المجموع : 149
نُبِّئتُ ما صَنَعَ الَّذينَ تَأَلَّفوا
نُبِّئتُ ما صَنَعَ الَّذينَ تَأَلَّفوا / يَتَذاكَرونَ مَواطِنَ الأَحسابِ
يَدعونَ مِصر وَمِصرُ مَجدُ أُبُوَّةٍ / عالٍ وَعِزُّ عَشيرَةٍ وَصِحابِ
فَرَضيتُ ثُمَّ عَلِمتُ ما لَم يَصنَعوا / فَغَضِبتُ ثُمَّ رَضيتُ غَيرَ مُحابِ
نَفَضوا الأَكُفَّ مِنَ الأُلى جَمَحَت بِهِم / شُرُدُ النُهى وَعوازِبُ الأَلبابِ
وَرَعوا ذِمامَ بِلادِهِم بِوَصِيَّةٍ / نَكَصَ الغَوِيُّ لَها عَلى الأَعقابِ
يا عُدَّةَ الوادي لِيَومِ رَجائِهِ / وَعَتادِهِ لِلحادِثِ المُنتابِ
روضوا المَطالِبِ بِالرَوِيَّةِ وَاِعلَموا / أَنَّ السَكينَةَ أَنجَحُ الأَسبابِ
إِن شيبَ حَقُّ العالَمينَ بِباطِلٍ / أَعيَت وَسائِلُهُ عَلى الطُلّابِ
إِن الأَناةَ لِذي الشَجاعَةِ عِصمَةٌ / وَالحَزمُ دِرعُ الأَغلَبِ الوَثّابِ
وَالأَمرُ إِن حَجَبَ الظَلامُ وُجوهَهُ / فَالرَأيُ أَسطَعُ كَوكَبٍ وَشِهابِ
مَن ذا يُجادِلُ في الحُقوقِ وُلاتَها / وَيُصيبُهُم بِمَلامَةٍ وَعِتابِ
وَيَقولُ لِلصادي المُصَفِّقِ وِردُهُ / أَتَموتُ أَم تَحيا بِغَيرِ شَرابِ
يَرِدُ المَنِيَّةَ إِذ يَفيضُ ذُعافُها / وَيَرى الزُلالَ يَغيضُ في الأَكوابِ
مَن ذا يَرُدُّ عَنِ الحَياةِ دُعاتَها / وَيُريدُها لِلناسِ سَوطَ عَذابِ
مَن ذا يُماري الناسَ في شَمسِ الضُحى / مَن ذا يُقَنِّعُ وَجهَها بِنِقابِ
لا تُشمِتوا الأَعداءَ إِنَّ عُيونَهُم / نُصِبَت لَكُم في جَيئَةٍ وَذَهابِ
لا شَيءَ أَبهَجُ مَنظَراً فيما تَرى / مِن نَكبَةٍ تَجتاحُكُم وَمُصابُ
سُدّوا سَبيلَ الشَرِّ وَاِجتَنِبوا الأَذى / وَخُذوا الأُمورَ بِحِكمَةٍ وَصَوابِ
ذو العَقلِ إِن سَنَّ الوُلاةُ وَأَدَّبوا / في سُنَّةٍ مِن عَقلِهِ وَكِتابِ
أَنتُم وُلاةُ الحَقِّ في أَوطانِكُم / وَالحَقُّ يَصدَعُ شُبهَةَ المُرتابِ
اللَهُ أَكبَرُ هَل لَكُم مِن دونِها / وَطَنٌ يُرامُ لِغابِرِ الأَحقابِ
اللَهَ في أَمَلٍ لِمِصرَ مُحَبَّبٍ / هَتَفَ البَشيرُ بِهِ عَلى الأَبوابِ
رُدّوا التَحِيّةَ هادِئينَ وَعالِجوا / بِالرِفقِ كُلَّ سِتارَةٍ وَحِجابِ
وَتَيَمَّنوا بِالطَيرِ سَعداً وَاِحذَروا / لِلنَحسِ طَيراً دائِمَ التَنعابِ
لوذوا بِآدابِ الحَياةِ وَراقِبوا / نَزَواتِ قَومٍ ناقِمينَ غِضابِ
نَنسى وَيَعطِفُنا الإِخاءُ فَنَذكُرُ
نَنسى وَيَعطِفُنا الإِخاءُ فَنَذكُرُ / وَالحُبُّ يُطوى في القُلوبِ وَيُنشَرُ
إِنّا لَعَمرُ اللائِمينَ عَلى الهَوى / لَنَرى سَواءً مَن يَلومُ وَيَعذِرُ
نُرضي الأَحِبَّةَ لا نُراقِبُ بَعدَهُم / أَهواءَ مَن يَرضى وَمَن يَتَذَمَّرُ
يا مَن يُحاوِلُ أَن يُغَيِّرَ عَهدَنا / انظُر إِلى الإيمانِ هَل يَتَغَيَّرُ
الدَهرُ يَشهَدُ وَالحَوادِثُ أَنَّنا / لِسِوى الوَفاءِ لِقَومِنا لا نُؤثِرُ
إِخوانُنا الأَدنَونَ يَجمَعُ بَينَنا / عَهدٌ أَبَرُّ وَذِمَّةٌ ما تُخفَرُ
يا أُمَّةَ الإِنجيلِ إِنّا أُمَّةٌ / في مِصرَ واحِدةٌ لِمَن يَتَدَبَّرُ
دَرَجَت عَلى ذِمَمٍ خَوالِدَ لَم تَزَل / تَمضي القُرونُ بِها وَتَأتي الأَعصُرُ
لَو تَسأَلينَ وَما بِنا مِن رَيبَةٍ / فيما نُكِنُّ مِنَ الإِخاءِ وَنُظهِرُ
لَأَجابَكِ الفاروقُ عَنّا وَاِنبَرى / عَمرٌو يُنَبِّئُكِ اليَقينَ وَيُخبِرُ
لَبَّيكِ مِن داعٍ يُناشِدُ أُخوَةً / لَبَّيكِ في الحَقِّ الَّذي لا يُنكَرُ
لَبَّيكِ مِصرُ فَكُلُّنا لَكِ طائِعٌ / أَنتِ الحَياةُ لِكُلِّ نَفسٍ تَشعُرُ
لا تَجهَل الأَعيادُ حينَ نُقيمُها / أَنَّ الغَدَ المَأمولَ عيدٌ أَكبَرُ
حَيِّ الخَليلَ وَطُف بِتِلكَ الدارِ
حَيِّ الخَليلَ وَطُف بِتِلكَ الدارِ / حَيّاهُ رَبُّ البَيتِ ذي الأَستارِ
إِنَّ التَحِيَّةَ وَالسَلامَ لِمُؤمِنٍ / عالي المَواقِفِ راجِحِ المِقدارِ
لا ريعَ سِربُكَ مِن كَمِيٍّ باسِلٍ / يُرجى لِيَومِ كَريهَةٍ وَمَغارِ
خُضتَ الخُطوبَ لِأَجلِ مِصرَ مَخوفَةً / مِن كُلِّ أَرعَنَ هائِلِ التَيّارِ
وَقَضَيتَ في بَرلينَ حَقَّ شَهيدِها / فَقَضَيتَ حَقَّ اللَهِ وَالمُختارِ
سَدَّ القَضاءُ عَلَيهِ أَقطارَ الدُنى / فَفَتَحتَ عَنهُ مَغالِقَ الأَقطارِ
نَصَرَتكَ هِمَّةُ ماجِدٍ لَولا التُقى / لَظَنَنتُها قَدَراً مِنَ الأَقدارِ
وَالمَرءُ إِن طَلَبَ الأُمورَ بِهِمَّةٍ / لَم يُعيِهِ وَطَرٌ مِنَ الأَوطارِ
وَيحَ الَّتي أَكَلَ النُسورُ وَليدَها / وَمَضَت مُحَلِّقَةً بِكُلِّ مَطارِ
قَذَفَت بِهِ دارُ الجِهادِ إِلى الَّتي / ما بَعدَها لِمُجاهِدٍ مِن دارِ
تَهَبُ الحَياةَ لِمَن يَجيءُ بِشِلوِهِ / وَتَراهُ عَينَ الفارِسِ المِغوارِ
أَوَ ما رَأَت صُنعَ الخَليلِ فَأَكبَرَت / في العالَمينَ جَليلَ صُنعِ الباري
جَعَلَ العِنايَةَ وَالقَضاءَ بِأَسرِهِ / عَونَ الكِرامِ وَنَجدَةَ الأَحرارِ
فَإِذا سَعَوا جَرَتِ الحَوادِثُ طَوعَهُم / وَإِذا مَشوا وَقفَ القَضاءُ الجاري
هُزّي لِنُصرَتِكِ الخَليلَ وَهَيِّجي / فيهِ مَضاءَ الصارِمِ البَتّارِ
مَن لَيسَ لِلجُلّى سِواهُ وَما لَهُ / في الصالِحاتِ الباقِياتِ مُبارِ
يَحمي الحَقيقَةَ وَالذِمارَ وَما الفَتى / إِلّا رَهينُ حَقيقَةٍ وَذِمارِ
فَإِذا هُما ذَهَبا تَهَدَّمَ حَوضُهُ / وَأَقامَ رَهنَ مَذَلَّةٍ وَصَغارِ
وَالمَرءُ تَأخُذُهُ الخُطوبُ بِظُلمِها / فَيَموتُ أَو يَحيا حَياةَ العارِ
وَالناسُ بَينَ مُحَقَّرينَ أَصاغِرٍ / وَمُعَظَّمينَ مِنَ الرِجالِ كِبارِ
لَولا الحَمِيَّةُ في النُفوسِ تُثيرُها / هَتَكَ الكِلابُ حِمى الهِزَبرِ الضاري
وَعَفَت مِنَ الدُنيا الفَضائِلُ وَاِنمَحَت / أَعقابُها وَبَقِيَّةُ الآثارِ
وَلَما رَأَيتَ العِرضَ إِلّا سِلعَةً / تُزجى وَتَدفَعُها يَمينُ الشاري
فَإِذا الحَياةُ غَياهِبٌ مُسوَدَّةٌ / يَشقى الدَليلُ بِها وَيَعيا الساري
وَإِذا النُفوسُ لِما تَذوقُ مِنَ الأَذى / حَرّى الشكاةِ عَلى الحَياةِ زَواري
قُل لِلخَليلِ صَدَقتَ قَومَكَ عَهدَهُم / وَرَعَيتَ مِصرَ رِعايَةَ الأَبرارِ
وَشَفَيتَ وَجدَ شَهيدِها وَحَبَوتَهُ / فيها بِدارِ إِقامَةٍ وَقَرارِ
شُغِفَت بِهِ وَاِهتاجَ مِن بُرَحائِهِ / شَوقٌ إِلَيها في الجَوانِحِ وارِ
فَطَوَيتَ ما يَشكو المَشوقُ مِنَ النَوى / وَجَمَعتَ بَينَ الصَبِّ وَالمُزدارِ
مِصرُ الحَياةُ لِكُلِّ ذي شَغَفٍ جَرى / في العاشِقينَ فَطاحَ في المِضمارِ
إِنّي لَأَعلَمُ وَالمَحَبَّةُ مِحنَةٌ / أَنَّ النُفوسَ لِمَن تُحِبُّ عَواري
تَبقى وَتُؤخَذُ ما أَرادَ وَما أَبى / لا شَيءَ غَيرَ تَحَكُّمِ وَخِيارِ
قالوا أَخٌ لِأَبي الشَهيدِ وَأُمِّهِ / أَم مِن ذَوي القُربى أَمِ الأَصهارِ
ما كُنتَ إِلّا الحُرَّ يَحفَظُ قَومَهُ / وَالحُرُّ صاحِبُ ذِمَّةٍ وَجِوارِ
وَالحَقُّ إِن تَرَكَ المَليءُ قَضاءَهُ / ضاقَت عَلَيهِ مَنادِحُ الأَعذارِ
إِنَّ الفَقيرَ إِلى الحَياةِ لَمَن يَرى / أَنَّ الحَياةَ بِثَروَةٍ وَعَقارِ
المالُ لِلرَجُلِ الكَريمِ ذَرائِعٌ / يَبغي بِهِنَّ جَلائِلَ الأَخطارِ
وَالناسُ شَتّى في الخِلالِ وَخَيرُهُم / مَن كانَ ذا فَضلٍ وَذا إيثارِ
بورِكتَ أَنتَ كَتَبتَ أَبلَغَ آيَةٍ / لِلمُسلِمينَ بِسائِرِ الأَمصارِ
وَنَسَختَ ما كَتَبَ الَّذينَ تَقَدَّموا / مِن تُرُّهاتِ الكُتبِ وَالأَسفارِ
كانوا إِذا لَوَتِ النُفوسَ عَنِ النَدى / سَعَةُ الغِنى قالوا نُفوسُ تِجارِ
أوتيتَ مُلكَ الحَمدِ غَيرَ مُدافِعٍ / وَلَبِستَ تاجَي سُؤدُدٍ وَفَخارِ
وَرُزِقتَ ميراثَ النَوابِغِ كُلِّهِم / فيما وَرِثتَ اليَومَ مِن أَشعاري
أَطرَيتُ أَبلَجَ مِن غَطارِفِ يَعرُبٍ / وَمَدَحتُ أَروَعَ مِن شُيوخِ نِزارِ
أَطَلَبتَ مِن حاجاتِ نَفسِكَ مَأرَباً / أَم كُنتَ في بَرلينَ طالِبَ ثارِ
هِمَمٌ مَضَت في الغابِرينَ وَأُمَّةٌ / ما بَينَنا مِنها سِوى الأَخبارِ
المُسلِمونَ الأَوَّلونَ بِغِبطَةٍ / وَالشَرقُ في فَرَحٍ وَفي اِستِبشارِ
جَدَّدتَ مِن ذِكرِ الصَحابَةِ ما اِنطَوى / وَرَفَعتَ ذِكرَكَ في بَني النَجّارِ
وَأَعدَتَّ مِن عَصرِ النُبُوَّةِ ما مَضى / لَمّا أَعدَتَ لَنا حَديثَ الغارِ
ثِقَةُ المَمالِكِ بِالرِجالِ وَحُبُّها / وَقفٌ عَلى أَبنائِها الأَخيارِ
وَالمَرءُ في الدُنيا العَريضَةِ سَعيُهُ / فَبَدارِ لِلسَعيِ الجَميلِ بَدارِ
أَبلِغ ضُيوفَكَ حينَ يَشهَدُ جَمعُهُم
أَبلِغ ضُيوفَكَ حينَ يَشهَدُ جَمعُهُم / كَرَمَ الشُعوبِ يَزينُ شَعبَ النيلِ
أَنَّ الكِنانَةَ لا يَحومُ رَجاؤُها / إِلّا عَلى اِستِقلالِها المَأمولِ
أَنتُم لَها رُسُلُ الحَضارَةِ فَاِشهَدوا / وَضَحَ السَبيلُ وَقامَ كُلُّ دَليلِ
قُصّوا الحَديثَ عَلى المَمالِكِ وَاِصدَعوا / بِسَنا الحَقائِقِ غَيهَبَ التَضليلِ
إِنَّ القَضاءَ عَلى الشُعوبِ يُصيبُها / في حَقِّها الأَوفى لَغَيرُ جَميلِ
ما أَظلَمَ الأَهواءَ يَجمَحُ حُكمُها / وَيَرى سَبيلَ العَدلِ شَرَّ سَبيلِ
لا تَظلِموا الأَقلامَ إِنَّ سَبيلَها / عَونُ الضَعيفِ وَنُصرَةُ المَخذولِ
شرُّ الجرائرِ أن يَخُطَّ أثيمُها / حُمرَ الصحائفِ من دم المقتولِ
لا تَأخُذوا بِيَدِ السِياسَةِ إِنَّها / تَرمي المَمالِكَ عَن يَدَي عِزريلِ
حَكَمَت فَلَم تُنصِف يَسوعَ وَلَم تُطِع / مَأثورَ حُكمِ اللَهِ في الإِنجيلِ
بَنَتِ العُروشَ عَلى الدِماءِ فَلَم يَدُم / ذاكَ البِناءُ الضَخمُ غَيرَ قَليلِ
الظُلمُ يَعصِفُ بِالقَياصِرِ فَاِنظُروا / كَم غالَ مِن تاجٍ وَمِن إِكليلِ
إِنَّ القَضِيَّةَ ما عَلِمتُم فَاِحكُموا / فيها حُكومَةَ صادِقينَ عُدولِ
أَتَرى الكِنانَةَ كَيفَ تَبعَثُ بِالدَمِ
أَتَرى الكِنانَةَ كَيفَ تَبعَثُ بِالدَمِ / اللَهَ لِلشُهَداءِ إِن لَم تَرحَمِ
أَدنى المَراتِبِ في الصَبابَةِ عِندَها / تَلَفُ المُحِبِّ وَطولُ وَجدِ المُغرَمِ
تُزجي تَحِيَّتَها فَيَكذِبُ دونَها / أَمَلُ المَلولِ وَمَطمَعُ المُتَبَرِّمِ
ضَلَّ اِمرُؤٌ قَتَلَتهُ مِصرُ فَلَم يَصُن / عَهدَ الوَلِيِّ لَها وَحَقَّ المُنعِمِ
مَعشوقَةٌ يَجري مَعَ الدَمِ حُبُّها / في قَلبِ نَصرانِيِّها وَالمُسلِمِ
المُستَبِدُّ بِنا يُريدُ فَنَرتَضي / وَيَسومُنا خَوضَ الحُتوفِ فَنَرتَمي
الآخِذُ الشُهَداءَ أَخذَ مُناجِزٍ / وَالمُستَبيحُ دَمَ الشَهيدِ الأَعظَمِ
بَعثَتهُ مِصرُ مُجاهِداً وَرَمَت بِهِ / فَرَمَت بِجَيشٍ لِلفُتوحِ عَرَمرَمِ
خاضَ الغِمارَ يَهُدُّ كُلَّ كَتيبَةٍ / وَيَهُزُّ راياتِ الكَمِيِّ المُعلَمِ
مُتَجَرِّداً لِلَهِ يَطلُبُ حَقَّهُ / وَيُقيمُ جانِبَ شَعبِهِ المُتَهَدِّمِ
فَإِذا القَياصِرُ بِالأَرائكِ تَتَّقي / وَإِذا الأَرائِكُ بِالقَياصِرِ تَحتَمي
كُلٌّ لَهُ فَزَعٌ وَكُلٌّ جازِعٌ / يَبغي القَرارَ وَلا قَرارَ لِمُجرِمِ
الظُلمُ أَجمَعُ وَالإِساءَةُ كُلُّها / بَغيُ القَوِيِّ عَلى الضَعيفِ المُرغَمِ
وَمِنَ البَلِيَّةِ أَن يُقالَ لِأُمَّةٍ / تَبغي الحَياةَ حَذارِ أَن تَتَقَدَّمي
أَعدى الذِئابِ عَلى المَمالِكِ مَن يَرى / أَنَّ الشُعوبَ فَريسَةُ المُتَهَجِّمِ
وَيَرى الشَرائِعَ في عَظيمِ جَلالِها / سَيفَ المُغيرِ وَمِخلَبَ المُتَحَكِّمِ
قُل لِلحَضارَةِ بَعدَ حُكمِ دُعاتِها / بَرِئَت دُعاتُكِ مِنكِ إِن لَم تَظلِمي
زولي فَإِن رُمتِ البَقاءَ لِحاجَةٍ / تَبغينَ بَعدُ قَضاءَها فَتَلَثَّمي
هَل تَملِكينَ مِنَ الحَياةِ عُلالَةً / أَم تَأخُذينَ مِنَ الحِفاظِ بِمَيسِمِ
كوني كَعَهدِكِ بَينَ قَومِكِ إِنَّهُم / تَرَكوكِ غَرقى في الحَديدِ وَفي الدَمِ
مَضَتِ الحَضارَةُ في جَلالِ حُماتِها / وَمَضوا بِأُبَّهَةِ الزَمانِ الأَقدَمِ
الرافِعينَ مِنَ المَمالِكِ شَأوَها / البالِغينَ بِها مَكانَ الأَنجُمِ
المُتَّقينَ اللَهَ في ضُعَفائِها / المانِعينَ حِمى الذَليلِ المُسلِمِ
الجامِعينَ عَلى الهِدايَةِ أَهلَها / الصادِعينَ غَياهِبَ الزَمَنِ العَمي
المُمطِرينَ الأَرضَ عَدلاً كُلَّها / المُنبِتينَ بِها كِبارَ الأَنعُمِ
في دَولَةٍ لِلَهِ عالِيَةِ الذُرى / دُعِمَت بِآياتِ الكِتابِ المُحكَمِ
سَطَعَ الزَمانُ بِها وَحُمَّ قَضاؤُها / فَرَمى المَمالِكَ بِالزَمانِ المُظلِمِ
يَضرِبنَ في سُبُلِ الغِوايَةِ وَالعَمى / لا يَهتَدينَ إِلى السَبيلِ الأَقوَمِ
شَعبٌ عَلى شَعبٍ يَجورُ وَأُمَّةٌ / تُلقي عَلى أُخرى مَخالِبَ ضَيغَمِ
يَشكو الجَريحُ إِلى الجَريحِ وَجُهدُهُ / بَثُّ الأَسى وَتَوَجُّعُ المُتَأَلِّمِ
فَالأَرضُ تَسبَحُ في زَلازِلَ رُجَّفٍ / وَالجَوُّ يَغرَقُ في صَواعِقَ رُجَّمِ
مَهلاً دُعاةَ العَدلِ في الأُمَمِ الَّتي / صاحَ الغُزاةُ بِشِلوِها المُتَقَسَّمِ
نُكِبَت بِكُم وَأَصابَها مِن ظُلمِكُم / بَطشُ العَسوفِ وَغَضبَةُ المُتَهَضِّمِ
هِجتُم عَلَيها الحادِثاتِ مُلِحَّةً / تَلوي بِأَعرافِ الجِمالِ الجُشَّمِ
رُدّوا الأَسِنَّةَ عَن حُشاشَةِ أُمَّةٍ / غَضبى الفُتوحِ إِلى الأَسِنَّةِ تَنتَمي
زَأَرَت فَرَوَّعَتِ الشُعوبُ وَإِنَّما / ذَكَرَت مَفاخِرَ عَهدِها المُتَصَرِّمِ
بَعَثَت إلى أمم السلام رسولَها / فأثارها كالمارجِ المتضرِّمِ
حَرباً عَلى المُتَمَرِّدينَ شَديدَةً / تَرمي بِأَسرابِ المَنايا الحُوَّمِ
جَوّالَةَ الغَمَراتِ ذائِبَةَ القُوى / تَأتي وَتَذهَبُ بِالقَضاءِ المُبرَمِ
هَزَّت يَمينُ مُحَمَّدٍ بِلِوائِها / رُكنَ السماحِ وَطَوَّحتَ بِالمِرزَمِ
حَتّى إِذا هَمَّ الأَمينُ بِنَفسِهِ / دَفَعَ اللِواءَ إِلَيهِ غَيرَ مُذَمَّمِ
يا سَيِّدَ الشُهَداءِ بَعدَ رَفيقِهِ / أَرضَيتَ رَبَّكَ في جِهادِكَ فَاِغنَمِ
لَيسَ الَّذي بَدَأَ الجِهادَ فَلَم يَمُت / إِلّا كَبادِئِ حِجَّةٍ لَم تُختَمِ
وَأَجَلُّ ما رُزِقَ الرِجالُ هَمامَةٌ / تَنفي عُرامَ المَطلَبِ المُتَجَهِّمِ
تَتَجَشَّمُ الصَعبَ المَخوفَ وَعِندَها / أَنَّ المَنِيَّةَ مَركَبُ المُتجَشِّمِ
مَأوى المَمالِكِ وَالشُعوبِ وَمالَهُم / وَصَفوَكَ ظُلماً بِالغَريبِ المُعدِمِ
لَكَ مِن يَقينِكَ ثَروَةٌ إِن قُدِّرَت / قيسَت كُنوزُ العالَمينَ بِدَرهَمِ
إيمانُ ذي الإيمانِ أَعظَمُ ثَروَةٍ / وَيَقينُ ذي الوِجدانِ أَفضَلُ مَنجَمِ
ضَجَّ النُعاةُ فَضَجَّ كُلُّ مُوَحِّدٍ / وَاِرتَجَّ ما بَينَ الحَطيمِ وَزَمزَمِ
وَتَلَفَّتَت مِصرٌ لِتَنظُرَ ما جَنَت / بَرلينُ مِن حَدَثٍ عَميمِ المَأتَمِ
صَدَعَت بِبَرقٍ كَالصَواعِقِ هائِلٍ / وَرَمَت بِطَيرٍ في المَشارِقِ أَشأَمِ
وَاِستَأثَرَت بِكَ وَهيَ تَعرِفُ ضَيفَها / عِرفانَ مُحتَفِلٍ بِمِثلِكَ مُكرِمِ
برلينُ لا تَدَعي لِضَيفِكِ حاجَةً / إِلّا اِنبَعَثتِ لَها بِغَيرِ تَلَوُّمِ
إِن يَغتَبِط بِكِ لا يُشِع لَكِ قَومُهُ / حَقَّ الحَفيِّ وَلا يَدَ المُتَكَرِّمِ
أَرَأَيتِ مَطمَعَ فاتِحٍ لَم يَنقَلِب / وَشَهِدتِ مَصرَعَ فارِسٍ لَم يُهزَمِ
لا تَجحَديهِ عَلى التَغَرُّبِ حَقَّهُ / فَإِذا جَهِلتِ مَكانَهُ فَتَعَلَّمي
إِن كُنتِ مِلءَ الجَحفَلَينِ فَإِنَّهُ / مِلءُ الأَسِنَّةِ وَالظُبى وَالأَسهُمِ
مِصرُ اللُبانَةُ لا أَصابَكِ ما بِها / مِن مَأتَمٍ جَلَلٍ وَعَيشٍ عَلقَمِ
سَئِمَت مُصابَرَةَ الخُطوبِ وَمَن يَكُن / غَرَضَ الحَوادِثِ كُلَّ يَومٍ يَسأَمِ
ظَمآى إِلى وِردِ الحَياةِ فَإِن تَرِد / تَرِدِ المَنِيَّةَ في لُعابِ الأَرقَمِ
وَإِذا المَمالِكُ أَشرَقَت أَجواؤُها / نُكِبَت جَوانِبُها بِجَوٍّ أَقتَمِ
خَطِرِ المَهَبِّ يَموجُ في مُتَنَفَّسٍ / يَرمي بِآجالِ النُفوسِ مُسَمَّمِ
يَستَعصِمُ الحُرُّ الأَبِيُّ وَقَد مَشى / عِزريلُ بَينَ جَوانِحِ المُستَعصِمِ
بَعَثوا بِصاحِبِهِم يُسائِلُ ما لَنا / فَثَوى بِمَنزِلَةِ الأَصَمِّ الأَبَكَمِ
يَبغي البَيانَ وَقَد مَضى مَأثورُهُ / وَمِنَ القَضاءِ بَيانُ ما لَم يُكتَمِ
إِنَّ الحَديثَ لَوِ اِستَطَعنا مَنعَهُ / حَولَينِ مَوصولَينِ لَم نَتَكَلَّمِ
يا مِصرُ حَسبُكِ ما رَضيتِ مِنَ الأَذى / وَبَرِئتِ مِن ماضيكِ إِن لَم تَنقَمِ
ذَهَبَت عُهودُ المُستَبِدِّ ذَميمَةً / وَمَضى زَمانُ العاجِزِ المُستَسلِمِ
إِنَّ الَّتي رَمَتِ المَمالِكَ باعَدَت / بَينَ المَضاجِعِ وَالشُعوبِ النُوَّمِ
الأَرضُ تَركُضُ بِالشُعوبِ حَثيثَةً / فَاِمشي عَلى آثارِها وَتَرَسَّمي
إِن كانَ قَيدُكِ لَم يُحَلَّ فَإِنَّهُ / خُلُقُ المُريبِ وَشيمَةُ المُتَوَهِّمِ
سيري فَما بِكَ غَيرُ تِلكَ وَلابِنا / إِلّا مُراقَبَةُ العِدى وَاللُوَّمِ
يا نازِحاً لَم نَقضِ حَقَّ بَلائِهِ / اللَهُ جارَكَ فَاِغتَبِط وَتَنَعَّمِ
وَاِنفُض هُمومَكَ عَن فُؤادِكَ إِنَّنا / نَلقى الهُمومَ بِكُلِّ أَغلَبَ أَضخَمِ
إِنَّ المَناكِبَ وَالنُفوسَ بِأَسرِها / لَفِداءُ مِصرَ مِنَ المُهِمِّ المُؤلِمِ
ماذا حَفِظتَ لَأَهلِها مِن حُرمَةٍ / وَقَضَيتَ مِن حَقٍّ عَلَيكَ مُحَتَّمِ
حَيَّتكَ مِصرُ عَلى البِعادِ فَحَيِّها / وَدَعَت مُسَلِّمَةً عَلَيكَ فَسَلِّمِ
جاوَزتَ حُسنَ الصُنعِ في خُدّامِها / وَكَفيتَ سوءَ الذِكرِ مَن لَم يَخدُمِ
كَذَبَ المُضَلَّلُ لَن يَنالَكَ سَعيُهُ / إِلّا إِذا نالَ السَماءَ بِسُلَّمِ
أَقسَمتُ مالَكَ في جِهادِكَ مُشبِهٌ / وَالحُرُّ مُؤتَمَنٌ وَإِن لَم يُقسِمِ
ما زِلتَ تُسرِفُ في المَغارِمِ دائِباً / حَتّى جَعَلتَ النَفسَ آخِرَ مَغرَمِ
أَيُّ القَواضِبِ بَعدَما قَطَعَ الظُبى / وَلَوى الأَسِنَّةَ في الوَغى لَم يُثلَمِ
رَدَّدتُ صَوتي في الرِثاءِ وَإِنَّما / رَدَّدتُ مِن صَوتِ الكِنانَةِ في فَمي
حَيَّتكَ في المَلَأِ العَلِيِّ وَأَزلَفَت / حورُ الجِنانِ إِلَيكَ شَعرَ مُحَرَّمِ
أَسَفي لَأَوبَةِ راحِلٍ لَم تَقضِها / عِدَةُ المُنى وَتَحِيَّةٍ لَم تُنظَمِ
وَفدَ الكِنانَةِ هَل حَمَلتَ رَجاءَها
وَفدَ الكِنانَةِ هَل حَمَلتَ رَجاءَها / أَم قَد حَمَلتَ أَمانَةَ الأَوطانِ
الدَهرُ عَينٌ وَالمَمالِكُ أَلسُنٌ / وَالنيلُ قَلبٌ دائِمُ الخَفَقانِ
قُل لِلأُلى وَزَنوا الشُعوبَ تَذَكَّروا / في مِصرَ شَعباً راجِحَ الميزانِ
وَإِذا رَماكَ أولو الخُصومَةِ فَاِرمِهِم / بِالحُجَّةِ الكُبرى وَبِالبُرهانِ
وَاِصدَع غَيابَةَ كُلِّ شَكٍّ مُظلِمٍ / بِشِهابِ عِلمٍ ساطِعٍ وَبَيانِ
سَكَنَت أَكُفُّ الضارِبينَ عَنِ الظُبى / فَاِضرِب بِقَلبٍ قاطِعٍ وَلِسانِ
إِنَّ الحَياةَ لَنا لَحَقٌّ ثابِتٌ / وَالحَقُّ أَغلَبُ قاهِرُ السُلطانِ
ما لِلقَوِيِّ إِذا تَجاوَزَ حُكمُهُ / يَبغي التَعَسُّفَ بِالضَعيفِ يَدانِ
مُدّوا السَواعِدَ وَاِرفَعوا الأَبصارا
مُدّوا السَواعِدَ وَاِرفَعوا الأَبصارا / لِمَ لا نَعيشُ أَعِزَّةً أَحرارا
مَن ذا أَتاحَ لَنا الجُمودَ وَمَن قَضى / أَنّا نَضلُّ مُكَبَّلينَ أَسارى
إِنَّ الَّذي خَلَقَ النُفوسَ حَرائِراً / فَكَّ الشُعوبَ وَحَرَّرَ الأَقطارا
اليَومَ يَطلُبُ كُلُّ شَعبٍ حَقَّهُ / لا خائِفاً وَجِلاً وَلا خَوّارا
وَفدَ الكِنانَةِ وَالرَجاءُ مُعَلَّقٌ / بِكَ وَالنُفوسُ كَما عَلِمتَ حَيارى
عاهَدتَ مِصرَ عَلى الوَفاءِ فَكَبَّرَت / لَمّا رَأَت أَبناءَها الأَبرارا
وَحَمَلتَ آمالَ البِلادِ وَأَهلِها / فَحَمَلتَ مَجداً عالِياً وَفَخارا
اطلُب لَنا عِزَّ الحَياةِ فَإِنَّنا / لا نَستَطيعُ عَلى الهَوانِ قَرارا
مِن حَقِّ رَكبِكَ أَن يَهُزَّ النيلا
مِن حَقِّ رَكبِكَ أَن يَهُزَّ النيلا / وَيَشوقَ عَصرِكَ بَهجَةً وَالجيلا
أَرَضيتَ إِلّا بِالعُيونِ رَكائِباً / وَقَنِعتَ إِلّا بِالقُلوبِ سَبيلا
حَيَّت وُفودُ النيلِ مِنكَ مُوَقَّراً / يُزري بِأُبَّهَةِ المُلوكِ جَليلا
لَمّا مَشى بَينَ المَواكِبِ لَم يَدَع / لِمُتَوَّجٍ عَرشاً وَلا إِكليلا
تَمشي الجُموعُ إِلى إِمامِ هُداتِها / وَتَؤُمُّ شَيخَ حُماتِها المَأمولا
قُل لِلكِنانَةِ جَدَّ جِدُّكِ فَاِنظُري / أَتَرَينَ إِلّا سَيفَكِ المَسلولا
خوضي الغِمارَ إِلى الفُتوحِ نَرى لَها / غُرَراً تُضيءُ بِها الدُنى وَحُجولا
دَلَفَ الفَوارِسُ في لِوائِكِ حُسَّراً / وَمَضوا رَعيلاً لِلوَغى فَرعيلا
يَتَقارَعونَ عَلى الشَهادَةِ أَيُّهُم / يُمسي لِطَهَ في الجِنانِ نَزيلا
أَمُعاوِدَ الأَوطانِ بَعدَ فِراقِها / أَنَوَيتَ إِلّا فُرقَةً وَرَحيلا
مازِلتَ مُغتَرِبَ الأَسِنَّةِ وَالظُبى / فَمَتى تُريدُ مِنَ الجِهادِ قُفولا
بَعُدَ القَرارُ فَسِر بِقَومِكَ هادِياً / وَاِطوِ المَدى ميلاً إِلَيهِ فَميلا
قَصُرَت مَسافَتُهُ فَما بَرَحَ الأُلى / رَكِبوا الهَوى حَتّى تَباعَدَ طولا
حَمَلوا الحِمايَةَ فَالبِلادُ مَروعَةٌ / وَالشَعبُ يَنظُرُ نَعشَهُ المَحمولا
لَو كُنتَ شاهِدَهُم غَداةَ مَشَوا بِها / وَجَوانِبُ الوادي تَموجُ طُبولا
أَيقَنتَ أَنَّ مِنَ الشُعوبِ أَجِنَّةً / وَعَلِمتَ أَنَّ مِنَ البِلادِ طُلولا
مَن غابَ عَنهُم مِن بَني الدُنيا فَما / عَرَفَ المَسيخَ وَلا رَأى عِزريلا
هُم فَرَّقوا الشَملَ الجَميعَ وَمَزَّقوا / ما أَلَّفَ الصيدُ الأُباةُ فُلولا
لَو كُنتَ مِن ظُلَلِ الغَمامِ بِمَنزِلٍ / لَرَأَيتَ حِزباً أَو لَقيتَ قَبيلا
ضَرَبوا الأُبُوَّةَ بِالبَنينِ وَقَطَّعوا / ما كانَ مِن أَرحامِهِم مَوصولا
الشَرُّ يَعصِفُ وَالعَدُوُّ بِغَبطَةٍ / وَالنيلُ يَهتِفُ بِالقُرى لِتَزولا
وَمُدَجَّجينَ رَمى الدُعاةُ سَوادَهُم / فَمَضوا سِهاماً لِلعِدى وَنُصولا
طَلَبوا بَني أَعمامِهِم فَكَأَنَّما / طَلَبوا تِراتٍ عندَهم وَذُحولا
قُومٌ شَفوا غَيظَ العِدى وَسِياسَةٌ / لَم تُبقِ مِنهُم مَأرِباً أَو سولا
أَخَذوا عَلى النيلِ السَبيلَ وَصادَفوا / شَعباً يَميلُ مَعَ الرِياحِ ذَلولا
حَمَلوا إِلَيهِ الغولَ في اِستِقلالِهِم / فَسَلِ المَواكِبَ كَيفَ زَفّوا الغولا
تَفَتَرُّ عَن أَنيابِها وَكَأَنَّما / أَمسَت عُيونُ بَني الكِنانَةِ حولا
لَولا المَدارِهُ يَدفَعونَ بَلاءَها / لَرَأَيتَ حُكمَ جُناتِها مَقبولا
اذكُر لَنا القَومَ الغُزاةَ وَحَيِّهِ / شَعباً أَبَرَّ عَلى الشُعوبِ نَبيلا
عَدَتِ الذِئابُ فَهَبَّ مِن غَفَواتِهِ / يَبتَزُّ لِبدَتَهُ وَيَحمي الغيلا
لَم يَستَنِم لِلغاصِبينَ وَلم يُرِد / يَوماً عَلى حُكمِ الجُفاةِ نُزولا
وَإِذا اِستَبَدَّ الغاصِبونَ بِأُمَّةٍ / مُسِخَت وَبُدِّلَ خَلقُها تَبديلا
ما اِنفَكَّتِ الأَشلاءُ نَهبَ سُيوفِهِ / حَتّى تَدارَكَ شِلوَهُ المَأكولا
فَزِعَت خُطوبُ الدَهرِ مِن سَطَواتِهِ / وَاِرتَدَّ صَرفُ الحادِثاتِ مَهولا
وَرَأَت شُعوبُ الأَرضِ مِن نَهضاتِهِ / مِلءَ العُقولِ الواعِياتِ ذُهولا
قومي الأُلى صَحِبوا الصَوافِنَ فِتيَةً / وَقَضوا لُباناتِ السُيوفِ كُهولا
مَثَلُ الحَياةِ لِكُلِّ شَعبٍ باسِلٍ / لا يَستَكينُ وَلا يُريدُ نُكولا
صَلّى الإِلَهُ عَلى المَيامينِ الأُلى / نَصَروا النَبِيَّ وَأَيَّدوا التَنزيلا
أَدِرِ الحَديثَ وَرَوِّ مِن أَنبائِهِم / شَعباً يَزيدُ عَلى الزَمانِ غَليلا
بَيِّن لَهُ مَعنى الثَباتِ فَلَيسَ مِن / خُلُقِ المُجاهِدِ أَن يَكونَ مُلولا
وَإِذا نَظَرتَ إِلى المَمالِكِ لَم تَجِد / مِثلَ الثَباتِ عَلى الحَياةِ دَليلا
وَلَقَد رَأَيتَ الناهِضينَ فَهَل تَرى / إِلّا خَلائِقَ سَمحَةٍ وَعُقولا
إِنّا لَنَذكُرُ لِلكِنانَةِ حَقَّها / وَنَرى الكَثيرَ مِنَ الوَفاءِ قَليلا
نَأبى الكَرى حَتّى نَقومَ بِنَصرِها / وَنَرُدَّ غاصِبَ حَقِّها مَخذولا
عَهدٌ رَعى وَرَقَ الشَبيبَةِ وَاِنتَحى / ظِلَّ المَشيبِ فَطابَ مِنهُ مَقيلا
لَسنا كَمَن جَهِلَ الحَياةَ رِوايَةً / تُعيي العُقولَ مَناظِراً وَفُصولا
صُوَرٌ يَروعُكَ عَدُّها وَمَلاعِبٌ / تُلقي عَلَيكَ مِنَ الرِياءِ سُدولا
إِنّي أَعوذُ بِمَنصِبي وَمُروءَتي / مِن أَن أَكونَ الشاعِرَ الضَلِّيلا
لِلحُرِّ أَخلاقٌ تَميلُ بِنَفسِهِ / عَن أَن يُغَيِّر عَهدَهُ وَيَحولا
هِيَ صِبغَةُ الباري وَلَستَ تَرى لِما / صَبَغَ الَّذي بَرَأَ النُفوسَ نُصولا
وَلَقَد رَأَيتُ الفاضِلينَ وَما بَنَوا / لِلغابِرينَ مِنَ القُرونِ الأُولى
فَعَلِمتُ أَنَّ مِنَ الرِجالِ ذَخائِراً / وَعَلِمتُ أَنَّ مِنَ الرِجالِ فُضولا
وَرَأَيتُ بَعضَ القَولِ دينَ هِدايَةٍ / يَأتي بِهِ الرَجُلُ الحَكيمُ رَسولا
لَيسَ القَريضُ عَلى النُبوغِ بِنافِعٍ / حَتّى يَكونَ لِذي النُهى إِنجيلا
قُل لِلوَزيرِ إِذا خَلا لَكَ وَجهُهُ
قُل لِلوَزيرِ إِذا خَلا لَكَ وَجهُهُ / وَأَصاخَ مَسمَعُهُ إِلَيكَ فَمالا
ماذا حَمَلتَ مِنَ الأُمورِ لِأُمَّةٍ / حَمَلَت مُلِمّاتِ الزَمانِ ثِقالا
أَنتَ الرِئيسُ حُكومَةً وَمَشيئَةً / وَالوَفدُ أَجمَعُ صورَةً وَمِثالا
اليَومَ يَنبَلِجُ اليَقينُ لِذي العَمى / فَيَرى الأمورَ وَيَعرفُ الأحوالا
أرأيتَ في القومِ الَّذينَ عَرَفتَهُم / مَن لا يُريدُ لِقَومِهِ اِستِقلالا
وَوَجَدتَ في تِلكَ المَمالِكِ أُمَّةً / تَرضى الضَياعَ مَغَبَّةً وَمَآلا
وَعَرفتَ مِن زُعمائِها مَن لا يَرى / صبرَ الشُعوبِ عَلى الهَوانِ مُحالا
قُل لِلأُلى اِشتَروا الحِمايَةَ حَسبُكُم / أَفَتَشتَرونَ لَنا أَذىً وَنَكالا
إِن تُنكِروا حُكمَ الرِجالِ فَشاوِروا / فيها النِساءَ وَحَكِّموا الأَطفالا
خالَفتُمُ العُلَماءَ في تَأويلِها / فَدَعوا التَعَصُّبَ وَاِسأَلوا الجُهّالا
تُخفونَ قاصِمَةَ الظُهورِ وَقَد بَدَت / تُزجي الخُطوبَ وَتَبعَثُ الأَهوالا
نَظَرَت إِلى الأَهرامِ وَهيَ كَأَنَّها / رُكنُ الزَمانِ فَزُلزِلَت زِلزالا
فِرعَونُ مِلكَكَ في جَناحَي طائِرٍ / مَلَكَ العَوالِمَ نَهضَةً وَمَجالا
ارفَع جَناحَكَ وَاِنطَلِق في إِثرِهِ / وَخُذِ الدُهورَ عَلَيهِ وَالأَجيالا
جَمَعَ الحُماةَ بِكُلِّ جَوٍّ حَولَهُ / فَاِجمَع حُماتَكَ وَاِبعَثِ الأَبطالا
أَخَذَ السِماكَ وَنالَ مَنزِلَةَ السُهى / وَأَراكَ أَبعَدَ مَأخَذاً وَمَنالا
تَثِبُ العَزائِمُ مِنكَ في دَمِ أُمَّةٍ / تَأبى الهَوادَةَ أَو يَفيضَ سِجالا
إِنَّ المَمالِكَ إِن لَقينَ هَوادَةً / في النازِلاتِ فَقَد لَقينَ زَوالا
هُوَ مِهرجانُ اللَهِ فَاِنظُر وَاِخشَعِ
هُوَ مِهرجانُ اللَهِ فَاِنظُر وَاِخشَعِ / وَاِقرَأ عَلى الصَحبِ الرِسالَةَ وَاِسمَعِ
إِنَّ الأُلى جَعَلوا الكِتابَ إِمامَهُم / سَلَكوا السَبيلَ إِلى المَقامِ الأَرفَعِ
اللَهُ حافِظُهُ وَهُم أَنصارُهُ / جَعَلوا ذخائرَهُ بأكرمِ موضعِ
كم من عدوٍّ لو يُطيقُ رمى به / في قاعِ مُظلِمَةٍ وَلَم يتَوَرَّعِ
وَلَرُبَّ رامٍ مِن بَنيهِ مُلَثَّمٍ / وَمُحارِبٍ شاكي السِلاحِ مُقَنَّعِ
كَنزٌ مِنَ الآيِ الرَوائِعِ مُنزَلٌ / باقٍ عَلى الأَيّامِ غَيرَ مُضَيَّعِ
فيهِ الحَياةُ لِمَن يُريدُ سَبيلَها / بَيضاءَ تَصدَعُ كُلَّ داجٍ أَسفَعِ
وَهوَ الأَمانُ لِكُلِّ مَوهونِ القُوى / جَمِّ المَخاوِفِ وَالهُمومِ مُرَوَّعِ
فَتَحَ الحُماةُ بِهِ المَمالِكَ وَاِبتَنوا / دُنيا الحَضارَةِ في حِماهُ الأَمنَعِ
وَسَلِ الشُعوبَ أَلَم يَكونوا قَبلَهُ / فَوضى المَسالِكِ كَالسُوامِ الرُتَّعِ
سَهِروا وَنِمنا فَاِستُبيحَ حَريمُنا / لَيسَ السَهارى كَالنِيامِ الهُجَّعِ
وَعَظَ اللَبيبُ فَأَينَ مِنّا مَن يَرى / وَدَعا المُهيبُ فَأَينَ فينا مَن يَعي
يا قَومُ لوذوا بِالكِتابِ فَما لَكُم / مِن دونِهِ من مَعقِلٍ أَو مَفزَعِ
لَم يَبقَ مِنكُم غَيرُ شِلوٍ مُثخَنٍ / بِيَدِ الحَوادِثِ وَالخُطوبِ مُمُزَّعِ
لا جَنبَ مُذ هَلَكَ الرُماةُ لِمُسلِمٍ / إِلّا رَمَتهُ يَدُ العَدُوِّ بِمَصرَعِ
وارَحمَتا لِلمُسلِمينَ كَأَنَّما / نَزَلوا مِنَ الدُنيا بَوادٍ بَلقَعِ
ما فيهِ مِن زَرعٍ وَلا لِظِمائِهِم / في جانِبَيهِ سِوى الأَذى مِن مَشرَعِ
يسقونَهُ مِثلَ الحَميمِ وَتارَةً / يَجِدونَهُ مِثلَ الذُعافِ المُنقَعِ
إِن كُنتَ تَدَّخِرُ الدُموعَ لِنَكبَةٍ / فَاِجعَل دُموعَكَ لِلنسورِ الوُقَّعِ
طارَت مُحَلِّقَةً وَعوجِلَ سِربُها / فَهَوَت مُبَدَّدَةً كَأَن لَم تُجمَعِ
يا لَلجَماعَةِ كَيفَ يُنثَرُ عِقدُها / بَدَداً وَيا لَكَ مِن مُصابٍ مُفجِعِ
بِاللَهِ إِن كُنتُم عَلى دينِ الهُدى / فَدَعوا الهَوى لِلجامِحينَ النُزَّعِ
عودوا إِلى دينِ الحَياةِ أَعِزَّةً / فَالوَيلُ لِلمُستَسلِمينَ الخُضَّعِ
وَإِذا الأُمورُ تَشابَهَت أَعلامُها / فَخُذوا السَبيلَ إِلى الأَحَبِّ الأَنفَعِ
لَبَّيْكَ من حُرِّ المواقفِ عالِ
لَبَّيْكَ من حُرِّ المواقفِ عالِ / بَهرَ النُّهى بروائعِ الأمثالِ
هذا القريضُ سما إليك على يدٍ / تسمو بِقُدْسيِّ الصّحائفِ غالِ
متبلِّج الآثارِ ما ركبَ الهَوى / يوماً ولا خلطَ الهُدى بِضَلالِ
في صُورةِ الأقلامِ إلا أنّه / من عفةٍ وطهارةٍ وجَلالِ
لبّيكَ إذ هَجعَ الذين عَهِدتَهم / وسهرتَ للهمِّ المقيمِ حيالي
لي في الأُلى حفظوا لمصر عهودها / حرم على الايام غير مُذال
حرم الهوى الممنوعِ لم ينزل بهِ / لعبُ الخَليِّ ولا مِراحُ السّالي
لبّيكَ إذ خَذلَ الحُماةُ بِلادَهم / ونهضْتَ تَدفعُ غارةَ المغتالِ
مثّلتَ مِصرَ فما تركتَ لِمُبدعٍ / ثِقةً بمعنىً بارعٍ ومَقالِ
هَبْ لي مكانَكَ في النوابغِ واستمعْ / عِظَةَ الدّهورِ وَعبرةَ الأجيالِ
أمٌّ لها مُلكٌ تَمكّنَ عرشُه / في دولةٍ من مَحْتِدٍ ونِصالِ
رِيعَتْ من القومِ الدُّهاةِ بحُوَّلٍ / جمّ المكائِد ماكرٍ مختالِ
ما برَّ يوماً في الحديثِ ولا ارتضَى / إلا أَلِيّةَ فاجِرٍ مُحتالِ
شاكي سلاح الغدرِ أصدقُ عهدِه / عهدُ الذّئابِ وذِمَّةُ الأصلالِ
جَمعَ الذّرائعَ لاستلابِ حُقوقِها / ومضى يُتابعُ سعيَهُ ويُوالي
فأصاب أولّها عطاءً لأمرئٍ / نائي المواطنِ أجنبيّ الآلِ
وأتى يَقولُ لها دَعيهِ مُضيَّعاً / فلأنتِ في سَعَةٍ وغبطةِ حالِ
سَمِعَ الصغيرُ البَرُّ من أبنائها / فأهابَ يقضي الحقَّ غيرَ مُبالِ
أُمّاه لا تُودِي بحقِّكِ وانبذي / رَأيَ الغُواةِ وخُطّةَ الجُهّالِ
قال الكبارُ لها أمامَ عدِّوها / لا تحفِلي بوساوسِ الأطفالِ
نظروا إليه فعنّفوه وأقبلوا / حَنِقينَ من صَلَفٍ وفرطِ خَبالِ
أَقصِرْ فما لك بالعظائمِ طاقةٌ / وَاسْكتْ فمثلُكَ لا يمرُّ ببالِ
لا تَأسَ يا خيرَ الغُزاةِ لناشئٍ / يهذِي ويَخدعُ نفسه بخيال
نأبى مَشورتَهُ وتُنكِرُ أُمُّه / ما يفتَري من باطلِ الأقوالِ
أرأيتَ أمَّ الطفلِ تَقبلُ حكمه / وتصدُّ عن أبنائها الأبطالِ
طَمعَ المغيرُ فكرَّ إثر فريسةٍ / أخرى يضنُّ بمثلها ويُغالي
فابتزَّ مِفتاحَ الحياةِ وعاث في / يَنبوعها المُتدفِّقِ السيَّالِ
خَدعَ الأميرة وادّعاها شركةً / للزُّورِ فيها هَدّةُ المُنهالِ
ضنّتْ عليه بما يُريدُ وأَيقنتْ / أن سوف يتركها بلا أَوصالِ
فإذا الكبارُ من البنينَ كعهدِهم / أطفالُ أحلامٍ صغارُ فِعالِ
قالوا لها أخطأتِ أنتِ بنجوةٍ / ممّا يروعكِ من أذىً ووَبالِ
يكفيكِ في دَعةٍ وطولِ سلامةٍ / رَشَفاتُ ماءٍ من فمِ الرِّئبالِ
غَضبَ الصّغيرُ وقال أُمّاهُ احذري / وتأهّبِي للخطبِ ذي الأهوالِ
صُدِّي المُغيرَ فإن أبَيْتِ فودِّعي / طِيبَ الحياةِ ونَضرةَ الآمالِ
قال الكبارُ كذبتَ أمَّكَ فازدجْر / أفما تزالُ تُريدُ كلَّ مُحالِ
إن الذي وصف الخيالَ فَرُمْتَه / كالنَّجمِ منزلةً وبُعدَ منالِ
يا أعدلَ الأقوامِ إن نقضوا الحِبَى / وتدافعوا لخصومةٍ وجدالِ
دع ما يقولُ الطفلُ لا تحفل به / لَغْوُ الحديثِ أحقُّ بالإهمالِ
لا تُولهِ منك التفاتةَ سامعٍ / إنّا نَشدُّ لسانَه بِعِقالِ
تلك البقيّةُ من حياةِ مَضيمةٍ / وَلْهى الجوانحِ ما لها من والِ
وَلِعتْ يدُ العادي بها فأرادها / أَخذَ العقيرةَ من سوام المالِ
يسعى ليسلبَ دارها وطعامها / سَعْيَ امْرِئٍ مُتأهِّبٍ لقتالِ
يغتال نضرةَ عيشِها ويُصيبُها / في كلِّ مُضطربٍ لها ومجالِ
ويَعيثُ في مجرى الهواءِ فما ترى / مَسْرَى جَنوبٍ أو مهبَّ شمالِ
تلك البليّةُ من تُصِبْ لا تُلفِهِ / إلا بمنزلةِ الرّميمِ البالي
قال الكبارُ تعالَ نَنظرْ بيننا / في غيرِ ما سَرَفٍ ولا استرسالِ
الأمر إن ياسرتَ ليس بفادحٍ / والدّاءُ إن سامحتَ غيرُ عُضالِ
ماذا تُريد فما بنا من غِلظةٍ / ولسوف ترضى بعد طولِ تَقَالِ
قال الصّغيرُ أَتُذعنون لغاصبٍ / جافي الخلائقِ سيئِ الأعمالِ
أأرادَ إلا أن تكونَ حياتُنا / كالدّارسِ العافي من الأطلالِ
تهوِي جوانبُها ويُصبحُ ساحُها / شجوَ القطينِ وروعةَ النُزّالِ
مَن ذا يُفاوضُ في الحياةِ عَدُوَّهُ / ويرى مآلَ السُّوءِ خيرَ مآلِ
لا تأمنوه فما لكم من عصمةٍ / تُرجَى إذا عَصفتْ يداه ولا لي
أوَ ليستِ الأَغلالُ في أعناقِنا / ممّا جنَى وفوادحُ الأثقالِ
إن كان من شيءٍ يُرادُ فباطلٌ / حتّى يَزولَ بهذِه الأغلالِ
قال الكبارُ لقد أرادَ سفيهُنا / شَططاً وجاوز غايةَ الإيغالِ
يَجدُ الحقائقَ في الخيالِ مَواثلاً / ويرى المشارعَ في بريقِ الآلِ
أَزْرَى به صَلَفُ الغُواةِ وجهلُهم / وجَنَى عليه تعسُّفُ الضُّلّالِ
تلك الروايةُ هل رَأتْ عينُ امرئٍ / في الدَّهرِ من نَمطٍ لها ومثالِ
أُمُّ البنين كنانةُ اللهِ التي / نُصبتْ لكلّ مُناجزٍ صَوَّالِ
وصَغيرُها الحِزبُ الضَّنينُ بحقّها / إن جادَ كلُّ مُسامحٍ بذَّالِ
نَصَح الذين همُ الكبارُ بزعمهم / بأواخرٍ مأثورةٍ وأَوالي
فإذا المسامعُ لا تُنالُ صِمامُها / وإذا القُلوبُ مَنيعةُ الأقفالِ
عَصفَ التَّفرُّقُّ بالقُوَى فأزالهَا / إنَّ التَفرقَ مُؤذِنٌ بزوالِ
هل أبصروا وَرَعَ المُغيرِ وزُهدَه / ورأوا تعفُّفَ نابِه القتّالِ
ومن الحقائقِ في شريعةِ قومنا / وَرَعُ الوحوشِ وعفّةُ الأغوالِ
بَعُدَ المدَى بالمُلحقاتِ وغودرت / منها ودائعُ للبلادِ غَوالِ
وَانْصاعَ بالسّودانِ في آثارِها / عَجِلُ الإغارةِ غيرُ ذي إمهالِ
ما رِيعَ من دعوى الغُزاةِ بباطلٍ / هُمْ عاجلوه فَرِيع باستئصالِ
سلبوا التراثَ المُستباحَ وأولعوا / ببقيّةِ الأسلابِ والأنفالِ
لهمُ الكِنانةُ أرضُها وسماؤُها / ولنا الشَّقاءُ الدّائبُ المُتوالي
يأتونَ كلَّ عظيمةٍ ويريبُهم / صَعَقاتُ شعبٍ دائمِ الأوجالِ
لولا مُراقبةُ الجلاءِ وأنّه / داني المدى لرأوه أوّلَ جالِ
ذهب الرجالُ يُفاوضون فصادفوا / أرواحَ جِنٍّ في جُسومِ رجالِ
مكرَ الدُّهاةُ بهم وزلزلَ رأيَهم / رأيٌ يَميدُ بقوّةِ الزّلزالِ
قالوا دعوا السّودانَ إنّ لنا به / حقَّ الشريكِ من الزّمانِ الخالي
ولنا بمصرَ من الحُقوقِ ومثلِها / ما ليس للنُّظراءِ والأمثالِ
فإذا أبيتم بالضَّمانِ فعندنا / ما عزَّ من ثَمنٍ لكم ونوالِ
أخذوا العطاءَ فما تزالُ عيونُهم / تَعتادُه من رَوْنَقٍ وجَمالِ
جاءوا به يمشون في لَمَعانِه / مَشْيَ المُدِلِّ بنفسه المُختالِ
عرضوه في ضوءِ النّهارِ فزانَه / وَضَحُ الضُّحى وتوهُّجُ الآصالِ
هم زيّنوه لقومهم فتدافعوا / يتنازعون مواكبَ الإجلالِ
نشروا لهم عصرَ الكليمِ فأبصروا / صَفَّيْ عِصييٍّ حولَه وحبالِ
قالوا انصروه فَفيهِ من آمالِكم / ما لا يُنالُ على يدِ الخُذّالِ
فيه المزايا الغُرُّ من حُريَّةٍ / تَشفِي غليل النّيلِ واستقلالِ
نظر الحماةُ النّاقدون فما ترى / غيرَ الزُّيوفِ على يَديْ لأّالِ
نَسَقٌ من التَّزييفِ يقصرُ دُونهُ / ما زَيّفتْ يدُ صانعٍ أو طالِ
قالوا عرفناهُ فمن يَعلقْ به / يَعلقْ بِخزْيٍ دائمٍ ونكالِ
ورموا به فرموا بسمٍّ ناقعٍ / أخذوا عليه مَسارِبَ الآجالِ
ودعوا حذارِ بني الكنانةِ إنّه / كيدُ المُضِلِّ وفتنةُ الدجّالِ
هو دِرهمٌ لا نفعَ فيه وإن زها / في العينِ من نَقْشٍ وحُسن صِقالِ
يَشقَى الفقيرُ من الشُّعوبِ بمثله / ويَزيدُ إقلالاً على إقلالِ
هذا عطاء النّيلِ من يدِ مِلْنر / شيخِ النَّدى وعميدِه المِفضالِ
وردَ الكنانةَ في حقائبَ جمّةٍ / ما تَستقلُّ بها المطيُّ ثِقالِ
فَضَحَ الألُىَ حملوه ما صنعتْ به / أيدي الحُماةِ الرُجَّع الأزوالِ
سُئلوا أترمون البلادَ بزائفٍ / وتُغرِّرون بسوقةٍ ومَوالِ
قالوا رُويدَ اللَّائمين فما بنا / عَجزُ الضّعيفِ يخاف كلَّ سؤالِ
إنّا عَرضناهُ لِيصدعَ قومُنا / سِترَ الخفاءِ وغيهَبَ الإشكالِ
لهمُ الزّعامةُ في الضَّلالةِ والهُدَى / والرأيُ في الإعراضِ والإقبالِ
نَفضوا الحقائبَ مُحنَقينَ وراعَهم / شُؤمُ المطافِ وخَيْبَةُ التّجوالِ
صاح الحُداةُ بآخرين فراعنا / منهم ضجيجُ ركائبٍ ورِحالِ
قالوا أَنُطمِعُ مصرَ في استقلالها / ونَروعُها بمفاوضين ضِآلِ
إنّا سنأخذُه صحيحاً كاملاً / ونَزيده من صحّةٍ وكمالِ
نأتِي به كالصُّبح أبيضَ ساطعاً / لا شكّ فيه كربّنا المتعالى
كذبوا فقد كشفوا مَقاتلَ قومهم / لِمُسارِعينَ إلى النّقيضِ عِجالِ
عكفوا على نار الخلافِ فسرّهم / ما جرَّ مُوقِدُها وذاقَ الصّالي
كلٌّ يقولُ أنا الرئيسُ فَمَن أبَى / فالبطشُ بطشِي والمَحالُ مَحالي
أنا أوّلُ المُتفاوِضينَ مكانةً / عند التقدُّمِ ثم يأتي التالي
شمتَ العدوُّ وقالَ داءُ تَفرُّقٍ / ما ازدادَ سيِّئُهُ سِوَى اسْتفحالِ
مالي أخافُ مُساوِمينَ نِبالُهم / سبقت إليهم أسهُمي ونبالي
لأخادعنَّ القومَ عن آمالهِم / وَلأَدفَعنَّ ضجيجَهم بَمِطالي
نهضوا لغيرِ بلادِهم فعرفتُهم / وعرفتُ نهضتَهم إلى اضمحلالِ
فَليْأخذوا ما ليس فيه لمثلهم / إلا الأَذَى ومَلامةُ العُذّالِ
جاءوا بدرهمهم فأجفل قومُهم / مِلءَ المدائن أيَّما إجفالِ
وكأنّما هَوَتِ القُرى في لُجّةٍ / أو باد ناضرُها من الإمحالِ
جاءوا بأكثرَ من أخيهِ مهانةً / وأشدَّ مَنقصةً وسُوءَ خِلالِ
ما زيّفَ الصُّنَّاعُ فيه وإنّما / صنعوه من حَمَأٍ ومن صَلصالِ
رحلوا عن الوادي بأنحسَ طائرٍ / وأتوا ربُى الوادي بأشامَ فالِ
حملوا إلى الأهرامِ لعنةَ كُرْزُنٍ / فاستغفرْت لمناكبِ الحُمّالِ
ودّتْ على استعلائها لو أنّها / زالت فأمستْ من حَصىً ورمالِ
عبثوا بأبَّهةِ الدُّهورِ وزَلزلوا / مجدَ الملوكِ وعزّةَ الأقيال
خُذِلَ الأئمّةُ في القُبورِ وعُطِّلتْ / عِظةُ القُسوسِ وحكمةُ الآبال
قل للمصاحِف والأناجيلِ اذْهَبي / عُبِدَ الحرامُ وعيبَ كلُّ حَلالِ
يا مصرُ عهدكِ من أذىً ومرارةٍ / وهَواكِ من هَمٍّ ومن بَلبالِ
فَدَحَ الذي بين الجوانحِ فانظري / أدبيبُ حُبٍّ أم دبيبُ سُلالِ
صاحبتُ حُبَّكِ في المشيبِ وفي الصِّبى / وأراه صاحبَ مَوْلدي وفِصالي
بُرهانُه الوَهَنُ الذي في أعظُمي / ودليلُه الوضَحُ الذي بقذالي
وغليلُ نفسي في جوانب مُمحلٍ / والطيرُ بين مناهلٍ وظلالِ
أشدو بذكركِ في الحوادثِ عاطلاً / والصّامتُ اللَّاهي بغيركِ حالِ
إني لَتظفرُ في حُماتِك غارتي / وتفوزُ بالسَّلَب المنيعِ نِصالى
الثّابتين على الهُدى ما زُلزلوا / يوماً ولا عَرفوا سبيل مَلالِ
ما ساوَموا في حقِّ مِصرَ ولا رضوا / بالضْيمِ يُرهقُها ولا الإذلالِ
تَعتزُّ من أقلامهم بمعاقلٍ / وتلوذُ من أعمالهم بجبالِ
نَصروا الأبوَّةَ والبنينَ فأنقذوا / شرَفَ الأُسودِ وسُؤْدُدَ الأشبالِ
شرُّ العجائبِ في زَمانِكَ أن ترى / شَعْباً يُباعُ على يدِ الدَلّالِ
إنّا لنَحفظُ قومَنا ونَعدُّهم / خَيْرَ العتادِ وأنفعَ الأَبدالِ
ما زادنا عَنَتُ الخُطوبِ وكيْدُها / وتوثُّبُ العادي سوى استبسالِ
ميثاقُنا نَسْجُ الحياةِ لأمّةٍ / تَبغِي الحياةَ كريمةَ الأنوالِ
قوميّةَ الحَبَراتِ تَلبسُ وَشْيَها / طَلْقَ الجوانبِ سابغَ الأذيالِ
حان الجلاءُ عن البلاد لمعشرٍ / نكبوا البلادَ بأربعين طِوالِ
يا قومُ لا تَرِدُوا الخلافَ فإنّه / وِردُ الطَّغامِ ومنهلُ الأرذالِ
مَن يشتري السُمَّ الذُّعافَ بسائغٍ / عَذبِ النِّطافِ مُصفَّقٍ سَلْسالِ
سيروا على نُور الأئمّةِ وانهضوا / نَهضاتِ لا الواني ولا المِكسالِ
صَخَبُ التّنازُعِ في الممالكِ مُؤذِنٌ / أُممَ الزّمانِ بضجّةِ الإعوالِ
لا تُنكروا شَغفَ الغُزاةِ بأُمّةٍ / شُعِفتْ بطول تَنافرٍ ونضالِ
يا قومُ ماذا تحملو
يا قومُ ماذا تحملو / نَ من الدّعابةِ والزّرايهْ
إن تجهلوا معنى الحِما / يةِ فاسألوا أهلَ الدّرايهْ
كَبّرتُ إذ لم تُحسِنوا / في مِصرَ تمثيلَ الرّوايهْ
الله أكبرُ أستعي / ذُ به وأَسأَلُه الوقايهْ
لا تظلموا استِقلالَكم / حَسْبي أَأنتم والحِمايهْ
أعِدِ البناءَ وجدّدِ الميثاقا
أعِدِ البناءَ وجدّدِ الميثاقا / وخُذِ السّبيلَ مُبادِراً سبّاقا
جَدَّ النّضالُ ومن ورائك فتيةٌ / تَهبُ النُّفوسَ وتَبذلُ الأعلاقا
عَقدتْ بآياتِ الكتابِ عُهودَها / فاعقدْ عليها من سَناهُ نطاقا
إن كنتَ يوماً بانياً ومُجنِّداً / فَابْنِ العُقول وجنِّدِ الأخلاقا
أوَ ليس منكم من رَمَى بعهودكم / ومضَى يُريد بآخرين لِحاقا
يجدُ القيامَ على الحقوقِ مجانةً / ويرى الوفاءَ خديعةً ونفاقا
مَذِلُ المذاهبِ في الرجالِ مَلولُها / ما سِيمَ خُطّةَ ماجدٍ فأطاقا
إن كنتَ تبغي العِلمَ عند ثِقاتِهِ / فَسَلِ التِّجارَ وحدّثِ الأسواقا
جَمحَ الهَوى بمساومينَ أذلَّةٍ / ركبوا البَوارَ وبايعوا الإخفاقا
أجعلتموهم للحفاظِ جُنودَكم / وزعمتموهم إخوةً ورفاقا
لمّا أهابت مصرُ تسألُ مَن لها / كانوا عُقوقاً كلُّهم وإباقا
لولا دفاعُ أوليِ الحميَّةِ أعولت / جَزَعاً وضَجَّ حُماتُها إشفاقا
الحقُّ أضيعُ ما يكون إذا الهوى / ملكَ النُّفوسَ وصرَّفَ الأعناقا
والخَلقُ ليس يَهابُهم في حرمةٍ / من لا يهابُ الواحدَ الخلّاقا
إن كنتَ مُتَّخِذاً لنفسك عُدّةً / فَادْعُ الهُداةَ وشاورِ الحُذّاقا
ودَعِ المضلّلَ والمُخاتِلَ إنّنا / ضِقنا بتضليل الدعاةِ خِناقا
لولا المروءةُ وَهْيَ من أخلاقِنا / مَلأَ العِدَى بحديثنا الآفاقا
أنت الرّئيسُ هَداكَ ربُّكَ خُطّةً / بيضاءَ زِدتَ ضِياءَها إشراقا
لمّا طلعتَ ومصرُ حائرةُ الخُطى / جَعلَ الهُدى قَدَماً لمصرَ وساقا
سِرْ باللّواءِ يَدَعْ لجندِكَ شِلْوَهُ / مَنْ ظَنَّ أنّ مجالَها قد ضاقا
أرأيتَ إذ يَصفُ الحياةَ لقومِه / مَن ليس يَعرفُ للحياةِ مذاقا
أرأيتَ إذ يسقيِ الأساةُ بلادهم / كأساً من الموتِ الزُّؤام دِهاقا
أرأيت ما صَنَعَ الدُّهاةُ بأمَّةٍ / صاغوا لها الأغلالَ والأطواقا
هَشَّتْ إلى النَّعشِ المُقامِ حِيالَها / لمّا رأتْهُ مُزَخْرَفاً بَرّاقا
هُزّ اللواءَ فما لقومِكَ نُصرةٌ / حتّى تَهُزَّ لِواءَكَ الخفّاقا
اصدَعْ قُيودَ بني الكنانةِ إنّها / لا تبتغي أسراً ولا استرقاقا
مَن كان يُؤثِرُ أن يُجيبَ فقد دعا
مَن كان يُؤثِرُ أن يُجيبَ فقد دعا / عبدُ المجيدِ خليفةُ المختارِ
لَبُّوا الخليفةَ وَاشْرَعوا لِنُفوسِكم / سَنَنَ الوفاءِ وخُطّةَ الإِيثارِ
وَقَفَ النبيُّ يَضِجُّ حول لوائِه / ويَصيحُ بالمتردّدينَ بَدارِ
مُدّوا الأكفَّ مُبايعينَ فإنّه / يومُ النبيِّ وموقفُ الأنصارِ
لا تَتْبَعوا المُتخلِّفين فإنّهم / جُنْدُ الغُواةِ وشِيعةُ الأغرارِ
يبغون دينَ المالِ في أربابِه / والدّينُ دينُ الواحدِ القهّارِ
هل صِينَ حقُّ القومِ أو مُنِعَ الحِمى / بمُساوِمينَ على الذِّمارِ تِجارِ
إنّ الخلافةَ قد تَداركَ سُورَها / بأسٌ يُزيلُ شواهِقَ الأسوارِ
عَزّتْ بأسيافِ الغُزاةِ ولن ترى / عِزَّاً كحدِّ الصّارمِ البتّار
لمّا رَمَى القَدَرُ المُروِّعُ رُكنَها / كانوا لها جُنداً من الأقدارِ
أَشَهِدْتَ ما عَقدَ الهُداةُ وأَبرَمتْ / أيدي الحُماةِ الجِلَّةِ الأخيارِ
فَشهِدتَ حَلَّ المُشكلاتِ على يدٍ / عَقدتْ لِواءَ الجحفلِ الجرّارِ
ورأيتَ كيف تعودُ طاغيةُ القُوى / بعد الطِّماحِ بذلّةٍ وصغَارِ
رفعوا المنارَ لكلّ شعبٍ حائرٍ / أعمى المطالبِ جامحِ الأوطارِ
يُزجِي الرَّجاءَ بكلّ أغبرَ قاتمٍ / خافي المعالمِ طامسِ الآثارِ
والنّاسُ في الدُّنيا مَنارُ هدايةٍ / ومُضلَّلٌ لا يهتدي بمنارِ
قُلْ للكنانةِ جَدَّ كلُّ مُجاهدٍ / ومضَى إلى الغاياتِ كلُّ مُبارِ
لكِ في الغُزاةِ النّاهضين بقومهم / عِظةُ الشعوبِ وعبرةُ الأقطارِ
غضبوا فما ركبوا إلى استقلالهم / إلا عُبابَ دمٍ ولُجَّةَ نارِ
ليس التغلُّبُ في الحياةِ لِمُدبرٍ / ذُلُّ الحياةِ عُقوبةُ الإدبارِ
المجدُ إقدامٌ ونهضةُ ثائرٍ / ما المجدُ مسكنةٌ وطولُ قرارِ
إن الشُّعوبَ إذا استقام سبيلُها / أمِنَتْ غَداةَ الجِدّ كلَّ عِثارِ
أَرأَيْتَ صَرْحَ السِّلمِ كَيْفَ يُقامُ
أَرأَيْتَ صَرْحَ السِّلمِ كَيْفَ يُقامُ / أَرأيتَ كيف تهلَّلَ الإسلامُ
أَرأَيْتَ إذ نَفَرَ الهُداةُ فأطفأوا / نارَ القِتالِ وسَارَعَ الأعلامُ
لاَحَ الوَميضُ ولو تأخَّر سَعْيُهم / لَطَغَى على الحَرَميْنِ منه ضَرامُ
وجرى بأرجاء الجزيرةِ زاخِرٌ / ممّا تَصونُ وتمنعُ الأرحامُ
عَزَّتْ دِماءُ المُسلمينَ ولم تكن / لِتَهُونَ وَهْيَ على السّيوفِ حَرامُ
قال الحَسُودُ انبتَّ حبلُ مُحمَّدٍ / ورَمَى إماماً بِالجنودِ إمامُ
وأَناخَ بالإِسلامِ خَطْبٌ مَالَه / من بعدِه في المشرقَيْنِ قِيامُ
ماذا يقولُ الشّامِتون وقد هَوَتْ / آمالُهم وانهارتِ الأحلامُ
طارت شعاعاً بعد ما نعموا بها / حِيناً وَوَدُّوا أن تطيرَ الهامُ
أَعَلَى البقيّةِ يحقِدون وهَلْ لهم / مِن بَعدِ ذلكَ مَطلبٌ ومَرامُ
قُلْ لِلحُسَيْنِ ولاتَ حينَ ملامِ
قُلْ لِلحُسَيْنِ ولاتَ حينَ ملامِ / ماذا جَنيْتَ على بَنِي الإسلام
البَيْتُ والحَرمُ المُطهَّرُ مُوجَعٌ / ومُروَّعٌ لا يحتمِي بذمامِ
باتا على مَضَضٍ يَهيجُ دخيلَهُ / جارٌ يَبيتُ على جوىً وسَقامِ
كلٌّ عَبثتَ به وكلٌّ يشتكِي / ما ذاقَ باسْمِكَ من سِهامِ الرّامي
خَدعوكَ بالتّاج المُلفَّقِ وَابْتَنوا / لكَ عرشَ مملكةٍ من الأوهامِ
واستحدثوا لابْنَيْكَ ما لا تَدَّعِي / خُدَعُ الرُّؤى وعجائبُ الأيَامِ
مُلكٌ يزولُ ودولةٌ يهوي بها / حَادِي التَّبابِ وسائقُ الإِعدامَ
الله خَصمُكَ والرّسولُ فَزِدْهُما / حرباً ولا تُؤذِنْهما بِسلامِ
وارْدُدْ على الوَحْيِ المُنزَّلِ حُكمَهُ / فَلأَنتَ ربُّ الوَحْي والأحكامِ
واملُكْ على جُندِ الملائكِ أمرَها / فَلأنتَ رَبُّ الجُندِ والأعلامِ
يا وارثَ البطحاءِ عن عدنانها / وسليلَ كلِّ مُغامرٍ مِقدامِ
لستَ الصّميمَ المحضَ من أبنائها / حتّى تُعيدَ عبادةَ الأصنامِ
نظرتْ أميةُ ما رَكِبَت وهاشمٌ / ورأت مكانك في العُباب الطّامي
فإذا الوجوهُ من الحياءِ صوادفٌ / وإذا القلوبُ من البلاءِ دوامي
لو خُيِّر الأعرابُ في أنسابهم / لتلمّسوا الأنسابَ في الأعجامِ
إن يقطعوا الرَّحِمَ الرَّؤُومَ فحسبُهم / أنّ ابن عَوْنٍ من ذوي الأرحامِ
نُكِبَ الحجيجُ وبات كلُّ موحِّدٍ / قلِق الهمومِ مُسهَّد الآلامِ
يُمسي لِما صنع الحُسَينُ ورهطُه / في مأتمٍ بين الضُّلوع مُقام
ما أَضْيعَ الحرمَيْن في يد عُصبةٍ / ملكت سبيلَ الحجّ والإحرامِ
إيهٍ شُعوب المسلمين أَنوَّمٌ / أم أنتِ يقظَى بعد طول مَنامِ
هُبِّي فقد أمسى تُراثُكِ سِلعةً / تأتي وتذهب في يد المُستامِ
اللهُ أكبرُ ما لدينكِ مانعٌ / إن نِمْتِ عنه وماله من حامِ
قُل للحُماةِ الصّادقين لِربّهم / عِرضُ النُبوّةِ باتَ غيرَ حَرامِ
إنّ الخلافةَ حقَّها وتراثَها / لِمُدافعين عن الذّمارِ كِرامِ
والدّينُ في كل الممالكِ لم يَقُمْ / إلا بأجردَ سابحٍ وحُسامِ
فاستصرخوا أُسدَ الحفاظ فإنّما / تحمِي العرينَ مخالبُ الضرغامِ
إنّ الذي رفعت سيوفُ نبيِّكم / صَدَعتْ قُواهُ مَعاوِلُ الهُدّامِ
جاد الحُسينُ به وكان يصونه / بُخلُ البُناةِ وشدّةُ القُوّامِ
لا تُسلِمُوا الشّهداءَ في أركانِه / هو من دماءٍ برَّةٍ وعِظامِ
وَيْحُ النبيِّ أما يُباع رُفاتُه / بِسوَى لباسٍ لابنهِ وطعامِ
دارُ النبوّةِ والهدايةِ أصبحت / دارَ الذُّنوبِ ومنزلَ الآثامِ
يا ربَّ ماذا في كتابك بعدها / لِبَني المشارقِ من أذىً وعُرامِ
بلغ البلاءُ بنا المدى وتراكضت / فِتَنٌ جوامِحُ غيرُ ذاتِ لِجَامِ
ارفَعْ عن الإسلامِ سَوْطَكَ واكْفِهِ / ضَرَبَاتِ قومٍ من بنيهِ طَغامِ
نصروا العدوَّ على الوليِّ وضاربوا / بِسلاحِ كلِّ مُشاغبٍ ظَلّامِ
هُم آثروا دُنيا العقوقِ وتاجروا / فيها بديِن الواحدِ العلّامِ
وشَرَوا لأنْفُسِهم طويلَ ندامةٍ / بقليل مالٍ زائلٍ وحُطام
قَومٌ إذا دان الهُداةُ بأُلفَةٍ / دانوا بتفرقةٍ وطُولِ خِصامِ
مَهلاً خليفةَ ربِّنا من هاشمٍ / إنّ الرواية آذنت بختامِ
هَتَفَ الدليلُ وسَارَ ركبُ النّيلِ
هَتَفَ الدليلُ وسَارَ ركبُ النّيلِ / بُوركتما من سائرٍ ودليلِ
السُّبْلُ يمُنٌ والرِّكابُ عنايةٌ / تُلقِي الأعِنَّة في يَدَيْ جبريلِ
تَمشِي وتَتَبعُها المناهلُ سمحةً / يَبذُلْنَ كلَّ مُصفَّقٍ مَعسولِ
هِمَمٌ شددنَ رِحالَهُنُّ على السُّهَى / وعَصَفْنَ بين الغَفْرِ والإِكليلِ
جَاوَزْنَ كلَّ مدىً إلى غاياتِه / وأَبَيْنَ كلَّ مُعرَّسٍ ومَقيلِ
يَحمِلْنَ آمالَ البلادِ مُنيفةً / تسمو بأتلعَ ما يُنالُ جليلِ
شَارفنَني والدّهرُ في خُيلائِه / فَعجِبتُ من حَدَثانِه المحمولِ
اللهُ أكبرُ تلك رايةُ حزبهِ / عُقِدتْ برايةِ جُندهِ المأمولِ
حزبُ النّجاةِ أعدَّ أفضلَ عُدَّةٍ / واستنَّ أقومَ سُنّةٍ وسبيلِ
عالي الزَّئيرِ يَصونُ مجدَ بلادهِ / مثل الهِزَبرِ يَصونُ مجدَ الغيلِ
يهوي لواءُ معاشرٍ ولواؤُه / في رأس مُمتنِعٍ أشمَّ طويلِ
عقدوا لنا الميثاقَ مَجداً كُلَّه / والمجدُ للأحرارِ أفضلُ سُولِ
حمل البريدُ كتَابَهُ فكأنّما / حَملَ البريدُ به كتابَ رسولِ
يلقاهُ في الفُرقانِ شعبُ محمّدٍ / ويراه شعبُ يسوعَ في الإنجيلِ
إنّ الحياةَ لدى النُّفوسِ أمانةٌ / للهِ ليس ضياعُها بِقليلِ
وأرى الفلاحَ لمن يقومُ بحقّها / ويصونُها صَوْنَ امرئٍ مَسئولِ
والظّلمُ مركبُه الهوى وسبيلُه / طُغيانُ جبّارٍ وضعفُ جَهولِ
إثمٌ ينوءُ الجاهلون بِشَطرهِ / من كلّ مَيْتٍ في الحياةِ دخيلِ
إن الذي خلق الشعوب أعزةً / جعل العذاب جزاء كلِّ ذليل
ضُمُّوا القلوبَ بني الكنانةِ وَاجْمعوا / صَفَّىْ نُفوسٍ حُرّةٍ وعُقولِ
أنتم بنو الشُّمِّ الفوارعِ ما أَتَى / باني الدّهورِ لمجدهم بِمثيلِ
خيرُ البلادِ ثَرىً وأكرمُها يداً / جُعِلَتْ لأكرمِ أُمّةٍ وقبيلِ
لا تُشعِروا مِصرَ الغليلَ ولا يكن / منكم لِمُضْطغِنٍ شِفاءُ غليلِ
اللهُ أَدْركَها وصانَ كَيانَها / بِمُدرَّبينَ على القِراعِ فُحولِ
غُلُبٍ إذا كذبَ الحُماةُ بِمشهدٍ / صَدقوا لها من فِتيةٍ وكُهولِ
مِن كلّ سَمْحٍ في الغِمارِ بنفسهِ / جَمِّ الضَّنانةِ بالذّمارِ بَخيلِ
حُرِّ الذّمامِ يَعدُّه من دينهِ / ويَراهُ مجدَ أبٍ وعِرضَ سليلِ
يَرعاهُ في شَرْخِ الصِّبى ومَشيبهِ / ويَصونُه للجيلِ بعدَ الجيلِ
ما العهدُ من شَرَفٍ وصِدقِ مُروءةٍ / كالعهدِ من كَذِبٍ ومن تضليلِ
ليت الأُلىَ شرعوا المذاهبَ جَمّةً / صدعوا الشُّكوكَ بمذهبٍ مقبولِ
أَوَ كلّما نَصرَ الحقائقَ أهلُها / عَثُرَ الكَمِيُّ بِمُدَّعٍ مخذولِ
يَغْشَى الكفاحَ من المُحالِ بِمُثْخَنٍ / دامِي الجراحِ ويحتمي بقتيلِ
عَصفَ الفوارسُ بالجنودِ فما ترى / إلا فُلولاً من وراءِ فُلولِ
شلوٌ على شِلوٍ يطيرُ فُضاضُه / ودمٌ يسيلُ على دمٍ مطلولِ
الحقُّ يصرعُ كل أشوس باسلٍ / ويَفُلُّ كلَّ مُذرَّبٍ مسلولِ
أُسطولُ ربّكَ للقتالِ وجيشُه / إن جَدَّ جِدُّ الجيشِ والأسطولِ
للهِ إن نَشَطَ الرّماةُ كتائبٌ / تَرمِي الكتائبَ عن يَدَيْ عِزريل
هل تملكُ الدُولُ العَصيَّةُ حِيلةً / إن قال ربُّكَ للمالكِ زُولى
لا ييأَسَنَّ من الفِكاكِ على المَدى / شعبٌ رهينُ أداهمٍ وكُبولِ
لا الشّرقُ بالواهي ولا عَصرُ الأُلىَ / خذلوه عصرُ تَهيُّبٍ ونُكولِ
مَن يدفعِ الطُّوفانَ أقبلَ من عَلٍ / يستنُّ في لُجَجٍ له وسُيولِ
إنّ السّماءَ تدفَّقتْ رحَمَاتُها / تَسقِي المشارقَ بعد طولِ مُحولِ
وإذا الشُّعوبُ اسْتصرَخَتْ أنصارَها / فاللهُ أكرمُ ناصرٍ وكفيلِ
ما لي دعوتُ فلم أجِدْ
ما لي دعوتُ فلم أجِدْ / في الشّعبِ أجمعَ من مُجيبْ
ذَنبي إليه أَمانةٌ / هي عنده شرُّ الذنوبْ
الحقُّ أنّ سَبيلَنا / خَطِرُ المطامعِ والدُّروبْ
عَقَرَ المطيَّ وطَاحَ بال / رُكبانِ من فرطِ اللُّغوبْ
تتساقط الشُّهداءُ في / هِ تَساقُطَ الزَّهرِ الرّطيبْ
يَرثُونَ ما في الحورِ وال / ولدانِ من حُسْنٍ وطيبْ
لكنّه دينُ الرّئي / سِ وحُكمُ كلِّ فتىً مصيبْ
حُبُّ الرئيسِ وحزبِه / مِلءُ الجوانحِ والقُلوبْ
هو عُدَّةُ الشَعبِ الأبي / يِ وعِصمةُ الوادي الخصيبْ
نَرمِي بهِ غِيَرَ الزّما / نِ ونتّقِي شرَّ الخُطوبْ
بَطلُ المفاوضةِ المخو / فُ ولَيْثُها الخَطِرُ النَيوبْ
لا بالصَّدوفِ إذا تحا / جزتِ الكُماةُ ولا الهَيُوبْ
ما للخيالِيّين في / تلكَ المناقبِ مِن نَصيبْ
مَن عَلَّمَ الشُّعراءَ تَدْ / بيرَ الممالكِ والشُّعوبْ
هُمْ عُصبةُ الطَّمعِ الخَدو / عِ وشِيعَةُ الأَمَلِ الكَذُوبْ
زَعَموا الجلاءَ مُحقَّقاً / واللهُ عَلّامُ الغُيوبْ
نَحنُ الضِّعافُ وللِعَدُو / وِ صرامةُ الأسَدِ الغَضُوبْ
الجيشُ صَعبُ البأس وال / أسطولُ مَرهوبُ الوُثوبْ
أين البوارجُ والكتا / ئبُ للمعاركِ والحروبْ
صَدَق الرّئيسُ وجَاءَ في ال / إقناعِ بالعجبِ العَجيبْ
يا سُوءَ مُنقلَبِ الرّئي / سِ وحِزبِه الفَرحِ الطّروبْ
اليومَ تهنئةُ العرو / سِ وفي غدٍ شَقُّ الجيوبْ
يا قومُ ما ذنبُ الرّئي
يا قومُ ما ذنبُ الرّئي / سِ إذا تمسّكَ بالدّليلْ
ما كان من رُسلِ الخيا / لِ ولا دُعاةِ المستحيلْ
إنجيلُه نَشْرُ السّلا / مِ ودينُه أَخْذُ القليلْ
سعدٌ رسولُ الخيرِ وال / إصلاحِ بُورك من رسولْ
ما النّيلُ ما السُّودانُ ما / طولُ التوجُّعِ والغليلْ
ما الملحقاتُ وما الجلا / ءُ وما التّمادِي في العَويلْ
يا قومُ لُوذوا في الجِدا / لِ بحكمةِ الرأيِ الأصيلْ
صَدقَ الرّئيسُ فَقدِّسو / هْ ونزِّهوه عنِ المثيلْ
أَيصيحُ صائحكم بما / يؤذيهِ من قالٍ وقيلْ
ويَرى عليه لنفسه / حقَّ الزّميلِ على الزّميلْ
الله أكبر ما لكم / لا تبتغون ذوي العقولْ
يا معشرَ الشُّعراءِ لَسْ / تُم بالثِّقاتِ ولا العُدولْ
لا تطمعوا في شعبِ مص / رَ فليس بالشّعبِ الجَهولْ
هو ما يقولُ زعيمُه / ويريد من أَرَبٍ وَسُولْ
هو لا يضنُّ بألفِ مص / رٍ في الفداءِ وألفِ نيلْ
فدعوا العَناءَ وآمنوا / بزعامةِ الشّيخِ الجليلْ
نِعمَ الزّعيمُ شِعارُهُ / دُلّوا الزَّعيمَ على السّبيلْ
أَنتَ المثالُ لِكُلِّ حُرٍّ صادقٍ
أَنتَ المثالُ لِكُلِّ حُرٍّ صادقٍ / يأبَى التقلُّبَ في الأُمورِ سبيلا
اطلعْ بآفاقِ الكنانةِ هَادياً / إنّي أراك إمامَها المأمولا
إنّ الأئمةَ غادروك بموقفٍ / وَقَف الوصُّي به يصون الغيلا
تَجِدُ النبيَّ يَجولُ في غَمراتِه / وترى على أرجائِهِ جِبريلا
وصفوكَ بالفردِ الضّعيفِ وإنّنا / لَنراكَ وَحدكَ أُمّةً وقبيلا
ونرى الغُواةَ المُبطلين وإن همو / زَادوا على عدِد الرّمالِ قليلا
أَحْيَيْتَ دُستورَ البلادِ فَردَّهُ / عَبَثُ الحُماةِ الصّادقينَ قتيلا
حُمِلَ الشّهيدُ على رِقاب رُماتِه / فَانْظُرْ أَتدرِكُ نعشَهُ المحمولا
أنت الملومُ وضعتَ في أَيْمانهم / بعد الهزيمةِ سيفَكَ المصقولا
وبَعثتَ مِن ماضِي العُصورِ مُؤدِّباً / حُرّاً يُعلِّمُ عَصرَهم والجيلا
والشّعبُ أَشْقَى ما يكونُ بعلمهِ / إن سَاءَ أخلاقاً وضَلَّ عُقولا
أَأمينُ أَعطيتَ القضيّةَ حَقَّها / وحكمتَ فيها حُكمَكَ المقبولا
وشرَعتَ لِلزُّعماءِ دينَ هِدايةٍ / يمحو الرِّياءَ ويَمحقُ التَّضليلا
دينٌ يلوذُ الحقُّ مِن أحكامِه / بالبأسِ صَدْقاً والجهادِ طويلا
أُمُّ الكبائر فيه أن يَجِدَ الفَتَى / يَأساً وأن يَغْشَى الكفاحَ مَلولا
والكفرُ أجمعُ أن يُساوِمَ خَصْمَهُ / يَبْغِي من الخَطرِ الجليلِ بَديلا
والخَصمُ لا يُعطيكَ مِن مَنزورِه / إلا إذا أَخذَ العَطاءَ جزيلا
هل في كتابِكَ أن يَنالَ حُقوقَهُ / شَعبٌ يَرَى طَلَبَ الحُقوقِ فُضولا
وَيُراعُ من ذِكرِ الحياةِ كأنّما / يَجِدُ الحياةَ من المخافةِ غُولا