المجموع : 6
من مبلغٌ وطني الحبيب تلُّهفي
من مبلغٌ وطني الحبيب تلُّهفي / للقائه كتأسفي للقائه
لَّج الحنينُ وما عرفتُ بهجرتي / أن استخفَّ بعنفهِ وزكائه
وطني الذي رُبِّيتُ تحت سمائه / ووهبتهُ فني نجومَ سمائِه
ورضعتُ من أزهاره وسكرتُ من / أسماره وشربتُ من أضوائه
من ليس بَعدِ له سوى حِّبي له / حبَّاً تشرَّد كاليتيمِ التائه
من عنده الخبزُ القفارُ ولائمٌ / وولائمُ الأرواح ملءُ رُوائهِ
من طالما غنيتُ في افيائه / بروءاى حين سجنتُ في أفيائه
من لم يمكني لأرفعَ مجدّه / ولواءه وخذلتُ تحت لوائه
من لم ينهنه زجره جهدِي له / وأنا المكبل في مديد بلائه
من ظلَّ لا يجد الثمالَ سوى الألى / خانوه واعتبروا مناطَ رجائهِ
من لا يبالي أن يُشاهدَ أهله / يشقونَ والأبرارَ من شُهدائه
من مكن الإقطاعَ من تقطيعه / وأباح عَّزتهُ رضىَّ سُفهائهِ
من لم يَصن تاريخه بفعاله / وهَوتَ زعامتهُ لدى زُعمائه
من عفَّرَ الرأسَ المنّزه في الثرى / للفاسقين الصُّمِّ من رؤسائه
كُنَّا نُرجِّى الأمسَ صِدقَ بلائهم / فغدوا رزيئتهُ وسرَّ بلائه
من كلِّ أرعنَ لا يصِّعرُ خَدِّهُ / إلا وتلطمه أحُّط نسائه
ينضىِ الركائبَ في الطِّلاب لشهوةٍ / ولِضمِّ أهواءٍ إلى أهوائه
ويخال صَخبَ الموبقاتِ حيا لهُ / إعجابَ من عَانوا من استهزائه
أسفىِ على المُلكِ المذالِ وطالما / حامت قلوبٌ حوله لفدائه
كنا نلوذُ به ليوم كريهةٍ / فإذا بنا ما شاءَ من أشلائه
أسفى وكم يَطغَى الحنينُ كأنني / عبدٌ وإن حِّررتُ بين إمائه
ولربما كان النساءُ بأرضهش / هُنَّ الرجالَ وكنَّ من أدوائه
كم عابثٍ يرثى لحالي ساخراً / وهو الأحُّق بسخره ورثائه
والشعبُ إن باع الكرامةَ صاغراً / أو فاجراً فبقاؤه كفنائه
ست من السنوات جاوز عمرهَا
ست من السنوات جاوز عمرهَا / عُمرى بل الأبدَ السحيقَ ورائى
هيهاتَ أغفرُ ما جنتهُ فلمؤها / رَممٌ من الآمالِ والأرزاء
خُلطت كأشلاء الحروبِ وليتها / دُفنت ولم تضحك على أشلائي
وإذا بُعثنَ فما أرى إلاَّ الأذى / فيها وما يُشجى من الأصداءِ
فكأنّما الآمالُ لا بعثُ لها / وكأنما الأرزاءُ دُمنَ إزائي
قالوا يحف بكَ النعيمُ ألا ترى / بعضَ الحنينِ هو الجحودُ لنائي
إن كان فالقلبُ الموزعُ شاردٌ / مثلَ النعامة في رؤى الصحراء
يجرى إلى الماضي فينقله الهوى / فوق النجومِ إلى أحبّ سماءِ
يقتاتُ من إشعاعها وخيالها / ويعودُ بين مجاعةٍ وظَماءِ
لو أستطيع خَنقتها بانأملي / فعلى يَدِى سكبت عزيزَ دِمائي
ست من السنوات كم من لوعةٍ / فيها وكم من رعشةٍ لوفائي
ودمي يسيلُ على بيوت مشاعري / لهفاً وُذكِى النارَ طىَّ رجائي
ما اخترتها طوعاً ولكن غضبةً / للحقِّ والأَحرار والشُّهداءِ
وأظل أعتنقُ الشقاءَ عقيدتي / ما دمتُ ألهمُ أمَّتى بشقائي
مثلي على الحالين جدُّ مُغرَّبٍ / كالنورِ حين تراه عينُ الرائي
لا موطنٌ لي غيرُ موطنِ مُهجتي / فإذا أبوا لم يبقَ غيرُ إبائي
هيهاتَ أرَضى العيشَ بين أذَّلةٍ / خَصُّوا مودَّتهم بكلِّ مُرائي
سأَظَل أرقُبُ صابراً تحريرهم / من هذه الحشراتِ والأدواءِ
وأظل انتحهم بروحٍ حُرةٍ / لم تُخترم بمنافعٍ عرجاءِ
فإذا حييتُ وقدرتني أمتي / وتحررت لبيَّتها بولائي
وإذ مضيتُ إلى الفناء وهبتها / في الغربتينَ هواىَ دون فناء
ما كان هذا اليومُ عيداً يُشتهى / والنفيُ يَلطمُ همَّتي وفدائي
أو كانت الأعمارُ غيرَ مآثرٍ / أو كانت الأيامُ غيرَ بناءِ
لج الحنين إليك حتى خلتني
لج الحنين إليك حتى خلتني / وأنا القصيّ غدوت غير النائي
وإذا الفصول جميعها فواحة / حولي بعطرك تستثير رجائي
وإذا السماء يرعدها وبروقها / زرقاء مثل سمائك الزرقاء
وإذا الجمال بكل مرأى حفّني / يفترّ لي بجمالك الوضاء
وغذا الحياة وقد رشفت نعيمها / ليست سواك بخاطري ودعائي
هذي المشاهد كيف كن شهيدة / لتلهفي وتبسمي وبكائي
مزجت بأفراحي وأتراحي معا / فكأنها مثلي من الشهداء
وإذا بكيت بها فإنك دمعتي / وإذا شدوت بها فأنت غنائي
ما فاتها مني الوفاء وفاتها / أرضي لديك وجنتي وسمائي
عاث الطغاة مدى فما هادنتهم / ورحلت أرشقهم بصدق هجائي
كانت فعالي قدوة وعواطفي / نارية واسلتها كدمائي
ما تضحيات الماهدين ضئيلة / إلا لدى الناسين والجهلاء
من لي بقربك لو ملكت قيادة / للثائرين فكم أضيع ندائي
لجعلت مصر إذن حفيدة جدّة / غنّى بها الشعراء للشعراء
سبقت مبادئها المسيح بعدلها / وشأت بأخناتون كل ضياء
وغدا بها الوادي جنانا حرة / طهرت من الأوشاب والدهماء
ينساب فيها النيل سيفا مصلتا / إلا على أحبابه الشرفاء
رقصت شواطئة بأشتات المنى / والحب عابقة بكل عطاء
غنى الغراب بها وكان غناؤها / وقفا على الشحرور والورقاء
فيها المساواة العميقة زينة / كالنور في الأجبال والأوداء
ما قيمة الإنسان إلا نفعه / وكذاك حكم عظائم الأشياء
والشمس لولا نفعها هانت لنا / بل أصبحت جيشا من الأعداء
وطن الصبا وعزيز أحلام الصبا / ما زلت لي حلما وحلو عزاء
حمّلت في شيخوختي أعباء من / قبعوا ومن ناموا على الأقذاء
وتخذت لي منفاي منبر دعوة / للثأر من ضيم ومن أدواء
في موطن الأحرار لم يخذل به / فرد ولم يسحق على الغبراء
يسمو به إقدامه فوق السهى / ويحول الغبارء كالجوزاء
أو يفلق الذرات فهي جهنم / للغاشمين وجنة العلماء
صارت شجاعته مثالا يحتذى / وعلت مىربه على الجببناء
فإذا بقيت به عزيزا آبيا / ورضيت من نفيي بكنز إبائي
فلكي أبر بعهد إنسانيّتي / وأكون رمز تجاوب وإخاء
غضّي عيونك يا نجوم فإنني
غضّي عيونك يا نجوم فإنني / أرنو إلى القدسيّ من أضواء
لن تكشفي سري ولو أعطيته / ما كنت كاشفة مدى إسرائي
هذي صلاتي لا أذان يؤمها / غردا ولا الأجراس بالضوضاء
بهت المساء لها كأنّ تأمّلي / ألق وذؤب نهاي في الظلماء
إن كنت في الحسبان أحقر ذرة / فأنا رموز عوالم وفضاء
غنّى الأثير بها ففاض عواطفا / واهتز بالإلهام للشعراء
أصغي إليها يا نجوم فربما / ألهمت ما ضيت من إيحاء
أين الألوهة إنها حولي وما / خفيت وإن عدت كحلم ناء
هي في الحيا وكل ما هو كائن / فجميعه حي بلا استثناء
وجدت مع الأزل السحيق قصيدة / نارية الأنغام والأصداء
لسنا سوى من بعض تفعيلاتها / أو أننا صور لها ومراء
كانت وسوف تكون ذلك شأنها / فعلام فلسفتي وشحذ ذكائي
والخلد من طبع الوجود تسلسلا / لا طوع أفراد ولا أشياء
والموت من صور الحياة فما مضى / حيّ بلا بدل ودون عطاء
فتأمليها يا نجوم وجد لها / يا عقل بالإشعاع غير مرائي
فلربما أصبحت وحدك هاديا / للأرض إن أصغت وللجوزاء
ذكرى الأباة ومطلع الشهداء
ذكرى الأباة ومطلع الشهداء / هذا دعاء المفلحين دعائي
عبرت عن أحرار مصر بغربتي / ولرب ناء كان غير النائي
وجعلت تبريكي مشاطرة لها / بعواطفي ومدامعي ورجائي
في فرحة النيل هلّل مثلنا / لسنائها واختصّها بوفاء
أوفى وحوض النيل أصبح كله / حرا ففاض بحبه المعطاء
الحسن في نظراته كالحصب في / خطراته كالوحي للشعراء
مرت عهود الحاكمين بأمرهم / واليوم بعث الحق والشهداء
من لم يصدقني فذلك حوله / جمّمن الآيات والالاء
الشعب مجدها وهذا جيشه / قد حاطها بمناعة وعلاء
أنى نظرت ترى مواكب نسقت / للحب بين ترنم وضياء
وترى النخيل على السماء زواهيا / فالنيل فاق جمال كل سماء
تتألق الآمال فوق نضاره / كتألق الأحلام في الصحراء
وترى جموع الفالحين تعرفوا / أقدارهم فغدوا من الأمراء
الفأس في يد كل فرد ماثل / كالصولجان وشامخ للرائي
يا ليتني في مصر ألثم تربها / كالنيل يلثم شطها بولاء
حتى أجدد من غنى إكسيره / عمري وأرشف نعمتي وروائي
فرحان كالطفل الصغير تجمعت / كل الكنوز لصفوه في الماء
لم لا وللنيروز روعة ساحر / قد جال بين عواطف ومرائي
أبناء مصر المخلصين تسابقوا / لأبيكمو المعتزّ بالأبناء
وخذوا هدية عيده ما نلتمو / من نصفة وتحرر وإخاء
حتى يباركها مباركة الهدى / فتزيد بين سماحة ونقاء
وتصير كالنيل العزيز أبيكمو / قدسا تنزّه عن هوى ورياء
العيد هذا عيد مصر بأسرها / لا عيد طائفة ولا أهواء
غنى به الفلاح مثل زروعه / ودموعه في الحقل والأنداء
يا ليت لي في كل عام وقفة / كالحج بينكمو وليت ثوائي
حتى أنافس كل حر مولع / بالنيل مبتدعا فنون غنائي
وألقن الأحفاد ما لقنته / من قبل من سر لفرط إبائي
لا يعرف الأحرار إلا مسهم / في التضحيات وقانع بعناء
فلتحي يا وطني الأصيل منعما / بتتابع الأعياد كالأضواء
ولتحي جمهورية أحرزتها / كالبعث بعد تبدد وفناء
ترقى الشعوب على سواعد أهلها / وتهون تحت سنابك الدخلاء
علم الإباء وأحكم الشعراء
علم الإباء وأحكم الشعراء / هذا عزاء الوامقين عزائي
أطلعتهم في كل أرض أنجما / من وحيك المتفنن الوضاء
واليوم ليس لهم سواك ملاذهم / مهما لجأت للوعة وبكاء
منك استمد العارفون يقينهم / فلديك ملجؤهم وخير عزاء
يا من رأى مثلي المنية صورة / للعيش لا تجزع من الأرزاء
ولو أن موت الأم أفدح نكبة / ويصل فيه تفلسف الحكماء
أمم العروبة كلها محزونة / لأساك يا من خصها بوفاء
وبنى لها شم الخوالد شعره / بمعالم الإرشاد والإيحاء
فيم البكاء وفي المنية رحمة / حين الظلام مفوّق بضياء
أنى نظرت ترى المناحة حولها ال / أعراس والأحباب في الأعداء
ولئن شقيت من الجحود فإنني / آثرت أن أحيا مع الشهداء
فتلق بطش الدهر غير مروع / فالدهر معتنق لكل غباء
واجرع كما جرعت فرط جحوده / واصبر فحسبك غاية العلياء
من كان مثلك في سماء نوغه / يسمو على الأعصار والأنواء
ويرى الخلود المعنويّ كفاءه / ويحقر التخليد في الأعضاء