المجموع : 96
بالأمس بادرني صد
بالأمس بادرني صد / يق حائر يستفهمُ
أجهنّم نار كما / زعم الهداة و علّموا
أم زمهرير قارس / قاس و كون مظلمُ
فأجببته ما الزمهر / ير و ما اللّظى المتضرّم
بجهنّم لكنّما / أن لا تحبّ جهنّم
يا صاحبي إنّ الخوا / ء هو العذاب الأعظم
القلب إلاّ بالمحـ / ـبّة منزل متردّم
هي للجراحة مرهم / هي للسعادة سلّم
هي في النجوم تألّق / هي في الحياة ترنّم
هي أنفس العشّاق في / غسق الدّجى تتبسّم
إنّ الكريم لكالربيع
إنّ الكريم لكالربيع / تحبّه للحسن فيه
و تهشّ عند لقائه / و يغيب عنك فتشتهيه
لا يرضي أبدا لصا / حبه الذي لا يرتضيه
و إذا اللّيالي ساعفتـ / ـه لا يدلّ و لا يتيه
و تراه يبسم هازئا / في غمرة الخطب الكريه
و إذا تحرّق حاسدوه / بكى ورقّ لحاسديه
كالورد ينفح بالشّذى / حتّى أنوف السارقيه
قال السماء كئيبة وتجهما
قال السماء كئيبة وتجهما / قلت: ابتسم يكفي التجهم في السما
قال: الصبا ولى! فقلت له: ابتسم / لن يرجع الأسف الصبا المتصرما
قال: التي كانت سمائي في الهوى / صارت لنفسي في الغرام جهنما
خانت عهودي بعدما ملكتها / قلبي فكيف أطيق أن أتبسما
قلت: ابتسم و اطرب فلو قارنتها / لقضيت عمرك كله متألما
قال: التجارة في صراع هائل / مثل المسافر كاد يقتله الظما
أو غادة مسلولة محتاجة / لدم و تنفث كلما لهثت دما !
قلت: ابتسم ما أنت جالب دائها / وشفائها فإذا ابتسمت فربما
أيكون غيرك مجرما. و تبيت في / وجل كأنك أنت صرت المجرما ؟
قال: العدى حولي علت صيحاتهم / أَأُسر و الأعداء حولي في الحمى ؟
قلت: ابتسم لم يطلبوك بذمهم / لو لم تكن منهم أجل و أعظما !
قال: المواسم قد بدت أعلامها / و تعرضت لي في الملابس و الدمى
و علي للأحباب فرض لازم / لكن كفي ليس تملك درهما
قلت: ابتسم يكفيك أنك لم تزل / حيا و لست من الأحبة معدما!
قال: الليالي جرعتني علقما / قلت: ابتسم و لئن جرعت العلقما
فلعل غيرك إن رآك مرنما / طرح الكآبة جانبا و ترنما
أتُراك تغنم بالتبرم درهما / أم أنت تخسر بالبشاشة مغنما ؟
يا صاح لا خطر على شفتيك أن / تتثلما و الوجه أن يتحطما
فاضحك فإن الشهب تضحك و الدجى / متلاطم و لذا نحب الأنجما !
قال: البشاشة ليس تسعد كائنا / يأتي إلى الدنيا و يذهب مرغما
قلت ابتسم مادام بينك و الردى / شبر فإنك بعد لن تتبسما
كن بلسماً إن صار دهرك أرقما
كن بلسماً إن صار دهرك أرقما / وحلاوة إن صار غيرك علقما
إن الحياة حبتك كلَّ كنوزها / لا تبخلنَّ على الحياة ببعض ما
أحسنْ وإن لم تجزَ حتى بالثنا / أيَّ الجزاء الغيثُ يبغي إن همى ؟
مَنْ ذا يكافئُ زهرةً فواحةً ؟ / أو من يثيبُ البلبل المترنما ؟
عُدَّ الكرامَ المحسنين وقِسهمُ / بهما تجد هذين منهم أكرما
ياصاحِ خُذ علم المحبة عنهما / إني وجدتُ الحبَّ علما قيما
لو لم تَفُحْ هذي وهذا ما شدا / عاشتْ مذممةً وعاش مذمما
فاعمل لإسعاد السِّوى وهنائهم / إن شئت تسعد في الحياة وتنعما
أيقظ شعورك بالمحبة إن غفا / لولا الشعور الناس كانوا كالدمى
كم تشتكي و تقول إنّك معدم
كم تشتكي و تقول إنّك معدم / و الأرض ملكك و السما و الأنجم
و لك الحقول وزهرها و أريجها / و نسيمها و البلبل المترنّم
و الماء حولك فضّة رقراقة / و الشمس فوقك عسجد يتضرّم
و النور يبني في السّفوح و في الذّرى / دورا مزخرفة و حينا يهدم
فكأنّه الفنّان فيها عابثا / آياته قدّام من يتعلّم
و كأنّه لصفائه و سنائه / نهر تعوم به الطّيور الحوّم
هشّت لك الدّنيا فما لك واجما / و تبسّمت فعلام لا تتبسّم
إن كنت مكتئبا لعزّ قد مضى / هيهات يرجعه إليك تندّم
أو كنت تشفق من حلول مصيبة / هيهات يمنع أن تحلّ تجهّم
أو كنت جاوزت الشّباب فلا تقل / شاخ الزّمان فإنّه لا يهرم
أنظر فما تطلّ من الثّرى / صور تكاد لحسنها تتكلّم
ما بين أشجار كأنّ غصونها / أيد تصفّق تارة و تسلّم
و عيون ماء دافقات في الثّرى / تشفي السقيم كأنّما هي زمزم
و مسارح فقتن النسيم جمالها / فسرى يدندن تارة و يهمهم
فكأنّه صبّ بباب حبيبة / متوسّل مستعطف مسترحم
و الجدول الجذلان يضحك لاهيا / و النرجس الولهان مغف يحلم
و على الصعيد ملاءه من سندس / و على الهضاب لكلّ حسن ميسم
فهنا مكان بالأريج معطّر / و هناك طود بالشّعاع مهمّم
صور و أيات تفيض بشاشة / حتّى كأنّ الله فيها يبسم
فامش بعقلك فوقها متفهّما / إنّ الملاحة ملك من يتفهّم
أتزور روحك جنّة فتفوقها / كيما تزورك بالظنون جهنّم ؟
و ترى الحقيقة هيكلا متجسّدا / فتعافها لوساوس تتوهّم
يا من يحنّ إلى غد في يومه / قد بعث ما تدري بما لا تعلم
قم بادر اللّذّات فواتها / ما كلّ يوم مثل هذا موسم
واشراب بسرّ حصن سرّ شبابه / وارو أحاديث المروءة عنهم
المعرضين عن الخنا فإذا علا / صوت يقول : " إلى المكارم " أقدموا
الفاعلين الخير لا لطماعة / في مغنم إنّ الجميل المغنّم
أنت الغنيّ إذا ظفرت بصاحب / منهم و عندك للعواطف منجم
رفعوا لديهم لواء عاليا / و لهم لواء في العروبة معلم
إن حاز بعض النّاس سهما في العلى / فلهم ضروب لا تعدّ و أسهم
لا فضل لي إن رحت أعلن فضلهم / بقصائدي إنّ الضحى لا يكتم
لكنّني أخشى مقالة قائل / هذا الذي يثني عليهم منهم
أحبابنا ما أجمل الدنيا بكم / لا تقبح الدّنيا و فيها أنت
يا من قربت من الفؤاد
يا من قربت من الفؤاد / و أنت عن عيني بعيد
شوقي إليك أشدّ من / شوق السليم إلى الهجود
أهوى لقاءك مثلما / يهوى أخو الظمإ الورود
و تصدّني عنك النوى / و أصدّ عن هذا الصدود
وردت نميقتك التي / جمعت من الدرّ النضيد
فكأنّ لفظك لؤلؤ / و كأنّما القرطاس جيد
أشكو إليك و لا يلام / إذا شكى العاني القيود
دهرا بليدا ما ينيل / وداده إلاّ بليد
و معاشرا ما فيهم / إن جئتهم غير الوعود
متفرّجين و ما التفرنج / عندهم غير الجحود
لا يعرفون من الشجاعة / غير ما عرف القرود
سيّان قالوا بالرضى / عنّي أو السخط الشديد
من ليس يصّدق في الوعود / فليس يصدّق في الوعيد
نفر إذا عدّ الرجال / عددتهم طيّ اللحود
تأبى السماح طباعهم / ما كلّ ذي مال يجود
أسخاهم بنضاره / أقسى من الحجر الصلود
جعد البنان بعرضه / يفدي اللجين من الوفود
و يخاف من أضيافه / خوف الصغير من اليهود
تعس امريء لا يستفيد / من الرجال و لا يفيد
و أرى عديم النفع ان / وجوده ضرر الوجود
قلت: السعادة في المنى فرددنني
قلت: السعادة في المنى فرددنني / وزعمت أنّ المرء آفته المنى
ورأيت في ظلّ الغنى تمثالها / ورأيت أنت البؤس في ظلّ الغنى
ما لي أقول بأنها قد تقتني / فتقول أنت بأنها لا تقتني؟
وأقول إن خلقت فقد خلقت لنا / فتقول إن خلقت فلم تخلق لنا؟
وأقول إني مؤمن بوجودها / فتقول ما أحراك أن لا تؤمنا؟
وأقول سر سوف يعلن في غد / فتقول لا سرّ هناك ولا هنا؟
يا صاحبي هذا حوار باطل / لا أنت أدركت الصواب ولا أنا
ما للقبور كأنّما لا ساكن
ما للقبور كأنّما لا ساكن / فيها و قد حوت العصور الماضية
طوت الملايين الكثيرة قبلنا / و لسوف تطوينا و تبقى خالية
أين المها و عيونها و فتونها ؟ / أين الجبابر و الملوك العاتية ؟
زالوا من الدنيا كأن لم يولدوا / سحقتهم كفّ القضاء القاسية
إنّ الحياة قصيدة أعمارنا / أبياتها و الموت فيها قافية
متّع لحظك في النجوم و حسنها / فلسوف تمضي و الكواكب باقية
وطن النجوم أنا هنا
وطن النجوم أنا هنا / حدّق أتذكر من أنا
ألمحت في الماضي البعيد / فتى غريرا أرعنا
جذلان يمرح في حقولك / كالنسيم مدندنا
ألمقتني المملوك ملعبة / و غير المقتنى !
يتسلّق الأشجار لا ضجرا / يحسّ و لا ونى
و يعود بالأعصان يبريها / سيوفا أو قنا
و يخوض في وحل الشّتا / متهلّلا متيمّنا
لا يتّقي شرّ العيون / و لا يخاف الألسنا
و لكم تشيطن كي يقول / الناس عنه " تشيطنا "
أنا ذلك الولد الذي / دنياه كانت ههنا !
أنا من مياهك قطرة / فاضت جداول من سنا
أنا من ترابك ذرّة / ماجت مواكب من منى
أنا من طيورك بلبل / غنّى بمجدك فاغتنى
حمل الطّلاقة و البشاشة / من ربوعك للدّنى
كم عانقت روحي رباك / وصفّقت في المنحنى ؟
للأرز يهزأ بالرياح / و بالدهور و بالفنا
للبحر ينشره بنوك / حضارة و تمدّنا
لليل فيك مصلّيا / للصبح فيك مؤذّنا
للشمس تبطيء في وداع / ذراك كيلا تحزنا
للبدر في نيسان يكحّل / بالضّياء الأعينا
فيذوب في حدق المهى / سحرا لطيفا ليّنا
للحقل يرتجل الرّوائع / زنبقا أو سوسنا
للعشب أثقله النّدى / للغصن أثقله الجنى
عاش الجمال متشرّدا / في الأرض ينشد مسكنا
حتّى انكشفت له فألقى / رحلة و توطّنا
واستعرض الفنّ الجبال / فكنت أنت الأحسنا
لله سرّ فيك يا / لبنان لم يعلن لنا
خلق النجوم و خاف أن / تغوي العقول و تفتنا
فأعار أرزك مجده / و جلاله كي نؤمنا
زعموا سلوتك ... ليتهم / نسبوا إليّ الممكنا
فالمرء قد ينسى المسيء / المفترى و المحسنا
و الخمر و الحسناء و الوتر / المرنّح و الغنا
و مرارة الفقر المذلّ / بلى و لذّات الغنى
لكنّه مهما سلا / هيهات يسلو الموطنا
ليت الذي خلق الحياة جميلة
ليت الذي خلق الحياة جميلة / لم يسدل الأستار فوق جمالها
بل ليته سلب العقول فلم يكن / أحد يعلّل نفسه بمنالها
للّه كم تغري الفتى بوصالها / وتضنّ حتى في الكرى بوصالها
تدنيه من أبوابها بيمينها / وتردّه عن خدرها بشمالها
كم قلت هذا الأمر بعض صوابها / فوجدته بالخير بعض محالها
ولكم خدعت بآلها وذمته / ورجعت أظمأ ما أكون لآلها
قد كنت أحسبني أمنت ضلالها / فإذا الذي خمّنت كلّ ضلالها
إنّ النفوس تغرّها آمالها / وتظلّ عاكفة على آمالها
حتى رأيت الشمس تلقي نورها / في الأرض فوق سهولها وجبالها
ورأيت أحقر ما بناه عنكب / متلففا ومطوّقا بحبالها
مثل الفصور العاليات قبابها / ألشامخات على الذّرى بقلالها
فعلمت أنّ النفس تخطر في الحلى / والوشى مثل النفس في أسمالها
ليست حياتك غير ما صوّرتها / أنت الحياة بصمتها ومقالها
ولقد نظرت إلى الحمائم في الربى / فعجبت من حال الأنام وحمالها
للشوك حظّ الورد من تغريدها / وسريكه من بعد إعرالها
تشدو وصائدها يمدّ لها الردى / فاعجب لمحسنه إلى مغنالها
فغبطتها في أمنها وسلامها / ووددت لو أعطيت راحة بالها
وجعلت مذهبها لنفسي مذهبا / ونسجت أخلاقي على منوالها
من لجّ في ضيمي تركت سماءه / تبكي علّي بشمسها وهلالها
وهجرت روضته فأصبح وردها / لليأس كالأشواك في أذغالها
وزجرت نفسي أن تميل كنفسه / عن كوثر الدنيا إلى أوحالها
نسيانك الجاني المسيء فضيلة / وخمود نارجدّ في إشعالها
فاربأ بنفسك والحياة قصيرة / أن تجعل الأضغا ن من أحمالها
زمن الشباب رحلت غير مذّمم / وتركت للحسرات قلبي الوالها
دّبت عقاربها إليه تنوشه / ورمت بقاياه إلى أصلالها
لم يبق من لذّاته ألاّ الرؤى / ومن الصبابة غير طيف خيالها
ومن الكؤوس سوى صدى رنّاتها / والراح غير خمارها وخيالها
يا جنّة عوجلت عن أثمارها / ولذاذة عربت من سربالها
ما عليها شيء سوى اضمحلالها / والذنب للأقدار في اضمحلالها
ومليحة في وجهها ألق الضحى / والسحر والصهباء في أقوالها
قالت: أينسى النازحون بلادهم ؟ / ما هاج حزن القلب غير سؤالها
الأرض سوريّا أحبّ ربوعها / عندي ولبنان أعزّ جبالها
والناس أكرمهم علّي عشيرها / روحي الفداء لرهطها ولآلها!
والشهب أسطعها التي في أفقها / ليس الجلال الحقّ غير جلالها
وأحبّ غيث ما همى في أرضها / حتى الحيا الباكي على أطلالها
مرح الصّبا الجذلان في أسحارها / ومنى الصّبا الولهان في آصالها
إني لأعرف ريحها من غيرها / بنوافح الأشذاء في أذيالها
تلك المنازل كم خطرت بساحها / في ظلّ ضيغمها وعطف غزالها
وشذوت مع أطيارها وسهرت مع / أقمارها ورقصت مع شلاّلها
وسجدت للإلهام مع صفصافها / وضحكت للأحلام مع وزّالها
وملأت عقلي حديث شيوخها / وأخذت شعري من لغى أطفالها
تشتاق عيني قبل يغمضها الردى / لو أنها اكتحلت ولو برمالها
مرّت بي الأعوام تقفو بعضها / وثب القطا تعدو إلى آجالها
وتعاقبت صور الجمال فلم يدم / في خاطري منها سوى تمثالها
منذ افترقنا لم أذق وسنا
منذ افترقنا لم أذق وسنا / للّه ما صنع الفراق بنا
قل للخليّين الهناء لكم / ألحبّ قد خلق العذاب لنا
لم أنس قولتها التي ملأت / نفسي أسى وجوانحي شجنا
ماذا جنينا كي تفارقنا / أمللتنا وسئمت صحبتنا
فأجبتها بلسان معتذر / لم تجني أنت ولا مللت أنا
لكن رأيت الماء منطلقا / ريا فإن هو لم يسر أجنا
والسيف إن طال الثواء به / يصدأ ويصيح حدّه خشنا
والسحب إن وقفت وما هطلت / لم ترو أودية ولا قتنا
إنّ الحياة مع الجمود قذى / ومع الحواك بشاشة وهنا
لا تعذليني فالقرى أربي / حيث الحياة رغائب ومنى
حيث النجوم تلوح سافرة / لم تلتحف سترا ولا كفنا
والفجر ملء جيوبه أرج / والطير يملأ شدوها الوكنا
وعلى الرّبى الأظلال راقصة / ويد النسيم تداعب الغصنا
وبح المدائن إنّ ساكنها / كالميت لم يطمر ولا دفنا
كم رحت أستسقي سحائبها / فهمت ولكن محنة وضنى
ولكم سهرت فلم أجد قمرا / ولكم شدوت فلم أجد أذنا
لو كان يألف بلبل غرد / قفصا أحبّ الشاعر المدنا
كره الورى طول المقام بها / فاستنبطوا العجلات والسفنا
ولقد ظفرت بمركب لجب / فخرجت أطوي السهل والحزنا
والشوق يدفعه ويدفعني / حتى بلغت المنزل الحسنا
قف يا قطار على ربوعهم / إنّ الأحبة يا قطار... هنا
هذي منازلهم تهشّ لنا / أخطأت ... بل هذي منازلنا
ما حلّ منهم موضعا أحد / إلا وصار لكلّنا وطنا
((سورية)) في ((كانتن)) نغم / عذب (( ولبنان)) شذى وسنا
وإذا الحياة طوت محاسنها / عني وصار نعيمها محنا
مثّلتهم في خاطري فإذا / دنياي فيها للسرور دنى
يا قوم هذا اليوم يومكمو / من ينتهزه ينل رضى وثنا
فلتنبسط أيديكمو كرما / ألسحب أنفعها الذي هتنا
أنا لاأرى مثل البخيل فتى / يضوى ويهزل كلما سمن
من لا يشيد بماله أثرا / أو يستفيد بماله مننا
ويعيش مثل العنكبوت يعش / في الناس مذموما وممتهنا
فابنوا وشيدوا تكرموا رجلا / كم قد سعى من أجلكم وبنى
وطن وأهل لا ئذون بكم / أفتخذلون الأهل والوطنا؟
((قطنا)) بنوك اليوم قد نهضوا / فتمجدي ببنيك يا ((قطنا))
لم أنس حين مشت إلّي
لم أنس حين مشت إلّي / لما رأتني باسما متهللا
قالت أتطرب والمنايا حوّم / في الأرض كيف رمت أصابت مقتلا؟
أنظر فقد خلت البيوت من الشباب / ولا جمال لمنزل منهم خلا
فسألتها أو ليس من أجل العلى / وهنائنا خاضوا الوغى قالت بلى
يا هذه أإذا بكيت لبعدهم / يتبسمون أجابت الحسناء لا
كفّي الملام إذن فما أنا جاهل / ما تعلمين وكيف لي أن أجهلا
لكن بعثت الفكر في آثارهم / في البحر في الأجواء في عرض الفلا
فرأيت نور المجد فوق بنودهم / ورأيتهم يمشون من نصر إلى
سدّوا على الباغي المسالك كلّها / فالموت إن ولى وإن هو أقبلا
فإذا شممت اليوم رائحة الدماء / وطالعت عيناك آثار البلى
فاستبشري فغدا إذا النقع انجلى / ستعود دنيانا أحبّ وأجملا
ذهب الربيع ففي الخمائل وحشة
ذهب الربيع ففي الخمائل وحشة / مثل الكآبة من فراقك فينا
لو دمت لم تحزن عليه قلوبنا / و لئن أضعنا الورد و النّسرينا
فلقد وجدنا في خلالك زهرة / المفترّ و الماء الذي يروينا
و نسيمة السّاري كأنفاس الرّضى / و شعاعه يغشى المروج فتونا
حزت المحاسن في الربيع و فقته / إذ ليس عندك عوسج يدمينا
يا أشهرا مرّت سراعا كالمنى / لو أستطيع جعلتكنّ سنينا
و أمرت أن يقف الزمان عن السّرى / كيلا نمرّ بساعة تبكينا
و نمدّ أيدينا فترجع لم تصب / و تعود فوق قوبنا أيدينا
خوفا عليها أن تساقط حسرة / أو أن تفيض لواعجا و شجونا
قد كنت خلت الدّهر حطّم قوسه / حتّى رأيت سهامه تصمينا
فكأنّما قد ساءه و أمضّه / أنّا تمتّعنا بقربك حينا
تلك المنازل كيف حال مقيمها
تلك المنازل كيف حال مقيمها / أنّا قنعنا بعدها برسومها
تمشي على صور الطيور لحاظنا / نشوى كمن يصغى إلى ترنيمها
و نكاد نعشق في الأزاهير الدمى / أزهارها و نحسّ نفخ شميمها
نشتاقها في بؤسنا و نعيمنا / و نحبّها في بؤسها و نعيمها
لولا الخيال يعين أنفسنا لمّا / سكنت و لم يهدأ صراخ كلومها
و لكان شهد الأرض في أفواهنا / و هو اللّذيذ أمرّ من زقّمها
يا حاملا في نفسه و حديثه / أحلام أرزتها و لطف نسيمها
حدّث بنيها شيخهم و فتاهموا / عن ليث غابتها و ظبي صريمها
خبّرهم أنّ الكواكب لم تزل / تحنو على العشّاق بين كرومها
ما زال بلبلها يغنّي للربى / و السّحر تنفثه لواحظ ريمها
و الريح تلتقط الشّذى و تذيعه / من شيحها طورا و من قيصومها
و هضابها يلبسن عسجد شمسها / حينا و أحيانا لجين نجومها
و الفجر يرقص في السهول و في الذرى / متمهّلا فتهشّ بعد وجوهما
إن بدّلت منها التخوم فإنّها / ما بدّلت و الله غير تخومها
حدّثهم عن ليلها و نجومها / و عن الهوى في ليلها و نجومها
و عن الشّطوط الحالمات بعوده / للغائبين و رجعة لنعيمها
و عن الروابي الشاخصات إلى السما / ألعالقات رؤوسها بغيومها
فكأنّها سحب هوت من حالق / ورست على وجه الثّرى بهمومها
و عن الحياة جميلها و قبيحها / و عن النفوس صحيحها و سقيمها
و عن الألى ملكوا فلم يتورّعوا / عن سلب أعزلها و ظلم يتيمها
و عن الثعابين التي في أرضها / و عن الذئاب العصل خلف تخومها
ألجاهليّة آه من أصنامها / بوركت يا من جدّ في تحطيمها
و الطائفيّة أنت أوّل معول / في سورها ثابرعلى تهديمها
حتّى تعود وواحد أقنومها / و يحلّ روح الله في أقنومها
قل للشبيبة أن تبين وجودها / و تعزّ أنفسها بهون جسومها
كم ذا تشعّ و لا تضيء علومها / سرج الظلام إذن جليل علومها
يا واحد منها يحمّل نفسه / آلام عانيها وليل سليمها
إن أكرمتك نفوسنا في ليلة / فلكم قضيت العمر في تكريمها
ما عزّ من لم يصحب الخذما
ما عزّ من لم يصحب الخذما / فأحطم دواتك واكسر القلما
وارحم صباك الغضّ إنّهم / لا يحملون وتحمل الألما
كم ذا تناديهم وقد هجعوا / أحسبت أنّك تسمع الرّمما
ما قام في آذانهم صمم / وكأنّ في آذانهم صمما
القوم حاجتهم إلى همم / أو أنت مّمن يخلق الهمما؟
تاللّه لو كنت ((ابن ساعدة)) / أدبا ((وحاتم طيء)) كرما
وبذذت ((جالينوس)) حكمته / والعلم ((رسططا ليس)) والشّيما
وسبقت ((كولمبوس)) مكتشفا / وشأوت ((آديسون)) معتزما
فسلبت هذا البحر لؤلؤه / وحبوتهم إيّاه منتظما
وكشفت أسرار الوجود لهم / وجعلت كلّ مبعّد أمما
ما كنت فيهم غير متّهم / إني وجدت الحرّ متّهما
هانوا على الدّنيا فلا نعما / عرفتهم الدّنيا ولا نقما
فكأنّما في غيرها خلقوا / وكأنّما قد آثروا العدما
أو ما تراهم كلّما انتسبوا / نصلوا فلا عربا ولا عجنا
ليسوا ذوي خطر وقد زعموا / والغرب ذو خطلر وما زعما
متخاذلين على جهالتهم / إنّ القويّ يهون منقسما
فالبحر يعظم وهو مجتمع / وتراه أهون ما يرى ديما
والسّور ما ينفكّ ممتنعا / فإذا يناكر بعضه نهدما
والشّعب ليس بناهض أبدا / ما دام فيه الخلف محتكما
يا للأديب وما يكابده / في أمّة كلّ لا تشبه الأمما
إن باح لم تسلم كرامته / والإثم كلّ إن كتما
يبكي فتضحك منه لاهية / والجهل إن يبك الحجى ابتسما
جاءت وما شعر الوجود بها / ولسوف تمضي وهو ما علما
ضعفت فلا عجب إذا اهتضمت / اللّيث لولا بأسه اهتضما
فلقد رأيت الكون سنّته / كالبحر يأكل حوته البلما
لا يرحم المقدام ذا خور / أو يرحم الضّرغامه الغنما؟
يا صاحبي وهواك يجذبني / حتّى لأحسب بيننا رحما
ما ضرّنا والودّ ملتئم / أن لا يكون الشّمل ملتئما
النّاس تقرأ ما تسطّره / حبرا ويقرأه أخوك دما
فاستبق نفسا غير مرجعها / عضّ الأناسل بعدما ندما
ما أنت مبدلهم خلائقهم / حتّى تكون الأرض وهي سما
زارتك لم تهتك معانيها / غرّاء يهتك نورها الظّلما
سبقت يدي فيها هواجسهم / ونطقت لما استصحبوا البكما
فإذا تقاس إلى روائعهم / كانت روائعهم لها خدما
كالرّاح لم أر قبل سامعها / سكران جدّ السّكر محتشما
يخد القفار بها أخو لجب / ينسي القفار الأنيق الرسما
أقبسته شوقي فأضلعه / كأضالعي مملوءة ضرما
إنّ الكواكب في منازلها / لو شئت لاستنزلتها كلما
بأبي خيال لاح لي متلفّفا
بأبي خيال لاح لي متلفّفا / بعياءة من عهد فخر الدين
يمشي على مهل ويرسل طرفه / في حيرة المستوحش المحزون
من أنت يا شبحا كئيبا صامتا؟ / قل لي فإنّك قد أثرت شجوني
أخيال خصم أتّقي نزواته؟ / أم أنت يا هذا خيال خدين؟
فأجابني مترفّقا متحبّبا / فسمعت صوت أب أبرّ حنون
يا شاعري قل للألى هجروني / أنا ما نسيتكم فلا تنسوني
ما بالكم طوّلتم حبل النوى / يا ليت هذا الحبل غير متين
قد طفتم الدنيا فهل شاهدتم / جبلا عليه مهابني وسكوني؟
أوردتم كمناهلي ؟ أنشقتم / كأزاهري في الحسن والتلوين؟
ولقد تظلّلتم بأشجار فهل / رفّت غصون فوقكم كغصوني؟
وسمعتم شتّى الطيور صوادحا / أسمعتم أشجى من الحسّون؟
هل أنبتت كالأرز غيري بقعة / في مجده وجلاله الميمون؟
أرأيتم في ما رأيتم فتنة / كالبدر حين يطلّ من صنّين؟
أو كالغزالة وهي تنقض تبرها / عند الغيب على ذرى حرمون؟
مرّت قرون وانطوت وكأنني / لمحاسني كوّنت منذ سنين
أبليتها وبقيت إلاّ أنّني / للشوق كاد غيابكم يبليني
لبنان! لا تعذل بنيك إذا هم / ركبوا إلى العلياء كلّ سقين
لم يهجروك ملالة لكنّهم / خلقوا لصيد اللؤلوّ المكنون
ورثوا اقتحام البحر عن فينقيا / أمّ الثقافة مصدر التمدين
لّما ولدتهم نسورا حلّقوا / لا يقنعون من العلى بالدون
والنسر لا يرضى السجون وإن تكن / ذهبا فكيف محاسن من طين؟
ألأرض للحشرات تزحف فوقها / والجوّ البازي وللشاهين
فأجابني والدمع ملء جفونه / كم ذا تسلّيني ولا تسليني؟
أنا كالعرين اليوم غاب أسوده / وتفرّقوا عنه لكلّ عرين
ألأرمنّي على سفوحي والربى / يبني الحصون لنفسه بحصوني
وبنو يهوذا ينصبون خيامهم / في ظلّ أوديتي وفوق حزوني
وبنّي عنّي غافلون كأنّني / قد صرت في الأشياء غير ثمين
أنتم ديون لي على آميركا / ومن المروءة أن تردّ ديوني
أو ليس من سخر القضاء وهزته / أن يأخذ المثرى من المسكين؟
عودوا فإنّ المال لا يغنيكم / عنّي ولا هو عنكم يغنيي
...فشجيت مّما قاله لكنّني / لّما رأيتكم نسيت شجوني
لبنان فيكم ماثل إن كنتم / في مصر أو في الهند أو في الصين
إن بنتم عنه فما زال الهوى / يدنيكم منه كما يدنيني
وحراككم لعلائه وسكونكم / وإلى ثراه حنينكم وحنيني
لو أمست الدنيا لغيري كلّها / ورباه لي ما كنت بالمغبون
أنا في حمالكم طائر مترنّم / بين الأقاح الغضّ والنسرين
أنتم بنو وطني وأنتم إخوتي / وأنا امرؤ دين المحبّة ديني
إثنان أعيا الدهر أن يبليهما
إثنان أعيا الدهر أن يبليهما / لبنان والأمل الذي لذويه
نشتاقه و الصيف فوق هضابه / و نحبّه و الثلج في واديه
و إذا تمدّ له ذكاء حبالها / بقلائد العقيان تستغويه
و إذا تنقّطه السماء عشيّة / بالأنجم الزهراء تسترضيه
و إذا الصّبايا في الحقول كزهرها / يضحكن ضحكا لا تكلّف فيه
هنّ اللّواتي قد خلقن لي الهوى / و سقيتني السحر الذي أسقيه
هذا الذي صان الشّباب من البلى / و أبى على الأيّام أن تطويه
و لربّما جبل أشبّهه به / مسترسلا مع روعة التشبيه
فأقول يحكيه و أعلم أنّه / مهما سما هيهات أن يحكيه
يا لذّة مكذوبة يلهو بها / قلبي و يعرف أنّها تؤذيه
إنّي أذكّره بذيّاك الحمى / و جماله و إخالني أنسيه
و إذا الحقائق أحرجت صدر الفتى / ألقى مقالده إلى التمويه
وطني ستبقى الأرض عندي كلّها / حتّى أعوذ إليه أرض التيه
سألوه الجمال فقال : هذا هيكلي / و الشعر قال : بنيت عرشي فيه
الأرض تستجدّي الخضمّ مياهه / و كنوزه و البحر يستجديه
يمسي و يصبح و هو منطرح على / أقدامه طمعا بما يحويه
أعطاه بعض وقاره حتّى إذا / استجداه ثانية سخا ببنيه
لبنان صن كنز العزائم واقتصد / أخشى مع الإسراف أن تفنيه
غيري يراه سياسة وطوائفا / و يظلّ يزعم أنّه رائيه
و يروح من إشفاقه يبكي له / لبنان أنت أحقّ أن تبكيه
لا يسفر الحسن النزيه لناظر / ما دام منه الطّرف غير نزيه
قل للألى رفعوا التخوم / ضيّقتم الدّنيا على أهليه
و لمن يقولون الفرنج حماته / الله قبل سيوفهم حاميه
يا صاحبي يهنيك أنّك في غد / ستعانق الأحباب في ناديه
و تلذّ بالأرواح تعبق بالشّذى / و تهزّك الأنغام من شاديه
إن حدّثوك عن النعيم فأطنبوا / فاشتقته لا تنس أنّك فيه !
كم بين طيّات الدهور الخالية
كم بين طيّات الدهور الخالية / عظة لأبناء الدهور الآتية
عبر اللّيالي كاللّيالي جمّة / لكنّما النزر القلوب الواعية
الدّهر يفنينا و نحسب أنّه / يفني بنا أيّامه و لياليه
فاذا مشى فينا الفناء فراعنا / خلق الخيال لنا الحياة الثانية
إنّ الحياة قصيدة أبياتها / أعمارنا و الموت فيها القافية
كم تعشق الدنيا و تنكر صدّها / أنسيت أنّ الخلف طبع الغانية ؟
و تودّ لو يبقى عليك نعيمها / أجهلت أن عليك ردّ العارية ؟
خل الغرور بما لديك فإنّما / دنياك زائلة و نفسك فانية
إنّ الألى وطئت نعالهم السّهى / و طئت جبالهم نعال الماشية
لو أنّ حيّا خالد فوق الثّرى / ما مات " هرون " و زال " معاوية "
أو كان عزّ دائما ما أصبحت / " بغداد " في عدد الطلول البالية
أخنت عليها فدورها / خرب تعاودها الرياح السّافية
يأوى إليها البوم غير مروّع / من كلّ نعّاب أحمّ الخافيه
نزل القضاء فما حماها سورها / ولطالما ردّ الجيوش الغازية
و اجتاح مجتاح العروش ملوكها / فكأنهم أعجاز نخل خاوية
أين القصور الشاهقات و أهلها / باد الجميع فما لهم من باقية
درست معالمها و غيّرها البلى / و لقد ترى حلل المحاسن كاسية
أيّام لا دوح المعارف ذابل / ذاو و لا دور الصّناعة خالية
أيّام لا لغة " الكتاب " غريبة / فيها و لا همم الأعارب وانية
أيّام كان العلم يغبط أهله / أهل الثراء ذوو البرود الضافية
أيّام كان لكلّ حسن شاعر / كلف به و لكلّ شعر راويه
أيّام " دجلة " مطمئن هاديء / جذلان يهزأ بالبحور الطامية
" النيل " خادمه الأمين و عبده / " نهر الفرات " و كلّ عين " جارية "
تهوى الكواكب أنّها حصباؤه / أو أنّها شجر عليه حانيه
و تودّ كلّ سحابة مرّت به / لو أنّه سحب عليها هامية
و ترى الغزاله طيفها عند الضحى / في سطحه فتبيت عطشى راوية
أيّام كان الشرق مرهوب / يكسو الجلال سهوله و روابيه
أيّام تحسها العواصم مثلما / حسد العواطل أختهنّ الحالية
و لطالما كانت تعزّ بعزّها / " مصر " و يحمي ذكرها " أنطاكيه "
أيّام " هرون " يدير شؤونها / يا عصر ط هرون " عليك سلاميه
ملك أدال من الجهالة علمه / و أذلّ صارمه الملوك العاتيه
ز مشت تطوّف في البلاد هباته / تغشى حواضرها و تغشى البادية
ملأ البلاد عوارفا و معارفا / و الأرض عدلا و النفوس رفاهيه
فتحضّر البادون في أيّاه / و استأنست حتّى الوحوش الضارية
و تسربلت " بغداد " ثوب مهابة / ليست تراه أو " تراه " ثانيه
هاتيك أيّام تلاشت مثلما / تمحو من الرقّ الحروف الماحية
لم يبق إلاّ ذكرها يا حسنها / ذكرى تهشّ لها العظام الباليه
لو أنّ هذا الدهر سفر كنت يا / عصر الحضارة متنه و الحاشية
عصر لئن جاء البشير بعودة / فلأخلعنّ على البشير شبابيه !..
إيه " أبا المأمون " ذكرك آبد / في الأرض مثل الشامخات الراسيه
باق على مرّ العصور بقاءها / و كذاك ذكر ذوي النفوس السامية
إن لم يكن لك مثال بيننا / فلأنّ روحك كلّ حين دانيه
هي في الخمائل زهرة فيّاحة / هي في الكواكب شمسها المتلالية
إنّي لأعجب كيف متّ و في الروي / حيّ و كيف طوتك هذي الطاوية
و من الزمان يهدّ ما شيّدته / ويح الزمان أما تهيّب بانيه ؟
تشكو إليك اليوم نفسي شجوها / فلأنت مفزع كلّ نفس شاكية
أتراك تعلم أنّ دارك بدّلت / من صوت " إسحق " بصوت النّاعية ؟
أتراك تعلم أنّ ما أثلته / قد ضيّعته الأنفس المتلاهية ؟
يا ويح هذا الشرق بعدك إنّه / للضعف بات على شفير الهاوية
ما كان يقنع بالنجوم وسائدا / و اليوم يقنع أهله بالعافية !
مسترسلون إلى الذهول كأنّما / سحروا أو اصطر عوا ببنت الخابية
مستسلمون إلى الفضاء كأنّما / أخذوا و لمّا يؤخذوا بالغاشية
ألمجد إدراك النفيس و عندهم / ما المجد إلاّ شادن أو شادية
يهوى الحياة الناس طوع نفوسهم / و هم يريدون الحياة كما هيه
صغرت نفوسهم فبات عزيزهم / يخشى الجبان كما يخاف الطاغية
حملوا المغارم ساكتين كأنّما / كبرت على أحناكهم لا الناهية
لم تسمع الدنيا بقوم قبلهم / ماتوا و ما برحوا الديار الفانية
الله لو حرصوا على أمجادهم / فتلك عنوان الشعوب الراقية
ملك " العلوج " أمورهم و متاعهم / حتّى سوامهم و حتّى الآنية
وا خجلة العربيّ من أجداده / صارت عبيدهم الطغاة موالية !..
أبني الغطارفة الجبابرة الألى / و طئوا " اللّوار " و دوّخوا " إسبانية "
من حولكم و أمامكم تاريخهم / فاستخبروه فذاك أصدق راويه
قادوا الجيوش فكلّ سهل ضيّق / ورموا المعاقل فهي أرض داحيه
و سطوا فأسقطت العروش ملوكها / رعبا و أجفلت الصروح العالية
و مشوا على هام النجوم فلم تزل / في اللّيل من وجل تحدّق ساهية
وردت خيولهم المجرّة شزّبا / و الشهب من حول المجرّة صادية
أعطاهم صرف الزمان زمامه / أمنوا و ما أمن الزمان دواهيه
لا أستفزّكم لمثل فتوحهم / لكن إلى حفظ البقايا الباقية
أتذلّ آناف الملوك جدودكم / و تسومكم خسفا رعاة الماشية ؟
كم تصبرون على الهوان كأنّكم / في غبطة و الذّلّ نار حامية
يا للرجال ! أما علمتم أنّكم / إن لم تثوروا أمّة متلاشية ؟
" دار السّلام " تحيّة من شاعر / حسدت مدامعه عليك قوافية
فأراق ماء شؤونه و لو أنّه / في الغاديات أراق ماء الغادية
لو كل مجدك مستردا بالبكا / قطرت محاجره الدماء القانية
فعليك تذهب كلّ نفس حسرة / و لمثل خطبك تستعار الباكية !!
ولقد علقت من الحسان مليحة
ولقد علقت من الحسان مليحة / تحكي الهلال بحاجب وجبين
كلفت بها ودون وصولها / وصل المنون وثمّ ليث عرين
حسناء أضحى كلّ حسن دونها / ولذاك عشّاق المحاسن دوني
قد روّعت حتى لتخشى بردها / من أن يبوح بسرّها المكنون
وتريبها أنفاسها ويخفيها / عند اللقاء تنهّد المحزون
هجرت فكلّ دقيقة من هجرها / عندي تعدّ بأشهر وسنين
يا هذه لا تجحدي حقي فقد / أصليت قلبي بالنّوى فصليني
أطلقت دمعا كان قلب مقيّدا / وسجنت قلبا كان غير سجين
أشبهت (ليلى العامرية) فاكتمي / خبر الذي قد صار (كالمجنون)
الأربعون لو انّها تتكلّم
الأربعون لو انّها تتكلّم / لروت لنا قصص العظائم عنكم
و لحدّثتنا اليوم عن أعشاشكم / طرتم بأجنحة المنى إذ طرتم
يوم الفراق كظمتم آلامكم / و أخفّ من ألم الفراق جهنّم
و بكى الأحبّة حولكم و جفونكم / تعصي البكا حزن الجبابر أبكم
أيد تودّع موطنا و عشيرة / و مطامح خلف البحار تسلّم
ضاقت على أحلامهم تلك القرى / فاخترتم الدنيا الوساع لتحلموا
و غزوتم الآفاق لا زاد لكم / إلاّ الصّبا المتوثّب المتضرّم
كاللّيث ليس سلاح في السّرى / مخالبه التي لا تلثم
تتخيّلون البحر شقّ لتعبروا / و انداح بين الشّاطئين لتسلموا
و الدّرّ مخبوءا لكم في قاعة / كي تخرجوه و تغنموا ما شئتم
و الموج 'ذ يطغى و يهدر حولكم / جوقا لطرد همومكم يترنّم
و إذا النجموم تألّقت تحت الدجى / خلتم لأجلكم تضيء الأنجم
و حسبتم شمّ الجبال سلالما / نصبت لكم كي تصعدوا فصعدتم
و الشمس منجم عسجد متكشّف / لذوي الطموح و أنتم أنتم هم
و لكم تلثّمت الحقائق بالرؤى / كالأرض يغشاها السراب الموهم
لتطلّ من أرواحنا أشواقها / فنطوف حول خدورها و نحوّم
لم تقنعوا كالخاملين بأنّكم / لكم شراب في الحياة و مطعم
لو أن تكون حياتكم كحياتهم / عبثا يموت به الوقار و يعدم
و تأففا في اللّيل و هو منوّر / و تبرّماا في الصّبح و هو تبسّم
لو أن يكون ترثكم كتراثهم / قصر عفا أو هيكل متردّم
و حديث أسلاف قد التحفوا الفنا / فهم سواء فقي القياس و جرهم
من يقترب من أمس يبعد عن غد / و يعش مع الموتى و يصبح منهم !
و كرهتم أن تنقضي أيامكم / شكوى لمن يرثي و من لا يرحم
أو أن يبيت على احضيض مقامكم / و الدود يزحف فوقه و الأرقم
فنفرتم كالنحل ما من زهرة / فيها جنى إلاّ و فيها مغنم
في كلّ شطّ مارد في كلّ طود / قشعم في كلّ واد ضيغم
المجد مطلبكم و أنتم سهّد / و المجد حلمكم و أنتم نوّم
لا شيء صعب عندكم حتى الردى / ألصعب عند نفوسكم أن تحجموا
يا بضعة من أمّةهي أمّة / في ذاتها ولها طراز معلم
فيكم جميع صفاتها و خلالها / و الروض يحويه عطورا قمقم
إنّ الألى الجهاد عليكم / علكوا مداركهم و لم يستطعموا ...
طلبوا السلامة في القعود ففاقهم / درك الثراء و بعد ذا لم يسلموا
هؤلاء دود القزّ أحسن منهم / و أجلّ في نظر الحياة و أفهم !
قالوا كهول قد تصرّم عصرهم / ليت الشّباب من الكهول تعلّموا !
إن لم تشيدوا كالأوائل " تدمرا " / أو " بعلبك ّ " فإنّكم لم تهدموا
و لكم غد و جماله و بهاؤه / و لكم من الأمس النفيس القيّم
حدثت نفسي و القطار يخبّ بي / عجلان يخترق الدذجى و يدمدم
فسألها مستفهما لربما / سأل العليم سواه عمّا يعلم
ما أحسن الأيّام ؟ قالت : يومكم ! / و النّاس ؟ فابتدرت و قالت : أنتم
و الدور ؟ قالت : دوركم . و المال / قالت : إنّ أحسنه الذي أنفقتم
و الحسن ؟ قالت : كلّ ما أحببتم / و الأرض ؟ قالت : أينما استوطنتم
ما كان أكمل يومكم و أتمّه / لو لم يكن في مهد عيسى مأتم
و كذا الحياة قديمها وحديثها / ذكرى نسرّ بها و ذكرى تؤلم