القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد مُحرَّم الكل
المجموع : 149
نَاجِ الممالكَ وَهي حَيْرَى تَنظُرُ
نَاجِ الممالكَ وَهي حَيْرَى تَنظُرُ / أُيراعُ سِربُكِ للسلام ويُذْعَرُ
لكِ في المخافةِ عُذرُ كُلِّ مُجرّبٍ / عَرفَ السياسةَ والمُجرِّبُ يُعْذَرُ
أَعَلَى القواضبِ قَامَ مِحرابُ الهُدَى / لِبَنِي الحضارةِ واسْتقرَّ المِنْبَرُ
إن يخطبوا باسْمِ الإِخاءِ ويكتبوا / فالقولُ لَغْوٌ والكتابُ مُزوَّرُ
الكاتبُ الأعلى يُدمِّرُ ما بَنَوْا / فَوقَ الصَّحائفِ والخطيبُ الأكبرُ
نَادَى بميثاقِ السّلامِ دُعاتُه / صَدَقَ الدُّعاةُ هو السَّلامُ الأحمرُ
وَضعوه كالبُركانِ يَهدأُ تارةً / يبغي السّبيلَ وتارةً يتفجّرُ
نارُ القتالِ تشبُّ بين سُطورِه / ودَمُ الضّعيفِ يَسيلُ منه ويقطرُ
كيلوجُ مُؤْتَمِرٌ يُشاوِرُ صَحْبَهُ / والسّيفُ يضحكُ والمدافِعُ تسخرُ
يَقضي ويَحكمُ في الشُّعوبِ وخلفه / قاضٍ يَجورُ وحاكمٌ يَتَجبَّرُ
يَجري الأَذَى في مُستَبدِّ قَضائِه / مِلءَ الزّمانِ ويستفيض المُنْكَرُ
رَكب العَمَى فإذا الضَّلالُ سبيلُه / وإذا الهَوَى إنجيلُه المُتخيَّرُ
زُلْفَى المُقرّبِ في أثيمِ كِتابِه / أُمَمٌ تُقَتَّلُ أو شعوبٌ تُنْحَرُ
انظُرْ إلى القتلى تَضِجُّ دِماؤُها / وَإلى المَصارعِ تقشعِرُّ وتَجْأَرُ
في كُلّ يَومٍ للسياسةِ حُجَّةٌ / يَمْضِي الحُسامُ بها وتَقْضِي العسكرُ
وِيلسُونُ يعرفها ويَشهدُ أنّها / فصلُ الخطابِ وإن أَبَى المُتذَمِّرُ
وضع الشرّائعَ لِلشُّعوبِ كثيرةً / فإذا الذي وضعَ الأئمةُ أكثرُ
الأرضُ ميراثُ القَويِّ فإنْ مَضَى / يبغي الزيادةَ فالسّماءُ المظهرُ
أعِدِ الرَّجاءَ وجَدِّدِ الأَمَلا
أعِدِ الرَّجاءَ وجَدِّدِ الأَمَلا / وأَقِمْ لَنا مِن قَومِنا المُثُلا
وَاجْمَعْ على دينِ الهُدَى أُممَاً / غَابَ الهُداةُ فَضَلَّتِ السُبُلا
عَكَفَتْ عَلَى الأصنْامِ واتَّخذَتْ / دينَ العَمَى من دينها بَدَلا
مَلَك الغُواةُ عُقولَها فهَوَتْ / وَعَصَتْ مِنَ النُّصَحاءِ من عَقَلا
ضاقتْ بهم ذَرْعاً وأَهْلَكها / مَا قَالَ فَاسِقُها وَمَا فَعَلا
أُمَمٌ يَظَلُّ الجَهْلُ يَقْتُلُها / فَتزيدُ جَهْلاً كُلّما قَتلا
حَارَ الطَّبِيبُ ورَاحَ مِن أَسَفٍ / يُلقِي العُلومَ ويَنبذُ الحِيَلا
حَمَلَ الدَّواءَ لَها فَأَعْجَبَها / أن تَحمِلَ الأَدواءَ والعِلَلا
مَاذَا عَلى الأقْوامِ إذْ عَبَدُوا / أَهْواءَهم أنْ يَعبُدوا الهُبلا
ماذا يُعاني الشّرقُ من مِحَنٍ / تَمحو الشُّعوبَ وتَمْسَحُ الدُّوَلا
يا وَيْلَتا لِلقَومِ إن هَلَكوا / هَلْ يَملِكوَن لأمرِهمْ حِوَلا
إيهٍ مُحبَّ الدّينِ مِن رَجُلٍ / مَا جَازَه مَن يَنْشُدُ الرَّجُلا
نَزَّهتَ حُبَّكَ عَن مفاسِدِها / دُنيا تَزِيدُ مُحِبَّها خَبَلا
ولَزْمتَ رَبَّكَ لا تُفارِقُه / تَبغِي الخَسيسَ وَتَتْبعُ الهَمَلا
أَعطاكَ مِن رضِوانِه قَلماً / ما نامَ عَن حقٍّ ولا غَفَلا
لولا تُسَكِّنُ مِن حَمِيَّتهِ / عِندَ احْتِدامِ البأسِ لاشْتَعلا
أَحْبِبْ بِه مِن مَاجدٍ بَطلٍ / ما انْفَكَّ يَصْحَبُ مَاجِداً بَطَلا
ما اختار إلا الجِدَّ يَجْعَلُه / نَجواهُ إن قَلمُ امرئٍ هَزَلا
لُغةٌ يُناجي اللهَ قَارِئُها / في فتحهِ وَيُحادثُ الرُّسُلا
يا فَتحُ زِدْنَا حِكمةً وَهُدىً / إنّا نَخافُ الزَّيْغَ وَالزَّلَلا
بَيِّنْ لنا سُبْلَ الأُلىَ رَشَدُوا / وَاضْرِبْ بِسَيْفِ الله مَن عَدَلا
واسْطَعْ بِدُنْيانا التي اعْتكَرَتْ / نُوراً على الأيّامِ مُتَّصِلا
يا فتحُ قُلْها غَيْرَ كَاذبةٍ / أفَمَا رَأيتَ الحادِثَ الجَلَلا
أعَمْىَ يَقودُ النَّاسَ في بَلَدٍ / أَعْمَى يُعظِّمُ قَدْرَ مَن جَهِلا
ما مَنْ تَولَّى الحقَّ يَنصرُهُ / ويَصُونُ بَيْضَتَهُ كمن خَذَلا
هَتفَ البشيرُ به وحَانَ الحينُ
هَتفَ البشيرُ به وحَانَ الحينُ / فأَضاءَ وَجهٌ واسْتنارَ جَبينُ
وبَدَتْ مواكبُه حِساناً طلقةً / فَشَدا اللّهيفُ وغَرَّدَ المحزونُ
وَيحِي أأنتَ انْشقَّ قَبرُك وانْقَضى / عَبَثُ الخُطوبِ ورأيُها المأفونُ
إن غِبْتَ عن نَظرِ العُيونِ هُنيهةً / فَقلوبُنا الحرَّى عليكَ عُيونُ
ماذا تَظنُّ بِكَ البلادُ وأهلُها / تلك القيامةُ لو يكون يقينُ
مَن أطلقَ الأفكارَ من أوهامِها / أَيَظلُّ طُولَ الدّهرِ وَهْوَ سجينُ
أوَلَمْ يقولوا مِحنةٌ حاقَتْ بنا / هَيهاتَ يكشُفها فتىً مَفتونُ
أَلَهُ جُنودٌ حوله محشودةٌ / وبَوارجٌ مَبثوثةٌ وسَفِين
هذا الذي بَعثَ الشُّعورَ وبَثَّهُ / مِلءَ الكنانةِ والشُّعورُ دَفينُ
نَادَى بلادِي فَاسْتجابتْ أُمّةٌ / ليست بغيرِ هَوى البلادِ تدينُ
تبغي الحياةَ عزيزةً ويَغيظُها / أن يُستباحَ من اللّيوثِ عَرينُ
أَبَتِ القُعودَ مع الخوالفِ بعدما / أَخذَ اللّواءَ القائدُ الميمونُ
ومَضَتْ تذودُ اليأسَ عن آمالها / وتُعلِّمُ الأحداثَ كيف تلينُ
هذا الذي شَرعَ الجهادَ لِقومِه / فَهَدى الكتائبَ نهجُه المسنونُ
إنّ المُضلَّلَ في الحياةِ لَمن يَرَى / أن الحياةَ وَساوِسٌ وظُنونُ
هيَ ما رأيتَ فكلُّ شيءٍ دونها / إن كنتَ تكرَهُ أن تضامَ يَهونُ
إنّا وَفَيْنا للبلادِ فلم نَخُنْ / والدّهرُ يَظلِمُ والخُطوبُ تَخونُ
نَسخُو بأَنفُسِنا نُريدُ حياتها / إنْ صَدَّ هَيّابٌ وكفَّ ضنينُ
خَلَتِ المنازلُ منكَ والأوطانُ
خَلَتِ المنازلُ منكَ والأوطانُ / وقَضَى عَليكَ قَضاءَهُ الحِدثانُ
أوَ لم تكن بالأمسِ صَرحْاً قَائماً / لِصُروفِ دَهرِكَ حَوْلَهُ رَجفَانُ
جَثَمَتْ جَوانِبُه على آسَاسِها / وسَمَتْ إلى غَاياتِها الأركانُ
ما زالتِ الأقدارُ تَعصِفُ ريحُها / حتّى تَهدَّمَ ذَلكَ البُنيانُ
يا مُنصِفَ الإسلامِ من أعدائهِ / لا الظُّلمُ جَاوَزَهُ ولا العُدوانُ
أَتنامُ عَن حَالٍ تظلُّ لِمثلها / تَهفو القُبورُ وتَفزعُ الأكفانُ
قُمْ لِلكفاحِ فَلاتَ حِينَ هَوادةٍ / ضَجَّ الصَّريخُ وجَالتِ الفُرسانُ
الحربُ يَقْظَى والجنودُ بَواسِلٌ / فَمَتَى يُفيقُ القائدُ الوَسنانُ
قُم في سِلاحِكَ مَا لِمثلِكَ صَاحبٌ / إلا حُسامٌ قاطعٌ وَسِنَانُ
ماذا يظنُّ أُولوا الحِفاظِ بِبَاسلٍ / عَالي اللّواءِ سِلاحُه القرآنُ
مُتجرِّدٌ للهِ حَشْوُ قَميصهِ / تَقْوَى وَمِلءُ فُؤادهِ إيمانُ
يَرْمِي ويُرْمَى لا يَضِنُّ بِنَفْسِهِ / إنّ الضَّنينَ بِنَفْسِه لجبانُ
يَنهاهُ عن حِرصِ الغَبيِّ وَجُبْنِهِ / أنّ المحَارِمَ بالدّماءِ تُصانُ
سَيفٌ بأعناقِ الغُواةِ مُوكَّلٌ / تَعْفَى السُّيوفُ وَحدُّه يَقْظانُ
عَضْبُ المضاربِ مُشرِقٌ ذُو رَوْنَقٍ / تهفو الحُلومُ إليهِ وَهْيَ رِزانُ
للهِ فيه يَدٌ يُضئُ شُعاعُها / سُبُلَ الحياةِ وللنبيِّ لِسانُ
أوَ ما رَأَيْتُم كيف كان يَزِينُه / للحقِّ نُورٌ سَاطِعٌ وبَيانُ
عبدَ الحميدِ ألا تَهزُّكَ صَيْحَةٌ / فَزعتْ لها الأقطارُ والبُلدانُ
أَلقَى بها الإِسلامُ ناراً تَرْتَمي / فَإذا الجوانحُ والقُلوبُ دُخانُ
جَاشَتْ لِفقدِكَ نَفْسُه وطغَى الأَسَى / في قلبهِ فَكأنّه البُرْكانُ
أَوَ لم تكن لِلمُسلمينَ مثابةً / يَأوِي إليها الشِّيبُ والشُّبَّانُ
لَكَ في مُقارعةِ الخُطوبِ مَواقِفٌ / فيها لقومِكَ عِصمةٌ وأمانُ
يُؤذيكَ أن يُرْمَى الضّعيفُ بِظالمٍ / شَرِسِ الخلائقِ دَأبُهُ الطُّغيانُ
ويُثيرُ سُخْطَكَ أن يضيعَ لِمُسلمٍ / حَقٌّ ويَغشاهُ أذىً وهَوانُ
ما كُنتَ كالجافي يَبيتُ مُنعَّماً / وتَبيتُ تُعوِلُ حوْلَهُ الجيرانُ
المسجدُ الأقصَى لِموتِكَ خَاشِعٌ / والبيتُ بَعدَك جَازعٌ أَسْوَانُ
وعلى المدينةِ مِن مُصابِكَ آيةٌ / هِيَ لِلأسَى وكتابهِ عُنوانُ
لمّا خَلَتْ مِنكَ المنابرُ بغْتةً / لم يَخْلُ مِن أَسَفٍ عَليكَ مكانُ
لَكَ مِن زَمانِكَ بالبقاءِ وطُولهِ / وَمِنَ الحَوادِثِ ذِمّةٌ وضَمانُ
تَتنازعُ الأجيالُ ذِكركَ طَيِّباً / عَبِقاً وتَهتفُ باسمكَ الأزمانُ
ما لِلبلَى في العبقريّاتِ العُلىَ / أمرٌ يُطاعُ ولا لَهُ سُلطانُ
سِرْ في الدُّهورِ وقُمْ على هَاماتِها / عَلَماً يُضييءُ فَتهتدِي الرُّكبانُ
وَاطْوِ الجِواءَ إلى مَكانِكَ صَاعِداً / فَمداكَ حيثُ تُحلِّقُ العِقبانُ
ما زِلتَ تَجتازُ المنازلَ تَبْتغِي / ما يَبتغِي المُتزوِّدُ العَجلانُ
حتّى حَللتَ من الإلهِ مَحلّةً / ما جازها عُمرٌ ولا عُثمانُ
أَنْعِمْ بهِ جاراً وَطِبْ نَفْساً فما / سَقطَ اللّواءُ ولا خَلا المَيْدانُ
الجُندُ سَمحٌ والخليفةُ صَالحٌ / والأمرُ وَافٍ ما بهِ نُقْصانُ
واللهُ نِعمَ المُستعانُ إذا الهَوَى / غَلبَ النُّفوسَ وقَلَّتِ الأَعْوانُ
لِلحقِّ صَوْلَتُه وشِدّةُ بأسهِ / وَلِمَنْ يُحارِبُ جُندَه الخِذلانُ
لولا صَرامَتُه وقُوَّةُ بَطشِه / ما عَزَّ مَظهرُه وجَلّ الشَّانُ
الأرضُ حَيرَى ما يزالُ هُداتُها / في غَمْرَةٍ وكأنّهم عُميانُ
لِلشَّرِّ زلزالٌ تَبيتُ شُعوبُها / ترتَجُّ منه وللأَذَى طُوفانُ
الوَحْشُ تَعجبُ أُسْدُها وَذِئابُها / ممّا يَجئُ ويَصنعُ الإنسانُ
انْظُرْ إلى الدُّنيا وسَلْ سَاداتِها / أَيُصانُ فيها للضّعيفِ كِيانُ
أهِيَ المطامعُ أهلكت عُبّادَها / دُنيا الحضارةِ أم هي الأوثانُ
مَن لي بملءِ المَشرِقَينِ بَيانا
مَن لي بملءِ المَشرِقَينِ بَيانا / وبما وَراءَ النَيِّريْنِ مَكانا
رُمْتُ الرّثاءَ فَما ظَفِرتُ بِمنبَرٍ / يَسَعُ الرّثاءَ ولا وَجدتُ بَيانا
ضَاقَ البيانُ وبَرَّحتْ بِي لَوْعةٌ / مَلكتْ عليَّ الصّبرَ والسُّلوَانا
يا طُولَ همِّي مَاتَ مَن كُنّا بهِ / نَنْفِي الهُمومَ ونكشفُ الأحزانا
الصّادعُ الأزماتِ يَتركُ لَيْلُها / أَهْدَى الهُداةِ مُضَلَّلاً حَيْرانا
والرَّادعُ الأحداثَ تَلتهِمُ القُوى / وتُغادِرُ البَطَلَ الشُّجاعَ جَبانا
ما اسْتصرخَتْهُ بِلادُه في نكبةٍ / إلا رأته الماجِدَ المِعوانا
رَجَفَتْ قَضيَّتُها أَسىً وتَفزّعتْ / ذُعراً فَكانَ لها حِمىً وأمانا
مَكَر القُضاةُ فَقِيلَ ما بُرهانُها / حتَّى انْبَرى فكفاهُمُ البُرهانا
مَالوا بِميزانِ الحُقوقِ مع الهَوَى / فَأقامَ في أيديِهمُ المِيزانا
المالُ أَيْسَرُ ما أَضاعَ ولم يَضِعْ / مالٌ شَفَى مِن دَائها الأوطانا
أوَ لَمْ تكن أَعْلَى الذَّخَائرِ لامْرئٍ / يَبغِي الغِنَى وأَجلَّها أَثْمانا
والمرءُ إن هَانتْ عليه بلادُه / وَجدَ الحياةَ مَذلَّةً وهَوانا
كَذَبَ المُضلَّلُ لن يَصونَ كِيانَهُ / مَن لا يَصونُ مِن البلادِ كِيانا
كانت بلاغةُ فولكَ مِن نَفحاتهِ / لمّا اسْتَثارَ بَيانَهُ الفَتَّانا
نفحاتُ سمحٍ هَيّجتهُ حِسانُها / فَمَضى يُردِّدُ صَوتَه الرَّنّانا
أيّام ينصرُ حقَّ مصرَ ويَبتغي / لِحُماتِها الأنصارَ والأعوانا
لمّا دَعا الأحرارَ من غُرمائِها / لم يُلْفِهمْ صُمَّا ولا عُميانا
أبطالُ سعدٍ يعرفون مُحمّداً / أيَّ الرّجالِ على الشّدائدِ كانا
ما كان إلا صَخرةَ الحقِّ التي / لانَ الحديدُ وبَأسُها ما لانا
ما أَنْجَبتْ مِصرٌ أشدَّ صرَامةً / مِنه وأثبتَ في الخُطُوبِ جَنانَا
تهفو الوَساوِسُ بالنُّفوسِ ونفسُه / مِلءُ الزَّمانِ وأهله إيمانا
سَلْها لِتعلمَ أيَّ خَطبٍ خَطبها / إن كُنتَ تَبغِي العِلمَ والعِرفانا
لمّا سَقوهُ النَّفْيَ مُرّاً طَعمُهُ / وَجَدوهُ حَرّانَ الحَشا ظَمآنا
لذَّتْ مَذاقتُه فلولا أَنَّهُ / جَمُّ الوقارِ طَوَى المَدَى نَشْوَانا
لم يُنكرِ المَنْفَى ولم يَعْدَم بهِ / مِن عزمهِ أهلاً ولا جِيرانا
جَمَعَ الحُماةَ بدارهِ فَتألَّفُوا / بعد الشِّقاقِ وأصبحوا إخوانا
عَقدوا العُهودَ بها لِمصرَ على يَدٍ / تَشفِي الصُّدورَ وتَنزعُ الأَضْغَانا
ما كان أعجبَ أمرَهم إذا أَطفَأُوا / نُورَ السلامِ وأَوْقَدوا النِّيرانا
يَرْثُونَ لِلوطنِ الجريحِ وقد غَدَوْا / حَرباً على الوطنِ الجريحِ عَوانا
نَزَلُوا بِسَاحَةِ ماجدٍ مُتكَرِّمٍ / لم يَألُهمْ بِرّاً ولا إحْسَانا
ومَضوا بِعافِيةٍ يَقولُ كبيرُهم / حَيَّاكَ رَبُّك مِن أبٍ يرعانا
إنّ الذي يبني الصُّفوفَ لِقومهِ / لأَجَلُّ مَن رَفعَ الذُّرَى بُنيانا
حكمَ البِلادَ فَسارَ سيِرةَ عادلٍ / يَأبَى الأذَى ويُجانِبُ العُدوانا
ويُقيمُ مِيزانَ الأمورِ بِحكمةٍ / تُعطِي الضعيفَ من القويِّ ضَمانا
بَثَّ الحَضارةَ في المدائِنِ والقُرَى / وأجالَ في أرجائِها العُمرانا
وأعدَّ لِلمَرْضَى الحياةَ قَويَّةً / تَبنِي النُّفوسَ وتَدْعَمُ الأبدانا
الحكمُ يَعرِفُه نَبيلاً كَابِراً / ما زَادَهُ جَاهاً ولاسُلطانا
وَرِثَتْ مَناقِبُه مَناقبَ بَيْتهِ / فَبِأيِّ مَنْقَبةٍ أرادَ ازْدَانا
بَيتٌ بَنَى الإسلامُ حَائطَ مَجدِه / وَحمىَ الجوانبَ منه والأركانا
دَارَ الزمانُ وما يزالُ كعهدهِ / يَأْبَى الصَّغارَ ويُنكِرُ الدَّوَرانا
لَكَ يا مُحمّدُ في المَفاخرِ رُتبةٌ / مَلكتْ عليَّ الوَصفَ والتِّبيانا
جَالدتَ هندرسونَ بالرّأيِ الذي / يُعيِي الدُّهاةَ ويَغلبُ الشُّجْعَانا
أَعْطَتْ على يَدِكَ السِّياسةُ ما أَبَتْ / أقطابُها أن تُعطِيَ الأقرانا
أَرْضَيْتَ قَومَكَ بالفعالِ كريمةً / تَرجو بها مِن رَبّكَ الرّضوانا
وغَضِبتَ للفلّاحِ غَضْبَةَ مُكرِمٍ / لِلنّيلِ يَأنَفُ أن يَراهُ مُهانا
اللهُ أَلهَمَهُ الهُدَى وأقَامَهُ / رَمزاً لمجدِ النّيلِ أو عُنوانا
يا مُكرِمَ الأدبِ الرّفيعِ فَجعتَهُ / وتَركتَهُ في خَاطِري أشجانا
أَوليْتَني البرَّ الجزيلَ فلم أَجِدْ / مِن قبلُ بِرّاً مِثلهُ وحَنانا
ما أنتَ بالجافي ولا أنا بالذي / يَرْضَى الجُحودَ ويُؤثِرُ النِّسْيانا
إنّي لأَذكُرها خِلالاً سَمْحةً / وخَلائقاً تُصبِي الكريمَ حِسانا
يا معشرَ الأحرارِ صَبراً إنّه / قَدَرٌ جَرَى ومُصابُ شَعْبٍ حَانا
أنتم على الأيّامِ عَوْنُ بلادِكم / إن أَزمعتْ أحداثُها طُغْيانا
رُدُّوا على مِصرَ القَرارَ وأَمْسِكُوا / بِيَدِ التَّجلُّدِ دَمْعَها الهتَّانا
نِعمَ الخليفةُ في السّياسةِ شَيْخُكُم / إن ضَلَّلتْ شُبهاتُها الأَذْهانا
هُوَ مَنْ عَلِمنا في القضيّةِ شَأنَهُ / بُوركتَ من شيخٍ وبُوركَ شانا
أُمَمَ العُروبةِ جاءَ يومُكِ فاعْلَمِي
أُمَمَ العُروبةِ جاءَ يومُكِ فاعْلَمِي / وإلى مكانكِ فانهَضِي وتقدَّمي
لَكِ في فَمِ الأحداثِ دعوةُ صارخٍ / ينفِي القرارَ عن الشُّعوب النُوَّمِ
فَدَعِي المضاجِعَ وانْفُضِي عنكِ الكَرَى / وخُذِي السّبيلَ إلى المَقامِ الأعظمِ
ضُمِّي القُوَى وتَجمَّعِي في وَحدةٍ / عربيّةٍ تحمي اللِّواءَ وتحتمي
لا تُؤثِري العيشَ الذّليلَ وجَانِبِي / خُلُقَ الضَّعيفِ وشِيمةَ المُسْتَسْلِمِ
هذا السَّبيلُ لِكُلِّ شعبٍ ماجدٍ / عالي اللِّواءِ إلى العُروبةِ ينتمي
وإذا الْتَمَسْتِ الأصدقاءَ فخيرُهم / مَن شدَّ أَزْركِ والحوادثُ ترتمي
يَرْعَى الذِّمامَ إذا تَنكَّرَ غيرُه / ومَضَى بعافيةٍ كَأنْ لم يأثَمِ
يُعطي السَّويَّةَ لا يُجاوِزُ حُكْمَها / وإذا تمرَّدَ ظالمٌ لم يَظْلمِ
لِلشّرقِ حُرْمَتُه فمن يَعْبَثْ بها / يَلْقَ الهَوانَ ومن يَصُنْها يَغْنَمِ
وإذا العروبةُ لم تَصُنْ أمجادَها / فَبِمَنْ تُصانُ وفِيمَ شكوى اللُّوَّمِ
هذا زمانٌ ليس يفهمُ أهلُه / إلا حديثَ النّارِ أو لُغةَ الدَّمِ
كَثُرتْ لغاتُ العالمين وهذه / أوفىَ بياناً في اللّسانِ وفي الفمِ
القُوَّةُ الدُّنيا فَمَنْ يَظْفَرْ بها / يظفرْ بِدُنيا الغالبِ المُتَحكِّمِ
والعدلُ أكثر ما يكون حَديثُه / أُنْشُودَةَ الجانِي ودَعْوَى المجرِمِ
أُمَمَ العُروبةِ أين أنْتِ فقد طَغَى / سَيْلُ الأَذَى في موجهِ المُتَضرِّمِ
هذا هو الطُّوفانُ إن تَتَهَيَّبي / يُطْبِقْ عليكِ وإن تَهُبِّي تُعْصَمي
هُبِّي فما يُغنِي التردُّدُ واذكري / نَهَضاتِ قومِكِ في الزّمانِ الأقدمِ
نِعْمَ السّبيلُ إلى الحياةِ سبيلُهم / فَتَتَبَّعِي آثارَهُمْ وتَرَسَّمي
دَعَمُوا الممالكَ بالأَسِنّةِ وابْتَنُوا / مجداً بغير سُيوفِهم لم يُدْعَمِ
تَهوِي العروشُ لِذكرِهم وكأنّما / تَرمِي بِشَتَّى من صواعِقَ رُجَّمِ
هزموا القُوَى ومضوا إلى غاياتِهم / في الفاتحينَ بقوَّةٍ لم تُهْزَمِ
أُمَمَ العُروبةِ لا نجاةَ لِمُدْبِرٍ / يبغِي النّجاةَ ولا حَياةَ لِمُحْجمِ
ما في الصَّوادعِ وهي شَتَّى كالذي / صَدَعَ القُوَى من أمرِكِ المُتَقَسَّمِ
كُوني جميعاً فالتفرُّقُ لم يَزَلْ / مُذْ كانَ من نُذُرِ القضاءِ المُبْرَمِ
إنّ البناءَ إذا تَماسَكَ فَاسْتَوَى / لم يضطرِبْ ضَعفاً ولم يَتَهَدَّمِ
والضَّعفُ للضَّعفِ المُهَدَّدِ قُوَّةٌ / تَمضِي فتدفعُ قُوّةَ المُتَهجِّمِ
الشرّقُ ينظرُ أين يذهبُ أهْلُه / ويخافُ عاديةَ النُّسورِ الحُوَّمِ
ويُهيبُ باللّاهينَ من أبنائِه / يَخْشَى عليهم حَسْرَةَ المُتَنَدِّمِ
أُمَمَ العُروبةِ جَدَّ جِدُّكِ فانْظِمي / من عِقدِكِ المنثورِ ما لم يُنْظَمِ
لَكِ أنْ تَسُودِي تحت رايتِكِ التي / خفقتْ لها الدُّنيا فَسُودِي واسْلَمي
مَرْأىً من الملأ العليِّ ومظهرُ
مَرْأىً من الملأ العليِّ ومظهرُ / أين البيانُ لِمثلهِ والمِنْبَرُ
جبريلُ يهتف والنبيُّ كعهدِه / بين الصُّفوفِ يرى الوجوهَ وينظرُ
والسّبعةُ الفقهاءُ في ترتيلهم / للذِّكرِ والملأُ الأماثلُ حُضّرُ
غُضّوا النّواظرَ خاشعين أوِ انْظُروا / هذا عليٌّ في الندِيِّ وجعفرُ
اللهُ أنزلَهُ كِتاباً قيّماً / يَصِفُ الحياةَ لِكُلِّ من يتدّبرُ
هُوَ نُورُه وسَبيلُه ما مِثلُه / نُورٌ يُرامُ ولا سَبيلٌ يُؤثَرُ
من ضَلَّ فيه فمالَهُ من عاذرٍ / والمرءُ يَخبِطُ في الظّلامِ فَيُعْذَرُ
دينٌ يَفيِضُ هُدىً ودُنيا طَلْقةٌ / مِثلُ الرّبيعِ النّضرِ أو هي أنضرُ
دُنيا القياصرِ أَو هِيَ الدُنيا التي / زَحفَتْ طلائِعُها فأدبر قيصرُ
ما خَطْبُنَا بين الشّعوبِ أما كفى / أنّا نُعابُ بديننا ونُعيَّرُ
سَادُوا بِباطِلِهمْ ودَاسُوا حقَّنا / ولَنَحْنُ أخْلَقُ أن نَسُودَ وأجْدَرُ
يا قومنا هل تَعْرِفُون كِتابكم / أم ليس فيكم مُؤمِنٌ يتذكَّرُ
عُذْراً فقد عَظُمَ البلاءُ فهاجني / حتّى لأَحْسَبُ مُهجَتِي تتفجَّرُ
وكأنّ في كَبِدِي وبين جَوانِحي / ناراً مُؤجَّجَةً تجيشُ وتَهْدِرُ
إن تَجْهَلُوُه فإنّه السِّر الذي / يُحيي النُّفوسَ إذا تَموتُ وتقْبَرُ
وهو الحِمى المأمولُ يَعْصِمُنا إذا / جَرَتِ الأُمور بما نَخافُ ونَحْذَرُ
ماذا نخافُ وَكُلُّ حَرْفٍ مَعقِلٌ / وَلِمَنْ ندينُ وكلُّ سطرٍ عسكرُ
هو قُوَّةُ الإسلامِ ما من قوّةٍ / تُرْمَى بها إلا تُرَدُّ وتُقْهَرُ
إنّا لننصرُ ربَّنا ونُعِزُّه / ولَنَحنُ أَوْلَى من يُعِزُّ ويَنْصُرُ
كَذَبَ الألُىَ ظَنُّوا الظُّنونَ بِقَوْمِنا / هل يُبصِرُ الأَعْمَى ويَعْمَى المُبصِرُ
زَعَمُوا الحَضَارةَ لم تَقُمْ إلا على / أَيمْانهم والحقُّ ضاحٍ مُسْفِرُ
أمِنَ الحضارةِ هَذِهِ الفِتَنُ التي / باتت لها الدُّنيا تَضِجُّ وتَجْأرُ
نَشِطوا فتلك مَمالكٌ يُرْمَى بها / بين العواصفِ أو شعوبٌ تُنْحَرُ
يَرْمُون باسْمِ الحقِّ وهو خَصيمُهم / فيما يُراقُ من الدّماءِ ويُهْدَرُ
هل قام لِلعُمْرانِ رُكنٌ لم يَقُمْ / منهم إليهِ مُخَرِّبٌ وَمُدَمِّرُ
ذَبَحُوا السَّلامَ فَمِنْ دِماءِ ذَبِيحهِم / في كلِّ أرضٍ لُجّةٌ تتسعَّرُ
الحربُ سُوقٌ والنُّفوسُ تجارةٌ / بِئْسَ التِجارُ همو وبئسَ المتجرُ
طَغَتِ النُّفوسُ فظالمٌ لا يرعوِي / عن ظُلمهِ ومُشاغِبٌ لا يُقْصِرُ
كُنّا الغُزاةَ الفاتحينَ فلم يَكُنْ / منّا امرؤٌ عاتٍ ولا مُتَجَبِّرُ
إنّا لَيمنعُنا الكتابُ المُنْتَقَى / ويَردُّنا الدّينُ الأَبَرُّ الأَطْهَرُ
يا مُنْصِفِي القرآنَ من أعدائهِ / أَنتُمْ لِقَوْمِكُمُ العَتادُ الأكبرُ
هذا سَبيلُ المُؤمنينَ لكم بهِ / أجرُ المُجاهدِ والمجاهِدُ يُؤْجَرُ
أَنُريدُ رحمةَ رَبِّنا وكِتَابُهُ / يُجْفَى على مَرِّ الزَّمانِ ويُهْجَرُ
أنتم فريقُ اللهِ ليس كَصُنعِكُمْ / صُنعٌ وأنتم حِزبُهُ المُتَخَيَّرُ
الذِّكرُ محفوظٌ بصالحِ سَعْيِكُمْ / باقٍ على الدُّنيا يُذاعُ ويُنْشَرُ
يَزَعُ النُّفوسَ عن الهَوَى ويَرُدُّها / عما يَعيبُ من الأُمورِ ويُنْكرُ
ويُقيمُ لِلأخلاقِ من آياتِه / صَرْحاً تُراعُ له الصُّروحُ وَتُذْعَرُ
يُعطي المَقَاوِمَ والمَواقِفَ حقَّها / فَمُبَشِّرٌ آناً وآناً مُنْذِرُ
اللهُ أَكْرَمَكُم به وأَحَبَّكم / والله يُكرِمُ من يُحبُّ ويَشْكُرُ
لا اليومُ يومك إذ وُلِدتَ ولا الغدُ
لا اليومُ يومك إذ وُلِدتَ ولا الغدُ / يا ليت أنّك كلّ يوم تُولَدُ
عاد الظلامُ كما عَهدتَ وهذه / دُنيا الجهالةِ والأَذى تَتجدّدُ
ما ذاق مهلكه أبو جهلٍ ولا / أودى أبو لهبٍ وربُّك يَشهدُ
في كلّ أرضٍ منهما مُتجبِّرٌ / يأبى الرّشادَ وظالمٌ يتمرّدُ
وعبادةُ الأصنامِ قام دُعاتُها / مِلءَ الممالكِ ما على يدهم يَدُ
فلكلِّ قومٍ من سفاهةِ رأيهم / ربٌّ يُعظَّمُ أو إلهٌ يُعبَدُ
قُمْ يا محمّدُ ما لحقِّكَ ناصرٌ / حتّى تَقومَ وما لدينك مُنجِدُ
قم في جنودك غازياً وافتح بهم / دنيا الجحودِ لأُمّةٍ لا تَجْحَدُ
تمشي على نُورِ الكتابِ فتهتدي / وتُقيمُ آداب الحياةِ فتسعدُ
جَدِّدْ لنا أيّامَ بدرٍ إنّها / أيّامُنا اللّاتي نُحِبُّ وَنحْمَدُ
حَفِظَتْ على الإسلامِ يَانِعَ غرسِه / والجاهليّةُ بالقَواضبِ تُحْصَدُ
غَرْسٌ نَما فالأرضُ من بَرَكاتِه / تُعطِي الحياةَ كريمةً وَتُزَوِّدُ
قُمْ يا رسولَ الله وانْظُرْ هل تَرَى / إلا شعوباً غابَ عنها المَرْشَدُ
نامتْ سُيوفُك بعد طُولِ سُهادِها / فاسْتَيْقَظَ الغاوي وهَبَّ المُفْسِدُ
عَمَّ الفسادُ فلا صَلاحٌ يُرْتَجَى / لِلعَالَمينَ ولا فَلاحٌ يُنْشَدُ
الأمرُ فوضَى والحياةُ ذميمةٌ / والشَّرُّ لا يَفْنَى ولا هو يَنْفَدُ
دُنيا الهوى ترمِي الشُّعوبَ من الأذَى / ومن العَذابِ بِعاصِفٍ لا يركدُ
انْظُرْ إلى أيّامِ عادٍ إذ طَغَتْ / وثمودَ يبعثُها الزّمانُ الأنكدُ
أَسَفِي على الإِسلامِ هَانَ عَرينُه / وعَدَا عليه الفاتِكُ المُسْتَأسِدُ
إنَّ الذي جَمَعتْ سيوفُ مُحمّدٍ / أَمْسَى بأيدي المُسلِمينَ يُبَدَّدُ
ما أَوْجَعَ الذكرَى ويالكِ لوعةً / في قلبِ كل مُوَحِّدٍ تَتَوقَّدُ
يا مَوْلِدَ النُّورِ الذي صَدَعَ الدُّجَى / فَرأَى السَّبيلَ الحائِرُ المُتَردِّدُ
السُّبْلُ خافيةُ المعالِمِ والهُدَى / قوْلٌ يُقالُ ومَطْلَبٌ لا يُوجَدُ
طَالَ الرّجاءُ فهل لنا مِن مَوْعِدٍ / وَاحَسرتَاهُ مَتَى يَحينُ المَوْعِدُ
ذَهبَ الزَّمانُ فَمَنْ لنا بِبَقِيَّةٍ / منه تُحَلُّ بها الأُمورُ وتُعْقدُ
الناسُ مُعْوَجُّ السّبيلِ مُضلَّلٌ / ومُوَفَّقٌ في العالمينَ مُسَدَّدُ
ربِّ اتَّخِذْ لِلمُسلِمينَ سبيلَهم / فإلَيْكَ مَرْجِعُهم وأنت المَقْصِدُ
فَزِعُوا إليكَ فَكُنْ لهم لا تُقْصِهِمْ / عن بابِ رحمتِكَ الذي لا يُوصَدُ
مَنْ كانَ يَسْألُ في الشّدائِدِ مَنْ لَنا / فالله جلَّ جلالهُ ومُحمَّدُ
نهض الشبابُ وجالتِ الآمالُ / والمجدُ أجمعُ نهضةٌ ومجالُ
نهضت قُوى الجيل الذي انتفضت له / وتطلّعت من حوله الأجيالُ
للدّهر منه ومن عجائبِ صنعِه / مَثَلٌ يُريهِ بلاءَه فَيُهالُ
دفعَ الحوادثَ فاعتزلن سبيلَه / ومضى إلى غاياتِه يَنثالُ
جاشت به هِمَمٌ بلغن به المدى / وعلقن بالأقدار وهيَ عِجالُ
هزّ الرّواسِيَ مُقدِماً ما مثله / في البأسِ إعصارٌ ولا زلزالُ
كَلِفٌ بأسباب السّماءِ يُريدها / لو أنّ اسبابَ السّماء تُنالُ
يبني لأُمَّتهِ الحياةَ جديدةً / للعلم فيها روعةٌ وجلالُ
تأبى المعاولُ أن يقرَّ قرارُها / حتّى تُدمّرَ ما بَنى الجُهّالُ
شَرَفُ الشُّعوبِ عُلومُها وحياتُها / أن تَصلُحَ الأخلاقُ والأعمالُ
وإذا الشّبابُ رمى الأمور بعزمِه / عَنَتِ الصِّعابُ وخفّتِ الأثقالُ
ما للأُمورِ إذا التوت أسبابُها / إلا كفاحٌ دائمٌ ونضالُ
خُذْ ما أردتَ بقوّةٍ وادأبْ ولا / يأخذْك ضعفٌ أو يَنَلْكَ مَلالُ
واليأسُ فاصْدِفْ عنه واحْذرْ داءَه / فاليأسُ داءٌ للنّفوسِ عُضالُ
واضرِبْ بما زعم الضّعافُ وجوهَهم / فمن المزاعمِ للعقولِ خَبالُ
وإذا هُمُ ذكروا المحالَ فَقُلْ لهم / ما في الأُمور على الرجالِ مُحالُ
قَعَد الشُّيوخُ عن النّضالِ وهذه / دُنيا الشّبابِ فبوركَ الأبطالُ
صدأُ الحديدِ طغى على آبائهم / وخبا الفِرِنْدُ فما يُفيد صِقالُ
وهوى اللّواء مُعفَّراً وتحطَّمت / حولَ اللّواءِ أسِنّةٌ ونصالُ
أخَذ الشّبابُ لواءَهم وتدافعوا / حيث ارتمتْ تَتدافعُ الأهوالُ
في كلِّ مُعتَركٍ تهون نفوسُهم / فيه وترخصُ عنده الأموالُ
لا المستبيحُ يَعيثُ في أوطانهم / إن رامَ بَيْضتَها ولا المغتالُ
يحمون بالدمِ عِرضَها وهو الحمى / إن رِيع مُعتصَمٌ وخِيفَ مآلُ
العارُ أجمعُ والمهانةُ كلُّها / عِرضٌ بأيدي العابثين مُذالُ
نَفَضَ الشّبابُ العَجزَ عن آمالهِ / والعاجزون على الشُّعوب عِيالُ
وانسابَ يأبى أن يَعيبَ زَمانَهُ / قِيلٌ يضيعُ به الزّمانُ وقالُ
لم يقضِ حاجَتَه ولم يظفرْ بها / في النّاس إلا القائل الفعّالُ
الأمرُ جِدٌّ مابه من ريبةٍ / والبعثُ حقٌّ ليس فيه جدالُ
قُلْ للأُلىَ ظنّوا الظُّنونَ وأرجفوا / لا شيءَ يمنعُ أن تحولَ الحالُ
للهِ أمرٌ في الممالكِ نافذٌ / تجرِي به الأقدارُ والآجالُ
لا تركننَّ إلى الوساوسِ واحترِسْ / إنّ الوساوسَ للنُّفوسِ ضلالُ
لَمِنِ الجلالُ يَفُوقُ كُلَّ جلالِ
لَمِنِ الجلالُ يَفُوقُ كُلَّ جلالِ / أهِيَ العُروبةُ في حِماها العالي
أهِيَ الحميَّةُ هَاجَها مُتَوَثِّبٌ / دَاسَ العرينَ وهمَّ بالرِّئبالِ
تِلكَ الوفُودُ من المشارقِ أَقْبَلَتْ / تَقْضِي الذِّمامَ لِقَوْمِها والآلِ
من كلِّ واضِحَةِ الجَبينِ يَزيُنها / بأسُ الكُماةِ ونجدةُ الأبطالِ
شَتَّى مَناقِبُها تَوارَثَ قومُها / أحسابَ يَعْرُبَ في الزّمانِ الخالي
تَبْغِي الحياةَ عَزيزَةً لِبلادِها / وتَرُدُّ حُكْمَ الطَّامعِ المُغْتالِ
هُنّ ائْتَمَرْنَ بخيرِ دارٍ أُنْشِئَتْ / بالمَشرِقَينِ لِصالحِ الأعمالِ
للناهِضَاتِ الذاَّئِداتِ عنِ الحِمَى / الحامِلاتِ فَوادِحَ الأثقالِ
المُدْرِكاتِ الحقَّ يَفْزَعُ صَارِخاً / ويَضِجُّ بين مَخالِبِ الأغوالِ
أوَمَا كَفَى نَوْمُ الحماةِ وما جَنَتْ / تلك المضاجعُ من أذىً وخَبالِ
شَرَفُ الحياةِ لِكُلِّ نفسٍ حُرَّةٍ / تَأْبَى حَياةَ الضّيْمِ والأذلالِ
والشّعبُ إن خَفَضَ الجَناحَ ولم يَذُدْ / عن حوضهِ أَمْسَى بأسوإ حالِ
هو يا فلسطينُ النِّضالُ وهل نجا / من حَتْفِه وَطَنٌ بغيرِ نِضالِ
لا تُنكِري شِيَمَ النُّفوسِ وأَبْشري / بِأَحَبِّ مُنْقَلَبٍ وخيرِ مآلِ
وثِقِي بربِّكِ إنّه لكِ ناصرٌ / ما مِثلُه من ناصرٍ أو والِ
قُولي لِرُوزْفلْتَ المؤمَّلِ عَدلُهُ / رُوزْفِلْتُ ما لِلظّالمينَ ومالي
أعَليَّ إيواءُ الشرَّيدِ ومن دَمِي / يُسْقَى ويُطْعَمُ بعد قتل عِيالي
شرُّ القُضاةِ سَجِيّةً وأضَرُّهم / قاضٍ يرى الإنصافَ غَيْرَ حلالِ
يا بائِعي عِرضَ العُروبةِ وَيْحَكُمْ / لا تجهلوا عِرضُ العروبةِ غالِ
إن شِئتُمُ البَيْعَ المُباحَ فإنّما / هو بالدّمِ المسفوكِ لا بالمالِ
دنُيا من الأهواءِ إن لم تَسْتَفِقْ / عصفت بها دُنيا مِنَ الأهوالِ
رفعوا على الوهمِ البِناءَ وما دَرَوْا / أنّ الخطوبَ شديدةُ الزِّلزالِ
جَمَحَ الغُرورُ بهم فظنَّ غُلاتُهم / أنّ العروبةَ آذنتْ بِزَوالِ
أَفَما رأوها في منازلِ عِزِّها / غَضْبَى الليوثِ أبيَّةَ الأشبالِ
ذُخْرُ الدُّهورِ فإن تَكُنْ من مِرْيةٍ / بالقومِ فَهْيَ أمانةُ الأجيالِ
إنّي استفدتُ على يدِ الفُضْلىَ هُدَى / أَغْلىَ العِظاتِ وأبلغَ الأمثالِ
كذب الذي زَعمَ المُحالَ لِقومِه / ومَضَى يقولُ مَقالةَ الجُهَّالِ
فَمِنَ العقائلِ للبلادِ معاقِلٌ / ومن الحِسانِ البيضِ بيضُ نِصالِ
كم من أُناسٍ إن نظرتَ رَأَيْتَهُمْ / بين الرجالِ وما هُمو برجالِ
من كُلِّ مُستَلَبِ الحَميَّةِ جامدٍ / واهِي القُوَى مُتخاذِلِ الأوصالِ
جافٍ يَبيتُ الخطبُ يَقْرَعُ قَوْمَه / ويَبيتُ في دَعَةٍ رَخِيَّ البالِ
عزمٌ يُبَرِّحُ بالخطوبِ وهِمّةٌ / تَطْوِي المَدَى وتجولُ كلَّ مَجالِ
أمَمُ العُروبة إن تَتَابَع شُكرُها / فَلِفَضْلِها المُتتابِع المتوالي

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025