بم أستَهِلُّ بِموته ورثائِهِ
بم أستَهِلُّ بِموته ورثائِهِ / أم قبل ذاك بعُرسه وهنائِهِ
عيَّ اللسانُ فان سمِعتَ بِمِقول / فاعلم بأني لستُ من أكفائه
هو موقفٌ ما بين قلبي والأسى / جَلّى فكان الصبرُ من شهدائه
سكن الثرى من كان لا يطِأ الثرى / وهوى اليه وكان في جوزائه
ولقد خشِيتُ عليه من نَفسَ الصَّبا / أسفاً لواهُ الموت في نكبائه
نجم هوى من أُفقه فتناقصت / ولتشهدنَّ عليه شُهْبُ سمائه
من كان يفترش الجْفُون وطاؤه / قد وسدته الترب غيرَ وِطائه
بشرى أبيكَ وبورك العُرسُ الذي / زفوك فيه الى ثرى بَوغْائِه
ما الموت أطبقَ ناظريكَ وإنما / رق الصَّبا فكَرعْتَ من صهبائه
امجانباً عرض البسيط أعيذه / من ان يَضيقَ عليك رحبٌ فضائه
لكن رأى زمراً تمور وعالماً / خلط الظلال هديره بِرُغائه
فطواك في أحشائه متخوفاً / من أن يضيع الدُّر في حصبائه
هذا الربيع – وأنت من أزهاره - / يَبكيك طيبَ أريجه وهوائه
أسفاً فلا روضُ الحمى زاهٍ ولا / نُوارُه متفتحٌ بشذائه
ما اهتز نعشك يوم صفف عوده / الا لأنك كنت من خطبائه
يَبكيك مِنْبَرُكَ الرفيعُ وإنما / يبكى لفقد وقاره وعلائه
قد كان يأمُل أن يبلغ مُنيةٍ / حتى يراك وأنت من بلغائه
لا توقظوه بالدموع فربّما / أغفى لطول سُهاده وعنائه
ولقد خشِيتُ عليه قبلَ حِمامه / أن سوف يُحرِقُه لهيبُ ذكائه
غصْن لوته الحادثات فلم يُطِق / دفعاً لها فذوى بخضرة مائه
جاذبنه فضل الحياة فقصّرت / منه وما قصُرت فضول رادئه
قالوا أأعوزه الدواء جهالةً / ولربما مات الفتى بدوائه
يا أيها " السلك " المبلغ نعيَهُ / هلاّ حملتَ لنا حديث لقائه
ركب تحمل والحِمامُ يسوقه / عَجِلاً ووقعُ البرق صوتُ حُدائه
قلت : البشارةُ بالقدوم فهذه / أوتارهُ هزِجت بلحن غنائه
فإذا على أسلاكه مهزوزةً / نبأ يرِن الحزن في أثنائه
عجباً له خِلو الحشا من لوعة / وجليلُ رزء الموت في أحشائه
قاسٍ تحمل وقع كل عظيمة / جللٍ تحطُ البدر في عليائه
كالعود في أهزاجه والسهم في / إصماته والطَرفِ في إيمائه
متملكٌ سمعَ المُلوك وإنما / يروي فصيح القول في فأفائه
لا يستكنُّ السرُّ بين ضلوعه / وتراه محموداً على إفشائه
تتراجع الأفكار رازحةََ الخطى / ما بين عودته الى إبدائه
ما كنت أعلم " والغريُّ " مَحِلّةٌ / لك أن ستقضي في ربى " فيحائه "
كنت الهلال تنقلاً وقد ارتدى / ثوب المِحاق رعايةً لاخائه
لفُّوْهُ في شَطَن الردى ومضى فلم / يحللْ لغير الله عقد قَبائه
أفديه مصدورَ الفؤاد تقاطرت / افلاذُه بالنار من صُعَدائه
أبكيه ريانَ الشباب رداؤه / نَضِرُ الصبِّا شَرِقٌ بحسن روائه
أبكيه منطوياً على نارين من / داء النَّوى وهو الأمضّ ودائه
أبكيه مذعوراً تقسَّمَ طرفُهُ / ما بين أهليه الى رفقائه
أو بعدَما بَرَقَتْ أسِرَّتُّه لنا / وبدت مخايلُ حسنِه وبهائه
تنتاشُه كفُ المنية صارماً / عَضْباً يفُلُ العضبَ حدُّ مضائه
ما بعدَ يومك غيرُ عينٍ ثَرّة / ومدامعٍ سُحٍّ وحِلْمٍ تائه
لا تسألنِّي عن " أبيكَ " فبعض ما / لاقاه أن بكاءَنا لبكائه
عين تسيل دماً لفقد سوادها / وحشىً يذوب أسىً على سودائه
والمرء سلوة والدٍ متصبرٍّ / فاذا استقلَّ فصبره بازائه
ولقد عهِدْتُكَ والشمائلُ غضةٌ / غنيَ النديم بهن عن نُدمَائه
قالوا : " الوباءُ " فقلت من أدوائنا / وهو القتيل بهن لا بوبائه
رُحْ سالماً ودع الحياة لجاهل / وغروره أو عالم وريائه
والدين كلُّ الناس تعرف حَمْلَهُ / والفرق كلُّ الفرق عند أدائه
هل كنت لو نُجِّيتَ الا ساخراً / من حكم دهرك سادراً بشقائه
صبراً أباهُ وإن دهاك برزئه / دهر يذوب الصبر في أرزائه
أخذ الاله واخذُه أجرٌ كما / أعطى وكان الفضل في اعطائه
ولربما جزِع الفتى من علّة / كانت سبيلَ الشكر عند شِفائه
صبراً وشافع من تسمّى " محسنا " / أملٌ بحسن الصبر عند بلائه
بالخلد عن هذي الحياة تصبراً / يُغنى وعن أكدارها بصفائه
إني نظمت الدمع فيه قصيدة / لما وجدت القول دون رثائه
وعلمت أن الخلد ملك " محمد " / فعسى أكون هناك من شعرائه
صبراً وإن ذهب " العليُ " وأنتم / " بسعيد " هذا الجيل من سعدائه