المجموع : 210
قالوا اطردوا الزنديق من أوطانكم
قالوا اطردوا الزنديق من أوطانكم / ماذا يخاف القوم من زنديق
قالوا اقتلوه إنما هو مارق / ماذا يضير المؤمنين مروقي
قلت الحقيقة طالباً أن ينظروا
قلت الحقيقة طالباً أن ينظروا / فيها فقالوا مارق زنديق
وليشهد الثقلان أني مارق / إن كان في قول الصواب مروق
ما أنت زنديق تزور جهنما / بل لا يزور جهنما زنديق
إن كذبوك يضيرهم تكذيبهم / إياك أعنى أيها الصديق
الناس طرا آمنوا بالله
الناس طرا آمنوا بالله / وأراك عنه بالطبيعة لاهى
آه على أيام دين قد خلت / آه عليها ثم آه آه
إني لأسمع قائلاً يدعو إلى / كفر دعاء أخى ضلال داهي
يا قوم إن الدين اكبر مانع / لرقيكم وبه الجميع يباهي
لكم الطبيعة فاعبدوها أنها / جلت عن الأمثال والأشباه
ما للذي عبد الطبيعة مخلصاً / غير الطبيعة آمر أو ناهي
أف لقوم يؤمنون بخالق / للكون أجمعه بلا استكناه
الكفر لا إكراه فيه لآخذ / والدين قد نشروه بالإكراه
ليس الذي هو بالطبيعة مؤمن / مثل الذي هو مؤمن باللَه
إن الطبيعة للورى ملموسة / واللَه مسموع من الأفواه
العقل ينفي اللَه بعد روية / ربأ بكون ليس بالمتناهى
والمؤمنون بذي اختيار بارئ / متمسكون بخيط ظن واهي
هذا لعمري ما سمعت وانه / للناس فيه مصائب ودواهي
يا أرض أنت الأم للإنسان
يا أرض أنت الأم للإنسان / يا أم ضميني إلى الأحضان
إني سئمت من الحياة وطولها / وسئمت ذكر اللَه والشيطان
ماذا برقراق السحائب
ماذا برقراق السحائب / ضمن المجرة من كواكب
ليست كمزعم بعضهم / نهراً يفيض على الجوانب
كلا ولا هي لو تعي / زبدٌ بوجه السيل ذائب
كلا ولا وادٍ على / طرفيهِ قد صفت كتائب
حيث الأسنة ثَمَّ في ال / هبوات تضحك والقواضب
أهناك جيش لا أبا / لك حذوه جيش محارب
فلننتظر حتى نرى / من ذا من الجيشين غالب
كلّا ولا سدُمٌ حوت / غازاً فهذا الظن كاذب
لكن شموس جاريا / ت ضمن هاتيك السحائب
بل إن هاتيك السحا / ئب ذات انجمها الثواقب
أجرامها يسبحن في / بحر الأثير لكل جانب
الكل يذهب في الفضا / ء على اختلافٍ في المذاهب
وعلى ارتباطٍ بينها / بقوى جواهرها الجواذب
يا أيّهذا العالم ال / نجمي كم بك من عجائب
كم زار منك نظامنا / جرمٌ يجدّ السير دائب
جرمٌ بديعٌ شكله / جرمٌ يعدّ من الغرائب
فله نواةٌ ذات نو / رٍ مشرقٍ وله ذوائب
ويضئ حتى تستضى / ء به المشارق والمغارب
ويزيد إشراقاً على / إشراقهِ مهما يقارب
حتى إذا ما دار حو / ل الشمس سافر وهو آيب
فكأنه متحملٌ / في زوره كتباً لغائب
أَمخبرٌ أحد النجو / م لشمسنا بعض المطالب
يا عالماً يحوي عوا / لم سائرات في مواكب
كم من شموس فيك أك / ثرها عن الأبصار عازب
شسعت فأسفر بعدها / عن مثل أنوار الحباحب
وهناك لولا أبعد ال / أبعاد نيران لواهب
تجلو أشعتها المني / رة ما هناك من الغياهب
وتوازنت أجرامها / فالكل مجذوب وجاذب
ولها توابغ في تن / قلها السريع لها تصاحب
تحكى توابع شمسنا / فتطوف منها في الجوانب
وعلى توابعها تدو / ر توابع أخرى صواحب
العلم هذا رأيهُ / فيها ورأُى العلم صائب
يرضى به من كان ذا / نظرٍ بعين العقل ثاقب
لكن من جهل الحقا / ئق من سماعته مغاضب
ومن المصائب أن تخا / طب جاهلاً ومن المصائب
أما الحياة فان ظن / ن العقل فيها غير خائب
أيجوز أن الأرض تُس / كن وحدها بين الكواكب
وتكون غير الأرض خا / لية كأمثال الخرائب
هذا لعمري إن يص / ح فانه لمن العجائب
إن الحياة تبين حي / ث ترى لها وسطاً يناسب
ما أوحش الأجرام لم / تمرح بها بيض كواعب
وترى كأحسنها العيو / ن النجل فيها والحواجب
يا ساكني تلك النجو / م على اختلافٍ في المراتب
إني مخاطبكم فلا / تلووا الوجوه عن المخاطب
باللَه قولوا لي أَأَن / تم مثلنا غرض النوائب
إنا نعاتبكم إذا / لم تفصحوا إنا نعاتب
أَحَياتكم كحياتنا / لا تكتموا عنا متاعب
أم هل هناك حياتكم / صفوٌ فليس بها شوائب
إنا لنفزع من مصا / ئب لاجئين إلى مصائب
إنا بظاهر أرضنا / قسمان مغصوب وغاصب
الظلم ضيَّق في وجو / ه رجائنا طرق المكاسب
والعلم مغلوب فلا / يعلى بهِ والجهل غالب
إنا بحال لو علم / تم غير محمود العواقب
نسعى لنفع الآخري / ن من الذين لهم مناصب
ونعيش في حال التعا / سة بالأمانيِّ الكواذب
لهفي على الشبان قد / سلكوا سبيلاً للمعاطب
غيلوا بكل قساوة / فبكتهمُ حتى الأجانب
ويلي على بيضٍ نشر / ن من الأسى سود الذوائب
يخمشن حرَّ وجوههن / ن ويلتدمن عَلَى الترائب
يبكين فقد أعزة / ماتوا فهن لهم نوادب
ناشدت شيخاً قد تقو
ناشدت شيخاً قد تقو / وس ما تفتش في الترابِ
فأجاب يا ولدي لقد / ضيعتُ أيام الشباب
طارت بعزٍّ للسماء الأرفع
طارت بعزٍّ للسماء الأرفع / ورقاء كانت فيكَ ذات تخضُّعِ
قد كان مسكنها بجسمك ضيقاً / واليومَ تسبح في مكان أوسع
اللَه أرسلها إليك وبعد أن / مكثت قليلاً فيك قال لها ارجعي
أنا شاعر فاذا أطلت عنائي
أنا شاعر فاذا أطلت عنائي / قامت عليك قيامة الشعراء
أسعى لأجمعَ شملَ أهلِ مدينتي
أسعى لأجمعَ شملَ أهلِ مدينتي / يا خيبة المسعى إذا لم أنجحِ
طلعت كقرن الشمس بعد تبرقع
طلعت كقرن الشمس بعد تبرقع / فوقفت مبهوتاً لحسن المطلع
ورنت بألحاظ تمض فغادرت / قلبي كشلو بالسيوف مبضع
ومشت فهزت عند ذلك قامة / تزرى بأملود الرماح الشُرَّع
بيضاء ناعمة تزين قوامها / بضفائر قد ارسلتها أربع
ما كدت تنجو يا عذولُ من الهوى / لو كنت يوم بدت سعاد بموضعي
شمس إذا طلعت عليَّ أواختفت / عن مقلتي تبدو كواكب أدمعي
قد نال أسباب السعادة مغرم / يبكي بمرأى من سعادَ ومسمع
لي في فراقك لو سمحت بنظرة / خزنٌ تأَجَّجُ ناره في أضلعي
قد كان واحراه بعد تحوُّطي / ما كنت أخشاه فيا نفس اجزعي
لِلّه أيامي بجرعاء الحمى / باللَه يا أيام جرعاء ارجعي
حيث الصبا غضٌّ ودهري بالمنى / سمحٌ وعهد سعاد غير مضيَّع
قضَّيت أوطار الهوى فنسيتها / إلا لبانات بتلك الأربع
ما أنس لا أنس الحمى ومقيلنا / في ظلِّه سُقَى الحمى من موقع
وسعاد تمشي بين أتراب لها / كالبدر في وسط النجوم اللمَّع
أيام لهوٍ لا تعود ذكرتها / فعضضت من أسف عليها إصبعي
في ظل عيش نمت تحت جَناحه / نومَ الرضيع على ذراع المرضعِ
إني إذا بخل الربيع فما سقى / تلك الربوع سقيتها من أدمعي
طبنا بوصلك بُرهةً واليوم قد / وقع الفراق فقلت يا نفس اشجعي
صرعتنيَ الأيام في حملي بكم / عبءَ الغرام فهل حمدتم مصرعي
وتركتني حيران أعشو كالذي / ليلاً أضاع طريقه في بلقع
قد مات منِّي كل ما أقوى به / إلا أمانيَّ التي تحيا معي
ولقد تَقطعُ كل أسباب الهوى / إلا حبالك فهي لم تتقطع
قد كنت أرجع من هواك لغيره / لو كان غير هواك لي من مرجع
يا نفس زوري بعد موتي دارها / ومع النفوس الراكعات بها اركعي
وتصوري فيها بشكل حمامة / وقعي على الجدران ثَمَّةَ واسجعي
سترين يا نفسي هنالك أنفساً / متهافتات كالحمام الوقع
أدرى بأن سعادَ مائلة إلى / شدو الهوى فاذا سجعتِ فرجِّعي
يا نفس لا تخشين من قرب الردى / فالموت فيه راحة المتفجع
ما في سبيل الموت وجه صعوبة / من مات يمشي في طريق مهيع
أنَّي التفت أرى الحياة كأنها / شخص يقابلني بوجه أسفع
والعيش يلقاني بعين ماؤُها / يَستَنُّ من عمشٍ وأنفٍ أجدع
احتط ولا تلجنَّ في غمر الهوى / إني نصحتك يا فؤادي لو تعى
يا قلبُ صبراً لا تكن متضجراً / ما أنت أوَّل وامق متوجع
ما أنت يا قلبي لدى البيض الدُّمى / من شاعرٍ سكن العراق بأضيع
بلد بهِ حط النفاق رحالَه / ما بين ماش في الفساد وموضعِ
الظلمُ حيٌّ فيهِ نامٍ شائعٌ / والعدل ميت لا يجيب إذا دُعى
أما العلوم فإنها مفقودة / بتمامها وإن ادّعاها المدَّعي
جهلوا العلوم ففاتهم نيلُ الغنى / والجهلُ عنوان لفقر مدقع
قد يغفر الرحمن كل ذنوبهم / إلا احتقار العالم المتضلع
كم قد تمتع خادع بمقاله / ما هذه الدنيا بدار تمتع
وقد ادّعى شيخ الطريقة عفة / يا شيخ ما معك العفاف ولا معي
باللَهيا عَرَصات بغدادَ اذكري / أين الرشيد مضى وأين الأصمعي
بليت بها تلك الوجوه كأنها / زهرٌ نمت بمهبّ ريح زعزع
ويل لشعري كيف ضاع وإنه / لألذُّ من عَودِ الشفاء لموجع
وأرقّ من كلمَ يفوه بلفظها / يوم الفراق مودِّع لمودّع
وقصيدة كخريدة محزونة / تشكو بصوت راجف متقطع
وتُغض من عينين دعجاوين في / وجهٍ صبيح فوق جيد أتلع
حَمَلَت فؤاداً بالنوى مصدوعا
حَمَلَت فؤاداً بالنوى مصدوعا / وحشاً يذوب صبابةً وولوعا
وَقَفت على قبرٍ أجنَّ حبيبها / ودعت فما ألفت هناك سميعا
قد أسمعتكَ أنينها الأوطان
قد أسمعتكَ أنينها الأوطان / بضعيف صوت ملؤه الأشجانُ
مدَّت إليك يد الشكاة لأنها / قد عاث فيها الظلم والعدوان
أدرك بها الضعفاء واستعجل فقد / عزَّ النصير وقلَّت الأعوان
إن كنت تنصرها وتحمي حوضها / عن غاصبٍ فلقد أتى الإبَّانُ
أدرك بنصرك أمرَ قومِك إنهم / ظلموا فريع الشيب والشباب
وجرت دموع الحزن فوق خدودهم / وتقرحت منهم بها الأجفان
لا بدَّ من أن تستهل دموعهذ / من كان تضغط قلبه الأحزان
قد يُستدل على الحزين بدمعهِ / مثل الكتاب دليله العنوان
يا غيرةَ اللَه ابطشي بعصابة / الهاهمُ الجبروت والطغيان
فلقد أهين العدل في ديوانهِ / ولقد أهين العلم والعرفان
ولقد أهينت للمساجد حرمة / وأهين في محرابها القرآن
جعلوا الحكومة في البلاد ذريعة / للغدر حتى رجَّت البلدان
لا شيء يحظى من قلوب سراتهم / بالحب إلا الأصفر الرنان
قوم جفاة مالهم من رحمة / لو لان صخر جامدٌ ما لانوا
سلبوا القبائل مالها بوسائل / لا يستطيع كخلقها الشيطان
لم يرتضوا من بعد سلب ثرائها / إلَّا بأن تتهتك النسوان
حتى إذا وقفت عن استرضائهم / ظنوا بأن وقوفها عصيان
فتواثبوا يتصيدون رجالها / بقوى الرصاص كأنهم غزلان
وتهاربت منها البقية خشيةً / من أن تنال حياتها النيران
لم تبق في تلك الديار أمامهم / إلا نساء الحيِّ والولدان
فتفرَّق العادون بين بيوتها / وأتوا فظائع جمة وأهانوا
يا ويلها بالمال منهم ما نجت / هذا لعمر أبي هو الخسران
ويح المواطن إنها لبست بهم / ثوب الخراب فما بها عمران
محقورة في عينهم لا أهلها / أهل ولا إنسانها إنسان
تاللَه يا طمع الولاة عَرَقتنا / وأكلت ما لا يأكل الغرثان
يا عدل إنك أنت محبوب لنا / حتامَ هذا الصدُّ والهِجران
يا عدلُ ألقى الياس في أرواحنا / يا عدل منك المطلُ والليانُ
يا عدل منذ صددت عنا مالنا / يا عدل عنك بحالة سلوان
يا عدل إنا قد تفارقنا كما / تتفارق الأرواح والأبدان
يا ربّ قد شاع الفساد كما ترى / وتهدمت من دينك الأركان
يا رب قد بيعت حقوق ضعافنا / للأقوياء وحيزت الأثمان
يا ربّ ضاع الصدق بين سراتنا / يا رب عم الزُّور والبُهتان
حتامَ يختار الشقاقُ مقامه / في المسلمين وإنهم إخوان
حتام هذا الحقد بين رجالنا / حتام هذا البغض والخذلان
حتام لا تأتي النفوس صلاحها / حتام لا تتنبه الأذهان
قوم لعمري في الجهالة نوَّم / والشرُّ فيهم وحدَه يقظان
كل الأنام تقدموا في أمرهم / ونصيبنا من بينهم حرمان
انظر إلى إيران كيف تملصت / من خطة فيها أذى وهوان
جاءت بإصلاح يعلِّى شأنها / لِلّهِ ما جاءت به إيران
عمدت إلى الشورى فسنت مجلساً / فيهِ لرأي الأمة السلطان
رفعت لواء العدل فوق بلادها / حتى استوى المسكين والخاقان
حَمَلت فؤاداً للفراق حزينا
حَمَلت فؤاداً للفراق حزينا / فبكت فكان لها البكاء معينا
كذب الرجاء فما نجيبٌ يرجع
كذب الرجاء فما نجيبٌ يرجع / وأقضّ يا سلمى عليك المضجعُ
يا حزن نب يا قلب ذب يا طرف صب / خاب الذي كنا له نتوقع
يا أم صدري والنون تذكى الهوى / يا أم كانونٌ لنارٍ تلذع
إن الفؤاد يصير فيهِ أدمعا / وتسيل فوق الخد مني الأدمع
أوجاع ما تبدي العيون شديدة / وأشد منها ما تجُنُّ الأضلع
قلت الإياس به لنفسي راحة / فإذا الإياس وما يولد أوجع
كانت بليل الهجر في قلبي المنى / مثل النجوم المستنيرة تطلع
فأتى سحاب اليأس يملأ جوه / فتغيبت تلك النجوم اللُّمَع
يا أم جربت البكاء وعكسَه / يا أم إن كليهما لا ينفع
قالوا تزوَّجَ في فروق غنية / أموالها تُعلى الرجال وترفع
هذا هو الخبر الذي لسماعه / أمسى رجائي حبله يتقطع
هذا هو الخبر الذي باتت له / في الليل نفسي والنهار تُروّع
ما إن أسيت لكونهِ متزوجاً / ليكن له ليكن حلائل أربع
لكن تَصَوُّرَ كونه يبقى كذا / متباعداً عني لقلبي يصدع
كيف الإقامة يا نجيب فدلني / بالدار بعدك وهي قفرٌ بلقع
حسبي من الآلام ما أشقى بهِ / حسبي من الأقوال ما أنا أسمع
كانت لعمري في بداية أمرها / سلمى وحيدة موسرٍ يتبرع
بنتٌ أبوها جدَّ في تهذيبها / وقضى فناهزت البلوغ ترعرع
عذراء بارعة الجمال فتيةٌ / في وجهها نور الشبيبة يلمع
خدٌّ كنُوار الربيع مورد / ونواظرٌ دعج وجيد أتلع
ربيت وشبَّت في حماية أمها / تلهو بموروث الثَراء وترتع
حيث الحنانُ ظلاله ممدودة / حيث الوداد غصونه تتفرع
كانت تحبُّ الزهر وهو يحبها / فكلاهما متوهج متضوع
يتبسمان بشاشة واليوم قد / ذهبت بشاشات الأحبة أجمع
أما نجيب فهو صادفها فتى / يزهو بحسنٍ للغواني يخدع
جازٌ لها لكنه متقلب / في الفقر إلا أنه يتصنع
يرنو إليها من نوافذ بيتهِ / وإليهِ من شباكها تتطلع
حتى تورَّط قلبها في حبهِ / وغدت بغير لقائهِ لا تقنع
وأبان يخدعها نجيب إنه / بجمالها الفتان صبٌّ مولع
مرت شهور في الغرام عليهما / هذا يغازلها وهذي تسجعُ
والأم لما شاهدت من بنتها / ذاك اللجاج وأنها لا تُقلع
رضيت أخيراً أن تزوِّجها بهِ / كرهاً وكانت قبل ذلك تمنع
مرَّت ثلاث سنين وهو خلالها / في القمرِ يصرف مالها ويُضيَّع
حتى إذا نفدت جميع نقودها / وغدا الأثاث يباع ثم يوزَّع
أنهى لسلمى قائلاً أحبيبتي / ليس الأمور هنا كما أتوقع
إني نويت إلى فروق رحلةً / على أنال بها مقاماً يرفع
فبكت لتمنَعه الرحيل وأعولت / لكن نجيبٌ بالقطيعة مزمع
هو جالس يبدي لسلمى عزمَه / وأمامه سلمى الحزينة تضرع
أحليلتي لا تجزعي من رحلتي / إني إليكم عن قريب أرجع
فمضى ومرَّت حجتان ولم يجئ / منه كتاب للكآبة يدفع
سلمى جثت يوماً بجانب أمها / تبكي كما يبكي الحزين المفجع
تشكو تباريح الفراقِ لها كما / قد كنت في صدر القصيدة تسمع
والهمُّ يضغط قلبها من داخل / حتى يكاد شغافه يتمزع
والأم جالسة تسليها إذا / بالباب من دون انتظار يقرع
فمشت لباب الدار سعياً أمها / ريحانة وكذاك سلمى تهرع
وإذا بمأمور البريد يقل في ال / أَيدي كتاباً لم يكن يتوقع
سلمى تسلمت الكتاب وقلبها / فرقاً يكاد بصدرها يتفلَّع
فضَّته تاليةً له حتى إذا / فرغت من التلوِّ صاحت تجزع
يا أم طلَّقني فماذا حيلتي / يا أم سرَّحني فماذا أصنع
يا أم لا تنأين عني إنني / عما قليل للحياة أودعُ
يا أم في نفسي عذابٌ مؤلم / يا أم في قلبي اضطراب موجع
وأُحسُّ أن سراج روحي ينطفي / والقلب مني بالأسى يتصدَّع
وكان في لحمي وجلدي والحشا / والعظم يا أمي أراقمَ تلسع
ربَّيت مثلَ الزهر آمالاً بها / كان الفؤاد على النوى يتمتع
ويعيش مسروراً بها آهٍ فقد / هبت على الآمال ريحٌ زعزع
ويحي لممحوض العلاقة يزدري / ويحي لمعروض الوداد يضيَّع
لهفي على شرخ الشباب صرفته / في حب غدَّار يغرُّ ويخدع
لهفي على الأيام كيف تبدَّلت / والعيش كيف مضى فما أن يرجع
يا موت إنك أنت أنت الملتجى / وإليك من هول الحياة المفزع
يا موت زر يا موت زر يا موت زر / ليست حياتي بعد فيها أطمع
يا موت يا كلَّ النجاةِ يقول لي / قلبي فضاؤُك من فضائي أوسع
قد كنت أنظم والحياة رغادة
قد كنت أنظم والحياة رغادة / واليوم أنظم والحياة ملال
لم تبق من ماء جمعت زلاله / في الحوض إلا هذه الأوشال
لهفي على الحر الموس
لهفي على الحر الموس / سدِ في الثرى عبد اللطيف
لهفي على الأمل الذي / عبثت به أيدي الحتوف
لهفي على ذاك اللسان / الرطب والقلب الرؤوف
ما شئت من صدق ومن / حذق ومن رأي حصيف
لم ينشرح في الجيش من / قطع الجماجم والأنوف
فقضي برجحان اليراع / على البنادق والسيوف
ما أكبر النفس التي / في ذلك لجسد النحيف
أستاذ تاريخ الشعوب / وجهبذا الأدب الطريف
ليس الحياة بغير معرفة / سوى شيء سخيف
قد كان أكبر همه / منع العسوف عن العسيف
يسعى ليدرأ جاهداً / حيف القوي عن الضعيف
ما كان يخدعه ظهو / ر الذئب في جلد الخروف
قالوا قضى فمسكت قلبي / وهو يلحف في الوجيف
ما رزء من يبكي عليه / الشعب أجمع بالخفيف
إن الحياة وغى وقد / يهوي الشجاع من الصفوف
ولرب فرد يوم تدعو / الحرب أكثر من ألوف
من كان مقداماً فلا / يخشى مصارعة الصروف
والموت ليس كما يخا / ل البعض ذا شبح مخوف
بثوا بألسنة لكم من نار
بثوا بألسنة لكم من نار / ما في جماجمكم من الأفكار
سيروا الى غاياتكم في جرأة / كالسيل هدارا وكالاعصار
ثوروا على العادات ثورة حانق / وتمردوا حتى على الاقدار
كونوا جميعاً سادة لنفوسكم / فالعصر هذا سيد الاعصار
وتقدموا متواثبين لتلحقوا / بالسابقين الغر في المضمار
اما تهاونكم فيجرح امره / في القبر عزة يعرب ونزار
ليس الحياة سوى نزاع دائم / يا للضعيف به من الجبار
الفوز للجلد الجريئ فؤاده / والويل كل الويل للخوار
يا شيب لستم للوغى فتأخروا / وبدار يا شبان ثم بدار
لا تقبلوا في الدين ما يروونه / الا اذا ما صح في الانظار
ان اليقين لفي الشهود جميعه / والشك كل الشك في الاخيار
انضوا القديم وبالجديد توشحوا / حتام تختالون في الاطمار
وتملصوا من نير كل خرافة / خرقاء تلقي الرين في الافكار
وتحرروا من قيد كل عقيدة / سوداء ما فيها هدى للساري
قولوا الحقيقة جاهرين واعلنوا / للناس ما فيها من الاسرار
في كتمها عنهم اذا فكرتمو / ما ليس في الاظهار من اخطار
هي عادة حسناء ان لم نحتفل / بجمالها ذهبت الى الاغيار
أنسومها خسفاً ونوسعها قلى / يا للجهالة ثم يا للعار
ان الحقائق كالصباح جميلة / للناظرين وكالنجوم عوار
اني ارى صبحاً تبلج وجهه / والصبح اعرفه من الانوار
أارى الصباح ولا اغرد شاهقاً / اني اذاً حجر من الاحجار
ما شاهدت عيني ممث
ما شاهدت عيني ممث / ثلة كفاطمة الشهيره
أبدت جلال الفن حت / تى في مواقعه الخطيره
للفن ثم الفن ثم / مَ الفن فاطمة القديره
خلقت ممثلة فلا / شطط هناك ولا نكيره
اجللت فيها العبقري / يَة هاتفاً وهي الجديره
هذي فتاة النيل لل / اعجاب في شعب مثيره
جاءت تلاعب دجلة / ابان سورتها الاخيره
جمعت الى الفن الجميل / جمال طلعتها المنيره
وجه صبيح ذو روا / ء مثل زنبقة نضيره
الصورة الحسناء را / مِزة إلى حسن السريره
أطريت سيدة إلى ال / إطراء ليست بالفقيره
لا دور الاّ احسنت / هُ في الروايات الكثيره
في كل دور ابرزت / آيات مقدره كبيره
حكت الحوادث مثلما / وقعت ولم تترك صغيره
من لم يقدر ما هنا / لك فالعفاء على البصيره
وهناك من هو جاحد / ما اتعس العين الحسيره
وهناك اعمى فهو قد / يرتاب في شمس الظهيره
بغداد لم تشهد لفا / طِمة الجميلة من نظيره
للّه أنت وللبرا / عة من ممثلة خطيره
الفن اكبر ناظم / في هذه الدنيا الكبيره
الفن يعرف قدره / اهل العقول المستنيره
ان الحياة جزيرة / والفن صرح في الجزيره
والفن لا يبنى اذا / اختلف الزمان على وتيره
ان الفراق لحادث / صعب وانت به خبيره
ليس الحديث عن الهوى / من شاعر شيخ جريره
يكفى الذي هو شاعر / ان قال ما يرضى ضميره
ولنغتبط بالفن ان / ن حياتنا هذي قصيره
انا ان هلكت فليس ما / آوى اليه سوى حفيره
هذي يدي عند الودا / عِ إلى مصافحة فقيره
فالى اللقاء ففيه تحقيق / لآمال كبيره
أذكى تعصب ثلة جهال
أذكى تعصب ثلة جهال / نارا بها انا دون غيري الصالي
ذهب الربيع فلا ربيع قبالتي / ومضى الهزار فلا هزار حيالي
اعمارنا ليست على سعة المنى / ان الحياة قصيرة الآجال
ولسوف اهجع في حفير مظلم / متقطعاً في جوفه اوصالي
الكذب عاهرة شهدت طلاءها / وسمعت منها رنة الخلخال
انا لمربوطون من عاداتنا / بسلاسل كسلاسل الاغلال
ان العجول على نبالة قصده / متعثر في السير بالاذيال
قاسيت اهوال الليالي جمة / يالليالي ثم للاهوال
وهو القريض اذا يميني افلتت / منه القياد اخذته بشمالي
لما عتا دهري وددت زواله / وزواله لو صح فيه زوالي
ولقد حنى ظهري الضعيف بقسوة / ما للزمان الضخم من اثقال
ما كنت في شيخوختي متمنيا / لتعود ايام مضت وليال
انا لست مهما ضعضعتني كبرة / متطلعاً الا الى استقبالي
لم يبق من ماض تصرم عهده / لك في زوايا النفس غير خيال
من كان ذا حوباء فيها نزعة / للمجد لا يبكي على الاطلال
ثق بالطبيعة انها مستعرض / فيه يطول تعاقب الاجيال
جاء الربيع وورّد الرمان
جاء الربيع وورّد الرمان / فكأنما شبت به النيران
ما اجمل الليمون يحكى غادة / جلبابها بلآلئ مزدان
لولا علاقات هنالك جمة / للحب لم تتعانق الاغصان
ولقد تفرد كالعروس بقامة / هيفاء بين المورقات البان
يا دوح لا تقفن دون السير في / وجه النسيم فانه عجلان
خلب الربيع بحسنه البابنا / ان الربيع لساحر فتان
في شرخ نيسان الجميل تفتحت / ازهاره يا حبذا نيسان
وكأنما في كل ارض جنة / تنبثّ فيها الحور والولدان
او مرقص للهو في قاعاته / تتخاصر الفتيات والفتيان
حسن الربيع بزهره فكأنما / خلعت عليه جمالها الازمان
أهو الخزام الى جوار شقيقه / ام لؤلؤ في جنبه مرجان
الورد لا تقطفه من افنانه / فاخاف ان تتألم الافنان
انظر اليه من قريب يبتسم / لك وابتسامات الحسان حسان
قد اخرجت للناس زخرفها الثرى / والسهل والآكام والوهدان
وكأنما في كل ارض عصبة / للحسن فوق رؤوسها تيجان
الشيح والقيصوم والجوريّ و / الخيريّ والنسرين والحوذان
متجمعات في منابتها معاً / فكأنهن عرائس اخدان
تلقى العرائس ثم لا تدري لمن / منها على اخواتها الرجحان
في الروض ازهار الربيع بناته / اما البنات فانهن حسان
حي الجمال فانه إما بدا / فله على كل امرئ سلطان
وكأنما زهر الربيع قصيدة / منثورة والسوسن العنوان
والجلنار كأنه الياقوت قد / حملته فوق زبرجد قضبان
والاقحوانة ثغرها متبسم / ابداً كما يتبسم الجذلان
يلوى البنفسج جيده فكأنه / بين الازاهر وحده وسنان
حمل الشقيق الى العرار بكفه / قدحا ومال كأنه نشوان
والنرجس الفياح تنظر عينه / شزراً اليه كأنه حردان
والياسمين من الصبا اذ اجهزت / يرجو الامان وما هناك امان
وارى الكنار معاتباً في حدة / للياسمين كأنه غيران
صحح ذهابك يا كنار ولا تغر / فالياسمين من الحسان حصان
والورد من جذب النسيم تشققت / منه الجبوب الخضر والاردان
في الليل قد ادجى اذا برق بدا / شهق الهزار وزغرد الكروان
الليل ساج بالدجى متجلبب / اما النهار فانه عريان
والليل ذو شكّ وان صباحه / لعلي فساد شكوكه برهان
دنيا كما تهوى النفوس جميلة / لو كان ذا ذوق بها الانسان
حبسته عن لذاته اوهامه / فهو السجين النكد والسجان
الطير فوق الدوح يخطب ثائراً / فيرج منه المنبر الفينان
ما عندليب الروض الا شاعر / في كل مورقة له ديوان
كل الازاهر حين يبدو اعين / واذا شدا فجميعها آذان
غرد يبدل نغمة من نغمة / وكذلكم يتفنن الفنان
هتفت فانصتت الطيور لصوتها / ورقاء تخفى جسمها الافنان
في جنة غناء تحت نخيلها / قد نور الليمون والرمان
البلبل الصيداح موسيقارها / فاذا شدا خرت له الاذقان
يشدو بالحان على مخضرة / غرداً فتطرب تلكم الالحان
وترنمت فوق الغدير جميلة / عصفورة اوطانها الغدران
تبدو هنالك او هنا فكأنها / طيف به لا يستقر مكان