المجموع : 3
طَرَقَتْ ونحنُ بسُرَّةِ البَطْحاءِ
طَرَقَتْ ونحنُ بسُرَّةِ البَطْحاءِ / والليلُ يَنشُرُ وَفْرَةَ الظَّلماءِ
فرَأَتْ رَذايا أنْفُسٍ تُدْمي بِها / أيدي الخُطوبِ غَوارِبَ الأنْضاءِ
وإذا النّوى مَدّتْ إلينا باعَها / سُدّتْ بِهِنَّ مَطالِعُ البَيْداءِ
أأُمَيمَ كيفَ طوَيتِ أروِقَةَ الدُجى / في كلِّ أغْبَرَ قاتِمِ الأرجاءِ
هلا اتَّقَيتِ الشُّهْبَ حين تَخاوَصَتْ / فرَنَتْ إليكِ بأعيُنِ الرُّقَباءِ
خُضْتِ الظَّلامَ ومِن جَبينِكِ يُجْتَلى / صُبْحٌ يَنِمُّ عليكِ بالأضواءِ
فطَرَقْتِ مَطْويَّ الضلوعِ على جوًى / أغضَى الجُفونَ بهِ على الأقذاءِ
مِن أرْيَحيَّاتٍ إذا هَبَّتْ بِها / ذِكرى الحَبيبِ نهَضْنَ بالأحشاءِ
قَسَماً بثَغْرٍ في رُضابِكِ كارِعٍ / فكأنَّهُ حَبَبٌ على صَهْباءِ
وجُفونِكِ المَرضَى الصَّحيحةِ لا دَرَتْ / ما الدّاءُ بل لا أفْرَقَتْ مِن داءِ
لأُخالِفَنَّ هوى العَذولِ فَطالما / أفضى المَلامُ بهِ إِلى الإغراءِ
وإذا القُلوبُ تَنَقَّلَتْ صَبَواتُها / في الغانِياتِ تنَقُّلَ الأفْياءِ
لمْ تَتِّبِعْ عَيني سِواكِ ولا ثَنى / عَنْكِ الفُؤادَ تَقَسُّمُ الأهواءِ
وأقلُّ ما جَنَتِ الصّبابَةُ وَقْفَةٌ / مَلَكَتْ قِيادَ الدَّمعِ بالخَلْصاءِ
وبَدا لنا طَلَلٌ لرَبْعِكِ خاشِعٌ / تَزدادُ بَهجَتُهُ على الإقواءِ
وأَبِي الدِّيارِ لقد مشى فيها البِلى / وعَفَتْ معالِمُها سِوى أشْلاءِ
يَبكي الغَمامُ بها ويَبْسِمُ رَوضُها / لا زِلْنَ بينَ تَبَسُّمٍ وبُكاءِ
وقَفَتْ مَطايانا بِها فعَرَفْنَها / وكَفَفْنَ غَرْبَيْ مَيْعَةٍ ونَجاءِ
وهزَزْنَ مِن أعطافِهنَّ كأنَّما / مُلِئَتْ مَسامِعُهُنَّ رَجْعَ غِناءِ
ونَزَلْتُ أفتَرشُ الثَّرى مُتَلوِّياً / فيهِ تلوِّيَ حيَّةٍ رَقْشاءِ
وبنَفْحَةِ الأرَجِ الذي أودَعْتِهِ / عَبقَتْ حَواشي رَيْطَتي وردائي
وكأنني بِذَرا الإمامِ مُقَبِّلٌ / مِن سُدَّتَيْهِ مُعَرَّسَ العَلياءِ
حيثُ الجِباهُ البِيضُ تَلْثِمُ تُرْبَهُ / وتَحُلُّ هَيبَتُهُ حُبا العُظَماءِ
وخُطا المُلوكِ الصِّيدِ تَقْصُرُ عِندَهُ / وتَطولُ فيهِ ألْسُنُ الشُّعَراءِ
مَلِكٌ نَمَتْ في الأنبياءِ فروعُهُ / وزَكَتْ بهِ الأعْراقُ في الخُلَفاءِ
بلغَ المَدى والسِّنُّ في غُلَوائِها / خَضِلَ الصِّبا مُتكَهِّلَ الآراءِ
فغَدا الرَّعيَّةُ لائِذينَ بظِلِّهِ / يَرْجُونَ غَيْثَ حَياً ولَيْثَ حَياءِ
ومَرابِضُ الآسادِ في أيَّامِهِ / بالعَدْلِ مثْلُ مَجاثِمِ الأطْلاءِ
مَلأَ البِلادَ كَتائِباً لَمْ يَرضَعوا / إلا لِبانَ العِزَّةِ القَعْساءِ
يتَسَرَّعونَ إِلى الوَغى بِصَوارِمٍ / خَلَطَتْ بنَشْرِ المِسكِ ريحَ دِماءِ
لم تَهجُرِ الأغمادَ إلاّ رَيْثَما / تَعرى لِتُغْمَدَ في طُلَى الأعداءِ
مِن كُلِّ مَشْبوحِ الأشاجِعِ ساحِبٍ / في الرَّوعِ ذَيْلَ النَّثْرةِ الحَصْداءِ
يَنسابُ في الأدْراعِ عامِلُ رُمْحِهِ / كالأَيْمِ يَسبَحُ في غَديرِ الماءِ
أخذَ الحُقوقَ بِهِمْ وأعطاها مَعاً / والحَزْمُ بَينَ الأخْذِ والإعطاءِ
يا بْنَ الشّفيعِ إِلى الحَيا وقدِ اكْتَسَتْ / شَمَطاً فُروعُ الروضَةِ الغنَّاءِ
فَدنا الغَمَامُ وكاد يَمْري المُجْتَدِي / بِيَدَيْهِ خِلْفَ المُزْنَةِ الوَطْفاءِ
لَولاهُ لَم تَشِمِ الرِّياضُ بأعْيُنٍ / مِن زَهرِهِنَّ مَخايِلَ الأنْواءِ
خُلِقَتْ طِلاعَ القَلْبِ هَيْبَتُكَ التي / خَلفَتْ غِرارَ السَّيفَ في الهَيجاءِ
ونَضا وَزيرُكَ دونَ مُلْكِكَ عَزْمَةً / تَكْفيهِ نَهْضَةَ فَيلَقٍ شَهباءِ
وتَرُدُّ مَن قَلِقَتْ بهِ أضْغانُهُ / حَيَّ المَخافَةِ مَيِّتَ الأعضاءِ
وتُصيبُ شاكِلَةَ الرَّمِيِّ إذا بَدَتْ / رِيَبٌ تُهيبُ بِمُقْلَةٍ شَوْساءِ
فكأنَّ أسرارَ القُلوبِ تُظِلُّهُ / بغُيوبِهنَّ جَوائِبُ الأنباءِ
يَسعى ويَدْأبُ في رِضاكَ وإنْ غَلَتْ / مُهَجُ النفوسِ عَلَيهِ بالشَّحْناءِ
وإذا الزَّمانُ أتى بخَطْبٍ مُعْضِلٍ / ولِيَ افتِراعَ الخُطَّةِ العَذْراءِ
وإصابَةُ الخُلَفاءِ فيما حاوَلوا / مَقْرونَةٌ بِكِفايَةِ الوُزَراءِ
لا زِلْتُما مُتَوَشِّحَيْنِ بِدَوْلَةٍ / مُرْخًى ذَوائِبها عَلى النَّعماءِ
نَبَأٌ تَقاصَرَ دونَهُ الأنْباءُ
نَبَأٌ تَقاصَرَ دونَهُ الأنْباءُ / واستَمطَرَ العَبَراتِ وهْيَ دِماءُ
فالمُقْرَباتُ خَواشِعٌ أبصارُها / مِيلُ الرُّؤوسِ صَليلُهُنَّ بُكاءُ
والبِيضُ تَقْلَقُ في الغُمودِ كَما الْتَوى / رُقْشٌ تَبُلُّ مُتونَها الأنْداءُ
والسُّمْرُ راجِفَةٌ كأنَّ كُعوبَها / تَلوي معاقِدَها يَدٌ شَلاّءُ
والشَّمسُ شاحِبةٌ يَمورُ شُعاعُها / مَوْرَ الغَديرِ طَغَتْ بهِ النَّكْباءُ
والنَّيِّراتُ طَوالِعٌ رَأْدَ الضُّحى / نُفِضَتْ على صَفَحاتِها الظَّلْماءُ
يَنْدُبْنَ أحْمَدَ فالبِلادُ خَواشِعٌ / والأرضُ تُعْوِلُ والصّباحُ مَساءُ
والعينُ تنْزِفُ ماءَها حُرَقُ الجَوى / والوجْهُ تُضمِرُ نارَهُ الأحشاءُ
فأذَلَّ أعناقاً خَضَعْنَ لفَقْدِهِ / وهْيَ التي طَمَحَتْ بها الخُيَلاءُ
غَنِيَتْ عَواطِلَ بَعْدَما صاغتْ حُلَى / أطواقِها بِنَوالِهِ الآلاءُ
ما لِلْمَنايا يَجْتَذِبْنَ إِلى الرَّدى / مُهَجاً فهُنَّ طلائِحٌ أنْضاءُ
تُدْهى بِها العَصْماءُ في شَعَفاتِها / وتُحَطُّ عنْ وُكُناتِها الشّغْواءُ
عُونٌ تَكَدَّسَ بالنّفوسِ وعِندَها / في كُلِّ يومٍ مُهجَةٌ عَذْراءُ
دُنيا تُرَشِّحُ للرَّدى أبْناءَها / أُمٌّ لَعَمْرُ أبيهِمُ وَرْهاءُ
فالنّاسُ منْ غادٍ علَيهِ ورائِحٍ / ولِمَنْ تأخَّرَ عنهُما الإسْراءُ
لا شارِخٌ يَبْقى ولا ذو لِمَّةٍ / ألْوَتْ بعَصْرِ شَبابِها العنْقاءُ
ولكَمْ نَظَرْتُ إِلى الحياةِ وقدْ دَجَتْ / أظْلالُها فإذا الحَياةُ عَناءُ
لا يَخْدَعَنّكَ مَعْقِلٌ أشِبٌ ولَو / حلَّتْ علَيْهِ نِطاقَها الجَوْزاءُ
واكْفُفْ شَبا العَينِ الطّموحِ فَدونَ ما / تَسْمو إليهِ بلَحْظِها أقْذاءُ
ولَوِ اسْتُطيلَ على الحِمامِ بعِزَّةٍ / رُفِعَتْ بِها اليَزَنِيَّةُ السَّمْراءُ
لَتَحدَّبَتْ صِيدُ المُلوكِ على القَنا / حَيثُ القُلوبُ تُطيرُها الهَيْجاءُ
يَطَؤونَ أذيالَ الدُّروعِ كأنّهُمْ / أُسْدُ الشّرَى وكأنّهُنَّ إضاءُ
والخَيْلُ عابِسَةُ الوُجوهِ كأنّها / تَحْتَ الكُماةِ إذا انْجَرَدْنَ ضِراءُ
يَفْدونَ أحمَدَ بالنُّفوسِ وقلَّما / يُغْني إذا نَشِبَ المَنونُ فِداءُ
قادَ الكَتائِبَ وهْوَ مُقتَبِلُ الصِّبا / حتَّى اتّقَتْ غَزَواتِهِ الأعْداءُ
ورَمى المَشارِقَ بالمَذاكِي فارْتَدى / بِعَجاجِها المَلْمومَةُ الشَّهْباءُ
ولهُ بأطرارِ المَغارِبِ وَقْعَةٌ / تُرضي السُّيوفَ وغارَةٌ شَعْواءُ
لمْ يَدْفَعِ الحَدَثانِ عَن حَوبائِهِ / مَجْدٌ أشَمُّ وعِزّةٌ قَعْساءُ
وصَوارِمٌ مَشْحوذَةٌ وأسِنَّةٌ / مَذروبَةٌ وكَتيبَةٌ جَأواءُ
لَقِحَتْ بهِ الأرضُ العَقيمُ وأُسْقِيَتْ / سَبَلَ الحَيا فكأنَّها عُشَراءُ
والصّبْرُ في رَيْعانِ كُلِّ رَزيَّةٍ / تَقِصُ الجَوانِحَ عَزْمَةٌ بَزْلاءُ
ولِكُلِّ نَفْسٍ مَصْرَعٌ لا تُمْتَطَى / إلا إلَيهِ الآلَةُ الحَدْباءُ
للِّهِ ما اعتْتَنَقَ الثَّرى من سُؤْدَدٍ / شَهِدَتْ بهِ أُكْرومَةٌ وحَياءُ
وشَمائِلٍ رقَّتْ كَما خَطَرتْ على / زَهرِ الرَّبيعِ رُوَيْحَةٌ سَجواءُ
عَطِرَتْ بهِ الأرضُ الفَضاءُ كأنَّما / نُشِرَتْ علَيها الرَّوضَةُ الغنَّاءُ
لا زال يَنْضَحُ قبْرَهُ دَمُ قارِحٍ / يَحْبو لدَيْهِ وديمَةٌ وَطْفاءُ
والبَرْقُ يختلِسُ الوَميضَ كأنّهُ / بَلْقاءُ تَمْرَحُ حَولَها الأفْلاءُ
جَرَّ النَّسيمُ بهِ فُضولَ عِطافِهِ / وبَكَتْ عَلَيْهِ شَجْوَها الأنواءُ
وَمُدَجَّجٍ نازَلْتُهُ في مَأْزِقٍ
وَمُدَجَّجٍ نازَلْتُهُ في مَأْزِقٍ / يَضْفو عَلَيْهِ مِنَ العَجاجِ رِداءُ
فَشَفَيْتُ مِنْهُ النَّفْسَ حينَ اعْتَادَهُ / سَفَهاً عَلَيَّ مِنَ المَخيلَةِ داءُ
بِصَفيحَةٍ بَيْضاءَ لَمّا شِمْتُها / دَلَفَتْ إِليْهِ مَنِيَّةٌ سَوْدَاءُ