المجموع : 149
نَاجِ الممالكَ وَهي حَيْرَى تَنظُرُ
نَاجِ الممالكَ وَهي حَيْرَى تَنظُرُ / أُيراعُ سِربُكِ للسلام ويُذْعَرُ
لكِ في المخافةِ عُذرُ كُلِّ مُجرّبٍ / عَرفَ السياسةَ والمُجرِّبُ يُعْذَرُ
أَعَلَى القواضبِ قَامَ مِحرابُ الهُدَى / لِبَنِي الحضارةِ واسْتقرَّ المِنْبَرُ
إن يخطبوا باسْمِ الإِخاءِ ويكتبوا / فالقولُ لَغْوٌ والكتابُ مُزوَّرُ
الكاتبُ الأعلى يُدمِّرُ ما بَنَوْا / فَوقَ الصَّحائفِ والخطيبُ الأكبرُ
نَادَى بميثاقِ السّلامِ دُعاتُه / صَدَقَ الدُّعاةُ هو السَّلامُ الأحمرُ
وَضعوه كالبُركانِ يَهدأُ تارةً / يبغي السّبيلَ وتارةً يتفجّرُ
نارُ القتالِ تشبُّ بين سُطورِه / ودَمُ الضّعيفِ يَسيلُ منه ويقطرُ
كيلوجُ مُؤْتَمِرٌ يُشاوِرُ صَحْبَهُ / والسّيفُ يضحكُ والمدافِعُ تسخرُ
يَقضي ويَحكمُ في الشُّعوبِ وخلفه / قاضٍ يَجورُ وحاكمٌ يَتَجبَّرُ
يَجري الأَذَى في مُستَبدِّ قَضائِه / مِلءَ الزّمانِ ويستفيض المُنْكَرُ
رَكب العَمَى فإذا الضَّلالُ سبيلُه / وإذا الهَوَى إنجيلُه المُتخيَّرُ
زُلْفَى المُقرّبِ في أثيمِ كِتابِه / أُمَمٌ تُقَتَّلُ أو شعوبٌ تُنْحَرُ
انظُرْ إلى القتلى تَضِجُّ دِماؤُها / وَإلى المَصارعِ تقشعِرُّ وتَجْأَرُ
في كُلّ يَومٍ للسياسةِ حُجَّةٌ / يَمْضِي الحُسامُ بها وتَقْضِي العسكرُ
وِيلسُونُ يعرفها ويَشهدُ أنّها / فصلُ الخطابِ وإن أَبَى المُتذَمِّرُ
وضع الشرّائعَ لِلشُّعوبِ كثيرةً / فإذا الذي وضعَ الأئمةُ أكثرُ
الأرضُ ميراثُ القَويِّ فإنْ مَضَى / يبغي الزيادةَ فالسّماءُ المظهرُ
أعِدِ الرَّجاءَ وجَدِّدِ الأَمَلا
أعِدِ الرَّجاءَ وجَدِّدِ الأَمَلا / وأَقِمْ لَنا مِن قَومِنا المُثُلا
وَاجْمَعْ على دينِ الهُدَى أُممَاً / غَابَ الهُداةُ فَضَلَّتِ السُبُلا
عَكَفَتْ عَلَى الأصنْامِ واتَّخذَتْ / دينَ العَمَى من دينها بَدَلا
مَلَك الغُواةُ عُقولَها فهَوَتْ / وَعَصَتْ مِنَ النُّصَحاءِ من عَقَلا
ضاقتْ بهم ذَرْعاً وأَهْلَكها / مَا قَالَ فَاسِقُها وَمَا فَعَلا
أُمَمٌ يَظَلُّ الجَهْلُ يَقْتُلُها / فَتزيدُ جَهْلاً كُلّما قَتلا
حَارَ الطَّبِيبُ ورَاحَ مِن أَسَفٍ / يُلقِي العُلومَ ويَنبذُ الحِيَلا
حَمَلَ الدَّواءَ لَها فَأَعْجَبَها / أن تَحمِلَ الأَدواءَ والعِلَلا
مَاذَا عَلى الأقْوامِ إذْ عَبَدُوا / أَهْواءَهم أنْ يَعبُدوا الهُبلا
ماذا يُعاني الشّرقُ من مِحَنٍ / تَمحو الشُّعوبَ وتَمْسَحُ الدُّوَلا
يا وَيْلَتا لِلقَومِ إن هَلَكوا / هَلْ يَملِكوَن لأمرِهمْ حِوَلا
إيهٍ مُحبَّ الدّينِ مِن رَجُلٍ / مَا جَازَه مَن يَنْشُدُ الرَّجُلا
نَزَّهتَ حُبَّكَ عَن مفاسِدِها / دُنيا تَزِيدُ مُحِبَّها خَبَلا
ولَزْمتَ رَبَّكَ لا تُفارِقُه / تَبغِي الخَسيسَ وَتَتْبعُ الهَمَلا
أَعطاكَ مِن رضِوانِه قَلماً / ما نامَ عَن حقٍّ ولا غَفَلا
لولا تُسَكِّنُ مِن حَمِيَّتهِ / عِندَ احْتِدامِ البأسِ لاشْتَعلا
أَحْبِبْ بِه مِن مَاجدٍ بَطلٍ / ما انْفَكَّ يَصْحَبُ مَاجِداً بَطَلا
ما اختار إلا الجِدَّ يَجْعَلُه / نَجواهُ إن قَلمُ امرئٍ هَزَلا
لُغةٌ يُناجي اللهَ قَارِئُها / في فتحهِ وَيُحادثُ الرُّسُلا
يا فَتحُ زِدْنَا حِكمةً وَهُدىً / إنّا نَخافُ الزَّيْغَ وَالزَّلَلا
بَيِّنْ لنا سُبْلَ الأُلىَ رَشَدُوا / وَاضْرِبْ بِسَيْفِ الله مَن عَدَلا
واسْطَعْ بِدُنْيانا التي اعْتكَرَتْ / نُوراً على الأيّامِ مُتَّصِلا
يا فتحُ قُلْها غَيْرَ كَاذبةٍ / أفَمَا رَأيتَ الحادِثَ الجَلَلا
أعَمْىَ يَقودُ النَّاسَ في بَلَدٍ / أَعْمَى يُعظِّمُ قَدْرَ مَن جَهِلا
ما مَنْ تَولَّى الحقَّ يَنصرُهُ / ويَصُونُ بَيْضَتَهُ كمن خَذَلا
هَتفَ البشيرُ به وحَانَ الحينُ
هَتفَ البشيرُ به وحَانَ الحينُ / فأَضاءَ وَجهٌ واسْتنارَ جَبينُ
وبَدَتْ مواكبُه حِساناً طلقةً / فَشَدا اللّهيفُ وغَرَّدَ المحزونُ
وَيحِي أأنتَ انْشقَّ قَبرُك وانْقَضى / عَبَثُ الخُطوبِ ورأيُها المأفونُ
إن غِبْتَ عن نَظرِ العُيونِ هُنيهةً / فَقلوبُنا الحرَّى عليكَ عُيونُ
ماذا تَظنُّ بِكَ البلادُ وأهلُها / تلك القيامةُ لو يكون يقينُ
مَن أطلقَ الأفكارَ من أوهامِها / أَيَظلُّ طُولَ الدّهرِ وَهْوَ سجينُ
أوَلَمْ يقولوا مِحنةٌ حاقَتْ بنا / هَيهاتَ يكشُفها فتىً مَفتونُ
أَلَهُ جُنودٌ حوله محشودةٌ / وبَوارجٌ مَبثوثةٌ وسَفِين
هذا الذي بَعثَ الشُّعورَ وبَثَّهُ / مِلءَ الكنانةِ والشُّعورُ دَفينُ
نَادَى بلادِي فَاسْتجابتْ أُمّةٌ / ليست بغيرِ هَوى البلادِ تدينُ
تبغي الحياةَ عزيزةً ويَغيظُها / أن يُستباحَ من اللّيوثِ عَرينُ
أَبَتِ القُعودَ مع الخوالفِ بعدما / أَخذَ اللّواءَ القائدُ الميمونُ
ومَضَتْ تذودُ اليأسَ عن آمالها / وتُعلِّمُ الأحداثَ كيف تلينُ
هذا الذي شَرعَ الجهادَ لِقومِه / فَهَدى الكتائبَ نهجُه المسنونُ
إنّ المُضلَّلَ في الحياةِ لَمن يَرَى / أن الحياةَ وَساوِسٌ وظُنونُ
هيَ ما رأيتَ فكلُّ شيءٍ دونها / إن كنتَ تكرَهُ أن تضامَ يَهونُ
إنّا وَفَيْنا للبلادِ فلم نَخُنْ / والدّهرُ يَظلِمُ والخُطوبُ تَخونُ
نَسخُو بأَنفُسِنا نُريدُ حياتها / إنْ صَدَّ هَيّابٌ وكفَّ ضنينُ
خَلَتِ المنازلُ منكَ والأوطانُ
خَلَتِ المنازلُ منكَ والأوطانُ / وقَضَى عَليكَ قَضاءَهُ الحِدثانُ
أوَ لم تكن بالأمسِ صَرحْاً قَائماً / لِصُروفِ دَهرِكَ حَوْلَهُ رَجفَانُ
جَثَمَتْ جَوانِبُه على آسَاسِها / وسَمَتْ إلى غَاياتِها الأركانُ
ما زالتِ الأقدارُ تَعصِفُ ريحُها / حتّى تَهدَّمَ ذَلكَ البُنيانُ
يا مُنصِفَ الإسلامِ من أعدائهِ / لا الظُّلمُ جَاوَزَهُ ولا العُدوانُ
أَتنامُ عَن حَالٍ تظلُّ لِمثلها / تَهفو القُبورُ وتَفزعُ الأكفانُ
قُمْ لِلكفاحِ فَلاتَ حِينَ هَوادةٍ / ضَجَّ الصَّريخُ وجَالتِ الفُرسانُ
الحربُ يَقْظَى والجنودُ بَواسِلٌ / فَمَتَى يُفيقُ القائدُ الوَسنانُ
قُم في سِلاحِكَ مَا لِمثلِكَ صَاحبٌ / إلا حُسامٌ قاطعٌ وَسِنَانُ
ماذا يظنُّ أُولوا الحِفاظِ بِبَاسلٍ / عَالي اللّواءِ سِلاحُه القرآنُ
مُتجرِّدٌ للهِ حَشْوُ قَميصهِ / تَقْوَى وَمِلءُ فُؤادهِ إيمانُ
يَرْمِي ويُرْمَى لا يَضِنُّ بِنَفْسِهِ / إنّ الضَّنينَ بِنَفْسِه لجبانُ
يَنهاهُ عن حِرصِ الغَبيِّ وَجُبْنِهِ / أنّ المحَارِمَ بالدّماءِ تُصانُ
سَيفٌ بأعناقِ الغُواةِ مُوكَّلٌ / تَعْفَى السُّيوفُ وَحدُّه يَقْظانُ
عَضْبُ المضاربِ مُشرِقٌ ذُو رَوْنَقٍ / تهفو الحُلومُ إليهِ وَهْيَ رِزانُ
للهِ فيه يَدٌ يُضئُ شُعاعُها / سُبُلَ الحياةِ وللنبيِّ لِسانُ
أوَ ما رَأَيْتُم كيف كان يَزِينُه / للحقِّ نُورٌ سَاطِعٌ وبَيانُ
عبدَ الحميدِ ألا تَهزُّكَ صَيْحَةٌ / فَزعتْ لها الأقطارُ والبُلدانُ
أَلقَى بها الإِسلامُ ناراً تَرْتَمي / فَإذا الجوانحُ والقُلوبُ دُخانُ
جَاشَتْ لِفقدِكَ نَفْسُه وطغَى الأَسَى / في قلبهِ فَكأنّه البُرْكانُ
أَوَ لم تكن لِلمُسلمينَ مثابةً / يَأوِي إليها الشِّيبُ والشُّبَّانُ
لَكَ في مُقارعةِ الخُطوبِ مَواقِفٌ / فيها لقومِكَ عِصمةٌ وأمانُ
يُؤذيكَ أن يُرْمَى الضّعيفُ بِظالمٍ / شَرِسِ الخلائقِ دَأبُهُ الطُّغيانُ
ويُثيرُ سُخْطَكَ أن يضيعَ لِمُسلمٍ / حَقٌّ ويَغشاهُ أذىً وهَوانُ
ما كُنتَ كالجافي يَبيتُ مُنعَّماً / وتَبيتُ تُعوِلُ حوْلَهُ الجيرانُ
المسجدُ الأقصَى لِموتِكَ خَاشِعٌ / والبيتُ بَعدَك جَازعٌ أَسْوَانُ
وعلى المدينةِ مِن مُصابِكَ آيةٌ / هِيَ لِلأسَى وكتابهِ عُنوانُ
لمّا خَلَتْ مِنكَ المنابرُ بغْتةً / لم يَخْلُ مِن أَسَفٍ عَليكَ مكانُ
لَكَ مِن زَمانِكَ بالبقاءِ وطُولهِ / وَمِنَ الحَوادِثِ ذِمّةٌ وضَمانُ
تَتنازعُ الأجيالُ ذِكركَ طَيِّباً / عَبِقاً وتَهتفُ باسمكَ الأزمانُ
ما لِلبلَى في العبقريّاتِ العُلىَ / أمرٌ يُطاعُ ولا لَهُ سُلطانُ
سِرْ في الدُّهورِ وقُمْ على هَاماتِها / عَلَماً يُضييءُ فَتهتدِي الرُّكبانُ
وَاطْوِ الجِواءَ إلى مَكانِكَ صَاعِداً / فَمداكَ حيثُ تُحلِّقُ العِقبانُ
ما زِلتَ تَجتازُ المنازلَ تَبْتغِي / ما يَبتغِي المُتزوِّدُ العَجلانُ
حتّى حَللتَ من الإلهِ مَحلّةً / ما جازها عُمرٌ ولا عُثمانُ
أَنْعِمْ بهِ جاراً وَطِبْ نَفْساً فما / سَقطَ اللّواءُ ولا خَلا المَيْدانُ
الجُندُ سَمحٌ والخليفةُ صَالحٌ / والأمرُ وَافٍ ما بهِ نُقْصانُ
واللهُ نِعمَ المُستعانُ إذا الهَوَى / غَلبَ النُّفوسَ وقَلَّتِ الأَعْوانُ
لِلحقِّ صَوْلَتُه وشِدّةُ بأسهِ / وَلِمَنْ يُحارِبُ جُندَه الخِذلانُ
لولا صَرامَتُه وقُوَّةُ بَطشِه / ما عَزَّ مَظهرُه وجَلّ الشَّانُ
الأرضُ حَيرَى ما يزالُ هُداتُها / في غَمْرَةٍ وكأنّهم عُميانُ
لِلشَّرِّ زلزالٌ تَبيتُ شُعوبُها / ترتَجُّ منه وللأَذَى طُوفانُ
الوَحْشُ تَعجبُ أُسْدُها وَذِئابُها / ممّا يَجئُ ويَصنعُ الإنسانُ
انْظُرْ إلى الدُّنيا وسَلْ سَاداتِها / أَيُصانُ فيها للضّعيفِ كِيانُ
أهِيَ المطامعُ أهلكت عُبّادَها / دُنيا الحضارةِ أم هي الأوثانُ
مَن لي بملءِ المَشرِقَينِ بَيانا
مَن لي بملءِ المَشرِقَينِ بَيانا / وبما وَراءَ النَيِّريْنِ مَكانا
رُمْتُ الرّثاءَ فَما ظَفِرتُ بِمنبَرٍ / يَسَعُ الرّثاءَ ولا وَجدتُ بَيانا
ضَاقَ البيانُ وبَرَّحتْ بِي لَوْعةٌ / مَلكتْ عليَّ الصّبرَ والسُّلوَانا
يا طُولَ همِّي مَاتَ مَن كُنّا بهِ / نَنْفِي الهُمومَ ونكشفُ الأحزانا
الصّادعُ الأزماتِ يَتركُ لَيْلُها / أَهْدَى الهُداةِ مُضَلَّلاً حَيْرانا
والرَّادعُ الأحداثَ تَلتهِمُ القُوى / وتُغادِرُ البَطَلَ الشُّجاعَ جَبانا
ما اسْتصرخَتْهُ بِلادُه في نكبةٍ / إلا رأته الماجِدَ المِعوانا
رَجَفَتْ قَضيَّتُها أَسىً وتَفزّعتْ / ذُعراً فَكانَ لها حِمىً وأمانا
مَكَر القُضاةُ فَقِيلَ ما بُرهانُها / حتَّى انْبَرى فكفاهُمُ البُرهانا
مَالوا بِميزانِ الحُقوقِ مع الهَوَى / فَأقامَ في أيديِهمُ المِيزانا
المالُ أَيْسَرُ ما أَضاعَ ولم يَضِعْ / مالٌ شَفَى مِن دَائها الأوطانا
أوَ لَمْ تكن أَعْلَى الذَّخَائرِ لامْرئٍ / يَبغِي الغِنَى وأَجلَّها أَثْمانا
والمرءُ إن هَانتْ عليه بلادُه / وَجدَ الحياةَ مَذلَّةً وهَوانا
كَذَبَ المُضلَّلُ لن يَصونَ كِيانَهُ / مَن لا يَصونُ مِن البلادِ كِيانا
كانت بلاغةُ فولكَ مِن نَفحاتهِ / لمّا اسْتَثارَ بَيانَهُ الفَتَّانا
نفحاتُ سمحٍ هَيّجتهُ حِسانُها / فَمَضى يُردِّدُ صَوتَه الرَّنّانا
أيّام ينصرُ حقَّ مصرَ ويَبتغي / لِحُماتِها الأنصارَ والأعوانا
لمّا دَعا الأحرارَ من غُرمائِها / لم يُلْفِهمْ صُمَّا ولا عُميانا
أبطالُ سعدٍ يعرفون مُحمّداً / أيَّ الرّجالِ على الشّدائدِ كانا
ما كان إلا صَخرةَ الحقِّ التي / لانَ الحديدُ وبَأسُها ما لانا
ما أَنْجَبتْ مِصرٌ أشدَّ صرَامةً / مِنه وأثبتَ في الخُطُوبِ جَنانَا
تهفو الوَساوِسُ بالنُّفوسِ ونفسُه / مِلءُ الزَّمانِ وأهله إيمانا
سَلْها لِتعلمَ أيَّ خَطبٍ خَطبها / إن كُنتَ تَبغِي العِلمَ والعِرفانا
لمّا سَقوهُ النَّفْيَ مُرّاً طَعمُهُ / وَجَدوهُ حَرّانَ الحَشا ظَمآنا
لذَّتْ مَذاقتُه فلولا أَنَّهُ / جَمُّ الوقارِ طَوَى المَدَى نَشْوَانا
لم يُنكرِ المَنْفَى ولم يَعْدَم بهِ / مِن عزمهِ أهلاً ولا جِيرانا
جَمَعَ الحُماةَ بدارهِ فَتألَّفُوا / بعد الشِّقاقِ وأصبحوا إخوانا
عَقدوا العُهودَ بها لِمصرَ على يَدٍ / تَشفِي الصُّدورَ وتَنزعُ الأَضْغَانا
ما كان أعجبَ أمرَهم إذا أَطفَأُوا / نُورَ السلامِ وأَوْقَدوا النِّيرانا
يَرْثُونَ لِلوطنِ الجريحِ وقد غَدَوْا / حَرباً على الوطنِ الجريحِ عَوانا
نَزَلُوا بِسَاحَةِ ماجدٍ مُتكَرِّمٍ / لم يَألُهمْ بِرّاً ولا إحْسَانا
ومَضوا بِعافِيةٍ يَقولُ كبيرُهم / حَيَّاكَ رَبُّك مِن أبٍ يرعانا
إنّ الذي يبني الصُّفوفَ لِقومهِ / لأَجَلُّ مَن رَفعَ الذُّرَى بُنيانا
حكمَ البِلادَ فَسارَ سيِرةَ عادلٍ / يَأبَى الأذَى ويُجانِبُ العُدوانا
ويُقيمُ مِيزانَ الأمورِ بِحكمةٍ / تُعطِي الضعيفَ من القويِّ ضَمانا
بَثَّ الحَضارةَ في المدائِنِ والقُرَى / وأجالَ في أرجائِها العُمرانا
وأعدَّ لِلمَرْضَى الحياةَ قَويَّةً / تَبنِي النُّفوسَ وتَدْعَمُ الأبدانا
الحكمُ يَعرِفُه نَبيلاً كَابِراً / ما زَادَهُ جَاهاً ولاسُلطانا
وَرِثَتْ مَناقِبُه مَناقبَ بَيْتهِ / فَبِأيِّ مَنْقَبةٍ أرادَ ازْدَانا
بَيتٌ بَنَى الإسلامُ حَائطَ مَجدِه / وَحمىَ الجوانبَ منه والأركانا
دَارَ الزمانُ وما يزالُ كعهدهِ / يَأْبَى الصَّغارَ ويُنكِرُ الدَّوَرانا
لَكَ يا مُحمّدُ في المَفاخرِ رُتبةٌ / مَلكتْ عليَّ الوَصفَ والتِّبيانا
جَالدتَ هندرسونَ بالرّأيِ الذي / يُعيِي الدُّهاةَ ويَغلبُ الشُّجْعَانا
أَعْطَتْ على يَدِكَ السِّياسةُ ما أَبَتْ / أقطابُها أن تُعطِيَ الأقرانا
أَرْضَيْتَ قَومَكَ بالفعالِ كريمةً / تَرجو بها مِن رَبّكَ الرّضوانا
وغَضِبتَ للفلّاحِ غَضْبَةَ مُكرِمٍ / لِلنّيلِ يَأنَفُ أن يَراهُ مُهانا
اللهُ أَلهَمَهُ الهُدَى وأقَامَهُ / رَمزاً لمجدِ النّيلِ أو عُنوانا
يا مُكرِمَ الأدبِ الرّفيعِ فَجعتَهُ / وتَركتَهُ في خَاطِري أشجانا
أَوليْتَني البرَّ الجزيلَ فلم أَجِدْ / مِن قبلُ بِرّاً مِثلهُ وحَنانا
ما أنتَ بالجافي ولا أنا بالذي / يَرْضَى الجُحودَ ويُؤثِرُ النِّسْيانا
إنّي لأَذكُرها خِلالاً سَمْحةً / وخَلائقاً تُصبِي الكريمَ حِسانا
يا معشرَ الأحرارِ صَبراً إنّه / قَدَرٌ جَرَى ومُصابُ شَعْبٍ حَانا
أنتم على الأيّامِ عَوْنُ بلادِكم / إن أَزمعتْ أحداثُها طُغْيانا
رُدُّوا على مِصرَ القَرارَ وأَمْسِكُوا / بِيَدِ التَّجلُّدِ دَمْعَها الهتَّانا
نِعمَ الخليفةُ في السّياسةِ شَيْخُكُم / إن ضَلَّلتْ شُبهاتُها الأَذْهانا
هُوَ مَنْ عَلِمنا في القضيّةِ شَأنَهُ / بُوركتَ من شيخٍ وبُوركَ شانا
أُمَمَ العُروبةِ جاءَ يومُكِ فاعْلَمِي
أُمَمَ العُروبةِ جاءَ يومُكِ فاعْلَمِي / وإلى مكانكِ فانهَضِي وتقدَّمي
لَكِ في فَمِ الأحداثِ دعوةُ صارخٍ / ينفِي القرارَ عن الشُّعوب النُوَّمِ
فَدَعِي المضاجِعَ وانْفُضِي عنكِ الكَرَى / وخُذِي السّبيلَ إلى المَقامِ الأعظمِ
ضُمِّي القُوَى وتَجمَّعِي في وَحدةٍ / عربيّةٍ تحمي اللِّواءَ وتحتمي
لا تُؤثِري العيشَ الذّليلَ وجَانِبِي / خُلُقَ الضَّعيفِ وشِيمةَ المُسْتَسْلِمِ
هذا السَّبيلُ لِكُلِّ شعبٍ ماجدٍ / عالي اللِّواءِ إلى العُروبةِ ينتمي
وإذا الْتَمَسْتِ الأصدقاءَ فخيرُهم / مَن شدَّ أَزْركِ والحوادثُ ترتمي
يَرْعَى الذِّمامَ إذا تَنكَّرَ غيرُه / ومَضَى بعافيةٍ كَأنْ لم يأثَمِ
يُعطي السَّويَّةَ لا يُجاوِزُ حُكْمَها / وإذا تمرَّدَ ظالمٌ لم يَظْلمِ
لِلشّرقِ حُرْمَتُه فمن يَعْبَثْ بها / يَلْقَ الهَوانَ ومن يَصُنْها يَغْنَمِ
وإذا العروبةُ لم تَصُنْ أمجادَها / فَبِمَنْ تُصانُ وفِيمَ شكوى اللُّوَّمِ
هذا زمانٌ ليس يفهمُ أهلُه / إلا حديثَ النّارِ أو لُغةَ الدَّمِ
كَثُرتْ لغاتُ العالمين وهذه / أوفىَ بياناً في اللّسانِ وفي الفمِ
القُوَّةُ الدُّنيا فَمَنْ يَظْفَرْ بها / يظفرْ بِدُنيا الغالبِ المُتَحكِّمِ
والعدلُ أكثر ما يكون حَديثُه / أُنْشُودَةَ الجانِي ودَعْوَى المجرِمِ
أُمَمَ العُروبةِ أين أنْتِ فقد طَغَى / سَيْلُ الأَذَى في موجهِ المُتَضرِّمِ
هذا هو الطُّوفانُ إن تَتَهَيَّبي / يُطْبِقْ عليكِ وإن تَهُبِّي تُعْصَمي
هُبِّي فما يُغنِي التردُّدُ واذكري / نَهَضاتِ قومِكِ في الزّمانِ الأقدمِ
نِعْمَ السّبيلُ إلى الحياةِ سبيلُهم / فَتَتَبَّعِي آثارَهُمْ وتَرَسَّمي
دَعَمُوا الممالكَ بالأَسِنّةِ وابْتَنُوا / مجداً بغير سُيوفِهم لم يُدْعَمِ
تَهوِي العروشُ لِذكرِهم وكأنّما / تَرمِي بِشَتَّى من صواعِقَ رُجَّمِ
هزموا القُوَى ومضوا إلى غاياتِهم / في الفاتحينَ بقوَّةٍ لم تُهْزَمِ
أُمَمَ العُروبةِ لا نجاةَ لِمُدْبِرٍ / يبغِي النّجاةَ ولا حَياةَ لِمُحْجمِ
ما في الصَّوادعِ وهي شَتَّى كالذي / صَدَعَ القُوَى من أمرِكِ المُتَقَسَّمِ
كُوني جميعاً فالتفرُّقُ لم يَزَلْ / مُذْ كانَ من نُذُرِ القضاءِ المُبْرَمِ
إنّ البناءَ إذا تَماسَكَ فَاسْتَوَى / لم يضطرِبْ ضَعفاً ولم يَتَهَدَّمِ
والضَّعفُ للضَّعفِ المُهَدَّدِ قُوَّةٌ / تَمضِي فتدفعُ قُوّةَ المُتَهجِّمِ
الشرّقُ ينظرُ أين يذهبُ أهْلُه / ويخافُ عاديةَ النُّسورِ الحُوَّمِ
ويُهيبُ باللّاهينَ من أبنائِه / يَخْشَى عليهم حَسْرَةَ المُتَنَدِّمِ
أُمَمَ العُروبةِ جَدَّ جِدُّكِ فانْظِمي / من عِقدِكِ المنثورِ ما لم يُنْظَمِ
لَكِ أنْ تَسُودِي تحت رايتِكِ التي / خفقتْ لها الدُّنيا فَسُودِي واسْلَمي
مَرْأىً من الملأ العليِّ ومظهرُ
مَرْأىً من الملأ العليِّ ومظهرُ / أين البيانُ لِمثلهِ والمِنْبَرُ
جبريلُ يهتف والنبيُّ كعهدِه / بين الصُّفوفِ يرى الوجوهَ وينظرُ
والسّبعةُ الفقهاءُ في ترتيلهم / للذِّكرِ والملأُ الأماثلُ حُضّرُ
غُضّوا النّواظرَ خاشعين أوِ انْظُروا / هذا عليٌّ في الندِيِّ وجعفرُ
اللهُ أنزلَهُ كِتاباً قيّماً / يَصِفُ الحياةَ لِكُلِّ من يتدّبرُ
هُوَ نُورُه وسَبيلُه ما مِثلُه / نُورٌ يُرامُ ولا سَبيلٌ يُؤثَرُ
من ضَلَّ فيه فمالَهُ من عاذرٍ / والمرءُ يَخبِطُ في الظّلامِ فَيُعْذَرُ
دينٌ يَفيِضُ هُدىً ودُنيا طَلْقةٌ / مِثلُ الرّبيعِ النّضرِ أو هي أنضرُ
دُنيا القياصرِ أَو هِيَ الدُنيا التي / زَحفَتْ طلائِعُها فأدبر قيصرُ
ما خَطْبُنَا بين الشّعوبِ أما كفى / أنّا نُعابُ بديننا ونُعيَّرُ
سَادُوا بِباطِلِهمْ ودَاسُوا حقَّنا / ولَنَحْنُ أخْلَقُ أن نَسُودَ وأجْدَرُ
يا قومنا هل تَعْرِفُون كِتابكم / أم ليس فيكم مُؤمِنٌ يتذكَّرُ
عُذْراً فقد عَظُمَ البلاءُ فهاجني / حتّى لأَحْسَبُ مُهجَتِي تتفجَّرُ
وكأنّ في كَبِدِي وبين جَوانِحي / ناراً مُؤجَّجَةً تجيشُ وتَهْدِرُ
إن تَجْهَلُوُه فإنّه السِّر الذي / يُحيي النُّفوسَ إذا تَموتُ وتقْبَرُ
وهو الحِمى المأمولُ يَعْصِمُنا إذا / جَرَتِ الأُمور بما نَخافُ ونَحْذَرُ
ماذا نخافُ وَكُلُّ حَرْفٍ مَعقِلٌ / وَلِمَنْ ندينُ وكلُّ سطرٍ عسكرُ
هو قُوَّةُ الإسلامِ ما من قوّةٍ / تُرْمَى بها إلا تُرَدُّ وتُقْهَرُ
إنّا لننصرُ ربَّنا ونُعِزُّه / ولَنَحنُ أَوْلَى من يُعِزُّ ويَنْصُرُ
كَذَبَ الألُىَ ظَنُّوا الظُّنونَ بِقَوْمِنا / هل يُبصِرُ الأَعْمَى ويَعْمَى المُبصِرُ
زَعَمُوا الحَضَارةَ لم تَقُمْ إلا على / أَيمْانهم والحقُّ ضاحٍ مُسْفِرُ
أمِنَ الحضارةِ هَذِهِ الفِتَنُ التي / باتت لها الدُّنيا تَضِجُّ وتَجْأرُ
نَشِطوا فتلك مَمالكٌ يُرْمَى بها / بين العواصفِ أو شعوبٌ تُنْحَرُ
يَرْمُون باسْمِ الحقِّ وهو خَصيمُهم / فيما يُراقُ من الدّماءِ ويُهْدَرُ
هل قام لِلعُمْرانِ رُكنٌ لم يَقُمْ / منهم إليهِ مُخَرِّبٌ وَمُدَمِّرُ
ذَبَحُوا السَّلامَ فَمِنْ دِماءِ ذَبِيحهِم / في كلِّ أرضٍ لُجّةٌ تتسعَّرُ
الحربُ سُوقٌ والنُّفوسُ تجارةٌ / بِئْسَ التِجارُ همو وبئسَ المتجرُ
طَغَتِ النُّفوسُ فظالمٌ لا يرعوِي / عن ظُلمهِ ومُشاغِبٌ لا يُقْصِرُ
كُنّا الغُزاةَ الفاتحينَ فلم يَكُنْ / منّا امرؤٌ عاتٍ ولا مُتَجَبِّرُ
إنّا لَيمنعُنا الكتابُ المُنْتَقَى / ويَردُّنا الدّينُ الأَبَرُّ الأَطْهَرُ
يا مُنْصِفِي القرآنَ من أعدائهِ / أَنتُمْ لِقَوْمِكُمُ العَتادُ الأكبرُ
هذا سَبيلُ المُؤمنينَ لكم بهِ / أجرُ المُجاهدِ والمجاهِدُ يُؤْجَرُ
أَنُريدُ رحمةَ رَبِّنا وكِتَابُهُ / يُجْفَى على مَرِّ الزَّمانِ ويُهْجَرُ
أنتم فريقُ اللهِ ليس كَصُنعِكُمْ / صُنعٌ وأنتم حِزبُهُ المُتَخَيَّرُ
الذِّكرُ محفوظٌ بصالحِ سَعْيِكُمْ / باقٍ على الدُّنيا يُذاعُ ويُنْشَرُ
يَزَعُ النُّفوسَ عن الهَوَى ويَرُدُّها / عما يَعيبُ من الأُمورِ ويُنْكرُ
ويُقيمُ لِلأخلاقِ من آياتِه / صَرْحاً تُراعُ له الصُّروحُ وَتُذْعَرُ
يُعطي المَقَاوِمَ والمَواقِفَ حقَّها / فَمُبَشِّرٌ آناً وآناً مُنْذِرُ
اللهُ أَكْرَمَكُم به وأَحَبَّكم / والله يُكرِمُ من يُحبُّ ويَشْكُرُ
لا اليومُ يومك إذ وُلِدتَ ولا الغدُ
لا اليومُ يومك إذ وُلِدتَ ولا الغدُ / يا ليت أنّك كلّ يوم تُولَدُ
عاد الظلامُ كما عَهدتَ وهذه / دُنيا الجهالةِ والأَذى تَتجدّدُ
ما ذاق مهلكه أبو جهلٍ ولا / أودى أبو لهبٍ وربُّك يَشهدُ
في كلّ أرضٍ منهما مُتجبِّرٌ / يأبى الرّشادَ وظالمٌ يتمرّدُ
وعبادةُ الأصنامِ قام دُعاتُها / مِلءَ الممالكِ ما على يدهم يَدُ
فلكلِّ قومٍ من سفاهةِ رأيهم / ربٌّ يُعظَّمُ أو إلهٌ يُعبَدُ
قُمْ يا محمّدُ ما لحقِّكَ ناصرٌ / حتّى تَقومَ وما لدينك مُنجِدُ
قم في جنودك غازياً وافتح بهم / دنيا الجحودِ لأُمّةٍ لا تَجْحَدُ
تمشي على نُورِ الكتابِ فتهتدي / وتُقيمُ آداب الحياةِ فتسعدُ
جَدِّدْ لنا أيّامَ بدرٍ إنّها / أيّامُنا اللّاتي نُحِبُّ وَنحْمَدُ
حَفِظَتْ على الإسلامِ يَانِعَ غرسِه / والجاهليّةُ بالقَواضبِ تُحْصَدُ
غَرْسٌ نَما فالأرضُ من بَرَكاتِه / تُعطِي الحياةَ كريمةً وَتُزَوِّدُ
قُمْ يا رسولَ الله وانْظُرْ هل تَرَى / إلا شعوباً غابَ عنها المَرْشَدُ
نامتْ سُيوفُك بعد طُولِ سُهادِها / فاسْتَيْقَظَ الغاوي وهَبَّ المُفْسِدُ
عَمَّ الفسادُ فلا صَلاحٌ يُرْتَجَى / لِلعَالَمينَ ولا فَلاحٌ يُنْشَدُ
الأمرُ فوضَى والحياةُ ذميمةٌ / والشَّرُّ لا يَفْنَى ولا هو يَنْفَدُ
دُنيا الهوى ترمِي الشُّعوبَ من الأذَى / ومن العَذابِ بِعاصِفٍ لا يركدُ
انْظُرْ إلى أيّامِ عادٍ إذ طَغَتْ / وثمودَ يبعثُها الزّمانُ الأنكدُ
أَسَفِي على الإِسلامِ هَانَ عَرينُه / وعَدَا عليه الفاتِكُ المُسْتَأسِدُ
إنَّ الذي جَمَعتْ سيوفُ مُحمّدٍ / أَمْسَى بأيدي المُسلِمينَ يُبَدَّدُ
ما أَوْجَعَ الذكرَى ويالكِ لوعةً / في قلبِ كل مُوَحِّدٍ تَتَوقَّدُ
يا مَوْلِدَ النُّورِ الذي صَدَعَ الدُّجَى / فَرأَى السَّبيلَ الحائِرُ المُتَردِّدُ
السُّبْلُ خافيةُ المعالِمِ والهُدَى / قوْلٌ يُقالُ ومَطْلَبٌ لا يُوجَدُ
طَالَ الرّجاءُ فهل لنا مِن مَوْعِدٍ / وَاحَسرتَاهُ مَتَى يَحينُ المَوْعِدُ
ذَهبَ الزَّمانُ فَمَنْ لنا بِبَقِيَّةٍ / منه تُحَلُّ بها الأُمورُ وتُعْقدُ
الناسُ مُعْوَجُّ السّبيلِ مُضلَّلٌ / ومُوَفَّقٌ في العالمينَ مُسَدَّدُ
ربِّ اتَّخِذْ لِلمُسلِمينَ سبيلَهم / فإلَيْكَ مَرْجِعُهم وأنت المَقْصِدُ
فَزِعُوا إليكَ فَكُنْ لهم لا تُقْصِهِمْ / عن بابِ رحمتِكَ الذي لا يُوصَدُ
مَنْ كانَ يَسْألُ في الشّدائِدِ مَنْ لَنا / فالله جلَّ جلالهُ ومُحمَّدُ
نهض الشبابُ وجالتِ الآمالُ / والمجدُ أجمعُ نهضةٌ ومجالُ
نهضت قُوى الجيل الذي انتفضت له / وتطلّعت من حوله الأجيالُ
للدّهر منه ومن عجائبِ صنعِه / مَثَلٌ يُريهِ بلاءَه فَيُهالُ
دفعَ الحوادثَ فاعتزلن سبيلَه / ومضى إلى غاياتِه يَنثالُ
جاشت به هِمَمٌ بلغن به المدى / وعلقن بالأقدار وهيَ عِجالُ
هزّ الرّواسِيَ مُقدِماً ما مثله / في البأسِ إعصارٌ ولا زلزالُ
كَلِفٌ بأسباب السّماءِ يُريدها / لو أنّ اسبابَ السّماء تُنالُ
يبني لأُمَّتهِ الحياةَ جديدةً / للعلم فيها روعةٌ وجلالُ
تأبى المعاولُ أن يقرَّ قرارُها / حتّى تُدمّرَ ما بَنى الجُهّالُ
شَرَفُ الشُّعوبِ عُلومُها وحياتُها / أن تَصلُحَ الأخلاقُ والأعمالُ
وإذا الشّبابُ رمى الأمور بعزمِه / عَنَتِ الصِّعابُ وخفّتِ الأثقالُ
ما للأُمورِ إذا التوت أسبابُها / إلا كفاحٌ دائمٌ ونضالُ
خُذْ ما أردتَ بقوّةٍ وادأبْ ولا / يأخذْك ضعفٌ أو يَنَلْكَ مَلالُ
واليأسُ فاصْدِفْ عنه واحْذرْ داءَه / فاليأسُ داءٌ للنّفوسِ عُضالُ
واضرِبْ بما زعم الضّعافُ وجوهَهم / فمن المزاعمِ للعقولِ خَبالُ
وإذا هُمُ ذكروا المحالَ فَقُلْ لهم / ما في الأُمور على الرجالِ مُحالُ
قَعَد الشُّيوخُ عن النّضالِ وهذه / دُنيا الشّبابِ فبوركَ الأبطالُ
صدأُ الحديدِ طغى على آبائهم / وخبا الفِرِنْدُ فما يُفيد صِقالُ
وهوى اللّواء مُعفَّراً وتحطَّمت / حولَ اللّواءِ أسِنّةٌ ونصالُ
أخَذ الشّبابُ لواءَهم وتدافعوا / حيث ارتمتْ تَتدافعُ الأهوالُ
في كلِّ مُعتَركٍ تهون نفوسُهم / فيه وترخصُ عنده الأموالُ
لا المستبيحُ يَعيثُ في أوطانهم / إن رامَ بَيْضتَها ولا المغتالُ
يحمون بالدمِ عِرضَها وهو الحمى / إن رِيع مُعتصَمٌ وخِيفَ مآلُ
العارُ أجمعُ والمهانةُ كلُّها / عِرضٌ بأيدي العابثين مُذالُ
نَفَضَ الشّبابُ العَجزَ عن آمالهِ / والعاجزون على الشُّعوب عِيالُ
وانسابَ يأبى أن يَعيبَ زَمانَهُ / قِيلٌ يضيعُ به الزّمانُ وقالُ
لم يقضِ حاجَتَه ولم يظفرْ بها / في النّاس إلا القائل الفعّالُ
الأمرُ جِدٌّ مابه من ريبةٍ / والبعثُ حقٌّ ليس فيه جدالُ
قُلْ للأُلىَ ظنّوا الظُّنونَ وأرجفوا / لا شيءَ يمنعُ أن تحولَ الحالُ
للهِ أمرٌ في الممالكِ نافذٌ / تجرِي به الأقدارُ والآجالُ
لا تركننَّ إلى الوساوسِ واحترِسْ / إنّ الوساوسَ للنُّفوسِ ضلالُ
لَمِنِ الجلالُ يَفُوقُ كُلَّ جلالِ
لَمِنِ الجلالُ يَفُوقُ كُلَّ جلالِ / أهِيَ العُروبةُ في حِماها العالي
أهِيَ الحميَّةُ هَاجَها مُتَوَثِّبٌ / دَاسَ العرينَ وهمَّ بالرِّئبالِ
تِلكَ الوفُودُ من المشارقِ أَقْبَلَتْ / تَقْضِي الذِّمامَ لِقَوْمِها والآلِ
من كلِّ واضِحَةِ الجَبينِ يَزيُنها / بأسُ الكُماةِ ونجدةُ الأبطالِ
شَتَّى مَناقِبُها تَوارَثَ قومُها / أحسابَ يَعْرُبَ في الزّمانِ الخالي
تَبْغِي الحياةَ عَزيزَةً لِبلادِها / وتَرُدُّ حُكْمَ الطَّامعِ المُغْتالِ
هُنّ ائْتَمَرْنَ بخيرِ دارٍ أُنْشِئَتْ / بالمَشرِقَينِ لِصالحِ الأعمالِ
للناهِضَاتِ الذاَّئِداتِ عنِ الحِمَى / الحامِلاتِ فَوادِحَ الأثقالِ
المُدْرِكاتِ الحقَّ يَفْزَعُ صَارِخاً / ويَضِجُّ بين مَخالِبِ الأغوالِ
أوَمَا كَفَى نَوْمُ الحماةِ وما جَنَتْ / تلك المضاجعُ من أذىً وخَبالِ
شَرَفُ الحياةِ لِكُلِّ نفسٍ حُرَّةٍ / تَأْبَى حَياةَ الضّيْمِ والأذلالِ
والشّعبُ إن خَفَضَ الجَناحَ ولم يَذُدْ / عن حوضهِ أَمْسَى بأسوإ حالِ
هو يا فلسطينُ النِّضالُ وهل نجا / من حَتْفِه وَطَنٌ بغيرِ نِضالِ
لا تُنكِري شِيَمَ النُّفوسِ وأَبْشري / بِأَحَبِّ مُنْقَلَبٍ وخيرِ مآلِ
وثِقِي بربِّكِ إنّه لكِ ناصرٌ / ما مِثلُه من ناصرٍ أو والِ
قُولي لِرُوزْفلْتَ المؤمَّلِ عَدلُهُ / رُوزْفِلْتُ ما لِلظّالمينَ ومالي
أعَليَّ إيواءُ الشرَّيدِ ومن دَمِي / يُسْقَى ويُطْعَمُ بعد قتل عِيالي
شرُّ القُضاةِ سَجِيّةً وأضَرُّهم / قاضٍ يرى الإنصافَ غَيْرَ حلالِ
يا بائِعي عِرضَ العُروبةِ وَيْحَكُمْ / لا تجهلوا عِرضُ العروبةِ غالِ
إن شِئتُمُ البَيْعَ المُباحَ فإنّما / هو بالدّمِ المسفوكِ لا بالمالِ
دنُيا من الأهواءِ إن لم تَسْتَفِقْ / عصفت بها دُنيا مِنَ الأهوالِ
رفعوا على الوهمِ البِناءَ وما دَرَوْا / أنّ الخطوبَ شديدةُ الزِّلزالِ
جَمَحَ الغُرورُ بهم فظنَّ غُلاتُهم / أنّ العروبةَ آذنتْ بِزَوالِ
أَفَما رأوها في منازلِ عِزِّها / غَضْبَى الليوثِ أبيَّةَ الأشبالِ
ذُخْرُ الدُّهورِ فإن تَكُنْ من مِرْيةٍ / بالقومِ فَهْيَ أمانةُ الأجيالِ
إنّي استفدتُ على يدِ الفُضْلىَ هُدَى / أَغْلىَ العِظاتِ وأبلغَ الأمثالِ
كذب الذي زَعمَ المُحالَ لِقومِه / ومَضَى يقولُ مَقالةَ الجُهَّالِ
فَمِنَ العقائلِ للبلادِ معاقِلٌ / ومن الحِسانِ البيضِ بيضُ نِصالِ
كم من أُناسٍ إن نظرتَ رَأَيْتَهُمْ / بين الرجالِ وما هُمو برجالِ
من كُلِّ مُستَلَبِ الحَميَّةِ جامدٍ / واهِي القُوَى مُتخاذِلِ الأوصالِ
جافٍ يَبيتُ الخطبُ يَقْرَعُ قَوْمَه / ويَبيتُ في دَعَةٍ رَخِيَّ البالِ
عزمٌ يُبَرِّحُ بالخطوبِ وهِمّةٌ / تَطْوِي المَدَى وتجولُ كلَّ مَجالِ
أمَمُ العُروبة إن تَتَابَع شُكرُها / فَلِفَضْلِها المُتتابِع المتوالي