سَبَق الفناءُ فما يدومُ بقاءُ
سَبَق الفناءُ فما يدومُ بقاءُ / تفنى النجومُ وتسقطُ البيضاءُ
نفسي وحسّي إن وصفتهما معاً / آلٌ يذوبُ وصخرةٌ خلقاءُ
لو تعلمُ الأجبالُ كيف مآلها / علمي لما امتسكت لها أرجاء
إنا لنعلمُ ما يراد بنا فلم / تعيا القلوبُ وتُغلَب الأهواء
طيفُ المنايا في أساليب المنى / وعلى طريق الصّحة الأدواء
بتعاقبِ الأضداد مما قد ترى / جُلِبَت عليك الحكمةُ الشنعاء
ماذا على ابنِ الموت من إبصاره / ولقائِهِ هل عَقَّتِ الأبناء
أيغرُّني أن يستطيل بيَ المدى / وأبي بحيثُ تواصتِ الغبراء
لم ينكرُ الإنسانُ ما هو ثابتٌ / في طَبعِهِ لو صحَّتِ الآراء
ونظيرُ موتِ المرء بعد حياته / أن تستوي مِن جنسه الأعضاء
دنِفٌ يبكِّي للصحيح وإنما / أمواتُنا لو تشعرُ الأحياء
وسواءٌ أن تجلى اللحاظُ من القذى / أو تنتضَى من شَخصها الحَوباء
ما النفسُ إلا شعلةٌ سقطت إلى / حيثُ استقلَّ بها الثرى والماء
حتى إذا خلصت تعودُ كما بدت / ومن الخلاصِ مشقَّةٌ وعناء
كذبت حياةُ المرءِ عند وجودها / وُجِدَ الحمامُ ومنه كان الداءُ
لله أيُّ غنيمةٍ غَنِمَ الردى / ومن الفجائع غارةٌ شعواء
من كان غُرَّةَ جنسه حتى امحت / فإذا البريّة كلُّها دهماء
جبلٌ تقوَّضَ لو تشخَّصَ عظمه / لتواصتِ الغبراءُ والخضراء
ومَغيضُ ما قد غاض منه شاهدٌ / أن لا يدومَ بحالهِ الدأماء
أكبرتُ نَعيَ جلالِهِ فنفيتُهُ / وهو الجليّةُ ما عليه خفاء
مات ابنُ عيسى مَن يقول به عسى / شفقاً وليس مع الحمام رجاء
أفلا حَمَتهُ فضائلٌ موفورةٌ / وجلالةٌ تعنو لها العظماء
وأذمَّةٌ في سرِّ لخمٍ طالما / خَدَمَت رعايةَ حقّها الأمراء
شهروا سلاحَ الدّمعِ خَلفَ سريرِه / إذ لم يكن للباترات غناء
رُحنا به بل بالسيادةِ والعلا / والشمسُ نجمٌ والنهارُ مساء
نطأ القلوبَ على سواءِ سبيله / فالسيرُ مَهلٌ والعثارُ ولاء
أخذَ الأسى فيه البرود بثاره / مما جناهُ الزَّهوُ والخيلاء
حتى إذا بلغوا به ملحودَهُ / قمنا به لو أنَّه الجوزاء
ضرب الهدى في لحدِهِ بيمينه / فتناولَتهُ عَرصَةٌ فيحاء
وأظلَّه التنزيلُ يتلو نفسه / بتلاوةٍ لم يؤتها القرّاء
مستصحباً أعمالَهُ متأنّساً / بزواهرٍ هيَ والنجومُ سواء
ولربما استخلصتَ منا أنفساً / ملأت ضريحَك والصدورُ جلاء
وهناك لو كُشِفَ الغطاءُ لناظرٍ / حول القليبِ حديقةٌ غنَّاء
في الجبّ إذ يحوي سميَّكَ أسوةٌ / لو حُمَّ منك وقد حُجِبتَ لقاء
يا تُربَةُ استبقي سناه ويا فلا / لا تَلحَقَنكَ جريمةٌ شنعاء
الله فيَّ وفي جوانحَ رطبةٍ / لم تخلُ من شفقاتها الأعداء
أبنيه نحن وأنتمُ شرعٌ به / وعلى المصابِ بفقدِهِ شركاء
هزُّوا قوادمكم إلى عليائه / قد رَشَّحَت أبناءها الفتخاء
أمَّا وقد شبهتُ ماثلَ رَسمِهِ / سطرا فثمَّ الحكمة الغرّاء
واعجب لذاك الخطِّ في صفح الثرى / أن حاز علماً ما له إحصاء
أنَّى وسعتَ وأنت مضجعُ واحدٍ / مَن هذه الآفاق مِنهُ ملاء
يا زائريه تكحلوا بصعيدِهِ / كُحلُ البصائرِ تلكمُ البوغاء
فَغَرَت له فاها الجدالةُ فانطوى / في طيّها الإسهابُ والإيماء
قَسَمَ الأنامُ تراثَ علمك فاستوى / في نَيلِهِ البُعَداءُ والقرباء
كنَّا عبيدَكَ في اعتقادِ نفوسنا / إذ في اعتقادك أنَّنا أبناء
يا مُلبَسَ النُّعمى يجرُّ ذيولها / لبست ثراكَ غمامةٌ وطفاء
وبكت عليك الشمسُ حقَّ بكائها / أن كان قد تتفاقد النظراء
خُذها عُلالَةَ خاطرٍ دلّهتَهُ / من حيثُ ينشطُ جاءَهُ الأعياء
قامت تناوِحُ فيك كلَّ قصيدة / ثَقَّفتُها وقناتُها زَورَاءُ