المجموع : 3
الحِبّ حيثُ المعشرُ الأعداءُ
الحِبّ حيثُ المعشرُ الأعداءُ / والصبر حيثُ الكِلّةُ السِّيَراءُ
ما للمَهارى الناجياتِ كأنّها / حتمٌ عليها البَينُ والعُدَواءُ
ليس العجيبُ بأن يُبارِينَ الصَّبا / والعذلُ في أسماعِهِنّ حُداءُ
تدْنو منَالَ يدِ المحِبّ وفوقها / شمسُ الظهيرة خِدرُها الجوزاءُ
بانتْ مُوَدِّعةً فجيدٌ مُعْرِضٌ / يومَ الوداع ونظرةٌ شزْراءُ
وغدتْ مُمنَّعةَ القِباب كأنها / بين الحِجالِ فريدةٌ عصماء
حُجبَتْ ويُحجَبُ طيفُها فكأنما / منهم على لحظاتِها رُقباء
ما باَنةُ الوادي تَثَنّى خُوطُها / لكنّها اليَزَنيّةُ السّمْراء
لم يبْقَ طِرْفٌ أجْرَدٌ إلاّ أتى / من دونها وطِمِرّةٌ جرداء
ومُفاضَةٌ مسرودةٌ وكتيبةٌ / مَلمومَةٌ وعَجاجَةٌ شهباء
ماذا أُسائِلُ عن مغَاني أهلِها / وضميريَ المأهولُ وهي خَلاء
للّه إحدى الدّوحِ فاردةً ولا / للّهِ مَحنِيَةٌ ولا جَرْعاء
بانَتْ تَثَنّى لا الرّياحُ تَهُزُّهَا / دوني ولا أنْفاسيَ الصُّعَداء
فكأنّما كانتْ تَذكَّرُ بيْنَكم / فتميدُ في أعطافِها البُرَحاء
كلٌّ يَهيجُ هواكَ إمّا أيْكَةٌ / خَضراءُ أو أيكيّةٌ وَرقاء
فانْظُرْ أنارٌ باللّوى أم بارِقٌ / مُتَألّقٌ أم رايةٌ حَمْراء
بالغَوْرِ تَخْبو تارَةً ويَشُبُّها / تحتَ الدُّجُنّةِ مَنْدَلٌ وكِباء
ذُمَّ اللياليَ بعدَ ليلتِنا التي / سَلَفَتْ كما ذمَ الفراقَ لقاء
لبِستْ بياضَ الصّبْح حتى خلتُها / فيه نجاشيّاً عليه قَباء
حتى بدَتْ والبدرُ في سِرْبالِها / فكأنّها خَيْفَانةٌ صَدراء
ثمّ انتحى فيها الصّديعُ فأدبَرَتْ / فكأنّها وَحْشِيّةٌ عَفْراء
طُوِيتْ ليَ الأيامُ فوقَ مَكايدٍ / ما تَنْطوي لي فوقَها الأعداء
ما كانَ أحسنَ منْ أياديها التّي / تُولِيكَ إلاّ أنّها حَسْناء
ما تُحسِنُ الدنيا تُديمُ نعيمَها / فهي الصَّناعُ وكفُّها الخَرْقاء
تشأى النّجازَ عليّ وهْيَ بفتكِها / ضِرْغامَةٌ وبِلوْنِها حِرْباء
إنّ المكارِمَ كنّ سرْباً رائداً / حتى كنَسْنَ كأنّهُنّ ظِباء
وطفِقْتُ أسألُ عن أغرَّ محَجَّلٍ / فإذا الأنامُ جِبِلّةٌ دَهماء
حتى دُفعتُ إلى المعزّ خليفةً / فعلمتُ أنّ المَطلَبَ الخُلفاء
جودٌ كأنّ اليَمّ فيهِ نُفاثَةٌ / وكأنما الدّنْيا عليهِ غُثاء
ملِكٌ إذا نطقَتْ عُلاهُ بمدحِهِ / خرِسَ الوفودُ وأُفحمَ الخُطباء
هُوَ عِلّةُ الدُّنيا ومن خُلقتْ له / ولِعِلّةٍ ما كانتِ الأشياء
من صفوِ ماء الوحي وهوَ مُجاجةٌ / من حَوضه الينبوع وهو شفاء
من أيكةِ الفرْدوْس حيثُ تفتقتْ / ثَمَراتُها وتفيّأ الأفياء
من شعلة القبَس التي عُرِضتْ على / موسى وقد حارَتْ به الظَّلماء
من معدِنِ التقديس وهْوَ سُلالةٌ / من جَوهرِ الملَكوتِ وهو ضياء
من حيثُ يُقتبَسُ النهارُ لمُبصِرٍ / وتُشَقُّ عن مَكنونها الأنْباء
فتَيَقّظوا من غَفْلةٍ وتَنَبّهوا / ما بالصّباحِ عن العيونِ خفَاء
ليستْ سماءُ اللّهِ ما تَرْأونَها / لكنّ أرضاً تحتويهِ سَماء
أمّا كواكِبُها له فخَواضِعٌ / تُخفي السجودَ ويَظهرُ الإيماء
والشمسُ تَرجعُ عن سَناه جفونُها / فكأنّها مَطرُوفةٌ مَرْهَاء
هذا الشّفيعُ لأمّةٍ يأتي بها / وجُدُودُهُ لجدُودِها شُفعاء
هذا أمينُ اللّهِ بَينَ عِبادِهِ / وبلادهِ إنْ عُدَّتِ الأمناء
هذا الّذي عطفَتْ عليهِ مكّةٌ / وشِعابُها والرُّكْنُ والبَطحاء
هذا الأغَرُّ الأزْهَرُ المتألّقُ ال / متَدَفِّقُ المُتَبَلِّجُ الوَضّاء
فعَليهِ من سِيما النبيّ دَلالَةٌ / وعليهِ من نورِ الإلهِ بَهاء
وَرِثَ المُقيمَ بيثرِبٍ فالمِنبرُ ال / أعْلى له والتُّرعَةُ العَلياء
والخطبةُ الزّهراء فيها الحكمة ال / غَرّاءُ فيها الحجّةُ البَيضاء
للنّاس إجماعٌ على تفْضِيلهِ / حتى استَوَى اللُّؤماءُ والكُرَماء
واللُّكْنُ والفُصَحاء والبُعَداء وال / قُرَباءُ والخُصَماءُ والشُّهداء
ضرّابُ هامِ الرّومِ منتَقماً وفي / أعناقهمْ منْ جودِهِ أعباء
تجري أياديه التي أَولاهُمُ / فكأنّها بَينَ الدّماءِ دماء
لولا انبعاثُ السيف وهو مسلَّطٌ / في قتْلهمْ قَتَلَتْهُمُ النَّعْماء
كانتْ ملوكُ الأعجمَينِ أعزّةً / فأذلّها ذو العِزّةِ الأبّاء
لنْ تصْغُرَ العُظماءُ في سُلطانهم / إلاّ إذا دلفَتْ لها العُظَماء
جهِلَ البطارِقُ أنّه الملِكُ الذي / أوصى البَنِينَ بسِلمِهِ الآباء
حتى رأى جُهَّالُهم مِن عزْمهِ / غِبَّ الذي شهِدتْ به العُلماء
فتقاصَروا من بعد ما حكمَ الردى / ومضَى الوَعيدُ وشُبّتِ الهيجاء
والسيْلُ ليسَ يحيدُ عن مُستنّهِ / والسّهمُ لا يُدْلى به غُلَواء
لم يُشرِكوا في أنّهُ خَيرُ الوَرَى / ولِذي البَريّةِ عندهُمْ شُركاء
وإذا أقرّ المشرِكونَ بفَضْلِهِ / قَسْراً فما أدراكَ ما الحُنفاء
في اللّهِ يسري جودُهُ وجنُودُهُ / وعَديدُهُ والعزْمُ والآراءُ
أوَما ترَى دُوَلَ الملوكِ تُطيعه / فكأنّها خَوَلٌ لهُ وإماء
نَزَلَتْ ملائكةُ السماءِ بنصرِهِ / وأطاعَهُ الإصْباحُ والإمساء
والفُلْكُ والفَلَكُ المُدارُ وسعدُهُ / والغَزْوُ في الدّأماءِ والدّأماء
والدهرُ والأيّامُ في تصريفِها / والناسُ والخضراءُ والغبراء
أينَ المَفَرُّ ولا مَفَرَّ لهارِبٍ / ولكَ البسيطانِ الثّرى والماء
ولكَ الجواري المُنشَآتُ مواخِراً / تَجري بأمركَ والرّياحُ رُخَاء
والحامِلات وكلّها محمولَةٌ / والنّاتِجات وكلّها عذراء
والأعوجيّات التي إن سُوبقَتْ / سَبقَتْ وجَرْيُ المذكيات غِلاء
الطائرات السّابحات السّابقا / ت الناجيات إذا استُحِثّ نَجاء
فالبأس في حَمْس الوغى لكُماتها / والكبرياءُ لهُنّ والخُيلاء
لا يُصْدرونَ نحورَها يومَ الوغى / إلاّ كما صَبَغَ الخدودَ حياء
شمُّ العَوالي والأنوفِ تَبَسّموا / تحت القُنوس فأظلموا وأضاءوا
لبسوا الحديدَ على الحديدِ مُظاهَراً / حتى اليَلامِقُ والدروعُ سَواء
وتقنّعوا الفولاذَ حتى المقلةُ ال / نجلاءُ فيها المقلةُ الخوصاء
فكأنّما فوقَ الأكُفّ بَوراقٌ / وكأنّما فوقَ المُتونِ إضاء
من كلّ مسرودِ الدَّخارِص فوقَه / حُبُكٌ ومَصْقولٍ عليهِ هَباء
وتَعانَقوا حتى رُدَيْنيّاتُهُم / عطْشَى وبِيضُهُمُ الرقاقُ رِواء
أعْزَزْتَ دينَ اللّهِ يا ابنَ نبيّه / فاليومَ فيهِ تخمُّطٌ وإباء
فأقلُّ حظّ العُرْبِ منكَ سعادةٌ / وأقلُّ حظّ الرّومِ منكَ شقاء
فإذا بعثْتَ الجيشَ فهوَ منيّةٌ / وإذا رأيتَ الرأيَ فهوَ قَضاء
يكسو نَداكَ الروْضَ قبل أوانهِ / وتَحيدُ عنكَ اللَّزْبَةُ الّلأواء
وصِفات ذاتك منكَ يأخذها الورى / في المكرُماتِ فكلّها أسماء
قد جالتِ الأوهام فيك فدقّتِ ال / أفكارُ عنكَ فجَلّتِ الآلاء
فعنَتْ لكَ الأبصارُ وانقادتْ لك ال / أقدارُ واستحيَتْ لكَ الأنواء
وتجمّعتْ فيك القلوبُ على الرّضى / وتشيّعتْ في حُبّكَ الأهواء
أنتَ الذي فصَلَ الخطابَ وإنّما / بك حُكّمتْ في مدحِكَ الشُّعراء
وأخصُّ منزِلةً من الشُّعراء في / أمثالِها المضروبةِ الحُكمَاء
أخذوا الكلامَ كثيرَه وقليلَه / قِسمَينِ ذا داءٌ وذاكَ دواء
دانوا بأنّ مديحَهُمْ لكَ طاعةٌ / فَرْضٌ فليسَ لهم عليك جَزاء
فاسلَمْ إذا رابَ البريّةَ حادثٌ / واخْلُدْ إذا عَمّ النفوسَ فَناء
يفْديكَ شهْرُ صِيامِنا وقِيامنا / ثمّ الشُّهورُ له بذاك فِداء
فيه تنزّلَ كلُّ وَحيٍ مُنْزَلٍ / فلأهلِ بَيتِ الوحي فيه ثَناء
فتطولُ فيه أكفُّ آلِ محَمدٍ / وتُغَلُّ فيه عن النّدى الطُّلَقاء
ما زلْتَ تَقضي فَرضَه وأمامَه / ووراءَه لكَ نائلٌ وحِباء
حَسْبي بمدحك فيه ذُخْراً إنّه / للنُّسْكِ عند الناسكين كِفاء
هيهات منّا شكرُ ما تُولي ولو / شكَرَتك قبلَ الألسُنِ الأعضاء
واللهُ في علياك أصدق قائل / فكأنّ قولَ القائلين هُذاء
لا تسألنّ عن الزّمانِ فإنّهُ / في رَاحتَيْكَ يدورُ كيفَ تشاء
يا ربّ كلّ كتيبةٍ شَهْباءِ
يا ربّ كلّ كتيبةٍ شَهْباءِ / ومآبَ كلّ قصيدَةٍ غرّاءِ
يا ليْثَ كلّ عرِينةٍ يا بدرَ كل / لِ دُجُنّةٍ يا شمسَ كلِّ ضَحاء
يا تارِكَ الجبّارِ يعْثُرُ نَحرُهُ / في قِصْدَةِ اليَزَنيّةِ السّمراء
ذو الضرْبة النجلاء إثرَ الطعنة ال / سلْكاءِ والمَخلوجةِ الخرقاء
فالنّظرَةِ الخزْراءِ تحتَ اللامةِ ال / بَيْضاء تحتَ الرّايةِ الحمراء
أهْدِ السلامَ إلى الكؤوسِ فطالما / حَثّثْتَها صِرْفاً إلى النُّدَماء
فشرِبْتُها ممزوجةً بصنائعٍ / وشرِبْتُها ممْزُوجَةً بدِماء
حاشيتُ قدرَك من زيارة مجْلسٍ / ولَوَ اَنّ فيهِ كواكبَ الجَوزاء
إنا اجتمعنا في النديّ عصابةً / تثني عليكَ بألسن النعماء
أرواحُها لكَ والجسومُ وإنّما / أنفاسُها منْ فِطنةٍ وذكاء
إنّ الذي جمَعَ العلى لك كلّها / ألقى إليكَ مقالدَ الشُّعَراء
بسم الصباحُ لأعينِ الندماءِ
بسم الصباحُ لأعينِ الندماءِ / وانشقَّ جيبُ غلالةِ الظلماءِ