المجموع : 8
لِلَّهِ مِن عَبَثِ القَضاءِ وَسُخرِهِ
لِلَّهِ مِن عَبَثِ القَضاءِ وَسُخرِهِ / بِالناسِ وَالحالاتِ وَالأَشياءِ
كَم دَرَّةٍ في التاجِ أَلفٌ مِثلُها / في القاعِ لَم تَخرُج مِنَ الظَلماءِ
وَلَكَم تَعَثَّرَ بِالغُبارِ سُمَيذَعٌ / وَاِنداحَتِ الأَطوادُ لِلجُبَناءِ
وَلَكَم جَنى عَلَمٌ عَلى أَربابِهِ / وَجَنى الهَناءَ جَماعَةُ الجُهَلاءِ
أَرَأَيتَ أَعجَبَ حالَةٍ مِن حالِنا / أَزَفَ الرَحيلُ وَلَم نَفُز بِلِقاءِ
عاشَت شُهوراً بِالرَجاءِ قُلوبُنا / وَبِلَحظَةٍ أَمسَت بِغَيرِ رَجاءِ
ماتَت أَمانينا الحِسانُ أَجِنَّةً / لَم تَكتَحِل أَجفانُها بِضِياءِ
فَكَأَنَّها بَرقٌ تَأَلَّقَّ وَاِنطَوى / في اللَيلِ لَم تَلمَحهُ مُقلَةُ راءِ
وَكَأَنَّنا كُنّا نُحَلِّقُ في الفَضا / صُعُداً لِنَلمِسَ مَنكِبَ الجَوزاءِ
حَتّى إِذا حانَ الوُصولُ رَمَت بِنا / نَكباءُ عاتِيَةٌ إِلى الغَبراءِ
وَكَأَنَّ تَكسَسَ وَهيَ في هَذا الحِمى / صَقعٌ كَسانبولٍ قَصِيٌّ ناءِ
طوبى لَها إِن كانَ يَعلَمُ أَهلُها / أَنَّ النَزيلَ بِها أَخو الوَرقاءِ
كانَت مَسارِحَ لِلرُعاةِ فَأَصبَحَت / لَمّا أَتاها كَعبَةَ الشُعَراءِ
هُوَ بُلبُلٌ عَبَقُ النُبُوَّةِ في أَغا / نيهِ وَفيها نَكهَةُ الصَهباءِ
وَجَلالُ لُبنانٍ وَقَد غَمَرَ المَسا / هَضَباتِهِ وَاِنسالَ في الأَدواءِ
غَنّى فَفي النَسَماتِ وَالأَوراقِ / وَالغُدرانِ أَعراسٌ بِلا ضَوضاءِ
وَبَكى فَشاعَ الحُزنُ في الأَزهارِ / وَالأَظلالِ وَالأَلوانِ وَالأَضواءِ
هُوَ نَفحَةٌ قُدسِيَّةٌ هَبَطَت إِلى / هَذا الثَرى مِن عالَمِ اللَألاءِ
لَو عادَ لِلدُنيا البُراقُ وَحُزنُهُ / ما كانَ إِلّا نَحوَهُ إِسرائي
أَشكو البَعادَ وَلَيسَ لي أَن أَشتَكي / فَسَماؤُهُ مَوصولَةٌ بِسَمائي
ما حالَ بَينَ نُفوسِنا ما حالَ بَيـ / ـنَ جُسومِنا مِن أَجبُلٍ وَفَضاءِ
فَلَكَم نَظَرتُ إِلى الرُبى فَلَمَحتَهُ / في الأُقحُوانِ الخَيِّرِ المِعطاءِ
وَسَمِعتُ ساقِيَةً تَئِنُّ فَخِلتَني / لِبُكائِهِ أَوطانُهُ إِصغائي
وَإِذا تَلوحُ لِيَ الجِبالُ ذَكَرتُهُ / فَالشاعِرُ القَرَوِيُّ طَودُ إِباءِ
مَن كانَ يَحلُمُ بِالغَديرِ فَإِنَّهُ / يَبدو لَهُ في كُلِّ قَطرَةِ ماءِ
إِن كُنتُ لَم أَرَهُ فَقَد شاهَدتُهُ / بِعُيونِ أَصحابي وَذاكَ عَزائي
أَفَتى القَوافي كَالشِواظِ عَلى العِدى / وَعَلى قُلوبِ الصَحبِ كَالأَنداءِ
سارَت إِلَيكَ تَحِيَّتي وَلَوَ اِنَّني / خُيِّرتُ كُنتُ تَحِيَّتي وَدُعائي
وَحَلِمتُ ثانِيَةً وَكانَ الكَونُ لَم
وَحَلِمتُ ثانِيَةً وَكانَ الكَونُ لَم / تَبرَح عَلَيهِ كَلاكِلُ الظَلماءِ
أَنّي رَأَيتُ جَرادَةً مَطروحَةً / في سَبخَةٍ مَنهوكَةِ الأَعضاءِ
تَرنو إِلى الأُفُقِ البَعيدِ بِمُقلَةٍ / كَلمى وَتَشتُمُ أَنجُمَ أَنجُمَ الجَوزاءِ
فَسَأَلتُها ماذا عَراكِ فَلَم تُجِب / فَسَأَلتُ عَنها زُمرَةَ الرُفَقاءِ
قالوا رَفيقَتُنا شَهيدَةُ هُزئِها / بِنَصائِحِ العُقَلاءِ وَالحُكَماءِ
كانَت إِذا جاعَت فَحَبَّةُ خَردَلٍ / تَكفي وَإِن عَطِشَت فَنُقطَةُ ماءِ
سَمِعَت بِنَهرٍ في السَماءِ وَجَنَّةٍ / لَيسَت لِتَصويحٍ وَلا لِفَناءِ
العِطرُ في أَثمارِها وَالشَهدُ في / أَنهارِها وَالسِحرُ في الأَنداءِ
فَاِستَنكَفَت أَن تَستَمِرَّ حَياتُها / في الأَرضِ جاثِمَةً عَلى الأَقذاءِ
فَمَضَت تُحَلِّقُ في الفَضاءِ وَلَم تَزَل / حَتّى وَهَت فَهَوَت إِلى الغَبراءِ
رَجَعَت إِلى الدُنيا الَّتي خُلِقَت لَها / لَم تُخلَقِ الحَشَراتُ لِلأَجواءِ
هَذي حِكايَتُها وَفيها عَبرَةٌ / لِلطائِشينَ كَهَذِهِ الحَمقاءِ
رُؤيا مَنامٍ رُبَّ حُلمٍ في الكَرى
رُؤيا مَنامٍ رُبَّ حُلمٍ في الكَرى / فيهِ تَلوحُ حَقائِقُ الأَشياءِ
إِنّي حَلِمتُ كَأَنَّما أَنا سائِرٌ / في رَوضَةٍ خَلّابَةٍ غَنّاءِ
النورُ مَفروشٌ عَلى طُرُقاتِها / وَالعِطرُ في النَسَماتِ وَالأَفياءِ
وَالعُشبُ فيها سُندُسٌ مُتَمَوِّجٌ / وَالجَوُّ أَضواءٌ عَلى أَضواءِ
وَإِذا بِصَوتٍ كَالهَريرِ يَطُنُّ في / أُذُني وَأَنيابٌ تَصُرُّ وَرائي
فَأَدَرتُ طَرفي باحِثاً مُتَعَجِّباً / مِمّا سَمِعتُ وَلَستُ في بَيداءِ
فَإِذا وَرائِيَ في الحَديقَةِ نابِحٌ / ضاري المَحاجِرِ ضامِرِ الأَحشاءِ
كادَت تَطُلُّ عُروقُهُ مِن جِلدِهِ / وَتَطُلُّ مَعها شَهوَةٌ لِدِمائي
أَشفَقتُ يَعلَقُ نابُهُ بِرِدائي / فَرَفَستُهُ غَضَباً فَطارَ حِذائي
فَطَوى نَواجِذَهُ عَلَيهِ كَأَنَّما / عَضَّت نَواجِذُهُ عَلى العَنقاءِ
وَمَضى بِهِ لِرِفاقِهِ فَتَهَلَّلوا / وَتَقاسَموهُ فَكانَ خَيرَ عَشاءِ
لا يَعجَبَن أَحَدٌ رَآني حافِياً / أَبلَت نِعالي أَلسُنُ السُفَهاءِ
تِلكَ السُنونُ الغارِباتُ وَرائي
تِلكَ السُنونُ الغارِباتُ وَرائي / سِفرٌ كَتَبتُ حُروفَهُ بِدِمائي
ما عِشتُها لِأَعُدَّها بَل عِشتُها / لِتَبينَ في سيمائِها سيمائي
سِيّانَ لَو أَنّي قَنِعتُ بِعَدِّها / عُمري وَعُمرُ الصَخرَةِ الصَمّاءِ
وَلَبَذَّني يَومَ التَفاخُرِ شاطِئٌ / ما فيهِ غَيرُ رِمالِهِ الخَرساءِ
لاحَت لِيَ العَلياءُ في آفاقِها / فَأَرَدتُها دَرباً إِلى العَلياءِ
وَمَحَبَّةً لِلخَيرِ تَسري في دَمي / وَرِعايَةً لِلضَعفِ وَالضُعَفاءِ
وَعِبادَةً لِلحَقِّ أَينَ وَجَدتُهُ / وَالحُسنِ في الأَحياءِ وَالأَشياءِ
لِتَدورَ بَعدي قِصَّةٌ عَن شاعِرٍ / رَقَصَت بِهِ الدُنيا جَناحَ ضِياءِ
نَشَرَ الطُيوبَ عَلى دُروبِ حَياتِهِ / وَسَرى هَوىً في الطيبِ وَالأَنداءِ
وَأَطَلَّ مِن قَلبِ البَخيلِ سَماحَةً / وَشَجاعَةً في السِلمِ وَالهَيجاءِ
وَمَشى إِلى المَظلومِ بارِقُ رَحمَةٍ / وَهَوى عَلى الظَلامِ سَوطَ بَلاءِ
فَتُعِزُّ دُنيا قَد طَوَت آبائي / وَتَهِشُّ دُنيا أَطلَعَت أَبنائي
تِلكَ السُنونُ بِبُؤسِها وَنَعيمِها / مالَت بِعودي وَاِنطَوَت بِرِوائي
أَينَ الشَبابُ أَلُفُّ أَحلامي بِهِ / لَيسَ الشَبابُ الآنَ لي بِرِداءِ
نَفسي تَحُسُّ كَأَنَّما أَثقالُها / قَد خُيِّرَت فَتَخَيَّرَت أَعضائي
كَم مِن رُؤىً طَلَعَت عَلى جَنَباتِها / رَكباً مِنَ الأَضواءِ وَالأَشذاءِ
قَلَّبتُ فيها بَعدَ لَأيٍ ناظِري / فَتَعَثَّرَت عَينايَ بِالأَشلاءِ
يا لِلضَحايا لا يَرِفُّ لِمَوتِها / جَفنٌ وَلا تُحصى مَعَ الشُهَداءِ
وَدَّعتُ لَذّاتِ الخَيالِ وَعُفتُها / وَرَضيتُ أَن أَشقى مَعَ الحُكَماءِ
فَعَرَفتُ مِثلَهُمُ بِأَنّي موجِدٌ / بُؤسي وَأَنّي خالِقٌ نُعَماءِ
إِنّي أُراني بَعدَ ما كابَدتُهُ / كَالفُلكِ خارِجَةً مِنَ الأَنواءِ
وَكَسائِحٍ بَلَغَ المَدينَةَ بَعدَما / ضَلَّ الطَريقَ وَتاهَ في البَيداءِ
شُكراً لِأَصحابي فَلَولا حُبُّهُم / لَم أَقتَرِب مِن عالَمِ اللَألاءِ
بِهِمِ اِقتَحَمتُ العاصِفاتِ بِمَركَبي / وَبِهِم عَقَدتُ عَلى النُجومِ لِوائي
شُكراً لِأَعدائي فَلَولا عَيثُهُم / لَم أَدرِ أَنَّهُموا مِنَ الغَوغاءِ
نَهَشَ الأَسى لَمّا ضَحِكتُ قُلوبَهُم / عُرسُ المَحَبَّةِ مَأتَمُ البَغضاءِ
ذَنبي إِلى الحُسّادِ أَنّي فُتُّهُم / وَتَرَكتُهُم يَتَعَثَّرونَ وَرائي
وَخَطيئَتي الكُبرى إِلَيهِم أَنَّهُم / قَعَدوا وَلَم أَقعُد عَلى الغَبراءِ
عَفوُ المُروءَةِ وَالرُجولَةِ أَنَّني / أَخطَأتُ حينَ حَسِبتُهُم نُظَرائي
شُكراً لِكُلِّ فَتىً مَزَجتُ بِروحِهِ / روحي فَطابَ وَلاؤُهُ وَوَلائي
مَن كانَ يَحلَمُ بِالسَماءِ فَإِنَّني / في قَلبِ إِنسانٍ وَجَدتُ سَمائي
لَيسَ الجَمالُ هُوَ الجَمالُ بِذاتِهِ / الحُسنُ يوجَدُ حينَ يوجَدُ رائي
ما الكَونُ ما في الكَونِ لَولا آدَمٌ / إِلّا هَباءٌ عالِقٌ بِهَباءِ
وَأَبو البَرِيَّةِ ما أَبانَ وُجودَهُ / وَأَتَمَّ غايَتَهُ سِوى حَوّاءِ
إِنّي سَكَبتُ الخَمرَ حينَ سَكَبتُها / لِلناسِ لا لِلأَنجُمِ الزَهراءِ
لا تَشرَبُ الخَمرَ النُجومُ وَإِن تَكُن / مَعصورَةً مِن أَنفُسِ الشُعَراءِ
تِلكَ السُنونُ عَقيمُها كَوَلودِها / حُلوٌ لَدَيَّ كَذا يَشاءُ وَفائي
فَاللَيلَةُ العَسراءُ مِن عُمري / وَعُمرُ الدَهرِ مِثلَ اللَيلَةِ السَمحاءِ
يا مَن يَقولُ ظَلَمتَ نَفسَكَ فَاِتَّئِد / دَعني فَلَستَ بِحامِلٍ أَعبائي
إِنَّ الحَياةَ الروحُ بَعضُ عَطائِها / وَأَنا ثِمارُ الروحِ كُلُّ عَطائي
ما العُمرُ إِن هُوَ كَالإِناءِ وَإِنَّني / بِالطَيِّبِ الغالي مَلَأتُ إِنائي
فَإِذا بَقيتُ فَلِلجَمالِ بَقائي / وَإِذا فَنيتُ فَفي الجَمالِ فَنائي
لِلَّهِ ما أَحلى وَأَسنى لَيلَتي / هِيَ في كِتابِ العُمرِ كَالطُغراءِ
يا صَحبُ لَن أَنسى جَميلَ صَنيعِكُم / حَتّى تُفارِقَ هَيكَلي حَوبائي
وَتَقولُ عَيني قَد فَقَدتُ ضِيائي / وَيَقولُ قَلبي قَد فَقَدتُ رَجائي
هَمٌّ أَلَمَّ بِهِ مَعَ الظَلماءِ
هَمٌّ أَلَمَّ بِهِ مَعَ الظَلماءِ / فَنَأى بِمُقلَتِهِ عَنِ الإِغفاءِ
نَفسٌ أَقامَ الحُزنُ بَينَ ضُلوعِهِ / وَالحُزنُ نارٌ غَيرَ ذاتِ ضِياءِ
يَرعى نُجومَ اللَيلِ لَيسَ بِهِ هَوى / وَيَخالُهُ كَلِفاً بِهِنَّ الرائي
في قَلبِهِ نارُ الخَليلِ وَإِنَّما / في وَجنَتَيهِ أَدمُعُ الخَنساءِ
قَد عَضَّهُ اليَأسُ الشَديدُ بِنابِهِ / في نَفسِهِ وَالجوعُ في الأَحشاءِ
يَبكي بُكاءَ الطِفلِ فارَقَ أُمِّهِ / ما حيلَةُ المَحزونِ غَيرُ بُكاءِ
فَأَقامَ حِلسَ الدارِ وَهوَ كَأَنَّهُ / لِخُلُوِّ تِلكَ الدارِ في بَيداءِ
حَيرانُ لا يَدري أَيَقتُلُ نَفسَهُ / عَمداً فَيَخلُصَ مِن أَذى الدُنياءِ
أَم يَستَمِرَّ عَلى الغَضاضَةِ وَالقَذى / وَالعَيشُ لا يَحلو مَعَ الضَرّاءِ
طَرَدَ الكَرى وَأَقامَ يَشكو لَيلَهُ / يا لَيلُ طُلتَ وَطالَ فيكَ عَنائي
يا لَيلُ قَد أَغرَيتَ جِسمي بِالضَنا / حَتّى لَيُؤلِمَ فَقدُهُ أَعضائي
وَرَمَيتَني يا لَيلُ بِالهَمِّ الَّذي / يَفري الحَشا وَالهَمُّ أَعسَرُ داءِ
يا لَيلُ ما لَكَ لا تَرِقُّ لِحالَتي / أَتُراكَ وَالأَيّامُ مِن أَعدائي
يا لَيلُ حَسبِيَ ما لَقيتُ مِنَ الشَقا / رُحماكَ لَستُ بِصَخرَةٍ صَمّاءِ
بِن يا ظَلامُ عَنِ العُيونِ فَرُبَّما / طَلَعَ الصَباحُ وَكانَ فيهِ عَزائي
وارَحمَتا لِلبائِسينَ فَإِنَّهُم / مَوتى وَتَحسَبُهُم مِنَ الأَحياءِ
إِنّي وَجَدتُ حُظوظَهُم مُسوَدَّةٌ / فَكَأَنَّما قُدَّت مِنَ الظَلماءِ
أَبَداً يُسَرُّ بَنو الزَمانِ وَما لَهُم / حَظٌّ كَغَيرِهِم مِنَ السَرّاءِ
ما في أَكُفِّهِم مِنَ الدُنيا سِوى / أَن يُكثِروا الأَحلامَ بِالنَعماءِ
تَدنو بِهِم آمالُهُم نَحوَ الهَنا / هَيهاتَ يَدنو بِالخَيالِ النائي
بَطَرُ الأَنامِ مِنَ السُرورِ وَعِندَهُم / إِنَّ السُرورَ مُرادِفُ العَنقاءِ
إِنّي لَأَحزَنُ أَن تَكونَ نُفوسُهُم / غَرَضَ الخُطوبِ وَعُرضَةَ الأَرزاءِ
أَنا ما وَقَفتُ لِكَي أُشَبِّبَ بِالطَلا / ما لي وَلِلتَشبيبِ بِالصَهباءِ
لا تَسأَلوني المَدحَ أَو وَصفَ الدُمى / إِنّي نَبَذتُ سَفاسِفَ الشُعَراءِ
باعوا لِأَجلِ المالِ ماءَ حَيائِهِم / مَدحاً وَبِتُّ أَصونُ ماءَ حَيائي
لَم يَفهَموا ما الشِعرُ إِلّا أَنَّهُ / قَد باتَ واسِطَةً إِلى الإِثراءِ
فَلِذاكَ ما لاقَيتُ غَيرَ مُشَبِّبٍ / بِالغانِياتِ وَطالِبٍ لِعَطاءِ
ضاقَت بِهِ الدُنيا الرَحيبَةُ فَاِنثَنى / بِالشِعرِ يَستَجدي بَني حَوّاءِ
شَقِيَ القَريضُ بِهِم وَما سَعِدوا بِهِ / لَولاهُمُ أَضحى مِنَ السُعَداءِ
نادوا عَلَينا بِالمَحَبَّةِ وَالهَوى / وَصُدورُهُم طُبِعَت عَلى البَغضاءِ
أَلِفوا الرِياءَ فَصارَ مِن عاداتِهِم / لَعَنَ المُهَيمِنُ شَخصَ كُلِّ مُرائي
إِن يَغضَبوا مِمّا أَقولُ فَطالَما / كَرِهَ الأَديبَ جَماعَةُ الغَوغاءِ
أَو يُنكِروا أَدَبي فَلا تَتَعَجَّبوا / فَالرَمدُ يُؤلِمُهُم طُلوعُ ذَكاءِ
أَو كُلَّما نَصَرَ الحَقيقَةَ فاضِلٌ / قامَت عَلَيهِ قِيامَةُ السُفَهاءِ
أَنا ما وَقَفتُ اليَومَ فيكُم مَوقِفي / إِلّا لِأَندُبَ حالَةَ التُعَساءِ
عَلّي أُحَرِّكُ بِالقَريضِ قُلوبَكُم / إِنَّ القُلوبَ مَواطِنُ الأَهواءِ
لَهَفي عَلى المُحتاجِ بَينَ رُبوعِكُم / يُمسي وَيُصبِحُ وَهوَ قَيدُ شَقاءِ
أَمسى سَواءً لَيلُهُ وَصَباحُهُ / شَتّانَ بَينَ الصُبحِ وَالإِمساءِ
قَطَعَ القُنوطُ عَلَيهِ خَيطَ رَجائِهِ / وَالمَرءُ لا يَحيا بِغَيرِ رَجاءِ
لَهفي وَلَو أَجدى التَعيسُ تَلَهُّفي / لَسَفَكتُ دَمعي عِندَهُ وَدِمائي
قُل لِلغَنِيِّ المُستَعِزِّ بِمالِهِ / مَهلاً لَقَد أَسرَفتَ في الخُيَلاءِ
جُبِلَ الفَقيرُ أَخوكَ مِن طينٍ وَمِن / ماءٍ وَمِن طينٍ جُبِلتَ وَماءِ
فَمِنَ القَساوَةِ أَن تَكونَ مُنَعَّماً / وَيَكونُ رَهنَ مَصائِبٍ وَبَلاءِ
وَتَظَلُّ تَرفُلُ بِالحَريرِ أَمامَهُ / في حينِ قَد أَمسى بِغَيرِ كِساءِ
أَتَضِنُّ بِالدينارِ في إِسعافِهِ / وَتَجودُ بِالآلافِ في الفَحشاءِ
اُنصُر أَخاكَ فَإِن فَعَلتَ كَفَيتَهُ / ذُلَّ السُؤالِ وَمِنَّةَ البُخَلاءِ
أَذوي اليَسارَ وَما اليَسارُ بِنافِعٍ / إِن لَم يَكُن أَهلوهُ أَهلُ سَخاءِ
كَم ذا الجُحودِ وَمالُكُم رَهنُ البَلا / وَبِمَ الغُرورُ وَكُلُّكُم لِفَناءِ
إِنَّ الضَعيفَ بِحاجَةٍ لِنُضارِكُم / لا تَقعُدوا عَن نُصرَةِ الضُعَفاءِ
أَنا لا أُذَكِّرُ مِنكُمُ أَهلَ النَدى / لَيسَ الصَحيحُ بِحاجَةٍ لِدَواءِ
إِن كانَتِ الفُقَراءُ لا تُجزيكُم / فَاللَهُ يُجزيكُم عَنِ الفُقَراءِ
روحي الَّتي بِالأَمسِ كانَت تَرتَعُ
روحي الَّتي بِالأَمسِ كانَت تَرتَعُ / في الغابِ مِثلَ الظَبيَةِ القَمراءِ
تَقتاتُ بِالثَمَرِ الجَنِيِّ فَتَشبَعُ / وَيَبُلُّ غَلَّتَها رَشاشُ الماءِ
نَظَرَت إِلَيكِ فَأَصبَحَت لا تَقنَعُ / بِالماءِ وَالأَفياءِ في الغَبراءِ
تُصغي وَتُنصِتُ وَالحَمامَةُ تَسجَعُ / إِصغاؤُها لَكَ لَيسَ لِلوَرقاءِ
نادَيتِها فَلَها إِلَيكِ تَطلَعُ / هَذا التَطَلُّعُ كانَ أَصلَ شَقائي
جَنَّحتَني كَيما أَطيرَ فَلَم أَطِر / هَيهاتِ إِنَّكِ قَد طَوَيتِ سَمائي
قَد كانَ يَسبيني الجَمالُ الرائِعُ / حَتّى لَمَحتُكِ فَهوَ لا يَسبيني
عَصَفَت بِصَدري لِليَقينِ زَوابِعُ / ثَلَّت عُروشَ تَوَهُّمي وَظُنوني
فَأَنا عَلى ما ضاعَ مِنِّيَ جازِعُ / إِنَّ الَّذي قَد ضاعَ جَدُّ ثَمينِ
لَولاكِ ما ماتَ الخَيالُ اليافِعُ / أَفَتَعجَبينَ إِذا كَرِهتُ يَقيني
هَذا صَنيعُكِ بي فَما أَنا صانِعُ / قَد شاءَ بَحرُكِ أَن تَضِلَّ سَفيني
جَرَّدتِ هَذا الطينَ مِن أَوهامِهِ / وَكَبُرتِ عَن قارورَةٍ مِن طينِ
كَيفَ الوُصولُ إِلَيكِ يا نارَ القِرى / أَنا في الحَضيضِ وَأَنتِ في الجَوزاءِ
لي أَلفُ باصِرَةٍ تَحِنُّ كَما تَرى / لَكِنَّ دونَكِ أَلفُ أَلفِ غَطاءِ
لو مِن ثَرىً مَزَّقتُها بِيَدِ الثَرى / لَكِنَّها سُجُفٌ مِنَ الأَضواءِ
ساءَلتُ قَلبي إِذ رَأى فَتَحَيَّرا / ماذا شَرِبتَ فَمِدتَ قالَ دِمائي
يا لَيتَهُ قَد ظَلَّ أَعمى كَالوَرى / فَلَقَد نَعِمتُ وَكانَ في ظَلماءِ
قَد شَوَّشَت كَفُّ النَهارِ سَكينَتي / يا هَذِهِ رُدّي إِلَيَّ مَسائي
أَمسَيتُ حينَ لَمَستِني بِيَدَيكِ / لي أَلفُ باصِرَةٍ وَأَلفُ جَناحِ
وَلَمَحتُ نارَ الوَحيِ في عَينَيكِ / وَالوَحيُ كانَ سُلافَةَ الأَرواحِ
فَنَشَرتُ أَجنِحَتي وَحُمتُ عَلَيكِ / مُتَوَهِّماً أَنّي وَجَدتُ صَباحي
قَد كانَ حَتفي في الدُنُوِّ إِلَيكِ / حَتفُ الفَراشَةِ في فَمِ المِصباحِ
فَسَقَطتُ مُرتَعِشاً عَلى قَدَمَيكِ / أَلنارُ مَهدي وَالدُخانُ وِشاحي
يا لَيتَ نورَكِ حينَ أَحرَقَني اِنطَوى / فَعَلى ضِيائِكِ قَد لَمَستُ جِراحي
لِيَ صاحِبٌ دَخَلَ الغُرورُ فُؤادَهُ
لِيَ صاحِبٌ دَخَلَ الغُرورُ فُؤادَهُ / إِنَّ الغُرورَ أُخَيَّ مِن أَعدائي
أَسدَيتُهُ نُصحي فَزادَ تَمادِياً / في غَيِّهِ وَاِزدادَ فيهِ بَلائي
أَمسى يُسيءُ بِيَ الظُنونَ وَلَم تَسُؤ / لَولا الغُرورُ ظُنونُهُ بِوَلائي
قَد كُنتُ أَرجو أَن يُقيمَ عَلى الوَلا / أَبَداً وَلَكِن خابَ فيهِ رَجائي
أَهوى اللِقاءَ بِهِ وَيَهوى ضِدَّهُ / فَكَأَنَّما المَوتُ الزُؤامُ لِقائي
إِنّي لَأَصحَبَهُ عَلى عِلّاتِهِ / وَالبَدرُ مِن قِدَمٍ أَخو الظَلماءِ
يا صاحِ إِنَّ الكِبرَ خُلقٌ سَيٌّ / هَيهاتِ يوجَدُ في سِوى الجُهَلاءِ
وَالعُجبُ داءٌ لا يَنالُ دَواءَهُ / حَتّى يَنالَ الخُلدَ في الدُنياءِ
فَاِخفِض جَناحَكَ لِلأَنامِ تَفُز بِهِم / إِنَّ التَواضُعَ شيمَةَ الحُكَماءِ
لَو أُعجِبَ القَمَرُ المُنيرُ بِنَفسِهِ / لَرَأَيتَهُ يَهوي إِلى الغَبراءِ
وَلَقَد ذَكَرتُكِ بَعدَ يَأسٍ قاتِلٍ
وَلَقَد ذَكَرتُكِ بَعدَ يَأسٍ قاتِلٍ / في ضَحوَةٍ كَثُرَت بِها الأَنواءُ
فَوَدِدتُ أَنّي غَرسَةٌ أَو زَهرَةٌ / وَوَدِدتُ أَنَّكِ عاصِفٌ أَو ماءُ