عَذلُ المُشَوقِ يَهيجُ في بُرَحائِهِ
عَذلُ المُشَوقِ يَهيجُ في بُرَحائِهِ / وَيُثيرُ نارَ الوَجدِ في حَوبائِهِ
فَاِترُك مَلامَتَهُ وَدَعهُ وَشَأنهُ / في نَوحِهِ وَحَنينِهِ وَبُكائِهِ
وَإِن اِستَطَعتَ عَلى الصَّبابَةِ وَالأَسى / فَأَعِنهُ تَحظَ بِوُدِّهِ وَإِخائِهِ
فَالخِلُّ مَن أَصفى مَوَدَّةَ قَلبِهِ / لِذَوي مَوَدَّتِهِ وَأَهل صَفائِهِ
يا عاذِلَ المُشتاقِ مَهلاً وَاِتَّئِد / في لَومِهِ فَهوَ العَليمُ بِدائِهِ
وَمَتى تُرِد يَوماً ملامَةَ عاشِقٍ / فَاِجعَل فُؤادَكَ تَحتَ ظِلِّ حَشائِهِ
فَإِنِ اِستَقَرَّ فَلُم أَخاكَ وَإِن نَبا / فَكُنِ النَّديمَ الفَردَ مِن نُدمائِهِ
أَوَ كَيفَ تَعذِلُ هائِماً ذا صَبوَةٍ / ذَهَبَ الفِراقُ بِلُبِّهِ وَعَزائِهِ
لَم يُشوِ رامي البَينِ حَبَّةِ قَلبِهِ / لَمّا رَمى عَمداً بِقَوسِ عِدائِهِ
نَفسي الفِداءُ لِمَن غَدا رقّي لَهُ / رِقّاً وَلَم أَسمَح بِهِ لِسوائِهِ
وَلِمَن لَهُ في كُلِّ عُضوٍ مَنزِلٌ / منّي عَلى قُربِ المَحَلِّ وَنائِهِ
أَهوى زِيارَتَهُ وَأَخشى دُونَهُ / خَزرَ اللَّواحِظِ مِن ذَوي رُقبائِهِ
وَأَصُدَّ عَنهُ إِذا اِلتَقَينا خَشيَةً / مِن كاشِحٍ طاوٍ عَلى شَحنائِهِ
وَأَرومُ كِتمانَ الهَوى فَيُذيعُهُ / طَرفي وَطَرف الصَّبِّ مِن أَعدائِهِ
يَجني عَلَيهِ بِلَحظهِ فَإِذا جَنى / وَاِقتادَهُ في الحُبِّ نَمَّ بِمائِهِ
يا عاذِلي لا عِشتَ إِلّا أَخرَساً / أَعمى أَصَمَّ تَرى بِقَلبٍ تائِهِ
أَربَيتَ في لَومي وَزِدتَ وَلَن تَرى / قَلبي مُطيعَكَ في اِتِّراكِ هَوائِهِ
أَوَ أَن تَرى ما بَينَ سَلمى وَالحِمى / بَحراً يَعومُ الطَّيرُ في أَرجائِهِ
وَبِجانِبِ المَولى المُعَظَّمِ شَأنُهُ / ما اِعتادَهُ مِن بَأسِهِ وَسَخائِهِ
مَولىً تَخيّرَهُ الإِمامُ لما رَأى / مِن فَضلِهِ وَغِنائِهِ وَعَنائِهِ
وَرَآهُ أَهلاً لِلعُلا فَاِختَصَّهُ / بِعَظيمِ رُتبَتِهِ وَفَضلِ حِبائِهِ
أَعطى الإِمارَةَ حَقَّها لا عاجِزاً / وَكِلاً وَلا عَمّاً بِفَصلِ قَضائِهِ
مُتَيَقِّظُ العَزماتِ يُخبِرُ وَجهُهُ / عَن حَزمِهِ وَمَضائِهِ وَذكائِهِ
فَلَقد كَفى الإِسلامَ كُلَّ عَظيمَةٍ / وَتَحَمَّلَ الأَثقالَ مِن أَعبائِهِ
وَأَغاثَ حِزبَ المُؤمِنينَ بِما بَدا / مِن حُسنِ سيرَتِهِ وَجَزلِ عَطائِهِ
وَرَمى طَواغيتَ النِّفاقِ بِصَيلَمٍ / ضَلعاءَ يخبِرُ عَن جَميلِ بَلائِهِ
يَأتي المُناوي بَأسُهُ مِن تَحتِهِ / وَفُوَيقِهِ وَأَمامِهِ وَوَرائِهِ
لَو رامَ أَحداثَ الزَّمانِ بِفَتكَةٍ / لاِستَعصمَت مِن سُخطِهِ بِرِضائِهِ
أَو سارَ يَلتَمِسُ النُّجومَ بِصَولَةٍ / لَغَدَت دَرارِيهِنَّ مِن أُسَرائِهِ
مَلأَت مَهابَتُهُ قُلوبَ عِداتِهِ / وَالأُفقَ يَملَؤُهُ بِنورِ بَهائِهِ
مَلَكَ الزَّمانَ وَأَهلَهُ وَتَصَرَّفَت / أَحكامُهُ في أَرضِهِ وَسَمائِهِ
البَدرُ يَحجِبُهُ طَلاقَةُ بشرِهِ / وَالسَّيفُ تَكهَمُهُ صَرامَةُ رائِهِ
وَالبَحرُ يُخجِلُهُ سَماحَةُ كَفِّهِ / مَعَ طيبِ مَورِدِهِ وَحُسنِ رُوائِهِ
وَاللَّيثُ تُعجِزُهُ جراءةُ قَلبِهِ / مَعَ ما يُرى مِن نُسكِهِ وَحَيائِهِ
وَالسَّعدُ مِن أَوزارِهِ وَالمَوتُ مِن / أَنصارِهِ وَالنَصرُ مِن قُرَنائِهِ
ما حاتِمُ الطائِيُّ يَومَ نَوالِهِ / ما وَائِلُ الحَشمِيُّ يَومَ إِبائِهِ
ما قُسٌّ الزُّهرِيُّ يَومَ خِطابِهِ / ما الحارِثُ البَكرِيُّ يَومَ وَفائِهِ
لَو أَنَّهُم عادوا وَعادَ زَمانُهُم / لَم يُصبِحوا في الفَضلِ مِن نُظرائِهِ
يا مُتعَباً أَودى الكَلالُ بِعيسِهِ / مُذ غالَ صَرفَ الدَهرِ صِرفَ ثَرائِهِ
هَلّا أَنَختَ لِتَستَريحَ وَتَجتَني / ثَمَرَ المَعالي غَضَّةً بِفِنائِهِ
بِفناءِ أَغلَبَ لَم يَلَمهُ لائِمٌ / في البَذلِ إِلّا زاد في غَلوائِهِ
لا تَحقِرُ الأَيّامُ ذِمَّتَهُ وَلا / تَعدو عَلى مُتَعَلِّقٍ بِرَجائِهِ
فَاللَّهُ يُسعِدُهُ وُيمتعُ خَلقَهُ / بِدَوامِ دَولَتِهِ وَطولِ بِقائِهِ