القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : جَميل صِدقي الزَّهاوي الكل
المجموع : 210
قالوا اطردوا الزنديق من أوطانكم
قالوا اطردوا الزنديق من أوطانكم / ماذا يخاف القوم من زنديق
قالوا اقتلوه إنما هو مارق / ماذا يضير المؤمنين مروقي
قلت الحقيقة طالباً أن ينظروا
قلت الحقيقة طالباً أن ينظروا / فيها فقالوا مارق زنديق
وليشهد الثقلان أني مارق / إن كان في قول الصواب مروق
ما أنت زنديق تزور جهنما / بل لا يزور جهنما زنديق
إن كذبوك يضيرهم تكذيبهم / إياك أعنى أيها الصديق
الناس طرا آمنوا بالله
الناس طرا آمنوا بالله / وأراك عنه بالطبيعة لاهى
آه على أيام دين قد خلت / آه عليها ثم آه آه
إني لأسمع قائلاً يدعو إلى / كفر دعاء أخى ضلال داهي
يا قوم إن الدين اكبر مانع / لرقيكم وبه الجميع يباهي
لكم الطبيعة فاعبدوها أنها / جلت عن الأمثال والأشباه
ما للذي عبد الطبيعة مخلصاً / غير الطبيعة آمر أو ناهي
أف لقوم يؤمنون بخالق / للكون أجمعه بلا استكناه
الكفر لا إكراه فيه لآخذ / والدين قد نشروه بالإكراه
ليس الذي هو بالطبيعة مؤمن / مثل الذي هو مؤمن باللَه
إن الطبيعة للورى ملموسة / واللَه مسموع من الأفواه
العقل ينفي اللَه بعد روية / ربأ بكون ليس بالمتناهى
والمؤمنون بذي اختيار بارئ / متمسكون بخيط ظن واهي
هذا لعمري ما سمعت وانه / للناس فيه مصائب ودواهي
يا أرض أنت الأم للإنسان
يا أرض أنت الأم للإنسان / يا أم ضميني إلى الأحضان
إني سئمت من الحياة وطولها / وسئمت ذكر اللَه والشيطان
ماذا برقراق السحائب
ماذا برقراق السحائب / ضمن المجرة من كواكب
ليست كمزعم بعضهم / نهراً يفيض على الجوانب
كلا ولا هي لو تعي / زبدٌ بوجه السيل ذائب
كلا ولا وادٍ على / طرفيهِ قد صفت كتائب
حيث الأسنة ثَمَّ في ال / هبوات تضحك والقواضب
أهناك جيش لا أبا / لك حذوه جيش محارب
فلننتظر حتى نرى / من ذا من الجيشين غالب
كلّا ولا سدُمٌ حوت / غازاً فهذا الظن كاذب
لكن شموس جاريا / ت ضمن هاتيك السحائب
بل إن هاتيك السحا / ئب ذات انجمها الثواقب
أجرامها يسبحن في / بحر الأثير لكل جانب
الكل يذهب في الفضا / ء على اختلافٍ في المذاهب
وعلى ارتباطٍ بينها / بقوى جواهرها الجواذب
يا أيّهذا العالم ال / نجمي كم بك من عجائب
كم زار منك نظامنا / جرمٌ يجدّ السير دائب
جرمٌ بديعٌ شكله / جرمٌ يعدّ من الغرائب
فله نواةٌ ذات نو / رٍ مشرقٍ وله ذوائب
ويضئ حتى تستضى / ء به المشارق والمغارب
ويزيد إشراقاً على / إشراقهِ مهما يقارب
حتى إذا ما دار حو / ل الشمس سافر وهو آيب
فكأنه متحملٌ / في زوره كتباً لغائب
أَمخبرٌ أحد النجو / م لشمسنا بعض المطالب
يا عالماً يحوي عوا / لم سائرات في مواكب
كم من شموس فيك أك / ثرها عن الأبصار عازب
شسعت فأسفر بعدها / عن مثل أنوار الحباحب
وهناك لولا أبعد ال / أبعاد نيران لواهب
تجلو أشعتها المني / رة ما هناك من الغياهب
وتوازنت أجرامها / فالكل مجذوب وجاذب
ولها توابغ في تن / قلها السريع لها تصاحب
تحكى توابع شمسنا / فتطوف منها في الجوانب
وعلى توابعها تدو / ر توابع أخرى صواحب
العلم هذا رأيهُ / فيها ورأُى العلم صائب
يرضى به من كان ذا / نظرٍ بعين العقل ثاقب
لكن من جهل الحقا / ئق من سماعته مغاضب
ومن المصائب أن تخا / طب جاهلاً ومن المصائب
أما الحياة فان ظن / ن العقل فيها غير خائب
أيجوز أن الأرض تُس / كن وحدها بين الكواكب
وتكون غير الأرض خا / لية كأمثال الخرائب
هذا لعمري إن يص / ح فانه لمن العجائب
إن الحياة تبين حي / ث ترى لها وسطاً يناسب
ما أوحش الأجرام لم / تمرح بها بيض كواعب
وترى كأحسنها العيو / ن النجل فيها والحواجب
يا ساكني تلك النجو / م على اختلافٍ في المراتب
إني مخاطبكم فلا / تلووا الوجوه عن المخاطب
باللَه قولوا لي أَأَن / تم مثلنا غرض النوائب
إنا نعاتبكم إذا / لم تفصحوا إنا نعاتب
أَحَياتكم كحياتنا / لا تكتموا عنا متاعب
أم هل هناك حياتكم / صفوٌ فليس بها شوائب
إنا لنفزع من مصا / ئب لاجئين إلى مصائب
إنا بظاهر أرضنا / قسمان مغصوب وغاصب
الظلم ضيَّق في وجو / ه رجائنا طرق المكاسب
والعلم مغلوب فلا / يعلى بهِ والجهل غالب
إنا بحال لو علم / تم غير محمود العواقب
نسعى لنفع الآخري / ن من الذين لهم مناصب
ونعيش في حال التعا / سة بالأمانيِّ الكواذب
لهفي على الشبان قد / سلكوا سبيلاً للمعاطب
غيلوا بكل قساوة / فبكتهمُ حتى الأجانب
ويلي على بيضٍ نشر / ن من الأسى سود الذوائب
يخمشن حرَّ وجوههن / ن ويلتدمن عَلَى الترائب
يبكين فقد أعزة / ماتوا فهن لهم نوادب
ناشدت شيخاً قد تقو
ناشدت شيخاً قد تقو / وس ما تفتش في الترابِ
فأجاب يا ولدي لقد / ضيعتُ أيام الشباب
طارت بعزٍّ للسماء الأرفع
طارت بعزٍّ للسماء الأرفع / ورقاء كانت فيكَ ذات تخضُّعِ
قد كان مسكنها بجسمك ضيقاً / واليومَ تسبح في مكان أوسع
اللَه أرسلها إليك وبعد أن / مكثت قليلاً فيك قال لها ارجعي
أنا شاعر فاذا أطلت عنائي
أنا شاعر فاذا أطلت عنائي / قامت عليك قيامة الشعراء
أسعى لأجمعَ شملَ أهلِ مدينتي
أسعى لأجمعَ شملَ أهلِ مدينتي / يا خيبة المسعى إذا لم أنجحِ
طلعت كقرن الشمس بعد تبرقع
طلعت كقرن الشمس بعد تبرقع / فوقفت مبهوتاً لحسن المطلع
ورنت بألحاظ تمض فغادرت / قلبي كشلو بالسيوف مبضع
ومشت فهزت عند ذلك قامة / تزرى بأملود الرماح الشُرَّع
بيضاء ناعمة تزين قوامها / بضفائر قد ارسلتها أربع
ما كدت تنجو يا عذولُ من الهوى / لو كنت يوم بدت سعاد بموضعي
شمس إذا طلعت عليَّ أواختفت / عن مقلتي تبدو كواكب أدمعي
قد نال أسباب السعادة مغرم / يبكي بمرأى من سعادَ ومسمع
لي في فراقك لو سمحت بنظرة / خزنٌ تأَجَّجُ ناره في أضلعي
قد كان واحراه بعد تحوُّطي / ما كنت أخشاه فيا نفس اجزعي
لِلّه أيامي بجرعاء الحمى / باللَه يا أيام جرعاء ارجعي
حيث الصبا غضٌّ ودهري بالمنى / سمحٌ وعهد سعاد غير مضيَّع
قضَّيت أوطار الهوى فنسيتها / إلا لبانات بتلك الأربع
ما أنس لا أنس الحمى ومقيلنا / في ظلِّه سُقَى الحمى من موقع
وسعاد تمشي بين أتراب لها / كالبدر في وسط النجوم اللمَّع
أيام لهوٍ لا تعود ذكرتها / فعضضت من أسف عليها إصبعي
في ظل عيش نمت تحت جَناحه / نومَ الرضيع على ذراع المرضعِ
إني إذا بخل الربيع فما سقى / تلك الربوع سقيتها من أدمعي
طبنا بوصلك بُرهةً واليوم قد / وقع الفراق فقلت يا نفس اشجعي
صرعتنيَ الأيام في حملي بكم / عبءَ الغرام فهل حمدتم مصرعي
وتركتني حيران أعشو كالذي / ليلاً أضاع طريقه في بلقع
قد مات منِّي كل ما أقوى به / إلا أمانيَّ التي تحيا معي
ولقد تَقطعُ كل أسباب الهوى / إلا حبالك فهي لم تتقطع
قد كنت أرجع من هواك لغيره / لو كان غير هواك لي من مرجع
يا نفس زوري بعد موتي دارها / ومع النفوس الراكعات بها اركعي
وتصوري فيها بشكل حمامة / وقعي على الجدران ثَمَّةَ واسجعي
سترين يا نفسي هنالك أنفساً / متهافتات كالحمام الوقع
أدرى بأن سعادَ مائلة إلى / شدو الهوى فاذا سجعتِ فرجِّعي
يا نفس لا تخشين من قرب الردى / فالموت فيه راحة المتفجع
ما في سبيل الموت وجه صعوبة / من مات يمشي في طريق مهيع
أنَّي التفت أرى الحياة كأنها / شخص يقابلني بوجه أسفع
والعيش يلقاني بعين ماؤُها / يَستَنُّ من عمشٍ وأنفٍ أجدع
احتط ولا تلجنَّ في غمر الهوى / إني نصحتك يا فؤادي لو تعى
يا قلبُ صبراً لا تكن متضجراً / ما أنت أوَّل وامق متوجع
ما أنت يا قلبي لدى البيض الدُّمى / من شاعرٍ سكن العراق بأضيع
بلد بهِ حط النفاق رحالَه / ما بين ماش في الفساد وموضعِ
الظلمُ حيٌّ فيهِ نامٍ شائعٌ / والعدل ميت لا يجيب إذا دُعى
أما العلوم فإنها مفقودة / بتمامها وإن ادّعاها المدَّعي
جهلوا العلوم ففاتهم نيلُ الغنى / والجهلُ عنوان لفقر مدقع
قد يغفر الرحمن كل ذنوبهم / إلا احتقار العالم المتضلع
كم قد تمتع خادع بمقاله / ما هذه الدنيا بدار تمتع
وقد ادّعى شيخ الطريقة عفة / يا شيخ ما معك العفاف ولا معي
باللَهيا عَرَصات بغدادَ اذكري / أين الرشيد مضى وأين الأصمعي
بليت بها تلك الوجوه كأنها / زهرٌ نمت بمهبّ ريح زعزع
ويل لشعري كيف ضاع وإنه / لألذُّ من عَودِ الشفاء لموجع
وأرقّ من كلمَ يفوه بلفظها / يوم الفراق مودِّع لمودّع
وقصيدة كخريدة محزونة / تشكو بصوت راجف متقطع
وتُغض من عينين دعجاوين في / وجهٍ صبيح فوق جيد أتلع
حَمَلَت فؤاداً بالنوى مصدوعا
حَمَلَت فؤاداً بالنوى مصدوعا / وحشاً يذوب صبابةً وولوعا
وَقَفت على قبرٍ أجنَّ حبيبها / ودعت فما ألفت هناك سميعا
قد أسمعتكَ أنينها الأوطان
قد أسمعتكَ أنينها الأوطان / بضعيف صوت ملؤه الأشجانُ
مدَّت إليك يد الشكاة لأنها / قد عاث فيها الظلم والعدوان
أدرك بها الضعفاء واستعجل فقد / عزَّ النصير وقلَّت الأعوان
إن كنت تنصرها وتحمي حوضها / عن غاصبٍ فلقد أتى الإبَّانُ
أدرك بنصرك أمرَ قومِك إنهم / ظلموا فريع الشيب والشباب
وجرت دموع الحزن فوق خدودهم / وتقرحت منهم بها الأجفان
لا بدَّ من أن تستهل دموعهذ / من كان تضغط قلبه الأحزان
قد يُستدل على الحزين بدمعهِ / مثل الكتاب دليله العنوان
يا غيرةَ اللَه ابطشي بعصابة / الهاهمُ الجبروت والطغيان
فلقد أهين العدل في ديوانهِ / ولقد أهين العلم والعرفان
ولقد أهينت للمساجد حرمة / وأهين في محرابها القرآن
جعلوا الحكومة في البلاد ذريعة / للغدر حتى رجَّت البلدان
لا شيء يحظى من قلوب سراتهم / بالحب إلا الأصفر الرنان
قوم جفاة مالهم من رحمة / لو لان صخر جامدٌ ما لانوا
سلبوا القبائل مالها بوسائل / لا يستطيع كخلقها الشيطان
لم يرتضوا من بعد سلب ثرائها / إلَّا بأن تتهتك النسوان
حتى إذا وقفت عن استرضائهم / ظنوا بأن وقوفها عصيان
فتواثبوا يتصيدون رجالها / بقوى الرصاص كأنهم غزلان
وتهاربت منها البقية خشيةً / من أن تنال حياتها النيران
لم تبق في تلك الديار أمامهم / إلا نساء الحيِّ والولدان
فتفرَّق العادون بين بيوتها / وأتوا فظائع جمة وأهانوا
يا ويلها بالمال منهم ما نجت / هذا لعمر أبي هو الخسران
ويح المواطن إنها لبست بهم / ثوب الخراب فما بها عمران
محقورة في عينهم لا أهلها / أهل ولا إنسانها إنسان
تاللَه يا طمع الولاة عَرَقتنا / وأكلت ما لا يأكل الغرثان
يا عدل إنك أنت محبوب لنا / حتامَ هذا الصدُّ والهِجران
يا عدلُ ألقى الياس في أرواحنا / يا عدل منك المطلُ والليانُ
يا عدل منذ صددت عنا مالنا / يا عدل عنك بحالة سلوان
يا عدل إنا قد تفارقنا كما / تتفارق الأرواح والأبدان
يا ربّ قد شاع الفساد كما ترى / وتهدمت من دينك الأركان
يا رب قد بيعت حقوق ضعافنا / للأقوياء وحيزت الأثمان
يا ربّ ضاع الصدق بين سراتنا / يا رب عم الزُّور والبُهتان
حتامَ يختار الشقاقُ مقامه / في المسلمين وإنهم إخوان
حتام هذا الحقد بين رجالنا / حتام هذا البغض والخذلان
حتام لا تأتي النفوس صلاحها / حتام لا تتنبه الأذهان
قوم لعمري في الجهالة نوَّم / والشرُّ فيهم وحدَه يقظان
كل الأنام تقدموا في أمرهم / ونصيبنا من بينهم حرمان
انظر إلى إيران كيف تملصت / من خطة فيها أذى وهوان
جاءت بإصلاح يعلِّى شأنها / لِلّهِ ما جاءت به إيران
عمدت إلى الشورى فسنت مجلساً / فيهِ لرأي الأمة السلطان
رفعت لواء العدل فوق بلادها / حتى استوى المسكين والخاقان
حَمَلت فؤاداً للفراق حزينا
حَمَلت فؤاداً للفراق حزينا / فبكت فكان لها البكاء معينا
كذب الرجاء فما نجيبٌ يرجع
كذب الرجاء فما نجيبٌ يرجع / وأقضّ يا سلمى عليك المضجعُ
يا حزن نب يا قلب ذب يا طرف صب / خاب الذي كنا له نتوقع
يا أم صدري والنون تذكى الهوى / يا أم كانونٌ لنارٍ تلذع
إن الفؤاد يصير فيهِ أدمعا / وتسيل فوق الخد مني الأدمع
أوجاع ما تبدي العيون شديدة / وأشد منها ما تجُنُّ الأضلع
قلت الإياس به لنفسي راحة / فإذا الإياس وما يولد أوجع
كانت بليل الهجر في قلبي المنى / مثل النجوم المستنيرة تطلع
فأتى سحاب اليأس يملأ جوه / فتغيبت تلك النجوم اللُّمَع
يا أم جربت البكاء وعكسَه / يا أم إن كليهما لا ينفع
قالوا تزوَّجَ في فروق غنية / أموالها تُعلى الرجال وترفع
هذا هو الخبر الذي لسماعه / أمسى رجائي حبله يتقطع
هذا هو الخبر الذي باتت له / في الليل نفسي والنهار تُروّع
ما إن أسيت لكونهِ متزوجاً / ليكن له ليكن حلائل أربع
لكن تَصَوُّرَ كونه يبقى كذا / متباعداً عني لقلبي يصدع
كيف الإقامة يا نجيب فدلني / بالدار بعدك وهي قفرٌ بلقع
حسبي من الآلام ما أشقى بهِ / حسبي من الأقوال ما أنا أسمع
كانت لعمري في بداية أمرها / سلمى وحيدة موسرٍ يتبرع
بنتٌ أبوها جدَّ في تهذيبها / وقضى فناهزت البلوغ ترعرع
عذراء بارعة الجمال فتيةٌ / في وجهها نور الشبيبة يلمع
خدٌّ كنُوار الربيع مورد / ونواظرٌ دعج وجيد أتلع
ربيت وشبَّت في حماية أمها / تلهو بموروث الثَراء وترتع
حيث الحنانُ ظلاله ممدودة / حيث الوداد غصونه تتفرع
كانت تحبُّ الزهر وهو يحبها / فكلاهما متوهج متضوع
يتبسمان بشاشة واليوم قد / ذهبت بشاشات الأحبة أجمع
أما نجيب فهو صادفها فتى / يزهو بحسنٍ للغواني يخدع
جازٌ لها لكنه متقلب / في الفقر إلا أنه يتصنع
يرنو إليها من نوافذ بيتهِ / وإليهِ من شباكها تتطلع
حتى تورَّط قلبها في حبهِ / وغدت بغير لقائهِ لا تقنع
وأبان يخدعها نجيب إنه / بجمالها الفتان صبٌّ مولع
مرت شهور في الغرام عليهما / هذا يغازلها وهذي تسجعُ
والأم لما شاهدت من بنتها / ذاك اللجاج وأنها لا تُقلع
رضيت أخيراً أن تزوِّجها بهِ / كرهاً وكانت قبل ذلك تمنع
مرَّت ثلاث سنين وهو خلالها / في القمرِ يصرف مالها ويُضيَّع
حتى إذا نفدت جميع نقودها / وغدا الأثاث يباع ثم يوزَّع
أنهى لسلمى قائلاً أحبيبتي / ليس الأمور هنا كما أتوقع
إني نويت إلى فروق رحلةً / على أنال بها مقاماً يرفع
فبكت لتمنَعه الرحيل وأعولت / لكن نجيبٌ بالقطيعة مزمع
هو جالس يبدي لسلمى عزمَه / وأمامه سلمى الحزينة تضرع
أحليلتي لا تجزعي من رحلتي / إني إليكم عن قريب أرجع
فمضى ومرَّت حجتان ولم يجئ / منه كتاب للكآبة يدفع
سلمى جثت يوماً بجانب أمها / تبكي كما يبكي الحزين المفجع
تشكو تباريح الفراقِ لها كما / قد كنت في صدر القصيدة تسمع
والهمُّ يضغط قلبها من داخل / حتى يكاد شغافه يتمزع
والأم جالسة تسليها إذا / بالباب من دون انتظار يقرع
فمشت لباب الدار سعياً أمها / ريحانة وكذاك سلمى تهرع
وإذا بمأمور البريد يقل في ال / أَيدي كتاباً لم يكن يتوقع
سلمى تسلمت الكتاب وقلبها / فرقاً يكاد بصدرها يتفلَّع
فضَّته تاليةً له حتى إذا / فرغت من التلوِّ صاحت تجزع
يا أم طلَّقني فماذا حيلتي / يا أم سرَّحني فماذا أصنع
يا أم لا تنأين عني إنني / عما قليل للحياة أودعُ
يا أم في نفسي عذابٌ مؤلم / يا أم في قلبي اضطراب موجع
وأُحسُّ أن سراج روحي ينطفي / والقلب مني بالأسى يتصدَّع
وكان في لحمي وجلدي والحشا / والعظم يا أمي أراقمَ تلسع
ربَّيت مثلَ الزهر آمالاً بها / كان الفؤاد على النوى يتمتع
ويعيش مسروراً بها آهٍ فقد / هبت على الآمال ريحٌ زعزع
ويحي لممحوض العلاقة يزدري / ويحي لمعروض الوداد يضيَّع
لهفي على شرخ الشباب صرفته / في حب غدَّار يغرُّ ويخدع
لهفي على الأيام كيف تبدَّلت / والعيش كيف مضى فما أن يرجع
يا موت إنك أنت أنت الملتجى / وإليك من هول الحياة المفزع
يا موت زر يا موت زر يا موت زر / ليست حياتي بعد فيها أطمع
يا موت يا كلَّ النجاةِ يقول لي / قلبي فضاؤُك من فضائي أوسع
قد كنت أنظم والحياة رغادة
قد كنت أنظم والحياة رغادة / واليوم أنظم والحياة ملال
لم تبق من ماء جمعت زلاله / في الحوض إلا هذه الأوشال
لهفي على الحر الموس
لهفي على الحر الموس / سدِ في الثرى عبد اللطيف
لهفي على الأمل الذي / عبثت به أيدي الحتوف
لهفي على ذاك اللسان / الرطب والقلب الرؤوف
ما شئت من صدق ومن / حذق ومن رأي حصيف
لم ينشرح في الجيش من / قطع الجماجم والأنوف
فقضي برجحان اليراع / على البنادق والسيوف
ما أكبر النفس التي / في ذلك لجسد النحيف
أستاذ تاريخ الشعوب / وجهبذا الأدب الطريف
ليس الحياة بغير معرفة / سوى شيء سخيف
قد كان أكبر همه / منع العسوف عن العسيف
يسعى ليدرأ جاهداً / حيف القوي عن الضعيف
ما كان يخدعه ظهو / ر الذئب في جلد الخروف
قالوا قضى فمسكت قلبي / وهو يلحف في الوجيف
ما رزء من يبكي عليه / الشعب أجمع بالخفيف
إن الحياة وغى وقد / يهوي الشجاع من الصفوف
ولرب فرد يوم تدعو / الحرب أكثر من ألوف
من كان مقداماً فلا / يخشى مصارعة الصروف
والموت ليس كما يخا / ل البعض ذا شبح مخوف
بثوا بألسنة لكم من نار
بثوا بألسنة لكم من نار / ما في جماجمكم من الأفكار
سيروا الى غاياتكم في جرأة / كالسيل هدارا وكالاعصار
ثوروا على العادات ثورة حانق / وتمردوا حتى على الاقدار
كونوا جميعاً سادة لنفوسكم / فالعصر هذا سيد الاعصار
وتقدموا متواثبين لتلحقوا / بالسابقين الغر في المضمار
اما تهاونكم فيجرح امره / في القبر عزة يعرب ونزار
ليس الحياة سوى نزاع دائم / يا للضعيف به من الجبار
الفوز للجلد الجريئ فؤاده / والويل كل الويل للخوار
يا شيب لستم للوغى فتأخروا / وبدار يا شبان ثم بدار
لا تقبلوا في الدين ما يروونه / الا اذا ما صح في الانظار
ان اليقين لفي الشهود جميعه / والشك كل الشك في الاخيار
انضوا القديم وبالجديد توشحوا / حتام تختالون في الاطمار
وتملصوا من نير كل خرافة / خرقاء تلقي الرين في الافكار
وتحرروا من قيد كل عقيدة / سوداء ما فيها هدى للساري
قولوا الحقيقة جاهرين واعلنوا / للناس ما فيها من الاسرار
في كتمها عنهم اذا فكرتمو / ما ليس في الاظهار من اخطار
هي عادة حسناء ان لم نحتفل / بجمالها ذهبت الى الاغيار
أنسومها خسفاً ونوسعها قلى / يا للجهالة ثم يا للعار
ان الحقائق كالصباح جميلة / للناظرين وكالنجوم عوار
اني ارى صبحاً تبلج وجهه / والصبح اعرفه من الانوار
أارى الصباح ولا اغرد شاهقاً / اني اذاً حجر من الاحجار
ما شاهدت عيني ممث
ما شاهدت عيني ممث / ثلة كفاطمة الشهيره
أبدت جلال الفن حت / تى في مواقعه الخطيره
للفن ثم الفن ثم / مَ الفن فاطمة القديره
خلقت ممثلة فلا / شطط هناك ولا نكيره
اجللت فيها العبقري / يَة هاتفاً وهي الجديره
هذي فتاة النيل لل / اعجاب في شعب مثيره
جاءت تلاعب دجلة / ابان سورتها الاخيره
جمعت الى الفن الجميل / جمال طلعتها المنيره
وجه صبيح ذو روا / ء مثل زنبقة نضيره
الصورة الحسناء را / مِزة إلى حسن السريره
أطريت سيدة إلى ال / إطراء ليست بالفقيره
لا دور الاّ احسنت / هُ في الروايات الكثيره
في كل دور ابرزت / آيات مقدره كبيره
حكت الحوادث مثلما / وقعت ولم تترك صغيره
من لم يقدر ما هنا / لك فالعفاء على البصيره
وهناك من هو جاحد / ما اتعس العين الحسيره
وهناك اعمى فهو قد / يرتاب في شمس الظهيره
بغداد لم تشهد لفا / طِمة الجميلة من نظيره
للّه أنت وللبرا / عة من ممثلة خطيره
الفن اكبر ناظم / في هذه الدنيا الكبيره
الفن يعرف قدره / اهل العقول المستنيره
ان الحياة جزيرة / والفن صرح في الجزيره
والفن لا يبنى اذا / اختلف الزمان على وتيره
ان الفراق لحادث / صعب وانت به خبيره
ليس الحديث عن الهوى / من شاعر شيخ جريره
يكفى الذي هو شاعر / ان قال ما يرضى ضميره
ولنغتبط بالفن ان / ن حياتنا هذي قصيره
انا ان هلكت فليس ما / آوى اليه سوى حفيره
هذي يدي عند الودا / عِ إلى مصافحة فقيره
فالى اللقاء ففيه تحقيق / لآمال كبيره
أذكى تعصب ثلة جهال
أذكى تعصب ثلة جهال / نارا بها انا دون غيري الصالي
ذهب الربيع فلا ربيع قبالتي / ومضى الهزار فلا هزار حيالي
اعمارنا ليست على سعة المنى / ان الحياة قصيرة الآجال
ولسوف اهجع في حفير مظلم / متقطعاً في جوفه اوصالي
الكذب عاهرة شهدت طلاءها / وسمعت منها رنة الخلخال
انا لمربوطون من عاداتنا / بسلاسل كسلاسل الاغلال
ان العجول على نبالة قصده / متعثر في السير بالاذيال
قاسيت اهوال الليالي جمة / يالليالي ثم للاهوال
وهو القريض اذا يميني افلتت / منه القياد اخذته بشمالي
لما عتا دهري وددت زواله / وزواله لو صح فيه زوالي
ولقد حنى ظهري الضعيف بقسوة / ما للزمان الضخم من اثقال
ما كنت في شيخوختي متمنيا / لتعود ايام مضت وليال
انا لست مهما ضعضعتني كبرة / متطلعاً الا الى استقبالي
لم يبق من ماض تصرم عهده / لك في زوايا النفس غير خيال
من كان ذا حوباء فيها نزعة / للمجد لا يبكي على الاطلال
ثق بالطبيعة انها مستعرض / فيه يطول تعاقب الاجيال
جاء الربيع وورّد الرمان
جاء الربيع وورّد الرمان / فكأنما شبت به النيران
ما اجمل الليمون يحكى غادة / جلبابها بلآلئ مزدان
لولا علاقات هنالك جمة / للحب لم تتعانق الاغصان
ولقد تفرد كالعروس بقامة / هيفاء بين المورقات البان
يا دوح لا تقفن دون السير في / وجه النسيم فانه عجلان
خلب الربيع بحسنه البابنا / ان الربيع لساحر فتان
في شرخ نيسان الجميل تفتحت / ازهاره يا حبذا نيسان
وكأنما في كل ارض جنة / تنبثّ فيها الحور والولدان
او مرقص للهو في قاعاته / تتخاصر الفتيات والفتيان
حسن الربيع بزهره فكأنما / خلعت عليه جمالها الازمان
أهو الخزام الى جوار شقيقه / ام لؤلؤ في جنبه مرجان
الورد لا تقطفه من افنانه / فاخاف ان تتألم الافنان
انظر اليه من قريب يبتسم / لك وابتسامات الحسان حسان
قد اخرجت للناس زخرفها الثرى / والسهل والآكام والوهدان
وكأنما في كل ارض عصبة / للحسن فوق رؤوسها تيجان
الشيح والقيصوم والجوريّ و / الخيريّ والنسرين والحوذان
متجمعات في منابتها معاً / فكأنهن عرائس اخدان
تلقى العرائس ثم لا تدري لمن / منها على اخواتها الرجحان
في الروض ازهار الربيع بناته / اما البنات فانهن حسان
حي الجمال فانه إما بدا / فله على كل امرئ سلطان
وكأنما زهر الربيع قصيدة / منثورة والسوسن العنوان
والجلنار كأنه الياقوت قد / حملته فوق زبرجد قضبان
والاقحوانة ثغرها متبسم / ابداً كما يتبسم الجذلان
يلوى البنفسج جيده فكأنه / بين الازاهر وحده وسنان
حمل الشقيق الى العرار بكفه / قدحا ومال كأنه نشوان
والنرجس الفياح تنظر عينه / شزراً اليه كأنه حردان
والياسمين من الصبا اذ اجهزت / يرجو الامان وما هناك امان
وارى الكنار معاتباً في حدة / للياسمين كأنه غيران
صحح ذهابك يا كنار ولا تغر / فالياسمين من الحسان حصان
والورد من جذب النسيم تشققت / منه الجبوب الخضر والاردان
في الليل قد ادجى اذا برق بدا / شهق الهزار وزغرد الكروان
الليل ساج بالدجى متجلبب / اما النهار فانه عريان
والليل ذو شكّ وان صباحه / لعلي فساد شكوكه برهان
دنيا كما تهوى النفوس جميلة / لو كان ذا ذوق بها الانسان
حبسته عن لذاته اوهامه / فهو السجين النكد والسجان
الطير فوق الدوح يخطب ثائراً / فيرج منه المنبر الفينان
ما عندليب الروض الا شاعر / في كل مورقة له ديوان
كل الازاهر حين يبدو اعين / واذا شدا فجميعها آذان
غرد يبدل نغمة من نغمة / وكذلكم يتفنن الفنان
هتفت فانصتت الطيور لصوتها / ورقاء تخفى جسمها الافنان
في جنة غناء تحت نخيلها / قد نور الليمون والرمان
البلبل الصيداح موسيقارها / فاذا شدا خرت له الاذقان
يشدو بالحان على مخضرة / غرداً فتطرب تلكم الالحان
وترنمت فوق الغدير جميلة / عصفورة اوطانها الغدران
تبدو هنالك او هنا فكأنها / طيف به لا يستقر مكان

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025