المجموع : 149
وضح السَبيلُ فما لهنّ وُقوفا
وضح السَبيلُ فما لهنّ وُقوفا / هِمَمٌ ثَوَيْنَ على الرجاء عُكوفا
يا دهرُ لا ترفُقْ ويا دنيا امنعِي / حتّى يسيرَ العاملون صُفوفا
تأبى العنايةُ أن تُجاوِرَ عاجِزاً / في العالمينَ وأن تزورَ ضعيفا
ثَمنُ الحياةِ لِمَنْ يُريدُ شِراءَها / وافٍ ويحسبه الغبيُّ طفيفا
النّفسُ منه فإن ضننتَ ببذلها / ضَنّتْ عليكَ وغادرتْكَ أسيفا
لكَ في كتابِ اللهِ خيرُ مُعلِّمٍ / فَكُنِ امرأً يَقِظَ الفُؤادِ حصيفا
إنّ الذين على هُداه تعلّموا / وجدوه بَرّاً بالشُّعوب رَؤوفا
يَهديُهم السَّنَنَ السَّوِيَّ ويبتَني / صَرْحَ الحياةِ لهم أشمَّ مُنيفا
كشفَ الظّلامَ عن القُلوبِ فأبصرَتْ / وبدا المُغيَّبُ واضحاً معروفا
الله أنزلَهُ فكان لِخَلقِهِ / نُوراً عَلا سُوَراً وعزَّ حُروفا
مَلكَ الرِّقابَ به أوائلُنا الأُلى / طُبِعُوا عليه أسنّةً وسُيوفا
دفعوا الحوادثَ والصرُّوفَ بأَنْفُسٍ / كانت حوادثَ تُتَّقَى وَصُروفا
من كلّ ماضٍ في الممالكِ نافذٍ / يجري بِمُستَبَقِ الحُتوفِ حُتوفا
يَرِدُ الدّماءَ مُطهَّراً ويخوضها / بَرَّ الوقائعِ والفتوحِ عَفيفا
يُحيي إذا أخذ اللّواءَ لِغارةٍ / بالنّفس يَسلبُها الحياةَ أُلوفا
هي حِكمةُ الإسلامِ يَعرفُ وصفَها / مَن كان من حُكمائه موصوفا
هذا بناءُ المتّقينَ لِربِّهم / لم يجعلوه على الهُدى مَوقوفا
رفعوه في ذاتِ الألهِ وإنّما / رَفعوا بهِ لِلمُسلمينَ أُنوفا
الله أكبرُ هل رأيتم مُؤمناً / عن دينِه وَكِتابهِ مَصروفا
يا قومُ ماذا تسمعون رُوَيْدَكم / إنّي لأَسمعُ في السّماءِ حَفيفا
جِبريلُ يهبط بالتَّحيّةِ فانْهَضُوا / مِلءَ السُّرادقِ هاتفين وقُوفا
اللهُ أكبرُ ما أجلَّ شِعارَنا / إنّا نراه مُحبَّباً مألوفا
قُلْ ما أردتَ فما عليك جُناحُ
قُلْ ما أردتَ فما عليك جُناحُ / أَسُدىً كذلك تذهبُ الأرواحُ
يا للضحايا الحاملاتِ جِراحَها / يُغدَى بها مَحمولةً ويُراحُ
فَتَك السّلاحُ بها حَوَاسِرَ ما لها / غيرُ النُّفوس الوالهاتِ سلاحُ
هتفتْ تُحيِّي مِصرَ في أتراحها / فَتُخرِّمَتْ وتوالت الأتراحُ
أودى رَصاصُ القاذفين بفتيةٍ / هُمْ بالنُّفوسِ لَدَى الفداءِ سماحُ
غَضِبوا لمِصرَ تُصابُ في آمالها / ولِحقِّها الغالي المَصُونِ يُباحُ
عَصفتْ بهم أيدي الرَّدى فكأنّما / عصفتْ بريحانِ الرّياضِ رِياحُ
يتساقطون مُهذَّبا فُمهذَّباً / غضَّ الشّبابِ جَبينُهُ وَضّاحُ
النُّور في دَمِه المُطهَّرِ مُشرِقٌ / والطِّيبُ مُنتشرُ الشَّذَى فوَّاحُ
يا للشبابِ جرَى على آمالهِ / قَدَرٌ من الموتِ الزُّؤام مُتاحُ
ذُخْرُ البلادِ أضاعه أبناؤُها / فمضى يُشِّيعهُ أسىً ونُواحُ
خطبٌ تَبيتُ له المدائنُ والقُرى / شتّى الجراحِ وما درَى الجرّاحُ
لا الليلُ ليلٌ مِن تَطَاوُلِ همِّها / للغائبين ولا الصَّباحُ صباحُ
تبكي على الفتيانِ في آنافِهم / شَمَمٌ وفيهم نَخوةٌ وطِماحُ
بِيضُ الصّحائفِ والمواقفِ ما بهم / خَوَرٌ ولاَ هُمْ بالنّفوسِ شِحاحُ
شهداءُ حربٍ ليس من أبطالها / مَنْ سِلْمُه حَربٌ لنا وكِفاحُ
يُوحي فتنطلق السِّهامُ وما رمى / أيدي الرُّماةِ سِهامُه والرّاحُ
مَلَكَ السّواعدَ والمناكبَ فهي في / يدِه سُيوفٌ للأذَى ورِماحُ
تلك الحلومُ النّازعاتُ إلى الهوى / ما للقضيَّةِ أو تثوبَ نجاحُ
يا قومُ جِدُّوا لا حياةَ لمن يرى / أنَّ الحياةَ مَجانةٌ ومِزاحُ
أنظلّ شتَّى والبلادُ أخيذةٌ / يُودَى بها من حولنا ويُطاحُ
أفما لكم إن قام شعبٌ ناهضٌ / إلا خلافٌ قائمٌ وصياحُ
فيم الخلافُ وقد تبيَّن أمرُكم / أَفتُنكرون الحقَّ وهو صُراحُ
مصرُ الحياةُ فما لمن لا يتّقي / فيها الأُبوَّةَ والبنينَ فلاحُ
داءُ الشعوب الفردُ ليس يُضيرُه / شعبٌ يُضامُ وأُمةٌ تُجتاحُ
ما عذرُ من يأبى الحياةَ لقومه / ويقول مُوتوا والنفوسُ صِحاحُ
الموتُ للمرضى الضّعافِ وهذه / مِصرُ الأبيّةُ قوّةٌ ومِراحُ
نهضت تَسُدُّ على المُغيرِ مجالَه / وتُريه سَدَّ الموتِ كيف يُزاحُ
لم يَثْنِها والظلمُ يَهدِرُ حولها / كالرّعدِ صَوْبٌ للردى سَحّاحُ
تمشي كما مَشَتِ العروسُ يَزينها / مِن ساطعِ الدَّم مِطرَفٌ ووشاحُ
أغلى اللآلئِ قيمةً ما ضمَّ من / تلك القذائفِ تاجُها اللمَّاحُ
نَشْوى ولا غيرَ النُّفوسِ مُراقةً / من حولها خمرٌ ولا أقداحُ
أَهِيَ المآتمُ في البلادِ مُقامةٌ / لِشبابِ مصرٍ أم هي الأفراحُ
ضَرَمُ الحميّةِ يُطفئ الضَرَمَ الذي / يَجدُ الحزينُ ويشتكي المُلتاحُ
أَتُهانُ مصرُ ونحن حول لوائها / الموتُ أكرمُ والقبورُ فِساحُ
مهلاً فلا الحجّاجُ في جَبَروته / يَهوِي بنا صبباً ولا السّفاحُ
إنّا انطلقنا صاعِدينَ لغايةٍ / للمجد مُنطلَقٌ بها وسَراحُ
ماذا يُرادُ بنا وأين حُلومُنا / فَسَدَ الزمانُ فما يُرام صلاحُ
أَيَظلُّ هُورُ على الكِنانةِ نَاعياً / فَيُقالُ غَنَّى البُلبلُ الصَّدّاحُ
أَنَروحُ صُمّاً والحوادثُ رُجَّفٌ / أَنظلُّ بُكماً والخُطوبُ فِصَاحُ
لَسْنَا مِن الضّأنِ الذّليلِ فَترتوي / مِنّا المُدَى ويُبِيدُنا الذّبَّاحُ
لا تَنعمُ الأَرواحُ في عَليائِها / إلا إذا شَقِيَتْ بها الأشباحُ
ما لِلسياسةِ لا المثالبُ عِندَها / سُودُ الوُجوهِ ولا الذُّنوبُ قِباحُ
عِرْضٌ يَشقُّ على الرُّماةِ وَراءَهُ / وَجهٌ يُبرِّحُ بالهُداةِ وَقاحُ
تَلِدُ المظالمَ ثُمَّ تَزعُمُ أنّها / لِلعدلِ بينَ العالَمينَ لَقاحُ
حُكمُ الشرّيعةِ من حَبائلِ مكرِها / والسُّورةُ الغَرّاءُ والإِصحاحُ
خَجلتْ مَسابِحُها وَتِلكَ مُسوحُها / كادت لِطولِ عَذابها تَنْصاحُ
زيدوا مَلائكةَ الحضارةِ إنّه / عَملٌ لَكم وَلِعصرِكم فَضّاحُ
أنتم مَصابيحُ الشُّعوبِ وهذه / دُنيا الظّلامِ أَنارها المِصباحُ
الشرّقُ أَبصرَ في الحياةِ سَبيلَهُ / ومَضَى فَنِعمَ العاملُ الكدَّاحُ
اللهُ أكبرُ من يُكذّبُ وعده / ويظنُّ أن الضيّقَِ لا ينداحُ
بابُ الحياةِ هدايةٌ من نُورهِ / وَلمَنْ يلوذُ بِبابهِ المِفتاحُ
ربِّ أهدنا واجمع قُوى زُعمائِنا / فلعلَّنا نُكفَى الأذى ونُراحُ
أَنظلُّ صرعَى والمصائبُ حولنا / سُودٌ رواكدُ ما لهنّ بَراحُ
حَسْبُ البلادِ سكوتُك المُتمادِي / أترى حراماً أن تقولَ بلادي
قُلْها مُحَبَّبَةَ الرَّنينِ شهيّةً / تمضِي فتبعث من رجاء الوادي
رقد الرّجاءُ كما رقدتَ وكنتما / إلفين ما خُلِقَا لغيرِ سُهادِ
مِصرُ التي كنتَ الحياةَ لشعبها / مَرْضَى الحياةِ قَليلةُ العُوّادِ
تدعوكَ والهةً وتنظرُ هل لها / من راحمٍ أو مُنقذٍ أو فادِ
أمست تَبوءُ بكلِّ خطبٍ مُنكَرٍ / وتنوءُ بالأغلالِ والأصفادِ
ما زالتِ الأهواءُ باستقلالها / حتّى استقلَّ بها المُغيرُ العادي
ويح الأُلى ضلّوا السبيل أمالهم / من ناصحٍ أو مُرشدٍ أو هادِ
هم خيّبوا أملَ البلادِ وعطّلوا / دينَ الجهادِ ولاتَ حينَ جهادِ
خدعوا السَّوادَ فراح يَنعقُ حولهم / فَرِحاً ويُمعِنُ في أذىً وفسادِ
عكفوا على أعراسهم وبلادُهم / في مأتمٍ من همّها وحِدادِ
تلك المعاهدةُ التي هتفوا بها / من ساجعٍ طَرِبِ الفُؤادِ وشادِ
أَوَ لم تكن للقومِ فتحاً آمنت / فيه السّيوفُ بقوّةِ الأَغمادِ
وطنٌ يُطيحُ به الكلامُ وأُمّةٌ / تهوِي مُمزَّقةً بغير جلادِ
كانوا العدوَّ فأصبحوا في ظلِّها / أَوْلىَ الشُّعوبِ بأُلفةٍ ووِدادِ
يحمون ما نحمِي ويرمون الأُلى / نرمِي من الأعداءِ والأضدادِ
لولا بَسالَتُهم وشِدَّةُ بأسِهِم / لم يبقَ منّا رائحٌ أو غادِ
زُورٌ يُردِّدُهُ الغَويُّ وباطلٌ / يشدو به من لا يعي ويُنادي
أرأيتَ أخسرَ صفقةً من جاهلٍ / يرجو الحياةَ على يد الجلّادِ
يا مَن وصفتَ لنا الحياةَ رشيدةً / ماذا ترى من حكمةٍ ورشادِ
الشّعبُ بعدكَ في يَبابٍ مُوحَشٍ / حَارَ الدليلُ به وضلَّ الحادي
سلكَ المحجّةَ حين كُنتَ دليلَهُ / ومضى لحاجتهِ بأطيبِ زادِ
الحقُّ معروفُ المعالم ساطعٌ / والنُّجْحُ وضّاحُ البشائرِ بادِ
نَسيَ الجلاءَ فما يمرُّ بخاطرٍ / منه ولا يهفو له بفؤادِ
ولقد يكون وفيه ساعةُ ذِكرهِ / روحُ الحزينِ ورِيُّ قلبِ الصّادي
وارحمتا لكَ ذُبْتَ من حَرِّ الجَوى / في حُبِّ مِصرَ ولم نَفُزْ بِمُرادِ
إنّا جُنودُك نبتِني لبلادِنا / مجداً من الأرواحِ والأجسادِ
أَعَلى المآتمِ تَخفقُ الأعلامُ
أَعَلى المآتمِ تَخفقُ الأعلامُ / أَمْ مَجدُ مصرَ على الدّماء يُقامُ
قُلْ لِلشّبابِ الجازعينَ رُوَيْدَكم / مَضَتِ الهُمومُ وزَالتِ الآلامُ
لم يَبْقَ إلا الحقُّ يَشهدُ عِيدَهُ / وَطنٌ لكم مُتَهلِّلٌ بَسّامُ
أَوْحَى إلى شُهدائِكم فَتقدَّموا / إنّ الحياةَ عِمادُها الإقدامُ
كَيفَ القَرارُ لِمن يُحبُّ بِلادَهُ / والشّعبُ يُنْكَبُ والبلادُ تُضامُ
إنّا لَنَعلمُ حِينَ يُهضَمُ حقُّنا / أنّ الحياةَ على النُّفوسِ حَرامُ
من كانَ يَسألُنا السَّلامَ فما لَنا / من دُونِ مِصرَ وحقِّ مِصرَ سَلامُ
نَحمِي حِمَى اسْتقلالِها وَنَصونُها / حتّى تَدينَ لِعزِّها الأقوامُ
ونَفِي بِذمَّتِها وَإِنْ كَرِهَ العِدى / ما في الوفاءِ على الرّجالِ مَلامُ
لا تُنكري يا مِصرُ حُسْنَ بَلائنا / إنّا لَقومٌ صَادِقونَ كِرامُ
لَكِ ما أردتِ مِنَ الفِداءِ وَهَذِه / أرواحُنا إن لم تَفِ الأجسامُ
هل كان يومَ دَعَوْتِ هَل مِن نَاصرٍ / إلا دَمٌ مُتَدفِّقٌ وَضِرامُ
نهض الشّبابُ فما تَحيدُ صُفوفُهم / وَمَضَوا فلا فَرَقٌ ولا إحجامُ
يَتقدَّمونَ مُغامرينَ أَعِزَّةً / والنّارُ سَيْلٌ والرَّصاصُ رُكامُ
ما بالمشاهدِ يَومَ ذلكَ رِيبةٌ / عِزريلُ يَرْمِي والمَنونُ سِهامُ
أَمَصارعَ الشُّهداءِ أين دماؤُهم / وَهَلِ اشْتَفَى مِنها ومنكِ أَوامُ
هَل أَطفأَ العدلُ الغليلَ وهل سما / للحقِّ رُكنٌ واسْتَتبَّ نِظامُ
ذِكراكِ باقيةُ الرّنينِ وهل لها / نَاسٍ ومن شُعرائكِ الأيّامُ
طالَ التحجُّبُ فارْفَعِ الأستارا
طالَ التحجُّبُ فارْفَعِ الأستارا / أَفَما ترانا نَرفعُ الأبصارا
اطلعْ على الدُّنيا بوجهٍ ضاحكٍ / وانْشُرْ على أقطارها الأنوارا
بَشِّرْ شُعوبَ المسلمينَ بنهضةٍ / تَدَعُ الشُّعوبَ النّاهضينَ حَيارى
فَزِعُوا إليكَ تَهُزُّهم أوطارَهم / فانظُرْ أَتَقضِي تِلكمُ الأوطارا
سَئِموا حياةَ القاعِدينَ وأقبلوا / يتلمَّسُون مع النُّسورِ مَطارا
لمّا رَأَوْكَ تذكَّروا آباءَهم / وتفزَّعوا لا يملكون قَرارا
قالوا أَنَهْدِمُ مجدَهم وهُمُ الأُلىَ / هدموا العُروشَ وزلزلوا الأقطارا
حملوا إلى الدُّنيا الحياةَ كبيرةً / تَلِدُ الممالكَ والشُّعوبَ كِبارا
أَنُضِيعُ ما تركوا لنا ونخونُهم / لسنا إذَنْ مِمّن يخاف العارا
يا طلعةَ العامِ الجديدِ تحيّةً / من قائمينَ على الذّمارِ غَيارَى
إنّا غَضِبنا للأمانةِ فاشهدِي / وتقبَّلي من قومنا الأعذارا
لا نومَ بعدَ اليّوم عن أسلابنا / فَخُذِي العُهودَ ورَدِّدي الأخبارا
هذا شبابُ الشّرق يطلبُ حقَّه / ويُطيعُ فيه شُيوخَه الأبرارا
هتفوا فأقبل كلُّ غضٍّ ناضرٍ / صُلبِ العزيمةِ يركب الأخطارا
يُلقِي إلى الموتِ الزُّؤامِ بِنفسهِ / ويراه مجداً عالياً وفَخارا
يا إخوةَ الإصلاح بُورِك سعيُكم / من فِتْيَةٍ زانوا الشَّبابَ وَقارا
لا يذهبنَّ بناؤُكم فبقاؤُه / أن تجعلوا الأخلاقَ فيه جِدارا
صُونوا الذخائرَ واحفظوا الآثارا / إنّا نُحِبُّ الفِتيةَ الأحرارا
مِنْ هَيْبَةٍ يُغضي القريضُ ويُطرِقُ
مِنْ هَيْبَةٍ يُغضي القريضُ ويُطرِقُ / وَيميلُ فيكَ إلى السُّكوتِ المنطقُ
إئذنْ يَفِضْ هذا البيانُ فإنّه / ممّا يُفيضُ بَيانُكَ المُتَدَفِّقُ
ما في النّوابِغِ من لبيبٍ حاذقٍ / إلا وأنتَ ألبُّ منه وأحذقُ
إن يَلْبسِ الشعرُ الجمالَ مُنوَّراً / عَبِقاً فَأنتَ جَمالُهُ والرّونقُ
والقولُ مُستلَبُ المحاسنِ عاطلٌ / حتّى يقولَ العبقريُّ المُفلِقُ
رُضْتَ الأوابدَ لي أقودُ صِعابَها / ورضيتني إنّي إذن لَمُوَفَّقُ
هي مِدحتي انطلقتْ إليك مَشُوقةً / والسُّبلُ تَسطعُ والمنازلُ تَعبَقُ
أنت المجالُ الرَّحبُ تُعتصَرُ القُوَى / فيه وتُمتَحَنُ العِتاقُ السُّبَّقُ
حسّانُ مُنبَهِرٌ وكعبٌ عاجزٌ / والشّاعر الجعديُّ عانٍ مُوثَقُ
أطمعتَهم فتنازعوا فيك المدى / وأبَيْتَ فانقلبوا وكلٌّ مُخفِقُ
لي عُذرُهم ما أنتَ من عِدَةِ المُنَى / إلا وراءَ مخيلةٍ ما تَصدُقُ
أنتَ احتملتَ الأمرَ تَنصدِعُ القُوى / ممّا يَشُقُّ على النُّفوسِ وتَصعَقُ
وسننتَ للمُتعسِّفينَ سبيلَهم / مُتبلِّجاً سمحاً يُضِيءُ ويُشرِقُ
يمشي الهُدَى فيه على يَدِكَ التي / هِيَ للهُدَى عَضُدٌ أبرُّ ومِرفقُ
ذُعِرَتْ قُريشٌ هل يُبَدِّلُ دينَها / رَجلٌ ضَعيفٌ في العشيرةِ مُملِقُ
لا المالُ يَنصرُه ولا هُوَ إنْ دعا / خَفَقَ اللِّواءُ له وخَفَّ الفيلقُ
ينهَى عن الأصنامِ وَهْي بموضعٍ / تُمْحَى حَوالَيْهِ النُّفوسُ وتُمحَقُ
المالُ والعِرضُ المُمنَّع سُورُه / والمجدُ والشَّرف الصَّميمُ المُعرِقُ
مِنْ وَصْفِه الأُسْدُ الضَّوارِي تَدَّعي / والخيلُ تَصْهَلُ والقواضِبُ تَبْرُقُ
الحقُّ أقبلَ في لواءِ إمامهِ / والحقُّ أوْلىَ أن يسودَ وأَخْلَقُ
يرمِي به سُودَ الغياهبِ ساطعاً / تَنْجَابُ حول سَناهُ أو تَتشقَّقُ
حَارَ الظّلامُ فما يلوذُ بجانبٍ / إلا يُحِيطُ به الضّياءُ ويُحدِقُ
الوحيُ مُطَّرِدٌ وبأسُ مُحمَّدٍ / جارٍ إلى غاياتهِ لا يُلحَقُ
لا الضّعفُ يأخذُ مِنْ قُواه ولا الوَنَى / بِأولئكَ الهِمَمِ الدَّوائبِ يَعْلَقُ
بَغْيُ الأُلىَ خَذَلُوه مِن أنصارِه / والبَغيُ نَصرٌ للهُداةِ مُحقَّقُ
زَعَموا الأذَى مّما يَفُلُّ مَضاءَه / فمضى البلاءُ بهِ وجَدَّ المَصْدَقُ
يأوِي إلى النَّفَرِ الضّعافِ وإنّه / لأشدُّ منهم في النِّضالِ وأوثقُ
هُمْ في حِمَى الوَحْيِ المُنزَّلِ صخرةٌ / تُعيي الدُّهاةَ وجذوةٌ تتحرَّقُ
وَهَبوا لربِّهمُ النُّفوسَ كريمةً / لا تُفتدَى منه ولا هي تُعتَقُ
المؤمنون الثّابتون على الهُدَى / والأرضُ ترجُفُ والشّوامخُ تَخفِقُ
رُزِقُوا اليقينَ فلا ذليلٌ ضارعٌ / يَطوِي الجناحَ ولا جَبانٌ مُشفِقُ
جُندُ النبيِّ إذا تقدَّمَ أقبلوا / والموتُ يَفزَعُ والمصارعُ تَفْرُقُ
صدعوا بِناءَ الشركِ تحت لوائهِ / فَهَوى وطار لِواؤُه يتمزَّقُ
إنّ الذي جَعلَ الرّسالةَ رحمةً / لم يَرْحَمِ الدَّمَ في الغَواية يُهرَقُ
بعث الرَّسُولَ مُعَلِّماً ومُهذِّباً / يبنِي الحياةَ جَديدةً يتأنَّقُ
يَتَخيّرُ الأخلاقَ يَنظمُ حُسْنَها / في كلِّ رُكنٍ قائمٍ ويُنَسِّقُ
عَفَتِ الرُّسومُ وأخلَقتْ فأقامها / شمّاءَ لا تعفو ولا هيَ تَخْلُقُ
قُدسِيَّةَ الأرجاءِ ما بِرحابِها / عَنَتٌ ولا فيها مكانٌ ضَيِّقُ
تَسَعُ الممالِكَ والشُّعوبَ بأسرها / وتفيضُ خيراً ما بَقِينَ وما بَقُوا
عَرفتْ لحاجاتِ العُصورِ مَكانَها / فَلِكُلِّ عَصرٍ سُؤلُه والمَرْفِقُ
مَنَعتْ مَغالِقُها الشرُّورَ وما بها / للخيرِ والمعروفِ بابٌ مُغلَقُ
فيها لِدُنيا العالمين مَثابةٌ / لولا التَّباعدُ والهوى المُتفرِّقُ
المُصلِحُ الأعلى أتمَّ نِظامَها / فانْظُرْ أَينقُضُهُ الغبيُّ الأَخرقُ
أَوْفىَ على الدُّنيا وملءُ فِجاجِها / بَغيٌ يُزلزِلُها وظُلمٌ مُوبِقُ
والنّاسُ فوضَى في البلادِ يغرُّهم / دِينٌ من الخَبلِ المُضِلِّ مُلفَّقُ
النّفسُ مُغلقَةٌ على أوهامِها / والعقلُ مُضطَهدٌ يُضامُ ويُرهقُ
سَجَدوا لما صَنعوا فأين حُلومُهم / ولِمَنْ جِباهٌ بالمهانةِ تُلصَقُ
أهيَ التي رَفعوا وظنّوا أنّهم / قومٌ لهم فوق السِّماكِ مُحلَّقُ
مَن يَدَّعِي شرفَ الحياةِ لمعشرٍ / كَفَروا بمن يَهبُ الحياةَ ويَخلُقُ
إن تَنْبُ مكّةُ بالرسول فما نبا / عَزْمٌ تُهَدُّ به الصِّعابُ وتُسحَقُ
كذبَ الطُّغاةُ أَيُرجفون بقتلهِ / والوَحْيُ سُورٌ والملائكُ خَنْدقُ
وَرَدَ المدينةَ زاخراً فجرى بها / آذِيُّةُ وطما العُبابُ المُغْرِقُ
بَطلٌ تَوسّعَ في ميادينِ الوغَى / لمّا تضايقَ عن مَداهُ المأزِقُ
ساسَ الحوادثَ والنُّفوسَ فتارةً / يَقِصُ الرقابَ وتارةً يترفَّقُ
يدعو إلى الحُسنَى فإن جَمَع الهوَى / فالسّيفُ مَسنونُ الغِرارِ مُذَلَّقُ
يَرمِي العوانَ بكلِّ أغلبَ باسلٍ / يهفو إلى غَمَراتِها يَتشوَّقُ
لمسَ العُروشَ فما يزال يَهزُّها / ذُعرٌ يطوفُ بها وهَمٌّ مُقلِقُ
صَدعتْ قُوى الإسلامِ شامخَ عِزِّها / فإذا المُلوكُ أذلّةٌ تَتملَّقُ
وإذا الممالكُ ما يُهلِّلُ مَغرِبٌ / إلا استجاب له وكبَّر مَشرِقُ
هذا تُراثُ المسلمينَ فبعضُه / يُزجَى علانيةً وبعضٌ يُسرَقُ
عَجزَ الحماةُ فنائمٌ مُتقلِّبٌ / فوق الحشيّةِ أو مَغيظٌ مُحنَقُ
القومُ صُمٌّ في السّلاحِ وَقومُنا / مُستصرخٌ يَعوِي وآخرُ ينعقُ
إن كنتَ ذا حقٍّ فَخُذْهُ بِقوَّةٍ / الحقُّ يخذلُهُ الضَّعيفُ فَيزهَقُ
لغةُ السُّيوفِ تَحُلُّ كلَّ قضيّةٍ / فَدَعِ الكلامَ لجاهلٍ يتشدَّقُ
وكُنِ اللّبيبَ فليس من كَلِماتِها / شَرْعٌ يُداسُ ولا نِظامٌ يُخْرَقُ
الخيلُ والرَّهَجُ المُثارُ حُروفُها / والنّارُ والدّمُ والبلاءُ المُطبِقُ
فَتّشتُ ما بين السُّطورِ فلم أَجِدْ / أنّ الأُسودَ بِصَيْدِها تتصدَّقُ
أرأيتَ أبطالَ الكِفاحِ وما جَنَى / أملٌ بأجنحةِ الرّياحِ مُعلَّقُ
لا يَأْسَ من نَفحاتِ ربّكَ إنّني / لأرى السّنا خَلَلَ الدُّجَى يتألَّقُ
لمّا رَأيتُكَ والقلوبُ خوافقٌ
لمّا رَأيتُكَ والقلوبُ خوافقٌ / تَلتاعُ حولكَ والنُّفوسُ حَيارَى
والنّيلُ من هَوْلِ الفِراقِ كأنّما / يَسْقِي البلادَ دماً ويقذفُ نارا
أيقنتُ أنّ اللهَ غَيَّرَ ما بنا / وأَرادَ أمراً بالبلادِ كُبارا
وإذا أراد اللهُ نجدةَ أُمَّةٍ / نَصرَ الحُماةَ وأيَّدَ الأنصارا
حملت سناكِ مواكبُ الأعوامِ
حملت سناكِ مواكبُ الأعوامِ / فَخُذِي سبيلَكِ واضحَ الأعلامِ
ما أنتِ إلا موكبٌ جَمعَ الهُدَى / فيه جلالَ العلمِ والإلهامِ
سِيرِي على نُورِ الكتابِ فإنَّهُ / لكِ إن أردتِ الرُّشدَ خيرُ إمامِ
أَرْخِي زمامَكِ لا عِثارَ لآخذٍ / من ربّه وكتابهِ بزمامِ
هذي المنازلُ أُزلِفَتْ لكِ فاسحَبِي / بُردَيْكِ من أمنٍ بها وسلامِ
وَصِفِي لهذا الجيلِ أيّامَ الأُلى / سبقوكِ من صحبٍ عليكِ كِرامِ
رَفَعُوا على الحقِّ الحياةَ فأعجزت / أقوَى البُناةِ وأقْدرَ الهُدّامِ
لمّا أقاموا بالسّيوف أساسَها / جعلوا البناءَ من الطُّلى والهامِ
كم رُكنِ مملكةٍ تصدّعَ إذ رمت / آطامَها العُليا بركنٍ دامِ
زخرت حوالَيْها القتوحُ فغيَّبت / غرقى الممالكِ في العُبابِ الطّامي
تهوِي جوانبُها على الأُمم التي / حَملتْ وما مِن عاصمٍ أو حامِ
من يَعصِمُ الأقطارَ من دَيّانِها / ويَرُدُّ غارتَهُ عنِ الأقوامِ
يا غارةً تمضِي إلى غاياتِها / تَطوِي المَدى وتَرومُ كلَّ مَرامِ
ضاعت ثُغورُ المسلِمينَ فأدرِكي / سُؤرَ الهُدَى وبقيّةَ الإسلامِ
عزّ الذّليلُ من الثعالبِ وانقضَى / عِزُّ الأسودِ وسُؤددُ الآجامِ
ما أكثرَ الأبطالَ إلا أنّهم / أبطالُ وَهْمٍ في سلاحِ كلامِ
لم يَرْقَ شعبٌ بالكلامِ ولم يَقُمْ / مُلكٌ على ضَعْفٍ ولا استسلامِ
الفتحُ حدّثَنِي وما بحديثهِ / كَذِبٌ وحسبُكَ أن تقولَ حِذامِ
شيخُ الثِّقاتِ له على أعلامهم / حقُّ الولاءِ وواجبُ الإِعظامِ
حَكمَ العُقولَ فما استبدَّ ولا رأى / رَأْيَ الأُلى فَسَقُوا من الحُكّامِ
اللهُ ألهَمَهُ الصّوابَ وخَصَّهُ / بأعزِّ منزلةٍ وخيرِ مَقامِ
نعم الصفيُّ رُزِقْتُهُ من مُنعِمٍ / صافي الصَّنيعةِ صادقِ الإنعامِ
قُلْ يا نجِيَّ النّفسِ ما بالُ الأُلىَ / مَلأوُا المصارعَ من ذوي الأرحامِ
ألقوا سِهامَ اللهِ من أَيمْانِهم / فتناولوها من يمينِ الرّامي
هل كُنتَ تعرفُ قبل مصرعِ قومنا / لُغَةَ الجراحِ ومنطقَ الآلامِ
باللهِ إن طلبوا الأُساةَ فكن لهم / مَثَلاً من الرُّوحِ البديع السّامي
بُوركتَ من آسٍ يُترجِمُ طِبُّه / لُغةَ الشفاءِ لحَامِلي الأسقامِ
احفَظْ بقيَّتَهم وإن هم ضَيَّعوا / ما اسْتحفِظُوا من حُرمةٍ وذمامِ
ما أنتَ بابن العَشْرِ أنت أبو الأُلى / وَلدوا شُيوخَ الصُّحفِ والأقلامِ
ارفَعْ من الأَعْوامِ صَرْحَ هِدايةٍ / بَرَّ الشُّهورِ مُبارَكَ الأيّامِ
واجْمَعْ على دين الحقائقِ أُمّةً / عَصَفَتْ بها دُنيا من الأوهامِ
تلك القضيّةُ هل لها ميعادُ
تلك القضيّةُ هل لها ميعادُ / شرطُ القضيَّةِ أن يطولَ جِهادُ
كم للشُّعوبِ قضيّةٌ من دُونها / تمضِي القُرونُ وتنقضي الآمادُ
هل دَانَ للهِمَمِ الرَّواكدِ مَطْلَبٌ / أم صَحَّ للأُمَمِ الضِّعافِ مُرادُ
لا تَحْسَبَنَّ الحقَّ صَيْحَة عاجزٍ / الحقُّ عَزمٌ صادقٌ وجلادُ
صُوني فلسطينُ الذِّمارَ وجَاهِدي / ما للحياةِ سوى الجهادِ عِمادُ
صُونِي ذِمارَكِ إنّه لكِ موقفٌ / فَصْلٌ ويومٌ مِنكِ ليس يُعادُ
هو آخرُ الأيّامِ إمّا مَطْلَعٌ / عالٍ وإمّا مَصْرَعٌ وحِدادُ
طَغَتِ الخطوبُ عليكِ لا مُتوقِّدٌ / يَخْبُو ولا مُتَمَرِّدٌ ينقادُ
وتَحَيَّفتْ فيكِ الحياةَ حوادثٌ / مرّت بها مِئةٌ عليكِ شِدادُ
الكَسْبُ عُطِّلَ والمتاجِرُ طُلِّقَتْ / فالعيشُ ضَنْكٌ والحياةُ كسادُ
نِعمَ الجهادُ لمن يضنُّ بِحقّهِ / لو كان للشّعبِ المُجاهدِ زادُ
في نُصرةِ الآجامِ يُحتَملُ الأَذَى / ولها تَجُوعُ وتَشْبَعُ الآسادُ
هِمَمُ النُّسورِ النَّاهِضينَ دَوائبٌ / ومخالبُ الأُسْدِ الغِضابِ حِدادُ
عَرَبٌ إذا غَضِبوا لأمرٍ طارقٍ / غَضِبَتْ على بيضِ الظُّبى الأغمادُ
وتفزّعَ الآباءُ في أجداثِهم / وتطلَّعتْ مِن ذُعرها الأَجدادُ
واهْتاجتِ الجُرْدُ العِتاقُ وأَقْبلتْ / صُوَرُ المنايا ما لهنَّ عِدادُ
وجَرَى الدّمُ المسفوحُ يَشْهَدُ أنَّهم / سُئِلوا الجزيلَ مِن الفِداءِ فجادوا
جُودوا حماةَ القُدسِ ما بِكِرَامِكُمْ / بُخلٌ ولا للمَكْرُماتِ نَفادُ
ذُودوا العَدُوَّ عنِ البلادِ وناضِلوا / إنّ العدوَّ عن البلادِ يُذادُ
اللهُ أكبرُ يا خلائفَ يَعْرُبٍ / أتَضيعُ أوطانٌ لكم وبلادُ
صُنْتُم ودائعَ ربّكم ما رَاعَكُمْ / في الحقِّ طُغيانٌ ولا اسْتبدادُ
تلك الذّخائرُ ما لكم من بَعْدِها / في المُؤمِنينَ الصّادقينَ عَتادُ
تلك الذّخائر يَأْنَفُ الإسلامُ أن / تُؤذَى كرائِمُها وتأبى الضَّادُ
إنّا لَنَذْكُرها جَوازِعَ جُفَّلاً / فَتَبِيتُ تَجْفُلُ حَوْلَها الأكبادُ
أَبَنِي العُمومةِ ما سَهِرْتُمْ وَحْدَكم / مصرُ الشّقيقةُ لوعةٌ وسُهادُ
إن سَاءَكُمْ ألا تَزالَ هُمومُكم / تَتْرَى فتلك همومُنا تَزدادُ
لَيْتَ الأُلىَ نَصَبُوا المَصائِدَ جمَّةً / سَألوا عنِ العَنْقاءِ كيفَ تُصادُ
يا قومُ تلك شريعةٌ ما سَنَّها / من قبلُ ذبّاحٌ ولا جَلَّادُ
بلفورُ أنزلها وَباءَ بإثْمِها / والظُّلمُ إثمٌ كلُّه وفسادُ
هلّا تبيَّنَ وهو يقضِي أَمرَه / أَيُباعُ شعبٌ أم يُباعُ جَمادُ
شَرُّ الخلائِقِ مَن يَسوسُ فلا يَرى / أنّ السياسةَ حِكْمةٌ وسَدادُ
لا تُنكروا الدَّمَ في المَصارع يلتقي / إنّ الرّجالَ بمثل ذلكَ سادوا
خَلُّوا سبيلَ الشّاعرِ المُتدفِّعِ
خَلُّوا سبيلَ الشّاعرِ المُتدفِّعِ / وخُذوا بيانَ العبقريِّ المُبدِعِ
النيّلُ يُصغِي في مواكبِ عِزّهِ / ويَهُزُّ عِطفَ الشيِّقِ المُتَطَلِّعِ
لَبّيكَ جئتُ وأنطقتني حُرمةٌ / لَكَ لم تَزَلْ منّي بأكرمِ مَوضعِ
لكَ من زَعيمِكَ ما أردتَ وهذه / نجوى زعيمِ الشّعرِ فانظر واسمعِ
أحببتُ مصرَ بقلبهِ ويقينهِ / فبيانُه عِندي وحكمتُه معي
وعَرَفتُها تشكو إليه غليلَها / وتطوفُ من يدهِ بأطيبِ مشرعِ
حامت على استقلالها وتوجّعتْ / للمُشفِقِ الحاني على المُتوجِّعِ
فمَضى يخوضُ إليه كُلَّ مَخوفةٍ / غبراءَ تعصِفُ بالكميِّ الأروعِ
ومَشَى يُحدِّثُ هَالكاً عن هالكٍ / فيها ويسألُ مَصرعاً عن مصرعِ
نستنطق الغَمَراتِ أين مكانه / ونظلُّ ننظرُ في القَتامِ الأسفعِ
مُتطلّعينَ نرَى تَقلُّبَ وجههِ / في مثلِ إيماضِ البُروقِ اللُّمَّعِ
ونَراهُ يَستبِقُ المطالعَ صاعداً / حتّى يَمُرَّ من السّماكِ بمطلعِ
يَبغِي لُبانةَ مصرَ في مُستشرِفٍ / صَلْبِ الجوانبِ بابُه لم يُقرَعِ
أتتِ الغَوائلُ دونها فكأنّما / هيِ من كُهوفِ الجنِّ في مُستودَعِ
كانت كأحلامِ النّيامِ فأصبحتْ / مِلءَ العيونِ سناً ولمّا تهجعِ
أَمُذلِّلَ الأحداثِ أنتَ جَعلتَها / مِنّا بمنزلةِ الذَّلولِ الطيِّعِ
لولا حِجاكَ وَطُولُ باعِكَ جاوزتْ / بَاعَ الرجاءِ ومُستطاعَ المطمعِ
لما اصطفاكَ الشّعبُ كُنتَ له أباً / يَرعاهُ في الحَدَثِ الجليلِ المُفظعِ
دَفَع اللّواءَ إليكَ لم يُؤثِرْ به / غيرَ الأعزِّ من الحُماةِ الأمنعِ
جرّدتَ صَحبَك للكفاحِ مَواضياً / خُذُماً متى تضرب بكفِّكَ تَقْطَعِ
مِن كلّ مُقتحمٍ يَرى الدَّمَ حَوله / فيخوضُهُ ويَكِرُّ غيرَ مُروَّعِ
أبطالُ مصرَ تَداركوا آمالَها / واليأسُ مِلءُ فؤادِها والأضلعِ
وَعَجِبتُ لِلشُّهداءِ حَولَ زَعيمهم / جَزَعَ الرَّدَى ونفوسُهم لم تجزعِ
كتب الشّبابُ لِمصرَ من مُهجاتِهم / عَهدَ الفِداءِ فَقُلْ لِنفسكَ وقِّعي
يا مطلعَ العهدِ الجديدِ تحيّةً / كَسناهُ إن تَظْفَرْ بِنُوركَ تَسطعِ
أخرجتَ قومَك مِن غياهبِ أزمةٍ / لَولاكَ لم تَنْجَبْ ولم تتقشَّعِ
لولا غُلُوُّكَ في المطامعِ ما انْبَرى / يَبغِي الزِّيادةَ طَامعٌ لم يقنعِ
مَا ليسَ من أدبِ الحياةِ وحقّها / فَضَلالةٌ أو باطلٌ لم يُشْرعِ
أحداثُ دَهرٍ مَن يَسُسْها تَستقِمْ / بَعدَ الجُنوحِ ومَن يَرُضْها تَخْضَعِ
وأُمورُ دُنيا ما لَوَتْ يدَ طالبٍ / لَبقٍ ولا ضَاقتْ على مُتوسِّعِ
ذُو الجهل يُقتَلُ بالدَّواءِ وذُو النُّهى / يَجنِي الشفاء مِن الذُّعافِ المُنْقَعِ
وأشدُّ مِن ظُلْمِ الحَوادثِ ظالمٌ / يَبكي لِما صَنعتْ وَما لَمْ تَصْنعِ
مَن راضَ في خِدَعِ السّياسةِ نفسَه / عِلماً بها فكأنّه لم يُخدَعِ
الأَمرُ غَيبٌ والذّرائعُ جَمّةٌ / والصَّبرُ نِعمَ العَونُ للمُتذرِّعِ
إنّ الذي أعطَى الكِنانةَ عَهْدَهُ / لَهُو المُؤمَّلُ لِلمهمِّ المُفزعِ
ياذا القِلادةِ إنّها لَكَ آيةٌ / مِن مَظهرِ الشَّرفِ الأعزِّ الأرفعِ
زَادت مقامَكَ رِفعةً وجَزَيْتَها / فَثَوتْ مع الجوزاءِ فيما تَدّعي
هِيَ فوقَ سُؤدُدِها وغايةِ عِزِّها / فَلْتُغْضِ في عَليائها وَلْتَخْشَعِ
ما المجدُ يلبسُهُ الرِّجالُ مُرصَّعاً / كالمجدِ غُفْلُ التَّاجِ غيرُ مرصَّعِ
أوَ ما كفاكَ الجُّودُ بالنّفسِ التي / حمَّلتَها عِبءَ الجهادِ المُضلِعِ
آثرتَ مِصرَ بما بَذلتَ لأجلها / وَمَنحتَ من مِالِ امرئٍ مُتورِّعِ
لَو لم تكن قَدَّمتَه مُتبرِّعاً / لَبلغتَ أقصَى غايةِ المُتبرِّعِ
جَرَتِ المنابعُ يستبقنَ سَماحةً / وَسبَقتَ أنتَ فكنتَ أوّلَ مَنبعِ
مالي سِوَى الشِّعرِ الذي أنا باذلٌ / والشّعرُ من خيرِ العَتادِ لمن يعي
اجمعْ لِمصرَ جَزاكَ ربُّك صَالحاً / أعلامَ عمروٍ في مواكبِ خفرعِ
واسْلُك بها النّهجَ السَّوِيَّ فإنّها / مهما تكن تُقبِلْ عليكَ وتَتْبَعِ
وإذا الأُمورُ على الرجال تَشابهتْ / فاهدِ النُّفوسَ إلى الأحبِّ الأنفعِ
وَزِنِ العُقولَ فان ظَفرتَ براجحٍ / فاستبقِ كنزَك لا يَكُنْ بِمُضيَّعِ
وتخيَّرِ الأخلاقَ إنّ أجلَّها / ما ليس بالواهي ولا المُتصدِّعِ
ابْنِ الحياةَ على أساسٍ صالحٍ / وتأنَّ تأمنْ زَلَّةَ المُتسرِّعِ
وَبحبلِ ربِّكَ ذي الجلالةِ فاعتصمْ / وإليه في كلِّ المواطنِ فارْجعِ
وخُذِ القِلادةَ صاغها لَكَ شاعرٌ / اللهُ أَوْرَثَهُ قَلائدَ تُبَّعِ
والاكَ في مصرَ التي لم يَنْتَصِرْ / لِسوَى قضِيَّتِها ولم يتشيّعِ
الأُمّةُ ائتمرتْ بأمرِكَ فَاسْتَعِنْ / بِصُفوفِها والشّملَ حُوْلَكَ فَاجْمَعِ
يومَ الشّهيدِ رَجعتَ أيمنَ مرجعِ
يومَ الشّهيدِ رَجعتَ أيمنَ مرجعِ / وَطلعتَ في الأيّام أسعدَ مَطلعِ
غَيَّضتَ عَبْرَةَ كُلِّ عَينٍ ثَرَّةٍ / وشَفَيْتَ لَوعةَ كلِّ قَلبٍ مُوجَعِ
وَدَّعْتنا جَمَّ الجِراحِ مُروَّعاً / وَلَقِيتَنا جذلانَ غيرَ مُروَّعِ
في موكبٍ عالي الجلالِ مُحبَّبٍ / تَهفو إليه جَوانحُ المُتطلِّعِ
تزهو بتاجٍ دُونَهُ شمسُ الضُّحَى / مُتألِّقٍ بِدمِ الشَّهيدِ مُرصَّعِ
رَيّانَ مِن حقٍّ ومن حُرّيةٍ / والحقُّ للوُرَّادِ أطيبُ مَشرعِ
حيَّتْكَ مِصرُ مشوقةً وتلفَّتتْ / لِتَرى جَلالَ شَهيدِها في المصرعِ
نَادَتْهُ فَرحَى أينَ أنتَ فَراعَها / صَوتٌ يُجِيبُ مِن المقامِ الأرفعِ
هُو ها هنا في صَحْبِه وَرِفاقهِ / بأجلِّ مَنزلةٍ وأَشْرفِ مَوضعِ
هُوَ ها هنا في نِعمةٍ أبديّةٍ / للهِ ما في مثلِها مِن مَطمعِ
هو ها هنا يا مصر يُعطَى حَقَّهُ / والحقُّ عِند اللهِ غيرُ مُضيَّعِ
هُوَ ها هُنَا يحمي لواءكِ فَانْظُرِي / هُوَ هُا هُنا يَشدو بِذكركِ فَاسْمَعي
مَرْحَى شبابَ النِّيلِ تلك جُهودُكم / ضَنّتْ بِوَحدتِه فلم تتصدَّعِ
أنتم جَمعتمْ لِلقضيَّةِ جَبهةً / لولا انتظامُ صُفوفِكُمْ لم تُجْمَعِ
ألَّفتُمُ الزُّعماءَ بعد تَفرُّقٍ / ومَلكتمُ الأهواءَ بَعدَ تَمنُّعِ
كانت قُوىً فَوْضى فَمِنْ مُتحزِّبٍ / يَمضِي لِغايتهِ وَمِن مُتشيِّعِ
حَرْبٌ أضرّتْ بالسَّوادِ وَفِتنةٌ / رَمَتِ البلادَ بِكلِّ خَطبٍ مُفزعِ
أدركتمُ اسْتقلالَ مِصرَ وإنّه / لَيَمُدُّ مِن فَزَعٍ يَمينَ مُودِّعِ
إنّا شَرَعنا لِلكنانةِ دِينَها / فَقَضَى على الدِّينِ الذي لم يُشرعِ
دينِ الفَلاسفةِ الذين توهَّموا / أنّا جَمادٌ لا نُحِسُّ ولا نعي
اليومَ نَنهضُ ظَاهرين بِحُجّةٍ / بَيْضاءَ تَدفعُ تُرَّهاتِ المُدَّعي
يا رافعي علم الجهاد تقدّموا
يا رافعي علم الجهاد تقدّموا / ودعوا صفوف المحجمين وراءَ
خُوضوا الكريهةَ حاسرين فإن طغت / لُجَجُ الملاحمِ فاركبوا الأشلاءَ
لستم بني الشهداءِ بورك عهدهم / حتى تكونوا مثلهم شهداءَ
قَومِي أَهابَ مِنَ الحياةِ بَشيرُ
قَومِي أَهابَ مِنَ الحياةِ بَشيرُ / فَخُذوا سَبيلَ العامِلين وَسِيروا
الأمرُ جَدَّ فما لنا من عاذرٍ / إن نَحنُ نِمْنا والشُّعوبُ تطيرُ
ذَهَب القَديمُ وجاء عصرٌ ماله / بين العُصورِ الذّاهباتِ نظيرُ
الجِنُّ مِلءُ الأرضِ زَالَ حِجَابُهم / فَلَهُمْ بها بَعدَ الخَفاءِ ظهورُ
هُمْ في العُبابِ أراقمٌ ما يَنْقَضِي / منها الدّبيبُ وفي السّحابِ نُسورُ
إيهٍ شُعوبَ الإنس إن لم تنهضوا / فالعيشُ جَهلٌ والحياةُ غُرورُ
فيمَ السُّكونُ وكلَّ يومٍ مَارِدٌ / في الأرضِ من أُممِ الحياةِ يَثورُ
أَيظلُّ جَدُّ الغَربِ يَدأبُ صَاعِداً / والشّرقُ مَطويُّ الجَناحِ كَسيرُ
إنّا بَنوهُ فَلن يَرانا نَبْتَغِي / دِينَ الجُمودِ ولن نَراهُ يَبورُ
كَذَب المُضلَّلُ ما الحياةُ لِجَامدٍ / إنّ الحياةَ حَوادِثٌ وأُمورُ
ما حالُ مَنْ يُلقِي السّلاحَ مُجانِباً / والحربُ ثائرةُ العَجاجِ تَدورُ
إيهٍ بني مصرَ انْظُروا ما حولكم / وتأهَّبوا إنّ الخُطوبَ كثيرُ
كلُّ الممالكِ إنْ تَأمّلَ ناظِرٌ / حَرْبٌ وكلُّ العالمينَ مُغيرُ
في كلِّ يومٍ تَستطيرُ مصائبٌ / وتَموجُ في دُنيا الكِفاحِ شُرورُ
حقُّ البَقاءِ لِمَن يَصونُ ذِمارَهُ / والموتُ بالعانِي الذّليلِ جَديرُ
لا تَبخلوا بِالمالِ فهوَ لِمجدِكم / عِند البِنايةِ حائطٌ أَو سورُ
حقُّ البلادِ دَعَتْ تُريد أداءَه / والمالُ في حقِّ البلادِ يَسيرُ
ما عُذْرُكم ألّا يَفيضَ عَطاؤُكم / والنّيلُ فيّاضُ العَطاءِ غزيرُ
لا يَدَّعِي الإملاقَ والفَقرَ امْرُؤٌ / كَزُّ اليَدَيْنِ فما بِمصرَ فقيرُ
القوتُ لو يُعطيه مَن يشكو الطَّوى / لَحَلفتُ جَهْدي إنّه لَقَتورُ
ما جَادَ بَاذِلُ نفسِه لِبلادِه / وإنِ احْتَفَى مُثْنٍ ولَجَّ شَكُورُ
هو من مَواهِبها فإنْ يَبْخَلْ بما / وَهَبتْ عليها إنّه لَكَفُورُ
بئس الفَتَى يقضِي الحُقوقَ رِفاقُه / في النّائباتِ وَمَالُه مَذحورُ
لا يُنكرنَّ المرءُ فضلَ بِلادِه / فضلُ البلادِ على الرجالِ كبيرُ
هُم للفِداءِ فَما لَهمْ مُتزحزَحٌ / إنْ صَحَّ وِجدانٌ وبَرَّ شُعورُ
أوفى الرّجالِ على الحوادثِ مَن له / قَلبٌ بِحُبّ بِلادِه مَعْمورُ
إنّي بقومي إن تنكّرَ حَادِثٌ / أو جَلَّ أمرٌ جَامِعٌ لَفخورُ
صَدعوا قُوى الحِدْثانِ بالبأسِ الذي / فَتَر الزّمانُ وما عَراهُ فُتورُ
وتَدَفَّقُوا يَتَسابَقونَ إلى مَدىً / بالسُّحب عنه وبالبِحارِ قُصورُ
شَكتِ الكِنانةُ ظِمْئَها واسْتَمطرتْ / فَهَمى أميرٌ واستهلّ أجيرُ
لِمَنِ الكنوزُ اسْتُودِعتْ أَسْرارَها / تَحتَ التُّرابِ جَنادِلٌ وَصُخورُ
للجنِّ أو للعلمِ منذ تكدَّسَتْ / رَصَدٌ عليها قائمٌ وخفيرُ
لَبِثَتْ كَأوّلِ عَهدِها وتقادمتْ / أُممٌ مَشَتْ مِن فَوقِها وعُصورُ
يا أرضُ لولا البِرُّ من آبائِنا / ما غَيّبَتْ تِلكَ الكنوزَ قُبورُ
هَلْ أُخِّرَتْ إلا لِيشهدَ بعثَها / يومٌ يَجيءُ به الزَّمانُ خَطيرُ
أدِّى إلى مصرَ الأمانةَ إنّه / بَعثٌ لِمصرَ مُحبَّبٌ ونُشورُ
أنتِ الخِزانَةُ للزّمانِ وَرَيْبهِ / إن حَلَّ صعبٌ أو ألَمَّ عَسيرُ
إنّي رأيتُ الأمرَ بعد مِطَالِه / بلغَ المصيرَ وللأُمورِ مَصيرُ
لو كان لِلأُمَمِ الخِيارُ لما اشْتَفَتْ / منّا بما دونَ السِّماكِ صُدورُ
ماذا احْتِيالُ النّاقِميِنَ وقد مَضَى / قَدَرٌ لِمصرَ وأَهلِها مَقدورُ
أَوَ ما كَفَى ما ذَاقَ مِن آلامِه / شَعبٌ على نُوَبِ الزّمانِ صَبورُ
يا قومُ جِدُّوا في الحوادثِ واعْملوا / فالجِدُّ عَوْنٌ صادقٌ وظَهيرُ
حَفِظَ الإِلهُ بِلادَكم وأعزَّها / عَلَمٌ على أرجائها مَنشورُ
إن تذكروا اسْتقلالَ مِصرَ فإنَّه / رَمزٌ إلى اسْتِقلالِ مِصرَ يُشيرُ
لي مجدُه العالي وَطِيبُ ظِلالهِ / وله بياني الصَّادقُ المأثورُ
أقبلْ عليكَ من الشُّعوبِ سلامُ
أقبلْ عليكَ من الشُّعوبِ سلامُ / فَزعَ الصّليبُ إليكَ والإِسلامُ
عيسَى يُناجِي فيكَ سيفَ مُحمّدِ / والدَّمعُ سَيْلٌ والهمومُ رُكامُ
الأرضُ وَلْهَى والممالكُ رُجَّفٌ / والنّاسُ حَربٌ والزّمانُ خِصامُ
دُنيا تموجُ بها الشُّرورُ وعالَمٌ / تَطغَى على جَنَبَاتهِ الآثامُ
لا الحِلُّ حِلٌّ في شرائعِ أهلهِ / عند القضاءِ ولا الحرامُ حرامُ
عَبَثَ الفلاسفةُ الكِبارُ بأَمنهِ / وجَنَى عليه السّادةُ الأعلامُ
أقْبِلْ كعهدكَ مُوقِظاً ومُنبِّهاً / إنّ البصائرَ والعُقولَ نِيامُ
وانْشُرْ كِتَابكَ هادياً ومهذِّباً / فالنّاسُ ضُلَّالٌ وأنتَ إمامُ
هذا كتابٌ للحياةِ مُفصَّلٌ / وَضُحَتْ به الآياتُ والأحكامُ
مَضَتِ الدُّهورُ وما يزالُ كأنَّهُ / بمكانِه ما فُضَّ عنه ختام
نَمتِ الممالكُ في ظلالِكَ واجتلتْ / أُممُ الزّمانِ سَناكَ والأقوامُ
أَشْرَقْتَ والدُّنيا ضَلالٌ مُطبِقٌ / والكونُ شرٌّ شاملٌ وظلامُ
وطلعتَ والحقُّ المبينُ مُشَرَّدٌ / يَبغِي المُقامَ وأين منه مُقامُ
القتلُ يَطلبُهُ ويركُضُ خلفَهُ / والسُّبلُ حَيْرَى والخُطوبُ جِسامُ
والجاهليّةُ في مظاهرِ عِزِّها / ما ينقضِي صَلَفٌ لها وعُرامُ
بَطلٌ تأهّبَ للجهادِ يُقيمُه / ومَضَى فلا خَوَرٌ ولا اسْتِسلامُ
ما الظّنُ بالضّرغامِ سَارَ مُهاجِراً / ضاق العرينُ فهاجرَ الضرغامُ
يمشِي وصَاحِبَهُ وما من ثالثٍ / إلا الإلهُ الواحدُ العلّامُ
لم تُلْهِه الدُّنيا ولم يلعبْ بهِ / منها مَتاعٌ زائلٌ وحُطامُ
الدّينُ من دُنيا الهَوى وخَبالهِا / للنّفسِ حِرزٌ مانعٌ وعِصامُ
ولقد يَنالُ الفردُ في إيمانهِ / ما لا ينالُ الجيشُ وهو لُهامُ
النفسُ ملءُ الدّهرِ أو هِيَ ذرةٌ / مِمّا تُثيرُ وتنفُضُ الأقدامُ
ما يستبينُ مكانُها فَتُرَى ولا / هي بالتي يُعْنَى بها فَتُسامُ
حَرَّرْتَ من رِقِّ الجهالةِ أنْفُساً / لَبِثَتْ يُهانُ عَزيزُها ويُضامُ
مِحَنُ الحياةِ على النُّفوسِ كثيرةٌ / وأشدُّها الأهواءُ والأوهامُ
يا مُنْقِذَ الضُّعفاءِ من آلامِهم / أُمَمُ البسيطةِ كلُّها آلامُ
جَرْحَى على جَرْحَى تَئِنُّ ألا يَدٌ / تأسو الجِراحَ لَعلَّها تَلتامُ
هاتِ الرّسالةَ من يمين مُحمّدٍ / إنّا نَسِينا الدِّينُ كيف يُقامُ
وإذا الحياةُ تنكَّرتْ أعلامُها / فالدّينُ دُستورٌ لها ونظامُ
إنّا جَهِلْناها وعندكَ عِلْمُها / والجهلُ داءٌ للشُّعوب عُقامُ
هو إن سألتَ أُولي المعارف ما اسمه / سُلٌّ يُذيبُ حَياتها وجُذامُ
زَاغَتْ بَصائرُنا فأصبحَ أمرُنا / بِيَدِ الأُلىَ نَامَ الحُماةُ وقاموا
نَمضِي على هُونٍ بكلّ مَضَلَّةٍ / حتّى كأنّا في البلادِ سَوامُ
والقومُ إن عَصَفتْ بهم أهواؤُهم / هَفَتِ العقولُ وطاشتِ الأحلامُ
لا الجاهليّةُ إذ تَقادمَ عهدُها / دَرَستْ معالِمُها ولا الأصنامُ
أَقْبِلْ على الدُّنيا بعهدٍ صالحٍ / تحيا به الآمالُ وهي رِمامُ
بالمسلمين وأنتَ من آمالهم / ظَمَأٌ إليكَ مُبَرِّحٌ وأُوامُ
هُمْ في المنابرِ ألسنٌ وجوانِحٌ / وعلى المآذنِ أعيُنٌ أو هامُ
نَظروكَ فازدلفوا تُهِلُّ شُعوبُهم / فلكلِّ شعبٍ ضجّةٌ وزحامُ
أَوَ مَا لَمستَ صُدورَهم فعرفتَها / ومن التّرائبِ والصُّدورِ ضرامُ
حَالَ الزَّمانُ ودارتِ الأيّامُ / فَمضَى الجَبانُ وأحْجَمَ المِقدامُ
نامت سُيوفُ الفاتحينَ فَحازَها / يَقِظُ الأسِنَّةِ والسُّيوفِ هُمامُ
لَهِجٌ بأخبارِ السّماءِ يَهيجُه / عند الكواكبِ مَطلبٌ ومَرامُ
جَمعَ الأزمَّةَ للصّعابِ يقودها / فلكلّ صعبٍ في يديهِ زِمامُ
ولكلِّ شعبٍ إن توثّبَ أو مَضَى / يبغي الفريسةَ مَصْرَعٌ وحِمامُ
يا أيّها العامُ الجديدُ وَرِثْتَها / دُنيا وَرِثْنَاها ونحن كِرامُ
ثمّ انْطوتْ عنّا وزالَ نعيمُها / فكأنّنا من بعدها أيتامُ
كم مات قبلكَ من وليدٍ وارثٍ / وكذا تموتُ وتُولَدُ الأعوامُ
بَشِّرْ شُعوبَ المسلمينَ بطائرٍ / سَعْدٍ فما للنّحسِ منكَ ذمامُ
زالتْ عن الشّرقِ السُّعودُ فلم تَدُمْ / أَيكونُ فيه للنُّحوسِ دَوامُ
اضربْ لنا مَثَلَ الجهادِ وسِرْ بنا / نَغْشَى الوقائعَ فالحياةُ صِدامُ
هل أسلمَ الهادي الأمينُ قِيادَهُ / أم كان منه النّقضُ والإِبرامُ
يبنِي ويهدِمُ جاهِداً ما مِثلُه / في الدَّهرِ بنّاءٌ ولا هدّامُ
رَفعَ الحياةَ على أساسٍ صالحٍ / والسّيفُ رُكنٌ والكتابُ دِعامُ
أُحُدٌ وبَدْرٌ شاهِدانِ فما عَلى / مَنْ يَسْفَحُ الدَّمَ في الحقوقِ مَلامُ
هل جالَ في تلكَ المشاهدِ مُصحفٌ / أم جال فيها مُصحفٌ وحُسامُ
إنّا لَنلمحُ في جَبيِنكَ آيةً / ممّا يَخطُّ الوحيُ والإلهامُ
تلك البِشارةُ إن تَغِبْ فَدليلُها / هذا الهلالُ المُشرِقُ البسّامُ
إن يُخلفِ الزّمنُ الكَنودُ فربّما / وَفَتِ الجُدودُ وبَرّتِ الأقسامُ
إنّا أخذنا للحياةِ عَتادَها / ومَضَتْ بنا هِمَمٌ تجيشُ عِظامُ
لا يأتمرْ مِنّا الرُّماةُ بِمَقْتَلٍ / فَلَنا نِبالٌ مثلهم وسِهامُ
نسعى ونعملُ دائبينَ لقومنا / نبغي التّمامَ وللأمورِ تمامُ
الكونُ أشرقَ نَضرةً ونعيما
الكونُ أشرقَ نَضرةً ونعيما / هذا مكانُك فاتّخذه كريما
حَنَّ الزمانُ إليكَ حتّى جِئتَه / فطوى الحنينَ وردّدَ التسليما
أنت المؤمَّلُ للشُّعوبِ وهذه / دُنياكَ لا تبغي سواك زعيما
خُذها من القومِ الأُلى جمحوا بها / وَاشْرَعْ لهم نهجَ الحياةِ قويما
داوِ السَّقامَ فقد تفاقَمَ وانثنى / طِبُّ الأُلى سبقوك عنه سقيما
هاتيك مدرسةُ الحياةِ تقدّمتْ / تَلْقَى أجلَّ شُيوخِها تعليما
ماذا حملتَ من المعارفِ والنُّهى / لمّا حملتَ كتابَها المرقوما
عِلمُ الحضارةِ كان قبلك خافياً / فأتيتَ تُظهِرُ سِرَّهُ المكتوما
والحقُّ ما عَرفَ الدُّعاةُ سبيلَهُ / حتّى أقمتَ بناءه المهدوما
بَلِّغ رسالةَ من أقامك هادياً / وحَباكَ فضلاً من لَدُنْهُ عظيما
ضلّ الأُلىَ جَحَدوه واتّخذوا له / شُركاءَ من أربابهم وخُصوما
ما هذه الأربابُ ما لِعبادها / جَهلوه ربّاً واحداً قَيُّوما
جاء الأمين الصّادقُ الهادي فمن / يَكفُر بدينِ اللهِ كان ظَلوما
رَجَفتْ قُلوبُ المُشرِكينَ لِدعوةٍ / طَفِقَتْ تُردِّدُ في البِطاحِ هزيما
قالوا أيَطمعُ أن يُضِلَّ مُحمَّدٌ / منّا عُقولاً رُجَّحاً وحُلوما
أَنُعِزُّه ونُذِلُّ من أصنامنا / ما عَظَّمَ السَّلَفُ الأعزُّ قديما
إنّا لَنَأْنَفُ أن يُغيِّرَ دِينَنا / رجلٌ قليلُ المالِ شبَّ يتيما
إن يَتبعِ النَّفَرُ الضِّعافُ سبيلَه / فَلَنحنُ أمنعُ بَيْضةً وحريما
إنّ المُطاوِلَ بالرجال إذا بَنَى / جَعَل الدعائِمَ سادةً وقُروما
هُمْ شاغبوه فكان أعظمَ قُوّةً / وأعزَّ مَنْزِلةً وأشرفَ خِيما
وَجَدُوه سَمْحاً لا يَضيقُ بِمُذنِبٍ / وَرَأَوْه موفورَ الأناةِ حليما
يدعو لهم رَبِّ اهْدِ قومي إنّهم / لا يَعلمونَ وكُنتَ أنتَ عَليما
لو شِئْتَ ما جَهِلوا السَّبيلَ ولا رَضُوا / دِيناً من النَّمط الغبيِّ ذميما
إنّي رَسُولُك لَنْ أَمَلَّ جِهادَهم / أو يَعبدوكَ ولن أكونَ سَؤوما
يا قومُ ماذا تَعبُدون تأمَّلُوا / مِن قبلِ أن تَرَوُا الْعَذابَ أليما
دينُ الحجارةِ وهو من آثامكم / خيرٌ لكم أم دينُ إبراهيما
أُرسِلتُ بالإسلام ديناً قيّماً / وبُعِثْتُ خيراً للشُّعوبِ عميما
الكُفرُ والبَغيُ الذّميمُ كلاهما / جَعَلا الحياةَ على النُّفوسِ جَحيما
فَلأغْسِلَنَّ الأرضَ من أرجاسها / وَلأصْدَعَنَّ ظلامَها المركوما
بَعثوا إليه مِن المخافةِ عَمَّهُ / يُزْجِي الرّجاءَ مُخيَّباً محروما
زعموه حرّانَ الجوانحِ يَبتغي / دُنيا الغواةِ وَوِرْدَهَا المسموما
قالَ اتَّئِدْ يا عَمِّ إنّ وراءَهم / خَطْباً يَشُقّ على النُّفوسِ جَسيما
النيّرانِ لَوَ اَنَّهم جعلوهما / بِيَدَيَّ زِدتُ صَرامةً وعَزيما
واللهِ لن يَجِدوا لديَّ هَوادةً / حتّى يَفيئوا أو أكونَ رميما
عَرفوه فاتّخذوا السّبيلَ إلى الأذى / وَتَعاوَروه مُذمَّماً مشئُوما
وتَألّبوا يتعلّلون بِقتلهِ / قتلاً يَرَوْنَ قضاءَه محتوما
يا بُؤسَ للرأي المُضلَّلِ إنّهم / طلبوا دماً مِن كَيْدِهم معصوما
لاموه وانقلبوا إلى شيطانهم / فقضى القضاءَ لهم وكان رجيما
أيكون مَنْ كَرِهَ الضّلالَ لقومِه / وَوَفىَ لِربِّ العالمين مَلوما
اللهُ أَيَّدهُ وقامَ بنصرِه / فنجا وأدبرَ جمعُهم مهزوما
بُوركتَ من وافٍ يُصاحبه أخٌ / صافٍ وبُورِكَ صاحباً وحميما
مَحْيَا النُّفوسِ وَقَى الإلهُ حَيَاتَهُ / وسلامُها المأمولُ راح سليما
إنّ الذي أخلىَ الديارَ مُهاجِراً / مَلأَ النفوسَ وَساوساً وهُموما
بعثوا الأسنّةَ والسُّيوفَ وَراءَهُ / فأعادها تجري دماً وكُلوما
رجعت مُخيَّبةً تُذِيبُ ظُنونَهم / فَتُذِيبُ أرواحاً لهم وجُسوما
ماذا يظنُّ المُفسِدُونَ بِمُصلِحٍ / يبني ويهدم ظاعناً ومُقيما
الكوكبُ السّيارُ في آفاقهِ / ملأ البلادَ أهِلَّةً ونُجوما
أنصارُ دينِ الله حول نَبيِّهِ / وصلوا بيَثربَ حَبْلَهُ المصروما
من خزرجيِّ المجدِ أو أَوْسِيِّهِ / طابوا فروعاً في العُلاَ وأُروما
أَحْبِبْ به من قادمٍ ما مِثْلُهُ / في النّازلينَ وفادةً وقُدوما
يا فاتحَ الدُّنيا ومانحَ أَهْلِها / ما عَزَّ مَرْجُوّاً وجَلَّ مَروما
أنقذتَ هذي الأرضَ من آلامِها / وشفيتَ هذا العالمَ المحموما
بالسّاطعاتِ الشّافِياتِ من العَمَى / يَطْغَى غَياهِبَ أو يموجُ غُيوما
اللهُ أنزلها عليكَ دَرَارياً / طَلعتْ مَعالِمَ للهُدَى ورُسوما
أوتيتَ بالفرقانِ مَشرعَ حكمةٍ / ما زِلْتَ تُورِدُه النُّفوسَ الهيما
خَرِفَ الزّمانُ وأخطأتْ حُكماؤُه / سُبُلَ السَّدادِ وما يزالُ حكيما
لولا بلاغتُه وروعةُ نظمهِ / جَهِلَ الرجالُ اللّؤلؤَ المنظوما
كَنْزَ البيانِ فمن تَطَلَّبَ لِلغنَى / كنزاً سواه قَضَى الحياةَ عديما
فَضَّتْ عُلومُ الدَّهرِ منه جانباً / وغداً تَفُضُّ الجانبَ المختوما
مُتجدِّدٌ في كلّ عصرٍ يَبتغي / أُمَماً تَجِيءُ جديدةً وعُلوما
دُستورُ حقٍّ في يمينِ مُحمّدٍ / يحمي الضَّعيفَ ويَنصرُ المظلوما
يَتملّقُ المولى المعظَّم عَبْدَهُ / فيهِ ويَخْشَى الحاكمُ المحكوما
قَسَمَ الحياةَ على النّفوسِ وإن أَبَى / من لا يُريدُ نصيبَهُ المقسوما
لم يَخلقِ اللهُ القويَّ بِمُلكهِ / لِيكونَ وَحشيَّ الطّباعِ غَشوما
والأرضُ ما بُسِطَتْ لِتجْحَدَ رَبَّها / وتَمُدَّ من ظُلْمِ العبادِ أديمِا
يا مولدَ المختارِ أنت بَعَثْتَها / ذِكرى تُساجِلُ دمعيَ المسجوما
أبكي على الإسلامِ يذهبُ عِزُّه / ويَبيتُ مطويَّ الجَناحِ مَضيما
نهضت شُعوبُ الأرض ترفع مجدها / وأرى شُعوبَ المسلمين جُثوما
لزموا تُخُومَ بُيوتِهم وغُزاتُهم / لا يرتضون سِوَى النُّجومِ تُخُوما
قومٌ همُ اتّخذوا بكلّ مَحَلّةٍ / كهفاً يَضُمُّ نيامهم ورقيما
أَو كلّما جذب المقادةَ مُصعَبٌ / في الشّرق غُودِرَ أنفُهُ مخزوما
لاهُمَّ جنّبنا المجاهلَ واهْدِنا / هذا السّبيلَ المُعلَمَ الموسوما
وتولّنا في الحادثاتِ وكن بنا / في النّائباتِ إذا تنوبُ رحيما
تلك العروبةُ جُرحُها يجرِي دَما
تلك العروبةُ جُرحُها يجرِي دَما / مَن يَمْنَعُ الإسلامَ أن يَتألّما
هذا تُراثُ مُحمَّدٍ في قومِه / أَمْسَى بأيدِي النّاهِبينَ مُقَسَّما
أثَرُ السُّيوفِ عليه والدَّمُ حوله / حرّانَ يصرخُ أين أَبطالُ الحِمَى
أين الأُلىَ وَرِثُوا المَمالِكَ حُرَّةً / تقضِي القضاءَ على القياصرِ مُبْرَما
تَرْمِي فتهدمُ كُلَّ أَرْعَنَ شاهِقٍ / ويخافُها رَيْبُ الزّمانِ إذا رَمَى
تتلفّتُ الدُّنيا إذا رَفَعتْ يداً / وتَطيرُ من فَزَعٍ إذا فَتَحتْ فما
دار الزّمانُ فعاث في أرجائها / مَنْ كان يَنْزِلُها فيمشِي مُحرِما
إيهٍ فلسطينُ اصْبِري أو فاجْزَعي / وكَفَى بصبركِ في الحوادثِ مغنما
ظَلَمَ اليهودُ بَنيكِ حين تحكّموا / وأرى الأُلىَ باعوكِ كانوا أظلما
يا وَيْحَهُمْ أفما رَأَوْا من حولِهم / شعباً أعزَّ من اليهودِ وأكرَما
شَوْكُ الشُّعوبِ رَمَتْ به أقدامُها / وَرَمَوا به منّا العُيونَ النُّوَّما
طَرَدَ الكَرَى عنها وشَكَّ سَوادَها / فَتَفجَّرتْ بالدَّمعِ وانْبَجَسَتْ دمَا
نَظَرتْ فلم تَرَ في منازلِ قومِنا / بالقُدسِ إلا مصرعاً أو مأتما
أثَرُ البُراقِ جرت عليه صواعقٌ / للبَغْيِ من حُلفائنا فتضرّما
عَقَدُوا لنا العهدَ البغيضَ وإنَّهم / لأَضرُّ مَنْ عَقَد العُهودَ فأحكما
ما العهدُ يُكتبُ للسّلامِ على رِضىً / كالعهد يُكتبُ بالسِّلاحِ مُسمَّما
بلفورُ بئسَ الوعدُ وعدُك للأُلىَ / جَعلوكَ للأَمَلِ المُخيَّبِ سُلَّما
خَدَعوكَ حين أطعتَهم وخدعتهم / إذ طاوعوكَ وتلكَ منزلةُ العَمى
لسنا وُلاةَ الحقِّ إن لم يَنْدَمُوا / ولأنتَ أَوْلَىَ أن تَتُوبَ وتَنْدَمَا
تلك الإساءةُ ما استقلَّ بمثلِها / في الدّهر قبلكَ مَن أساءَ وأجرما
إنّ الذين جَهِلْتَ حُسنَ بَلائِهم / ضربوا لك الأمثالَ كيما تعلما
إن جلَّ ما أبصرتَ من أحداثهم / فَستُبصرُ الحدثَ الأجلَّ الأعظما
الموتُ عندَ القومِ أعذبُ مَشْرباً / مِمَّا يُرادُ بهم وأطيبُ مطعما
إخوانُنا الأحرارُ ما ألِفُوا الأذى / مَرْعىً ولا عَرَفُوا المذلّةَ مَجْثَما
نَفرَ الحِفاظُ بهم فلستَ بواجدٍ / منهمِ بِمُصْطَرعِ الفوارسِ مُحجِما
ورثوا الكُماةَ المُعلِمينَ فما تَرى / بديارهم إلا الكمَّي المُعْلَما
تلك الدّيارُ المُشرِقاتُ لوَ اَنّها / نَزَلَتْ منازلَها لكانت أَنْجُما
ما انفكَّ مَجْرَى الوحي في جَنبَاتِها / يُلقِي على الدُّنيا الشّعاعَ الأقدما
لولا جَهالَتُها وباطلُ أهلِها / لأَضاءَ من أقطارِها ما أظلما
بِكِ يا فلسطينُ البلادُ تعلّمت / أَدَبَ الجهادِ وكان معنىً مُبْهَما
ماذا يُضِيرُكِ إن تَوهَّمَ جاهلٌ / وأَبَى عليه خَبَالُه أن يفهما
هذا كِتابُكِ ليس يبلغُ شأوَهُ / مَن نَمَّقَ الكُتْبَ الحِسانَ ونمنما
نعم الكتابُ لمن يُحِبُّ بِلادَهُ / ولمن يَضِنُّ بِحَقِّها أن يُهضَما
حُرُّ الصّحائفِ من بدائعِ حُرَّةٍ / حَمَلَتْ جَلال العبقرِيَّةِ مِيسَما
بَدَأَتْهُ بالدّمِ والحديدِ وإنّه / بسواهما لن يُسْتَتَمَّ ويُخْتَما
إيهٍ شُعوبَ المُسلِمينَ تنبَّهوا / وتَدَاركوا أَسْبابَكم أن تُجْذَما
اللهَ في إخوانِكم وبلادِكم / أَفَما تَرَوْنَ الخطبَ كيف تَهجَّما
حَفِظُوا التُّراثَ لكم وصانوا عِرْضَكم / أَفَتكرهون لِعِرْضِكم أن يَسْلَما
لا تَخْذُلُوهم والملائكُ شُهَّدٌ / بالمَسْجِدَيْنِ كَفَى بذلكَ مأثما
إنّي وَفَيْتُ لهم ولستُ بِمُسلِمٍ / إن خُنْتُ في دُنيايَ شعباً مُسْلِما
أَتَبِيتُ أولى القِبْلَتَيْنِ حَزينةً / وأَبِيتُ وَسْنانَ الجُفونِ مُنعّما
لَكَ يا شهيدَ الحقِّ قَامَ المأتَمُ
لَكَ يا شهيدَ الحقِّ قَامَ المأتَمُ / وأَراهُ حَقّاً أن يُقامَ الموسِمُ
عُرسٌ أُتِيحَ لنا وما مِن رِيبةٍ / في العُرسِ يَجرِي في نَواحيهِ الدَّمُ
قُلْ لِلمُجاهدِ لم يُصادِفْ مَغنماً / هَوِّنْ عليكَ دمُ الشَّهيدِ المغنَمُ
هو جَمرةُ الحربِ العَوانِ يخوضُها / للنّصرِ كلُّ مُقَذَّفٍ يَتَقَحَّمُ
هاتيكَ مدرسةُ الجهادِ مُقامَةٌ / لِأُولِي الحَمِيَّةِ والشّهيدُ مُعَلِّمُ
يُلقِي عليكَ الدّرسَ مِن دَمِه فَكُنْ / مِمّن يَعِي المعنَى المرادَ ويَفهمُ
أنت القتيلُ إذا حَيِيتَ مُذَمَّماً / فاذهبْ فما في الصّالحين مُذَمَّمُ
ما أكرمَ الشُّهداءَ طَاحَ بشيخِهم / قَومٌ لهم في الظُّلم شَيْخٌ أَشْأمُ
نَقَمُوا عليهِ حَمِيّةً عَربيّةً / تَغْفَى الأسنّةُ والسُّيوفُ فَينْقِمُ
ورأوه صُلْباً لا تَلِينُ قَناتُه / في الخطبِ يَفْدَحُ والمصيبةِ تَعْظُمُ
يَأْبَى حَياةَ البائِدينَ لِقومهِ / ويَرى منايا الخالِدينَ فَيُقدِمُ
شيخٌ من النَّفَرِ الأُباةِ مِراسُهُ / مُرٌّ ومَطعَمُه أَمرُّ وأَرْخَمُ
حَمَلَ الثَّمانينَ الثِّقالَ إلى الوَغَى / وانسابَ في غَمَراتِها يتضرَّمُ
شَابَتْ ذَوائبُه وفي عِرنينهِ / شُمُّ العُروبةِ ما يَشيبُ فَيَهْرَمُ
قَتَلوه مَنّاعَ الذِّمارِ مُؤمَّلاً / للحقِّ يُسلَبُ والعشيرةِ تُظلَمُ
لا يهتفوا بالعدلِ أو تفسيره / دَمُهُ الزكيُّ مُفَسِّرٌ ومُتَرْجِمُ
رُسُلُ الحضارةِ ضجَّ من إنجيلهم / إنجيلُ عِيسَى والكتابُ المُحكَمُ
أَيُبَرُّ من سفَكَ الدّماءَ ويُتَّقَى / ويُسيءُ من دَفَعَ البَلاءَ ويأثَمُ
بِمَ يَفْخَرُ الرُّسُلُ الكرامُ حضارةٌ / خرقاءُ فاجِرةٌ وعِلمٌ مُجرِمُ
سَاسُوا المَمالِكَ مُفْسِدينَ فَباطلٌ / تعلو مَواكبُهُ وحقٌّ يُهزَمُ
فَرحَانُ ما جَزَعت لِفَقْدِكَ أُمّةٌ / أُمَمُ العُروبةِ كلُّها تَتألَّمُ
في مِصرَ منكَ وفي الشّآمِ صَواعقٌ / تُرْمَى بها دارُ السّلامِ وتُرْجَمُ
ولَئِنْ هَفتْ لِجليلِ خَطبِكَ يَثرِبٌ / فبما اقْشَعَرَّ له الحطيمُ وزمزمُ
لاقاك حمزةُ في اللّواءِ مُكبِّراً / ومَشَى النبيُّ مُهَلِّلاً يَتَبَسَّمُ
اللهُ أكرمَ فيكَ مِن أنصارهِ / حُرّاً يُجِلُّ الحقَّ فيه ويُكرِمُ
نُوَبُ الزّمان كثيرةٌ وأشدُّها / وَطَنٌ يُطاحُ به وشَعْبٌ يُهدَمُ
هَبطتْ على الشّرقِ المُروَّعِ مِن عَلٍ / أُممٌ مَطاعِمُها الشُّعوبُ النُّوَّمُ
شَهِدَتْ فِلسطينُ البَلاءَ فزادها / صَبْراً وعاودَها الحِفاظُ الأقدمُ
اللهُ طهَّرها وبَرَّأَ شعبَها / مِمّا تُعابُ به البلادُ وتُوصَمُ
إرثُ الخلائفِ لن يُدَنِّسَ أَرضَها / رِجسٌ لها بِظُبَى السُّيوفِ مُوَسَّمُ
زَعمَ المُضَلَّلُ أنّه سَيَضِيمُها / واللهُ مُخِلفُ ما يظنُّ ويَزْعُمُ
أَوْدَى بأهلِ التّيهِ مِن أوهامهِ / تِيهٌ عَواقِبُه أَضَرُّ وأشْأمُ
نَثَرتهمُ الأقدارُ شرّاً شائعاً / أمسى على يده يُضَمُّ ويُنْظَمُ
يُحِيي مَطامِعَهم ويلأمُ صَدْعَهم / والقومُ هَلْكَى صَدْعُهم لا يُلأَمُ
كالدّاءِ مُنْتَشِراً تَجَمَّعَ كُلُّه / في مَوضعٍ يُجْتَثُّ منه ويُحْسَمُ
إنّا لَنمنعُ أن تكونَ بلادُنا / سَلَباً لِكلِّ مُشَاغِبٍ يَتَهجَّمُ
نَأْبَى على المُسْتَسْلِمينَ سَبيلَهم / شرُّ الشُّعوبِ العاجزُ المُسْتَسْلِمُ
لا كان مَن حَفِظَ الأمانَة واتّقَى / إن كان مَن يَأْبَى الخيانةَ يأثَمُ
كذبوا على الدُّستورِ ما فيهم له
كذبوا على الدُّستورِ ما فيهم له / حامٍ ولا هو بعدهم بِمُهدَّدِ
هم حَلَّلوا البغيَ المحرّمَ باسمهِ / وجنوا عليه جناية المتعمِّدِ
أمسى بمنزلةِ البغيضِ وإنّه / لأَحبُّ ما تهوى النُّفوسُ وتفتدي
يدعون مِصرَ ومصرُ من طغيانهم / في مأتمٍ جللٍ وعيشٍ أنكدِ
رفعوا الطّغامَ على الكرامِ وقوّضوا / صَرحَ النّظامِ بجرأةٍ لم تُعْهَدِ
كانت رواية هازلين فيَا لهم / من جاهلين وياله من مشهدِ
عضّوا أصابعَهم وراح كبيرُهم / يطفو ويرسبُ في المُقيمِ المُقعِدِ
غضبوا على معبودهم وتجنّبوا / محسودهم فكأنّه لم يُحسدِ
وتفرّقوا جزعين ممّا نابهم / إلا بقايا كالأصابع في اليدِ
وخلا البِساطُ من السُّكارى فانطوى / وصحا من النُّدمانِ كلُّ مُعَرْبِدِ
العدل دمَّرَ ما بنوا من دولةٍ / للزُّرقِ في الزمن الأحمِّ الأسودِ
لو لم يكونوا آثمين لأنكروا / آثامَ جُندٍ للفسادِ مُجنَّدِ
جُندٌ من البغي المُذمَّمِ والأذى / جعلوه للقوم الهُداةِ بمرصدِ
كرهوا الرَّشادَ فما تموج زحوفُه / إلا بساحةِ ناصِحٍ أو مُرشدِ
وترى حُماةَ الأمن من أنصارِه / يخشَوْن شَرَّ الظّالمِ المتوعِّدِ
خُلُقُ العُروبةِ أن تَجدَّ وتَدأبا
خُلُقُ العُروبةِ أن تَجدَّ وتَدأبا / وسَجِيَّةُ الإسلام أن يتغلّبا
لا تِلكَ تَخفِضُ مِن جَناحَيْها ولا / هذا يُريد سِوَى التفوُّقِ مطلبا
رَفَع النُّفوسَ عن الصَّغارِ وصَانَها / عن أن تَخافَ عَدُوَّهُ أو ترهبا
دينُ الفُتوَّةِ والمروءةِ ما طغتْ / لُجَجُ المنايا حَوْلَهُ فَتَهيَّبا
المؤمنونَ على الحَوادثِ أُخوةٌ / لا يعرفون سِوَى الكتابِ لهم أبا
سَلْهُمْ عَلى شرَفِ الأُبُوَّةِ هَلْ رَعَوْا / مَا سنَّ مِن أدب الحياةِ وأوجبا
بَيْتٌ تفرّقَ في البلاد وأُسرةٌ / صَدَع الزّمانُ كِيانَها فتشعّبا
وَهَنَ البِناءُ فَعاثَ في فَجواتِه / عَادِي الفسادِ مُدَمِّراً ومُخَرِّبا
لَبَّيْكَ يا وَطنَ الجهادِ ومرحباً / لَبَّيْكَ مِن داعٍ أَهابَ وَثَوَّبا
لَبَّيْكَ إذ بلغ البلاءُ وإذ أَبى / جِدُّ الزمانِ وصَرفُه أن نلعبا
مَنْ ذا يرى دَمَهُ أعزَّ مكانةً / من أن يُخضِّبَ من فلسطينَ الرُّبَى
كَبَّرتُ حِينَ عفا الوفاءُ وما عفا / في أرضِها أَثَرُ البُراقِ ولا خبا
إنّي أرى المعراجَ عند جلالهِ / وأرى النبيَّ وصحَبهُ والموكِبا
وَطنٌ يُعذَّبُ في الجحيمِ وأُمَّةٌ / أَعْزِزْ علينا أن تُصابَ وتُنكَبا
بقلوبنا الحَرَّي وفي أحشائِنا / ما شبَّ من أشجانِها وتلهّبا
وبنا مِن الأَلمِ المبرِّحِ ما بها / وأرى الذي نَلْقَى أشدَّ وأصعبا
نَتَجرّعُ البلوَى ونَدَّرِعُ الأسَى / نَرْعَى لإِخوتنا الذِّمامَ الأقربا
إنّا لَنعلمُ أَنَّ آكِلَ لحمِهم / سيخوضُ منّا في الدِّماءِ ليَشْربا
جعلوا الكِفاحَ عن العروبةِ حرثَهم / وتعهدّوه فكان حرثاً طيّبا
يَسْقُون ما زَرَعُوا دماً في مُخصِبٍ / لولا الدّمُ الجارِي لأَصبحَ مُجدِبا
البيتُ يَطْرَبُ من أنينِ جَريحِهم / أَرأيتَ في الدّنيا أنيناً مُطرِبا
إنّ الذي زعم السّلامَ مُرادَهُ / جَعلَ الدّماءَ سَبيلَهُ والمركَبَا
إن كان قد غَمَر الزّمانَ وأهلَه / كَذِباً فَمِن عاداتِه أن يكذبا
رَكِبَ الرّياحَ إلى القويِّ يَروضُه / شَرِساً يُقلِّبُ نابه والمِخْلبا
طارت بِه وفؤادُه في رَوْعَةٍ / يتلمَّسُ المَهْوَى ويبغِي المهربا
أَرَأيتَ إذ سكب الدُّموعَ غزيرةً / يأبى الحياء لِمثلِها أن يُسْكَبا
مُتصنِّعٌ باسْمِ الضّعيفِ يُريقُها / وهو الذي ترك الضّعيفَ مُعذَّبا
ما كان أصدقَ نُسكَهُ لو أنَّهُ / رَحِمَ البريء ولم يُحابِ المذنبا
يهذي بِذكرِ العَدْلِ في صَلَواتِه / أَرَأَيْتَ عَدْلاً بالدّماءِ مُخَضَّبا
رُسُلَ العروبةِ هل سأَلتُم جُرْحَها / ما بَالُهُ اسْتَعْصَى وماذا أعقبا
جُرْحٌ تقادَمَ عَهْدُه وتفتَّحتْ / أفواهُهُ تدعو الأُساةَ الغُيَّبا
أنتم أُساةُ الجُرحِ فاتَّخِذُوا له / من طِبِّ شيخِ أُساتِكم ما جَرَّبا
وَصَفَ الدّواءَ لكم وخَلَّفَ عِلْمَهُ / فيكم فأين يُريدُ منكم من أَبَى
يا قومُ لستم بالضِّعافِ فغامِروا / وخُذوا مطالِبَكُم سِراعاً وُثَّبا
أفما كفاكم قُوّةً من دينكم / ما جَمَّعَ الإِيمانُ فيه وأَلَّبا
يا آلَ يعربَ من يُريني خالداً / يُزجِي الخميسَ ويستحثُّ المِقْنَبا
من شَاءَ منكم فَلْيكُنْه ولا يَقُلْ / ذهب القديمُ فإِنّه لن يذهبا
السرُّ باقٍ والزّمانُ مُجدّدٌ / والسّيفُ مافَقَدَ المضاءَ ولا نبا
رُدُّوا المَظالِمَ عن محارِمِ أُمّةٍ / رَدَّتْ ظُنونَ ذوي الجهالةِ خُيَّبا
لم يُعْطِ أوطانَ العُروبةِ حَقَّها / من كان يَطْمَعُ أن تُباعَ وتُوهَبا
لك من تحيات القلوب مواكبُ
لك من تحيات القلوب مواكبُ / ومن القوافي المُشرقاتِ كواكِبُ
الأرضُ حولك مَعرِضٌ لك جانبٌ / منه وللأدبِ المُفضَّلِ جانِبُ
صُوَرٌ تَخطَّفها البيانُ فشاعرٌ / يُغرِي بها وحيَ القريضِ وكاتِبُ
تَتنافسُ الأقلامُ في أوصافها / فَمُقَصِّرٌ نائي المدى ومُقاربُ
ويظلُّ آخرُ بَيْنَ بينَ فدافعٌ / يعتاقه عما يُريد وجاذبُ
ناجيتَها فترنّمتْ وأجبتَها / فطوى البلادَ رَنينُها المتجاوبُ
ووصفتها فتمثّلت في روعةٍ / للسّحرِ فيها أخذُه المتعاقِبُ
زِينَتْ محاسنُها وَزِيدتْ فتنةً / فشدا بها الشّاني وغنّى الصّاحبُ
أرأيتَ إذ رستِ السّفينةُ هل خلا / مَتْنُ العُبابِ وموجه المتراكِبُ
أفضى الأُجاجُ إلى الفراتِ بقادمٍ / ساغ الأُجاجُ به فعبّ الشَّاربُ
النّاسُ بين يديه ما لجموعهم / عَدٌّ وإن بلغَ النّهايَة حاسبُ
تهتزُّ أفئدة لهم وجوانحٌ / وتموجُ منهم أعينٌ ومَناكبُ
ينأَى على حبِّ البلادِ وعهدِها / ويَؤوبُ أحسنَ ما يؤوبُ الغائبُ
هِيَ أوبةُ الغازي المظفَّرِ أقبلت / بالنّصر أعلامٌ له وكتائبُ
ردَّ الأخيذةَ ساقها مذعورةً / ونجا بمهجته الزعيم الخائبُ
ثَقُلَتْ على مصرَ القيودُ فهزَّها / حتّى هوى منها العَضُوضُ النَّاشبُ
لم يبقَ إلا أن يُقَالَ لها انهضي / فإذا الزمانُ مسالكٌ ومساربُ
وإذا المضائقُ والدُّروبُ أمامها / وكأنّهنّ مَفاوزٌ وسباسبُ
ماذا عليها وهي في أعراسها / إن أرجَف النّاعي وضجَّ النّاعبُ
خُذْ ما استطعت من المطالب وارتقب / عُقبى الأمور فللأمور عواقبُ
الدّهرُ لا يُعطيك إلا كارهاً / فإذا أبيتَ فإِنَّ رأيك عازبُ
وإذا اضطلعتَ بأمر جيلِك كُلِّه / وقضيتَ حاجَتهُ فما لك عاتبُ
يبني الفتى يوماً ويبني غيرُه / فإذا البناءُ على الحوادث دائبُ
أرأيتَ أظلمَ من أُناسٍ أُولِعُوا / بالعاملين فهادمٌ ومشاغبُ
سُبحانَ مَن رزق النُّفوسَ خِلالَها / فمناقبٌ مأثورةٌ ومثالبُ
وَفِّ الرجالَ إذا حكمتَ حُقوقَهم / إنّ الرّجالَ منازلٌ ومراتبُ
وَدَعِ الهوى للجاهلين فإنّه / نارٌ مؤجّجَةٌ وهمٌّ ناصبُ
وخُذِ السّبيلَ هُدىً ونوراً ساطعاً / إنّ ابن محمودٍ لَنجمٌ ثاقبُ
أملٌ تَلوذُ به الكنانةُ صادقٌ / إن راحتِ الآمالُ وهي كواذبُ
نرضى حكومته ونحمدُ صُنعَه / ونذمُّ ما صنع الغبيُّ الغاضبُ
لولا صرامتُه وحِكمةُ رأيهِ / ما ذاق طعمَ الجِدّ شعبُ لاعبُ
والشّعبُ ليس بِمُهتَدٍ في سعيهِ / حتّى يبين له السّبيلُ اللَّاحبُ
مَن لا يرى أنّ البلاد تجارةٌ / وهوى البلادِ مغانمٌ ومناصبُ
ما ذنبُه والحكمُ يطلبُهُ إذا / حُرِمَ الضَّنينُ به وخاب الطّالبُ
فتن الغُواةَ فللعقول مصارعٌ / عن جانبيه وللوجوه مَساحبُ
صَفَتِ الحياةُ فلا بلاءٌ شاملٌ / يُؤذِي النُّفوسَ ولا عذاب واصبُ
لكَ يا محمدُ عند كلِّ موفّقٍ / عهدٌ يُعظِّمه وحقٌّ واجبُ
أنت الزعيمُ الحقُّ ما بك رِيبةٌ / والحقُّ للخَصمِ المُناجِزِ غالبُ
تُعطي البلادَ إذا تنمَّرَ آخذٌ / وتُفيدُها ما يستفيدُ السَّالبُ
وتُضيمُ نفسَكَ وَهْيَ جِدُّ عزيزَةٍ / تحمي الحقيقة إن تحَفَّز واثبُ
نفسٌ سمت أعراقُها وخلالُها / ومن النُّفوسِ ذخائرٌ ومواهبُ
ومن الرجال الصّالحين لقومهم / عند الجهادِ أسنَّةٌ وقواضبُ
المسجدُ الأقصى لسانٌ صارخٌ / يُهدِي تحيّتَهُ وقلبٌ واجبُ
أمّا فلسطينُ الثكولُ فإِنَّها / تُطرِي صنيعَك والدُّموعُ سواكبُ
لم تَنْسَها والظلمُ مُنتصِرٌ بها / والعدل مُنهزمُ الفيالقِِ هاربُ
والنّارُ تأخذُ أهلَها فمُعذَّبٌ / يُشوَى على أيدي الطُغاةِ وذائبُ
ما للشيّوخِ ولا العذارى عِصمةٌ / الهَوْلُ طامٍ والرَّدَى مُتكالبُ
موسى على أسفٍ وعيسى ناقمٌ / ومحمدٌ جَهْمُ المُحيَّا شاحبُ
أمِن الجرائمِ أن يُزحزَحَ غاصبٌ / ويُرَدَّ عن حقِّ الممالكِ ناهبُ
المجرمُ الوَرعُ الذي يَدَعُ الحمى / حَذَر الجريمةِ والأثيمُ التّائبُ
أُمَمُ العروبةِ أكبرت لك نجدةً / رَضِيَ اللّهيفُ بها وكَفَّ العاتِبُ
وَاسْتروحَ الإِسلامُ من نَفَحاتِها / رِيحَ الأُلىَ اخترم الزّمانُ الذاهبُ
حُرٌّ من النَّفرِ الكِرامِ يَهزُّهُ / عِرقُ إلى السَّلفِ المُطهَّرِ ضاربُ
مُتأهِّبٌ والنّازلاتُ كتائبٌ / مُتَبلِّجٌ والحادثات غياهبُ
الله أكبرُ يا سُلالةَ يَعْرُبٍ / بالت على حَرَمِ الأُسودِ ثعالبُ
اعمل وجاهد يا مُحمّدُ إنّها / دُنيا يموتُ بها الجبانُ الهائبُ
لِلمُلكِ أوتادٌ تُقامُ وأنتَ من / أوتادهِ إن جدَّ أمرٌ حازبُ
ما المُلكُ إلا ذو غوارِبَ زاخرٌ / يشقى به الطّافي فكيف الرّاسبُ
أَدرِ الحديثَ وَطُفْ على الأقوامِ
أَدرِ الحديثَ وَطُفْ على الأقوامِ / مِن شَيِّقٍ طَرِبِ الفُؤادِ وَظَامِ
هَذِي جوانِحُنا وتِلكَ قُلوبُنا / مَلأَى الجوانبِ مِن هَوىً وغَرامِ
جَدِّدْ لأنْدَلُسٍ وطيبِ زمانِها / عَهْداً طَوَتْهُ سوالفُ الأيّامِ
واذْكُرْ حَديثَ الفاتحينَ وما رَعَوْا / لِقَطينِها من حُرمةٍ وذِمامِ
قَومٌ أمضَّهُمُ البَلاءُ وهَدَّهُمْ / ظُلمُ المُلوكِ وقَسوةُ الحُكَّامِ
بِيعوا لِقومٍ فاسقينَ فما رَعَوْا / حَقَّ العبيدِ وحُرمةَ الخُدّامِ
في صُورةِ الإنسانِ إلا أنَّهم / نَزَلُوا هُناكَ منازلَ الأنعامِ
هيَ أُمّةٌ تَشْقَى لِيَنْعَمَ غَيرُها / ويَعيش في دُنيا مِن الآثامِ
صَدَعتْ جُنودُ اللهِ مِن أغلالِها / وتَدَارَكتْها رَحمةُ الإسلامِ
دينٌ مَحا لِلظُّلمِ كُلَّ شَريعَةٍ / وأتَى بِخيرِ شَريعةٍ ونظامِ
صَلُحَ الرُّعاةُ فَودَّعتْ في ظِلِّهم / مَرْعَى الهُمومِ ومَورِدَ الآلامِ
واسْتَقْبَلتْ لِلعَدلِ عَصْراً صالحاً / ما فيه من عَسفٍ ولا إرغامِ
عصرٌ أُتِيحَ لها على يدِ فاتحٍ / سَمْحِ السُّيوفِ مُبارَكِ الأعلامِ
حَفِظَ المحارمَ والحُقوقَ لأهلِها / وَحَمى مقاتِلَها فَنِعمَ الحامي
وَضَحَ الهُدَى للحائِرينَ فَقُلْ لَهم / لا عُذْرَ لِلأَعْمَى ولا المُتعامي
ظَفِرُوا بِحربٍ مِن كَتائبِ طارقٍ / كانت لأنْدَلُسٍ بَشيرَ سَلامِ
نَشَرَ الهدَى والنُّورَ في أرجائِها / فبدا السّبيلُ وزَالَ كلُّ ظَلامِ
بَطَلٌ مَضَى يَرمِي العُبابَ بِهِمَّةٍ / جَاشَتْ زَواخِرُها وبَأسٍ طَامِ
أَخَذَ السَّفِينَ بِموجةٍ من بَطشِه / حمراءَ ما تزدادُ غَيْرَ ضِرامِ
ودعا الجنودَ فقالَ يا قومِ انْظُروا / البحرُ خَلفِي والعدوُّ أمامي
لا رَأْيَ إلا الحربُ تستقصِي المَدَى / حتّى أفوزَ بِمطلبِي ومَرامي
يا صاحب القَصص الحكيمِ شَهادةً / مِن مُؤمنٍ بِشَهادةِ الأقلامِ
أَنصَفْتَ دينَ النّورِ فانْتبَهَتْ له / أحلامُ قومٍ في الظّلامِ نيامِ
وذَهَبْتَ تذكرُ للأُلىَ اتَّبعوا العَمَى / ما فيهِ مِن سُنَنِ ومن أحكامِ
وَوَصَفْتَ عاقبةَ الغُرورِ وما جَنَى / سَفَهُ العقولِ وخِفّةُ الأحلامِ
وبَنَيْتَ للأخلاقِ صَرْحاً عالياً / ترتدُّ عنه مَعاوِلُ الهُدّامِ
اكْتُبْ وَقُلْ وارْفَعْ لِقومكَ ذِكرَهُمْ / هذا هو القَصصُ البديعُ السّامي