المجموع : 96
ما زال يمشي في الأمور بفكره
ما زال يمشي في الأمور بفكره / حتّى تمشّى النّوم في الأجفان
وكما يرى الوسنان راء كأنّه / في النّعش ميت هامد الجثمان
وعلى جوانب نعشه صفّان / من جند ((ألبرت)) الرّفيع الشّان
يبكونه لا شامتين بموته / ليس الشّماتة عادة الشجعان
ورأى حواليه جماهير الورى / تستعلرض الملحود في الأكفان
وكأنّما كره اختلاط رفاته / في الأرض بالضّعفاء والعبدان
أو أنّ مرأى الحشد أقلق روحه / في جسمه فهفا إلى الطّيران
ومن العجائب في كرى أنّ الفتى / يغدو به وكأنّه شخصان
أمّ السّماء وقد توهّم أنّه / لا شكّ والجها بلا استئذان
ما زال يرقى صاعدا حتى انتهى / حيث الغناء مثالث ومثاني
فرمى بناظره فأبصر بابها / فمشى إليه مشية العجلان
وأقام يفرعه فأقبل ((بطرس)) / ذو الأمر في الفردوس والسّلطان
وأدار فيه لحظه فإذا به / ضيف ولكن ليس كالضّيفان
ما جاءنا بك؟ صاح ((بطرس)) غاضبا / يا شرّ إنسان على الإنسان
إذهب فما لك في السّما من موضع / يا أيّها الرّجل الأثيم الجاني
ثمّ انثنى للباب يحكم سدّه / والضّيف لم ينبس ببنت لسان
ما ذي الفظاظة ؟ قال((وليم)) وانثنى / لليأس كالمصفود في الأقرا
وبمثل لمح الطّرف أسرع هابطا / نحو الجحيم يقول ذاك مكاني
هيهات يحرم من جهنّم عائد / من جانب الفرّدوس بالحرمان
حتّى إذا ما صار دون رتاجها / سميع ((الزّعيم)) يصيح بالأعوان
أبني جهنّم أوصدوا أبوابكم / واستعصموا كالطّير بالأوكان
كونوا على حذر ففي هذا الضّحى / يأتي إلينا قيصر الألمان
إن كنتم لم تعلرفوه فإنّه / رجل بلا قلب ولا وجدان
أخشى على أخلاقكم إن زاركم / وهي الحسان تصير غير حسان
إيّاكم أن تسمحوا بدخوله / فدخوله خطر على السّكان
أمري لكم أصدرته فخذوا به / وحذار ثمّ حذار من عصياني
ماذا تراني؟ صاح ((وليم)) باكيا / حتّى الأبالس لا تحبّ تراني
ابليس يا شيخ الزّبانية الألى / كانوا لأخداني من الأخدان
رحماك بي فاللّيل قاس برده / والهول يملأ ناظري وجناني
بجهنّم بالسّاكني حجراتها / بمواقد النّيران بالنّيران
وبكلّ شيطان مريد ماكر / وبكلّ تابع مارد شيطان
مر ينفتح باب الجحيم فإنّني / قد كاد يجمد للصقيع لساني
يا ليت شعري أين أذهب بعدما / سدّ السّبيل وأوصد البابان
مر لي بزاوية أزجّ بمهجتي / فيها وإن تك من حميم آن
هلاّ قبلت تضرّعي؟ فأجابه / إبليس وهو يروع كالسّرحان
لو كنت أعلم ما سكتّ فلا تزد / لا أرى للحيران في الحيران
عبثا تحاول أن تصادف عندنا / نزلا فهذا ليس بالإمكان
لا تذكرنّ ليّ الحنان وما جرى / مجراه إني قد قتلت حناني
لا يدخلنّ جهنّما ذو مطمع / بالمجد أو بالأصفر الرّنّان
إن كنت تشتاق الإقامة في اللّظى / فالنّار والكبريت كلّ مكان
فاجمعهما واصنع لنفسك منهما / ولمن تحبّهم جحيما ثاني
وهنا تقهقر ((وليم)) ثمّ اختفى / ما بين ليل حالك ودخان
فأفاق مذعورا يقلّب طرفه / للرّعب في الأبواب والحيطان
ويقول لا أنساك يا حلمي ولو / نسجت علّي عناكب النّسيان
ما راعني أنّي طردت من السّما / أنا قانط من رحمة الدّيّان
لكنّ طردي من جهنّم إنّه / ما دار في خلدي ولا حسباني
إنّي امرؤ لا شيء يطرب روحه
إنّي امرؤ لا شيء يطرب روحه / و يهزّها كالزهر و الألحان
أللّحن من قمريّة أو منشد / و الزهر في حقل و في بستان
هذا يحرّك بي دفين صبابتي / و يهزّ ذاك مشاعري و كياني
يهوى الملاحة ناظري صورا ترى / و أحبّها في مسمعيّ أغاني
و أحبّها نورا جميلا صافيا / متألّقا في النفس و الوجدان
و أحبّها سحرا يرفّ مع النّدى / و يموج في الألوان كالألوان
و أحبّها ذكرى تطيف بخاطري / لأخ هويت و غادة تهواني
أو مجلس للحبّ في ظلّ الصبا / إنّ الحياة جميعها هذان
أو في خيال منازل أشتاقها / كم من جمال في خيال مكان
و لقد نظرت إليكم فكأنّما / أنا في الربيع و في ربى لبنان
أصغي إلى النسمات تروي للربى / ما قالت الأشجار للغدران
و إلى السّواقي و هي تنشد للصبا / و الحبّ في الفتيات و الفتيان
و إلى الأزاهر كلّما مرّت بها / عذراء ذات ملاحة و بيان
متهامسات : ما نظنّ ( فلانة ) / أحدا بها أولى من ( ابن فلان)
يا ليت ينثرنا الغرام عليها / من قبل ينثرنا الخريف الجاني "
ألفت مجاورة الأنام فأصبحت / و كأنّها شيء من الإنسان
فإذا نظرت إليها متأمّلا / شاهدت حولك وحدة الأكوان
عندي لكم نبأ عجيب شيّق
عندي لكم نبأ عجيب شيّق / سأقصّه و عليكم تفسيره
إنّي رأيت البحر أخرس ساهيا / كالشيخ طال بما مضى تفكيره
فسألت نفسي حائرا متلجلجا / يا ليت شعري أين ضاع هديره ؟
" بالأمس " قالت موجة ثرثارة / و مضت فأكملت الحديث صخوره :
بالأمس مرّ بنا فتى من قومكم / رقّت شمائله ودقّ شعوره
مترنّح من خمرة قدسيّة / فيها الهوى و فتونه و فتوره
مترفّق في مشيه يطأ الثّرى / و كأنّما بين النجوم مسيره
يلهو بأوتار الكمنجة و الدجى / مرخيّة فوق العباب ستوره
يهدي إلى الوطن القديم سلامه / و يناشد الوطن الذي سيزوره
فشجا الخضمّ نشيده و هتافه / فسها فضاع هديره وزئيره
أعرفتموه ؟ ... إنّه هذا الفتى / هذا الذي سحر الخضمّ مروره
" داود " و المزمار في نغماته / و " الموصليّ " و معبد و سريره
يا ضيفنا / و الأنس أنت رسوله / و بشيره و الفنّ أنت أميره
لو شاع في الفردوس أنّك بيننا / لمشت إلينا سافرات حوره
ذهب الربيع و جئتنا فكأنّما / جاء الربيع زهوره و طيوره
ألفن هشّ إليك في أمرائه / و تفتّحت لك دوره و قصوره
إنّ الجواهر بالجواهر أنسها / أمّا التراب فبالتراب حبوره
يا شاعر الألحان إنّي شاعر / أمسي ضئيلا عند نورك نوره
أسمى الكلام الشعر إلاّ أنّه / أسماه ما أعيا الفتى تصويره
و أحبّ أزهار الحدائق وردها / و أحبّ من ورد الرياض عبيره
أنت الفتى لك في النسيم حفيفه / و لك الغدير صفاؤه و خريره
ألقوم صاغية إليك قلوبهم / و اللّيل منصته إليك بدوره
و بهذه الأوتار سحر جائل / متململ كالوحي حان ظهوره
إن كنت لا تهتاجه و تثيره / فمن الذي يهتاجه و يثيره ؟
دغدغ بريشتك الكمنجة ينطلق / و يدبّ في أرواحنا تأثيره
وامش بنا في كلّ لحن فاتن / كالماء يجري في الغصون طهوره
أدر على الجلّاس أكواب الهوى / في راحتيك سلافه و عصيره
فيخفّ في الرجل الحليم و قاره / و يراجع الشيخ المسنّ غروره
و تنام في صدر الشّجي همومه / و يفيق في قلب الحزين سروره
هذي الجموع الآن شخص واحد / لك حكمة و كما تشاء مصيره
إن شئت طال هتافه و نشيده / أو شئت دام نواحه وزفيره
إنّا و هبناك القلوب و لم نهب / إلّا الذي لك قبلنا تدبيره !
سيّرت في فجر الحياة سفيتني
سيّرت في فجر الحياة سفيتني / و اخترت " قلبي " أن يكون إمامي
فجّرت على الأمواج قصرا من رؤى / ملء الفضا ملء المدى المترامي
و أقلّ منها البحر حين أقلّها / دنيا من الأضواء و الأنغام
و مشى الخيال على الحياة بسحره / فإذا الهوى في الماء و الأنسام
و إذا الرّمال أزاهر فوّاحة / و الشّطّ هيكل شاعر رسّام
و إذا العباب ملاعب و مراقص / و إذا أنا من صبوة لغرام
أتلقّف اللّذّات غير محاذر / و أعبّ في الزلاّت و الآثام
لا أكتفي و أخاف أكتفي / فكأنّما في الاكتفاء حمامي
و كأنّ هدبي أن تطول ضلالتي / و كأنّ ربّي أن يدوم أوامي
مرّت بي الأعوام تتلو بعضها / و أنا كأنّي لست في الأعوام
كالموج ضحكي كالضّياء ترنّحي / كالفجر زهوي كالخضمّ عرامي
حتى إذا هتف المشيب بلمّتي / ودنت يد الماحي إلى أحلامي
صرخ " الحجى " بي ساخطا متهكّما : / " هذا الغنيّ شرّى من الإعدام "
" أسلمتني للقلب و هو مضلّل / فأضرّني و أضرّك استسلامي "
" يا صاحبي أطلقني من سجن الرؤى / أنا تائه ! أنا جائع ! أنا ظامي !"
و أراد " عقلي " أن يقود سفيتني / للشطّ في بحر الحياة الطامي
فطويت أعلام الهوى و هجرتها / و نسيت حتّى أنّها أعلامي !
و حسبت آلامي انتهت لمّا انتهى / فإذا النهاية أعظم الآلام
و إذا الطريق مخاوف ووساوس / و إذا أنا من هبوة لقتام
أبغي الثراء و لم يكن من مطلبي / و أرى الجمال بناظر متعام
و أشيّد مثل الناس مجدا زائفا / و أشدّ حول الروح ثوب رغام
فإذا أنا و الأرض ملكي و السما / قد صرت عبد الناس عبد حطامي
فتضايق القلب السجين و قال لي : / " يا أيّها الجاني قتلت هيامي ! "
" ألقفر بالأحلام روض ضاحك / فإذا تلاشت فالرياض مومي "
" أين العيون تذيبني حركاتها / و تموت في سكناتها آلامي "
" و أطلّ من أهدابهاا السكرى على / ظلّ و أنداء وزهر نام "
" لمّا عصاني أن أشبّ ضرامها / أعيا عليها أن تشبّ ضرامي "
" ألخمر ملء الجام لكن قد مضى / شوقى إلى الخمر التي في الجام "
" أسلمتني " للعقل " و هو مضلّل / فأضرّني و أضرّك استسلامي "
" أنظر ألست تراك في أوهامه / أشقى و أتعس منك في أوهامي ؟ "
" ألمال ! من ذا يشتريه كلّه / منّي بليل صبابة و غرام ؟ "
" يا صاحبي أطلقني من سجن النهى / أنا تائه ! أنا جائه ! أنا ظامي "
لا تسألوني اليوم عن قيثارتي / قيثارتي خشب بلا أنغام !
يا شاعرا غنّي فردّ لي الصّبا / فإذا مواكبه تسير أمامي
إنّا التقينا في الشباب و في الهوى / في حومتين الشعر و الإلهام
و سنلتقي و إن افترقنا في غد / في حبّ لبنان و حبّ الشام
و ستلتقي روحي وروحك بعدما / تفنى الهياكل في الإله السامي
أهلا بذي الأدب الصراح المصطفى / بالفاتح الرّوحيّ بالمقدام
بالشاعر الغرّيد في ألحانه / عبق الربيع و نضرة الأكمام
هو إن ذكرت الشعر من أمرئه / و إذا ذكرت المجد فهو عصامي
الحشد ملء الدّار لكن
الحشد ملء الدّار لكن / ما رأى أحدا سواها
فتّانة خلّابة / كالياسمينة في شذاها
أوفى عليها و هي تخطر / كالفراشة فاشتهاها
شكت الصّبابة مقلتا / ه فجاوبته مقلتاها
حتّى إذا ما اختار كلُّ / فتى رفيقته اصطفاها
و رأت به من تبتغي / و كما رأته كذا رآها
و تقدّما للرّقص يقرأ / ناظريه ناظراها
متلاصقي الجسمين / يسند ساعديه ساعداها
و تكاد لولا الخوف تلمس / وجنتيه و جنتاها
متدافعين كموجتين / خطاه تتبعها خطاها
يمشي فتمشي و هي / تحسبه يسير على حشاها
هي في لثام كالدّجى / محلولك و كذا فتاها
لكنّما الألحاظ تخترق / السّتور و ما وراها
فاض الغرام فقال آه / و قالت الحسناء آها
فانسل من أصحابه / سرّا و أغضت جارتاها
و مشى بها في روضة / قد نام عنها حارساها
حتّى إذا أمنا الورى / و شكا الهوى و شكت هواها
طارت ببرقعها و بر / قعه على عجل يداها
كيما تقبّل ثغره / و يقبّل المعشوق فاها
فرأى المتيّم بنته / ورأت مليحتنا أباها
لمّا سألت عن الحقيقة قيل لي
لمّا سألت عن الحقيقة قيل لي / الحقّ ما اتّفق السواد عليه
فعجبت كيف ذبحت ثوري في الضّحى / و الهند ساجدة هناك لديه
نرضى بحكم الأكثريّة مثلما / يرضى الوليد الظّلم من أبويه
إمّا لغنم يرتجيه منهما / أو خيفة من أن يساء إليه
ما للهموم الطارقات ومالي
ما للهموم الطارقات ومالي / أسهرنني ورقدن عن أوجالي
أمسين ملء جوانحي ما نابني / خطب ولا خطر الغرام ببالي
أهوى وقد عبث المشيب بمفرقي / ليس الغواية للكبير البالي
ما ثم داء يستطار له الكرى / ما ثم غير كآبة وملال
أرعى الشواقب في الظّلام كأنها / زهر الحدائق أو نثير لآلي
وكأنّما شوك القتاد بمضجعي / وكأنّ حشو وسادتي بلبالي
حتى إذا عكفت علّي وساوسي / ونبا الفراش نزعت للتّجوال
فخرجت كالمنشور بعد مماته / وركبت متن اللّيل غير مبال
وذهبت أخترق المسالك مدلجا / وكأنما أطلقت من أغلال
أسعى وما غاية أسعى لها / سعيي إلى أمل من الآمال
فاستوقفتني ضجة في حانة / حبست مقاعدها على الجهّال
حلموا على الصّهباء يرتشفونها / كالطّير حول مصفّق سلسال
في غفلة العذّال في غسق الدّجى / إنّ السعادة غفلة العذّال
نهب الكؤوس عقولهم ونضارهم / نهب المدير الخادع الختّال
أمسى يسوق إليهم آجالهم / وحتوفهم في صورة الجريال
شرّ الشراب الخمر يصبح صبّها / قيد الضّنى ويبيت رهن خبال
يا سالب الأرواح بعض ترفّق / يكفيك أنّك سالب الأموال
لا تدفعنّ تلك النفوس إلى الرّدى / إنّ النفوس وإن صغرن غوالي
وإذا بمخمور يتيه معربدا / خبل به ما ذاك تيه دلال
حيران مضطرب الخطى فكأنما / قد راح يمشي فوق جمر صال
متخمّط في سيره متأوّد / كالغصن بين صبا وبين شمال
عقد الشراب لسانه ولقد يرى / طلقا وفك مجامع الأوصال
فكبا كما يكبوا الجواد على الثّرى / شدّت عليه فوادح الأثقال
وتقدّم الشّرطي يمشي نحوه / مشي الفخور بنفسه المختال
متلفتّا عن جانبيه كعاشق / متلفّت حذر الرقيب القالي
ورأيته وبنانه في جيبه / فعلمت سرّ تلفّت المحتال
لا تعجبوا مما أحدثكم به / كم تحت ذاك الثّوب من نشّال
ثمّ انثنى متبسّما وإذا فتى / غضّ الإرهاب ممزّق السّربال
وافى فحرّكه فألقى جثة / همدت فأجفل أيّما إجفال
وحتى عليه يضمّه ودموعه / تنهلّ مثل العارض الهطّال
وأتى ذويه نعيه فتألّبوا / والغيد تعول أيّما إعوال
أرخصن ماء الجفن ثمّ أذلته / ولقد يكون الدّمع غير مذال
ولقد شهدت صغاره في حيرة / من أمرهم لهفي على الأشبال
لا يفقهون الحزن غير تأوّه / ما الحزن غير تأوه الأطفال
ما كنت أعلم قبلما حفوا به / أنّ الشقيّ الجدّ ربّ عيال
أسفي عليه مضرّجا لم تمتشق / يده الحسام ولم يسر لقتال
أودى ضحية جهله كم بائس / أودى شهيد الجهل والاهمال
فرجعت مصدوع الفؤاد أبثكم / شجوي وأندب حاله العمّال
باتوا من الأرزاء بين مخالب / من دونهن مخالب الرئبال
خطران من جهل وفقر ماالردى / غير اجتماع الجهل ولاقلال
فخذوا بناصرهم فإنّ حياتهم / في مأزق حرج من الأهوال
ما أجدر الّجهلاء أن يتعلّموا / فالعلم مصدر هيبة وجلال
فاسعوا لنشر العلم فيهم إنّما / فضل الغمام يبين في الامحال
إنّ الجهول إذا تعلّم واهتدى / بثّ الهدى في صحبه والآل
يا قوم إن لم تسعفوا فقراءكم / فلم ادّخاركم إذن للمال
هلاّ رضيتم بالمحامد قنية / إنّ المحامد قنية المفضال
أو لستم أبناء من سارت بهم / في المكرمات روائع الأمثال
جودا فغير الحمد غير ملّد / ما المال إنّ المال طيف خيال
هيهات ما يبقى ولو عدد الحصى / أنّى يدوم وربه لزوال
حيّا الصّبا عني ربى لبنان
حيّا الصّبا عني ربى لبنان / حيث الهوى ومراتع الغزلان
ورعى المهيمن ساكنيه فإنّهم / في خير أرض خيرة السكّان
قوم صفت أخلاقهم ووجوههم / فالحسن مجموع إلى الإحسان
لهم الأيادي البيض والشّيم التي / لو مثلت كانت عقود جمان
شيم الكرام قصائد في الكون غرّ / وهى في شيم الكرام معان
قوم إذا زار الغريب بلادهم / جعلوه منهم في أجل مكان
إن خفت شرّ طوارق الحدثان فاق / صدهمتخفك طوارق الحدثان
لو أنّ في كيوان دار إقلتي / لهجرت كيوانا إلى لبنان
قيّدت قلبي في هواه فلم أعد / أهوى السّوى إذ ليس لي قلبان
والحبّ تجمل في الشبيبة والصّبى / كجمال زهر الرّوض في نيسان
هو جنّة الخلد التي منّى بها / رسل الهدى قدما بني الإنسان
خلت الدّهور ولا يزال كأنّما / بالأمس شادته يد الرحمن
يا ساكنيه تحية من نازح / إن التحيّة لهي جهد العاني
أصبحتم فوق الممالك رقعة / لولا وجود معاشر(الغربان)
قوم قد اتخذوا الديانة بينكم / شركا لصيد الأصفر الرّتان
فتظاهر بالزّهد حتى أوشكت / تخفى دخائلهم على اليقظان
وتفنّنوا بالمكر حتى أصبحوا / وغبّيهم أدهى من الشيطان
ضربوا على الشّعب الرّسوم شراهة / حسب التعيس ضرائب السّلطان
كفروا بنعمته التي أسداهم / ورموه بالإحاد والكفران
ولقد تفانوا في انتهاك حقوقه / وهو المحبّ رضاهم المتفاني
حتّى حسبنا أنه ينحطّ عن / كسل ولم قطّ بالكسلان
لكنّه يسعى ويذهب سعيه / للقّس والشّماس والمطران
لولا احترامي مذهبا عرفوا به / لكشفت مستوارتهم ببيان
فتنّهبوا إن كنتم في غفلة / فالدّهر بالمرصاد للغفلان
إنّ الأبالس حين أعيا أمركم / جاءتكم في صورة الرّهبان
فحذرا من أن تخدعوا بلباسهم / فهم الضّواري في لباس الضّان
من يتبع العميان حبّا بالهدى / لا يأمننّ تعثّر العميان
إن كان لي ذنب وهم غفرانه / آثرت أن أبقى بلا غفران
أو كنت في النيران حيث لديهم / منها النجاة رضيت بالنيران
أشهى إلى من الذّل الرّدى / لا يرتضي بالذّل غير جبان
يا ليتما خلق الزمان أميلا
يا ليتما خلق الزمان أميلا / إني أراه كالشّباب جميلا
ولّى فودّعت السماء بهاءها / من بعده هوى النّهار عليلا
جنحت ذكاء إلى الغروب كأنما / تبغي رقادا أو تريد مقيلا
وتناثرت قطع السحاب كأنها / الجيش الملّهام إذا انثنى مفلولا
هذا وقد بسط السكون جناحه / والليل أمسى ستره مسدولا
قد بات كلّ مسهّد طوع الرّقاد / وكلّ جفن بالكرى مكحولا
إلا مهفهفة بها نزل الهوى / ضعيفا ولكن لا يريد رحيلا
غيداء قد وصلت ذوائبها الثّرى / أني لأحسد ذلك الموصولا
تحكي المدامة رقة وقساوة / تحكي المهاة لواحظا وتليلا
ماء الحياء يجول في وجناتها / فكأنّ في تلك الكؤوس شمولا
والخدّ أبهج ما يكون موردا / والطرف أفتن ما يكون كحيلا
نظرت وربّ منية من نظرة / قد كان عنها ربّها مشغولا
فهوت وربّ هوى تنال به تامنى / وهوى ينال به الحمام نبيلا
والحبّ مصدره العيون وربّما / تخذ السماع إلى القلوب سيلا
فإذا عشقت فلا تلم أحدا سوى / عينيك إنّ من العيون قتولا
ودّت وقد نال الذّبول خدودها / لو أن في الشّوق المقيم ذبولا
وإذا تملّكت الصّبابة في امرىء / لم بجد عذل العاذلين فتيلا
سمعت دويا في الظّلام فهرولت / مذعورا بعد الوقوف طويلا
وأنين مختضر يقول قتلتني / ثكلتك أمّك لم أنل مأمولا
تعدو وتجذبها روادفها إلى / خلف فتجهد خضرها المتبولا
فكأنّ في ذاك الوشاح متّيما / وكأنّ في ذاك الإزار عذولا
تخذت من اللّيل المخّيم صاحبا / ومن الأنين إلى الأنين دليلا
تبغي الوّقوف على حقيقة أمره / تبغي حليلا لا تراه جليلا
وتدير في تلك البنان مسدّسا / تركت قذائفه السهام فضولا
في طرفه كمن الهلاك فلو رنا / طرف الزّمان إليه عاد كليلا
قد أسكنت أكر الرّصاص جفونه / فكأنّ أكبادا تجنّ غليلا
يحمي الضعيف من القوي وربّما / قتل الجبان به الفتى البهلولا
ومن الأسى لم تعرف الحسنار هل / قطعت ذراعا في السّرى أم ميلا
حتى إذا رأيت المراد وما رأت / إلا خيالا واقفا مجهولا
حسبته قاتل من تحبّ وأيقنت / أنّ الذي علقت به المقتولا
فدنت وأطلقت المسدّس نحو من / بصرت به عرضا فخرّ قتيلا
صرعت فتى صرع الرّقيب وجندلت / أسدا يخرّ له الهزير ذليلا
كالبدر حسنا كالغمام سماحة / كالغصن غضّا كالحسام صقيلا
ثبت الجنان قويّة عف الإزارنقيّه / ما خان قطّ خليلا
هذا هو الدّنف الذي أرضى الهوى / فيها وأغضب كاشحا وعذولا
ما نال بعد جهاده إلا الرّدى / والبدر يكسيه المسير أفولا
لم تعلم الحسناء أنّ قتيلها / من لم تر أبدا سواء جميلا
عرفت وذلك عندما طلع الضّحى / ورأت عيانا نعشه محمولا
لم يبلغوا القبر المعدّ لدفتيه / إلا وقد بلغ الرّدى العطبولا
يا صاحبي إن جزت في قبريهما / فاتل السّلام عليهما ترتيلا
من شاعر ما حرّك الغصن الهوا / إلا تذّكر وردة وإميلا
للّه ما أحلى البشير وقوله
للّه ما أحلى البشير وقوله / سقط الهلال إلى الحضيض ودالا
بشرى نسينا كلّ شيء قبلها / النّاس والدّولات والأجيالا
ردّت على الشّيخ المسنّ شبابه / وعلى الحزين اليائس الآمالا
وعلى الصّديق صديقه وعليهما / أبويهما وعلى الأب الأطفالا
لو سلوم الخلق الّذي وافى بها / بذلوا له الأرواح والأموالا
من مبلغ الأبطال عني أنّني / أهوى القروم الصّيد والأبطالا
بالأمس قطّعت الجزيرة قيدها / ورمت بوجه الغاشم الأغلالا
واليوم ودّعت المظالم أختها / ومشت تجر ذيولها إدلالا
أبنات أورشليم ضمّخن الثّرى / بالطّيب واملأن الدّروب جمالا
حتّى يمرّ الفاتحون فإنّهم / كشوا الأذى عنكنّ والإذلالا
فاخلعن أثواب الكآبة والأسى / وألبسن من نور الضّحى سربالا
وانفخن بالبسمات كلّ سيمذع / خاض العجاج ووجهه يتلالا
هذا مجال للفتى أن يزدهي / فيه وللحسناء أن تختالا
يا قائد الصّيد الغطارفة الألى / تحنى الرؤوس لذكرهم إخلالا
ظنّ المغول جنودهم تحميهم / والقرد يحسنه أبوه غزالا
فتألّبوا وتهدّدوا وتوّعدوا / حتّى طلعت فأجفلوا إجفالا
ذعر الطّيور سطا عليهم باشق / وبنات آوى أبصرت رئبالا
كم حجفل بعثوا إليك مع الدّجى / لاقاه جيشك والصّباح فزالا
طاردتهم فوق الجبال وتحتها / كالليث يطرد دونه الأوعالا
فملأت هاتيك الأباطح والرّبى / بجسومهم وملأتهم أهوالا
وحميت إلاّ السّهد عن أجفانهم / ومنعت إلاّ عنهم الأوجالا
ساقوا إليك مثنهم وألوفهم / فرقا وسقت إليهم الآجالا
وصنعت من أسيافهم ودروعهم / لرقابهم وزنودهم أغلالا
لو لم تساقطهم إليك جبالهم / عند الضحى زلزلتها زلزالا
إن يأمنوا وجدوا المنايا يمنة / أو يأسروا وجدوا الجيوش شمالا
وشكت خيولك في اليادين الوجى / فجعلت أرؤسهم لهنّ نعالا
ورأوك قد عرّضت صدرك للظّبى / عند الحصون فعرّضوا الأكفالا
هنّئت بالنّصر المبين فإنه / نصر يعزّ على سواك منالا
هذي القلوب نسجتها لك أحرفا / لو أستطيع صنعتها تمثالا
أرضيت موسى والمسيح وأحمدا / والنّاس أجمع والإله تعالى
لو استطيع كتبت بالنّيران
لو استطيع كتبت بالنّيران / فلقد عييت بكم وعيّ بياني
ولكدت استحي القريض وأتّقي / أن يستريب يراعتي وجناني
أمسى يعاصيني لما جشّمته / فيكم وكنت وكان طوع بناني
يشكو إلّي وأشتكي إعراضكم / اللّه في عان يلوذ بعان
عاهدته أن لا أثير شجونه / أو يستير كوامن الأشجان
يا طالما استبكيته فبكى لك / لولا الرّجاء بكيته وبكاني
كم ليلة أحيتها متململا / طرفي وطرف النّجم ملتقيان
تحنو على قلمي يميني والدّجى / حان على فتيات والفتيان
أجلو عرائسه لكم وأزفها / ما بين بكر كاعب وعوان
متألما فيكم وفي أبنائكم / وهم وأنتم نائمو الأحزان
ما غال نومي حبّ معسول اللّمى / ممنوعه لكن هوى الأوطان
أنفقت أيّام الشّباب عليكم / في ذّمة المضي الشّباب الفاني
كم تسألوني أن أعيد زمانه / يا قوم مرّ زمانه وزماني
هان اليراع على البواتر والقنا / ما تصنع الأقلام بالمرّان
ليس الكلام بنافع أو تغتدي / حمر المضارب خلف كلّ لسان
والشّعب ليس بمدرك آماله / حتّى يسير على النّجيع القاني!..
***صلّ الحديد وشّمرت عن ساقها / وتنكّر الإخوان للإخوان
فالخيل غاضبة على أرسانها / والبيض غاضبة على الأجفان
والموت من قدّامهم وورائهم / والهول كلّ ثنيّة ومكان
بسطت جناحيها ومدّت ظلّها / فإذا جناحا السّلم مقصوصان
تغشى مواكبها ثلاث غياهب / من قسطل ودجنّة ودخان
ويردّ عنها كلّ خائض لّجة / سيلان: من ماء ومن نيران
أنّى التفتّ رأيت رأسا طائرا / أو مهجة مطعونة بسنان
يمشي الرّدى في إثر كلّ قذيفة / فكأنّما تقتاده بعنان
فالجوّ مّما من أرواحهم / لا تستبين نجومه عينان
والنّهر مّما سال من مهجاتهم / يجري على أرض من المرجان
والأرض حمراء الأديم كأنّها / خدّ الييّة أو خضيب بنان
كم من مبيح للضّيوف طعامه / أمسى طعام الأجدال الغرثان
ومقاتل ناش الكتيبة ناشه / ظفر العقاب ومخلب السّرحان
ومخلّق بين المجرّة والسّها / صعد الحمام إليه في الطيران
ومشيّد وقف الزّمان حياله / متحيّرا بجماله الفتّان
أخنى على ذكر ((الخورنق)) ذكره / وسما على ((الحمراء)) و((الإيوان))
وقضى العصور النّاس في تشييده / أودت به مقذفة وثوان
ومدينة زهراء آمنة الحمى / هدمت منازلها على السّكان
خرست بلابلها الشّوادي في الضّحى / وعلا صياح البوم والغربان
وتعطلّت جنّانها وقصورها / ولقد تكون بغبطة وأمان
حرب أذلّ بها التّمدّن أهله / وجنى الشّيوخ بها على الشّبان
سحق القويّ بها الضّعيف وداسه / ومشى على أرض من الأبدان
بئس الوغى يجني الجنود حتوفهم / في ساحها والفجر للتيجان
ماأقبح الإنسان يقتل جاره / ويقول هذي سنّة العمران
بلي الزّمان وأنت مثلك قبله / يا شرعة قد سنّها الجدّان
فالقاتل الآلاف غاز فاتح / والقاتل الجاني أثيم جان
لا حقّ إلاّ تؤيّده الظّبى / ما دام حبّ الظّلم في الإنسان
لو خيّر الضّعفاء لاختاروا الرّدى / لكنّ عيش الأكثرين أماني
ما بال قومي نائمين عن العلى / ولقد تنبّه للعلى الثّقلان
تبّاع أحمد والمسيح هوادة / ما للعهد أن يتنكّر الأخوان
اللّه ربّ الشّرعتين وربّكم / فإلى متى الدّين تختصمان
مهما يكن من فارق فكلاكما / ينمى إلى قحطان أو غسّان
فخذوا بأسباب الوفاق وطهّروا / أكبادكم من لوثة الأضغان
في ما يحيق بارضكم ونفوسكم / شغل لمشتغل عن الأديان
نمتم وقد سهر الأعادي حولكم / وسكنتم والأرض في جيشان
لا رأي يجمعكم إذا اختلف القنا / وتلاقت الفرسان بالفرسان
لا رأية لكم يدافع دونها / مردالعوارض والحتوف دواني
لا ذنب للأقدرا في إذلالكم / هذا جزاء الغافل المتواني
لو لم يعزّ الجهل بين ربوعكم / ما هان جمعكم على الحدثان
المرء قيمته المعارف والنّهى / ما نفع باصرة بلا إنسان
ما بالكم لا تغضبون لمجدكم / غضبات ملطوم الجبين مهان
أو لستم كالنّاس أهل حفائظ / أم أنتم لستم من الحيوان؟
أبناؤكم لهفي على أبنائكم / يلهو بهم أبناء جنكيز خان
النّازعون الملك من أيديكم / العابثون بكم وبالقرآن
أو كلّما طلعت عليهم أزمة / هاجوا ضغائنكم على الصّلبان
لا تخدعنّكم لسّياسة إنّها / شتّى الوجوه كثيرة الألوان
لو تعقلون عملتم لخلاصكم / من دولة القينات والخصيان
عارعلى نسل الملوك بني العلى / أن _ يستذلّهم بنو الرّعيان
ثوروا عليهم واطلبوا استقلالكم / ونشبّهوا بالصّرب واليونان
مذا يروع نفوسكم ما فيكم / وكلّ ولا التّرك غير جبان
وهبوهم الرّومان في غلوائهم / أفما غلبتم أمّة الرّومان
ما الموت ما أعيا النّطاسي ردّه / موت الذّليل وعيشه سيّان
يا أيّها الشّرق التعيس انظر إلى الـ
يا أيّها الشّرق التعيس انظر إلى الـ / ـقوم الذين شددت أزرك فيهم
ما زلت تكلؤهم بطرف ساهر / يحيي الظلام و هم هجود نوّم
و الغرب يرنو خافا / أجدادهم و يودّ لو لم ينعموا
حتى إذا طرّت شواربهم و بات / من الشباب لهم طراز معلم
خرجوا عليك و أنت لا تدري و هم / لا يشعرون و لو دروا لتندّموا
يا طالما مثلوا لديك كأنّهم / أذد الشّرى فنسيت أنّك تحلم
ورجوت ما يرجوه كلّ أب لدى / أبنائه / أنّ العقوق مذمّم
و لطالما شدت القصور من المنى / خاب الرّجاء و ساء ما تتوهّم
ألهتهم الدّنيا فهذا بالطّلى / صبّ و هذا بالحسان متيّم
و الخمر فاتكة بناعم / ترف يكاد من النّسائم يسقم
قد أصبحوا وقفا على شهواتهم / يستسلمون لها و لا تستسلم
لم يفهموا معنى الحياة و كنهها / إنّ البليّة أنّهم لم يفهموا
فليقلعوا عن غيّهم إنّي أرى / خور الشيوخ بهم و لمّا يهرموا
قد قلّدوا الغربيّ في آفاقه / تقليده الشّرقيّ فيما يعصم
فتنتهم لغة الأعاجم إنّما / لغة الأعاجم منهم تتبرّم
أمسى الذي تهدى إليه لآليء / و كأنّما هو بالحجارة يرجم
لا تعذل الشعراء إن بخلوا به / إنّ القريض على الغبيّ محرّم
بتنا و بات الشّرق يمشي القهقرى / مع ذاك نحسب أنّنا نتقدّم
زعم المؤدّب أنّ عيرا ساءه
زعم المؤدّب أنّ عيرا ساءه / أن لا يسار به إلى الميدان
فمضى فقصرت القواطع ذيله / وسطت مواضيها على الآذان
حتى إذا جاء المروض واعتلى / متنيه راب الفارس الكشحان
لكنه ما زال غير مصدّق / حتى راب صوت كصوت الجان
فاستل صارمه فطاح برأسه / ورمى بجثته إلى الغربان
ما دام يصحب كلّ حي صوته / هيهات يخفي العير جلد حصان
شاهدتها كالميْت في أكفانه
شاهدتها كالميْت في أكفانه / فوجئت إلاّ عبرة أذريها
مهجورة كسفينة منبوذة / في الشّطّ غاب وراءه ماضيها
نسجت عليها خيوطها / و كسى الغبار غلالة تكسوها
أقوت و باتت كالمسامع بعدها / لا شيء يطربها و لا يشجيها
و كأنّها في صمتها مشدوهة / أن لا ترى بهتافها مشدوها
لاحسّ في أوتارها لا شوق في / أضلاعها لا حسن في باقيها
فارزح بحزنك يا حزين فإنّها / لا تنشر الشّكوى و لا تطويها
و إذا انفضى عهد التعلّل بالمنى / فالنّفس يشفقيها الذي يرديها
لله عهد مرّ لي ظلّها / أبكى عليه و تارة أبكيها
كانت كأنّ ضاوعها موصوله / بأضالعي و سرائري في فيها
كم مرّة حامت غرابيب الأسى / لتقيت من قلبي الجريح بنيها
فإذا الأغاريد اللّطيفة دونها / سور يصون حشاشتي و يقيها
كم هزّني الشّدو الرخيم فساقطت / نفسي همومما أوشكت تبليها
فإذا أنا مثل البنفسجية التي / ذبلت فباكرها النّدى يحييها
و لكم سمعت خفوق أجنحة المنى / و حفيفها في نغمة توحيها
فسكرت حتّى ما أوعى سكر امريء / بالخمر أترع كأسه ساقيها
ورأيتني من جنّة سحريّة / لا يرتوي من حسنها رائيها
و لمحت أحلام الشّباب مواكبا / تتلاى أمامي و الهوى حاديها
سرّ السعادة في الرّوءى إنّ الرءوى / لا كفّ تثبتها و لا تمحوها
و لكم سمعت دبيب أشباح الأسى / عند المسا في أنّه تزجيها
فذكرت ثمّ محاسنا الثرى / غابت و شوّهها البلى تشويها
فإذا أنا كالسنديانه شوشت / أغصانه الريح التي تلويها
أو كالسفينة في الضباب طريقها / ضلّت و غابت أنجم تهديدها
شهد الدّجى و الفجر أنّي جازع / لسكونها جزع الغدير أخيها
ما أن سمعت أنينه و نشيجه / إلاّ و يعرو النفس ما يعروها
روّى الثرى يا ليت روحي في الثرى / أو في النبات لعلّة يرويها
يا صاحبيّ و في حنايا أضلعي / همّ يكظّ الروح بل يدميها
إنّ التي نقلت حكايات الهوى / لم يبق غير حكاية ترويها
كمدينة دكّ القضاء صروحها / دكّا و كفّن بالسكوت ذويها
نعيت فريع الفجر و ارتعش الدّجى / ما كان أهونها على ناعيها
لا تعجبا في الغاب من نوح الصّبا / و عويلها إنّ الصّبا ترثيها
لو تسمعان نجّيها متمشّيا / كالسّحر في الأرواح يستهويها
لعلتما أنّ القضاء اغتالها / كيلا تبوح بكلّ سرّ فيها
هذي الوغى مشبوبة النيران
هذي الوغى مشبوبة النيران / مشدودة الأسباب والأقران
شابت مفارقها وكانت طفلة / عذراء منذ دقائق وثوان
طوى السّلام فليس ينشر بعدها / أو يبعث الملحود في الأكفان
شقوا الطّروس وحطّموا أقلامكم / أليوم يوم شواجر المرّان
هانت على الصّمصام كلّ يراعة / ما لليراعة في الحروب يدان
يا صاحبي ليس الوغى من مذهبي / هاتيك وسوسة من الشّيطان
فالنّاس إخوان وليس من النّهى / أن يفتك الإخوان بالإخوان
لو تعقل الأجناد أنّ ملوكها / أعداؤها انقلبت على التيجان
قوم إذا شاؤوا الصّعود لمطلب / تخذوا مراقيهم من الأديان
أو إن كرهت الحرب كنت يراعة / وإذا قتلت أخاك غير جبان؟
إن كان قتل النّفس غير محرم / ما الفرق بين المرء والحيوان؟
الحرب مجلبة الشّقاوة للورى / والحرب يعشقها بنو الإنسان
لمن الخميس خوافق راياته / متماسك الأجزاء كالبنيان
متألب كاللّيل جنّ سواده / مستوفز كالقدر في الغيان
متدّفق كالسّيل في الغدرا / متدفّع كالعاصف المرتان
تتنزلزل الأطواد من صدماته / وتظّل منه الأرض في رجفان
عجلان يكتسح البلاد وأهلها / إنّ الشّقىّ العاجز المتواني
في كلّ سرج ضيغم متحفّز / في كفّه ماضي الشّباة يمان
لا شيء يوم الرّوع أجمل عنده
لا شيء يوم الرّوع أجمل عنده / من أن يرى والقرن يصطرعان
يا رب معركة تراكم نقعها / حتى اختفى في ظلّها الجيشان
باتت صقال الهند في أفيائها / كالبرق يسطع من خلال دخان
والخيل طائرة على أرسانها / تهوي لو انعتقت من الأرسان
دوت المدافع كالرّعود قواصفا / نطق الحديد فعيّ كلّ لسان
ترمي بأشباه الرّجوم تخالها / حمراء قد صيغت من المرجان
ما إن تطيش وإن نأت إغراضها / ولكم تطيش قذائف البركان
صخّابة تذر الحصون بلاقعا / وتدكّها دكّا إلى الأركان
تنقضّ والفرسان في آثارها / تنقضذ مثل كواسر العقبان
هي وقعة ضجّت لها الدّنيا كما / ضجّت وضجّ النّاس في ((سيدان))
مشت المنايا حاسرات عندها / تتطلب الأرواح في الأبدان
فعلى أديم الجو ثوب أسود / وعلى أديم الأرض ثوب قان
وإذا نظرت إلى الجسوم على الثّرى / أبصرت كثبانا على كثبان
لّما رأوا(بورغاس) ضرّة مكدن / حملوا عليها حملة اليابان
وقد انجلت فإذا الهلال منكس / علم طوته راية الصّلبان
رجحت قواهم أيّما رجحان / فيها وشال التّرك في الميزان
نفروا لكالحمر التي روعتها / بابن الشّرى المتجهّم الغضبان
وقلوبهم قد أسرعت ضرباتها / وتظنّها وقفت عن الخفقان
متلفّتين إلى الوراء باعين / تتخيل الأعداء في الأجفان
يتلمّسون من المنيّة مهربا / هيهات إنّ الموت كلّ مكان
واللّه ما ينجون من أشراكه / ولو استعاروا أرجل الغزلان
أسلابهم للظّافرين غنيمة / وجسومهم للحاجل الغرثان
إن يأمنوا وقع الأسنّة والظّبى / فالذّعر طاعنهم بشّر سنان
ما أنس لا أنسى عصابة خرّد / في اللّه مسعاهنّ والإحسان
عفن الوثير إلى وسائد فضّة / ونزحن عن أهل وعن أوطان
ووقفن أنفسهنّ في الدنيا على / تأمين ملتاع ونصرة عان
يحملن ألوية السّلام إلى الألى / حملوا لواء الشّر والعدوان
كم من جريح بالنّجيع مخضّب / في الأرض لا يحنو عليه حان
ما راعة طيف المنيّة مثلما / راعت حشاه فرقة الخّلان
فله إذا ذكر الدّيار واهله / آه الغريب وأنّه الشّكلان
نفّسن من برجائه وأسونه / وأعضنه من خوفه بأمان
ما حبّب الجنّات عندي أنّها / مثوى سلام مستقرّ حسان
لولا حنان الغابيات وعطفها / ما كانت الدّنيا سوى أحزان
من مسمع الأيام عنّي نبأة / يرتاع منها كلّ ذي وجدان
إنّ الألى جبنوا أمام عدلتهم / شجعوا على الأطفال والنّسوان
وصوارما قد أغمدت يوم الوغى / شهرت على الأضياف والقطّان
أكذا يجازي الآمنون بدورهم / أو هكذا قد جاء في القرآن؟
أخنى على الأتراك دهر حول / أخنى على يونان والرّومان
وطوى محاسن ((يلدز))قدر طوى / ربّ السّدير وصاحب الإيوان
فاليوم لا أستانةتزهو / ولا السّلطان بالسّلطان
دارت دوائره عليها مثلما / دارت دوائره على ((طهران))
أمنبّهي الأضغان كيف هجمتم / لّما تنّبه نائم الأضغان
وحكومة الأشباح ويحك ما الّذي / خالفت فيه عصبة الفتيان
قالوا: لنا الملك العريض وجاهه / كذبوا فإنّ الملك للرّحمن
ما بال قومي كلّما استصرختهم / وضعوا أصابعهم على الآذان
أبناء سوريّا الفتاة تضافروا / وخذوا مثالتكم عن البلقان
ما التّرك أهل أن يسودوا فيكم / أو تحك الآساد بالظّلمان
هم ألبسوا الشّرقي ثوب غضاضة / وسقوه كأسي ذلّة وهوان
فإذا جرى ذكر الشّعوب بموضع / شمخت وطأطأ رأسه العثماني