المجموع : 6
أدركت أوتاراً من الأعداء
أدركت أوتاراً من الأعداء / وملكت من عدن إلى صنعاء
وبلغت بالجرد العتاق وبالقنا / ما شئت من شرف ومن علياء
جاوز بمجدك أنجم الجوزاء
جاوز بمجدك أنجم الجوزاء / وازدد علواً فوق كل علاء
وافخر بنفس لم تزل أفعالها / جنات أرض بل نجوم سماء
وانظر بطرفك حيث شئت فما ترى / في ذا الورى أحداً من النظراء
واستثن والدك الكريم فإنما / أمددت من أنواره بضياء
وأبوك ليث الغاب رشح شبله / فرعدن منه فرائص الأعداء
والوابل الهتان أسبل هطله / فطمت جداوله على البيداء
والشمس قدمت الصباح طليعة / فطوى رداء الظلمة السوداء
يا حاسدي عضد الإمام جهالة / غضوا جفونكم على الأقداء
فو حقه ما نال إلا حقه / والدر أحسنه على الحسناء
ولسوف تقضيه السعادة دينه / من ذمة الإصباح والإمساء
ويحوز قاصية المدى ويجوزها / والصالح الهادي حليف بقاء
وكأنكم بظهور راية ملكه / وظنونكم يخبطن في عشواء
فالنار يقدمها الدخان محذراً / ويهب برد الغيث قبل الماء
فليحمد الأمراء سيرتك التي / أحمدت فيها طاعة الأمراء
وليشكروك على الجميل فشكرهم / سبب يديم سوابغ النعماء
فلكم يد لك فيهم مشكورة / أتبعتها بندى يد بيضاء
حتى غدا لك في الرقاب مضاعفاً / طوقان طوق ولاية وولاء
إذا قلت إذ صرفت إلى تدبيرك ال / كافي أمور الدولة الغراء
الآن فوضت الأمور إلى الذي / يشفي دخيلة دائها بدواء
عقدت بأيمن طائر راياتها / فأصاب عاقدها صواب الراء
نيطت حمائلها الطوال بعاتق / متعود لتحمل الأعباء
ملك بدايته نهاية معشر / يرقون تدريجاً إلى العلياء
خطبته ألسنه العلى وترفعت / عن كل معدود من الأكفاء
كانت تراسل مجده وعيونها / يطرقن من خفر وفرط حياء
حتى إذا زفت إليه تبرجت / وأتته لا تمشي على استحياء
فضل خصصت به وليس بمنكر / حوز البنين مراتب الآباء
إن سدت أبناء الوزارة كلهم / فأبوك قبلك ناصر الخلفاء
أو كشفت بك للمظالم غمة / فأبوك عنا كاشف الغماء
هذا ثناء أنظقته صنائع / ملك الجميل بها جميل ثنائي
لم أرض عنه مفرداً في حقكم / فشفعت مفرد وتره بدعائي
لولا احتقاري جملة الدنيا لكم / لوصلت ذيل مدائحي بهناء
والشمس ليس بزائد في قدرها / ومحلها شيء من الأشياء
لو كان ينفع أن تجود بمائها
لو كان ينفع أن تجود بمائها / عين لجادت أعين بدمائها
لكن خطب الموت أصبح علة / قصرت خطى الآمال دون شفائها
نرجو مسالمة الزمان ولم يزل / كدر الليالي مولعاً بصفائها
مزجت لنا كأس الحياة بغدرها / وتعلقت آمالنا بوفائها
مثل الأفاعي سمها ترياق / لا يستبين دواؤها من دائها
أو ما ترى الدنيا استمر خلافها / في عهدهما حتى على خلفائها
طرقت جنات العاضد بن محمد / بفناء من يرجى الغنى بفنائها
بمؤيد تلقى النوائب نفسه / في كل نائبة بحسن عزائها
ورث النبي سريرة ما في الورى / لولاه من ينيبك عن أنبائها
فإذا المهني والمعزي أحسنا / فيكم فقد هديا بنور ضيائها
ولقد يعز علي ذكر فقيدة / عوضتها عن مدحها برثائها
لم أرثها بالشعر إلا بعدما / أضحى لسان الدهر من شعرائها
غدرت بها الأيام وهي عبيدها / وكذا الليالي وهي بعض إمائها
يا دهر مالك لم تمن بعتقها / أولم تكن يا دهر من عتقائها
فلتندمن إذا افتقرت ولم تجد / في الرأي من يغني كفضل غنائها
هلا حفظت لها أجل فضيلة / أن الإمام يعد من أبنائها
ما ظن من عقد اللواء بأمرها / أن لا يقود الجيش تحت لوائها
إن لم تعد من الرجال فإنهم / هزوا قنا الرايات عن آرائها
قالوا مضت سنة وفيها سلوة / تنهي هموم النفس عن برحائها
فأجبتهم إن السلو يعوقه / ما في رقاب الناس من نعمائها
ما هذه ممن إذا بعد المدى / نسيت معاني الفضل من أسمائها
وكفى بها طول الزمان مذكراً / ما عندنا من فضلها وعطائها
وفروع دوحتها التي أبقت لها / نوري سنى إحسانها وسنائها
في كل عضو حسرة لفقيدة / أضحى بنو الزهراء من أعضائها
شمس بنوك الغر بورك فيهم / يا بدرها الهادي نجوم سمائها
أما إذا كان الحمام فريضة / لابد حتماً من وجوب قضائها
فليهنها أن المنية إنما / نزلت بها في عزها وعلائها
لم تنتقل حتى رأت في نفسها / ما أملت من سؤلها ورجائها
وإذا الليالي أمتعتك بشاور / فاغضض جفونك عن قبيح جفائها
كافي خلافتك التي نصرت بها / في كل معترك على أعدائها
بالكامل افتخرت على أمرائها / وبشاور تاهت على وزرائها
سيفا إمامتك التي ما إن سطت / إلا وكان النصر من قرنائها
ما ضيقت عطن الملوك ملمة / إلا وردا ضيقها برخائها
وأظن أياماً سمحن بشاور / لا تقدر الدنيا على نظرائها
أنا من عداد الأغنياء بفضلها / وإلى دوام علاه من فقرائها
مدحته من قبلي مضارب سيفه / فغدا ثنائي من جميل ثنائي
وسرت مكارمه تضيء لخاطري / فسرى المديح إليه في أضوائها
حسنت وجه الدهر عندي بعدما / قد كان في عيني وجهاً شائها
وإذا توالى الجود صار عقيدة / لا تحلل الأيام عقد ولائها
لم تبق لي أيام فضلت حاجة / إلا سؤال الله طول بقائها
هي سلوة حلت عقود وفائها
هي سلوة حلت عقود وفائها / مذ شف ثوب الصبر عن برحائها
وبقلبه الريم الذي لو رامها / طيف الكرى لم يخف عن رقبائها
محمية بشبا الأسنة لم تزل / سمر القنا يحمين سرب ظبائها
فازت ظهور جمالها بجمالها / يوم الرحيل وخاب ظن خبائها
وتأرجحت أطلالها إذ عرجت / أشجاننا يسألن عن أنبائها
دمن يضل عن الهدى من لم يسر / نحو الهوى العذري في أهوائها
لم أسأل الركبان عن أسمائها / كلفاً بها لولا هوى أسمائها
وسألت أيامي صديقاً صادقاً / فوجدت ما أرجوه جل رجائها
ولرب معسول اللقاء ترى له / قولاً تسر به وفعلاً شائها
يلقاك بالحسنى وإن تك غائباً / عن طرفه أمسى بذمك فائها
ولقد خرجت إلى الجليس مهاجراً / عصباً يضيم الدهر جار فنائها
مستنجداً لأبي المعالي همة / تغدو المعالي وهي بعض عطائها
لما مدحت علاه أيقنت العدى / أن الزمان أجار من عدوائها
وأغر سعدي الأواصر أبلج / يلقى سقيمات المنى بشفائها
شتان ما بين الرجال وبينه / إن قست فضل غنائه بغنائها
وردوا ثماداً للمكارم شابها / كدر وفاز بغمرها وصفائها
نذرت مصافحة الغمام أناملي / فوفت غمائم كفه بوفائها
لو سمته نيل الكواكب أصبحت / وسماؤها كفاك دون سمائها
وإذا غدت لك شافعاً في حاجة / أغنتك نخوته عن استقضائها
وعقتها منه بأكرم شافع / لا ينتهي منها إلى إنهائها
ما ضيقت حيل الملوك ملمة / إلا وقابل ضيقها برخائها
لما تعين حق خدمته ولم / أنهض بفرض حقوقها وأدائها
ووجدت أنفس ما يليق بمجده / فقراً نفيس الدر من حصبائها
أهديت منها كل بكر حرة / أجرى عليها الرق صدق ولائها
لا تبتغي غير القبول مثوبة / وتعد ذلك من أجل جزائها
داويت ما نفع العليل دوائي
داويت ما نفع العليل دوائي / بل زاد سقماً في خلال ضناء
وأيست من برء الطبيب لدائه / فاعتل قلبي للأياس بداء
أملت فيه صحة من سقمه / فحصلت في أملي بعكس رجائي
ورجوت أني قد أكون فداءه / عورضت في أملي فكان فدائي
ووددت لو كنت الدفين بقبره / عوضاً له ويكون في دنائي
حرمت طيب النوم بعد فراقه / عن ناظري فسلا عن الإغفاء
ولقد أبيت وفي فؤادي جمرة / ولهيبها متوقد بجوائي
وذبالة أضحى بقلبي لذعها / زفراته بتنفس الصعداء
من فقد شبل عاجلته منية / ما كان فيها مهلة لبقاء
ما كان أسرع ما أتاه حمامه / ورحيله عني إلى الصحراء
ما عاش إلا سبعة من عمره / ونأى إلى دار البلى لبلاء
ثم امتطى ثبج المنايا طالباً / جدثاً يناط بصخرة صماء
يأوي إلى لحد ووحشة منزل / وجنادل صم وصلد وصفاء
واختار سكناه القرافة ذاهلاً / عن عيشة ليست بداء بقاء
إني على إسماعيل لا أعطى عزى / بل قد عدمت تجلدي وعزائي
وأوحشني لفراقه وبعاده / وأفجعني بمصيبة غبراء
قد كنت أذخره لكل ملمة / وأقيه في البأساء والضراء
فاغتالني فيه الحمام ففوقت / قوس المنايا سهمها بحشائي
تركت فؤادي مثخناً بجراحه / متضرجاً بمدامعي ودمائي
أجري المياه على فؤادي طمعة / في أن يبرد غلتي وظمائي
فتهيج لي نار إذا بردتها / فعجبت من نار تهيج بماء
قلقاً أبيت على فراشي ساهراً / فكأنني ملقى على الرمضاء
متلهفاً أبكي إلى من مر بي / وإذا أرى ولداً يثور بلائي
إني لأعجب من حياتي بعده / وتلذذي عنه بشرب الماء
أو أن أرى مبتسماً متنسماً / من بعد رحلته نسيم هواء
أو أن تغيب همومه عن خاطري / وخياله متمثل بإزائي
لو عاش كان منطقاً وموفقاً / ومنزهاً عن صبوة الأبناء
كانت فراسته تدل عقولنا / أن سوف يخرج أنجب النجباء
لكنه ما كل ما قد رامه / ذو فطنة فيناله بذكاء
والبرق يشهد والرواعد أنها / عنوان كل سحابة وطفاء
والفجر يشهد أن ساطع نوره / أبداً يدل على ضياء ذُكاء
ومضارب السيف المهند لم تزل / تنبيك عن حد له ومضاء
أملت ساعة سعيهم بسريره / أن لا أقيم بزمرة الأحياء
وبقيت مكتئباً أكابد لوعة / في حالة أسوأ من الأسواء
جار الزمان علي في أحكامه / فبليت منه بعيشة غلماء
قد كان قوة ناظري بل خاطري / فبقيت صاحب مقلة عمياء
فالميت ليس له صديق أو أب / صافاه بعد وفاته بوفاء
لا يغررن الحي طول بقائه / فمصيره من بعده لفناء
ويطول مكث المرء ثاو في الثرى / حتى يرى أثراً من الزيزاء
أعزز علي أبا شجاع أن أرى
أعزز علي أبا شجاع أن أرى / ذاك الجبين مضرجاً بدمائه
ما قلبته سوى رجال قلبوا / أيديهم من قبل في نعمائه