ومن صدى / جبَلٍ دعا فغدا مُجيبَ دُعائه
يا صاحباً ما شام برقَكَ آمِلٌ / إلا وجاد ثَراه سُحْبُ ثَرائهِ
لم أرْجُ نُجْحاً عاجِلاً في مَطلَبٍ / إلا وبِشْرُك كان من بُشَرائه
لكنّ دهراً رائعاتُ صُروفُه / كَرَّتْ بشِدَّتهِ بُعَيدَ رخائه
كان اعتناؤك بي يَراه ويَستحي / وأراه قد ألقَى لثامَ حَيائه
فلقد مَلِلتُ اليومَ من أكداره ال / مُلْقاةِ في شُرْبي ومن أقذائه
فأعنْ على هَربي إذن من منزلٍ / فَنِيَ اصطبارِي من طويل بَلائه
بِمُهْملَجٍ كالماء عند مَسيره / لكنّه كالبَرْقِ في تَعْدائه
فَرسٌ إذا ملكَتْه كَفّي لم أُرعْ / من بُعْدِ مُنتجَعٍ ومن عُدَوائه
وعليه إنْ أك في صباحِيَ فارساً / أَو فارساً إن سرتُ قبلَ مَسائه
وبسابقٍ لي منكَ وَعْدٌ سابقٌ / فتُرى إلامَ تَلِجُّ في إبطائه
وأبو الفُتوح وليس يُنْكِرُ ضامِنٌ / فَبقيتُ في وطَني أسيرَ جَفائه
فعسى أرى طِرْفي بطَرْفي مَرّةً / يُزْهى أمام الخيلِ من خُيلائه
وعلى السِفارِ عسى أصيرُ بظَهْرِه / مُستظهراً فأهزَّ عِطْفَ التّائه
مَنعتْ موانعُ أنْ أمُرَّ لِطيَّتي / فبقيِتُ في وطني أسيرَ جَفائه
قَيّدْتني وَسَطَ الدّيار ومَن نَبَتْ / دارٌ به فَنجاتُه بنَجائه
حتّى لجْأتُ إلى ربيبِ رئاسةٍ / إفضالُه وقْفٌ على فُضَلائه
وشَكوتُ للزّمنِ المُسىء حوادِثاً / وفؤادِيَ العاني أسيرُ عَنائه
فأزال أقيادَ الخطوبِ ورَدَّني / مُتقيّداً بالغُرِّ من آلائه
فبقيتُ لا أدري أمن أُسَرائهِ / أصبحتُ بين النّاس أم طُلَقائه
عاش الرّجاءُ لكلِّ قَلْبٍ آيسٍ / لمَا قَدِمْتَ وكنتَ من أبنائه
وكذاك دينُ اللهِ زاد جلالةً / لمّا رآك وأنت من رُؤسائه
فَالْحَقْ بحُسْنِ الرّأى مُهجةَ خادمٍ / لم يَبق للحدثانِ غيرُ ذَمائه
واسَتْبقِ فيك ثناءه وَولاءه / فَيقِلُّ مثْلُ ثنائه وَولائه
لا زلتَ مثْلَ النّجمِ تَطلُعُ للورى / في عُمْرهِ طولاً وفي استِعلائه
في ظلّ مُلْكٍ كاملٍ نامٍ معاً / يَجْلو ظلامَ الظّلمِ بَثُّ ضيائه
فكَما لهُ للبدْرِ إلاّ أنّه / كهلالِ أوَّلِ ليلةٍ لنَمائه