القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : عبد الغَني النابُلُسي الكل
المجموع : 120
ظهر الوجود من العدمْ
ظهر الوجود من العدمْ / وبدا الحدوث من القدمْ
وتفصلت أسماء من / بالوجه أجمل والقدم
وانهدَّ ما بنت العقو / ل من المعاني وانهدم
وتبدل الشخص الذي / قد كان من لحم ودم
وقد استحال جميعه / نوراً فأوقع في الندم
وتداخل المخدوم في / وصف المحاسن والخدم
وتقاصر القصر المشي / د وبار بئرٌ وارتدم
إني أنا المعني القديمُ
إني أنا المعني القديمُ / إني أنا النبأ العظيمُ
وأنا هو السر الخفي / وأنا الصراط المستقمُ
والحق بي هو عالم / وبنفسه فهو العليم
والذات لا معنى لها / تلك الوجود هي القديم
فإذا عرفت فإنما / معنى لمعنى مستديم
هو نزلة أخرى له / قمنا بها وهو المقيم
ولقد رآه بها الذي / هو فضله فينا العميم
يا جوهراً لا جوهر / لكنه وصف كريم
قامت به أعارضه / وبطيبه جاء النسيم
حرنا فقلنا هكذا / والذات غيث يا فهيم
غيب الغيوب تنزهت / عما القلوب به تهيم
إنّا إليك نشير لا ال / موجود نحن بل العديم
والحق ليس عبارةً / منّا له وهو النديم
يدني ويقصي من يشا / وهو العذاب هو النعيم
معناه نحن وإنما / معناه يدركه الشميم
وهو الكوائن كلها / والكهف أيضا والرقيم
الله أكبر لا سوا / ه فإنه العقد النظيم
والسلك وهو وراء كل / ل الكل غفار حليم
وأنا السقيم وقد رتى / عجز ولا يشفى السقيم
والكون مثلي هكذا / لكن رضيع أو فطيم
عدم يحيط به الوجود وإنما
عدم يحيط به الوجود وإنما / عرف الوجود إذا الوجود تكلما
وهو الوجود وكلنا عدم بنا / هو قد أحاط وقد أشار فأفهما
صور بقرطاس تُقَصُّ فإنها / معدومة ولها الوجود توهَّما
أعنى بذلك أنها مقصوصة / في داخل القرطاس قصاً محكما
قرطاسها الموجود لا هي وحده / وهو المحيط بها وعنها أبهما
وله الظهور بها بوصف إحاطة / فانظر وليس لنا الظهور لتعلما
وجميع هذا كله في لمحة / يبدو ويخفى منةً وتكرُّما
والأمر أمر الله يعني شأنه / هو كل يوم فيه لن يتصرما
والخلق خلق الله أيضاً كلهم / عدم إذا حققت أرضٌ أو سما
وإذا مشيت مع العقول ووهمها / كنت المؤخَّر والمحقُّ مقدَّما
إذ ما سوى مولاك جاءك باطل / في النص فانٍ هالكٌ كم ذا العمى
فالمبطلون هم الذين تعلقوا / بسوى الإله الحق من جهل نما
والعارفون هم الذين قد اهتدوا / فاتبعْ طريقَهمو وخذْها سُلَّما
واسلك بها في الشرع شرع محمد / تجد الذي وجدوا وتصبح مسلما
صلى عليه الله ما ذهب الدجى / وأتى الصباح وما الهزار ترنّما
العفو أليق لا جرمْ
العفو أليق لا جرمْ / خلف الوعيد من الكرمْ
إن الكمال هو الذي / حبل الوجود به انبرمْ
وعليه نكسب لا علي / نا كاسب هو ما انخرم
لولا النصوص أتت بأخ / بار الوعيد المحترم
قلنا لكم ما الكل إل / لا النور يلمع في الحرم
والنار نورٌ أصلها / والكل حق ما انصرم
والواو حين تحركت / قلبت لأمر لم يُرَم
ألفاً هي الذاتُ انجلتْ / ذات العماد وقل إِرَم
والمنتهى منه إلي / ه فلا شباب ولا هرم
والغير ينفخ في الرما / د ونحن ننفخ في ضرم
وكلامنا سمن وقو / ل الغير أجمعه ورم
ارفع يديك إلى السماء تضرعاً
ارفع يديك إلى السماء تضرعاً / لله في كل الأمور لتغنما
أو ما ترى البلسان مد يديه قد / رفع الكفوف البيض منه إلى السما
ظهر الوجود من العدمْ
ظهر الوجود من العدمْ / وبدا الحدوث من القِدَمْ
وأتت تباشير الذي / خلق الورى لحماً ودم
والكل فان ما له / رأس يقوم ولا قدم
هو ثابت ما شم را / ئحة الوجود ولا ندم
ظن الوجود لنفسه / فبنى عليه فانهدم
إن الوجود الواحد ال
إن الوجود الواحد ال / موصوف فينا بالقدمْ
هو ظاهر بصفاته / لي من شبابيك العدمْ
عدم العوالم كلها / في الأصل مبنى ما انهدم
لا تنظرن لها وقل / ما في الوجود لها قدم
وانظر إلى صرف الوجو / د فقط بلا لحم ودم
فهو المنزه عن سوا / ه ولا يحيق بك الندم
واعلم بأنك قد أمر / ت بما أمرت وما انصدم
بِقُلِ انظروا يا قوم ما / ذا في السموات احتدم
ومن الموالي كن ولا / تكن المهان من الخدم
ولنفسك اعرف واعترف / بالحق واترك من كدم
أهل المحبة في السرور الدائمِ
أهل المحبة في السرور الدائمِ / لا يحزنون ولا بلوم اللائمِ
هم هكذا في هذه الدنيا كما / هم هكذا في يوم يقظة نائم
لهم الملاح مظاهر الغيب الذي / هو ظاهرٌ بجمال وجه دائم
يتنعمون به هنا وهناك لا / يخفى عليهم بالمليح القائم
أرواحهم كالشمس في أفق السما / وجسومهم شفافة كغمائم
هم أهل كشف يفرحون بربهم / في كل صورة أهيفٍ متلائم
لهم الجمال محققٌ بمحاسنٍ / تبدو الملاح بها كزهر كمائم
ولغيرهم معنى الجلال مظاهر ال / شهوات تعشقها نفوس بهائم
في هذه الدنيا بذاك تنعموا / وكذاك في الأخرى كطير حائم
نفس لهم لا روح تعلمهم بمن / هو نافخ فيهم لنيل غنائم
لا يعرفون الحظ غير بطونهم / وفروجهم شوقاً بكل ملائم
ولذاك قال الله فيها كل ما / هم يشتهون يحثهم بعزائم
أهل الحجاب لهم نعيم جسومهم / وعذابهم إن قابلوا بجرائم
ونعيم أهل الكشف رؤية طلعة ال / محبوب بالوجه الجميل الدائم
هو حظهم في النشأتين من الذي / عشقوه بالقلب الطهور الصائم
إذ لا نعيم سوى نعيم شهوده / يوم اللقا بلطائف وكرائم
هو ظاهر لعيونهم وقلوبهم / بمباسم لُعْسٍ ولين قوائم
من كل وضاح الجبين كأنه / بدر التمام محوَّطٌ بتمائم
يختال كالغصن الرطيب بقامة / لقلوبهم فيها غناء حمائم
كالبرق يلمع عن وجود حقيقة / نفحاتها فاحت بطيب نسائم
هو صبغة العدم الذي هو كلنا
هو صبغة العدم الذي هو كلنا / طوراً وطوراً نحن صبغته افهموا
فإذا رأيناه لنا هو صابغ / هو باطن ولنا الظهور المبهمُ
وإذا صبغناه يكون ولم نكن / فتحققوا يا قوم هذا واعلموا
هو واحد وهو الوجود وغيره / عدم كثير ليس يحصى مظلم
أجهلت قدرك أيها الإنسانُ
أجهلت قدرك أيها الإنسانُ / أنت الجميع وبعضك الأكوانُ
والنور والظلمات أنت حقيقةٌ / وسوى كمالك كله نقصانُ
يكفيك أن الحق سمعَك قد غدا / ويداً ورجلاً فيك وهو عيانُ
والكون أجمعه لأجلك خادم / يسعى وأنت المالك السلطان
فإذا انتبهت لبست ثوب سعادة / وإذا غفلت فثوبك الخسران
ولطيفك الجنات أنت منعم / فيها غداً وكثيفك النيران
إنزع ثيابك عنك وابق بغيرها / تعرف مقامك أيها الإنسان
أنا كعبةٌ كلُّ المعاني
أنا كعبةٌ كلُّ المعاني / حجت إليَّ بلا تواني
وكذا الكمالات التي / أبدا سواي لها يعاني
كم طاف بي علْمٌ وجا / ء مقبِّلاً حجر اللسان
وأتى إلى عرفات قل / بي واقفاً يبغي بياني
يا واحداً ما في العيا / ن له ولا في الغيب ثاني
أنا جفنك المكسور يا / عيني ومنك الجبر داني
ولذا يكون الحسن في / هذا وفي حور الجنان
قم للمدام أخا الغرا / م وطف بنا في كل حان
واكرع حُمَيّا القدس من / صُوَرِ البرية في قناني
واشرب معي بيد المدي / ر فحبَّذا أيدي الحسان
وادخل كنيسة ديرها / واعكف على بنت الدنان
متجردا عن كل ما / يلهيك عن هاتيك فاني
واسكر بها مع كل شم / ماسٍ يميل كغصن بان
واسمع مثانيك التي / تتلى على صوت المثاني
ودع الجهول يظن من / ك ظنونه في كل آن
واعلم بأنك لست ته / دي من تحب مدى الزمان
أفتُسمِعُ الصم الذي / ن بعيشهم هم في افتتان
أم أنت تَهدي العميَ عن / ذل الضلالة والهوان
أتريد ترشد عصبة / لشجاعهم قلب الجبان
خذ ما صفا لك بينهم / واترك لهم كدر الأواني
وانزل إليهم لا تُكَلْ / لفهم إلى أعلى المكان
ولربما انقلبوا فلا / تنكر لهم قلب العيان
أنا في الملاح على اليقينِ
أنا في الملاح على اليقينِ / ومحبة المحبوب ديني
فتنكبوا يا زائغي / ن عن الصراط المتبين
نار المحبة عندكم / والنور عندي في كميني
وأنا الذي في بحر قد / س الذات أسبحُ كل حين
وعيونكم وقلوبكم / يسبحن في ماء وطين
متمتع أنا في الجما / ل بحضرة الحق المبين
ونفوسكم مفتونة / بزخارف الماء المهين
ماذا دهاكم يا كلا / ب النبح من ليث العرين
حتى كفرتم بالملي / ح ككفر إبليس اللعين
لو لم يكن في الحسن ما / فيه من السر الخزين
ما الله أعمى عنه أع / يُنَكم بأسلوب متين
وأضلكم عن وجهه ال / باقي بمعدوم مهين
ورمى بكم للطمس في / بطن الطبائع كالجنين
أو يستوى الإلهام بالأ / ملاك معْ نُطْقِ القرين
لكمُ الوساوس في الصدو / ر من السطور بلا معين
ولنا علوم الحق بال / تحقيق عن حق اليقين
ومحبة الوجه الملي / ح لدي في حصن حصين
وخواطري رأت الهدى / في حب وضاح الجبين
عيني به في جنة / تزهو بحور منه عين
والقلب يظفر كل وق / ت منه بالعقد الثمين
وجمالُ دِحْيَةَ قد حكا / هُ ظهورُ جبريل الأمين
لا في الحنين له أنا / كلا ولا أنا في الأنين
بل في التواصل واللقا / وموارد الماء المعين
لا قيد لي في مطلق ال / حسن المفرِّح للحزين
أبداً ولا بنواظرٍ / ألهو ولا قلب رهين
ومحبتي نورٌ بلا / نار ولا شيء مشين
وهي التي أنا عابد / ربي بها طول السنين
خلصتها مني ومن / غيري بتشديد ولين
وبها عرفت تجليا / ت الله بالنور المبين
وغدا بها ألقى المنى / وأكون من أهل اليمين
خذها إليك لها هدى وبيانُ
خذها إليك لها هدى وبيانُ / منا نصيحة من له عرفانُ
مغرىً بحب المذعنين يسوقهم / للغيب منه تحقق وعيانُ
وبها يد التوحيد قد مدت لمن / حفظ العهود وعنده الإذعانُ
إني بحبك يا محمد مغرمٌ / أنت البديري بالكمال مصان
وعليك من نسج الهداية حلةٌ / وطرازها التوفيق والإيقان
فابشر بكل سعادة وعناية / وحماية ومن الإله تصان
أنت الحقيق بأن يقال لك انتبه / من رقدة الغفلات يا إنسان
أعنى بذلك رقدة الدين التي / من كان راقدها هو اليقظان
عند العوام وعند من هو غافل / والذكر منه بها هو النسيان
علم اليقين فإن ذلك بعده / عين اليقين به الأحبة دانوا
من بعده حق اليقين ولليقي / ن حقيقة لظهورها لمعان
هي وحدة باسم الوجود تحققت / وهي الوجود الحق والوجدان
تنحل فيها المشكلات جميعها / والسنة الغراء والقرآن
وكلام أهل الله في طبقاتهم / وبها يكون من الشكوك أمان
إن الوجود لمن تحقق واحد / ليس الزيادة فيه والنقصان
ذات منزهة عن التركيب لا / شيء يشابهها له الحدثان
وصفاتها في نفسها هي عينها / وكذاك أسماء لتلك حسان
والعقل يدرك أن ذلك غيرها / وهي المراتب ما لها نكران
لا عينها لا غيرها فافطن هنا / ليزول عنك الظن والحسبان
وهي اعتبارات كثيرات وما / هي غير ذات الحق جل الشان
والحس والمحسوس قد قاما بها / والعقل والمعقول يا إخوان
والكل خلق الله أي تصويره / مثل المعاني تدرك الأذهان
فانظر إلى هذا الوجود مجرداً / عنه تقاديراً هي الأكوان
ومنزهاً لجماله عن كل ما / يحوي المكان وتجمع الأزمان
فالكل موجودون منه به له / لولاه كان وجودهم ما كانوا
والكل معدومون فيه وإنما / هو وحده المتفضل المنان
وهو الذي هو عين ما هو لم يزل / ما غيَّرته بخلقها الأعيان
وكذاك لم تتغير الأعيان من / عدم بها لكن لها لوذان
تبدو به وهو الذي يبدو بها / كلٌّ لكلٍّ نسبة وقران
وهما جميعاً ظاهران فتارةً / خلقٌ يقال وتارةً رحمان
حق على العرش العظيم قد استوى / وبه محلٌّ قائم ومكان
سبحانه من أن يحل بغيره / أو في مكان أوله إمكان
هو أول هو آخر هو ظاهر / هو باطن هو واحد ديان
والكائنات جميعها معدومة / في نوره ولها به إبطان
وهو الوجود الحق جل جلاله / والإنس قد قاموا به والجان
في الملك والملكوت عز وجل عن / معنى الشريك وما هي الأوثان
فالجأ إليه وكن به متمسكاً / وليستَوِ الإسرار والإعلان
واطرح قيودك في حماه ولذ به / وليكثر التفويض والتكلان
وبه فقم واقعد به واركع به / واسجد إليه به لك استيقان
واترك مرادك في قديم مراده / يَمضي الفساد ويذهب الطغيان
واترك به دعوى الوجود له وكن / فيه بلا كون يزول الران
واجعل فناءك في هواه هو البقا / إن الفنا هو للبقا ميدان
واعكف على سنن النبي محاذراً / بدعَ الزمان يسوقها الشيطان
فالسنة الغراء منهاج التقى / تُمحى به الآثام والعصيان
واكفف عن الناس الظنون وسوءها / واحذر ففي هذا لك الحرمان
واترك على العاصين سترَ إلههم / واعلم بأنك كيف دِنتَ تدان
واكتم سريرتك التي هي قد صفت / لك عن سواك يزينك الكتمان
وأقم على نصحي وكن متحققاً / بمقالتي فمقالتي الفرقان
وأدر لسانك بالصلاة على الذي / غيث الهدى أبداً به هتّان
ولآله ولصحبه من بعده / فليكثر التسليم والرضوان
وانهض بحب الصالحين وذكرهم / فيما تروم فتذهب الأحزان
ولك الحوائج تنقضي بسهولة / وإليك يأتي العفو والغفران
وبما أتى عبد الغنيِّ فخذ ولا / تتبع عداه فإنهم عميان
من مات يعلم أنك الحق المبينْ
من مات يعلم أنك الحق المبينْ / وأنا الذي قد متُّ فيك على اليقينْ
وفنيت حتى في وجودك بان لي / كيف التمسُّك منك بالحبل المتينْ
يا نور نور الكائنات جميعها / نور على نور هو النور المبينْ
أنا ظلمة ظهرت بنور محمد / ومحمد نور بنورك مستبينْ
والنور بالظلمات يظهر عادة / وكذلك الظلمات من نور تَبينْ
نحن التقادير التي قدرتها / في نور نورك يا مهيمن يا معينْ
فالطف بنا وامنن علينا بالذي / نرجوه منك ولا تدعْنا حائرينْ
وتولَّ حفظ قلوبنا وجسومنا / مما يعيب من الأمور وما يشينْ
وأعن وثبتنا عن سنن الهدى / دنياً وآخرةً كما ترضى ودينْ
بحبيبك الهادي إليك محمد / خير الورى وأجلهم طه الأمينْ
وبآله وبصحبه وبحزبه / وبمن غدوا أنصاره والتابعينْ
أبدا عليه كذا عليهم كلهم / أزكى الصلاة مع السلام بكل حينْ
ما لاح وجه الفجر في شعر الدجى / والشمس مشطت السواد عن الجبينْ
مالي لقد أصبحت من نيل المنى
مالي لقد أصبحت من نيل المنى / لا أنت أنت أرى ولا أني أنا
وأرى البلاد ولا بلاد وأهلها / لا أهلها وأرى الدُّنا هي لا الدُّنا
وجيمع ما قد كان زال ولم يزل / والكل وهماً صار لي كي يفتنا
وبدا الذي قد كان عني خافياً / متصوراً بالكل لي متعينا
من غير ما صور تغيره ولا / هو بالظهور بها يكون مكوّنا
ما قيدته عن مدى إطلاقه / إذ لا وجود لها سواه مبينا
وهي الكثيرة وهو فيها واحد / فرد وإن صبغته لي فتلونا
لم يشتغل عن بعضها بالبعض بل / في كل شيء لم يزل متمكنا
وشئونه هي وهي فانية به / وهو الذي هو ليس يدركه الفنا
حقٌّ ونحنُ وما نشاهدُ باطلٌ / فتن العقولَ بخلقِه والأعينا
فاحذر تظن بأن شيئاً غيره / معه يكون هناك في الغد أو هنا
إن الفناء طهارة الإنسانِ
إن الفناء طهارة الإنسانِ / لصلاة معرفة البعيد الداني
فصلاةُ معرفةِ الإله بغير ما / طهرِ الفناءِ عديمةُ الأركان
والكفر فيها ظاهر بكلامه / وبفعله وإزالة الإيمان
إن الفناء طهارة مفروضة / لصلاةِ معرفةٍ على الإنسان
وهي الفناء المحض بالتطهير عن / خبث الجسوم كثائف الحيوان
وعن النفوس لطائف الكون التي / حدثت فقل حدث من الحدثان
وطهارة الأخباث والأحداث لا / تجزي بغير الماء ذي السيلان
والماء ماء الغيب ينزل من سما / غيب الإله على فؤاد عاني
لا بد ذاك يكون ماءً مطلقاً / عما يخالطه من الأكوان
حتى به حدث يزول وإن يكن / ماء تراه مقيداً بمعاني
فهو المقيد وهو ليس برافع / حدثاً كما قالته أهل الشان
لكنهم في رفعه خبثاً لهم / قولان والرفع اقتضاءُ بيان
والماء ذاك المطلق الصرف الذي / هو بالوجود يراد في القرآن
تحقيق كل حقيقة بالحق إذ / هو لا سواه وكل شيء فاني
إياك تشهد غيره ودع العَنا
إياك تشهد غيره ودع العَنا / لا أنت في هذا الوجود ولا أنا
هذا الوجود هو الحقيقيُّ الذي / نبدو به وبه نعود إلى الفنا
وإذا به عدنا نعود كلم نكن / وإذا بدونا فهو باد دوننا
والباطل الشان الذي هو باطل / والحق حق إن تباعد أو دنا
إن الذي هو عالم بك جاهل / يا من تحجب بالسوى وتبينا
لونان كالحرباء لون خلائق / ظهرت ولون حقائق هن المنى
يا ابن الحوادث لا تظن فلا تكن / أنت القديم وإن بدا بك واعتنى
هو عنك ممتاز هنا بوجوده / وبك امتياز عنه في عدم هنا
هيهات هيهات الوجود يكون لل / عدم المقدر أو بعكس كالأنا
إن الحلول من الجهول توهُّمٌ / في قول أهل الله يجعل ديدنا
ما إن سمعت ولست أسمع عاقلاً / أبداً يظن الحق يسكن ممكنا
وإنِ النصوص أتت به فلأنها / جاءت على عقد النبي تيقُّنا
إن الوجود على الحقيقة واحد / في كل شيء قد بدا وتعينا
والشيء تقدير له فانٍ كما / قد جاء فاكشف عنه إن تك مؤمنا
والحق قيوم لمن هو باطل / وهو السوى بالوهم قام فأفتنا
يا من به تتكوَّن الأكوانُ
يا من به تتكوَّن الأكوانُ / وبأمره تتلون الألوانُ
هي هذه هي هذه هي هذه / كل العوالم تلك والإنسان
هي كعبة الغيب المقدس طائف / أبداً بها ما يظهر الحدثان
ويمينها الحجرُ السعيد لبيعة / قد مدَّ حيثُ شهودها الإيمان
والروح طائفة وجسمي طائف / هذا لهذا في الوجود قران
حتى إذا كشف القناع وأشرقت / تلك الحقيقة والعيان عيان
وهناك يبرا القلب من داء الجفا / وبوصلنا يتبدل الهجران
حاولتُ في المرآة أنظرُ مَن أنا
حاولتُ في المرآة أنظرُ مَن أنا / فرأيتُ شخصاً أنكرتْهُ عيوني
مستبشعَ الشدقينِ مندلقَ اللحَى / غلب البياضُ على السواد الجون
يعلو القذى أجفانَه ولعابَه / مع ماء منخره وماء جفون
لا ثغر في فمه وعن أسنانه / متعوِّضٌ بالدردر المسنون
عيناه غائرتان في أصداغه / وجبينه في صفرة وكمون
فسألته من أنت قال أنا الذي / هو أنت بُدِّلَ عقله بجنون
ذهبت شبيبته ورونق وجهه / والضعف لازمه وفرط الهون
عبد ولكن ربُّهُ بَرٌّ به / وعطاؤه كحياً عليه هتون
ما إن له عمل سوى توحيده / وسوى الرجاء لكافه والنون
يمشي ويعثر في معالم ذنبه / مشيَ المكبلِ في قيود ديون
ألف التجلي من صفات إلهه / وظهوره يرمي به لبطون
نودي عليه ولات حينَ البيعِ مَنْ / يَشري له عبداً بدون الدون
فتضاحكت منه الرجال وأعرضوا / عنه وقالوا العبد عبد مجون
جم العيوب وما له غير الفنا / ستراً يلوذ بسره المكنون
فأجبته قف وانتظر فلربما / جبر المسعِّرُ صفقةَ المغبون
ليس الوجود كما يقال اثنانِ
ليس الوجود كما يقال اثنانِ / حق وخلق إذ هما شيئانِ
هذا المقال عليه قبح عقيدة / عند المحقق ظاهر البطلان
ولد الإله بها النصارى قولهم / والكذب جاء بذاك في القرآن
والله لم يولد فواعجباً لمن / قالوا الوجود بعقلهم قسمان
قالوا وجود حادث هذا وفي / غيب الغيوب وجودُ حق ثاني
ياليت شعري ذا وجودٌ حادثٌ / من أين جاء لهذه الأعيان
من ربها والرب لم يولد ولم / يخرج وجود منه للأكوان
أو جاء من عدم وليس يجيء من / عدم وجود إذ هما ضدان
والضد ليس يجيء منه ضده / أبداً وما الضدان يجتمعان
بل إنما هذا وجود واحد / وبنا يلوح وكل شيء فاني

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025